الاثنين، 27 أكتوبر 2014

«تفاحة آدم» بين الانبهار والدهشة-*يوسف عبود جويعد

«تفاحة آدم» بين الانبهار والدهشة


*يوسف عبود جويعد
كلما تقدمت كتابة الأديب وممارسته لمختلف الأجناس الأدبية سواء كانت شعرية أو سردية فإنها تشكل لديه خبرة متراكمة تنعكس على كتاباته فهو كالمعدن الثمين يزداد لمعاناً وبريقاً ويغلي ثمنه ويكون نفيساً.
«تفاحة آدم» للروائي والقاص ناطق خلوصي خير دليل على ذلك الفكرة غريبة المضمون جديد السرد ذات النفس الواحد غير المنقطع – الانبهار – الدهشة – الشد- المتعة- فما أن تبدأ بقراءة السطور الأولى من الرواية حتى ترحل معها سابحاً في فضائها دون أن يعترض طريقك ما يوقفك عن المتابعة وبكل اهتمام.
عبد الوهاب هذا الأديب والصحفي المعروف في الأوساط الأدبية والسياسية وله عمود يومي في احدى الصحف وزوجته ربة البيت وابنه منير الذي هاجر إلى مصر بعد أن جاءه تهديد من مجهول وابنه نصير الذي لازال طالباً وزوجة منير وابنه سلام تحوم أحداث الرواية بين هؤلاء الأبطال الأكثر بروزاً في الرواية.
هذا الرجل الكبير الذي خبر الحياة ونهل من خبراتها فبعد أن يبعد منير عن زوجته ويترك فراغاً كبيراً في نفس سلافة زوجته يترك فراغاً كبيراً في حياتها وأهمها الفراغ الجنسي ويدخل هذا الأب بخبرته الكبيرة في دهاليز حياة سلافة عندما تتصل فيه من مقر عملها وتطلب منه الحضور لكونها تمر في مشكلة بالعمل ويحضر إليها بسرعة ليستكشف الأمر وعندما تخبره بان احد زملاؤها من الموظفين وقع عنها في مستندات مهمة لم يكترث للأمر واعتبرها حادثا عرضيا سيزول وفي أمر غاية في الغرابة.
يدهشنا الروائي البارع بانحراف غريب وسريع في مسار أحداث الرواية وأجوائها عندما يدعوها إلى تناول طعام الغذاء وقضاء وقت ممتع في احد مطاعم بغداد الغريبة مطعم «الكهف» وهذا المطعم خاص للعشاق وهو عبارة عن كهف شبه مظلم ولا يسمح بدخوله إلا لرجل وامرأة وعندما يدخل يضيء احد العاملين شمعة ويتقدمهم لدهليز مظلم ثم إلى غرفة مظلمة فيها سرير وفيها أجواء تتيح للعشاق أجواء رومانسية حالمة.
لا أكتمكم سراً عندما أقول إنني شعرت وأنا ادخل معهم بشيء من التقزز والاستغراب فكيف لهذا الأب أن يأخذ زوجة ابنه في مكان كهذا ويختلي بها وهو الرجل المثقف الواعي إلا أن سرعان ما زال هذا الإحساس فهذا الرجل بالرغم من جرأته التي تضعنا في حالة من الانبهار والغرابة للحد الذي نصل فيه إلى الشك بارتكاب الخطيئة فهو يدعوها إلى خلع ملابسها بعد أن خلعت الجبة والحجاب ويطلب منها أن تبقى في ثوب النوم ويطلب لها البيرة ويدعوها لتنام على السرير لترتاح وهذا المكاشفة أشبه بعملية اللعب بأعصاب المتلقي إلا انه لا يمسها أو يسيء إليها وهذا ما دفع سلافة إلى التعلق فيه أكثر وتطلب منه أن يعطيها قصة تفاحة ادم.
هذه القصة هي المدخل لحل الألغاز التي تدور في البناء السردي للرواية فحواء هكذا كان اسمها في القصة تميل إلى أبيها وتحبه إلى حد العشق الروحي وتعتبر جزءا من حياتها الخاصة جداً ولا تخجل منه حتى أنها تدخل معه الحمام رغم أنها في سن المراهقة وتدلك ظهره وكان الأب يعطيها حرية ممارسة انوثتها دون أن يعيق هذا التصرف أو يتصرف بشواذ.
عندما تقرأ سلافة القصة تكشف سرها بأنها كانت تتعامل مع أبيها بذات التصرف الذي تقوم فيه حواء بالقصة ويظل هذا الرجل يتعامل مع سلافة بأسلوب يستحضر غريزتها الجنسية ويثيرها وهو يذكرها دائماً بأنها زوجة ابنه إلا أنها تزداد فيه عشقاً وتتعلق فيه يوماً بعد آخر لما تجده من انفتاح وتصرف وشخصية ذات مزايا خاصة جدا وتختلف عن باقي البشر.
ليس هنالك أب يصل بالعلاقة مع زوجة ابنه إلى هذا الحد الذي يصل فيها إلى أن تتصرف وكأن ليس معها احد وتستحضر أنوثتها كما انه يكشف أن هذا الإحساس داخل كل امرأة وهو مرض نفسي معروف ويظل هذا الرجل يراعي ويهتم بسلافة وتكتشف سلافة من أرسل هذا التهديد لزوجها منير فهو من ابن خالها الذي كان يحبها ويريد الزواج منها.
إن أجمل ما في الرواية هو كلما انطلقت بقراءتها أحببتها أكثر وتشوقت للاستمرار بقراءتها دون توقف فعبد الوهاب لم يتوقف إلى هذا الحد في التعامل مع سلافة بل استطاع أن يحصل لها إجازة لمدة سنة من دائرتها بفضل نفوذه ومعرفة الناس به وكذلك يسافر معها وفي خلوات متعددة تحاول سلافة أن تصل إليه وتقترب منه وتحبه وتجره إلى ارتكاب الرذيلة إلا أن هذا الرجل كان يناجي الأنوثة فيها فقط وكانت كل تصرفاته تدعونا إلى الإعجاب به والتعلق به وبعد رحلة يصل إلى مصر وهناك تلتقي بزوجها منير إلا أنها لا تتركه وتحاول في الخلوات التي تمر في الشقة التي يسكنها منير أن تقترب منه أكثر حتى أنها دفعته إلى تقبيلها مرغماً.
هناك أيضا عندما يجد أن شقة منير الشبيهة بالقفص وضيقه يؤجر لهما شقة جديدة وكبيرة تليق بهما ويتلقى مكالمة هاتفية من زوجته تدعوه للحضور لأن ابنه نصير قد القي القبض عليه بسبب خروجه مع المتظاهرين ويعود إلى بغداد تاركاً سلافة مع زوجها وابنها إلا أن هذا التعامل المشترك الذي حدث بينهما يظل يخالج شعورهما عندها نكتشف أن ما يقوم به هذا الأب أشبه بعلاج نفسي لظاهرة غريبة، فقد طرح لنا الروائي قيمة غريبة ومبهرة وكان السرد ينساب هادئاً رقيقاً جميلاً وكما أشار إلى ذلك الدكتور حسين سرمك حسن في ظهر غلاف الرواية عندما قال «بعد مسيرة حكائية طويلة، قطع أشواطها الروائي المبدع ناطق خلوصي بمثابرة واقتدار حصلت لديه ظاهرة مدهشة، تتمثل في هذا التفجر الإبداعي السردي في تناول موضوعة الدافع الجنسي الخطير».
*كاتب عراقي/جريدة عُمان

