الأحد، 12 يوليو 2015

من أعمال الفنان التشكيلي الأستاذ عادل كامل مجموعة بعنوان أختام معاصرة- أ. د. تيسير عبد الجبار الآلوسي




من أعمال الفنان التشكيلي الأستاذ عادل كامل مجموعة بعنوان أختام معاصرة

أ. د. تيسير عبد الجبار الآلوسي

الأعمال تستوحي المنجز السومري في مرجعيتها، فيما تقدم لمسات فنية ومعالم معاصرة تنتمي لمدارس متنوعة لكنها تحمل هوية الفنان عادل كامل وطابع منجزه وما أراد أن يعبر عنه من موضوعات.. هذه المنحوتات الصغيرة تجد فيها معالجات غنية المضمون وهي تكسر تابوات قيدت الإنسان بعبوديةٍ ولكنها
تبقى تعبيراً سامياً عن ثورة الإنسان على قيوده ومحاولات استعباده.. لقد ظهرت تلك المعطيات بصيغ هادئة غير منفعلة لتعبر عن ثيمة الحياة حيث الإنسان هو القيمة الأسمى في الوجود.. تجدون على سبيل المثال المرأة تنطق بجسدها وحركته التي اختارها الفنان في منحوتاته وصاغها في أختام هي بصمات عصرنا المستوحاة من تاريخ عريق؛ تاريخ ما زال يحيا في العقل المنتج، لا المتبلد السلبي المضغوط بوباء الاستغلال واستلاب إنسانية الإنسان.. ذياك العقل قد يكون مختفٍ يتنحى في الظل ولكنه بمنجزه يبقي على قدرات تأثيره وعلى فعله الإيجابي البناء وهو كما السنديانة يتأخر ربيعها لكنها تعود لتمنح أروع ثمارها..
فن الأختام ليس معنى حرفيا للفظة ولكنه معنىً اصطلاحيا أراد الفنان عبره ليس العودة إلى وراء بل استلهام هذا المولود في كنف الأمس المتمدن، الأمس الحضاري ويمنحه حياة أخرى جديدة عبر ملامح معاصرة. ملامح اليوم بكل ما فيها من مدارس فنية وما تعكسه من تصورات تشكيلية ومعالجات لها أبعادها  الجمالية المخصوصة..
إنّ صيغة الأختام هي سليلة شرعية لجذور المنمنمات وإن بحرفية أداء مختلفة.. أعتقد جازماً أن منجز الأستاذ عادل كامل بمنحوتاته صغيرة الحجم في مساحتها الفراغية تبقى كبيرة عظيمة في المنجز الجمالي الفني للنحت العراقي المعاصر.. وتتطلب وقفات متخصصة لدراستها مثلما تتطلب وصولا إلى جمهورها وجسور علاقة تعيد ركنا مهما بارزا في بطاقة هوية العراقي المعاصر وانتمائه إلى جذوره السومرية لتتكامل مع المنجزات الأخرى في استعادة الهوية لوحاً كاملا عليه مجمل السيرة الذاتية للفنان ومنتجه الجمالي ولمن يعبر عن هواجسهم من الشعب وحاجاته الروحية
ليسمح لنا الفنان الأستاذ عادل كامل أن نضع بعض تلك الأعمال هنا بين أيديكم تعزيزا للعلاقة بين المنجز الجمالي الإبداعي من جهة وبين المتلقي المحجوب عن تلك الأعمال لأسباب معقدة يمر بها عراق اليوم.
تيسير الآلوسي\ ألواح سومرية معاصرة





Destruction of a 13th.Century Tomb in Northern Iraq--Ihsan Fethi



Destruction of a 13th.Century Tomb in Northern Iraq


Dear Iraqi Architects, Archaeologists and Friends World-Wide

This is to inform you of the latest sad news that the so-called “Islamic State” or ISIS, has recently demolished a little-known but important tomb building  that dated back to the middle 13th century, probably even to the Abbasid Era. The Tomb was locally known as that of a certain Imam Ismail and located about 11 kilometers west of Hawija Town in Kirkuk Province and not far from the archaeological ruins of al-Bawazij Islamic Town near the Lesser Zab River.  The destruction is confirmed be photographs (Attached)
Again, this is a terrible and tragic addition to ISIS’s long list of never-ending and incomprehensible destruction of some of Iraq’s and Syria’s most important historic monuments.

Ihsan Fethi
Iraqi Architect and Heritage Expert



الخميس، 9 يوليو 2015

المعبر يرتشف ألفجر-نجاح المصري زهران


المعبر يرتشف ألفجر

نجاح المصري زهران

أرتشف الفجر بكعب الحياة ؟...
 ألون عصف السؤال تمرح
 في زاوية الاصرار
  الحلم يصمت بغوايتة
نوع آخر  من القلق....!
 يفاجئ حماية البحيرة للسمك
عانقت شمسي حُمرة  القلب
 وما أملحت العين
من  شدّ الرحال
 ألعالم يمشي بنفس الألم
فوانيس الروح
 تعقد رحلتها على الموج
قالت السفينة لمزامير الثورة
 كيف لك أن تنحتي الانتماء
 التفاني هو وطن
ظهره كسير باسوارك العتيقة؟
البحر له قراءات العِرق
الدم  يعلو  على دليل الإسم
 والبوصلة
لن يأت سوى المعبد والنار
 لينام بحضن النفط
سألت النجوم عن مكرها
أتوقظين نبوءات مصابيحك بكتابة المسامير.......؟
نعم أنا صلاة الكادحين
 ودمعة خفية بمناقير الفجر
 إرتعشت نفحة النوارس فوق مائها
هامت تبحث عن الله
في  بدايات الموج
 حدثتها عن خمريات الرأس
وطحالب يلبسها ثوب الرفض
  يا مراسي الماء  كيف يتم البناء 
السفينة  تملأ جدرانها
 بنقيق الضفادع ومقاهي العهر
ألليل  آفل يمر على وجههِ الكادحون  في سجون الرفض 
 هناكَ لزم المعبر
 ليدخل القدس قطرة على جبينه
وقطرة تستهزء ببندقية 
سأعيد للأرض اتساعها
بعيدا عن الجدار
 لا تبتعد عن فريضة الصلاة
وأن كانت على الحاجز
ولمْ  يع  أن جنازته أمام الفجر تبكي...!
 ويحكِ أيّها  المرابط روح القضية ....
  ليَ الحلم بالعشي والآصال
 وقلب منابع الوطن  ..... لكنَّ الزيتون ..... ؟
... ينضج حولنا  بجنازات  الاطفال
 العين ببحورها ترشح فوق البرتقال ونزق عطره
ضجر من تثاءب  الوجود .بحِجره
لك ما تيسر من ضجيج الأعمى
بصيرورة  العشق 
 سترزق باللجوء ذات اليمين وذات العرب.....!
  إنهضْ أيّها الصمت من حلكة الرأس
 ستلبسني السياسة ترجمات القلب   حتى القبر.
في هذهِ الدقائق عربات المنسية في معبد الليل
 البكتيريا تحدث الشمس
عن سفينة الحرية وعصافير أتعبها القفص 
يرتفع آذان الفجر
صرخ الهرم
قروح الشعب براء من سراويلكم نفطكم.
---------------------------------


