الثلاثاء، 6 أكتوبر 2015

الشاعر أدهم عادل في مهرجان بارك بلادي ‫

تزوير لوحات جواد سليم-د. إحسان فتحي



تزوير لوحات جواد سليم


د. إحسان فتحي


كم هي بائسة هذه المحاولة ، فالمزور تميز بدرجة عالية من الغباء المستفحل، ونحن نحمد الله على تدني مستواه "الفني"، ونأمل أن لا يقع احد المغفلين من شرائها لكي تتصدر أهم جدار في صالته!



 

 

في الخزف العراقي المعاصر عبلة العزاوي جذور التحديث وخصوصية الأداء-عادل كامل









في الخزف العراقي المعاصر
عبلة العزاوي
جذور التحديث وخصوصية الأداء




عادل كامل


[1]




عبلة العزاوي 2015

   ربما آخر من تعنيه، أو تهمه، هذه الكلمات، هي الخزافة الرائدة عبلة العزاوي ( ولدت عام 1935 في بغداد)، فإذا لم تكن تأمل أو تنتظر رحيلها ـ بدل انتظاره في عزلتها شبه التامة  ـ فإنها غير مكترثة لكلماتنا، حتى الصادقة منها والموضوعية، ليس لأنها أدت ما كان عليها أن تؤديه، بل لأنها لم تعد منشغلة بالخسائرـ والمكاسب، إزاء أسئلة لا إجابات عليها..!
    وحيدة، ربما حتى إنها انفصلت عن (ذاتها) بعد أن أتعبتها العزلة، وأتعبها الفراغ، والإهمال، أو للقاء زميل أو جار أو عابر سبيل، فمنذ غمرها العمل الخزفي لعقود طويلة، أي منذ تلقت أولى كلمات الفنان جواد سليم، في خمسينيات القرن الماضي، عندما كانت طالبة في معهد الفنون الجميلة، بالبهجة والأمل، عندما أكد لها سلامة اختيارها لفن الخزف، فن استنطاق الطين، وسماع ما يكتم من مشفرات وأصداء وأزمنة،  سمح لها أن تكمل دراستها في فرنسا، متحدية نفسها، قبل أن تتحدى الآخرين.  فلم يعد يعنيها ما يقال عنها، حتى بعد أن أغلقت مشغلها، وقاعتها، وتخلت عن صناعة علاماتها البغدادية، الجمالية، والسحرية، من ثناء أو إهمال! ربما ستكون سعادتها الوحيدة، ليس في امتداد العمر، بل بوضع خاتمة له؛ لرائدة حفر اسمها مع رائدات كنزيهة سليم، مديحه عمر، سهام السعودي، ليلى العطار، بهيجة الحكيم، نعمة محمود حكمت، وداد الاورفلي، سعاد العطار، بتول الفكيكي، فرح عدنان، مهين الصراف، نهى الراضي، وسماء  حسن، جنة عدنان، وغيرهن..

مع الكاتب/ 2015

   فهل هو مصير تنفرد به عبلة العزاوي، أم انه تتمة لـ (نموذج) يماثل مصائر النساء اللائي نذرن حياتهن للإبداع الجمالي، الثقافي...،  مؤكدة ـ بشكل أو آخر ـ إن حقوق المرأة ، في بلدان اختلطت فيها أصوات الموت بأصوات أخرى لا علاقة لها بالحضارة، والتنمية، والمثل النبيلة، إن غابت هذه الحقوق، فلا حقوق للطفل، ولا حقوق للرجال، وللمجتمع بأسره.
   والغريب إن منظمات المجتمع المدني، والمنظمات الخاصة بالمرأة، والحقوق، والجمعيات المكلفة ـ من المجتمع أو من الحكومة ـ  برعاية الإبداع والمبدعين، ولسنوات غير قصيرة، تكاد تكتفي بالشعار، وبالاسم.  فهل نوجه اللوم لها، لأنها عادت إلى مدينتها، بغداد، ولم تختر فرنسا، مثلا ً، للإقامة، والتمتع بالحقوق، أم نلومها لأنها انشغلت بأقدم فن عرفته الحضارات الإنسانية، أم نلومها لأنها وجدت مصيرها (المعزول) مكافأة لها...، وهي تتعامل معها بلا مبالاة، بل وبصمت، وبقناعة إن العدم ليس إلا وجها ً للحياة، وان الحياة ليست إلا امتداد  للعدم!
     فعندما كنت أتحدث معها، تذكرتني بصعوبة، وقالت:
ـ لِم َ تتعب نفسك!
ولكنني تذكرت إنها ـ قبل عام ـ كادت تتيه وهي في طريقها لزيارتي في بيتي، على بعد لا يتجاوز الخمسين مترا ً، لأنها حلمت ورأتني تعرضت لكسر في ذراعي....، فقالت:
ـ أنت أستاذي!
والغريب أيضا ً وأنا أتحدث عن تجربة النحات عبد الجبار ألبنا انه نطق بها (مواليد 1924)، وفاء ً لا أكثر ولا اقل...!
    أعود أتساءل إذا كان مصير خزافة رائدة يغدو بلا معنى...، كمصائر مبدعات عراقيات واجهن قدرهن بالصبر ذاته الذي جعل من أيوب السومري رمزا ً مزدوجا ً لتحمل أوزار لا ذنب له في تحملها، أو للمعنى ومشفراته العصية على التفكيك...، وذلك لأن خزافة كبيرة مثل عبلة العزاوي،  لأنها نموذجا ً للمبدعة نراه يغيب عنا، من غير اكتراث، أو مبررات، عدا الإهمال، والعقود.
   فهل (المصيبة) إذا عمت، كما في المثل، خفت...؟
   لأن تذكر أسماء عشرات اللائي ـ وفي زمن ازدهار الفضائيات ومواقع التواصل وغيرها ـ أرغمن على تناول السم الذي ارتوى منه سقراط، وليؤكد أن اللغز العنيد هذا الذي سمح للإهمال واللامبالاة والقسوة ...، نظاما ً للتعامل مع العلامات الخلاقة، ومع رموز الحياة... فهل هذا كله هو قفا: الشفافية والديمقراطية والحرية، أم وجهها...؟


[2]



ألحارثي مع عبلة العزاوي 2012


* إشارة
    [ لم تصدم الخزافة عبلة العزاوي (1935) بنشر خبر رحيلها، وكأنه وحده أعاد إليها الحياة! فالخزافة، منذ عقدين، لم تعد مشغولة بالطين، وبهموم الفخار والخزف، أو بالحياة الثقافية. لكن نبأ وفاتها لم يسمح لها بالدفاع عن حياتها، وعن عزلتها، وتخليها عن قاعتها، وتوزيعها لممتلكاتها الفنية، فحسب، بلا لأنها ـ كمثال لزميلاتها وزملائها ـ لم تجد إلا القليل الذي يبقيها على قيد الحياة.
  حتى إن الفنان المسرحي الكبير د. حمودي ألحارثي، في زيارته لي، صدق الخبر، ولكن ما أن حدثته عنها ـ كجارة لي وشريكة عنيدة في اختراع الرموز الجمالية ـ إلا وطلب مني أن نذهب معا ً إلى زيارتها.
إنها، كجسد، قالت لنا: مازالت تنتظر اللحظة التي لا مناص أنها شبيهة بالتي جاءت بها، للحياة، أن تكون خاتمة لعمر أمضته بين الأفران، والأطيان، والألوان...، وإنها  سعيدة لأنها عاشت في بغداد، ولم تمكث في باريس، بعد إكمال دراستها فيها، وان حياتها كانت حافلة بالعمل، فما يبقى ـ قالت ـ ليس الجسد، بل قدرته على الإبداع، وهو يناور الزمن، والمجهول.
    وكان معنا، حفيدي علي (3 سنوات) الذي عقد معها صداقة، بعد أن تذكرت الفنانة والدته التي درستها فن الخزف، قبل ربع قرن.