اعظم 8 اسئلة فلسفية لم تحل بعد-بقلم: جورج دفورسكيك-ترجمة: فاطمة القريشي و أحمد الجنابي مراجعة: حسن مازن


———————-
بقلم: جورج دفورسكي
تاريخ النشر: 24/ 9/ 2012
ترجمة: فاطمة القريشي و أحمد الجنابي
مراجعة: حسن مازن
———————-
تزدهر الفلسفة حين لا يستطيع العلم الصارم الأجابة. الفلاسفة لديهم رخصة التكهن حول كل شيء من الميتافيزيقا إلى الأخلاق، وهذا يعني أنهم يمكن أن يسلطوا الضوء على بعض الأسئلة الأساسية للوجود. الأخبار السيئة؟ هي هذا الأسئلة التي قد تُضع دائماً خارج حدود فهمنا. وفيما يلي ثمانية أسرار فلسفية، ربما قد لا نجد لها حل أبداً:
1- لماذا يوجد شيء بدلا من لا شيء؟
وجودنا في هذا الكون شيء غريب جداً تعجز عنه الكلمات. وانتظام حياتنا اليومية جعلنا نعتبر وجودنا أمراً بديهياً – ولكن في كل مرة ولو للحظة نتحايل للخروج من هذا الرضا والدخول في حالة عميقة من الوعي الوجودي، ونسأل أنفسنا: لماذا توجد كل هذه الأشياء في الكون، ولماذا تحكمها هذه القوانين الدقيقة بشكل رائع؟ وماذا ينبغي لوجود أي شيء على الإطلاق؟ نحن نعيش في الكون مع أشياء مثل المجرات الحلزونية، والشفق القطبي، وسبونجبوب سكوير. وكما يلاحظ شون كارول، “لا شيء حول الفيزياء الحديثة يفسر لماذا لدينا هذه القوانين بدلاً من غيرها، على الرغم من أن علماء الفيزياء في بعض الأحيان يتحدثون بهذه الطريقة – لكن الخطأ يمكن تجنبه إذا تناول الفلاسفة الأمر بشكل أكثر جدية.” وأما بالنسبة للفلاسفة، فأن أفضل ما يمكن أن يثيرهُ هو المبدأ الإنساني – الذي ينص على أن ظهور كوننا بشكل دقيق بسبب وجودنا بصفة مراقب في داخلها – اقتراح يحتوي على هالة من الحشو غير المُريح.
2- هل عالمنا حقيقي؟
هذا السؤال الديكارتي الكلاسيكي. غالباً ما يُثار، كيف لنا أن نعرف إن ما نراه من حولنا هو الحد الحقيقي، وليس بعض من الوهم الكبير الناتج من قوة الغيب (التي أشار اليها رينيه ديكارت بـ “شيطان الشر”)؟ وفي الآونة الأخيرة، أُعيدت صياغة السؤال كمشكلة “دماغ في وعاء”، أو جدل المحاكاة، وبإمكانه أن يكون وبصورة جيدة جداً من نتاج محاكات مُفضلة. أما السؤال الأعمق طرحاً فهو: هل تدار الحظارة بمحاكاة – وهو نوع من أنواع النكوص العملاق ( أو أحد مفاهيم المحاكاة). وبالتالي، ربما لانكون ما نعتقد نحن عليه الآن، مُفترضين بأن الناس الذين يديرون المحاكاة هم جزء من العملية، ربما تكون هوياتنا الحقيقية مكبوتة بشكل مبالغ فيه عن حقيقة التجربة. هذا اللغز الفلسفي يجبرنا أيضاً على إعادة تقييم مانعنيه بـ “الواقع”. يجادل الواقعيون بأن العالم من حولنا يبدو منطقياً (عكس كونه حالم، وغير منسجم، وغير قانوني)، في هذه الحالة لم يعد لدينا خيار سوى الإعلان عن إنه أمر واقع، أو ربما، كما يقول سيفر
Cipher بعد أكله لقطعة محاكاة في فلم ماتركس “The Matrix”: “الجهل هو النعيم”.
3- هل لدينا إرادة حرة؟
تسمى أيضاً بمعضلة التقرير، فنحن لانعرف إذا ما كانت هناك سلسلة من الأحداث العفوية تسيطر على أفعالنا (أو بعض المؤثرات الخارجية) أو نحن فعلاً لدينا إرادة محضة في أتخاذ قراراتنا. يُخضع الفلاسفة (وبعض العلماء) هذا الامر إلى آلاف السنين التي لاتُظهر نهاية في داخلها. إذ كان فعل أفعالنا يتأثر بسلسلة من العفويات، فإن التقرير صحيح إننا لانملك إرادة حرة، ولكن في حال كان العكس صحيح -فهذا يُسمى مراوغة- وبالتالي فأن أفعالنا لابد أن تكون عشوائية- وهذا ما يدفع للمجادلة على إنها ليست إرادة حرة. على العكس مِن مَن يعتنقون التوافقية –
