الخميس، 19 يناير 2017

مصلوب بلغة الأرقام-علي النجار

مصلوب بلغة الأرقام




علي النجار

عراق
دموع الأرامل
مباركة هي اللعنة
والحروف الأولى الناقصة
والتجديف
وفرة في كل ما يلزم
و ما لا يلزم
ثوب الطفولة قصير
كما الزمن المعاد
بلا رجاء استقبل شفتيك
ومضة .. شرك
جناح فراشة
ادنو من النهاية
قيد أنملة
وهم النور
جدار الصمت
أختبئ
خلف  ثقب الظلمة
تزحف عناكب تيه جدتي
في الزاوية من ظلك
.....................

مصلوب الأطراف على جسر الشهداء
دجلة شاهدي
ومشهدي
اشتهيك كما انت
ندرة
والبوح متأخر



السبت، 14 يناير 2017

عطر الامكنة او ريشة الهدهد مرويات في سيرة المهمشين والمنسيين -احمد الحلي


عطر الامكنة او ريشة الهدهد مرويات في سيرة المهمشين والمنسيين ,تأليف احمد الحلي صدر عن المركز الثقافي للطباعة والنشر بابل –دمشق – القاهرة لوحة الغلاف للفنان العراقي المغترب صدر الدين امين –الاشراف الفني ولاء الصواف

ذاكرة المدن العراقية-المعرض الشخصي الاول للفنانة الزهراء صلاح قاعة اوج للفنون





ذاكرة المدن العراقية-المعرض الشخصي الاول للفنانة الزهراء صلاح قاعة اوج للفنون

الرسم بمغزاه الابعد-مذ فتحت عيناها على الحياة ابصرت اللوحات معلقة على جدران المنزل, صار الرسم عندها طقس يومي تزاوله بعشق ومحبة متعالية ,هكذا قدم له الفنان والناقد صلاح عباس

الخميس، 12 يناير 2017

جدلية البناء …. والنظرة الفلسفية …. عند الفنان والكاتب عادل كامل -د. ماضـي حســن نعمــة





جدلية البناء …. والنظرة الفلسفية …. عند الفنان والكاتب عادل كامل

 


د. ماضـي حســن نعمــة




إذا كان السعي لتحقيق فعل التوازن داخل الذات القلقة .. من جراء الإمساك بمحصلة نتائج عملية النشاط لشروط قوانين المتضادات وصراعاتها الايجابية , أي بمفهوم – نفي النفي – فان البناء في نصوص الفنان – عاد كامل – يرتبط بمفهوم ه الفلسفي .. في الرؤى , والتصور الشامل .. لجدلية تصادمات الأضداد منذ المنشئ .. – وينطبق ذلك أيضا على كتاباته الشاملة – وان لهذه الفعالية النشطة في ضرورة حتميات قوانين – الكون – التي تولد بدورها انعدام واندثار , وانكسار , تماثلت مع ما تقدمه البشرية في بناء النظم من تحيات , ونذور , وقرابين على مذبح نيل – الحرية – هؤلاء المضحون .. دوما هم المنادون بها أنبياء , وحكماء , وفلاسفة , وفنانون , الذين حملوا مشعل – الحرية , والعدالة – في هذه الأرض , وطبقوها على النفس , كما فعل ( سقراط ) والتضحية في النفس عند ( المسيح ) إن الفنان عادل كامل لديه هاجس البحث عن مفهوم الحقيقة العادلة التي أضحت اليوم غائبة في أتون أطراف الغلو ا والمتشعبات , والمواقف التي غدت تنقسم على نفسها , وتتكاثر بشكل مطرد تحت مناخات ضبابية أفقدت رؤية خيوطها الأولى على وفق نسق – براغماتي – صرف , في هذا الزمن أصبحت الأيديولوجيات , والمبادئ ذات الطابع ألقسري .. – المنغلق – الذي يفقد المرونة في التعامل مع الحياة والإنسان أكثر من عدد نفوس البشر ذاتهم .. حيث أن أحداها تفي الأخرى .. في خضم هذا الاحتدام يقف بنا عادل كامل في منعطف يخشى المستقبل , انه قلق – الحكمة , والإنسانية العطوفة على مصائر البشرية , فالأجسام العارية هي رموز تطهير الذات من شطط الذات , انه تطهير الفكر من إلغاء الأفكار الأخرى وتنقية العلم من خطر العلم , إن الفنان يريد أن يقول ان الخطر على مستقبل الإنسانية من الإنسان ذاته , وليست براكين الطبيعة وفوارتها المزلزلة في الأخطر .. فالصراعات , والمتضادات , والنفور في الطبيعة , أخيرا يولد فعل ايجابي لاحق .. فالبراكين بالضغط والحرارة ينجم منهما أحجار كريمة , وتقلبات المناخ ينجم تولد الفصول .. ولكن العصف الذري , وجزئيات الصراع الذاتي .. لا يولد سوى الدمار , وتشويه صور الجمال , ونقاء المناخ والنفوس معا , ان الفنان عادل كامل يؤيد بنا العودة الى مظاهر انتقاء توائم مسعاه لحلول معضلات العصر , انه يحاول ان يمسك بتلك المظاهر , وينتشلها من عالم متحرك قلق ليسكنها في عالمه المثالي , ولكنه عند الفنان ليس بعالم صعب المنال ..اذ ليس بيننا وبينه سوى تطهير الذات من دنس الذات .. في الكشف عنها تحت وهج الضوء دون ريب لتكتسب الشفاء والصحو .. والظلال في مخبوء للخفاء والتضليل والريبة .. فالفنان عادل كامل ينسلخ من تراكمات العصر وامتداداته السحيقة التي أثقل بها الإنسان محملا بأغلاله اطرافها المقيتة التي كتمت عل أنفاسنا , ليس في إبداء الرائي الحر فحسب , بل تعدى ذلك الى استنشاق ديمومة الحياة في مناخ نقي , انه يريد ان يحمل ذاته على اكفه ويمضي بها الى عالم ساكن خال من الافتراءات الكاذبة , ويغلفها بثياب وأغطية من فعل اختياره هو , ان تلك النوازع هي ليست نزاع مع المألوف في مظاهره الشرعية – الشكلية – لأنه بالي ومعيب , بل هي نزاعات تتوق الى تلمس أطراف الصدق والحقيقة الغائبة , ان رفضه لمقيدات الاجساد هو رفض للعودة لأصنام قديمة .. أفضت إلى فرز مقاييس ( ديماغوجية ) جاهزة للارتداء , كبلت البشر وأفقدتها حرية المرونة في الابصار والتبصير في مصائر الإنسان دون زيف وتعتيم … ان أزمة الإنسان المعاصر تتجلى في تعدد الأقنعة والاتجاهات والمواقف – البراغماتية – التي باتت مشروعة في تعامل العصرنة , وهي الوجه الآخر للانا وعبادة الذات ومصالحها المغلقة .. لذلك نجد ان عادل كامل في أعماله النحتية تحديدا لاسيما ( الريليف ) منها يعمد في تمثيل الأجساد التي غابت عنها ( الرؤوس ) ولكن : هل ان الفنان ابعد هذا الجزء لأنه يمثل الصورة الحسية .. المرئية للوجه وما يترتب عليه من حديثنا الانف الذكر ؟ أم ان الرأس يمثل العقل والفكر أيضا , والذي بدوره سيعكس بعد ا آخرا لمقاصد الفنان في نزعته الذاتية ؟



     





