ذئاب وقصص قصيرة أخرى
عادل كامل
[1] قانون
ـ لِم َ بصقت على الذئب...؟
ـ الم تره كيف مزق جسد الحمل وافترسه من غير رحمة...؟
ـ ولكنك كما يبدو انك لا تعرف أن الذئب كاد يموت جوعا ً..، وان الحمل لم يجد الدفاع عن نفسه، ولا حمايتها، كما لم يجد العثور على مكان امن له..؟
ـ تبا ً لنصر سببه الجوع، وتبا ً لهزيمة سببها الوداعة!
ـ هذا هو قانون هذه الحديقة: أما أن تحافظ على نصرك بهزيمة الآخر، وأما أن تستسلم لهزيمتك وتزول!
ـ ما أقساه، يا صديقي، لا المنتصر جدير بنصره، ولا المهزوم يستحق شفقة تذكر أيضا ً!
ـ اخبرني ماذا يفعل الذئب عندما يوشك على الموت جوعا ً...، ثم هل كفت الخراف عن أكل أعشاب الأرض..، أليست هي أيضا ً لا تديم نصرها إلا بهزيمة الحشائش والنبات؟
ـ آ...، إذا ً لا يكمن النصر إلا في جوهر الهزيمة، ولا تكمن الهزيمة إلا في جوهر النصر! فلا وجود للهزائم إلا بوجود هكذا نصر، ولا وجود للنصر إلا عبر هكذا هزائم. ولكن ما اقسي هذا القانون أن لا توجد مسافة عادلة بينهما، خاصة عندما تدرك أن هذا القانون قد وجد قبل وجود المنتصرين، وقبل وجود المنهزمين أيضا ً، وانه لن يزول، حتى بعد زوالهما أيضا ً!
[2] تطور
بعد أن تأمل الممرات والدروب والفجوات التي توزعت عليها الأقفاص، في الحديقة، سأل القرد حديث الولادة، جده:
ـ من وضعنا في هذه الأقفاص؟
فكر قليلا ً وأجاب:
ـ نحن فعلنا ذلك بأنفسنا...!
اعترض الحفيد:
ـ ولكني سمعت إن من وضعنا داخل هذه الأقفاص هم هؤلاء الذين انحدروا عن أسلافنا القرود القدماء؟!
ـ كذب!
هز الحفيد رأسه، وتمتم مع نفسه بصوت مسموع:
ـ وأنا اعتقد ذلك أيضا ً!
فسأل الجد حفيده بشرود:
ـ كيف؟
ـ لأننا مادمنا داخل هذه الأقفاص، فلن نسمح لأحد منا أن يتطور ليصبح بشرا ً، قلبه بلا رحمة، وعقله بلا حكمة!
ارتبك الجد وسأله حالا ً:
ـ وهل البشر أشرار، يا حفيدي الجميل؟
ـ ماذا تقول أنت ..؟
ـ عندما تصبح عجوزا ً هرما ً وهزيلا ً، مثلي، ستدرك انك أضعت حياتك في قضية خاسرة!
ـ وهل خسرت شيئا ً يستحق الذكر يا جدي الحكيم؟
ـ بل أنا كسبت الرهان...، فانا سأموت مثلما ولدت..، وسأولد مثلما أنا عليه ومن المستحيل أن أولد كائنا ً آخر!
[3] الثور والقصاب
كاد الثور أن يسقط أرضا ً من شدة الضحك، قبل أن يباشر القصاب بذبحه، فسأل القصاب الثور:
ـ أنا أوشك أن أجهز عليك..، وأنت تكاد تفطس من الضحك..، فهل فقدت عقلك؟
ـ سيدي، في اليوم السابق استنشقت رائحة السكين، فتجمد الدم في جسدي، فسألني كبش كان معنا في الزريبة: يبدو انك تعاني من عقدة الاضطهاد؟
ـ غريب!
ـ سيدي القصاب، ليس لهذا السبب فقدت كآبتي، وصرت مرحا ً، واسلك سلوك السفهاء، بل لأنني أدركت إنني بعد الموت، سأولد ثورا ً أيضا ً...، فهل سعادتكم، بعد الموت، ستولد قصابا ً أيضا ً؟
ـ نعم.
ـ آ ....، الآن فهمت أني حتى لو ولدت خروفا ً أو ديكا ً روميا ً أو غزالا ً فلن أنجو من سكاكينكم أيها السادة الجبابرة، العظماء!
[4] فرار
ـ مادام المنتصر هو من يحفر قبره بيديه...، فلماذا تراهم يدفنونا جميعا ً في قبر واحد؟
ـ آ ....، المنتصر يرقد وحيدا ً في قبره...، أما نحن...، النعاج والعبيد فلا احد منا يرغب بالفرار!
[5] خلاص
وراح الكركدن يسرد للأرنب الحلم الذي رآه:
ـ منذ قرون وأنا لم احلم...، عدا ليلة أمس، حيث رأيت كل ما لا يمكن رؤيته، وسمعت كل ما لا يُسمع ..
صاح الأرنب:
ـ آ ...، هذه هي نهاية أيامك في هذه الحديقة!
ـ لكني لم ارو لك الحلم كاملا ً..، فلماذا تعجلت وأصدرت هذا الحكم؟
ـ لأنني أنا أيضا ً رأيته!
ـ وهل بشرك الحلم بالسعادة الأبدية؟
ـ لا... سيدي، بل بالولادة مرة ثانية!
ـ تُرى ... من يلعب على من...؟
ـ لم افهم؟
أجاب الكركدن بثقة:
ـ الأحلام هي التي تتحكم بمصائرنا، أم نحن ليس لدينا إلا الاستسلام لها...؟
ـ آ .... لو عرفت من يلعب على من...، فهذا يعني انك لن تولد ... ولن تموت أبدا ً!
[6] سقراط
ـ ماذا تفعل معنا يا سقراط...؟
رفع سقراط رأسه فرأى السباع والنمور والذئاب يقودها فأر بحركة من ذيله، وهم بانتظار الذهاب لشرب الماء من المستنقع..