المعبر : حاجز اسرائيلي يتم تفتيش الفلسطينين فيه

الأربعاء، 8 يوليو 2015

حول هجرة العقول العلمية خارج الوطن-أ.د. تيسير عبد الجبار الآلوسي

حول هجرة العقول العلمية خارج الوطن

أ.د. تيسير عبد الجبار الآلوسي


في لقاء قصير لي مع قناة الحرة العالمية، أجبتُ فيه عن أسئلة للإعلامي ليث العطار والإعلامية نبيلة الكيلاني في برنامج (اليوم) وكان ملخص الأسئلة هو كالآتي: كيف تقرأ ظاهرة العقول العربية وابعادها عي برأيك  الأسباب والدوافع التي تقف وراء ظاهرة هجرة العقول العربية؟ ولعدم توافر الوقت لم ترد مفردات كثيرة من سياق هذه المعالجة هناك بأمل نشرها هنا خدمة للمتابع كونها ماد\ة تمسّ قضية حيوية وخطيرة في حياتنا.

ظاهرة هجرة العقول العربية هي نزيف للقدرات وطاقات البناء وإدارة مسيرة التقدم، حيث تتضمن خسارة جدية عميقة في استثمار تلك الطاقات وطنياً محلياً. وإذا ما نظرنا ماديا للموضوع فإنّ ما يعادل حوالي 200 مليار دولار سنوياً هي خسائر بلدان المنطقة بسبب تلك الظاهرة المرضية الخطيرة. حيث يهاجر سنويا حوالي 100 ألف من العلماء من ثمانية بلدان أبرزها لبنان وسوريا والعراق ومصر ثم تونس والمغرب والجزائر. وفي تسعينات القرن الماضي وبأقل من عقد من الزمن هاجر 10 آلاف عالم عراقي البلاد لظروف معروفة وفي العقد والنصف الأخير وقع منهم ضحية التصفيةالجسدية آلافاً أخرى واضطر عشرات الآلاف للهجرة الاضطرارية، وجابه حملات التمييز والابتزاز مَن حاول العودة على أساس محاولته المساهمة في بناء عراق جديد مختلف المسار وتعرض ويتعرض آخرون للاستغلال الهمجي الأبشع!
والخطورة الأبعد بهذي الظاهرة، تكمن في نسبة هؤلاء إلى حجم الطاقة العلمية وطنياً، وحجمهم إلى مجموع المهاجرين من  تلك البلدان؛ إذ نرى أنّ النسبة تقارب الـ98% في الصومال و39% في لبنان، و17% في المغرب وحوالي 12% في تونس فالعراق وجيبوتي والجزائر و7% في الأردن وفلسطين وسوريا.. ولا يعود من المبتعثين للدراسة إلى بلدانهم سوى 5% فيما نصف حجم الكفاءات [50%] هم من يغادر تاركاً بلاده المضطربة.. وتساهم بلدان الشرق الأوسط \ العربية بنسبة ثلث ظاهرة هجرة العقول العلمية من الدول النامية إلى الدول المتقدمة وبأكثر من نصف نسبة الأطباء وربع نسبة المهندسين!
إنّ هذه الأرقام فلكية خطيرة نسبة إلى الواقع المرير والمعاناة ونسبة إلى معنى الجهد والتكاليف الأعمق من مادية، في تكوين المجتمع للعقل العلمي وإعداده. إن الكلفة الزمنية تعادل مساحة جيلية عريضة متعددة، بما يعني العودة لمنطقة أقدم من نقطة الانطلاق الصفرية مطلع القرن الماضي عندما بدت أولى بوادر النهضة، حيث ستحتاج بلداننا اليوم، لردم (الهوّة التكنولوجية) الغائرة بظروف استثنائية كثيرة العقبات والتعقيدات المرضية.