أرى ان كلا الأمرين حاضرين في التحليل والاستنتاج ولو توغلنا أكثر كمحاولة لفهم شخصية الفنان فيما تنطوي عليها من رؤى سيكولوجية تتسم بسمو معرفي شامل , لادركنا الازمة الحقيقية للبشر , لقد كانت تراوده دوما اجوبة مجهولة لأسئلة معلومة كثيرة , تلك هي مشكلة البحث الصميمة عند عادل كامل وأزمته التي لازمته منذ معارضه الاولى حينما كان طالبا في معهد الفنون الجميلة , إنها مشكلة البحث عن العدالة المفقودة , ففي تلك المرحلة كانت رؤوس الأشخاص عند الفنان مطاطاءة ويذكرنا قول خليل عبد الواحد عام 1971 حينما وصف أعماله بأنها … ( وجوه نحيلة بارزة العظام كأنها خطت عليها المرارة والالم ) في تلك المرحلة ونتيجة للظروف التي يمر بها البلد والمنطقة , ومنها أحداث عام 1967 وما تلاها من أحداث .. جسدها الفنان من خلال منح شخوصه صفة التشبث بالأمل برغم الالم والمرارة , لكنه بالمقابل استنفذ روحه وطاقته برغم شعوره بنشوة النصر , لقد سام الفنان تلك الرؤوس الماثلة أمامه , فأزالها من الأجساد وأبقى شخوصه أجساد تجمعها وحدة التشابه فهي إذا عودة إلى وحدة الاحساس بإزالة الفوارق القسرية , ليست نزعة تشاؤمية قانطة , بل هي استذكار وعودة الى الاختلاء بالذات الحرة التي تدرك حقيقة مفادها – ان الأجساد قد تجردت من الوجوه , التي توارت خلف اقنعة الاقنعة المزيفة , وجوه عانت الالم بفعل جلادها , فأفضت في النتيجة وحدات متشابهة على حد سواء , لا فرق بين الهامات .. ان تلك الإيقاعات الجسدية أضحت مسترخية غير مشدودة , منتصبة بأنماط قصدية , كما تناولتها ( الميثولوجيا )” في الماضي , فهي دينامية الايقاع , وان استحضرت معها طقوسها المعبدية , لكنها متحركة على وفق صياغة بنائية الشكل في التصور والعصرنة , والبعد الاخر عند الفنان بما يمثله مصدر الفكر – الذهن – الذي تتمثل فيه المعتقدات والاختيارات والمسارات التي باتت غير مجدية في تفعيل صياغة سبل الاختيارات المنفلتة من معاقل القيود القسرية …إزاء هذه المحن اختار الفنان , ان لا ضرورة في وجود قيود الافعال المتحكمة بالمصائر حينما تكون مصادرة هي الأخرى .. وهنا نسال أنفسنا : هل ان الفنان يبغي وراء هذا الخطاب اثارة تساؤلات , تحرك فينا ما حصل له وحقق له نتائج يرضي شعوره اللحظي ؟ وهنا نرى ان الامر ابعد من ذلك , ففنان ك ( عادل كامل ) عاش غمار تجاربا حياتية , وتشكيلية , ونظر في كتاباته الفلسفية والبحثية ازاء عقود من الزمن , اهلته ان يكون لخطابه ابعادا تتسم بتصورات فوق التصورات الحسية السائدة , وهو يدرك تماما ان غياب الوجوه غياب لوسائل الاتصال الحسية المدركة , والتي تتحقق فيها , او تكمن فيها اعماق الانسان , فالعاطفة والانفعالات الداخلية , وتحسس الأنغام والأصوات لا يتم الا بالوسائل الماثلة في الرأس , إلا ان ما أراده الفنان هو تأهيل المتلقي لان يعيش تجربة الفنان التعبيرية , وليثير تساؤلات , ويجيب عنها بنفسه , فضلا عن محاولته في إبقاء شخوص عائمة في سياقات الأزمنة وديناميتها في فضاءها المتحرك , والمنفلت من تحديدات معاقل المكان , اذا هي رؤية الفنان تتمثل بأبعاد قد استحدثت منابعها من نضوج شامل قد اجتاز فهم المعضلات والازمات والمحن في عصر الحداثة , بل امسك بخيوط الألغاز والمأزق لما بعد الحداثة , تفسح عنها حدسية ثقافته الشاملة . .


إيحاءات داخلية من الباطن , ومناجاة للشعور
  من جهة أخرى لا نستطيع ان نفصل تداعيات الفنان السيكولوجية في تعبيره الباطني بفعل غليانه الداخلي الذي رافقه منذ طفولته والى الحاضر , هذه التداعيات المنضبطة بفعل عقلنته الواعية , وحدسيته الحسية , والفطرية , فضلا عن اكتسابه لحيثيات , هي من مؤثرات المحيط وتنشئة البيئة الاجتماعية , الفنان عادل كامل كغيره من العراقيين تنقل بين محافظات , وأماكن متعددة ومتباينة في البيئة الاجتماعية – كمستويات المعيشة – وطرق التفكير لهذه المجتمعات والبل والأعراف التي يتعاملون بها بما توائم طرائقهم في الحياة , كل ذلك جعل الفنان يكتسب ويقارن , ويحلل ,. ويخزن في ذاكرته لإشباع مخيلته عبر أزمنة صاخبة وضاغطة أحيانا فأصبحت الأجساد الحرة في مواضيعه , هي ضرب من الرفض الداخلي لنزعته الصريحة , ارتبط بعضها ( الانحباس الداخلي ) مما اكسبها رمزية ذات أبعاد أخرى وهي اسمي من صفة الكبت السيكولوجي للفنان وأصبحت بث شفراته تارة ذات أبعاد أخرى , هي أسمى من صفة الكبت السيكولوجي للفنان وأصبح بث شفراته ذات دلالات فكرية وفلسفية , بل ووطنية تارة أخرى , فالأجساد التي اتخذت مفردات تكويناته ذات إيقاع متناغم , هي عودة الى الجذور , وعودة الى النقاء , وعودة إلى الأصل و لم تعد في النتيجة منفلتة عن انظمة المقاييس الأخلاقية في الأعراف الوضعية , لأنها اكتسبت قيم جمالية ( صوفية ) بلا نفاق او عضات شكلية غرضها استهلاك القيم الجمالية لإثارة عملية نشاط انفعالي جمالي ذاتي للفرد قد تصل الى حد الجلال في الحكم في التذوق , ان تحقيق صفة الجمال المتناغم والقوام الحسن في المخلوقات ( كنصوص ) هو وصول الى درجة الرقي والسمو التذوقي , وهو تجل , وعبادة صوفية خالصة , واذا كان الفيلسوف ( كانت ) اعتبر الجمال هو الاخلاق ومن قبله ( اليونان ) فان – عادل كامل – قد ازال الظلال عن وهج السمو وقدسية الجلال , فاضحت نصوصه الجمالية جزءا من العرف السلوكي وليس ضده , ان معرفتي بشخصية الفنان والكاتب المبدع عادل كامل عن قرب شكل لدي صورة واقعية في التحليل والاستنتاج لإماطة اللثام عن معنى اعمق في اعماله , ولفك الغاز رموزه المشفرة وقد عزز ذلك ملازمتي له لمدة غير قصيرة , اكدت لي مدى الجدية والصبر والشفافية في الحس والصدق في التعبير لديه , اذ ان الفنان لا يبغي من المنجز التشكيلي او الادبي سوى تحقيق الانسجام وتوافق مع مكنوناته الداخلية هذا الصدق قد ابعده عن الاستعانة بالاستعارات والتقنيات المألوفة ذات الصياغة الشكلية المزوقة لغرض تسويقها تجاريا , ان المتتبع لأعمال الفنان منذ كان طالبا في معهد الفنون الجميلة لا يكترث لتلك الوسائل , فهو يرفض استجداء اراء الاخرين , وهذا ما اكده النقاد في بداياته الاولى , لقد ذكر ( ابراهيم الزاير ) عن المبدع عادل كامل عام 1969 ( بالإمكان اعتبار عادل كامل ردا عمليا على تحذلق المتحذلقين الواهمين بحجر عريض ودليلنا على بساطة ونقاء الانسان العادي القريب نمن ذاته , ولم تفسده حيل التكنيك ) لذلك ارى ان ميزة الصدق الطفولة والعفوية الخالصة في اعمال الفنان ستجعلها تراثا حيويا مهما مضافا الى النتائج والعفوية الخالصة في اعمال الفنان ستجعلها تراثا حيويا مهما مضافا الى النتاج الحضاري للبلد تزداد كلما انحدرت نحو الماضي , وهي امتداد لموروثنا التشكيلي المعاصر , الناتج من رموز الحركة التشكيلية المعاصرة كـ ( جواد سليم وخالد الرحال ) . .
رموز معبدية تمسك بالأهداف
للمناخ المعبدي اجابات عن اصالة العصر من خلال الامساك بلحظة الزمن المتحرك , طالما ارقت مضاجعه , اذ تنطق بجمل ومقاطع ذات اشكال طوطمية – ميثولوجيا – ورموز تتوشم بنظام الايقاع السومري , فالفنان في منحوتاته الناتئة ( الرليف ) قد وضع كفه على نبض التاريخ الرافديني كي يقيس بها تجربته ومشروعه كي يخاطب بها حداثة العصر , وازماته المعلنة , والفن العراقي بشكل عام لا يخلو من أزمات اكتنفت مسيرته أسوة بأوجه الثقافة الأخرى , هذه الأزمة ارتبطت بالواقع الموضوعي للعراق والمنطقة بصورة عامة دفعت المبدعين لاختيار علامات ورموز , واحيانا دلالات مشفرة يكتنفها غموض وتأويل اسسه غياب الحرية وفرض الرقيب على النتاج , ولكن من الملاحظ ان اعمال الفنان عادل كامل كانت تتسم بالابتعاد عن التراكيب المعقدة , والتي لا تقبل الوهم في التفسير , وترمز على جانب الحرية بوصفها بؤرة مركزية لرموزه الاخرى , وهذا الامر يعود الى التعبير عن الازمة ذاتها , فهي اذا بحث عن أسباب شروط بقاء ونمو الإبداع وليس ما تلاه , فمنهم من مضى بإصرار على الرغم من عجاف سنواتهم , ومنهم من ضمن اعماله مغزا يحقق نتائج الاطمئنان وازالة الرقيب , والبعض تعطلت مواهبه ليدخل غياهب الصمت والهجرة , لينطوي مع سكون الذات المؤجلة من بين هذه المسارات تمحورت اعمال الفنان ( عادل ) بفعالية مؤجلة صارخة ضد صمت مقيت , ولكن بهدوء الحكمة .. فنجد ان الوانه اتسمت بأطياف هادئة – محايدة – لا تتخللها متضادات سوى تقنيات , ونتائج لجدلية الفكر , مستثنين من ذلك بدايته الأولى في المائيات والأعمال الزيتية التي تتضمن مواضيع نكبة 67 حزيران , والموضوعات الوطنية ( الشهيد ) وغيرها كتعبير حماس شبابي آنذاك , ولكن بعد ثلاثة عقود من الزمن تبلورت عنده الرؤى لتحويل ( الاحتباسات الحسية ) الى دفق من المعرفة التي توازي مستوى النضج الثقافي ( في الرواية والادب والنقد التشكيلي ) تلك المسارات في تنوع حقول المعرفة لم تشتت اوصاله بل تظافرت في تكامل القدرة على القياس والتمييز والحكم على النتائج لنفسه ولغيره من الفنانين , هذا الهدوء في تلمس حساسية اللون كان ينطبق تماما مع بساطة تقنياته كما ذكرت انفا , ومن الملاحظ ان الفنان كان ميال في اغلب الاحيان الى النحت – الناتئ -والذي خلق من خلاله اشكالا بأبعاد ثلاثية , او سطوح مستوية ذي بعدين ربما لانه يجمع بين خصائص الرسم والنحت معا , كما ان خلفية الفنان الكرافيكية , وتمرسه فيها عمليا من حفر ( طباعة ) تلصيق ( كولاج ) قد اوجد له في النحت الناتئ ما يجمع بين هذه التجارب , لاسيما وانه قد ادخل اللون على أعماله النحتية , كما إننا نجد في أعماله الكرافيكية والنحتية ( الريليف ) التخطيطية تقاطعا لإيقاعاته التصويرية بخطوط مائلة , لم تفقد العمل ( دراماتيكية ) كمضمون أو حركة الشكل الهرموني , وقد تزداد هذه الإشعاعات والتقسيمات الهندسية لتخلق تداخل تكعيبي يوصلنا في الغاية الى بساطة التنفيذ , وأصالة الفكرة .