ـ لو كنت اعرف لماذا أنا هنا، لكنت عرفت لماذا كنت هناك!
فسأله الفأر:
ـ الم يقض عليك السم؟
ـ لو كان قضى علي ّ..، فهل كنت سأبحث عن ماء لا وجود له إلا في هذا المستنقع؟
[7] الحلقة المفقودة
كان البلبل يراقب بيت العنكبوت، عندما قال لرفيقه:
ـ العناكب قتلوا الأب...، والأولاد افترسوا الأم...، وكل هذا جرى بهدوء...
شرد ذهن الآخر، وأجاب بفزع:
ـ ولكن من أين تعلم البشر اختراع واستحداث هذا الدوي وسفك الدماء والصخب والتباهي بصناعة الجثث وعرضها عبر الشاشات...؟
ـ تعلموا هذا كله من الهدوء الذي لم يدم طويلا ً في بيوت العناكب!
فراح البلبل يغرد، غير مكترث للهدوء، ولا لدوي المدافع، ولا لأصوات الانفجارات!
فصاح الآخر:
ـ أرجوك لا تغرد...، فانا اعتقد أن السيد داروين تعجل ولم يكتشف الحلقة المفقودة في التطور!
ولكنه لم يتوقف، فنقره الآخر برأسه وأسقطه أرضا ً:
ـ الآن عرفت انك تتحدث عن هذه العناكب!
ـ وأنت؟
ـ أنا ـ هو ـ الحلقة المفقودة!
[8] خلود
ـ حلمت، ليلة أمس، أني تحولت إلى حمار!
وقال الذئب يخاطب جاره، فرد عليه:
ـ اخف هذا الحلم، كأنك لم تره، ولا ترويه لأحد!
ـ آ ....، وهل لدي وقت لذلك، وأنا أرى النعاج تحاصرني وقد تحولت إلى ذئاب شرسة؟
ـ آ...، آن لك أن تذهب إلى المتحف، وتعثر على زاوية، إلى جانب الديناصورات، والخراتيت، كي تصبح خالدا ً!
[9] متاهة
بعد أن لاذ بالفرار، إبان الحرب، تاه في البرية، فلم يجد من يدله على ممر أو درب أو فجوة لمغادرتها. فقرر العودة إلى الحديقة، بعد أن أوشك الموت عطشا ً، وجوعا ً. قانعا ً بالعثور على زاوية يتوارى فيها حتى يدركه الموت. ولكنه ـ عند العودة ـ لم يعثر إلا على سور كبير يرتفع عاليا ً يحيط بالحديقة من الجهات الأربع...، فلم يعثر على باب أو شق...، حتى تعب واستسلم للنوم. فجأة سمع:
ـ انهض ... انهض!
رفع رأسه وهو يبحث عن مصدر الصوت، فلم يجد أحدا ً، فعاد إلى النوم، لكن الصوت عاد يخاطبه:
ـ ماذا تفعل هنا؟
ـ من أنت؟
ـ دعك مني... فعليك أن تجب!
ـ آ ...، عرفتك! أنت الموت الذي هربت منه...، أليس كذلك؟
ـ وكيف عرفت؟
ـ لأنك إذا كنت لم تقبض علي ّ داخل الحديقة، فها أنا لا امتلك إلا أن استسلم لك، بعد أن هربت منها!
[10] غفران
ـ ماما...، سمعت الذئب يردد مع نفسه: يا ليتني ولدت حمارا ً...، وسمعت النمر، والسبع، والفيل، يكررون الكلمات ذاتها أيضا ً!
أجابت الأتان:
ـ ولكن هل باستطاعتهم حمل الأوزار التي ابتلينا بحملها..؟
ـ ولكن...، يا ماما، كنت أود أن تلديني طيرا ً أو تمساحا ً أو حتى بعوضة!
ـ آ...، كي تهرب من الواجب!
ـ الآن عرفت لماذا كانوا يحلمون أحلاما ً غريبة.
ـ لماذا؟
ـ كي يحصلوا على الغفران!
[11] سلطة
ـ لم أر بهيمة، ولا دابة، ولم أر مجترا ً أو مفترسا ً، لم أر برمائيا ً ولا زاحفا ً، لم أر نملة ولا ذبابة إلا وهو يردد:
ـ أنا هو سيد سادات هذه الحديقة، وأنا هو أمير أمرائها...، فانا هو زعيمها الأوحد!
بعد لحظة صمت أجاب:
ـ المشكلة أني غير مسؤول عن هذا كله...، فانا نفسي طالما قلت: ماذا لو قضيت عليهم...، فمن ذا يهتف، يصفق، يرقص، ويمجد سلطتي؟!
[12] لعبة أم جريمة
ـ عندما ترى الابن يذبح أمه..، فهذا يعني أن الجريمة قد بلغت ذروتها!
ـ لا..
ـ غريب؟
ـ الجريمة لن تكتمل حتى لو ذبحت الأم ولدها!
ـ ومتى تكتمل؟
ـ إذا عثرت على الجريمة أسألها: كيف أغويت الجميع بلعبتك، تارة الابن يقتل أباه، وتارة الأب يجهز على ولده!
ـ هل هي لعبة...؟
ـ لا... هي جريمة!
ـ لكنك قلت إنها لعبة؟
ـ لأنني أرى هناك من يرقص، ويغني، ويحتفل بما يحدث، وإلا ما وصفك للذي يجري في حديقتنا: لعبة أم جريمة؟
ـ لو عرفت ...، لكنت أما مع الابن ضد أمه، أو كنت مع الأم ضد ابنها!
ـ ومع من أنت في نهاية المطاف؟
ـ لم يسمح لي الذعر أن أكون حتى على الحياد!
ـ ها أنت تعترف بإثمك؟
ـ نعم...، لأن من لم يرتكب الإثم، وحده هو المذنب، وها أنت تراني، أصبحت شاهدا ً اختلطت عليه اللعبة بآثامها، مثلما اختلطت الآثام بما رأيت!
