الجمعة، 12 يونيو 2015

قصة قصيرة-المستنقع- عادل كامل

قصة قصيرة

المستنقع

عادل كامل

    ـ هل أنجزت مهمتك...؟
    رفع الدب رأسه وأجاب الجرذ المسؤول عن المتابعة:
ـ يبدو إنني أكملت الجزء الأكثر أهمية فيها...، لكن الأمر ليس بهذه البساطة...، سيدي.
   ولم يتوقف عن الكلام، موضحا ً مدى عنايته بانجاز ما كلف به. فرفع الجرذ صوته،  بعد أن صمت الدب:
ـ تستطيع أن تقول أن المهمة التي يصعب وضع خاتمة لها، لا يمكن عزلها عن أسبابها...؟
ـ وهذا ما أكدته تماما ً.
فضحك الجرذ:
ـ  وإلا فانك ستواجه مشكلات أيها الدب العجوز.
   فكر الدب، مع نفسه، ثم رفع صوته بخوف:
ـ أمهلني فترة وجيزة من الزمن، فالوباء الذي تسلل إلى المناطق البرية، من الحديقة، نجح في إحداث اختراقات...
ـ ليس هذا ما نريده منك...
وسأله بصوت أعلى:
ـ  هل هناك استجابة، أو قل ترحيبا ً، أو تسترا ً ...، أو... خيانة؟
ـ بحسب زياراتي الميدانية اليومية، خلال ساعات النهار والليل...، وبعد المعاينة المباشرة، التفصيلية، وإجراء الفحوص المختبرية، والنفسية، والفكرية....، ظهر لي أن الوباء محض إشاعة!
ـ إشاعة...؟
ـ ليس لدي ّ كلمة أدق....، وإلا لقلت لسيادتكم:  إنها حالة اعتيادية!
ـ ولكن عدد الوفيات في زيادة ..، حتى أكدت بعض التقارير ان حالات الانتحار فاقت الإشاعات ...، دالة على وضع مبيت،ومقصود، يرتقي إلى الشبهات، بل إلى الخيانة...؟
  اقترب الدب من الجرذ:
ـ لم اترك شاردة ولا واردة إلا ودونتها...، أما مهمة البحث عن الأسباب الملغزة، فانا غير معني ...، وغير مسؤول عنها.
ابتعد الجرذ قليلا ً:
ـ سأخبر مكتب السيد المدير بذلك...!
ـ انتبه...، يا سيدي، فانا سأعثر على هذا الذي بدا لكم بلا أسباب، وعلل.
ـ جيد.
   اختفى الجرذ، المسؤول عن المتابعة، والمراقبة، والرصد، ففكر الدب مع نفسه، انه لم يعد يميز ما إذا كانت الحياة قد بلغت ذروتها، أم إنها ستبدأ من جديد. فثمة حد لا هو بالعازل ولا هو بالموصل بينهما؛ هل نحن خاتمة دهر أم أوله؟  وهل الكارثة واقعة بالضرورة أم أنها في طريقها إلى الاكتمال....؟  فتذكر ان الجرذ حذره من الوقوع في هذه المناطق الرخوة، والغامضة ، لأنها شديدة الالتباس، وقد لا تزيد الغموض إلا  مزيدا ً من التعقيدات غير الضرورية...، لهذا عليه بذل أقصى ما يتمكن من العثور على النتائج التي تؤكد ان المرض وجد استجابة، وليس محض ضيف أو زائر دخيل، وليس محض إشاعة!
ـ هل عثرت على هذا الذي لا وجود له...؟
    ورفع رأسه، محدقا ً في عيني جاره، الذئب العجوز:
ـ المشكلة ان الذين يموتون لا يتركون أثرا ً دالا ً... ، على أسباب الرحيل الغامض.
ضحك الذئب:
ـ بل المشكلة إننا أصبحنا غير معنيين بموتانا، ولا بأسباب الموت، أصلا ً! 
فقال الدب:
ـ سيان...، إن كانت الدوافع حقيقية أم كانت مراوغة، ووهمية، فالجثث المجهولة الهوية تملأ الممرات..، والزرائب، والحفر، والحظائر، وضفاف المستنقعات...
   ضحك الذئب مرة ثانية:
ـ قبل ان نرحل...، وقبل ان نطرد منها، وقبل ان نختفي من هذه الحديقة، طالما انتابنا هذا الإحساس بالغياب...