تحولات
أما في أعماله الأخيرة فعلى الرغم من ان للفنان تجارب سابقة في النحت المدور , وهذا ما لمسناه في معرضه الشخصي عام 1994 إلا ان هذه الأعمال المنفذة بمادة – الجبس – كانت حقا تحقق ( الإثارة الحسية ) للمتلقي , ان لم نقل الصدمة الحسية له , فهي خلاصة مخاض محتدم داخل ذات الفنان في الإحساس بمحنة القدر ( الموت ) التي طالما شغلت هاجس الفنان والكاتب عادل كامل كرؤية فلسقيه تتحدى النزوع إلى قدرية الاستهلاك إلى مأزق الخوف من الاقتراب إلى مصائر صنعتها أيدي تريد ان تلغي مبررات قدسية الموت , من اجل إفساح المجال إلى الحياة , ان الترويج إلى صفات الموت , والترويع , وتهديد الأمل , والسوداوية للموت هي امر من الموت ذاته .. في أعمال الفنان عادل يريد ان يوازن بين الحياة والموت , في ان يشيد صروح الأمل والخلود في شخوصه التجريدية التي استلقت من خلال استلقائها في وعائها المحرابي والمستطيل الهيئة , أضحت جزء من محيطها والفته اكثر مما كانت تؤرق مضاجعهم في الحياة , تلك الرؤى لدى الفنان قد عصرتها الأحداث , لاسيما الأخيرة منها .


ضحايا وقصص قصيرة أخرى- عادل كامل









ضحايا وقصص قصيرة أخرى





   [ ـ" انه لمن الغريب والمثير لأقصى درجات الأسى أن نلاحظ كيف إن سباق التسلح يدمر الحس الأخلاقي. فانا لو تسببت عمدا ً بإصابة شخص بالسرطان وجب أن اعتبر وحشا ً، غير أنني إذا ما تسببت عمدا ً بإصابة آلاف الناس بالسرطان اعتبرت وطنيا ً نبيلا ً"]
بيرتراند راسل  



[ـ سيدي...، علينا أن نعرف ماذا يريد العدو...، كي نحاوره، ونتصالح معه.؟
ـ يا حمار...، نحن مازلنا غير متصالحين مع أنفسنا..، فهل باستطاعتنا أن نعرف ماذا يريد هذا العدو ، كي نعرف ماذا نريد؟!؟]







عادل كامل
 [1] ضحايا
ـ جد لي حلا ً لمعضلة الإناث، فهن يضاعفن الولادات، كلما حصل نقص في عدد أفراد القطيع. إنهن لا يمتنعن عن إنتاج المزيد من الضحايا، إزاء تزايد الهجمات علينا، بل يعملن، كما تعمل البكتريا والجراثيم، كلما حاولت القضاء عليها، استحدثت دفاعات تجدد إرادتها على إنتاج المزيد من المواليد ...
وأضاف:
ـ أريد أن تجد لي حلا ً لهذا العويل والصراخ والنحيب الدائم بين الأمهات الثكالى، لا يضربن عن إنتاج الضحايا، ولا يعرفن ماذا يفعلن إزاء تزداد شراهة الأعداء في طلب المزيد...؟
ـ حتى لو فكرن بالإضراب..، والامتناع عن الحمل والولادة، فإنهن ـ سيدي ـ سيعرضن القطيع برمته إلى الانقراض، والزوال؟
ـ تقصد انه لا توجد حلول سليمة تضع حدا ً للمعضلة، وإنهن عاجزات إلا على ديمومتها؟
ـ أنت تتحدث ـ سيدي ـ عن برمجة ترجع إلى ملايين الملايين من السنين...
ـ ولكني أيضا ً أتحدث عن الأمهات اللائي ينجبن المزيد من الأبناء، أما يرسلوهم للموت في الحروب، وأما العيش تحت خط الفقر، وأما للتشرد والسكن في المنافي ...؟
ـ آ ...، فهمت قصدك...، فأنت مازلت تحلم بوجود قانون يحد من التضخم، من ناحية، ومن الفقر المدقع، من ناحية ثانية؟
ـ أحسنت! بدل أن نرى هذه المشاهد المروعة لأشلاء الموتى وكأن برنامجها مازال مستمدا ً من أصوله الضاربة بالقدم...،  إن الإناث لم يعد يكترثن لخسائرهن، حتى لو  ملأن الدنيا عويلا ً وصراخا ً واستغاثات، بل يصررن بعناد غريب على إرضاء أفواه المفترسات الأكثر شراسة، بطيب خاطر!
ـ سيدي ...، لو لم يحرصن على أداء هذا الواجب على أكمل وجه...، فان الحياة بأكملها ستتعرض للاندثار، والزوال.
ـ ها أنت لا تفكر إلا بالقانون الذي يحمي الجائرين، وبالقانون الذي يجعل من الإناث أنفسهن ضحايا لا عمل لديهن إلا على إدامة المجازر....؟!
ـ آ ....، اذهب وأسأل الحوت كم ألف ألف سمكة تكفيه في الوجبة الواحدة؟
ـ أسأل من؟
ـ اذهب وأسأل هؤلاء....، ولا تسأل الأمهات الشبيهات بالمصانع لا عمل لديها إلا على زيادة الإنتاج ومضاعفته، أو  الطرد! فهن لا يمتلكن إلا عبوديتهن..، من جهة، وعلى إنتاج عبيد لا يمتلكون إلا عبوديتهم، من جهة ثانية.
ـ  ها أنت تسد أبواب المستقبل علينا؟
ـ لا ...، إن أبواب المستقبل مشرعة أبدا ً...، فمن يفقد الأمل كمن ارتكب ما لم يرتكبه القاتل الأول...، ولا القاتل الأخير!
ـ هكذا سنمضي في مشاهدة استعراضات أسلحة الفتك، والدمار...، لا نعرف، بعد استخدامها، من سيبقى على قيد الحياة ...؟
ـ لا تكترث...، فالجنة تحت أقدام الأمهات!
ـ والجحيم؟
ـ  سيدي، من يتذوق مرارات هذه الدنيا، لا يسمح إلا للقلة التي تهاب الجحيم، إن كان في عالمنا، أو في العالم الآخر!  

[2] عبور
  اقترب منه كثيرا ً:
ـ أنت تتألم كثيرا ً ..، ولكنك لا تعمل على معالجة ألمك، بل كأنك لا تريد أن تتخلص منه؟
   لم يجب. فعاد يخاطبه:
ـ  بل كأنك وجدت في ألمك فرحك الوحيد...، مثل من يتتبع موته برزانة، وهدوء؟
رفع رأسه قليلا ً:
ـ  هذا غير صحيح! فانا لا اجلد نفسي، ولا أعاقبها، ولكن ماذا افعل عندما لا امتلك إلا أن أرى النكبات تحدث الواحدة بعد الأخرى، عبر الشاشات...، وأنا وحيد معزول أعيش أيامي الأخيرة...، سوى أن اكتم لوعتي وافضحها، بشهادة تبدو، كما قلت، تضاعف سقمي، وأوجاعي؟
ـ لكن النكبات تقترب منك، زاحفة، وكأنك بانتظارها، وليس هي من تسعى إليك!
ـ وماذا افعل سوى أن استقبلها، وأنا أسير جسد غدا فائضا ً، وبحواس عاطلة عن العمل، وبإرادة عمياء!
ـ كأنك لا تريد حتى أن تنجو...؟
ـ آ ...، إنا لم اختر ألمي،...، فهل ترغب أن ادع الألم يمشي وحيدا ً ولا أشاطره عبوره نحو المجهول؟


[3] ثور ليس للبيع
   رأى الغراب ثورا ً ضخما ً يقف وسط المزرعة وينادي:
ـ رأسي للإيجار!
  فاقترب الغراب منه وسأله:
ـ أنا اشتريه، فهل تبيعه؟
ـ آ ...، سيدي، أنا لم يعد لدي ّ رأس للبيع...، بل للإيجار!
ـ لم افهم؟
ـ  سيدي هو من اشترى رأسي، ولما وجده لا يساوي شيئا ً، قرر أن يعرضه للإيجار، فانا لا يحق لي أن أبيع شيئا ً لا امتلكه!
ـ بالعكس...، كان على سيدك أن يبيع رأسك!
ـ سيدي يقول:  المزرعة التي لا ثيران فيها لا حكمة فيها أبدا ً!