على أننا يجب أن نقف طويلا أمام هذا الأمر لنبحث في الأسباب والدواعي بجدية وبمعاجلة ومسابقة للزمن. فمعركة مجتمعاتنا ليست حصراً على معركة بندقية مع قوى الإرهاب وقضايا الأمن والاستقرار بل هي بشكل أوسع وأعمق معركة مع قوى التخلف والسير بطريق إزالة الجهل والفكر الظلامي المعشعش.. هذا بالضبط ما نعني به بقولنا: ضرورة المسارعة في جهودنا وحزم أمرنا والالتفات إلى هذه القضية الحيوية، قبل أن نصحو فلا نجد غير سيادة العتمة والخراب. وعلى وفق دراسات موضوعية عديدة فإنّنا يمكن أن نلخص جانباً من أسباب الظاهرة متمثلا بالآتي:
1.  إن البيئة الموجودة هي بيئة طاردة للعقول العلمية  لها. وهذه السمة تتأتى من تراجع مكانة الشخصية العلمية وتراجع الاهتمام المجتمعي بعامة، لصالح ظواهر مرضية فاسدة، في إطار سيادة الأمية والجهل وآليات مجتمع التخلف.
2.  اضطراب الأوضاع العامة، حيث:
أ‌.      تعطّل مشروعات البناء، زراعياً صناعياً والشلل الشامل للدورة الاقتصادية لجملة أسباب متنوعة مختلفة.. وأكثر من ذلك فأغلب تلك البلدان تنحدر في واقعها نحو خراب متسارع النتائج من قبيل زوال غابات النخيل في العراق بدل تكثيرها ورعاية الموجود وزوال بساتين الحمضيات والأشجار المثمرة واعدام الأحزمة الخضراء حول المدن وفي إطارها! مع مشكلات كبيرة وتخبط بمشروعات المحاصيل الاستراتيجية وخطط استثمار المياه والدفاع عن حصص البلاد في الإطار الإقليمي المشترك مع الآخرين، ومثل هذا كثير مما يجري تعطيل القدرات العلمية عن تفعيل معالجاته فيه!
ب‌.     اضطراب الوضعين السياسي الأمني بشكل مترابط وتفجُّر الأمور بمظاهر الحرب الدموية المسلحة على جبهات معارك بعدد من البلدان كما في العراق وسوريا وليبيا، فضلا عن ظواهر الاغتيال والتصفية الدموية الموجهة إلى كوكبة العلماء والمتخصصين من الكفاءات، مما جرى في إطار النزاعات الجارية ابع الأوضاع المستجدة.
3.  عدم توافر الأولوية المناسبة والاهتمام الرسمي إلى درجة أن المساهمة في شؤون التعليم لا تتجاوز ما بين 0.04% إلى 0.3% من الدخل القومي لهذه البلدان بمقابل نسبة قد تصل ببلدان التقدم إلى 5%. وفي وقت تصرف سويسرا على التعليم الأساس ما مقداره 12ألف دولار سنويا للفرد لا يتجاوز هذا في مصر مقدار 170 دولار سنوياً ومعدل الإنفاق على التعليم العالي هنا يقارب بأفضل أحواله 721 دولار سنوياً بينما يتجاوز الـ10000 دولار في الدول المتقدمة. فكيف يمكن أن تكون العناية الفعلية بالتعليم في وقت يدرس طلبة التعليم الأساس بمدارس طينية بل في العراء ببعض البلدان، كما في جنوب العراق راهناً!
4.  ولابد هنا من لفت النظر إلى عدم توافر البنى التحتية المناسبة لا للجامعات ولا لمراكز البحوث فيها وخارجها بمؤسسات الدولة والقطاع الخاص أيضا. إذ لا توجد ميزانيات محددة للبحث والتنمية والتطوير. ولهذا فإن مقدار المنجز البحثي لهذي البلدان يساوي 15ألف بحث بمعدل 0.3% ثلاثة بالألف من المنجز العالمي وطبعا عدا عن هوية البحث والتخصص فيه ودرجة الابتكار. منبهين أيضا إلى أن حجم الباحثين إلى طاقة العمل لا يعادل أكثر من 3.3 باحث من حاملي الدكتوراه والماجستير لكل 10آلاف من طاقة العمل!
5.  المشكلات والتعقيدات الإدارية والبيروقراطية وكذلك النظرة الفوقية وحال المصادرة للحريات البحثية ولسلطة القرار من قبل السياسي. إذ الأخير يمارس مهامه بآليات مستبدة تجاه العالم مثلما تجاه العموم. وآليات اشتغال المؤسسة الرسمية برمتها لا تمنح للعلماء فرصة الحراك المنتظر وما تتطلبه اشتغالاتهم من صلاحيات.
6.  غياب سياسة عامة موضوعية وعدم توافر استراتيجيات عمل بخصوص تفعيل التعليم وأدواره وطاقات العلماء. وطبعاً في الإطار غياب برامج الربط المناسبة بين الجامعة والحياة اليومية أو المراكز البحثية وقطاعات العمل والبناء...
7.  وفي إشارة جد خطيرة ومهمة يجري تغافل الكفاءات العلمية في تخصصات العلوم الإنسانية وتهميشها فتُرمى إلى سوق البطالة المهاجرة فلا هي بموقع العمل ببلدان التكنولوجيا ولا هي بخدمة مجتمعاتها الأم. بينما هذه التخصصات هي خالقة للبيئة من خلال بنائها الوعي المعرفي والثقافة التنويرية. وهي المقابل الموضوعي لحال سيادة التوجهات الظلامية وسيادة الخرافة ومنطقها وآلية التفكير الأسطوري بحطابها البياني على حساب الخطاب العلمي. فيقع المجتمع بمزيد من حفر قوى الظلام ومغاور الجهل والتخلف.
إنّ تسليط الضوء على هذه الظاهرة لا يمكن أن تنجلي كل أبعاده إلا عبر مؤتمر سنوي ومجلس قومي للتعليم العالي مع اهتمام بالجمعيات الأكاديمية وعضويتها ومفردات إحصاءات ومتابعة لمسارات الكفاءات العلمية كافة. ومن ذلك الأوضاع المأساوية التي آل إليها وضع كثير من تلك الطاقات بسبب من الظروف المزرية التي تحيط بهم، بخاصة عندما تصادفهم البطالة والمحاصرة وتغيير التخصص للعمل من أجل لقمة العيش في تخصصات بعيدة كل البعد عما صرفته شعوبهم عليهم من إمكانات تضيع ه\را على مذابح التعطل والتبطل في محيط البحث عن إنسانيتهم والأمن والأمان لعوائلهم.. وكثيرا من تلك الطاقات توفيت وغادرت الحياة في زوايا النسيان والحصارات المرضية بلا رعاية وبلا من يسأل عنهم. وغذا كان بعضها جرى تكريمه في المهجر بالعمل بتخصصه فإنه مع ذلك يرحل بصمت يطمس اسمه في بلاده الأم ويسلبه وورثته حقوقه.. وتلك قضايا أخرى ينبغي الالتفات إليها.
إنّ التغيير في بلداننا الشرق أوسطية لا يمكن أن يتم من دون خطى استراتيجية ودراسات معمقة تمنح الأولوية للتعليم بعامة وللتعليم العالي بخاصة وبإطارهما لخطى البحث العلمي وربطه بالمجتمع وبرامجه العملية الميدانية. كما إنّ علينا وضع الدراسات والبحوث وما تقدمت به من توصيات موضع التطبيق والاستناد إلى رؤية العقل العلمي بمسار الفعل الحكومي وجهود الشأن العام، ولربما كانت حكومة التكنوقراط حال ضرورية اليوم في تناول أمراض مجتمعاتنا بالعلاج. ولعل من ذلك وقف ظاهرة ساهمت بها بعض الجهات الإعلامية عندما تأتي بشخوص للواجهة لسألهم عما ليس في تخصصهم سواء في العلوم السياسية الاقتصادية أم العلوم والتخصصات الأخرى! وفي حياتنا العامة يدلي من هب ودب بتوصياته في كل الموضوعات ويجادل سفسطائيا العلماء والمتخصصين بمماحكات جهل ليست سوى لضياع مفهوم احترام التخصص ومنجز العقل العلمي بميادينه..
هذه مفردات عامة تنتظر معالجات دقيقة في أبوابها.. فهلَّا اتخذنا قرارنا سريعاً وفكرنا في أنّ مرجعية مجتمعات اليوم هي مرجعيات العقل العلمي ومنجزه البحثي وتطبيقات نتائج تلك الطاقات وجهودها التخصصية!؟