ـ لم افهم قصدك؟
ـ كلامي ليس بحاجة إلى الشرح، ولا إلى التأويل...، فعندما حل الوباء، فينا، قاومناه، وعندما فشلنا في القضاء عليه، تصالحنا معه، وبعد هذا الصلح أصبح الداء يمتلك لغز الغائب في حضوره، وهو لغز الحاضر في غيابه!
ـ كأنك تتحدث عن هذا الذي يحصل اليوم...
ـ أنا اعتقد ان الرغبة بالموت، في الأصل، كامنة فينا، أي إنها ليست مستحدثة، وليست بحاجة إلى من يوقظها ...
       عدنا إلى الحد الفاصل بين السراب والماء، بين الوهم والحقيقة، وبين الجائر العادل، والعادل الجائر...، عدنا إلى الفاصل الذي نجهل سر عمله وهو يموه علينا قدرته على التجدد، والانبثاق...، وأضاف يدندن مع نفسه بصوت أعلى:
ـ فإذا كان الوباء قد وجد من بانتظار حضوره، ووجد من يستقبله، ويحتفي به، ويتضامن معه، ويشاركه أهدافه.....، فما معنى البحث عن الأسباب الكامنة وراء هذه الأسباب؟
قال الذئب بصوت مذعور:
ـ لأننا سننقرض!
ـ ماذا نفعل إذا كانت النتائج واحده؟
ـ نحد منها.
ـ لدينا من وجد الموت حلوا ً مثلما هي الحياة...، ولدينا من فر وغادر...، ولم يبق إلا من لا عمل له سوى انتظار هذا الزائر الجميل!
ـ آ ...، أيها الدب، انك شغلت حياتك بقضية خاسرة....، للأسف لا جدوى حتى من الأسف، أو الاعتذار، أو حتى طلب الغفران!
ـ صدقني أنا لم انشغل بها...، هي التي شغلتني...، أو هكذا وجدت نفسي منشغلا ً بقضية تداخلت مقدماتها بنتائجها، ونتائجها بالمقدمات..! فانا الآن لا أرى إلا هذا الحشد غير المكترث لمصيره، ولمصيرنا جمعاء، فها أنت تراهم يتنزهون، ويتسامرون، ويتجولون...، بين الجثث، وتراهم لا يكترثون لموجات الفرار، والنزوح، والهجرة...، وكأن شيئا ً ما لم يحدث...
ـ هذه هي الحقيقة!
ـ حتى تكاد الحديقة أن تخلو من سكانها!
ـ الحقيقة أم الحديقة...؟
ـ سيان، مثل أن تقول: ما الصمت إلا اعلي الأصوات...، ومثلما تقول: ما الشمس إلا ذرة فحم! لأنك عمليا ً ستجد داخلها المجرات والشموس والكواكب، وهذه هي الحقيقية التي سكنت الحديقة، وهذه هي الحديقة التي ترعرعت فيها الحقيقة!
ابتعد الذئب عنه قليلا ً، فخاطبه الدب:  
ـ لِم َ لم تستنطقها...، وكلاهما يتضمنان اللغز نفسه...، مثل قولك: المفتاح هو القفل، والقفل هو المفتاح؟!
   اقترب منه، وتكلم همسا ً:
ـ كان علي ّ أن افعلها، قبل نصف قرن، ولكنني، لأسباب اجهلها، لم افعلها...، فقد قلت: دع الأيام تكمل مساراتها حتى لا تتعثر فتتعثر معها!
ـ لكنك تعرف أن المشكلة لا تكمن هنا...؟
ـ أين تكمن..؟
   هز الدب رأسه مذعورا ً:
ـ أنا أيضا ً لا اعرف...، فالحياة تبدو تعمل وهي تحول لا شرعيتها إلى واجب...، والواجب إلى لامبالاة!
ـ ها أنت تقترب من الحقيقة...
ـ إن متنا ورحلنا أو غبنا أو لم يحصل ذلك، إن ولدنا أو لم نولد،  فالنتيجة تبقى كامنة في عوامل ديمومتها، وهي عوامل فنائها...، وتستطيع أن تقول: القفا يستكمل الوجه!
ضحك الدب:
ـ دعك من الهزل!