[4] قطيع
    خاطبت الحمامة رفيقها، وهما يراقبان قطيعا ً من الخراف:
ـ  مع أن عدد أفراد هذا القطيع لا يحصى...، إلا أنني لم اسمع خروفا ً واحدا ً قال كلمة تختلف عن باقي أفراد القطيع؟!
ـ اقترح عليك أن تصبح خروفا ً لتعرف الحقيقة عن قرب!
ـ لم يكن هذا ـ هو ـ قصدي، بل سألتك لماذا يذهبون إلى المسلخ وهم يهتفون بصوت واحد؟
ـ أعود وأقول لك أن تصبح خروفا ً كي تخبرني بالحقيقة!
ـ لا أريد أن اذهب إلى الموت وأنا لم اقل كلمتي بعد!
ـ إذا ً ...، ليس لديك إلا أن تتمتع بصوت القطيع الموحد...، وأنت تنتظر الموت!



[5] مرة أخيرة
ـ هل تصدق ...، أن ما تراه...، لن تراه مرة ثانية؟
ـ اجل!
ـ غريب..، انك أجبت ببرود، بلا تردد، ومن غير خوف؟
ـ لأنني مازلت لا اصدق  هل حقا ً أنني رأيت كل هذا الذي لن أراه مرة ثانية، والى الأبد؟

[6] سخرية
ـ أتعرف لماذا انقرضت اللقالق، في حديقتنا؟
ـ  لم يعد الأطفال يسألون أمهاتهم: من أين جئنا؟
ـ لا! ...،  بل لأن الأمهات لم يعد لديهن إجابات مراوغة!
ـ آ ...، أرجوك اشرح لي قصدك؟
ـ ألا ترى أن الشرح، في هذه القضية، يفسد المعنى؟
ـ لا تراوغ!
ـ لو كنت راوغت لقلت لك: اللقالق لم تعد تحتمل أكاذيب الأمهات...، والآن لم يعد الأطفال يصدقون أكاذيب أمهاتهم...، كما أن الأمهات لم يعد لديهن أولاد يسألون أسئلة لا تثير إلا السخرية!

[7] كفن
ـ ما الذي يؤلمك...؟
فرد عليه بصوت مرح:
ـ هذه هي المعضلة...؛ أمضيت حياتي كلها أتألم من اجل قضايا لا تستدعي الألم...، والآن، وأنا استعد للمغادرة، لا أتألم من اجل قضايا  تستحق ما هو اكبر من الألم!
ـ هذا هو التوازن...، أليس كذلك؟
ـ لا ...، هذا هو الذي منحني اللامبالاة السعيدة:  انك توهمت انك كنت على صواب، فعندما كان عليك أن تتعلم كيف تكون صادقا ً، لم تفعل...، وعندما تحتم عليك أن تراوغ لم تفعل...، وقد فات أوان المحاسبة!
ـ ها أنا أجدك تتألم؟
ـ ربما ...، ولكنه الألم الذي  يماثل عمل الكفن وهو يتستر على الجسد!

[8] عزاء
   بعد غيابهم لسنوات طويلة، حتى كاد لا يتذكرهم، عادوا... فسألهم، الواحد بعد الآخر:
ـ أين ذهبت...، وماذا رأيت؟
ـ  ذهبت إلى كوكب كافة سكانه يعملون..، فصرت اعمل مثلهم، وهكذا أمضيت حياتي أتنعم بالأمن والسلام.
ـ وأنت؟
ـ أنا ذهبت إلى قارة لا يعرف سكانها سوى الرقص..، فرحت ارقص حتى صرت واحدا ً منهم.
ـ  وأنت؟
ـ أنا عثرت على بلاد لا يعرف سكانها إلا المرح...، والغناء، بعد انجاز الواجب، فصرت اغني في العمل، واعمل فرحا ً بما اعمل.
ـ وأنت؟
ـ أنا ذهبت إلى مدينة لا يوجد فيها أشرار...، فدربوني، حتى عشت حياة خالية من الشر ومن الشقاء.
ـ وأنت..؟
ـ  أنا ذهبت إلى عالم آخر...، مختلف، حيث الجميع يعملون، كما تعمل خلية النحل، يرقصون، ويغنون، حتى كدت أنسى أن هناك خاتمة للحياة.
ـ وأنت...؟
ـ أنا رأيت ما لم أره من قبل...، فلم أر قويا ً ولا ضعيفا ً، لا غنيا ً ولا فقيرا ً، لم أر أحدا ً يحمل سلاحا ً، ولم أر مكظوما ً، لم أر أيتاما ً، ولا أرامل ولا ثكالى ولا معاقين ولا عاطلين....، لم أر سجونا ً ولا بيوت للعجزة، ولم أر بيوتا ً للدعارة،  لم أر مصحات ...، حتى أني عندما أفقت أدركت أني أمضيت حياتي وأنا لا اعرف اهو حلم حياتي، أم أني أصبحت مأوى للأحلام!
ـ آ ... يا أحفادي، آن لكم  أن تقتربوا مني ...، وتقيموا مناحة علي ّ...، آن لكم أن تحفروا لي قبرا ً...، فانا ليس لدي ّ ما يروى...، فقد آن لكم أن تشاركوني البكاء، للحظة، آمل أن لا تدوم...، بانتظار عودة أحفاد أحفادكم إلينا، كي لا يجدوا سوى الرماد..، وهذا الغبار،  ويشاركوننا العزاء، والبكاء!

[9] حلم
   قال الحمل لامه:
ـ سمعت الواعظ يقول أن الإله سيعاقب الذئاب  بنار خالدة في جهنم ...
ـ الم أخبرك أن حياتنا، يا عزيزي، في هذه الحديقة، وجيزة..
ـ ها، ها، أصبحت تتحدثين مثله، كي أبقى احلم  بحديقة خالية من الذئاب!


[10] دعوات
   وهو محاصر من الجهات كلها، داخل مغارته، مع أفراد عشيرته، سمع فأرا ً يهمس في آذنه:
ـ لابد انك لم تدعو اله غابتنا لإنقاذنا من هذه الوحوش...؟
ـ الم اقل لك انه استجاب لندائي فأبقانا أحياء حتى هذا اليوم...، وإلا من أنقذنا من أنياب هذه القطط، ومخالبها...؟
ـ أرجوك ..، ادعوه...، أن ينقذنا مرة واحدة أخيرة...
ـ  يا حمار...، وما علاقة إلهنا بنا بعد أن انزل الطاعون والجذام والفزع في قلوب أعدائنا!
ـ هذه هي المعضلة، أعدائنا يموتون فزعا ً، ونحن نموت جوعا ً..،  فلا تعرف دعوة من استجاب لها اله هذه الغابة، دعوات الوحوش أم دعواتنا...، فمنحهم الصبر بانتظار هربنا، لافتراسنا، ونحن منحنا هذه الثقوب كي تخمد أنفاسنا فيها!

[11] مسرة!
ـ متى تشعر بالمسرة...؟
ـ عندما يبلغ العجز في ّ ذروته وقد فشل في أن يخمد أنفاسي، فأقول: يا لها من مناعة نادرة حتى إنها لم تسلبني لذّة  الحلم بالموت!


[12] حروب
ـ رأيت البحر يغلي، كأننا في قدر، ورأيت الغيوم تسقط حجارة من نار، ورأيت السماء  تطبق علينا...، ثم أفقت، فما هو تأويلك لهذا الحلم وتفسيره الصحيح؟
ـ يا أحمق...، هذه هي الحقيقة، فبعد أن  نزول، ربما سنحلم بالعثور على مستنقع لم تصله ويلات الحروب!


[13] مفارقة
ـ الآن فقط عرفت لماذا ينتصر الحمقى والأشرار!
ـ لماذا...؟
ـ لأنهم لا يستمدون قوة بطشهم إلا من الأحلام المستحيلة للأكثر ذكاء ً فوق هذه الأرض!