 
حفيد الكاتب مع الخزافة 2012

   وتركت الفنان حمودي ألحارثي يصوّرها، وهو يحاورها، لإعداد مادة وثائقية عن فنانة كرست حياتها، كأسلافها أسطوات بغداد، لبناء علامات جمالية، تحمل لوعة بغداد، وتاريخها العتيد..]
14/ 7/ 2012

كولاج ـ 1985

* العزاوي ورحلتها في الخزف
مهما تنوعت أهداف الفن، منذ تجارب الإنسان الأولى، وحتى عصر الحداثة وما بعدها، لم يكن موت الفنان [ المؤلف ] نهاية للخطاب في مغزاه الأسلوبي، باتجاه خصائص فردية، بين التحليل والتركيب، وكافة التحولات والمتغيرات، إلا لصالح الأسلوب، داخل بنية [النص] وإحالاته. وتنوع منهاج البحث، وان يحدد طرق التأمل، لكنه يغني الخطاب، لان التوقيع، في الأخير، سيشكل هوية الفنان،  ومادة النص، حتى بعيدا عن الأهداف المتوخاة، أو المحددة.
عند الخزافة عبلة العزاوي ، في معرضها الشامل ( 1970 – 2000 ) – بغداد ، قاعة عبلة للفنون ــ نعثر على خلاصة لهذا المسار ، الداخلي للفن الأكثر صعوبة، والأكثر صلة بحياة بالحياة اليومية للناس، كما نتلمس مغزى العلامات الخزفية ، في الأشكال ذات التكوين المزدوج بين الموروثات والعلامات الحديثة.



جدارية ـ 1990

مرجعيات
إن النظرية تستعين بالنماذج . وعند تفحص الدافع الخفي المحرك للعمليات الإبداعية ، تظهر بدائية الفنان ، لصالح إبداعه الجمالي ، والتعبيري بشكل عام . والبدائية ، تحديدا ، تضعنا في منطق الوجود خارج زمنه ، ومكانه ، وفي ذات الوقت ، تفسر أهمية الخصائص الفردية . فمنذ رواد الحداثة في العالم ، غويا أو جوجان ، ماتس أو هنري روسو ، بيكاسو أو جايكومتي – على سبيل المثال – كانوا يحققون ، في إمبراطورياتهم الفنية ، أنظمة بالغة الدقة ، والتعقيد في تفسير وجهات نظرهم ، ورؤاهم ، وشخصياتهم عبر الأسلوب ، أو التوقيع ، داخل مفهوم الاتجاه العام . فالبدائية لا تتقاطع مع الحداثة ، شرط أن تمتلك خصائص المبدع ، وتفرده الخاص .
ومازالت عبلة العزاوي تتذكر كلمات أستاذها الخزاف الفرنسي ، بدراسة فنها البيئي، والشعبي، والحضاري، .. وهي كلمة لجواد سليم قالها للفنانة عبلة العزاوي ، في نهاية الخمسينات ، مشيرا لعلاقة الفنان بالمحيط ، والرموز المرئية. وقد وجدت الخزافة. منذ باريس ، إنها مشغولة بما يحيط بها .. فالفن هو امتداد جمالي لعالمها الخارجي ، دون قطيعة ، لان الفن لديها لا يحمل وظيفة محددة ، نفعية ، كما في الخزف التقليدي ، وإنما هو الجزء الذي يكمل أبعاد المشهد العام . وبدائية عبلة العزاوي لها خصائصها النفسية .. ومن المهم الإشارة لكفاحها ، في طفولتها وصباها ضد المرض ، والانحياز للفن كتعبير علاجي ووقائعي في ذات الوقت . فرؤيتها حافظت على ما يدور في رأسها بنوع من العناد ، والتحدي ، ولكن بعيدا عن الانغلاق، أو التكرار غير الضروري، ومن ثم فأنها راحت تعبر من غير حذر المدارس والأساليب ، وإنما جاءت تجاربها ، ومراحلها الفنية ، لتمثل التجريب بمعناه الإبداعي .. وعناصر هذا التجريب، عندها ، تتكون من [ 1 ] الحفاظ على مكوناتها الشخصية ، وعالمها الخاص [ 2 ] وتأمل عناصر المرئيات المحيطة بها .. [ 3 ] مع العناية بالمكان . أن الإشارة الأخيرة ، منحت أعمالها بعدا تشكيليا نحتيا ، فقد راحت توازن بين المضمون وأسلوب رؤيتها للأشكال : للاختزال ، ومعالجة الرموز الشرقية ، والعناية بتحوير الأشكال كمفردات ترتبط بخصائص أسلوبها الخزفي والجداري معا . فهي تلقائية ، وكما قالت ذات مرة ، أن الطين هو الذي يجعلها تفكر، فهي تفكر نيابة عنه. إن موت [ المؤلف ] يحدد إبعاد الفن واحد غاياته الأكثر استحالة على التعريف. والفن البدائي ، في أعلى مراحل الحداثة، يمتلك هذه الخاصية : هذا التوقع للفردوس الغائب، للأشياء الكامنة في البصريات، أو لكل محركات السطح ومكوناته غير القابلة للتفسير المباشر.


حداثة وجذور
انشغلت ، في مراحلها الأولى ، بالفنون القديمة . بدمى الطين ، وفخاريات الإنسان القديم ، حيث غدا الانشغال بالفن ، جزءا من بنية الحياة المبكرة للإنسان . كان ذلك الفن قد ترك أثره في تجاربها البكر : تأمل الأشياء الأكثر صلة ، وقربا ، بالمرئي .. ومحاولة منح المعنى مغزاه بإشكاله . فالشكل بلغ سر الحرف ، داخل الكلمة ، وسر الكلمة داخل الجملة . ولم يكن مفهوم النص الفني عندها إلا كمد جسر بين الذات والعالم المحيط بها . بعد ذلك ، وجدت في المكان كثافة فريدة للزمن .. السكون الذي تكمن داخله الحركة . هذا المفهوم العام ، لزمن الفن ، خارج المراحل ، دخل المفاهيم الحديثة . فالحداثة الأوربية ، وان ارتبطت بالتقنيات العلمية ومختلف العلوم ، والتسارع في بنية الحياة، إلا أنها لم تفقد جذورها بالموروث القديم ، لا على صعيد الوعي ، بل بمستوى تمثلات اللاوعي لعلاقة الذات بالمسافات المحيطة به . أولا : كانت العزاوي منشغلة ، بما تراه ، وتلمسه ، ثانيا : راحت تجد مغزى أسرار الأصابع فوق الطين . الإشارة الأخيرة ، ترتبط بالأسلوب ، والرؤية الفنية . بعد ذلك – ثالثا – راحت تكوّن مفرداتها بمنطق التجريب . فالحداثة لم تشغلها كنزعة متطرفة ، أو أوربية ، وإنما كأسلوب يمتلك أبعاده ، مع الحفاظ على أسئلة الفن ، داخل النص الفني . ان العلاقة ، في هذا المنحى ، لها صلة بالحرفي البغدادي ، البنّاء ، وتقاليده المتوارثة ، مع عناية بمناهج التحديث ، على الصعيد التقني ، فالفنانة ، بعد دراستها في فرنسا ، ومنذ ثلاثين سنة ، وازنت بين الصنعة والفن .. بين القديم والجديد ، بين المعرفة والتلقائية .. وهي أسس منهجها التجريبي ، في الخزف العراقي المعاصر . فالحداثة ، لديها ، تكمن في إعادة بناء الأشكال ، وإعادة بناء العلاقات بين العناصر ، لرسم حدود ( التوقيع ) الذي يمثل كيانها بمرجعياته المختلفة . فالخزف غدا جزءا من مكونات البيت ، والمدنية ، على صعيد الفن ألجداري . فهي تتقاطع – بوعي أو بدونه – مع ظاهرة هدم البنية المتجانسة ، ومع ظاهرة التلصيق والانتقائية ، ومحاولة منح الفن شرعية وجوده المعرفي ، والعضوي، بالحفاظ على زمنه، ومكانه، أي تاريخه الجمالي، والفني في الأخير.