ـ هل سردت لك طرفة، أم تراني اسخر...؟
ـ بل سمحت لي بالعثور على الأسباب المؤدية إلى وجود الأسباب...، ومنحتني قدرة الولع بلا أسبابها أيضا ً!
ـ آ ...، عدنا إلى الشر الذي تربص بضحاياه...، فما أن يجد الوباء سكنه حتى يغدو هو المأوى!
ـ لم افهم...، أرجوك، فهذا العدد الكبير من المعلومات يشوش علي ّ ما كنت أظن إنني عرفته...!
ـ سيدي، ببساطة، نحن أصبحنا المعضلة غير القابلة إلا كي تكمل مقدماتها...، فالوباء لم يتسلل، ولم يجد من يأوهيه، وليس هو إشاعة أيضا ً.
    ابتعد الدب ولصق جسده بالجدار:
ـ انك تدعوني إلى الموت؟
ـ ها، ها، ها....، كأنك لم تمت بعد؟
ـ لكن بماذا اخبر سيدنا المدير....، عندما يأتي الجرذ ويزعق في وجهي: هل أكملت مهمتك؟
ـ ها أنت تخترع مشكلة لا وجود لها...، كي تجعل منها مشكلة شرعية؟ فقبل أن يستوطن الوباء، كنا نعمل على استبعاد حضوره، وعندما حل، وراح يفتك بنا، أدركنا استحالة مقاومته، وعندما اعتدنا وجوده بيننا أصبحنا نعمل على مراضاته...، وعندما جاء من يدعونا للقضاء عليه...، أدركنا استحالة اجتثاثه!
    رد الدب بصوت واهن:
ـ لعل الزمن السعيد الوحيد الذي عرفته حديقتنا، كان زمنا ً لا وجود له....، وإلا كيف تتحدث عن السعادة والمسرة والمرح بمعزل عن الذين هم أصل البلاء، والوباء، والبلية...؟
ـ ها أنت تقول الصواب..
ـ سيدي، هذه نتيجة، وهم يطلبون مني أن اعثر على أسبابها...
قال الذئب وهو يبتعد نحو المستنقع:
ـ كان عليك أن تتعلم من الأشجار لغز مرحها، وكان عليك أن تتعلم من الصخور سر سكينتها، وكان عليك أن تتعلم من الماء سر شفافيته!
هرول الدب خلفه:
ـ لا تسرع...، فإذا مت أنت يا جاري، بعد أن حصد الموت أرواح هذا العدد الهائل من المخلوقات، فعن من أدوّن، ولمن أبوح بالأسرار...؟
ـ لا تدوّن....، ولا تفشي سرا ً...، مع إننا اتفقنا بعدم وجودها، إلا بحدود ظاهرها المعلن...، لا تدوّن ...، فمن طلب منك أن تشتغل في مهنة اختراع الوهم،  ومن طلب منك أن تكد وتشقى في وصف تفاصيله الدقيقة، من ثم لتعيد بناءه، كي تدرك أخيرا ً انك لم تعرفه...، تارة تقول انك أضعته، وتارة تقول انه أضاعك، وفي الغالب تكون أضعت  حياتك، هذا إذا كانت لديك حياة أصلا ً!
ـ توقف..، لا تسرع، فالجرذ لم يمت بعد...، ومادام لم يمت فهو سيعثر علينا، وسيلقي القبض علينا حتى لو متنا!
تسمر الذئب مذعورا ً:
ـ كأنك أصبتني بالعدوى...؟
ـ العدوى...؟
ـ فانا أصبحت اجهل ما سيحصل لي بعد الموت؟
ـ سيدي، لا اعتقد انه سيحصل لك إلا ما كان حصل لك قبل أن تولد!
ـ آ ....، ها أنت تعيد لي السكينة...، فما سيحصل لي بعد الموت هو استكمال للمشروع الذي سبق ولادتي...، فانا أدرك الآن ـ الحقيقة وفي هذه الحديقة ـ إنني لم اربح خسائري، ولم اخسر مكاسبي...، فالعدم السابق على الوجود سيمتد إلى الوجود المكمل لعدمه...!
ـ بالضبط!
ـ هل ستدوّن هذا في تقريرك أيها الدب الأحمق؟!