[14] ملاذ
   سأل الغراب حمامة كانت تراقب ـ معه ـ الاشتباكات:
ـ لِم َ تحصل هذه الحروب التي لن تترك سوى الدمار، والخراب؟
ـ هذه هي المهزلة...، فهؤلاء الأقوياء الذين يمتلكون المغارات، بعد الاستيلاء على الغابات، وعلى مصادر المياه ...، يواجهون هؤلاء الذين لا يمتلكون حتى حق الدفاع عن حفرهم التي تركت لهم، مع المياه الآسنة، والدغل...
فقالت الحمامة بسخرية:
ـ  إنها ليست مهزلة فحسب، بل لا اسم لها...، لأن ما ترك لهم من حفر، ومستنقعات، ودغل، تركت لهم كي يواصلوا العمل من اجل هؤلاء الذين يمتلكون الغابة!
ـ وهم يعرفون؟
ـ هم لا يعرفون، في الغالب، ولكن ماذا لو عرفوا، وهم لا يمتلكون إلا أجسادهم يبحثون لها عن حفر يدفنوها فيها!
قال الغراب:
ـ أنا سأمنحهم أجنحة للطيران!
ضحكت الحمامة بأسى عميق:
ـ وهل تركوا لهم ملاذا ً للخلاص؟

[15] مفترسات
  خاطب الأرنب جاره بعد بزوغ أشعة الشمس، وملأت فضاء الغابة:
ـ الآن تستطيع أن تعترف للعالم بما فعلوه بك، خلال ظلمات الليل.
ـ ألا تغلق فمك وتدعني أموت بسلام!
ـ آ...، ماذا فعل بك الخوف؟
ـ إذا كانت مفترسات الليل قد تركتنا على قيد الحياة، فمفترسات النهار لن تترك لنا حتى على اثر!

[16] حمقى
ـ هل تعتقد أن الإله قاس ٍ حد انه يرى الأطفال يذبحون ويقتلون ولا يفعل شيئا ً لهم؟
ـ يا أحمق..، انه يمتحن صبر الأمهات!
ـ آ..، لو لم أعرفك، لقلت كلاما ً آخر..
ـ وأنت ماذا تقول؟
ـ  أنا اعتقد أن الأمهات هن ّ من نذرن أولادهن!
ـ من اجل أن يتسلى القتلة بسفك دمائهم البيضاء؟
ـ لا..، يا أحمق، بل تحديا ً لهم، لأنهن لن يتوقفن عن مضاعفة الإنجاب!


[17] ديمقراطية
ـ أتعرف ما هو أفضل تعريف للديمقراطية؟
ـ أن يجري الحوار بين النار والماء، من غير هزيمة احد على حساب الآخر!
ـ جيد! هذا ما قيل قبل قرون طويلة..، ماذا عن اليوم؟
ـ أن تبقى تحاور الجدار حتى تدرك  انه سينطق بما هو ابعد من صمته!
ـ هذا هو بمثابة الهزيمة المكللة بالنصر؟
ـ يا حمار...، ومتى انتصر الهواء على التراب، ومتى انتصرت النار على الوحل...، ومتى انتصرت الظلمات على النور؟
ـ ولكن هل وصفك لي بالحمار هو جزء من الديمقراطية؟
ـ عندما تصغي إلى صمت الصخور  ستدرك إنها لم تخرج إلا من رحم اعتى البراكين غضبا ً، وأكثرها قسوة!

[18] الكنز!
ـ أراك لم تعد تخاف حتى من الموت؟
ـ سيدي، من يتذوق مرارات هذه الحياة، يدرك...للآسف، إنها لا تساوي شيئا ً وأنت تمتلك الكنز!
ـ ولكن موتك يمنح الجائرين علوا ً آخر...؟
ـ بالاقتراب من ذروته!
ـ  ألا ترى انك تتحدث بلا حول ولا قوة؟
ـ  اخبرني...، لطفا ً، كم عمرت الديناصورات، كم عاشت الخراتيت، كم...، وكم سيدوم أمد الشمس، وكم سيطول عمر هذه الحديقة؟
ـ ها أنت ـ سيدي ـ تساوي بين الجلاد والضحية؟
ـ آ ...، لِم َ تحرجني، وتربكني وأنا استعد للرحيل، وأنت مازلت لا ترى المشهد إلا في مقدمته؟!

[19] إضراب
   بعد أن أضربت الحمير عن النهيق، اثر أوامر صدرت باستبدال الشعير والبرسيم بعلف مستورد مصنع من المواد غير الطبيعية...، سأل المدير مساعده:
ـ ما هي أهداف هذا الإضراب؟
ـ لا غايات له، إلا عدم الاشتراك بالهتاف لمجدك؟
  صمت المدير برهة، ليسأل مساعده:
ـ وهل لهذا الإضراب اثر في باقي المواشي، والبهائم، والدواب؟
أجاب المساعد حالا ً:
ـ نعم، نعم سيدي، فالنعاج هي الأخرى كفت عن الترنم باسمك، والبغال كفت عن المشاركة بالاحتفالات، والضفادع لم تعد تنق أيضا ً.
ـ البغال..، آ .. حتى البغال؟
ـ أصابتها العدوى...، سيدي.
ـ وما الحل؟
ـ  سيدي، لدينا الحل الوحيد المجرب ألا وهو حرمانها من العلف..، كي تدرك إنها ستموت جوعا ً، قبل أن نرسلها إلى السباع والذئاب والنمور ...!
   لكن كبير الحمير تقدم بطلب لمقابلة السيد المدير، فأذن له، فسأله المدير:
ـ  تفضل..، قل ما لديك.
ـ سيدي، إن الأعلاف الجديدة..، تجعلنا نهتف بأسماء الشركات المصدرة للعلف...، ولهذا قررنا إعلان الصمت، وليس إعلان الإضراب!
ضحك المدير بقهقهة متقطعة:
ـ  كنت اعرف أن ولائكم لي بلا حدود...، بل وأنا أشاطركم صمتكم أيضا ً!


[20] النملة والفيل
   وقفت النملة فوق رأس الفيل، وقالت له:
ـ كم أنت عظيم، يا سيدي!
وأضافت:
ـ حتى أني كلما هتفت امجد عظمتك، أجد أني لم افعل شيئا ً..!
   هز الفيل خرطومه، وقال لها:
ـ  هذه هي المعضلة...، كلما سمعتك تهفين بحياتي، أدرك  أني لم اقدر إخلاصك، وعظمتك أيضا ً!
ضحكت النملة:
ـ  أتسخر مني؟
ـ بل اسخر من القدر الذي جعل عظمتي مقترنة بهتافك لي، أيتها النملة العزيزة!
5/1/2017

الجمعة، 6 يناير 2017

الفنان المحامي حميد العطار في ذمة الخلود


في الزقاق القديم-علي النجار





في  الزقاق القديم





علي النجار                                                              

... في الزقاق حيث ولدت
أثر ضاع
أثر مقيم
 كان صيف
ليس سوى الجسر العتيق
ونورس وحيد يزعق خلفي
حداد على الزمن الضائع
والزمن المجهول
و غبار .. البيت القديم
.............................

لا نورس يلتفت للخلف
لا تذكار يعود
في بلد النوارس الجديد
ليس سوى كلمات إثر كلمات إثر كلمات
ترفعني
تخفضني
وحفنة من تراب قديم


في التشكيل العربي المعاصر- في مشروع سلام عمر الجمالي "تقسيم" الميتافيزيقا لا تتستر على الغياب!- عادل كامل



 في التشكيل العربي المعاصر

في مشروع سلام عمر الجمالي "تقسيم"
الميتافيزيقا لا تتستر على الغياب!


عادل كامل
   قبل نصف قرن، بدأت حياتي الفنية بسؤال: ما الفائدة من إنتاج (الفن)، في مجتمعات سلب منها الخيال، استنادا ً  إلى فرضية تقول أن أسلافنا ـ قبل عصر الطوفان الأعظم ـ  كان خيالهم قد صاغ نسيج أساطيرهم، على خلاف زمننا: صار الناس أسرى آليات الواقع، ومن غير أساطير، ومن غير خيال، عدا: استكمال ما هو قيد المرور ابعد من حدوده.
    سلام عمر، في العام 2016، وفي البلد الوحيد القادر على إعادة التوازن للثقافة، مع ضدها، لبنان ـ بيروت،  لا يبحث عن إجابات، بل يقترح أسئلة لا تقوم على اللغة، ولا تقوم على الأساطير: هل بلغ العصر (العربي) ذروته، في دحر التقدم، وفي مواكبة العالم، والتمسك بأمل ما، حتى لو كان وهما ً...؟


     




    ففي مشروعه الفني "تقسيم" (بمعنى ما تفكيك) يغدو تاريخ الحداثة قد أصبح أكثر وضوحا ً لتمثل مصائر لم تعد تحدث فوق الأرض، بل عبر: الصور ـ والأثير. إنها تنتسب إلى (اللا كون) الذي صار وجودا ً لاستكمال مروره، وليس لمعرفته، أو التحكم بمساراته.  فالإحساس بالواقع لم يعد برنامجا ً طليعيا ، أو حتى حقا ً مستلبا ً، بل جزءا ً من وجود بلا مقدمات، وبلا زمن.