بغداد المدورة
تركت بغداد في ذاكرة الخزافة ، كمشهد يومي ، فضلا عن انشغالها بتاريخ الفن الشرقي ، وحكايات ألف ليلة وليلة ، والموروث الإسلامي ، أثره في تجاربها الخزفية . فتحولت بغداد إلى جدارية كبيرة ، نفذتها في ايطاليا ، قبل عشرين سنة ، وتم نصبها في واجهة المصرف العقاري ببغداد . تحكي الجدارية ، علامات تاريخ المدينة .. فالفنانة تحتفل بعناصر الحياة ، وأبعادها الروحية . إن عمل جدارية بهذا الحجم، أكثر من مغامرة، فقد تحدت الفنانة كافة الاشكالات ، وحققت جدارية ما زالت مثار الإعجاب . فهي جزء من المدينة ، وبنيتها الجمالية . فبغداد تظهر كمدينة محصنة ، يجري نهر دجلة أمامها ، بينما انتشرت القباب والمنائر داخلها : انه أشبه بمدينة أسطورية ، آتية من زمن سحيق ، تحمل معها تاريخها ومعمارها المميز بالأسلوب الشرقي . وبنية الجدارية ، متماسكة العناصر : فهناك علاقة بين المساحات الكبيرة والصغيرة ، ضمن تكوين نصف منغلق ، بينما ثمة علاقة متوازنة بين لون السماء والنهر .. وقد أدخلت الفنانة الحرف العربي ، كجزء من البعد الثقافي الذي ميز بغداد طوال الزمن .. وعلى الرغم من إن الجدارية ذات سطح واحد تقريبا ، إلا إن استخدام الفنانة للمنظور إعطاءها أبعادا وأعماقا متجانسة في الرؤيا وفي التاريخ المشبع بالحكايات والرموز . وقد عالجت ، في حدود بنية النص الفني ، العلاقة الجدلية بين تاريخ المدينة ، ورموزها ، وبين البعد الجمالي ،  والروحي ، عبر استثمار عشرات العلامات ذات الصلة بالمكان ، والزمن . انها صنعت قصيدة من الخزف ، تروي حكاية بغداد عبر الأزمنة .



وحدات تراثية ـ 1980
جداريات
خلال أكثر من 450 قطعة فنية، عرضتها الفنانة العزاوي، مثل الأشكال الاعتيادية، والمحورة، قدمت مجموعة مختارة – تم استعارتها من مقتنيها – من تجاربها الجدارية. وهنا تظهر ملكة التكوين، بعد أن دمجت فن النحت، إلى جانب فن الرسم ، في البعد ألجداري . فهي تخلت عن المفهوم النفعي المباشر للخزف ، وراحت ، كما في التجارب الفنية المعاصرة ، تضع الفن هدفا لها . وللفن ألجداري ، من زاوية أخرى ، صلة بالأعمال الجدارية القديمة ، إن كانت آشورية أو بابلية ، فضلا عن تأثيرات الفن الإسلامي ( الأرابسك ) .. فهناك عدة مرجعيات لتكويناتها الجدارية ، حورتها ، بأسلوب يناسب أبعاد الفن الحديث على صعيد النحت والرسم ، فضلا عن المتغيرات في معمار المدينة . فالفنانة العزاوي، بدافع الخزف،  راحت تكون جدارياتها كمشاهد ثابتة للمدينة ، لا كبعد خارجي أو تصميمي محض ، وإنما كجزء من بنية المدينة الشرقية . فعناصر فنها مختلفة عن النزعات الأوربية التجريدية التي شاعت في التشكيل العربي ، خلال القرن العشرين ، ذلك لأنها استلمت الموروث الشعبي ، وتحويراته ، ببعد هندسي اعتمد أسلوبها في التجريب . فهي راحت تتمسك بوحدات فنية محلية، كالأقواس والمنائر وواجهات المعمار والزخارف الجصية ، في سياق الحداثة التي شملت أشكال الحياة المختلفة . وقد جاء الفن ألجداري – الخزفي ، إحيائيا لمفهوم الفن تجاه البيئة والموروث، مع عناية بجعل المعنى جماليا، عبر الاختزال، والإيحاء، والدلالة التعبيرية.


حروف ـ 1990
بصمات
لم تعتمد عبلة العزاوي، خلال نصف القرن الأخير ( 1950 – 2000 ) التيارات الأوربية ، بالرغم من دراستها في باريس ، وإنما اعتمدت ، بالدرجة الأولى صياغة توقيعها ، بالأسلوب المتوازن للموروث والتراث الشعبي ولعناصر شخصيتها ، المتقشفة ، والجمالية ، والتأملية . فالفنانة ، حاولت منح الطين أحد أهم مميزاته الحيوية ، المرونة ، والاكتفاء ببعض الأفكار التصميمية ، مع عناية باختيار الوحدات والموضوعات البيئية .. ولم تتطرف بالمعالجات الراديكالية للخزف في تياراته الحديثة ، كما فعل سعد شاكر ، رائد الخزف العراقي المعاصر ، بل حافظت على النمو الطبيعي لفن الخزف في بعده الفني – والجمالي .. ومن هنا كان إخلاصها لهذا الفن بالدرجة الأولى ، مع استثمار عناصر من النحت الفخاري والرسم ألجداري .. حتى بالإمكان القول إنها فنانة كلاسيكية ، في الحفاظ على تقاليد فن الخزف ، بعيدا عن وظائفه والاستهلاكية، أو المتطرفة في التجديد .. إنها وازنت ، في مسارها الطويل نسبيا، كما قال الفنان الدكتور عبد الستار الراوي ، بين مختلف الروافد ، ببلورة رؤيتها الجمالية لفن الخزف العراقي المعاصر.**



[3]




وكتب عنها الدكتور وريا عمر أمين الإشارة التالية:



رائدة الفن التشكيلي خزافة العراق الأولى (عبلة العزاوي)