قصة قصيرة في الطريق إلى المنصة- عادل كامل


قصة قصيرة


في الطريق إلى المنصة





القصيدة التي تأكل نفسها

[ إنهم لا يجيئون، لا في القصائد أو كلمات السفر
إنهم لا يجيئون، لا في القصائد أو كلمات
إنهم لا يجيئون، لا في القصائد أو
إنهم لا يجيئون، لا في القصائد
إنهم لا يجيئون، لا في
إنهم لا يجيئون، لا
إنهم لا يجيئون
إنهم لا
إنهم
             فاضل العزاوي

1966




عادل كامل



  ـ أمش، امش، لا تكترث...، فان لم تستطع كتابة القصيدة...، فالقصيدة هي التي ستكتبك!
    وأضاف الثور، يخاطب الحمار:
ـ فانا لم تستعص علي ّ المحنة...، ما دامت الأخيرة لن تدوم أكثر من زمن زوالها!
     فقال الحمار، وقد أربكه منطق الثور، وثقته بنفسه،  بأنه لم يعتد نسج، ولا غزل، ولا صياغة مشاعره، حتى الغامضة منها، أو التي يجهل بواعثها الملغزة، ويفضحها أمام الآخرين، بل غالبا ً ما نهق، لا سباب لا تحصى، عدا الإفصاح عن ذلك.
ـ لكنك تعرف إن الامتناع عن المشاركة، في هذا المهرجان، بمثابة إساءة فهم...، ونقطة رمادية في الجبين...، وأنت تعرف، انه لم يعد لدينا ما ندافع عنه، ولا ما نخسره، عدا هذا العلف، وهذا الهواء، وهذه الزريبة.
     وأسرع الثور قليلا ً، بعد أن سمع ملاحظات الحمار، الأخيرة، فتمتم مع نفسه، بصوت خفيض: يبدو انه لم يعد مرحا ً، أو ربما فقد سلاسته بمعالجة هذه القضايا؟
    توقف الحمار عن المشي، فجأة، وقال بصوت لا يخلو من الغضب:
ـ لا! فانا لم امض حياتي في غفلة، ولم افقد مرحي أبدا ً!
ـ ماذا قلت...؟
ـ لأنك قلت بأنني لم اعد مرحا ُ...، فكيف استنتجت، ومن ذا سمح لك باتهامي، واختراع هذا التصوّر...؟
ـ أنا ـ صدقني ـ قصدت شيئا ً آخر....
ـ إذا ً ...، هل خولتك لاستنطاقي...؟ فانا لم أرك مبتهجا ً أبدا ً! مع إننا، في هذه الحديقة الخالدة، لا نواجه مشكلات حقيقية كالتي واجهتنا في الماضي..
     هز الثور رأسه، وهو يشاهد زرافة تقترب منهما، فقال للحمار:
ـ لا بد إنها نسجت أطول قصيدة، بالأحرى: القصيدة الطولية...، وليس الشاقولية أو ذات الأضلاع المقعرة؟
ـ صحيح...، كما يقال؛ لم تعد الجودة تقاس بالحجم، ولا بالضخامة، ولا بالفطنة أو حتى  بالرهافة، بل بطول العنق، وحدة الصوت، وقوة اللكمات...؟
ـ آ ...، هذا يعني أن أعظم القصائد ستكتبها الأفاعي، ولا تكتبها البلابل، مع إن الأخيرة لا تجيد سوى التغريد..، والديناصور ستكون في الطليعة، على خلاف النحل، أو الحمام  ؟
    لم ينتبه له،  فقد انشغل الحمار باستقبال الزرافة بفم عريض:
ـ حقا ً إنها لمناسبة طريفة، ونادرة...
همست:
ـ اسكت، يا حماري الجميل، فالمستشارة ستكون حاضرة، مع سعادة المدير...، لان المهرجان سيقام تحت شعار: المجد للحدائق!
    آ ...، حقا ً إنها مناسبة استثنائية، دار بخلده، أم أنها كباقي المناسبات، لا تذهب ابعد من الثناء، والشتائم، ووظائف الشعر التي مضى زمنها؟
ـ لا.
    اعترضت الزرافة، وخاطبت الثور:
ـ إنها خاصة بأبدية حديقتنا، مجدها الذي تنشد  له العصور.
ـ فلسفة؟
ـ  أية فلسفة، سيدي؛ إنها خاصة بيوم الحديقة الخالد، فأنت تعرف: من لا جذور له لا تتفتح براعمه تحت الشمس!
ـ فهمت، نعم، فهمت!
    وسأل الحمار الزرافة:
ـ هل افهم ـ من هذا ـ  انك ستزقزقين...، كالعصافير ؟
ـ كيف حزرت..؟
ـ وإن كانت قصائد الشتائم، رائعة في بعث الكراهية، والغضب، إلا أن لقصائد الثناء، والإطراء، والمديح، الباب الذي لا يمكن غلقه،بل ولا يمكن هدمه....!
ـ تماما ً...، فانا استلهمت الفاتحة من أقفاص الطيور، وتحديدا ً...، من تلك المخلوقات الناعمة، الحريرية، التي لها نغمات رذاذ الفجر، فهي لا تكف عن الاحتفال...، حتى انك تكتفي بما تنشد، ولا تسأل نفسك: ماذا تقول، ولمن توجه أناشيدها!
    ضحك الحمار، وقال للثور:
ـ لا توجد مشكلة...، إذا ً.
ـ أنا أخبرتك بذلك، منذ البدء، شرط أن تنظف دماغك من النهيق!
ـ سأفعل، سيدي، سأفعل...، ولكن ماذا عن رائحة السكين، حتى لو كانت خالية من الدم؟
     ارتج جسد الزرافة، فأسرعت وقالت:
ـ أنا ذاهبة، عذرا ً...، فالقصيدة بحاجة إلى مراجعة، فانتم تعرفون إن الثابت الوحيد في الثبات هو تتبع اللا ثابت فيها!
    صمت الحمار، فقال له الثور:
ـ نذل!
ـ أنا، أأنا نذل؟
ـ لا، أنا هو النذل...، أنا هو من أرعبها وجعلها تفر، مذعورة....، تلحقها لعنة الحافات العمياء!