 



   فهل ثمة معنى للـ (الفن)، بعد أن غدا (سلعة/ شيئا ًكباقي الأشياء/ أو حيزا ً مشغولا ً بالفراغات)، منذ نبهنا هيغل لصدمة موت الفن، حيث لم تعد للميتافيزيقا مكانة في لفت النظر، فالرأسمالية، ليست اختراعا ً حديثا ً، أو وليدة التراكمات، مثلما أن مستقبلها لا تحدده القوى المضادة لها، ذلك لأن نظام (بذرة الخلق الأولى) ـ برمجتها أو خطتها  العصية على الإدراك ـ تأسست على النحو الذي  يدعه يكمل كل ما نراه قد جرد الإنسان من شروط وجوده: الهواء وليس الكرامة، الغياب وليس الديمومة، الخبز وليس الحرية، القبح وليس الجمال، القهر وليس المسرة، الألم وليس الوجع، العنف وليس المودة أو الوئام ...الخ، كي يختار الفنان سلام عمر (المسدس) علامة، وكان باستطاعته ـ طبعا ً ـ أن يختار أي رمز آخر من رموز عصرنا،  ينتسب إلى اللغة التي شغلت مساحة القرن الأخير، اللغة بوصفها فنا ً يكمل مقدماته، منذ أن تفككت الإمبراطورية العثمانية، وصولا ً إلى تفكك أوربا ذاتها، بعد خروج بريطانيا من مشروع أوربا الموحدة.  فالتقسيم مفهوم يتجاوز آليات عمل الجدل، وصراع الطبقات، وأفول الأيديولوجيات، وبزوغ عصر ما بعد العولمة.
   حقا ً لا يستطيع المتلقي أن يشعر بالـ (القرف)، أو بالكراهية، وهو يشاهد أسلحة شبيهة بالحلوى، ملونة، زاهية، ومنجزة بتصميم أخاذ، جذاب، حتى بدت (المسدسات) واجهة لعرض السلع الأكثر تداولا ً على صعيد الجماعات، الأفراد، والمؤسسات، ومقترنة بشركاتها، ودولها، حتى كأنها تبرهن أن غياب (الهوية)، لا يعني غياب (الإنسان)، بل على العكس: إن للفن مكانة في منح الصراع ديمومته، بل، وشرعيته، في دينامية آليات الصراع.
    إننا إزاء العاب، لم يبذل الفنان سلام عمر جهدا ً ببنائها، بل راح يلتقطها، عبر البصر، لتغدو إعلانات عبر الفضائيات، وعبر وسائل الاتصال المختلفة، الأكثر تطورا ً في حداثتها.

     


   فالمسدس ليس رمزا ً للقهر، أو للقوة، أو لإثارة الفزع، والكآبة، بل غدا نموذجا ً لأكثر الأسلحة شفافية، نعومة، جاذبية في وجودنا.  فالخيال لم يعد يذهب ابعد من حدود واقعيته السحرية: لأن العلامة لا يمكن عزلها عن نظام إدارة القارات، ومجتمعاتها، إن كانت أوربية ـ مصدرة للبضائع ومتحكمة بالأسواق ـ أو في العالم الثالث ـ وهي تستجدي مصيرها، حتى وهي تحتفل بخرابها، وأفولها.
    لكن هل ثمة صدمة، جمالية، في الأقل، لهذا الضرب من الفن وقد أعاد للصورة دور اللغة في التمويه، كما في أساطير الماضي وهي تمجد الآلهة، أم أن سلام عمر، يؤدي الدور ذاته لحامل (الكفر) دون ارتكابه...؟
    إن مجتمعا ً من غير فن، بالبداهة، ليس مجتمعا ً. لأن إنسان ما قبل التاريخ، لم يتكون، إلا بالفن. فالصدمة الأولى ستكون ذهبت مع الريح، في مجتمعات منشغلة، حد الموت، باختراع تصادمات لا تطرد الإبداع الفني، بل تحول الإنسان ذاته، إلى سلعة، لكنها سلعة خالية من الميتافيزيقيا. وهذا ما سمح للتدمير أن يتوغل في بلدان كانت تنعم بقناعة الصمت، في الأقل، ليتم تفكيكها، كما تم تفكيك (الذرة)، في فاتحة القرن الماضي، ليتم الاحتفال بالإبادات الجمعية، وما ستتركه من آثار عميقة ليس بموت (الفن)، أو موت (الإنسان)، بل بجعل الحياة تمضي كحكاية أعدت خاتمتها لها قبل أن تكون لها مقدمات.
    سيقال: هل هذا المعرض الجذاب للسلاح ـ ولنتخيل تاريخ الأسلحة، منذ الرمح، السهم، السيف، المدفع، الصاروخ عابر القارات، وصولا ً إلى الأسلحة الناعمة، ما بعد الذرية ـ يمتلك قدرا ً من إثارة الدهشة، أو الصدمة، أو الاستفزاز، بالخيال السائد لدى النخب، وليس لدى الملايين إلا الانشغال بالبحث عن: الخبز، والهرب من الاجتثاث، والمحو..؟
    ربما لم يترك سلام عمر، للفن، إلا الأثر؛ الصدى وقد سكن العلامة، أسوة بكنوز المتاحف الحربية، لا تمتلك إلا مرورا ً شبيها بمرور الأطياف، لكنها لا تمتلك  رغبة بإعادة فجيعة الأسئلة: كم قتلت، وكم هو عدد ضحاياها. فالفن الذي يحرض على إثارة الأسئلة، أما يخاطب من لا يفهم شيئا ً، أو يخاطب الذين لا تساعدهم المعرفة إلا على تجنب الخوض فيها. فهل ثمة (قسوة) أكثر بلاغة، من  تحول القسوة إلى صورة، لا تقارن، إلا بالحلوى، والعاب الأعياد، والانتصارات التمويهية، أو بالعروض السحرية للأسلحة التي  لا تترك ألما ً، بل ولا حتى ذكرى ما لغيابها؟!
26/12/2016