[13] حياد
تحت، في الأرض، سأل الميت جاره:
ـ لو عدت إلى الحياة..، هل تود أن تكون جلادا ً أم ضحية؟
قرب رأسه منه ورد هامسا ً:
ـ يا لنا من مخلوقات بائسة...، حتى بعد أن نموت، يطاردنا شبح الجلاد، تارة، وطيف الضحية، تارة أخرى. فلا هذا استطاع القضاء على ذاك، ولا الضحية كفت أن تلعب الدور نفسه!
ـ ولكني أود أن اعرف منك: ماذا كنت عليه، في دنياك، جلادا ً أم ضحية؟
ـ أنا كنت الحبل الذي يتدلى منه الجسد...، فلا أتذكر إن كان الجسد جسد ضحية، أم كان جسد جلاد!
ـ ألا ترى ـ معي ـ أن أكثر الكائنات بؤسا ً، هي التي تجهل إنها لم تكن مع هذا ولا مع ذاك...، ولكنها لم تكن على الحياد أبدا ً!
[14] منفى
ـ ماما...، هل أصبحنا بلا وطن..
نظرت الأم إلى البرية، فرأتها تمتد، وتتسع، وتتلاشى بحافات السماء، عاليا ً، من ثم تذهب بعيدا ً، خارج حدود الرؤية، والبصر.. وقالت لابنها:
ـ هذا هو وطن الجميع!
ولم تخبره إن ما يحدث، بعد الموت، يمحو الحدود، ولا يترك للزمن فراغات يستقر فيها. فعندما لا يوجد زمن ـ دار بخلدها ـ يكون الشر قد أكمل دورته.
ـ ولكنهم ـ ماما ـ سرقوا وطننا، بعد أن خربوه، هدموه، وطردونا منه؟
ـ لن يدوم هذا إلى الأبد...، يا ولدي، فالحرب لم تضع أوزارها بعد...، وحروب الحدود ستنتهي ما أن يكمل الموت دورته، فلا تجد من يلوح بالقوة، وبسفك الدماء، ولا تجد أحدا ًينعم بالسلام أيضا ً!
ـ آووه .......، آنذاك يصير الموت وطنا ً للمواشي، للحشرات، للدواب، للنمل، للحجر، للأشجار، للبشر، وللديناصورات ...
ـ لا...، لأن الفضاء وحده سيمتد خارج حدود الوطن!
ـ أي...، لا غالب ولا مغلوب؟ ولكن لِم َ حصل هذا كله ...؟
ـ لو كنت اعرف الإجابة، لكنت تعلمت لغة أخرى لا تجعلنا تغطس عميقا ً في قاع هذه المستنقعات، حتى لو كانت فضاءات بلا حدود!
[15] مصير
ـ انتصرنا ... انتصرنا.
اقترب الحفيد من جده الذي ظنه كان يمتلك عقلا ً، حكمة، وفطنة، وقال له بأسى عميق:
ـ وهل تهتف لهذا النصر...، وأنت ترى ماذا فعلنا بقطعان الخراف، الماعز، الثيران، الإبل، الأرانب، الجاموس، وباقي الدواب والزواحف والحشرات...؟
ـ نعم...، لأنهم كانوا ضعفاء، لا يجيدون إلا التهريج، الثرثرة، وقد راحوا يكرهوننا، من غير سبب...، لهذا أصدرنا أوامرنا بتشتيتهم، تمزيقهم، سحقهم، ومحوهم من الوجود...!
ضحك الحفيد بألم:
ـ وهل هذا هو النصر حقا ً...، أم هو الذي يجعلنا بانتظار المجهول؟
ـ ماذا قلت؟
ـ أقول: بعد هذا النصر...، على من ننتصر؟
ـ على أنفسنا..، لأن من لا يجيد النصر يذهب مع الريح التي جاء معها!
ـ هكذا ـ إذا ً ـ يجري التاريخ: لا المنتصر جدير بنصره...، ولا الضحايا يستحقون حتى الذكر ..، أو الشفقة!
لم يكمل الحفيد كلماته إلا وقد شعر انه راح يرى هالات ذبذبات تداخلت بحافات أثير لا لون له....
[16] ظل
ـ من يتتبع من ...أرجوك اجبني؟
ـ لو كنت اعرف .. لسبقتك!
ـ ها أنت تتخلى عني؟
ـ اتبعني إذا ً.
ـ ها أنا عرفت انك لم تعد في المقدمة..!
ـ لماذا لا تتبع خطاك...، فلا أنا امشي خلفك، ولا أنت تصير بعيدا ً عني!
[17] اختلاف
سأل الخروف جنرالا ً جاء لزيارة الحديقة:
ـ ما ـ هو ـ المشترك بيننا وبينكم؟
رد الجنرال بمرح:
ـ كلانا يحقق النصر بروح الهزيمة...، انتم لا تكفون عن سد النقص الحاصل في عدد الماشية، ونحن لا نكف عن اختراع أسلحة أكثر فتكا ً من سابقاتها!
[18] كابوس
ـ حلمت أنني ولدت بلا رأس، بلا جلد، بلا عظام، بلا لحم، وبلا ذيل!
ضحك العجل وهو يصغي لرفيقه، وقال:
ـ يا حمار...، هذا هو الواقع وليس الحلم!
ـ لا.. أبدا ً ...، ففي الواقع ينتزعون مني ذيلي، وعظامي، لحمي وجلدي، أطرافي ورأسي...
ـ وفي الحلم؟
ـ أنا الوحيد الذي ر يعنيه إن كانت هذه الأشياء تكونني، أو أنا هو من يكونها، لأن وجودها غدا مستقلا ً عني!
[19] معضلة البغل
ـ لو كنت لم تُخلق ويكن لك وجود ..، فهل كنت تستطيع أن تبرهن على وجود من أوجدك؟
آووه...، عدنا إلى معضلة البغل..، لو لم يعتد الحصان على الأتان لكنا جميعا ً في خانة الحمير..!
[20] مكاسب
قال الكبش لزميله وهما يشاهدان ـ عبر شاشة الحديقة الكبرى ـ صورا ً من الجحيم:
ـ كلما فكر بالبشر، اشعر بالامتنان إننا لم نخترع الكتابة، كي ندوّن بها فداحة الخسائر!