compatibilism. حيث أخضعوا المسألة إلى توافق بين فكرة الأرادة الحرة وشرطية العلم. مما أسهم بتعقيد المشكلة تقدم علم الأعصاب الذي بين إن أدمغتنا تتخذ القرارات قبل حتى أن نُدركها، لكن إن لم تكن لدينا إرادة حرة فلماذا نتطور للوعي بدلاً من اللاوعي؟ ميكانيكا الكم جعلت هذه المشكلة أكثر تعقيداً بأقتراحها إننا نعيش في عالم من الأحتمالات، وإن الحتمية من أي نوع أمر مستحيل. وكما قال ليناس فيبستاس Linas Vepstas: يبدو إن الوعي مُوثق، ومُصور، ومُرتبط بمرور الوقت، في الحقيقة، فإن فكرة حتمية الماضي وثبوته، وجهل المستقبل متناسبة جداً، لأن إذا كان المستقبل مُقدَّر مسبقاً فلن يكون هناك إرادة حرة و لا أي نقطة مشاركة بمرور الوقت.
4-هل الله موجود؟
ببساطة، لايمكننا معرفة إن كان الله موجود أم لا، فكلا من الملحدين والمؤمنين مخطئ في تصريحاته، والعقلانيين على صواب لأنهم ببساطة يبدون ديكارتييون بهذا الشأن، مُميزين بذلك القضايا الإلهية المُنزلة، المعنية و أهداف التساؤلات الإنسانية. نحن لانعرف الكثير عن الالية الداخلية للعالم والتي تجعل أي نوع من الشكاوى الكبيرة بخصوص طبيعة الوجود وإن كان هناك محرك وجود في مكان ما أم لا، يُرجع الكثير من الناس ذلك للمذهب الطبيعي -مُقترح يفترض سير العالم وفق عمليات مستقلة- ولكن هذا لايعارض وجود مؤسس عظيم ربط حركة جميع الأشياء (وهذا مايدعي بالربوبية). وكما أُشير سابقا، ربما نحن نعيش في محاكاة حيث يوجد مبرمج (إله) يسيطر على كل الموجودات، أو ربما العقلانيون محقون بشأن وجود قوة عميقة في الوجود نحن لاندركها. قد لايكون بالضرورة الرب القاهر العليم للسلالة الإبراهيمية، ولكنها (فرضيا) بالرغم من ذلك قوة موجودة. مجدداً هذه ليست أسئلة علمية في حد ذاتها- أكثر مماهي تجارب فكرية افلاطونية تجبرنا على مواجهة التساؤلات الإنسانية.
5- هل هناك حياة بعد الموت؟
قبل أن يتحمس أي أحد، فالأمر ليس أقتراح لذهابنا في نهاية المطاف لعزف القيثارة على غيمة بيضاء رقيقة، أو نجد أنفسنا نجرف الفحم في أعماق الجحيم. لإننا لايمكن أن نسأل الموتى إذا ما كان هناك أي شئ في العالم الأخر، فنحن لانملك سوى التخمين لما سيحدث لاحقاً. يفترض الماديون عدم وجود حياة بعد الموت، ولكن هذا مجرد افتراض قد لايكون مُثبت. وبالتعمق في آلية الكون (أو الكون المتعدد)، سواء من خلال الرؤية الكلاسيكية لنيوتن أو لآينشتاين، أو من خلال ميكانيكا الكم، فإنه لايوجد سبب للإعتقاد بأننا وجِدنا فقط لتحقيق شيء واحد يدعى الحياة. إنه سؤال ميتافيزيقي، و إحتمالية دورة الكون (كما وصفها كارل ساغان: “كما هو أو كما كان أو كما سيكون”) ستترشح تماماً لتكون كدورة الحياة اللامنتهية. عندما قال هانس مورفك
Hans Moravec في الحديث بالنسبة للتفسير الكمي للعوالم المتعددة، قال عدم ملاحظة العالم أمر مستحيل؛ يجب أن نجد أنفسنا أحياء ونلاحظ هذا بشكل أو بأخر. وهذه أشياء فكرية عالية المستوى تماماً كفكرة الله، التي لم يستطع العلمم معالجتها لحد الآن تاركاً إياها للفلاسفة.
6- هل يمكنك تجربة أي شيء بموضوعية؟
هناك فرق بين فهم العالم بموضوعية (أو على الأقل محاولة ذلك، بأي طريقة) وتجربة ذلك من خلال صيغة عمل موضوعية وحصرية. هذا مبدأيا هو مشكلة كواليا