الأربعاء، 4 يناير 2017

مفهوم العقل العربي: أو الدعامة الفكرية للاستبداد-*موليم العروسي

مفهوم العقل العربي: أو الدعامة الفكرية للاستبداد
*موليم العروسي

لا أعرف كيف أشرح أن ينخرط الشباب، جسدياً وعملياً، في الإقبال على منتوجات التكنولوجيا الحديثة، وأن يستهلك آخر ما أنتج على مستوى الصورة والموسيقى واللباس، ولكنه يتوقف في قراءاته عند حدود القرن التاسع عشر الأوروبي ويحتمي في الغالب بملاءمة الفكر العربي التقليدي مع الفكر الحديث الذي أنتج في القرن الثامن عشر؟
يسألني طلبتي، بكثير من المكر، عن كيفية ملاءمة الحداثة وما بعد الحداثة مع حياتنا اليومية، وكيف يمكن لأمهاتهم وجداتهم فهم الحياة وفق هذا المنظور؟ يسألونني، وفي عيونهم حيرة عميقة، حيرة ذلك الذي يجد نفسه أمام طريقين، لكنه لا يزال يتردد في الأخذ بأحدهما.
أعرف جيداً أن الأمر لا يتعلق لا بأمهاتهم ولا بجداتهم ولكن الأمر يتعلق بهم هم، وصعوبة التخلص من منظومة تربوا فيها ولا يعرفون شيئاً غيرها. هذه المنظومة صنعتها المدرسة المغربية كما خُطِّطَ لها بِتأَنٍّ ومكر مكيافليين. ابتدأ مشروع التحول في التعليم المغربي من سنة 1965. فبعدما تم التراجع عن المشروع التحديثي السياسي الذي نادى به الجناح اليساري للحركة الوطنية واسترجاع الملكية على عهد محمد الخامس لغريزتها السلطوية التي كانت قد تخلت عنها مضطرة بحكم ظروف الاستعمار، أصبح الباب مشرعاً لإقامة نظام تعليمي يعيد إنتاج الخضوع والعبودية. ولم تجد الدولة أحسن من العودة للتراث لإعادة تنشيط الفكر السلطوي.
تزامن هذا مع حرب أكتوبر العربية الإسرائيلية، والتي وجد فيها دعاة العودة للماضي في العالم العربي، فرصة المطالبة بالتخلص من بقايا الاستعمار ومنها اللغة. ولكن العودة للغة العربية التي كانت تعني بالنسبة لبعضهم العودة للثقافة العربية، عنت للسلطة العودة إلى التقاليد وغربلتها من كل ما من شأنه أن يمس بالعمود الفقري للسلطة الأبوية الذكورية البطريكية الاستبدادية بصفة عامة. وكان النظام يعرف جيداً أن اللغات الأجنبية (الإنكليزية والفرنسية) تحمل في طياتها فكراً لا يتلاءم مع تكوين الرعية التي يريد، لذا قدم نفسه مسانداً لأؤلئك الذين يطالبون بالعودة للماضي. وبطريقة غريبة تحولت اللغات الأوروبية في التعليم إلى تقنية فقط تنتج التكنوقراط والتكنولوجيين لتبقى روح العربي مرتبطة بالفكر التقليدي. كل ما يعيد النظر في السلطة البطريكية التي هي أساس الاستبداد كان من اللازم أن يبقى خارج التعليم التقليدي. لذا حرص حراس النظام، وهم جيش من رجال التربية والتكوين، على أن تبقى بنية التفكير أبوية تقليدية، من هؤلاء من كان يعي ما يقوم به، ومنهم من كان يقوم بهذا مدفوعاً بغريزته الرجعية.
تعود بي الذاكرة إلى استجواب مطوَّل كانت أنجزته مجلة “الثقافة الجديدة”، في ملف خاص عن الثقافة المغربية ونشرته مجلة “الكرمل” الفلسطينية، نظراً لأن السلطات المغربية كانت قد قررت توقيف “الثقافة الجديدة” من جملة مجلات أخرى. في هذا الاستجواب أكد محمد عابد الجابري أنه يرفض سيغموند فرويد والسبب “أنه (أي فرويد) يهتك أعراضنا” (هكذا). علم النفس التحليلي (رغم ما يعتريه من هفوات) بالطبع يخلخل بنية النظم البطريكية؛ لذا أفهم موقف العابدي، الذي وضع، هو نفسه، برنامجاً مُعَرَّبََا للفلسفة سارت عليه أجيال، وأظنها ما زالت عليه إلى اليوم. وهو نفسه الذي وضع تصور تدريس الفلسفة وعلم النفس وعلم الاجتماع بالجامعات المغربية منذ تعريب الفلسفة (والذي كان عرابها أيضاً) إلى حدود الإصلاح الجامعي في بداية سنة 2000. وبعملية حسابية بسيطة سوف نرى أن جل ممتهني الفلسفة اليوم هم من نتاج برامج عابد الجابري. لا غرابة إذن في أن تتلقف الأجيال هذ النوع من التفكير على أساس أنه أحدث ما وصل إليه الفكر الإنساني. فلقد تربت عليه أجيال لتعتبر في النهاية أن أرقى ما يمكن أن تصل إليه هو هذا النمط من التفكير.
أتذكر في بداية الثمانينات، وأنا مدرس مبتدئ بجامعة الدار البيضاء، كان طلبتي يأتونني بنص جميل لغوياً وذي رنة غريبة بعنوان الأدب والغرابة. كنت حينها أدرس الحقيقة عند أفلاطون. كل ما كان يهم الطلبة حينها هو الافتخار بالفكر العربي الذي وصل حسب قولهم إلى مستوى عال قبل الفكر الغربي. كنت أقول لهم إن الرجوع إلى أفلاطون لا يعني، بالمرة، الاستنجاد بالماضي، لكي يمدنا بحلول لمعضلاتنا الآنية. الأمر كان يتعلق بتفكيك نظرية الاستعارة وردها إلى أصولها الميتافزيقية حتى يتبين لأولئك الذين كانوا يعتبرون أن العرب كانوا سباقين في علوم برع فيها الغرب، لاحقاً، لم يكونوا على صواب. لم نكن نقدس النص الإغريقي ولا النص العربي، كنا نفكك النص، نبحث في ثناياه عن ذاك الذي يتسلل إلى فكرنا دون وعي منا.
كنا وقتها بالمغرب خارجين للتو من ضربة قاسية أنزلتها السلطة على انتفاضة الدار البيضاء في يونيو 1981. وعلى المستوى العالمي كانت هناك النشوة المفرطة للإسلاميين بفعل نجاح ما كان يسمى في الأدبيات الإعلامية بـ “الثورة الإسلامية الإيرانية”. كان الجميع يقدم مقترحاته للخروج من الباب المسدود. لكن فُرِض في الآن نفسه على الفلسفة في تلك السنة، كما قلت، أن تنكمش وتنسحب من ساحة المقترحات. أصاب السياسة نوع من التشتت المذهبي والشك المنهجي وبقي الفكر يقاوم الاستبداد الذي أحسسنا بزحفه على أصعدة متعددة.
لكن قبل كل هذا، كان الفكر المغربي يتجه إلى التعبير عن نفسه من خلال ثلاثة تيارات : تيار تقليداني تقوده الدولة (وكان مهندسه هو الحسن الثاني)، ويلتقي في خطوطه الكبرى مع الوهابية والنظرة الأميركية للصراع، أو للطريقة التي يجب أن يتحول إليها الصراع العقدي في المنطقة ضد الشيوعية والتيارات الشيعية؛ تيار يتبنى ما كان يعبر عنه المفكر المغربي، عبد الكبير الخطيبي، بالنقد المزدوج أي نقد الثراث العربي والإسلامي من جهة ونقد الفكر الغربي وخصوصاً الاستعماري منه المتحول إلى إمبريالية من جهة أخرى وبناء فكر آخر مختلف Pensée Autree. من هنا كان التأكيد على اليُتمِ، هذا المفهوم الذي لم يستوعبه كثيرون لحد الآن والذي سوف نعود إلى تحليله لاحقاً. ومحور ثالث كان يظن، ولا يزال، أن الحل في التراث. هذا التيار هو الذي سيطر على الجامعة المغربية نظراً لتحالفه، عن غير وعي ربما، مع بعض التيارات الدينية ونظراً لدعمه من طرف الاستبداد العربي (البترودولار والقومية) وهذا هو تيار الخصوصية.

يعتبر هذا التيار أن للعرب حضارة وثقافة خاصة مختلفة عن شعوب العالم وهذا صحيح. هذه الخصوصية في نظر هذا الفكر تجعل من العقل العربي شيئاً مختلفاً تماماً عن العقول الأخرى. بادر هؤلاء إلى اعتبار العقل الكوني مجرد عقل غربي، جهوي وسارعوا، على شاكلة الفلاسفة الغربيين الذين حاولوا تحليل آليات العقل (الحديث هنا عن إيمانويل كانط وهيغل) إلى البحث عن خصوصيات عقل عربي خالص. لا يعترفون إذن بكونية العقل بل بجهويته ومن منطقهم هذا يمكن أن نعتبر أن ما أنتجه العقل الغربي (الكوني) لا يمكنه أن يتلاءم مع العقل العربي. هذا العقل العربي الذي صدر عن نص، هو القرآن، وعن نصوص قامت بتحليله وشرحه والتعليق عليه والتفاعل معه يمكنه، في نظر هؤلاء، أن يكون خاصية لمنطقة جغرافية لا أدري من سماها بالعالم العربي. لذا سحب هؤلاء منظومة فكرية نابعة من نص على أعراق وأجناس وثقافات لا تتكلم حتى العربية أحياناً.

هذا المنحى، والذي ما زال يبحث في التراث النصي الذي يتردد صداه من الماضي عن معضلات شعوب المنطقة، هو الذي سيطر بالمغرب والعالم العربي وما زال وهو الذي أَمَدَّ الأصولية الدينية من جهة والاستبداد السياسي من جهة أخرى بالأسس النظرية للدفاع عن أطروحة الخصوصية. فكل من الأصولية الدينية والاستبداد يعتبران أن مفهوم العقل ومفهوم الإنسان، ومن ثم مفهوم الحرية والديمقراطية دخيلة على المنظومة الفكرية والروحية العربية لذا لا يمكن الأخذ بها، ووجب تطوير مفاهيم نابعة من الأرضية الفكرية لهذه الأمة العربية.
هذا التيار يبحث في التراث البعيد عن مخرج لمعضلة آنية.
______
*ضفة ثالثة