  تعود معرفتي بالفنانة التشكيلية عبلة العزاوي إلى ربع قرن حيث كنت أتردد على قاعتها الفنية و الثقافية (قاعة عبلة ) الكائنة في الغزالية في الشارع المسمى باسمها ( شارع عبلة العزاوي).التقي فيها بالفنانين و الأدباء و المثقفين و استمع إلى أحاديثهم و المحاضرات الثقافية التي كانت تلقى من قبلهم  وأتلقى منها دروسا في علم و فن السيراميك  وأشارك في نشاطاتها الفنية و الثقافية .
ــ  ولدت عبلة العزاوي في بغداد 17 – 11 – 1935
ــ أول من تخرجت كفتاة من معهد الفنون الجميلة في بغداد – فرع الخزف
ــ أكملت دراستها الفنية في المعهد الوطني للفنون التطبيقية في فرنسا
ــ ساهمت في العديد من المعارض الفنية داخل و خارج العراق
ــ اشتركت في المعارض المتخصصة بالخزف في (لندن و دمشق و كاراكاس و فينا ...)
ــ شاركت بتمثيل الخزافين العراقيين في معرض دمشق والفنانات العراقيات في فينا
ــ أنجزت أعمالا نصبية جدارية أبرزها : جدارية المصرف العقاري (بغداد المدورة بقطر 40م)
ــ تمتلك قاعة خاصة بها للفنون التشكيلية منذ 1968
قال عنها الفنان و الأديب  والناقد عادل كامل
"هي خزافة وريثة عدة الاف سنة من تاريخ العراق حافظت على روح المدينة العراقية و و اخذت تاريخ العراق و تراثه ولم تتاثر بالتجارب العالمية ..فن عبلة العزاوي كالفن السومري و فنون العالم القديم ، وهي تمتلك الأمل و تمتلك الفلسفة وتفتح الأبواب للعالم لتقول: هذا الجمال , هذا الفن"
لم تعتمد عبلة العزاوي، خلال نصف القرن الأخير ( 1950 – 2000 ) التيارات الأوربية ، بالرغم من دراستها في باريس ، وإنما اعتمدت ، بالدرجة الأولى صياغة توقيعها ، بالأسلوب المتوازن للموروث والتراث الشعبي ولعناصر شخصيتها ، المتقشفة ، والجمالية ، والتأملية . فالفنانة ، حاولت منح الطين أحد أهم مميزاته الحيوية ، المرونة ، والاكتفاء ببعض الأفكار التصميمية ، مع عناية باختيار الوحدات والموضوعات البيئية .. ولم تتطرف بالمعالجات الراديكالية للخزف في تياراته الحديثة ، كما فعل سعد شاكر ، رائد الخزف العراقي المعاصر ، بل حافظت على النمو الطبيعي لفن الخزف في بعده الفني – والجمالي .. ومن هنا كان إخلاصها لهذا الفن بالدرجة الأولى ، مع استثمار عناصر من النحت الفخاري والرسم ألجداري .. حتى بالإمكان القول إنها فنانة كلاسيكية ، في الحفاظ على تقاليد فن الخزف ، بعيدا عن وظائفه والاستهلاكية، أو المتطرفة في التجديد .. إنها وازنت ، في مسارها الطويل نسبيا، ، بين مختلف الروافد ، ببلورة رؤيتها الجمالية لفن الخزف العراقي المعاصر .
و قال عنها الفنان الدكتور برهان جبر حسون الذي جمع بين التشكيل و الطب:
“ تتواصل الفنانة مع مسيرتها الطويلة فتعرض تنوعا و كما من الأعمال الزاخرة بالمفردات و التكوينات الموروثة من الجداريات و المعلقات و المسلات و المنمنمات و القلائد و و التمائم و التعاويذ و الآنية , التي تسجل الحياة البغدادية في أدق تفاصيلها و مناسباتها , حيث تأخذك بعيدا لتلج بك تلك البوابات العصية حيث يستفيق التراث و يغدو حاضرا متناغما مع العصر لا طارئا مقحما عليه..إن العزاوي لا تنفذ منجزاتها – أو لنقل آثارها الخزفية – بطريقة بنائية إنشائية, ولكنها تطلق عنان مخيلتها في أزقة الذاكرة و ثناياها لتقتنص منها الرموز و الدلالات  وربما الحكايات لتعيد صياغتها برؤية تشكيلية عالية و حس لوني رشيق، كمن يعيد ترتيب شظايا مرآة مهشمة ..)
وقال عنها الدكتور عماد عبد السلام رؤوف في كتابه ص21 (رحلة بين الطين و الروح – سيرة شخصية و فنية)
“ …لم تكن عبلة فنانة و كفى ، و إنما كانت – رغم زهدها الشديد و قناعتها التامة – شخصية مؤثرة ايجابا في كل من كان حولها تشيع جوا من التفاؤل ، في وقت لم يكن ثمة ما يبعث اله . و تعزز أواصر المحبة و تنشرها حولها , على رغم كل مشاعر الضيق و الالم التي اخذت تنعكس على وجوه الناس و تصرفاتهم احيانا.
... أصبحت قاعة عبلة ابرز معالم حي الغزالية , وأصبحت موئلا لسلسلة من المحاضرات الأسبوعية يتناول فيها المحاضرون ، في جو أليف , موضوعات تراثية و فنية و حضارية , و صار الناس يتقاطرون إلى القاعة يسمعون و يتحاورون و يألفون و يؤلفون . فلا يخرجون الا وقد نسو همومهم و معاناتهم التي جاءوا بها.فمن محاضرات هذه القاعة مثلا محاضرة (النحت في الفضاء ) للفنان رافع الناصري, ومحاضرة عن الفنان المسرحي حقي ألشبلي بمناسبة مرور ثلاث سنوات على رحيله سنة 1987, ألقاها الأستاذ خالص عزمي , و أخرى عن (النخيل) للدكتور عبد الأمير ثجيل , و(الرسم في الإسلام ) للصحفي زهير أحمد القيسي , و (التأريخ في الشعر)للأستاذ محمد البازى,و (الشاعرات في العصر العباسي) للدكتور حميد الهيتي و( الشاعرات في الخمسينيات) للأستاذ خالص عزمي و (هاشم الخطاط) للدكتور نوري القيسي , و ( الحروف و الأرقام العربية ) للمحامي موفق مصطفى العمري , و الأرقام العربية و الهندية) للاستاذ صبيح الأوسي . و ( معجزات العلاج) و (عجائب التداوى) و كلتاهما للأستاذ مثنى إبراهيم حمدي,
و (الإنسان و الكون ) و ( المذنبات) و ( مجاهل الذرة ) و ( من مجاهل الأرض) و ( الأرض بالأرقام) و كلها للدكتور وريا عمر أمين و (فلسفة كانت و علم الجمال) للناقد حميد ياسين و ( الاستنساخ البشري) للدكتورة ندى الأنصاري و (علم النفس و دوره في حل مشاكل الحياة اليومية) للدكتور عبد الحافظ سيف ,وهو من اليمن , و تاريخ المسرح العراقي) للفنان يوسف العاني..‌..و (اكتشاف ثبر المعتصم بالله) و ألوان الأحجار الكريمة) و ( جولة سياحية في بغداد العباسية) للدكتور عماد عبد السلام رؤوف....وغيرها
       ومن طريف ما يذكر إن مجلة (صوت الآخر) العدد 167 الصادرة يوم 24/10/2007 نشرت خبر انتقالها إلى جوار ربها..سارعت أنا في تكذيب الخبر في نفس المجلة و أقمنا نحن أصدقاء القاعة بهذه المناسبة حفلة بعنوان ( عودة عبلة إلى الحياة).

والآن تعيش هذه الفنانة العظيمة التي وهبت حياتها للفن وحيدة  في قاعتها المهجورة..نحن زملاءها المقربون (الفنان الروائي عادل كامل و الفنان حميد ياسين وأنا وآخرين ) نزورها ونتفقد أحوالها ... أطال الله من عمرها ووهبها الصحة و الأمان.



 شهادة

   للنحات مصطفى بهجت، والذي عاصرها، كلمة بهذا الصدد:
  [ حين يعيش الإنسان فترة ربيعه يسعى الجميع لقطف زهرة من زهور حقله، والآخر يسعى لصيد فراشة من فراشاته، وأضعفهم حيلة يتسلل ـ وربما خفية ـ ليملأ رئتيه من عبق عطره، وعندما يدخل مرحلة الخريف وتذبل الأغصان وينحني العود وتجف أوراق الشفاه وتذبل أوراق الخدود ويصير صديقه الأوحد سرير المرض، يهجره الجميع ويصير مثل (إرمْ) بعد أن كانت ذات (عِماد). ومهما طالت معاناته مع المرض وكل أنواع الحاجة لا يجد ولا حتى تربيتة من صديق أو يدا ً تمتد إليه بالعون، ولا كلمة تعينه على الحال ويصبح نسيا ً منسيا ، فإذا تسمعهم فجأة يلهجون باسمه، ويعلقون صورته بخيوط الشمس، ويتحدثون عن فنه، وانجازاته... فاعلم انه قد مات!) 20 تموز 2015


العزاوي ـ 16/7/2015

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* ولدت في بغداد عام 1935
ـ درست الفن في معهد الفنون الجميلة ـ بغداد ـ فرع الخزف
ـ تابعت دراستها الفنية في المعهد الوطني للفنون الجملية والتطبيقية في ( بورج ـ فرنسا)
ـ أقامت ستة معارض شخصية في بغداد وشاركت في العديد من المعارض الفنية داخل العراق وخارجه.
ـ حققت أعمالا ً نصبية جدارية أبرزها جدارية المصرف العقاري (بغداد المدورة)
ـ عضو نقابة وجمعية الفنانين التشكيليين العراقيين.
** ومن الغريب ـ هنا ـ أن هناك، في الحي الذي تسكنه الفنانة، أكثر من 15 صحفيا ً، ومعنيا ً بالفنون والثقافة!، لم يفكر أحدا ً منهم بالإشارة إلى تجربتها، أوالى وضعها الإنساني، بل وحتى في زيارتها!