Qualia -مفهوم يعني أمكانية ملاحظة مايحيطنا من خلال مصفاة مشاعرنا وتأملات عقولنا. كل شيء تعرفه، كل شيء لمسته، رأيته، وأستنشقته، تم تمييزه عن طريق عملية ما من العمليات الفسيولوجية وعمليات التأمل. بالتالي، تُعد تجربتك الشخصية للعالم فريدة من نوعها، ففي المثال الكلاسيكي التقدير الشخصي للون الأحمر قد يختلف من شخص لأخر، لكن الطريق الوحيد والممكن لمعرفة إذا ما كنت وبأي وسيلة ملاحظة العالم من خلال “رؤية الواعية” لشخص آخر كطريقة جون مالكوفج John Malkovich -لايمكن إنجاز أي شيء ترغب بفعله في أي مرحلة من مراحل تطورنا العلمي والتكنلوجي. طريقة أخرى لقول كل هذا العالم يمكن فقط أن يُرى بالعقل أو من المحتمل أن ذلك يُظهر العالم متجانس أو معروف نوعاً ما، يجب أن نستمر بالافتراض بعدم إمكانية ملاحظة أو معرفة الحقيقة النوعية الموضوعية، إنها لاتساوي الكثير أمام فلسفة بوذا الموضحة في الهدف الأساسي (مايسمى بالتجريد)، والذي لايتلائم مع مثالية أفلاطون.
7-ماهو أفضل نظام اخلاقي؟
مبدئياً، لن نكون قادرين فعليا على التمييز بين الأفعال الخاطئة و الصائبة في أي وقت متاح في التأريخ، على كلٍ، سيدعي الفلاسفة، والمنظرون، والسياسيون أكتشافهم أفضل الطرق لتقسيم أفعال الأنسان وإنشاء أكثر نُظُم التصرفات رُقيّ، لكن هذا ليس سهلاً أبداً. الحياة فوضوية لأبعد حد ومعقدة لوجود أي شيء يبدو أخلاقي مُطلق. القانون الذهبي (عامل كما تُحب أن تُعامل) قانون عظيم لكنه يهمل التشخيص الاخلاقي ولايترك مساحة لتبادل العدالة (كمجرمي السجون)، كما يمكن أن يُستخدم لسياسة القمع (كان عمانؤيل كانط
Immanuel Kant من أكثر النقاد المحالفين). بالإضافة إلى إنها موضحة جداًب قانون الأبهام الذي لايستطيع أثبات السيناريوهات المعقدة. على سبيل المثال، هل يجب التضحية بالقليل لحفظ الكثير؟ من لديه أكثر قيمة أخلاقية رضيع الأنسان، أم القرد المتطور الكبير؟ كما أوضح علماء الأعصاب؛ الأخلاقية ليست شيء مغروس ثقافياً، كما إنها بعيدة عن العلوم النفسية (خير مثال يوضح ذلك هو مشكلة ترولي Trolly Problem). من الأفضل، فقط يمكننا القول بإن الأخلاقية معيارية، مدركين تغير منظورنا للصواب والخطأ مع مرور الوقت.
8-ماهي الأرقام؟
نحن نستخدم الأرقام كل يوم، فلنعد خطوة إلى الوراء، ماهي الأرقام، حقيقة، ماهي الأرقام؟ ولماذا تقوم بمساعدتنا جيداً بتوضيح العالم (كقوانين نيوتن)؟ تحتوي القوانين الرياضية على الأرقام، والأعداد، والمجاميع، والنقاط ولكن هل هي أشياء ملموسة؟ أم هل تستطيع وصف العلاقات في جميع التراكيب ببساطة؟ جادل أفلاطون بإن الأرقام كانت حقيقة (ليست حقيقية بمعنى إنك بالإمكان أن تراها)، ولكنها بدلاً من ذلك تصيغ نظام رسمي مجرد (حسنا- تُعرِّف تناقضات فكرة التجريد إستناداً إلى الرياضيات). هذا مبدئيا مشكلة منطقية، عندما نترك حيرتنا حول الطبيعة الحقيقية للعالم و أي الجوانب الأنسانية مجردة وأيها ملموسة فعلاً.
——————————————–
•قانون الأبهام: وهو وسيلة تقدير وفقا لعملية تقديرية جاهزة، لايعتمد التجربة العلمية أو القياس الدقيق.
•عمانؤيل كانط: فيلسوف ألماني من القرن الثامن عشر. كان آخر الفلاسفه المؤثرين في الثقافة الأوروبية الحديثة. وأحد أهم الفلاسفة الذين كتبوا في نظرية المعرفة الكلاسيكية.
•مشكلة ترولي: هي مشكلة فكرية تتعلق بالأخلاق، تتمثل المشكلة بقيادتك لعربة من نوع ترولي تتجه في طريق فيه خمسة أشخاص، وطريق جانبي فيه شخص واحد، حيث لايمكنك درء الخسائر البشرية بأي وسيلة كانت.