ـ ماذا فعلت..؟
ـ تركتها تتخيل حتفها!
ـ لا، يا أحمق، أنا قصدت السيف الكامن في السكين، السيف الأصل، الذي وجد مع الفأس، أقدم هدايا الإله للبهائم..، الأصل،  لأن الكلمة جاءت بعد ذلك، رغم أنها خلعته، أو قل: أجادت المناورة، فهي تقمصت دور: الحمل والولادة!
ـ آ ...، حسنا ً، دعنا نأخذ قسطا ً من الراحة، تحت هذه الشجرة ذات الألوان المتناغمة مع السماء، أمام هذا المستنقع البهيج، وهو يزهو بكائناته الجميلة...، ونراجع قصائدنا!
ـ كما تشاء...، خاصة انك لم تحسن التعبير عن أحزاني، وما في ّ من ويلات! فأنا، يا صديقي، لم أفرط في عاطفتي، وأنت تعرف التاريخ!
ـ نعم، أنا خير من يعرف التاريخ، ولكن تاريخ من...، تاريخكم، أم تاريخ النمل، أم تاريخ الثيران...؟
ـ لا ...، المقصود هو التاريخ الحقيقي للتاريخ...، أي الذي لا نجد فيه صفحة من صفحاته إلا وموهت، وزيفت، وكتبت بالمقلوب...، كالحدود بيننا لا نحددها إلا بالبول! وليس بالدم!  فلا احد وضع إصبعه فوق الجرح!
   انفجر الحمار ضاحكا ً حتى كاد يسقط أرضا ً:
ـ تقصد الجرح الذي يتستر على الإصبع؟
ـ  لا استبعد هذا الحكم...، لولا إن المشكلة، في نهاية المطاف، لا وجود لها في الأصل!
    صفن الحمار قليلا ً، وراح يتأمل غيمة رمادية تحّوم فوق سطح المستنقع:
ـ أنا سأكتب قصيدة لا علاقة لها بوظائف الشعر...، سأكتب القصيدة الخالصة، وليس التي تنمو، كما ينمو الجنين، ولا التي تموت كما يموت البعير!
ـ وما علاقة البعير بالشعر...؟
ـ قل إذا ً الديناصور...، الم يكن مصوتا ً، فربما نسج أبهى الصفحات ودوّن أندر الأسفار....!
ـ آ ...، يبدو إن الغيمة الرمادية ألهمتك هذا المفتاح؟
ـ لا ، ليس غيمة البعوض الرمادية تماما ً...، ولا من ثوراته الدائمة، ولا من حروبه الأبدية...، ولكن إغفال الصراع شبيه بمن لا يرى شيئا ً؟
ـ إذا ً هل هذا هو مفهومك للقصيدة الخالصة...؟
ـ أنا أتحدث عن محركات القصيدة، وليس عنها، لأنها من غير محركات مثلها مثل الذي يموت قبل الولادة.
ـ آ ...، ها أنا خطرت ببالي فكرة كتابة قصيدة لن يكتبها احد.
ـ جيد، مثل الذي يولد ولن يموت؟
ـ ما هذا اللغو... لا تخلط! لأن المسافة بينهما كالمسافة بين هذا المستنقع والمجرات الواقعة ابعد من حافات هذا الكون!
    ولم يدع الآخر يرد، متابعا ً بصوت أعلى:
ـ فالثيران جميعا ًتخور، ولكن هل هذا هو تحديدا ً الصوت الاستثنائي للشاعر...؟
ـ بالضبط...، فانا، كحمار، سأستغني عن النهيق العام، بوصفة صوتا ً جمعيا ً، شبيه بصوت النمل، أو النحل، أو الأسماك، أو باقي الزواحف والكواسر والبرمائيات....، بحثا ً عن الأصل، أي ـ تحديدا ًـ الذي لا وجود له، أو الذي لا يمكن الإمساك، لأن هذا الدرب هو وحده جدير ببعث الهمم!
ـ الأصل المستحدث...، أم استحداث الأصل...، أم لديك الدرب الثالث...؟
ـ تعرف، سيدي الثور، كلاهما يعملان كالخبرة المستقاة من الدرب...! فالطريق بلا مسافر مثل المسافر بلا طريق...! فان لن لم ْ تجد الدرب ستسقط..، وإن وجدته فليس عليك إلا أن تجد الآخر...، فانا لا استحدث الأصل، ولا ادع الأصل يستحدث ذاته!
ـ آ ..، كأنك امسك بالخيط...؟
ـ أي خيط...؟ وأنت ترى البعوض قد حجب عنا السماء، ومنع عنا رؤية الشمس، وسد علينا الأفق؟
ـ ها، أنا سأكتب القصيدة التي لا تمتد، ولا ترتد، ولا تتوقف في الصفر! وسأدعوها بالقصيدة الخالية من الشعر! أي التي ستمسك بهذا الذي لا وجود له، وهو الوجود   الجدير بالبحث!
قال الثور:
ـ خطرت ببالي فكرة؟
ـ ما هي...؟
ـ ها أنت تسمع نقيق الضفادع، وهن يصّغين لنا، وهذا هو كبيرهم..، أنثى كان أم ذكرا ً، لا فارق، دعنا نرى ماذا كتب...؟
   تقدم الثور خطوات من ضفة المستنقع، وسأل كبير الضفادع:
ـ  بالتأكيد أنت احد المدعوين للمشاركة في هذا العيد...، عيد حديقتنا البهي؟
   هز رأسه، وقال:
ـ نقيق.. ببق..ففاقيققق...، بمعنى: ها أنا أقول نعم من غير تردد أو اعتراض! وخلاف هذا الكلام فيعني: لن أقول إلا لا  ، وأنا في طريقي إلى المنصة، سيدي!
ـ جميل!
صاح الحمار.  فسأل الثور كبير الضفادع:
ـ من أين لك هذه السلاسة...؛ تقول نعم مسبوقة بالدحض، وتقول لا مؤيدة بالاستجابة...، وتقولهما بالمعنى الذي يذهب ابعد منهما...؟ إلا ترى إنها بلاغة استثنائية ازدهرت مؤخرا ً في حديقتنا الباذخة...؟