السبت، 3 أكتوبر 2015

قصة قصيرة ساعات في شباك اللا وجود-عدنان المبارك

 قصة قصيرة



ساعات في شباك اللا وجود


 عدنان المبارك

- كل يوم هو قليل من الحياة ، وكل استيقاظ قليل من الولادة ، وكل صباح قليل من الشباب ، الا أن كل حلم هو بديل الموت. أرتور شوبنهاور ( 1788 – 1860)

كتبت عن الآخرين كثيرا .لأبدأ الكتابة عن بعض زوايا الداخل التي أهملت لزمن طويل. في أواخر العمر انتفض شوبنهاور فيّ , قرأته كثيرا لكني وجدت مؤخرا أنه كان محقا على طول الخط. عاش اليومي كألماني كما أنا الآن كأوربي. لكن عدا اليومي أبصر كل الأشياء بأكثر من عينين. في زمن المراهقة وأولى سني البلوغ أخافونا بشوبنهاور بل برجال وديعين ومسالمين أمثال المسيح وكانت وبوذا والرواقي زينون. قائمة الفنانين ( البوروجوازيين ) كانت طويلة جدا. مرة ، ولربما أكثر ، ذكرّتهم بكلمة المسيح عن الساكن في بيت من زجاج ويضرب الآخرين بالحجارة. أعترف بأني لم أكن حذرا في فترة الشباب بل لغاية الشيخوخة ، في الاستماع الطويل الى المسيح. لكنها كانت ذنوبا صغيرة عامة. ومنذ أسابيع أنام وأستيقظ وأمامي صورة الفيلسوف الألماني. هذا الصباح استيقظت مبكرا. لا أعرف السبب. أكيد أني كعجوز لست بحاجة الى كثير من النوم. خرجت في العاشرة من البيت. وجهتي الباص الذي يخترق تلك الغابة الساحرة. سأقضي النهارهناك وجزء من الليل. آخر باص من هناك يعود في الساعة التاسعة. تذكرت أن هناك مصطبات وطاولات في الغابة. عملت كم سندوتشه وملأت الترمس ببيرة البرميل. تلفنت الى مجيب ، وهو كاتب عراقي مرح يبيع روحه مقابل كم نكتة وشائعة. اعتذر بسبب وجع معدة يفتك به. فكرت بأن الوحدة في الغابة مبتكر قديم للإنسان. قبل كل شيء سأتجول هناك ثم أجلس مع البيرة وأتذكر ، كعادتي ، كل الأمور السيئة وليس في حياتي وحدها. الانفصال عن الواقع مرض قديم ، لكن أمراضا شتى تحاصرني من كل الجهات ، وليكن معها هذا أيضا.
تجولت وعدت الى مصطبتي المفضلة التي تنشر فوقها شجرة صنوبر ضخمة أغصانها التي تبدو مثل أيادي عملاق من احدى الأساطير السكندنافية. شربت قليلا من البيرة وها أن كل كوابيس العراق أخذت تحاصرني من جديد : لو أن هذا لم يحدث لحدثت نكبات أخرى ، لو أن صدام رضخ للأميركان وصحبهم الاسرائيليين لما حدثت الحرب الأخيرة ، وقبلها لوجاءه ( صوت العقل ) لما غزا الكويت ، ولو تقبل بهدوء رواقي ما يضمره الملالي لما أستعرت الحرب معهم. لو تصفح التأريخ ولو قليلا لعرف بأن المصالح هي فوق كل شيء ، أكيد أنه عرف بهذه الحقيقة لكني تذكرت طائراته التي قصفت جزيرة مجنون حيث كانت ثغرة القوات الإيرانية. لسد الثغرة أفنى عددا لابأس من الجنود العراقيين هناك. لو لم يحصل كل هذا لعاش الناس بلا خسارات في الممتلكات والأرواح. و لو لم يكن يتيما و( شقاوة ) لما حدث كل هذا. الغيظ والحسرات المتوالية حرمتني من طعم السندويتشات والبيرة. قبل أسبوع خلع سنّي طبيب عراقي. قال هذا الشاب بالغ الهدوء : ( ليس بالغريب اذا وصلت هجرة العراقيين الى الأسكيمو. سادية " الجماعة " ، أستاذ ، لاتشبع ). عشب الغابة أخضر ، أشجارها خضر ، لا أعرف متى تصل الخضرة الى السماء والرب. بهذه الصورة غير المعقولة أوغل في التفكير. خسرت معركة أخرى : الهاجس العراقي غيور كثيرا يريد هيمنة مطلقة لكني أصبح أحيانا كمن أزيح عن صدره ثقل أكبر من صخرة سيزيف ، حين أروح مع أفكار أخرى. حتى هذه توميء بكل قسوة وتشف الى حفر الماضي التي وقعت فيها ، الى كل ذلك الزمكان البريء لكن المقفر في كثير من مساحاته.
بقيت في الغابة لأكثر من عشر ساعات. أستمعت الى تسجيلاتي الموسيقية ، فالطبيعة في الغابة افترقت عن الريح وعمّ السكون الذي هبط ، كما خيّل اليّ ، من سماء مجهولة. في طريق العودة فكرت بأن هذا الاحتقان يدفعني الى مشاعر متطرفة : كمد التذكارات القديمة والصفاء المترجرج للحاضر الذي منّ عليّ بهذا التسجيل الموسيقي وذاك. فوك النخل فوك ... مختارات من باخ و موتسارت وشوبان وبيتهوفن. صعدت نشوة الموسيقى الى اليافوخ. نهضت وأخذت أرقص تانغو حزينا فهمت من همسه أن لا حدود بين الوجود والآخر : اللاوجود. خيل اليّ أني فتحت قفص اللاوجود وخرجت الى الآخر مهرولا ! لا أعرف كيف هو هذا اللاوجود. ربما يقترن عندي بتصور لهروب الى مكان لم يكتشفه ألمنا المشترك.
أفكار عن شوبنهاور، معضلة التجريد والتشخيص، قدوم مفترض لغودو... وللدقة كانت هناك أخرى لا تخلو من الاضحاك كأن أتحول الى سمكة في بحر تحت الأرض ! أوأن يأخذني صديقي ع. ك ويضعني مع قرد صغير مرح على غصن عال في احدى أشجار مملكته الحيوانية ، أو هلوسة عن لقاء مع أصدقاء قدامى أمثال صاموئيل بيكيت وهيرونيموس بوس ولويس بونويل وسقراط . في الحقيقة هؤلاء أصدقاء اعتادوا على المجيء اليّ بعد منتصف الليل كي نعربد نكاية بالوجود كاملا ! لكنها نكاية صغيرة حسب ، فالحصار لا تفكّه العربدة. الوجود. الكل يعتبر الوجود حالة إيجابية يكون العدم نقيضها. شوبنهاور العزيز ينعت الحالة بأنها عالم المخيلة / التصور. خلافا لإرادته لا أجد في العدم نفيا مطلقا للوجود. وحتى أن العدم لا يكترث لهذا الأمر. انه المرحلة الأخيرة وكفى !
لقاءات منتصف الليل ليست بين أصدقاء. غودو أعرفه من زمان .ها هو جالس الآن مثل التمثال لكنه قلب تصوري عنه رأسا على عقب. هاديء يميل الى الوقار، ومن النوع الصامت. بونويل يقلقني بنظراته الثاقبة. مرة واحدة سمعته يجدف بصوت عال. كان غاضبا خلال أكثر من لقاء. قال بما معناه أن الموت اختطفه قبل أن يحققق بضعة مشاريع فلمية. تكلم طويلا عن واحد منها. كالعادة يغلف أفكاره الحقيقية بأخرى شبه بريئة ، وهكذا كان مشروعه الفلمي عن كيف تحاكم الله هيئة قضائية (محايدة ) من مختلف القوميات. قال بأنه كملحد ، و( الحمد لله ! ) سيكون محامي الدفاع عن الله. ظهر الشاطر حسن أيضا. كان بريئا على طول الخط لكن هذا لايعني بأنه عديم المكر ولا يعرف التأني في التفكير. بعد كل لقاء مع هيرونيموس بوس لا أشعر بالشبع ولا الارتواء. هل كان خائفا أم أراد أن يضحك على الجميع حين عمل تلك اللوحات التي خلط فيها الفاحش بالجليل.
هكذا أنا دائما . تفكيري يخترق شتى المواضيع . أفكر في آن واحد بشوبنهاور وإشكالية التجريد والتشخيص ( كتبت بضع مرات عنها لكني اكتشفت قبل كم يوم بأني لم اعطها حقها كاملا ). هناك زوار دائميون هم أكثر واقعية في أحلامي وليس في اليقظة. بعضهم بالغ العصبية وحتى أنه يصرخ مهددا ويتهمني بأمور لم أسمع بها أبدا. لكن في الغابة كانت الغلبة لأمور أخرى. بهذه الصورة تذكرت بأني أخذت معي كتابين عن التجريد والتشخيص والرياضيات ورواية الروسي فكتور بييليفن ( حياة الحشرات ) من عام 1993. هناك روايته الأخرى (جيل بي P ). ، قيل أن الفلم المعتمد على الرواية كان من اثارات عام 2006. لم أقرأ هذه الرواية ولم أشاهد الفلم. بونويل أغرم بكشف عورة الشر. ونجح على طول الخط. بيكيت الصادق أكثر من كل رسول طرح بكل كبرياء وصفة ثمينة حقا : كل هذا لعبة فاشلة وهيهات أن تكون هناك مسرة حقيقية. حشرت الكتابين من جديد في ( حقيبة الظهر )، وأخذت أتصرف كايّ متنزه ، أبحلق في الأشجار والطيور وأتابع قطرات ندى الصباح المحتضرة على العشب. كذلك أخرجت السندويتشات وترمس البيرة. هذه البيرة قوية. بالطبع أخترتها عامدا. ففي الغابة يحلو الانتشاء. حين بلغت الثامنة عشرة اشترى أبي قنينة بيرة ديانا احتفالا بعبوري امتحانات الإعدادية. لم تكن الأم راضية. قال لها : البيرة بريئة وليس مثل عرقي الذي تلعنينه كل ليلة. حينها ضربت البيرة رأسي بقوة وجاءني شعورغريب بأني سكرت. طمأنني الأب بالقول : ( البداية هكذا دائما . نشوة البيرة تتبخر بسرعة ). الذاكرة تفسد كل متعة. سيكون شيئا رائعا ومفيدا لوأخترع العلم أداة تفتح الذاكرة وتغلقها حسب الطلب. شربت أكثر من نصف بيرة الترمس وتمددت على المصطبة على أمل أن أغفو قليلا. هذه المرة نجحت وتسللت الى مملكة النوم التي تنسيني كل فظاعاتنا. آخر وجه أبصرته قبل نزولي الى المملكة كان لهيرنيموس بوس المغرم بالرمزية التي كرسها لخطايانا وأحوال نقصنا. بعده بقرون جاء السورياليون بلعبهم التي أوحى لهم بصنعها...
بقيت طويلا لا أصدق بأني غفوت على المصطبة حتى الثامنة والدقيقة الخمسين. هرولت الى موقف الباص. انفرجت أساريري ، فها هو يتقدم صوبي . جاءتني مسرة صغيرة : سأفكر بأصدقائي مرة أخرى ، فطريق العودة يستغرق أكثر من نصف الساعة. كذلك قررت أن أفكر أطول ببيكيت ...