الأحد، 26 أكتوبر 2014

فرات المحسن - عواصم للثقافة، مشهد في نشوة القتامة و ردع الأمل

الفنان الروسي - جورج كوارسوف --



 الفنان الروسي - جورج كوارسوف -
..................................................
ولد الرسام الروسي المعاصر في عام 1958
وينتمي جورج كوراسوف إلى مدرسة الفنّ التكعيبيّ، ولكنّه نهج فيها منهجاً جديداً يمكننا تسميته المرايا المكسّرة، فاللوحة تبدو متقطّعة بشكلٍ غريب، ولا يستوعبه الناظر إلّا إذا اعتبر أنّه لا ينظر إلى اللوحة مباشرةً بل من خلال مرآةٍ مكسّرة، أو قطع مرايا متجاورة.
وهذا يفسّر كثرة الخطوط المستقيمة، وانقطاع الشكل بطريقةٍ حادّة ومفاجئة.
ألوان كوراسوف زاهية وحيّة، تتعارض مع عتمة الطبيعة الروسيّة، إنّها مشرقة دوماً وصافية، بمعنى أنّه قلّما يلجأ إلى مزج الألوان بل يستعملها كما هي مضيفاً إليها الأبيض أو الأسود للإنارة أو التظليل ولجعلها متدرّجة.
وهذة بعض من أعمال الرسام أخترتها لكم :

وجوه-عادل كامل-1967











غالب المسعودي - ألمنتج ألثقافي ألعربي ....حقول من تراب..............

الجمعة، 24 أكتوبر 2014

الباحثون عن خبز العراق-كاظم فنجان الحمامي


الباحثون عن خبز العراق

كاظم فنجان الحمامي

ربما تظنون أن مفردة (خبز) تعني رغيف الدقيق والحنطة والشعير، لكن معاجم اللغة تؤكد على أن الفعل (خبز) يعني: ضرب، وأن جملة (خبزه على ظهره) تعني: ضربه بقوة، فرغيف القمح يُضرَب مرات ومرات حتى يتمدد ويتسع، ونحن ضربنا الدهر على ظهورنا مئات المرات فتبعثرنا في المخابز المليونية نبحث عن لقمة العيش بين منعطفات مدن العراق الواسعة الفسيحة الرحبة، وبين أرضه المعطاء التي قال عنها الأنبياء: لن يجوع في أرض العراق فقير. فمنابتنا قصب، وأنهارنا عجب، وثمارنا رطب، وماؤنا عذب، وعيشنا خصب، وحقولنا ذهب. لكن العجب كل العجب عندما يهيم العراقيون على وجوههم خوفاً من بطش الدواعش، أو خوفاً من همجية الغارات العشوائية، أو هرباً من التصفيات العرقية والطائفية والمناطقية. يقف المشردون والمهجّرون والنازحون في طوابير في أحياء بغداد ليستلموا الخبز بالمجان. أثرياء ووجهاء وأغنياء ضربتهم عواصف التقلبات السياسية فهاموا على وجوههم في البوادي والوديان حتى استقرت بهم أجنحة النوى في قلب بغداد.
البغداديون لم يتخلفوا لحظة واحدة عن مؤازرتهم ومواساتهم، وظهرت في أسواق العراق أسعار مخفضة للضيوف، لكن الطامة الكبرى أن منظمات المجتمع المدني والوزارات المعنية بأمور النازحين والمتضررين لم تتفاعل كما ينبغي مع تداعيات هذه المصائب والويلات.
أعراقيون يبحثون في العراء عن الملاذ الآمن، ويفتشون عن رغيف الخبز في الأفران والمخابز. من فيكم يصدق هذا الكلام ؟. لكن دهشتكم ستنفجر بصوت مدوي إذا علمتم أن ميزانية العراق بلغت في العام الماضي (138) ترليوناً، و(424) بليوناً، و(608) مليوناً من الدنانير العراقية، بما يعادل (125) مليار دولار أمريكي. تكفي لشراء كل الخبز المخبوز في كوكب الأرض منذ السنوات العجاف التي ضربت مصر في زمن سيدنا يوزرسيف الابن البكر للصابرة راحيل، وحتى يوم رحيلنا الذي صارت فيه منظمة اليونيسيف تتصدق علينا.
الفقراء في بلادي كثيرون ويتكاثرون، والنازحون في بلادي كثيرون ويتكاثرون. ما مر عام والعراق ليس فيه جوع. فقراؤه يموتون جوعاً ويتقاسمون رغيف الفقر في مكبات القمامة، وزعماء القوم غارقون في ممارسة الرذيلة السياسية.
كيف يغفر الضعفاء لمن سرقوا منهم حقوق الأمن والأمان، وسرقوا منهم لقمة العيش ؟. وكيف يغفر الله لمن سرق مستقبل أرض الحضارات، واقتلع جذور الميزوبوتاميا، وأغرق سفينة أحفاد أتونابشتم في المأساة الأخيرة للطوفان الفوضوي، وطغيانه الطائفي المدمر ؟.
ربنا مسنا الضر وأنت أرحم الراحمين