ـ هذه ـ سيدي ـ مرونة القصيدة  من غير أصوات، فالمعنى خاص بالذبذبات، فما دمنا نشترك في إثم واحد...،وواجب واحد، وفي كفاح عنيد واحد ..، وفي مصير واحد يستحيل إزاحته....، فان الانحراف يغدو ضرورة تتجاوز هذه الأحادية ...؟
، وما علاقة البعوض بالأمر...؟
ـ هو عمل اليد بين المغزل والغزل، كعلاقة الجاذبية في نفيها وتوكيدها للكتل!
ـ والشاعر، أين موقعه...؟
ـ لا وجود له، سيدي، لأن اختفاء الشاعر يكمل ديمومة هذا الذي يزول...!
  فسأل الحمار الثور:
ـ كأنه سرق مدوّنتي، هذا الشبيه بالصرصار...
     اعترض كبير الضفادع:
ـ سيدي الحمار، ما شأنك والشعر...؟
ـ وأنت...، يا ابن المستنقعات، ولا أقول المستعمرات، ما علاقتك بالحفر في الظلمات؟
ـ آ ...، هكذا عدنا إلى النظام العتيق...، أما أن أشتمك كي امجد هزائمك...، وأما أن أطريك كي أتجنب نصرك..، وأما السلامة....؟
   اقترب غراب ابيض ووقف فوق صخرة قريبة بمحاذاة ضفاف المستنقع، تبعه غراب ازرق، وثالث من غير لون. فقال الأول:
ـ القصيدة يا سادة يا كرام...، لا يكتبها كاتبها، ولا ـ هي ـ التي تنسج نسيجها، القصيدة، يا سادة يا كرام، لا تعبر عن معنى، ولا عن المعنى، ولا المعنى يعبر عنها...، القصيدة، يا سادة يا كرام، تكمل ماضيها من غير عثرات!
ـ عدنا إلى الحفرة..!
   فقال الغراب الأزرق:
ـ أنا لا اعرف من منا تخلى عن الآخر...، فانا هو الجسر لمرور المحنة وليس للامساك بها. فانا ليس لدي ّ الذي مازال نائيا ً، أو مجهولا ً، أو لغزا ً!
سأل الثور الغراب الثالث:
ـ يا عديم اللون، ما لديك...ظ
ـ أنا كلما نبذت الشعر سكنته! وكلما أمسكت به محوته! لأنني كلما سبرت أغوار المعنى ضاع الصوت، وكلما أمسكت بالصوت تبعثر المعنى، فالأمر يتدحرج وفق قانون الشفافية المستحدث بكمال الأصل!
   هز الحمار رأسه، وخاطب الجميع:
ـ كان لدينا زميل من القرود يعمل معنا في جناح الدعية، كان يقرض الشعر أو الشعر يقرضه، لا أتذكر...، ولكنه كان يسف سفه، ويشتركان بإخراج السفسفة بوصفها شعرا ً...، هذا القرد هرب من حديقتنا، فذهب إلى دنيا أخرى لا تغلق الأفواه...، فماذا فعل هذا ألشاذي، لقد راح يشتمنا، ويحرض أجهزتنا السرية وفرق الموت وحرسنا الأمين على قتلنا، تحريضا ً شعريا ً، لأنه استلهم فعل السكين عوضا ً عن رمزية الكلمة!
ـ غريب!
   وسأل الغراب الأبيض الحمار:
ـ هل هذا شاعر أم ابن كركدن!
ـ لا أرجوك، لا تستخدم الكلمات النابية، ونحن ليس لدينا ما نخفيه، فعلمنا مراقب ...، ثم لماذا تشتم مخلوقا ً لم يخلق فائضا ً عن الضرورة..، فهل سمعت بحرية من غير قيد، وهل ثمة قيد من غير مدى ابعد منه...؟
ـ آسف...، واعتذر للكركدن، وإن كان غائبا ً عنا، وأقول: هذا ابن ....، الزنا!
ـ كم أنت صفيق..، وهل رأيت ابن زنا يدعوا إلى سفك الدماء...؟
فقال الثور لتنجب الجدل:
ـ ما دمنا نحتفل بذكرى تأسيس حديقة المجد، فلماذا نؤذي الشعر بذكر الوساخات، وعذرا ً لزملائنا القردة الذين لا يقرضون الشعر....!
ـ أحسنت ...، فالسيد المدير، زعيمنا الخالد، سيختار نخبة من ابرز شعرائنا للمشاركة في مهرجان الكون للحدائق والمحميات والمستنقعات.
    اقترب الحمار من الثور:
ـ عدنا إلى المستنقع!
ـ أغلق فمك! فالذبذبات تفضح ما يدور حتى في أصلد المعادن!
ـ آ ....، أذا ً فأنت أمسكت بمفتاح القصيدة؟
   فسأله:
ـ بماذا أمسكت؟
ـ بالمعادن، أو ربما بالصخور، وليس بالمفتاح؟
ـ آ ...، يا ثوري الغالي، إنها علاقة سرية لا تعمل إلا عبر التمويهات، والمظاهر...، وهذا هو سر خلود شعراء هذه الحديقة...، يعلنون ما يخفون، ويخفون ما يبدو معلنا ً، ولكن المشكلة، يا سيدي الموقر، إنهم لا يمتلكون قدرات على الإخفاء، ولا على المحو!
ـ هذا هو مضمون قصيدتك العصماء؟
ـ لا...، تعرف إن أعظم القصائد هي التي تتخلى عن وظائفها التقليدية...، فالشعر الذي لم يكتب لن يكتب إلى الأبد إلا بعد أن نكون جميعا ً قد سبرنا تلك المدارج العصية...، ومادام العالم اليوم منشغلا ً بالثورات والثورات الارتدادية وبما يستقصي مكنونات بذرة الخلق الأولى وما قبلها فان المناسبة ستسمح بظهور اللا متوقع تماما ً...
    اقترب فيل تائه يتمايل لا يقدر أن يمنع نفسه من هستريا الضحك، اقترب كثيرا ً منهم، وأغلق فمه، تاركا ً خرطومه يلامس تراب الأرض، فسأل الثور:
ـ كنا نود مشاركتكم بهجتكم أيها الفيل المرح؟
   رد الفيل وقد انخرط في بكاء حاد:
