في ذكراه
عبد الستار ناصر .. جهد ابداعي وروح متمردة ... وضياع في متاهات الحياة ...
مؤيد داود البصام
مقدمة توضيحية
بغداد مدينة رائعة ، لعلي احبها لانها مني وانا منها ، زرت مدناً كثيرةً ، وعشت وقابلت اشخاصاً اكثر ، لكني احس في بغداد الاشياء تختلف والاشخاص غير الذين قابلت ، مدينة عجيبة كما هي المدن العظيمة ، فيها من التناقضات والتضادات والاشياء الغريبة ما يغجز القلم عن وصفها ، فمهما تحدثت ، ومهما قلت ، فانك ستبقى ضئيلاً امام عظمة هذه المدينة واهلها ، احببت دمشق وشوراعها وعبق ماضيها ، وانتشيت في القاهرة واحتضنت قممها وصعاليكها وتاريخها ، واحسست الدفء والعشق في عمان وروابيها ، إلا ان شخصيتي ووجودي يتكاملان مع نفسي في بغداد ، اشعر بالغربة في كل عواصم العالم ، إلا في بغداد غربتي لها لون آخر ، غربتها عشق ومحبة ، وعبد الستار ناصر واحد من عجائب بغداد وطرقاتها المحفورة بالذاكرة ، كلما امعن في البعد والهرب ، ظهر يلمع ويتلجلج ، وفي زياراتي لمدينة عمان ما بعد احتلال العراق ، حيث ارمي بثقل احزاني في دروبها التي عشقتها ، واحن اليها ، هذه المدينة التي يوازي وشائج التصاقي بها ما في داخلي لبغداد ، منذ ان عاصرتها مدينة لها حدود وازقتها اين ما سرت تحتضنك ، ويشعرك الجالس والسائر من اهلها بالدفيء ، رأيتها اخيراً مترامية الاطراف بلا حدود ، ازقة جامدة خالية والريح والبرد يغزو طرقاتها الجديدة . لكن حميمية اللقاءات في مقهى السنترال ، احد الامكنة التي امتصت شحناتي الكهربائية ايام زمان ، للقاءات نكهة وطعم تعوض عما آالت اليه المدينة الجميلة التي دخلت الحضارة ونست خلفها الاصالة .
في مقهى السنترال التقي عادة الاصدقاء ومنهم صديقي العجيب القاص والروائي عبد الستار ناصر ، وفي كل مرة يخجلني بكرمه ، يسارع لإهدائي آخر إصداراته من الكتب ويرفقها بمجموعة من الكتب والروايات التي صدرت لكتاب اردنيين وعرب ، ويتجشم عناء التوسط لأستحصال خصم مجزي للكتب التي اشتريها من المكتبات في وسط عمان ، ارتبطنا بصداقة متباعدة المكان منذ ستينيات القرن الماضي ، فقد قضيت السنين من نهاية الستينيات لنهاية سبعينيات القرن الماضي في سفر وترحال ، وعندما عاودت الاستقرار في بغداد اواسط الثمانينات ، بدأ غياب عبد الستار يطول ليس كالسابق رحلات قصيرة وعودة ، لتصل الى القطيعة في التسعينيات بعدم العودة ، وفي آخر زيارة لعمان أهداني كتابين ، الاول مجموعة مقالات وآراء (سوق الوراقين) والثاني رواية باسم (على فراش الموز) لا انكر اعجابي الشديد بشهادات عبد الستار ، كنت حريصا على حضور اي جلسة يتناهى الى سمعي او تأتيني دعوة لسماع عبد الستار يلقي بشهادة ، كنت افرغ نفسي حتى في اشد مشاغلي للذهاب ، والاستماع اليه وهو يطربنا بسحر بيانه الذي ينداح وهو هائم بحماس منقطع النظير ، وتسمع نغمات الموسيقى تنبع من الحروف والكلمات وشجى غرناطي ما بعد عهد (الصغير) يلف الكلمات والجمل بغلالة من الحزن المهيب ، هذا هو عبد الستار حينما يلقي بشهادته ، التي ما غبت عن واحدة منها ، وما لا اخفيه ، لم اكن اهتم كثيرا بقراءة قصصه ، فهو في رأيي قصاصاً يتناول موضوعة الجنس من دون ان يوظفه في قضية ، وهو السبب الذي جعلني طيلة هذا الوقت لم اكتب عن اعماله .