عرق مشبع بالقات- الدكتور الاستشاري رافد علاء الخزاعي


الخميس، 23 أكتوبر 2014

عدنان المبارك بين الكتابة والرسم-من السرد إلى الصمت : العلامة ومتغيراتها



كتاب





عدنان المبارك بين الكتابة والرسم
من السرد إلى الصمت : العلامة ومتغيراتها

لتحميل الكتاب انقر على الرابط التالي

http://www.4shared.com/account/home.jsp#dir=EwCcFc6N


عادل كامل


الفصل الأول: احتفاء ً بعدنان المبارك في عامه الـ 75
[ممرات الذات من قيود أنظمتها إلى تفكيك حرياتها ]
الفصل الثاني: قراءة في قصة (سفر الفناء )
الفصل الثالث: قراءة في نص تشكيلي 

خطاب الجسد في التشكيل العراقي المعاصر أطياف وطقوس وبشر د. شوقي الموسوي -



خطاب الجسد في التشكيل العراقي المعاصر
أطياف وطقوس وبشر
                                                                    د. شوقي الموسوي






     احتلت علامة الجسد في العصور الشرقية القديمة ، مكانة متميزة ، حاضرة في الفن والحياة ، فأغلب الاشكال الآدمية المنفذة – الجسد الانثوي على وجه الخصوص -  في فنون الفخار او النحت آنذاك ، كانت بمثابة خطاب بصري  مُحمل بالرمزية ، خاضع للتأويل والجدلية .. فالاجساد قد تحولت من شكلها الواقعي الطبيعي الى الايقوني ومنه الى اشكال رمزية مجردة الى حدٍ ما ؛ على اعتبار ان مفهوم الجسد كوجود متعدد الدلالات  قد تمرحل من الايقنة والنمذجة الى الترميز والتجريد ، وفق عمليات التسطيح والتركيب التي يتجاوز بها الجسد حدوده الطبيعية (الموضوعية) الى الثقافية وصولاً الى الجوهرية ؛ بوصف ان الجسد حاول في كل مرة ان يترجم الوعي الثقافي ، لتحقيق الآثر المعرفي على ذهن التلقي ، ليصبح في النهاية الرمز المقدس الاول والاسمى في عالم الصورة قديماً وحديثاً .
جغرافية التعبير والتجنيس :  



     أصبح خطاب الجسد في الفكر الحديث يحتل موقعاً مركزياً باعتباره  كياناً متعدد الدلالات تتراوح ابعاده الدلالية بين الواقعية والرمزية والتعبيرية وصولاً الى التجريدية ، ضم قيم ووظائف يكون محورها تعاببر الجسد التي أصبحت فيما بعد بمثابة رسائل اتصالية تتجاوز حدودها الطبيعية المباشرة لصالح مضامينها الخصبة . وفي حدود  تاريخنا التشكيلي المعاصر في العراق ، نجد هنالك الكثير من النتاجات الفنية في النحت والرسم والخزف والعمارة قد شهدت  مع الفنانين ( جواد سليم – فائق حسن – أكرم شكري – عطا صبري..) تنوعاً في الطروحات الفنية ، المحتفلة بالثقافات المتجاورة والتي تحيد بذاتية الفنان بعدم الاكتفاء بتحليل الواقع العياني وإعادة صياغته ، وإنما البدء بإنتاج تكوينات خاضعة للتأويل منفتحة على الآخر ،تتجدد بتجدد فعل القراءة في رحلة البحث عن الأعماق .
التراث والمعاصرة :
     فالفنان جواد سليم  نجدهُ قد استعان بدلالات الخط ـ المنحني على وجه الخصوص ـ والذي يؤلف مع العناصر الأخرى ، تكوينات دائرية ممتلئة بطاقات حركية كامنة فيها ، ذي أبعاد ذهنية متمفصلة بالبنية الزمانية للمشهد الفني ..، كما في رائعته النحتية نصب الحرية    .. عندما  كثـّف فيها العديد من العلامات والرموز الفلكلورية والحضارية وفق بناء درامي رصين .
ثقافة تمارس طقوس :