ـ ألا تشاهدون...؟
     حدقوا جميعا ً في عينيه، وقالوا بصوت واحد:
ـ لا ...، لا نشاهد شيئا ً يذكر عدا غيمة البعوض مازالت تحوّم فوق الماء.
ـ واآسفاه عندما تعمى الأبصار، وتكل البصيرة...!
ـ قل ماذا تريدنا أن نراه، ولا تشغلنا بغير خفايا الشعر، وأسرار القصيدة.
ـ يا سادتي إنني احمل، فوق كاهلي، أثقل قصيدة كتبت منذ بدء الخليقة، وحتى يومنا هذا!
ـ أنت إذا ً تتعذب، وتشقى، بسبب وزن القصيدة؟
ـ كثيرا ً.
ـ لابد انك ستلد اكبر قصيدة...، سترشحك لنيل درع الزعيم للإبداع؟
     ترك خرطومه يتمايل، مثل ورقة توشك على السقوط، يسارا ويمينا ً، وقال بصوت مشوب بذرات بلورية:
ـ مازالت القصيدة تجثم فوق كاهلي، أيها الشعراء!
   فقال الثور:
ـ آسف...، بحضورك يغيب الشعر كي يولد! وبوجودك يبلغ  الشعر ذروته كي يدشن عصره الجديد!
ـ عن أية ولادة تتحدثون...، يا سادتي، أرجوكم...، أنا جئت أطلب المساعدة منكم؟
    اقترب الحمار منه، وسأله بصوت ناعم خاليا ً من النهيق:
ـ أية مساعدة تطلبها منا ...؟
    وأضاف الثور يخاطبه من غير خوار:
ـ لن نتخلى عنك أيها العزيز..
   فقال الفيل وقد راح يتمرغ في الوحل، عند ضفة المستنقع:
ـ  النملة الجاثمة فوق رأسي مازالت تدندن!
ـ  آوووو.....
  وأضاف الثور يخاطب الحمار:
ـ الم ْ أخبرك...، منذ التقينا، في مطلع هذا النهار السعيد، إن لم تكتب القصيدة بنفسك، فإنها هي بذاتها ستكتبك؟
ـ أرجوك ...، قسما ً بالفيل، سأستدعي القصاب! فانا أشم رائحة السكين، حتى لو كانت خالية من الدم!
ـ لا تفعل...، يا صاحب ارق الأصوات، وأعذبها، لا تفعل مع شريكك في هذه الحديقة.
    نهض الفيل، وعدل وقفته، وترك خرطومه يتمايل، وقال:
ـ الآن ...، الآن ...، أوقفت النملة جهاز الإرسال!
ـ أين هي، يا سعادة الفيل؟
ـ في رأسي!
ـ غريب.
    وأضاف الحمار يخاطب الغراب الأبيض:
ـ هل سمعت...، فقد قال ما كنت تتحدث عنه؟
ـ أنا قلت: القصيدة هي التي تشغل حيزا ً تستحدث فراغاته لتواصل عملها ابعد مدى في الأبصار، وفي الاستبصار. وسعادة الفيل هو من استحدث هذا المجال للسيدة النملة التي مكثت جاثمة داخل خلاياه!
ـ بالضبط.
متابعا ً أضاف الفيل من غير عويل:
ـ فمنذ سنوات بعيدة...
 اعترض الغراب الأزرق:
ـ نعرف، نعرف...، إن هناك نملة أغوتك...، ونعرف ما حصل بعد ذلك....، بعد أن رحت ضحية عشقك الحرام لها!
ـ أحسنت، ففي الإيجاز تكون البلاغة تحررت من ضرورات التأويل، وفبركات الدارسين، ولغط النقاد!
   طار الغراب الثالث، متمتما ً بنعيب متذبذب:
ـ أخشى أن أقع ضحية هذا اللغط...، الغامض، فأتلوث بلون الشعر؟
   رد الفيل:
ـ من هذا المتكلم...؟
ـ ما شأنك به؟
ـ كيف ...، وقد جذبني لونه؟
ـ ها، ها، ها.
     وسقط الحمار أرضا ً من شدة القهقهة، حتى كاد يفقد آداب الجلسة وأصولها:
ـ ها...، فهو الوحيد الذي كان يخفي لونه علينا!
ـ اعرف...، سيدي، مثل هذه النملة التي جعلتني امضي حياتي انسج لها القصائد...، وهي الآن تطلب مني أن اكتب آخر قصيدة لها!
صاحت النملة:
ـ كيف أخبركم انه باح بما أخفاه علي ّ...، الآن، وقال: إني أنا من أغوته، ولم يقل انه هو من فعل ذلك...، فانا طالما قلت له: ابحث عن البذور المتناثرة بين حبيبات الرمال وذرات الأثير....، تلك التي لا يراها احد شارد مشغول وأعمى...، ففيها تتكوّن أكثر المسافات اتساعا ً...
    وسكتت النملة، جاذبة انتباه الجميع لصوتها، وحركاتها الرقيقة، لتبدد الصمت:
ـ أما حديثكم عن القرد الذي اتهم سيدنا الحمار بالعمل متلصصا ً أو جاسوسا ً لدى أمراء حديقتا وسادتها، على زملائه الشعراء، فاذهب وأسأله: عند من كنت تعمل، قبل أن تفر، متخفيا ً بثوب صرصار، وعند من تعمل الآن...، وإلا لكان حضر معنا وشاركنا ابتهاجنا بهذا اليوم الخالد؟
   ولولول الحمار بصوت مخنوق:
ـ ما أدراك انه سيصبح رئيس الجلسة، والمشرف عليها! مادامت قصيدته سبقته في الحضور إلينا؟
   صاح الثور:
ـ آن لي أن أعود إلى قاع المغطس، فردوسي!
  فقال الفيل يخاطب النملة:
ـ كان علي ّ أن أتعلم منك هذا السر؟
ـ أي سر يا حبيبي؟
ـ سر البذرة التي تخلت عن موتها وقد وجدت مأواها في قلوبنا، بعد أن وجدت سكنها في أقاصي الرؤوس؟
ـ يا أولاد....
   وصاح الثور متابعا ً:
ـ  إلى المنصة، إلى المنصة...، لأن كل من يتأخر سيعرض مصير حديقتنا للدمار والأفول والزوال!
Az4445363@gmail.com