استره بارك – آب / أغسطس 2015

في معرض وديان العريبي * فن الطرق على النحاس وجمالياته- عادل كامل






في  معرض وديان العريبي *

فن الطرق على النحاس وجمالياته



 عادل كامل



[1]
    تستقي وديان العريبي مكونات تجربتها الفنية بالطرق على النحاس، بترك الذاكرة تعمل في حدود التجريب، وليس في حدود المحاكاة، ولا يتحقق هذا لأنها تركب، أو تصهر، أو توحد حسب، بل لأنها تسمح لخيالها أن يحافظ على مداه الواقعي، في زمن تعددية التيارات، واختلاف الأساليب، من ناحية، وفي عصر حرية التعبير، بالا فصحاح عن مغامرة الفنان في الاكتشاف، والتوغل في الأعماق، كأحد عناصر ديمومة الأثر، لدي المتلقي، ومهماته في القراءة، والتفكيك، والاستجابة أو الدحض، من ناحية ثانية. فالفن ليس مستحدثا ً إلا بوصفه يرجعنا إلى نشأة الخطاب الجمالي، وملغزاته، التي ترجعنا إلى أزمنته السحيقة.  
   فالفنانة لا تعزل حاضرها عن منجزات أعمال الطرق على النحاس، وصهر المعادن عامة، لدى أسلافها في بلاد سومر، وبابل، وأشور، كما لم تهمل ما تعلمته، من حرفيات ومعلومات وتدريبات، من تجارب زوجها الفنان محمد حسن جودي، في هذا المجال.
    فأعمالها الفنية  ـ هنا ـ لا تحافظ على التوازن بين الموروثات التراثية، والشعبية، والمنجز الحديث حسب، بل منحت سلاسة التعبير ما يتضمنه التجريب ويؤشره كاختيار لدى الفنانة في سعيها لتجعله لصيقا ً بخصائص المدرسة الشرقية، القديمة منها والحديثة، مع عناية بالعلامات الشعبية، ووحداتها الجمالية.


  فالقلائد، والثيمات المتداولة للأمثال، والموضوعات ذات الطابع الفلكلوري، والأشكال الهندسية وما تمثله من أبعاد رمزية، تؤكد إنها تقيم علاقة مع المشاهد قائمة على الامتداد، التواصل، وليس على القطيعة.
   وعمليا ً فإنها منحت هذا الضرب من الفن تقاليده المتوارثة، العريقة، مع منح الطرق على النحاس مجاله العملي ـ والفني معا ً. فهي ـ في هذه النماذج ـ  تتحدى ذاتها، بالدرجة الأولى، لتؤكد إنها صاغت علامات أودعتها خلجاتها، تصوّراتها، وهمومها، وكأنها وجدت مأواها في الفن، بالقدر نفسه، سمحت للفن أن يشكل وثيقة مشحونة بالعاطفة والتحدي، لزمنها، ومشروعا ً لإعادة قراءته، ورؤيته بحدود الفن، وجمالياته.
[2]
 
 