ـ تقصد عظمة الانتصارات التي حققها البشر..، وتراكم الثروات، والمجد؟
ـ إذا كان سفك الدماء، وهدم المدن، وإشعال النيران، وبقر بطون الحوامل، وقطع أجساد الضحايا، وسحلها، يعد نصرا ً مؤزرا ً ...، ومجيدا ً...، فانا ازداد امتنانا ً لأننا لم نتورط بجني مثل هذه الأرباح...، كما إننا لن نأسف على زوالها!
[21] تنوع
همس الحمار بإذن جاره:
ـ لو كان البشر تعلموا منا .. الحكمة، والروية، والصبر...، لكفوا عن اختراع الحروب وسفك الدماء...
ـ يا لك من طاغية، دكتاتور، صنم...، لأنك أصبحت تفكر بإلغاء التنوع، والتعددية، وربنا ستفكر بإلغاء الشفافية!
ـ أنا قصدت بالحكمة، يا صديقي، حمل الأوزار، بصمت، بدل هذا التهريج، وبدل مهارات التنوع باختراع وسائل التدمير، والقتل، حد المحو!
[22] فساد
ـ لِم َ، في اعتقادك، وجد الفساد، لدرجة انك لا تجد واحدا ً إلا ولعنه، وشهر فيه، وتبرأ منه...؟
ـ كي يحافظوا على بقاء نصب الفضيلة شامخا ً إلى الأبد!
[23] معاقبة
ـ تخيل انك دفنت تحت التراب، أو تحولت إلى رماد، أو افترستك الضواري، أو أعادوك إلى البحر، أو قذفوك في حفرة بلا قرار، تخيل ذلك، تخيل انك بين أربعة جدران، أو في كهف مغلق، تخيّل ذلك...، ألا تشعر بالخوف انك مت وأنت لم تفتح فمك، وأنت لم تطلب الغفران أيضا ً..؟
أجاب الذئب العجوز:
ـ عندما لا توجد قوة توقف تكاثر أعداد النعاج وباقي الدواب والمواشي...، فالأمر الوحيد الذي يجعل سعادتي مهددة أنني أحيانا ً لا أجد حتى بقايا طعام أسد به جوعي!
[24] عجائب
بعد أن رفس الحمار ابن الكركدن، من غير قصد، أمر المدير بسجنه، ومنع الماء عنه. فأوشك الحمار على الموت، عندما سأله الحارس:
ـ كيف رأيت الدنيا...؟
ـ آ ....، لو تتفضل بإعطائي قطرات قليلة من الماء...، فسأخبرك بالعجائب، والغرائب، حتى تستعيد رشدك!
ـ ولكن سعادة المدير أمر أن تدفن في البحر!
ضحك الحمار:
ـ هذه واحدة من اقل العجائب...، فأما أن أموت بسبب قطرات قليلة من الماء، وأما أن أموت في بحر يكفي لإغراق العالم!
[25] أمل
ـ متى، أيها الشقي، المعذب، تكف عن الشكوى، والعواء...؟
ـ عندما لا اسمع أن هناك من يتحدث عن: الرفاهية، والفردوس، والسلام!
ـ الآن فهمت أن املك الوحيد، هو...، أن تعيش بلا أمل!
[26] جحيم
ـ لِم َ لا تريد أن تذهب إلى الجنة...؟
ـ وماذا أقول لربي: هل نجوت بعد أن تركت الملايين تائهة لا تعرف ماذا تفعل....، في جحيم الأرض؟
[27] هبة
اضطر لسؤال البغي قبل أن يلمسها:
ـ ألا يوجد شيء آخر تهبينه للآخرين غير جسدك؟
ـ جد لي عملا ً آخر...، يسد رمق جوع أولادي، فانا سأكون سعيدة وأنا سأهبك جسدي كله!
[28] اختلاف
ـ ما الفارق بين بلبل يغرد داخل القفص، وآخر يغرد خارجه؟
ـ الأول، يا صديقي، يأمل أن لا يقع في الأسر..، والثاني، يأمل أن يخرج ليغرد بأمل العثور على أمل أن لا يقع في الأسر مرة ثانية؟
[29] ذكاء!
ـ من في اعتقادك أغبى حيوان في هذه الحديقة؟
ـ السيد المدير!
وأضاف:
ـ فهو لم يكتف أن يخدعنا وحدنا، بل راح يخدع نفسه بعد أن تخيل انه وحده خارج الشبهات!
[30] حرية
سأل حارس الحديقة الأرنب القابع وراء القضبان:
ـ ماذا لو أطلقنا سراحك ...، وصرت حرا ً...، كما ولدتك أمك؟
ـ أوافق....، شرط أن تضع جميع الكلاب، الذئاب، الثعالب، التماسيح، السباع، النمور، والضباع خلف القضبان!
ثم أضاف:
ـ ومادام هذا الشرط وحده مستحيلا ً وبانتظار معجزة لن تحدث حتى في الخيال، فلا تفكر أن تسخر مني، وتتسلى بمشاعري، وتغويني بالوعود، مرة ثانية!
[31] ديمقراطية
ـ وأنت في حفرتك هذه...، لا احد يسمع عواءك، لا احد يعرف ماذا حل بك، وأي النكبات نكبت بها، وأي الأمراض أصابتك، فلماذا لا تغلق فمك ولا تعاقب نفسك وتجلدها ...؟
ـ أنا ـ سيدي ـ لم يعد لدي ّ إلا أن اسمع نفسي...، أليس الكفن هو وحده هدية الحياة للميت؟
ـ أتقصد أن كلماتك هي كفنك؟
ـ لا ..! لأنها لا تتستر علي ّ...، فانا سأموت، وهي ستعيد قتلي، مرة بعد أخرى، حتى تجد من يكفنها، فتستريح، وأستريح أنا منها أيضا ً!
ـ آ ....، الآن فهمت معنى المثل القائل: عيش يا حمار حتى تأتيك الديمقراطية!