9/5/2015



بغداد ومفهوم الكثافة المغيب والمصير المجهول!-د.إحسان فتحي*



بغداد ومفهوم الكثافة المغيب والمصير المجهول!
 
د.إحسان فتحي*

    لا يخفى على جميع المعماريين والمخططين الحضريين اهمية مفهوم "الكثافة" في عملية التخطيط والسيطرة النوعية على الطريقة التي تنمو بها المدينة وعلى البيئة العمرانية ككل. لكن المشكلة تنبع في الحقيقة من عدم وضوح تعريف "الكثافة الحضرية" فهناك "الكثافة السكانية" و "الكثافة السكنية" و"الكثافة العمرانية"، وعدد كبير اخر من الكثافات التي لا تعنيني في هذا المقال. انا هنا تعنيني الكثافة السكانية، واود ان اشير الى الغياب شبه الكامل الى اي نوع من السيطرة البلدية على تنظيم العمران في بغداد، فلقد انتشرت خلال العشر سنوات الاخيرة ظاهرة تقسيم قطع الاراضي السكنية السابقة، والتي كانت مفرزة اساسا على مساحات تراوحت من 600 الى 200 متر مربع، الى قطع صغيرة جدا بعضها لا يزيد على 50 متر مربع!  وبدأنا نرى تجار العقار يشترون بيوت الاعظمية والمنصور والعطيفية والكرادة وفي اي مكان متاح اخر ليقسموا ال 600 متر الى 10 دور سكنية في تجاهل كامل وتحد صارخ للقوانين السارية، غير النافذة، والتي تحدد المساحة الصغرى المسموح بها ب 200 متر مربع.
فاذا اعتبرنا ان عدد سكان مدينة بغداد حاليا (2015) هو 8 ملايين نسمة وان مساحتها (ضمن الحدود البلدية) والتي اقدرها بحوالي 900 كم مربع، وبالمناسبة لم استطع الحصول على اي رقم رسمي لا لنفوس بغداد وذلك لغياب الاحصاء الرسمي منذ فترة طويلة، ولا للمساحة المعتمدة لبغداد المدينة وليس المحافظة، فان الكثافة السكانية تبلغ حوالى 8850 شخص لكل كم مربع. ان هذا الرقم هو عال في الحقيقة اذا ما قارناه بالمدن المشابهة الاخرى. استنبول مثلا يبلغ عدد سكانها حوالي 15 مليون نسمة وبمساحة 5460 كم مربع وبالتالي فان كثافتها السكانية تبلغ حوالي 2750 شخص في كم مربع. بينما القاهرة الكبرى فتقدر كثافتها ب 10 الاف شخص في كل كم مربع. بينما يسكن حوالي 14 مليون شخص في طوكيو على مساحة 2188 كم مربع لتبلغ الكثافة حوالي 6370 شخص لكل كم مربع، اي اقل من بغداد بكثير. طبعا المشكلة لا تكمن في الارقام لان الارقام لا تعني شيئا في الواقع، ذلك لان طوكيو (زرتها مرتين) تعتبر بحق اكثر مدينة متطورة بالعالم. اما مدينة بغداد فهي تعتبر مدينة منهارة او (فاشلة) بالمعنى التخطيطي والخدماتي.
وهذا يعني اذا ما استمر غض النظر، او السماح للكثافة العمرانية الجديدة، والتي كما اسلفت، فهي قد تزيد ب حوالي 6 اضعاف الكثافة المعتمدة السابقة، فان كثافة البناء ستصل الى درجات غير مسبوقة من التكتل والحشر السكاني مما سيؤدي بدوره الى مشاكل اجتماعية ونفسية مدمرة!   والغريب جدا جدا في هذا الامر بدأت تظهر بيوت بواجهة تبلغ فقط متر ونصف على الشارع العام، او مترين، او ثلاثة امتار في الحالات المرفهة! (راجع الصور المرفقة). ان هذه الظاهرة غير المسبوقة في اي مدينة عربية ( عدا سكان القبور في القاهرة) تعني بكل بساطة ان امانة العاصمة، وبالتالي السلطة المركزية نفسها، قد فشلت في السيطرة على تنظيم ديناميكية العاصمة.  ان بغداد تنمو بنسبة 2% او اكثر قليلا سنويا وهي نسبة عالية، وهي تعني بان عدد سكان بغداد سيصل الى حوالي 18 مليون في عام 2028! وعليكم ان تتخيلوا صورة المدينة اذا بقى هذا "الانفلات الحضري" على حالته ان لم يزد سوءا.
أنا اعتقد إن مدينة بغداد، هذه المدينة التاريخية العظيمة التي صمدت أكثر من 1250 سنة حتى الآن، تترنح حاليا من ضربات ساحقة تأتيها من جهات متعددة لا تكترث بوجودها أصلا. بغداد تصارع الموت بكل معنى الكلمة، فهي مهددة فعليا بالتفتت والتحول إلى كانتونات تحكمها ميليشات مسلحة، تماما كما نراه في بعض أفلام هوليود، حيث انعدام كامل للسلطة المركزية واضطرار سكان كل منطقة بأخذ زمام الأمور بيدهم. طبعا حالة بغداد هي انعكاس مباشر لحالة الدولة العراقية المهددة هي بوجودها، وإذا لم يستطع العراقيون بمراجعة انفسهم للتوصل الى حل دستوري وعقد اجتماعي مدني حضاري على أساس المساواة بالمواطنة وليس المحاصصة الطائفية التي فرضها المحتل الأمريكي واقتنع الكثير من المغفلين والجاهلين بها، فان مصيرهم مهدد بالزوال الحتمي والتاريخ لا يرحم ، ويوم لا ينفع الندم، إن سيبقى نادم!
*معماري ومخطط مدن عراقي
3 تموز، 2015