     ونلاحظ ان الثقافة منذُ خمسينيات القرن الماضي  قد مارست طقوسها في الفن بعد ان حاولت إلى حدٍ ما ، لحظة  ارتباط الثقافة بالكتابة ، القضاء على خرافة الأشباح ، فمن خلال العلم والعمل الفكري المتواصل ، يعمق الفنان العراقي كيانه الروحي بالثقافة ، ليتسامى بالوجود إلى مناطق المثال ، لتمتد العلاقة الجدلية ما بين الجسد كمقولة والفن كثقافة ، إلى جوهر الحضارة كما في اعمال الفنانين العراقيين (فائق حسن– شاكر حسن ال سعيد – سعد شاكر – جميل حمودي – حافظ الدروبي – كاظم حيدر – ليلى العطار ..) ، التي  ارتكزت على  طروحات الفكر الفلسفي والجمالي والتي تـُحيل صورة الجسد إلى لغة تسبح في فضاء ممتليء بالعلامات والإحالات المقدسة .
      بعيداً عن الايقنة (القشور) :  
    ان التراث هو صورة الروح والجوهر وهو المعنى الكامن خلف المجهول ..، وهو الطيف المتجسد بالروح ، والتي يُحاول من خلالها الفنان العراقي أن يمنح أشكاله المعاصرة بعداً حضارياً ، اسطورياً  كما في نتاجات الفنانين (محمد غني حكمت - خالد الجادر- اسماعيل فتاح الترك..) ، ليتجهوا الفنانين نحو أسرار الرموز والإحالات المشفـّرة بالممارسات الإيمائية للجسد ... حيث اتجه الفن العراقي منذ ستينيات القرن الماضي باتجاه المفاهيم والأفكار ، بعيداً عن الأقنعة الجاهزة ..، وخاصةً عندما انتبه الفنان إلى التراث الممتليء بالإشارات المثالية المعمقة كما في تكوينات الفنان " شاكر حسن آل سعيد " الذي توصل من خلال بحثه عن الاصالة إلى دراسة البيئة والتراث من خلال الجدران واللقى الاثارية في العراق ..، فضلاً عن الفنان فائق حسن والفنان حافظ الدروبي وتكويناتهم الجسدية القريبة من الواقعية والمحملة بخطاب الثقافة .. فضلاً عن ألاجساد الانثوية في رسوم الفنان إسماعيل الشيخلي والفنان محمد عارف التي نجدها مهتمة بشكل واضح في موضوعة الجسد الانثوي ومفرداتهم (الوجه المدور – العيون الواسعة – الازياء ذات السواد ..) وغيرهم من الفنانين أمثال (نوري الراوي - ضياء العزاوي – صالح الجميعي .. )  الذين جسّدوا رؤاهم التأملية في أسلوب معاصر ؛ كون الجسد قد تمسك بالانساق والعلاقات التكوينية في الفن المعاصر المحتفلة بالمضامين على حساب الايقون .
جيل الاحتفال بالمرموز :      
      مرورا بسبعينيات القرن العشرين .. تواجدت العديد من التجارب التشكيلية التي تناولت موضوعة الجسد كدلالة حضارية اسطورية رمزية فضلا عن الدلالة الايقونية ..منذ رسومات الفنانين (محمد مهر الدين - عادل كامل – عامر العبيدي- علاء بشير ..) ، عندما إشتغلوا على موضوعة الجسد الانثوي اللذين أحالوه الى رمز اسطوري ممتليء بمناخات وطقوس روحانية ذات طابع مثيولوجي ، يكاد يكون مثالي  نحو محاكاة الجوهر بعيداً عن آليات السرد المباشر ، للتزوّد بالمعنى المخفي (الطيف) القابع وراء المرئي في مناطق الصمت .
موت المؤلف ورحلة البحث عن الهوية:
         ومرورا بتجارب فناني الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي نجد خطاب الجسد قد اختلف لكون الفنان العراقي قد استلهم من طروحات الحداثة وما بعد الحداثة الفكرية ، تطبيقات – خاصة التفكيكية ونظرية التلقي – أثارت مشكلة (( موت الإنسان )) ، التي شكلت – التطبيقات – تدمير للمراكز الثابتة والايديولوجيات الوضعية وبؤر المعاني المرتبطة بها ..؛ ولكون التفكيكيين – أمثال دريدا - قد ابتغوا من ذلك ، تأسيس خطاب جديد يقوم على أنقاظ خطاب الحداثة ؛ اذ يكون موت الإنسان المُعلن هنا ، موت شكل إنسان وليس الإنسان ، وخاصة في تجارب الفنانين العراقيين نهايات القرن الماضي (فاخر محمد- هناء مال الله- ماهر السامرائي- عبدالسادة عبد الصاحب - عاصم عبد الامير – حسام عبد المحسن – سلام عمر – ضياء الخزاعي – عامر خليل – كريم سيفو – شنيار عبدالله - أوانيس بدراوس..) التي احتفلت بالشكل المفتوح واللعب الحر والى الأدائية الفردية والغياب ، فضلاً عن سيادة الدال والأثر وعدم ثبات المعنى ، فلا شيء تحت  القشرة سوى القشرة ولا شيء تحت التجربة سوى التجربة .
تقويض المراكز وبؤر المعاني :    
     من خلال محاولات الفنان العراقي المعاصر – الثمانيني – في جعل الدال استدعاء للأشكال كدوال عائمة ومنزلقة - على حد تعبير (لاكان) – جعلت المتلقي القاريء ، يلتجيء في كل قراءة إلى مخزونه اللاشعوري ، بحثاً عن حالات تقبل التأويل ، أي تمكنه من ان يفهم الخطاب البدائي المفتوح ، من دون الاستعانة بالمؤرخ ، لينتج من خلالها تحرير الدال لإحداث الاثر في ذاته، بعيداً عما يُريده الآخر ... ووصولاً الى الفنانين التسعينيين (كاظم نوير- عبدالكريم السعدون- شداد عبد القهار- مكي عمران – محمد الكناني - زينب عبد الكريم- عبد الامير علوان – سيروان باران - شوقي الموسوي- هايدي الاوسي – عبد الكريم السعدون– فاضل نعمة– محمد علي جحالي - طه وهيب –عاتكة الخزرجي ..) الذين حاولوا خرق قوانين الجسد (اللعبة التصويرية) ، عن طريق تقويض المراكز الدلالية وبؤر المعاني ، من خلال تسطير لمجموعة من آليات الإدراك الحدسي التي يرتضيها اللعب ، والقاضية بإحالة الدال إلى دوال ، مع تغييب مقصود للمدلول ، مما يؤدي إلى تعدد القراءات وتشظي الدلالة ، فضلاُ عن انتشار المعنى للتأويل في ككل قراءة .