31/8/2016
Az4445363@gmail.com
عادل كامل
[1] قانون
ـ لِم َ بصقت على الذئب...؟
ـ الم تره كيف مزق جسد الحمل وافترسه من غير رحمة...؟
ـ ولكنك كما يبدو انك لا تعرف أن الذئب كاد يموت جوعا ً..، وان الحمل لم يجد الدفاع عن نفسه، ولا حمايتها، كما لم يجد العثور على مكان امن له..؟
ـ تبا ً لنصر سببه الجوع، وتبا ً لهزيمة سببها الوداعة!
ـ هذا هو قانون هذه الحديقة: أما أن تحافظ على نصرك بهزيمة الآخر، وأما أن تستسلم لهزيمتك وتزول!
ـ ما أقساه، يا صديقي، لا المنتصر جدير بنصره، ولا المهزوم يستحق شفقة تذكر أيضا ً!
ـ اخبرني ماذا يفعل الذئب عندما يوشك على الموت جوعا ً...، ثم هل كفت الخراف عن أكل أعشاب الأرض..، أليست هي أيضا ً لا تديم نصرها إلا بهزيمة الحشائش والنبات؟
ـ آ...، إذا ً لا يكمن النصر إلا في جوهر الهزيمة، ولا تكمن الهزيمة إلا في جوهر النصر! فلا وجود للهزائم إلا بوجود هكذا نصر، ولا وجود للنصر إلا عبر هكذا هزائم. ولكن ما اقسي هذا القانون أن لا توجد مسافة عادلة بينهما، خاصة عندما تدرك أن هذا القانون قد وجد قبل وجود المنتصرين، وقبل وجود المنهزمين أيضا ً، وانه لن يزول، حتى بعد زوالهما أيضا ً!
[2] تطور
بعد أن تأمل الممرات والدروب والفجوات التي توزعت عليها الأقفاص، في الحديقة، سأل القرد حديث الولادة، جده:
ـ من وضعنا في هذه الأقفاص؟
فكر قليلا ً وأجاب:
ـ نحن فعلنا ذلك بأنفسنا...!
اعترض الحفيد:
ـ ولكني سمعت إن من وضعنا داخل هذه الأقفاص هم هؤلاء الذين انحدروا عن أسلافنا القرود القدماء؟!
ـ كذب!
هز الحفيد رأسه، وتمتم مع نفسه بصوت مسموع:
ـ وأنا اعتقد ذلك أيضا ً!
فسأل الجد حفيده بشرود:
ـ كيف؟
ـ لأننا مادمنا داخل هذه الأقفاص، فلن نسمح لأحد منا أن يتطور ليصبح بشرا ً، قلبه بلا رحمة، وعقله بلا حكمة!
ارتبك الجد وسأله حالا ً:
ـ وهل البشر أشرار، يا حفيدي الجميل؟
ـ ماذا تقول أنت ..؟
ـ عندما تصبح عجوزا ً هرما ً وهزيلا ً، مثلي، ستدرك انك أضعت حياتك في قضية خاسرة!
ـ وهل خسرت شيئا ً يستحق الذكر يا جدي الحكيم؟
ـ بل أنا كسبت الرهان...، فانا سأموت مثلما ولدت..، وسأولد مثلما أنا عليه ومن المستحيل أن أولد كائنا ً آخر!
[3] الثور والقصاب
كاد الثور أن يسقط أرضا ً من شدة الضحك، قبل أن يباشر القصاب بذبحه، فسأل القصاب الثور:
ـ أنا أوشك أن أجهز عليك..، وأنت تكاد تفطس من الضحك..، فهل فقدت عقلك؟
ـ سيدي، في اليوم السابق استنشقت رائحة السكين، فتجمد الدم في جسدي، فسألني كبش كان معنا في الزريبة: يبدو انك تعاني من عقدة الاضطهاد؟
ـ غريب!
ـ سيدي القصاب، ليس لهذا السبب فقدت كآبتي، وصرت مرحا ً، واسلك سلوك السفهاء، بل لأنني أدركت إنني بعد الموت، سأولد ثورا ً أيضا ً...، فهل سعادتكم، بعد الموت، ستولد قصابا ً أيضا ً؟
ـ نعم.
ـ آ ....، الآن فهمت أني حتى لو ولدت خروفا ً أو ديكا ً روميا ً أو غزالا ً فلن أنجو من سكاكينكم أيها السادة الجبابرة، العظماء!
[4] فرار
ـ مادام المنتصر هو من يحفر قبره بيديه...، فلماذا تراهم يدفنونا جميعا ً في قبر واحد؟
ـ آ ....، المنتصر يرقد وحيدا ً في قبره...، أما نحن...، النعاج والعبيد فلا احد منا يرغب بالفرار!
[5] خلاص
وراح الكركدن يسرد للأرنب الحلم الذي رآه:
ـ منذ قرون وأنا لم احلم...، عدا ليلة أمس، حيث رأيت كل ما لا يمكن رؤيته، وسمعت كل ما لا يُسمع ..
صاح الأرنب:
ـ آ ...، هذه هي نهاية أيامك في هذه الحديقة!
ـ لكني لم ارو لك الحلم كاملا ً..، فلماذا تعجلت وأصدرت هذا الحكم؟
ـ لأنني أنا أيضا ً رأيته!
ـ وهل بشرك الحلم بالسعادة الأبدية؟
ـ لا... سيدي، بل بالولادة مرة ثانية!
ـ تُرى ... من يلعب على من...؟
ـ لم افهم؟
أجاب الكركدن بثقة:
ـ الأحلام هي التي تتحكم بمصائرنا، أم نحن ليس لدينا إلا الاستسلام لها...؟
ـ آ .... لو عرفت من يلعب على من...، فهذا يعني انك لن تولد ... ولن تموت أبدا ً!
[6] سقراط
ـ ماذا تفعل معنا يا سقراط...؟
رفع سقراط رأسه فرأى السباع والنمور والذئاب يقودها فأر بحركة من ذيله، وهم بانتظار الذهاب لشرب الماء من المستنقع..