الجمعة، 30 ديسمبر 2016

( أنت كالكلب ، وإياك أعني )- حامد كعيد الجبوري / العراق / بابل

( أنت كالكلب ، وإياك أعني )
حامد كعيد الجبوري / العراق / بابل
     دخل علي بن الجهم 188 - 249  هـ الشاعر البدوي بملابسه الخشنة الرثة ، وشكله المتجهم مدينة بغداد وهي حاضرة الخلافة العباسية ، سمع الشاعر الجهم الناس يقولون  أن الخليفة المتوكل يغدق على الشعراء والمداحين ، فدخل لقصر الخلافة مبتغيا مدح الخليفة لكسب المال ، أصغى بن الجهم لشعراء البلاط وهم يمتدحون المال عند خليفتهم فنهض من مكانه وقال يا أمير المؤمنين أسمح لي بالقراءة ، وقرأ ( أنت كالكلب في حفاظك للود / وكالتيس في مقارعة الخطوب / أنت كالدلو لا عدمناك دلواً / من كبار الدلا كثير الذنوب ) ، والدلا هو ما يشبه الصاع الكبير ينتهي بقاع البئر ويربط بحبل لسحب الماء ، وكثير الذنوب تعني كثرة ما تحويه من الماء  ، وبرواية أخرى ( من كثير العطايا كريم وهوب ) ، والرواية الأولى أدق مصدرا ، شاط الخليفة غضبا ولحظ الحراس وسياف القصر ذلك فاستلوا سيوفهم وأحضروا  النطع – فراشٌ من الجلد يوضع لمن يقطع رأسه كي لا يلوث السجاد الدماء -  ورموه أرضا وكُتِّفَ الشاعر بالقيد ليذبح علنا أمام الأشهاد ، سأل الخليفة المتوكل العباسي الشاعر وأجاب ، بعد الإجابة عرف الخليفة أن الشاعر بدوي ، ولا أقرب للبدوي من الكلب والبئر والدلاء فقال أتركوه ، وأمر إدخاله الحمام ، ومنحه كسوة مناسبة ، وبيت على نهر دجلة ، وجارية ، شرب الشاعر عذب ماء دجلة ، وخالط الناس ، وشرب المدامة فتغير طبعه ومنطقه ، وصح حدس الخليفة بهذا البدوي الشاعر ، وما هي إلا شهورا قليلة فكتب ( عيون المها  بين الرصافة والجسر / جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري / أعدن لي الشوق القديم ولم أكن / سلوت ولكن زدن جمرا على جمر ) ، ولأننا عرَّجنا على الكلب الذي مُثل به المتوكل العباسي فيقال أن للكلب عشر صفات من المؤمنين أوردها الحسن البصري والأصمعي وغيرهم الكثير ، وأعطى سبب تحبب الصفة  عند الكلاب ، وصفات الكلب كما أوردوها  أولها : ليس له مقدار بين الخلق وهو حال المساكين ، وثانيها   :  أن يكون فقيرا ليس له مال ويكون صفة المجردين ، وثالثها :  ليس له مأوى معلوم والأرض كلها بساط له وهو من آداب المتوكلين ، ورابعها : أكثر أوقاته جائعا وهو من آداب الصالحين  ، وخامسها : إن ضربه صاحبه لا يترك بابه وهو من علامات المريدين ، وسادسها : لا ينام من الليل إلا اليسير وذالك من صفات الخاشعين، وسابعها : أن يطرد ويجفى ثم يدعى فيجيب ولا يحقد وذلك من علامات العاشقين ، وثامنها : أكثر عمله السكوت وذلك من علامات المرتاضين ، وتاسعها  :   يرضى بما يدفع إليه صاحبه وهو حال القانعين  ،  وعاشرها : إذا مات لم يبق له شيء من الميراث وهو من مناقب الزاهدين    .
     ومما رويّ لي عن عزة النفس والكبر وحفظ الود عن الكلاب  من بعض الأصدقاء ثلاثة حالات استوقفتني كثيرا  تختزنها ذاكرتي ، 1 : أحد التجار المترفين يسكن في بيت منيف كبير في كرخ بغداد ، وكان له كلب يحرس داره ، ومن عادات التجار تعطيل محلات تجارتهم أيام الجمع ، وعصر كل جمعة يخرج التاجر من بيته وبيده مسبحة ثمينة ليجلس مع أصدقائه في مقهى لا تبعد كثيرا عن بيته وتطل على دجلة الخير ، حين يخرج يتبعه الكلب ويقرفص قبالة المقهى التي يؤمها صاحبه، ويعود مع صاحبه ، هرم الكلب وأصبحت ساعات نومه أكثر من ساعات يقظته ، طرده صاحبه من البيت ورماه للشارع وأغلق باب داره ، لم يبرح الكلب بيت التاجر وكان يذهب ليجد قوته في المزابل القريبة ويعود الى حيث دار صاحبه ، ولم يترك مرافقة صاحبه وهو يجلس أيام الجمع مع أصدقائه ، الظاهر أن أحد اللصوص كان يخطط لسرقة المسبحة الثمينة من يد التاجر ، وفعلا ركب اللص دراجة هوائية وخطف المسبحة من يد التاجر وهرب مسرعا ، صرخ التاجر بأعلى صوته ( حرامي – حرامي ) ولم يستطع اللحاق باللص لبدانة التاجر  ، ركض الكلب خلف دراجة اللص ، وعضه من رجله ، وأسقطه أرضا  وهم بالهجوم على اللص ، واللص  يعرف أن هذا الكلب يملكه التاجر ، وخاف من وصول التاجر له ، وربما يمسك ويسلم للشرطة ، فما كان من اللص إلا أن يرمي المسبحة ، ألتقط الكلب المسبحة وعاد  لصاحبه وبين أسنانه المسبحة وأخذها التاجر من فم الكلب ، لم يذهب التاجر بعد الحادثة الى المقهى وعاد لبيته ، حين وصل لباب الدار مع الكلب الوفي ، وفتح الباب وقال لكلبه تعال وعد لمنزلك ، نظر الكلب للتاجر نظرة احتقار واشمئزاز وهز بذيله وغادر المكان ولم يعد للجلوس أمام باب الدار ثانية ولم يعد نهائيا .
     الحالة 2 : صديق شيخ عشيرة يقول كان عندي كلب شجاع وأمين وذكي جدا ، يقول كنت أميز نباحه ولماذا ينبح ، أن كان ينبح لضيف أو للص أو لخطر يدهم القرية ، يقول صديقي شاخ الكلب عندنا وأصبح كثير النوم ، والأكثر أن أولاد الكلب وذريته كانوا يقسون على الكلب الكبير ويحرمونه حتى من الطعام ، وكنت أنهره وربما أفرد له طعامه فيسرقونه منه أيضا ، يقول بعد أيام افتقدت وجوده وسألت عنه أولادي وقالوا لا ندري ، اختفى الكلب يوم ، يومين ، أسبوع ، شهر ، فقلت لنفسي ربما مات بمكان ما ، يقول كان بستان  أختي المتزوجة يبعد بحدود 2كم عن بيتنا ، قلت اليوم سأزور أختي وأتناول طعام العشاء معها ، حين وصلت لدار أختي فاجئني كلبنا الهرم عندها ، ولاعبته وقلت له سألت عنك كثيرا حتى ظننتك مت ، والكلب المسكين يرمي بنفسه على أقدام صديقي الشيخ ويعبث بأطراف إزاره ويحمحم له ويهز ذيله فرحا لرؤية مربيه ، يقول بعد تناول طعام العشاء عدت ماشيا لبيتي ، ورافقني الكلب بمسيري ، وكنت فرحا بعودته ، قبل خمسين مترا عن بيتي وقف الكلب عن المسير ، قلت له تعال لا تخف فسأفرد لك مكانا خاصا لا يصل فيه إليك بقية الكلاب ، لم يتحرك من مكانه ، وأعدت عليه الحديث ولم يستجيب ، ضربته بعصاي ضربات خفيفة على ظهره ولم يستجيب ، يقول قلت للكلب ( أذهب فإنك لا تستحي وتترك بيتك ، وتخاف من ولدك ، والأكثر تذهب دخيلا لبيت غريب لا تعرفه ) ، يقول عدت لبيتي ونمت ليلتي ، وخرجت لقضاء أعمالي  ونسيت الكلب ، بعد أيام تذكر الشيخ كلبه وقال ابحثوا عنه ولم يجدوا ، طلب من أحد أولاده الذهاب لبيت عمته ليسأل عن الكلب وعاد وقال لوالده لم أجد الكلب عند عمتي ، يقول خرجت للمكان الذي توقف عنده الكلب ورفض الدخول معي للبيت فلم أجده ، يقول شممت رائحة كريهة فتوجهت نحوها ، ووجدت الكلب مختفيا بين فسائل نخلة وهو ميت ، يقول عدت للدار حزينا لأني لم أتفقده أو أذهب له بطعام .
     الحالة 3 : صديق  يسكن بأطراف المدينة ويخشى من الأطفال أو اللصوص تسلق سياج الدار لسرقة أي شئ من حاجيات المنزل ، وصديقي من المربين لطيور الزينة  ، جلب كلب صغير وضعه بشرفة الدار المطلة على الحديقة ، كبر الكلب وأصبح وسيلة تنبيه للرجل ، وفعلا كان الرجل يميز نباح الكلب أن كان لمن يمر عابر سبيل  ، أو لمن يحاول تسلق سياج الدار ، أحد أصدقاء الرجل  قال له أن كلبك ليس من فصيلة جيدة وسأعطيك كلبا من عندي وهو كلب يسمى (     Wolf dog ) ، وقبل أن يجلب الكلب الجديد أخذ الكلب القديم بسيارته ورماه بمكان بعيد جدا عن بيته ، عاد الرجل لبيته فوجد الكلب القديم قد وصل للبيت قبله ، فقال لنفسه ليبقى خارج الشارع ، وكان الكلب مرابطا بباب الدار ويأكل مما يرميه له أصحاب الدار ، جلب صديقي الكلب الجديد ووضعه بنفس الشرفة فأنتبه الكلب القديم أن كلبا جديدا حل مكانه ، رمق لصديقي بعينيه ورفع رأسه للشرفة وغادر المرابطة بباب الدار ولم يعد لها وليومنا هذا .
     بعد التغيير وسقوط صنم الدكتاتورية البغيضة كتبت بيتين من الشعر الشعبي تلخص ما أريد قوله في هذه الموضوعة ، ( عجيبه عالجلاب التنبح بهل اليوم / نزع ثوب الجلاب وصاير بريكي / ربيت الجلب يحرسني .. ملخني! / وبثوبه يهز لو شاف أمريكي ) ، - بريكي ملابس شبابية يمتاز بلبسها بعض الشباب عديمي الذوق والأخلاق –  ، وبنفس إطار هذه الموضوعة ( غزالة ) زوجة شبيب الخارجي أحد كبار الخارجين على بني أمية ، وأستحل الكوفة أيام إمارة الحجاج الثقفي ،  وهو ( شبيب بن يَزيد بن نعيم بن قيس الشيباني )  ، وكانت زوجته ( غزالة )  قد نذرت لو مكن الله لزوجها الكوفة فستصلي ركعتي شكر لله في مسجد الكوفة ، ووفت غزالة نذرها وصلت ركعتين قرأت في الأولى سورة البقرة كاملة ، والركعة الثانية سورة آل عمران ، فهزأ شعراء الكوفة من جبن أميرهم الحجاج الثقفي وكتبوا شعراً ، ( أسد علي وفي الحروف نعـامة / فتخاء تنفر من صفير الصافـر / هلا برزت إلى غزالة في الوغى / بل كان قلبك في جناحي طـائر ) ، وموضوعنا له علاقة والعاقل .