    عند قراءة نصوصها (النحاسية) لا يتخيل المتلقي أن تمسك بها أنامل وجدت لتمسك بالمغزل تغزل به منديلا ً للذكرى...، فلغز الأنثى، حتى عند (ماني) أو (نيتشه) أقوى من القهر...، ليس لأنه لم يترك للآخر، الجور بالقهر، بل لدحضه، بحثا ً عن عالم تتوازن فيه الأضداد.
   وقد اختارت وديان العريبي أقسى الخامات، كأنها تعيد سرد حكاية هبة الإله الأولى للإنسان في فجر نشوء القرى الزراعية، وتدشيانات ما سيسمى بالحضارة: الفأس؛ حيث كان عصر الحديد قد بلغ شيخوخته، ليحل عصر صهر المعادن، في بلاد سومر، قبل ستة آلاف عام، ومع إنها لم تنشغل بتصنيع خاماتها، إلا إنها وجدت في النحاس درسا ً في العمل. امرأة لا تريد أن تنظر إلى الوراء...، بل أن تشق دربها بما تمتلكه من صفاء، ورقة، ومرونة، في عالم يزداد توحشا ً، وقسوة، ومتاهات.
   جاء اختيارها للفن ليفسر انتمائها إلى شعب صاغ بالفن لغة للاكتشاف، على خلاف أزمنة أخرى خلت من الأثر، ومن علاماته. فاختارت ـ في نصوصها السلسة ـنقوشا ً، ورموزا ً، وعلامات مستمدة من موروث ـ هو الآخر ـ مهدد أن يصبح نسيا ً منسيا...، فراحت تنبش في الذاكرة، وفي المتحف المتخيل، وفي ما تبقى من التراث الشعبي، أشكالها، وتكويناتها، بعيدا ً عن ظواهر الحداثة الخداعة، والمراوغة، وأوهامهما. فوديان العريبي تنسج بالمعدن خيوط نصوصها المستعادة، والمستحدثة أيضا ً. ففي الاستعادة ثمة انشغال يعيد للهوية معالمها، بساطتها، وشفافيتها، كجزء من ضمير عام، يتعامل مع الفن، كتعامله مع الماء، والخبز، وهو اتجاه يكاد يغيب، ويندثر، حتى عن حرفينا، وأسطواتنا، وفي المجال الآخر، فان لا جديد تحت الشمس، يعيد للمتلقي شغف قراءة القديم. فليس ثمة جديد إلا وقد نسج (العدم) فيه خيوطه: تلك الأنامل تهذب الخامة، الخليط من مجموعة عناصر، من غير إغفال الهواء والنار.


     




  فاختيارها للنحاس، في عصر الرسم بالليزر، والخامات اللا فنية، والنفايات، والرسم بمادة النحت، في عصر فن الحاسبات، والسماح للمصادفات الانتظام بقانون صياغة العلامة المركبة، من وحدات لا مرئية، عبر الكومبيوتر، تتوحد مع ذبذبات الدماغ وإشاراته واليات عمله اللا واعية، ومع اللاشعور الفردي/ الجمعي، يغدو اختيار النحاس، كاختيار (الطين) لدى الخزاف: العودة إلى الأصول، لاستعادتها من ناحية، والسماح لها أن تكوّن ذائقة تحافظ على ذاكرة المكان، وذوبان الزمن، من ناحية ثانية.
    فالنصوص الفنية ـ هنا ـ لا تخفي أنها من صنع أقدم مشروع للتواصل، والتجدد: فالعقل هنا ليس جنسانيا ً، أحاديا ً، وإنما سمح لليد أن تمارس دور المخيال بحدود صياغته لهويته: سلاسة التعبير، وبساطته، ومد الجسور مع الواقع.
   فالفنانة تختار مسارا ً عمره بعمر مقاومة (المكان) لغيابه. وهذا قد لا يبدو مهما ً، أو قابلا ً للمقارنة مع محاكاة تجارب الحداثة، ولكن أهميته تأخذ موقعها طالما إن الاضطراب ليس راسخا ً وغير قابل للدحض، والتعديل. فالبساطة، والعفوية، والسلاسة، تتضافر لصياغة ذات الأشكال التي أنتجها المكان، كايكولوجية تعيد للبيئة دور المرأة بوصفها مبدعة، وليس بوصفها فائضة، أو تابعة، أو سلعة، أو أداة للاستخدام. إن السلاسة التي تمتلكها العديد من تجاربها النحاسية، لا تذكرنا بمكانة المرأة في العراق القديم: المرأة الأميرة والشاعر والكاهنة حسب، بل بوصفها قدوة للمجتمع وهي تشذبه من القسوة، والمكر، وتعيد له توازنه، كحياة ليست فائضة، أو تترك كبرياءها يتمرغ في الوحل.
   فالهلال أو الشجرة أو الأشكال الهندسية المستمدة من الموروث الشعبي، تتداخل مع ألوان السماء؛ الشذري، والأزرق الفيروزي، وكأن المكان يحتفل، ويحتفي، بدل أن تحدث القطيعة، بين الصانع وعلاماته، أو بين الماضي وحاضره المتجدد.


***
وللفنانة كلمة كتبتها حول مكونات النحاس، وخصائصه، تلقي الضوء على ما تعلمته، بالدرجة الأولى، من زوجها الفنان والباحث محمد حسين جودي،  واستثماره في تجربتها: رموز من التراث.