تعرية الجسد :
     صور الفنان التسعيني (حسني أبو المعالي - سيروان باران – نادية محمد – فادية محمد..) في أكثر نماذجهم أجساد متداخلة ومتقابلة . بعضها بلارأس . تتواجد على مساحة بيضاء دائرية تقف عليها الاجساد كانها في رقصة ما. من أجل الوصول إلى منطقة بينية ، تربط بيننا وبين طفولتنا البكرية ، لتأسيس خطاب وزمن جديدين ، متداخلين مع أزمنة  البكر تحتفل بعمليات التعرية والتسطيح والتحديث لاجساده الانثوية على وجه الخصوص ، مثلما تتعرى عشتار لحظة نزولها الى مملكة العالم السفلي في الفكر العراقي القديم .هنا استذكر مقولة الفنان الرائع استاذنا " شاكر حسن آل سعيد " عندما قال : ان التعرّي او التعرية بمثابة حفريات آثارية  ، تزيل المظاهر المتراكمة للطبقات الآثارية ، من أجل الكشف عن الهوية  حيث شكلت الاجساد الانثوية سمة متسيدة في أغلب أعماله الاخيرة ، مرتفعاً بها على المظاهر الطبيعية الى مستويات العاطفة لتسجيل احدى مظاهر السعادة والامل والوطن .
الجسد خطاب الذاكرة :
    صور الفنان التسعيني (عبد الكريم السعدون –اسعد الصغير – محمد الكناني - صفاء السعدون - عاتكة الخزرجي ..) مشاهد عديدة لاجساد  بلارؤوس تحلق في فضاءات العمل الفني . فقد حاولوا الفنانين ان يتأملوا الجسد وعلاقته بالخطاب الفني داخل الزمن الجديد ، المُقترح ، وفق العلاقة الجدلية بين المُعلن والمخفي ، الظاهر والباطن (( وجود باطن يُغلف الباطن )) ليُذكرنا بتأملات "ميرلو بونتي " الحدسية التي تشتغل في العلاقة بين الكلمة والصوت ، عندما أكد بوجود صمت يُغلف الكلمة بعد أن لاحظ ان الكلمة قد غلفت الصمت ..؛ على اعتبار إن التسعيني لا يُريد أن يُقدم الجسد كثقافة بوصفه قناعاً خالياً من المضامين الروحية ، المؤجلة بسبب غياب المعايير ، والأخلاقيات البعيدة عن آبار الصدق القديم ؟!! بل بوصفه خطابا ذاتياً، يتخذ من الذهني انطلاقة جمالية ، لبناء خطاب العصر الجديد ، عصر الحروب ، بعد ان عانت في الأمس أسطورة اسمها الصمت !!.
   الجسد وواقعية التعبير :
    رسم بعض الفنانين التسعينيين  خطواتهم الاولى لرؤيتهم التصويرية في الفن ، متخذين من الواقعية النقدية ، انطلاقة أبدية نحو الوجود ، جاعلين موضوع الجسد له صلة بالأفكار الجديدة ، المُستلهمة من مرآة الواقع المعاصر.. فأعمال الرسام " عبد الأمير علوان والرسام ماجد شاليار، نجدها تصور العالم الواقعي (الجسد) ، كمرايا للزمن ، على وفق رؤية بانورامية شاملة للخطاب الواحد ، تنتج تكوينات وجودية متشحة بألوان الأرض والسماء والإنسان ، تبعث فينا شعوراً  بالحياة .. على اعتبار ان الرسم  طريقة للوجود على حد تعبير بولوك وثانيا للتعبير عن عمق افكاره ورؤيته الفنية وفق المكان المتخيل وليس المكان الموضوعي ؛كونه يصب اهتمامه في مطابقة تخيلاته وليس مطابقة الاصول .
    رنين وحياة وجسد :                                                        
      تستحضر تجارب الفن العراقي الثمانيني والتسعيني طقوساً من الحضارة  بأسلوب بانورامي ..؛ إذ نجد هنالك تحاوراً وتجاور ما بين المرئي واللامرئي يُنشط ذاكرة البكر ، للإفصاح عن الجوهر .. هذه التجارب بشكل عام وفي رسوم الفنانين (مكي عمران –محمد علي جحالي – كريم الوالي ..) بشكل خاص ، تستعين إلى حدٍ ما بآليات التشكيل الحداثوي المُناهض للايقون ، من أجل إخصاب عملية التلقي التي تستنطق المسكوت عنه (الطيف) داخل العملية النقدية ، فقد اشتغل على بنية الأساطير كمنقب في حضارة الذاكرة والهوية ، لتجعل مفرداته (( الجسد الأسطوري – النخلة – الأقنعة – الزقورة ...))  للتركيز على النسق كرغبة بالتمعن فيما وراء النتاج الفني ، بغية فهم ما يشكل ذلك النتاج من أطياف (اللامرئي) .
بمثابة خاتمة :
ان خطاب مابعد الحرب قد ساق تجارب الجيل التسعيني ، بفعل قناعاته الأخلاقية والتصويرية ، إلى اتخاذ موقف  جمالي ، يبحث عن حقيقة الجسد بعيداً عن القشور ، باتجاه الأعماق ؛ كونه قد تمرد على الواقع الذي اعتبره مظهراً  مزيفاً ، يخفي حقائقه وراء أقنعته المؤدلجة بالظلام ، ليصبح التعبير في النهاية كالموسيقى التي تخفي خفاياها عبر العصور . ان خطاب الجسد لدى الفنان العراقي المعاصر ، قد أصبح بمثابة نقطة تحول وارتكاز رياضي في الفن المعاصر، تجعل من ألذات والخيال وجوداً حقيقياً يمتلك جوهر المرئيات قبل الولوج في تمظهراتها الجزئية ...؛ لان فكرة المرئي – على حد تعبير غوغان – هي التي تجعل الجسد ملائماً للرسم والذاكرة لاتحتفظ بكل التفاصيل الجزئية ، بل ما يُثير الروح والقلب فقط .