ـ لو كنت اعرف لماذا أنا هنا، لكنت عرفت لماذا كنت هناك!
فسأله الفأر:
ـ الم يقض عليك السم؟
ـ لو كان قضى علي ّ..، فهل كنت سأبحث عن ماء لا وجود له إلا في هذا المستنقع؟
[7] الحلقة المفقودة
كان البلبل يراقب بيت العنكبوت، عندما قال لرفيقه:
ـ العناكب قتلوا الأب...، والأولاد افترسوا الأم...، وكل هذا جرى بهدوء...
شرد ذهن الآخر، وأجاب بفزع:
ـ ولكن من أين تعلم البشر اختراع واستحداث هذا الدوي وسفك الدماء والصخب والتباهي بصناعة الجثث وعرضها عبر الشاشات...؟
ـ تعلموا هذا كله من الهدوء الذي لم يدم طويلا ً في بيوت العناكب!
فراح البلبل يغرد، غير مكترث للهدوء، ولا لدوي المدافع، ولا لأصوات الانفجارات!
فصاح الآخر:
ـ أرجوك لا تغرد...، فانا اعتقد أن السيد داروين تعجل ولم يكتشف الحلقة المفقودة في التطور!
ولكنه لم يتوقف، فنقره الآخر برأسه وأسقطه أرضا ً:
ـ الآن عرفت انك تتحدث عن هذه العناكب!
ـ وأنت؟
ـ أنا ـ هو ـ الحلقة المفقودة!
[8] خلود
ـ حلمت، ليلة أمس، أني تحولت إلى حمار!
وقال الذئب يخاطب جاره، فرد عليه:
ـ اخف هذا الحلم، كأنك لم تره، ولا ترويه لأحد!
ـ آ ....، وهل لدي وقت لذلك، وأنا أرى النعاج تحاصرني وقد تحولت إلى ذئاب شرسة؟
ـ آ...، آن لك أن تذهب إلى المتحف، وتعثر على زاوية، إلى جانب الديناصورات، والخراتيت، كي تصبح خالدا ً!
[9] متاهة
بعد أن لاذ بالفرار، إبان الحرب، تاه في البرية، فلم يجد من يدله على ممر أو درب أو فجوة لمغادرتها. فقرر العودة إلى الحديقة، بعد أن أوشك الموت عطشا ً، وجوعا ً. قانعا ً بالعثور على زاوية يتوارى فيها حتى يدركه الموت. ولكنه ـ عند العودة ـ لم يعثر إلا على سور كبير يرتفع عاليا ً يحيط بالحديقة من الجهات الأربع...، فلم يعثر على باب أو شق...، حتى تعب واستسلم للنوم. فجأة سمع:
ـ انهض ... انهض!
رفع رأسه وهو يبحث عن مصدر الصوت، فلم يجد أحدا ً، فعاد إلى النوم، لكن الصوت عاد يخاطبه:
ـ ماذا تفعل هنا؟
ـ من أنت؟
ـ دعك مني... فعليك أن تجب!
ـ آ ...، عرفتك! أنت الموت الذي هربت منه...، أليس كذلك؟
ـ وكيف عرفت؟
ـ لأنك إذا كنت لم تقبض علي ّ داخل الحديقة، فها أنا لا امتلك إلا أن استسلم لك، بعد أن هربت منها!
[10] غفران
ـ ماما...، سمعت الذئب يردد مع نفسه: يا ليتني ولدت حمارا ً...، وسمعت النمر، والسبع، والفيل، يكررون الكلمات ذاتها أيضا ً!
أجابت الأتان:
ـ ولكن هل باستطاعتهم حمل الأوزار التي ابتلينا بحملها..؟
ـ ولكن...، يا ماما، كنت أود أن تلديني طيرا ً أو تمساحا ً أو حتى بعوضة!
ـ آ...، كي تهرب من الواجب!
ـ الآن عرفت لماذا كانوا يحلمون أحلاما ً غريبة.
ـ لماذا؟
ـ كي يحصلوا على الغفران!
[11] سلطة
ـ لم أر بهيمة، ولا دابة، ولم أر مجترا ً أو مفترسا ً، لم أر برمائيا ً ولا زاحفا ً، لم أر نملة ولا ذبابة إلا وهو يردد:
ـ أنا هو سيد سادات هذه الحديقة، وأنا هو أمير أمرائها...، فانا هو زعيمها الأوحد!
بعد لحظة صمت أجاب:
ـ المشكلة أني غير مسؤول عن هذا كله...، فانا نفسي طالما قلت: ماذا لو قضيت عليهم...، فمن ذا يهتف، يصفق، يرقص، ويمجد سلطتي؟!
[12] لعبة أم جريمة
ـ عندما ترى الابن يذبح أمه..، فهذا يعني أن الجريمة قد بلغت ذروتها!
ـ لا..
ـ غريب؟
ـ الجريمة لن تكتمل حتى لو ذبحت الأم ولدها!
ـ ومتى تكتمل؟
ـ إذا عثرت على الجريمة أسألها: كيف أغويت الجميع بلعبتك، تارة الابن يقتل أباه، وتارة الأب يجهز على ولده!
ـ هل هي لعبة...؟
ـ لا... هي جريمة!
ـ لكنك قلت إنها لعبة؟
ـ لأنني أرى هناك من يرقص، ويغني، ويحتفل بما يحدث، وإلا ما وصفك للذي يجري في حديقتنا: لعبة أم جريمة؟
ـ لو عرفت ...، لكنت أما مع الابن ضد أمه، أو كنت مع الأم ضد ابنها!
ـ ومع من أنت في نهاية المطاف؟
ـ لم يسمح لي الذعر أن أكون حتى على الحياد!
ـ ها أنت تعترف بإثمك؟
ـ نعم...، لأن من لم يرتكب الإثم، وحده هو المذنب، وها أنت تراني، أصبحت شاهدا ً اختلطت عليه اللعبة بآثامها، مثلما اختلطت الآثام بما رأيت!