  مكونات وخصائص النحاس :
تتكون اغلب خامات النحاس من نوع الكبريتيد وهو (الجالكوبايرايت) ( ) Chalcopyrite وهو كبريتيد النحاس والحديد يحتوي على 34,5% من النحاس مما تتطلب تحميصها إلى الاوكسيد اولا ، ثم صهرها الى النحاس . وخام النحاس (الملاخايت) Malachite هو كربونات النحاس القاعدية الخضراء والذي يحتوي على نسبة 57,03% نحاس ويتميز بمظهره العنقودي ويتواجد في الاجزاء المتاكسدة لعروق النحاس المنتشرة في صخور الحجر الجيري ، ويتواجد عادة على هيئة الياف شعاعية .
اما خصائص النحاس فهو من المعادن غير الحديدية أي انه لا يحتوي على عنصر الحديد أساسا ولا يتأثر بالمغناطيس ، ويعتبر من المعادن الثقيلة عالية الكثافة حيث تكون كثافته 8,93% غم/سم3 ووزنه النوعي 3,9-43 وينصهر في درجة حرارة 1086م وهو لين ومتين سهل التشكيل على البارد او على الساخن وهو مقاوم التاثيرات الكيماوية ويتميز بقابلية عالية للتوصضىيل الحراري والكهربائي ، ويستخدم بشكل اسلاك في الخطوط الكهربائية والبارمترات والاجهزة الخاصة بالصناعات الغذائية ، وقابل للسحب والسباكة . فهو يدخل في تكوين سبيكة النحاس الاصفر والذهب والبورنز ، والنحاس الاصفر يتركب من 86% نحاس و10% قصدير و4% زنك ويستخدم في صناعة الزنبركات وحنفيات المياه ووصلات الانابيب النحاسية ، ويصبح النحاس لينا قابلا للتشكيل والتطويع اذا تعرض للحرارة حتى الاحمرار وتركه يبرد في الهواء الجاف ولكنه يصبح هشا قابل للتشقق والتكسر اذا تعرض الى درجة حرارة عالية تصل الى اكثر من 1000م ْ درجة مئوية ولا يتحمل الصدمات ( الطرق ) الضغط العالي ويتاثر النحاس بالرطوبة ، اذ تتكون مادة خضراء اللون على سطحه ، اذا ترك في مكان رطب او في الماء ثم تعرض للهواء الجاف ، وهذه المادة الخضراء تسمى كبريتيد النحاس . ويتاكسد النحاس عند تسخينه بالحرارة وثم يتعرض للهواء فتتكون مادة كربونية سوداء اللون على سطحه تسمى كاربونات النحاس .
ويتآكل النحاس عند تعرضه لوقت طويل للرطوبة ، أو عند تركه في أي حامض لفترة طويلة وخاصة النتريك التيزاب ويذوب في حامض الهيدروكلوريك اذا ترك فيه فيخرج لهبا اخضر اللون مع ظهور فوران شديد وخروج رائحة كريهة وسامة ، ويباع النحاس في الاسواق التجارية بشكل صفائح الواح طولها 10 امتار او اكثر ( رولات ) ويستورد من بلاد الغرب حيث توجد مناجم النحاس هناك وتجري عليها عملية تعدين .
نبذة مختصرة عن تاريخ صناعة النحاس في العالم :
يعد النحاس واحدا من المعادن الاولى التي عرفها الانسان منذ اقدم الازمنة وطوعه لاستعمالاته الخاصة ، وتدلنا مجموعة من الاثار النحاسية العراقية القديمة ، على ان العراقيين القدماء اول من استخدم النحاس في الصناعات اليدوية منذ اوائل الالف الرابع قبل الميلاد 4000 – 6000 ق.م ومن هذه الاثار تلك التي عثر عليها في المقابر والمدافن في عدة مواقع عراقية تعود للادوار التاريخية اورك وجمدة نصر . كالبلطات والمقاشط وشلفات السكاكين والخناجر والدبابيس وادوات الصيد ورؤوس الرماح والثيران والتماثيل الصغيرة والمناجل والمسارج والمصافي والماسكات واطر المرايا والاواني وغيرها من المواد والالات والعدد ، وقد تقدمت صناعة النحاس تقدما عظيما عند العراقيين القدماء في العصر السومري والعصور التاريخية اللاحقة .
واستخدم العراقيون ثلاثة طرق في تصنيع النحاس هي :
أ‌- الطرق بالمطرقة الحديدية على النحاس البارد .
ب‌- الطرق على النحاس بعد تسخينه .
ت‌- الصب بالقوالب الفخارية .
ووجدت اثارا نحاسية متقنة في العصر السومري استخدمت فيها طريقة الصب ، كالثيران الرابظة والثيران المدورة ، وتماثيل حيوانات اخرى صغيرة .
اما اقدم اداة معدنية صنعها الانسان القديم من النحاس هي راس رمح من النحاس الخالص عثر عليها في موقع يسمى اور قرب مدينة الناصرية في محافظة ذي قار في العراق .
اما في العصر الاسلامي ، فقد تقدمت صناعة النحاس في مدينة الموصل في شمال العراق في القرن السابع الهجري / الثالث عشر الميلادي . وفي القاهرة مصر في العهد المملوكي في القرن الثامن الهجري / الرابع عشر الميلادي وشملت هذه الصناعة على صناعة الصواني والمواقد والشمعدانات والصناديق والاباريق والطسوت والقصاع والاطباق واصبحتا من المراكز المهمة في انتاج التحف المعدنية ، وتكفيتها بالفضة والذهب ، والتكفيت ابتكار عراقي ابتكره صناع التحف المعدنية الموصليين ووصلوا به غاية في الابداع ( ) .
وقد ابدع النقاشون العراقيون والمصريون والسوريون في نقش الخطوط العربية المتنوعة والتصاوير المختلفة التي تمثل مظاهر الحياة والترف وحياة القصور ومجالس الانس والطرب ومظاهر القنص والصيد واللعب بالكرة والصولجان ومظاهر فلكية كالنجوم والقمر والاجرام السماوية وبعض الحيوانات والطيور والزخارف النباتية والهندسية الدقيقة في التحف المعدنية وهناك امثلة رائعة للتحف المعدنية الموصلية والقاهرية والدمشقية والحلبية في معظم متاحف العالم الشهيرة كالمتروبوليتان في امريكا والاستانة في استنطبول ومتاحف برلين وبيناكس في أثينا ومتحف نيويورك ومتحف اللوفر في باريس والمتحف البريطاني ومكتبة الدولة في ميونخ والمتحف الوطني في فلورنسة ومتحف كلستان في طهران والمتحف الاسلامي في القاهرة ، ومكتبة الجامعة الازهرية في القاهرة ، وفي دار الاثار الاسلامية بمتحف الكويت .
وامتد تاثير صناعة الموصل المعدنية في القرن الخامس عشر الى اورا وخاصة ما يتعلق بفن التكفيت فظهر التاثير في مصانع البندقية وجنوا وغيرها من المدن الايطالية في العصور الاوسطى حيث اقبل صناع التحف المعدنية في اوربا على تقليدها واستوحوا ايضا اساليب جديدة لصناعتها واشكالها من صناعة التحف الموصلية والدمشقية ، وبرزت من جراء ذلك مدرسة فنية في اوربا عرفت بمدرسة البندقية الشرقية . وقد ورثت البندقية صناعة التحف المعدنية من العرب المسلمين منذ القرن الخامس عشر .
وعرف استخدام النحاس وسبائكه في القارة الامريكية في زمن يعود الى ما قبل العهد الكولومبي (Columbian) ، وقد اخذ الغزاة الاسبان من السكان الأصليين في أمريكا الوسطى اساليب صناعة النحاس وتطويعه واستخدموه في صناعة العدد المستعملة في تشييد معابدهم المشهورة كالفؤوس والمعاول ، وعرفت صناعة النحاس في امريكا الشمالية اذ صنع السكان عددهم وادواتهم منه .
أنواع النحاس :
1- النحاس الخام .
2- النحاس الخالص .
3- النحاس العادي .
4- النحاس المصوب .
5- النحاس المطروق .
6- النحاس السبيكة الأصفر .
ويتوفر النحاس العادي في الاسواق المحلية ويمكن الحصول عليه بشكل صفائح ويباع بالامتار وبالاوزان ، ويمكن معرفة وزن المتر الطولي منه .
1- النحاس الخام ( الملاخيت) :
وهو كربونات النحاس القاعدية الخضراء الذي يحتوي على نسبة 57,03% نحاس وعلى نسبة مختلفة من الحديد ومعادن اخرى ، ويستخرج من باطن الأرض من بعض الشوائب الموجودة في الصخور الجيرية ويحمص إلى الاوكسيد ويصهر ويختزل الى النحاس ، وعند الكشف عنه يمكن ان نسقط قطعة من النحاس الخام الملاخيت في نار الفحم يختزل الخام ويظهر الفلز النحاس ، ويعطي رائحة ثاني وكسيد الكبريت وقد نحصل أيضا على النحاس الاسود وهو اكسيد نحاسي نقي يمكن تنقيته بالتسخين ، ويمكن معرفة الملاخايت بتبليله بحامض الهيدروكلوريك فيعطي لهب كلوريد النحاس الأزرق .
2- النحاس الأحمر الخالص – النحاس النقي :
الذي يخلو من المعادن الأخرى ويظهر شكله لماع يشبه الذهب ويعرف بالذهب الكاذب .
* افتتح معرض الفنانة وديان العريبي في صالة المعارض بوزارة الثقافة ـ الاحد ـ  4/10/2015
السيرة الذاتية
  .
  وديان العريبي . بغداد. تعمل في وزارة الثقافة دائرة الفنون التشكيلية .
الوظائف التي عملت بها : المتحف العراقي ( قسم تصوير فوتوغراف ) .
المكتبة الوطنية دار الكتب والوثائق ( قسم مايكرو فيلم ) على كأميرة 16 و 35 ملم
جريدة دار الجماهير للصحافة ( منظم أرشيف ) .
دائرة الفنون التشكيلية ( قسم العلاقات والإعلام ) منظم أرشيف من (1996 إلى 1999) .
مشاركة في معرض الكتاب الدولي الذي يقام سنويا في معرض بغداد الدولي .
*عضو جمعية المصورين العراقيين .عضو نقابة الصحفيين .عضو نقابة الفنانين العراقيين .عضو نقابة الفنانين التشكيليين .عضو اتحاد المصورين العرب . عضو رابطة المرأة العراقية .
إقامة دورات على النحاس والتلوين بالمينا في سوق الحرفي في جرش من 2001-2002 .
في جمعية سيدات عجلون سيدات جرش من 2001-2002 .
في جمعية عمان
طبع كتب من تأليف وديان حسين عريبي ( تعليم الرسم 2001 ) .
نشر مواضيع في جريدة ( العراق – والمنار – والزمان ) .
ونشر مواضيع في مجلة ارض كلكامش .


الثلاثاء، 29 سبتمبر 2015

الكاظمية التراثية تنقرض!- د. أحسان فتحي*







الكاظمية التراثية تنقرض!


د. أحسان فتحي*

الأعزاء الأصدقاء

تحيات
     اكتب لكم اليوم عن مصير مدينة الكاظمية التاريخية والذي يتجه بسرعة نحو الزوال الكامل، وهو أمر في غاية    الخطورة ويمثل خسارة لا تعوض لأحد ابرز الأمثلة على الموروث الثقافي في العالمين العربي والإسلامي


 *معماري عراقي
متخصص في الحفاظ على التراث

نخبة من اعمال د.غالب المسعودي