[13] حياد
تحت، في الأرض، سأل الميت جاره:
ـ لو عدت إلى الحياة..، هل تود أن تكون جلادا ً أم ضحية؟
قرب رأسه منه ورد هامسا ً:
ـ يا لنا من مخلوقات بائسة...، حتى بعد أن نموت، يطاردنا شبح الجلاد، تارة، وطيف الضحية، تارة أخرى. فلا هذا استطاع القضاء على ذاك، ولا الضحية كفت أن تلعب الدور نفسه!
ـ ولكني أود أن اعرف منك: ماذا كنت عليه، في دنياك، جلادا ً أم ضحية؟
ـ أنا كنت الحبل الذي يتدلى منه الجسد...، فلا أتذكر إن كان الجسد جسد ضحية، أم كان جسد جلاد!
ـ ألا ترى ـ معي ـ أن أكثر الكائنات بؤسا ً، هي التي تجهل إنها لم تكن مع هذا ولا مع ذاك...، ولكنها لم تكن على الحياد أبدا ً!
[14] منفى
ـ ماما...، هل أصبحنا بلا وطن..
نظرت الأم إلى البرية، فرأتها تمتد، وتتسع، وتتلاشى بحافات السماء، عاليا ً، من ثم تذهب بعيدا ً، خارج حدود الرؤية، والبصر.. وقالت لابنها:
ـ هذا هو وطن الجميع!
ولم تخبره إن ما يحدث، بعد الموت، يمحو الحدود، ولا يترك للزمن فراغات يستقر فيها. فعندما لا يوجد زمن ـ دار بخلدها ـ يكون الشر قد أكمل دورته.
ـ ولكنهم ـ ماما ـ سرقوا وطننا، بعد أن خربوه، هدموه، وطردونا منه؟
ـ لن يدوم هذا إلى الأبد...، يا ولدي، فالحرب لم تضع أوزارها بعد...، وحروب الحدود ستنتهي ما أن يكمل الموت دورته، فلا تجد من يلوح بالقوة، وبسفك الدماء، ولا تجد أحدا ًينعم بالسلام أيضا ً!
ـ آووه .......، آنذاك يصير الموت وطنا ً للمواشي، للحشرات، للدواب، للنمل، للحجر، للأشجار، للبشر، وللديناصورات ...
ـ لا...، لأن الفضاء وحده سيمتد خارج حدود الوطن!
ـ أي...، لا غالب ولا مغلوب؟ ولكن لِم َ حصل هذا كله ...؟
ـ لو كنت اعرف الإجابة، لكنت تعلمت لغة أخرى لا تجعلنا تغطس عميقا ً في قاع هذه المستنقعات، حتى لو كانت فضاءات بلا حدود!
[15] مصير
ـ انتصرنا ... انتصرنا.
اقترب الحفيد من جده الذي ظنه كان يمتلك عقلا ً، حكمة، وفطنة، وقال له بأسى عميق:
ـ وهل تهتف لهذا النصر...، وأنت ترى ماذا فعلنا بقطعان الخراف، الماعز، الثيران، الإبل، الأرانب، الجاموس، وباقي الدواب والزواحف والحشرات...؟
ـ نعم...، لأنهم كانوا ضعفاء، لا يجيدون إلا التهريج، الثرثرة، وقد راحوا يكرهوننا، من غير سبب...، لهذا أصدرنا أوامرنا بتشتيتهم، تمزيقهم، سحقهم، ومحوهم من الوجود...!
ضحك الحفيد بألم:
ـ وهل هذا هو النصر حقا ً...، أم هو الذي يجعلنا بانتظار المجهول؟
ـ ماذا قلت؟
ـ أقول: بعد هذا النصر...، على من ننتصر؟
ـ على أنفسنا..، لأن من لا يجيد النصر يذهب مع الريح التي جاء معها!
ـ هكذا ـ إذا ً ـ يجري التاريخ: لا المنتصر جدير بنصره...، ولا الضحايا يستحقون حتى الذكر ..، أو الشفقة!
لم يكمل الحفيد كلماته إلا وقد شعر انه راح يرى هالات ذبذبات تداخلت بحافات أثير لا لون له....
[16] ظل
ـ من يتتبع من ...أرجوك اجبني؟
ـ لو كنت اعرف .. لسبقتك!
ـ ها أنت تتخلى عني؟
ـ اتبعني إذا ً.
ـ ها أنا عرفت انك لم تعد في المقدمة..!
ـ لماذا لا تتبع خطاك...، فلا أنا امشي خلفك، ولا أنت تصير بعيدا ً عني!
[17] اختلاف
سأل الخروف جنرالا ً جاء لزيارة الحديقة:
ـ ما ـ هو ـ المشترك بيننا وبينكم؟
رد الجنرال بمرح:
ـ كلانا يحقق النصر بروح الهزيمة...، انتم لا تكفون عن سد النقص الحاصل في عدد الماشية، ونحن لا نكف عن اختراع أسلحة أكثر فتكا ً من سابقاتها!
[18] كابوس
ـ حلمت أنني ولدت بلا رأس، بلا جلد، بلا عظام، بلا لحم، وبلا ذيل!
ضحك العجل وهو يصغي لرفيقه، وقال:
ـ يا حمار...، هذا هو الواقع وليس الحلم!
ـ لا.. أبدا ً ...، ففي الواقع ينتزعون مني ذيلي، وعظامي، لحمي وجلدي، أطرافي ورأسي...
ـ وفي الحلم؟
ـ أنا الوحيد الذي ر يعنيه إن كانت هذه الأشياء تكونني، أو أنا هو من يكونها، لأن وجودها غدا مستقلا ً عني!
[19] معضلة البغل
ـ لو كنت لم تُخلق ويكن لك وجود ..، فهل كنت تستطيع أن تبرهن على وجود من أوجدك؟
آووه...، عدنا إلى معضلة البغل..، لو لم يعتد الحصان على الأتان لكنا جميعا ً في خانة الحمير..!
[20] مكاسب
قال الكبش لزميله وهما يشاهدان ـ عبر شاشة الحديقة الكبرى ـ صورا ً من الجحيم:
ـ كلما فكر بالبشر، اشعر بالامتنان إننا لم نخترع الكتابة، كي ندوّن بها فداحة الخسائر!
ـ تقصد عظمة الانتصارات التي حققها البشر..، وتراكم الثروات، والمجد؟
ـ إذا كان سفك الدماء، وهدم المدن، وإشعال النيران، وبقر بطون الحوامل، وقطع أجساد الضحايا، وسحلها، يعد نصرا ً مؤزرا ً ...، ومجيدا ً...، فانا ازداد امتنانا ً لأننا لم نتورط بجني مثل هذه الأرباح...، كما إننا لن نأسف على زوالها!
[21] تنوع
همس الحمار بإذن جاره:
ـ لو كان البشر تعلموا منا .. الحكمة، والروية، والصبر...، لكفوا عن اختراع الحروب وسفك الدماء...
ـ يا لك من طاغية، دكتاتور، صنم...، لأنك أصبحت تفكر بإلغاء التنوع، والتعددية، وربنا ستفكر بإلغاء الشفافية!
ـ أنا قصدت بالحكمة، يا صديقي، حمل الأوزار، بصمت، بدل هذا التهريج، وبدل مهارات التنوع باختراع وسائل التدمير، والقتل، حد المحو!
[22] فساد
ـ لِم َ، في اعتقادك، وجد الفساد، لدرجة انك لا تجد واحدا ً إلا ولعنه، وشهر فيه، وتبرأ منه...؟
ـ كي يحافظوا على بقاء نصب الفضيلة شامخا ً إلى الأبد!
[23] معاقبة
ـ تخيل انك دفنت تحت التراب، أو تحولت إلى رماد، أو افترستك الضواري، أو أعادوك إلى البحر، أو قذفوك في حفرة بلا قرار، تخيل ذلك، تخيل انك بين أربعة جدران، أو في كهف مغلق، تخيّل ذلك...، ألا تشعر بالخوف انك مت وأنت لم تفتح فمك، وأنت لم تطلب الغفران أيضا ً..؟
أجاب الذئب العجوز:
ـ عندما لا توجد قوة توقف تكاثر أعداد النعاج وباقي الدواب والمواشي...، فالأمر الوحيد الذي يجعل سعادتي مهددة أنني أحيانا ً لا أجد حتى بقايا طعام أسد به جوعي!
[24] عجائب
بعد أن رفس الحمار ابن الكركدن، من غير قصد، أمر المدير بسجنه، ومنع الماء عنه. فأوشك الحمار على الموت، عندما سأله الحارس:
ـ كيف رأيت الدنيا...؟
ـ آ ....، لو تتفضل بإعطائي قطرات قليلة من الماء...، فسأخبرك بالعجائب، والغرائب، حتى تستعيد رشدك!
ـ ولكن سعادة المدير أمر أن تدفن في البحر!
ضحك الحمار:
ـ هذه واحدة من اقل العجائب...، فأما أن أموت بسبب قطرات قليلة من الماء، وأما أن أموت في بحر يكفي لإغراق العالم!
[25] أمل
ـ متى، أيها الشقي، المعذب، تكف عن الشكوى، والعواء...؟
ـ عندما لا اسمع أن هناك من يتحدث عن: الرفاهية، والفردوس، والسلام!
ـ الآن فهمت أن املك الوحيد، هو...، أن تعيش بلا أمل!
[26] جحيم
ـ لِم َ لا تريد أن تذهب إلى الجنة...؟
ـ وماذا أقول لربي: هل نجوت بعد أن تركت الملايين تائهة لا تعرف ماذا تفعل....، في جحيم الأرض؟
[27] هبة
اضطر لسؤال البغي قبل أن يلمسها:
ـ ألا يوجد شيء آخر تهبينه للآخرين غير جسدك؟
ـ جد لي عملا ً آخر...، يسد رمق جوع أولادي، فانا سأكون سعيدة وأنا سأهبك جسدي كله!
[28] اختلاف
ـ ما الفارق بين بلبل يغرد داخل القفص، وآخر يغرد خارجه؟
ـ الأول، يا صديقي، يأمل أن لا يقع في الأسر..، والثاني، يأمل أن يخرج ليغرد بأمل العثور على أمل أن لا يقع في الأسر مرة ثانية؟
[29] ذكاء!
ـ من في اعتقادك أغبى حيوان في هذه الحديقة؟
ـ السيد المدير!
وأضاف:
ـ فهو لم يكتف أن يخدعنا وحدنا، بل راح يخدع نفسه بعد أن تخيل انه وحده خارج الشبهات!
[30] حرية
سأل حارس الحديقة الأرنب القابع وراء القضبان:
ـ ماذا لو أطلقنا سراحك ...، وصرت حرا ً...، كما ولدتك أمك؟
ـ أوافق....، شرط أن تضع جميع الكلاب، الذئاب، الثعالب، التماسيح، السباع، النمور، والضباع خلف القضبان!
ثم أضاف:
ـ ومادام هذا الشرط وحده مستحيلا ً وبانتظار معجزة لن تحدث حتى في الخيال، فلا تفكر أن تسخر مني، وتتسلى بمشاعري، وتغويني بالوعود، مرة ثانية!
[31] ديمقراطية
ـ وأنت في حفرتك هذه...، لا احد يسمع عواءك، لا احد يعرف ماذا حل بك، وأي النكبات نكبت بها، وأي الأمراض أصابتك، فلماذا لا تغلق فمك ولا تعاقب نفسك وتجلدها ...؟
ـ أنا ـ سيدي ـ لم يعد لدي ّ إلا أن اسمع نفسي...، أليس الكفن هو وحده هدية الحياة للميت؟
ـ أتقصد أن كلماتك هي كفنك؟
ـ لا ..! لأنها لا تتستر علي ّ...، فانا سأموت، وهي ستعيد قتلي، مرة بعد أخرى، حتى تجد من يكفنها، فتستريح، وأستريح أنا منها أيضا ً!
ـ آ ....، الآن فهمت معنى المثل القائل: عيش يا حمار حتى تأتيك الديمقراطية!
31/8/2016
Az4445363@gmail.com