ـ أرجوك ...، فإذا كنت أحمقا ً فهذا لأن الحماقة سابقة في وجودها وجودي...، فانا لم اخترها، مثلما لا يوجد احد ما يختار الذهاب إلى جهنم بطيب خاطر، وإنما لأن الاختيار يحصل من غير قدرة على قهره...؟
صرخ الذئب:
ـ  إنها الحرية الشفافة! إنها الحرية التي لا يصنعها إلا الأحرار...، لأن ناتج عمل الأحرار لا يأتي إلا بها، مع إن أحدا ً لا يعرف لماذا دامت أغلال العبودية بديمومة وجود هذا العدد الغفير من الأحرار..؟  ذلك لأن الحرية إذا ً سابقة في وجودها وجودي...، وهنا يبدو الإيمان بها وهما شبيها بمن يدحضها أو يغفلها...، وهكذا عدنا ـ سيدي ـ إلى المعضلة...؟
ـ تقصد ... التي وجدت قبل وجودنا...، لأنها هي التي ورطتنا بالوباء، ثم علينا أن نجد ونكد ونشقى ونعمل على استبعاد إنها معضلة...، وهكذا تمتلك الشرعية قدرتها على التمويه، والديمومة، والخلود؟!
ـ على البطش، والجور، و...على ما لا يقال.
ـ أسكت...، قد تلتقط ذبذبات أصواتنا...، وقد يرصدون ومضات عمل أدمغتنا، ما داموا يمتلكون مفاتيح فك شفرات هذا المفاتح في هذا القفل؟
ـ لم افهم..؟
ـ الم تقل إن الحقيقة وجدت مأواها في هذه الحديقة، وان خلاف هذا القول لا يحتمل الدحض: فلولا الحقيقة لا وجود للحديقة، ولو لم تكن هناك حديقة فان الحقيقة تكون عادت إلى ما قبل وجودها، ووجودنا، وإنها خالدة بعد فناء الزمن؟
ـ قلت اسكت..، رغم إن هذه الذبذبات، سيدي، سابقة في وجودها وليس ملحقة به!
ـ نحن أم الذبذبات...؟
ـ كلانا...، فهل لديك قدرة فصل هذا السابق عن اللاحق، في ديمومة بقاء النهايات متسترة على لغز انبثاقها، وتجددها....، أم لديك قدرة عزل النهايات الممتدة عما سبقها من أزمنة لا بدايات لها....؟
    تهاوى الدب..، فاقترب الذئب منه:
ـ مسكين! أمضيت حياتك منشغلا ً بهذا الذي  ذهب ابعد من وجودك! ابعد من الماء والأشجار والصخور والزمن...، ابعد من الحديقة، ومن الحقيقة أيضا ً...؟
    وجد الدب لديه قدرة على النطق:
ـ وأنت...؟
ـ أنا لم اترك حملا ً لامه، ولم اترك ذئبة لبعلها، ولم اترك أرنبا ً طليقا ً، ولا طيرا ًيدب فوق الأرض، ولا بشرا ً يتبختر، إلا واعدت له عدمه...، سقته إلى الدرب الذي ضل مساراته فيه! فكنت اردد مع نفسي: أنا هو عدمكم وقد اكتمل وجوده!
ـ آ ....، أنت إذا ً هو الوباء، سيدي؟
ـ بل أنا هو العقار...، يا حيوان، يا حمار، يا معزة، يا بعير، يا بعوضة، يا جاموسة، يا ...
ـ اسكت، أرجوك، فقد يظنون انك تقول الحقيقة، فكيف اثبت لهم إنني لست إلا حيوانا ً، حمارا ً أو قنفذا ًأو بغلا ً....، كيف اخلص نفسي مع إنني فقدتها قبل أن يكون لها وجود ...؟
ـ هذه معضلتك التي عليك أن تستكمل فصولها... ولا تتركها مبتورة، ناقصة، فلا يصح أن تكون حكيما ً من غير مغامرة، ولا يصح أن تكون ربحت شيئا ً من غير خسائر...، فالنار لا تترك إلا رمادا ً، والحياة، في الأخير، لا تترك ما يدل عليها!
ـ إذا ً...، لم تعد لدي مهمة...، بعد حديثك المروّع هذا...، فأنت لم تبق لي شيئا ً ما من الوهم أتعكز عليه...؟
ـ هي التي ستعثر عليك، ولن تدعك وحيدا ً، فالذي يولد وتراه يهرب من الموت هو في الواقع يخدعنا ويخدع نفسه لأنه وحده من يقترب منه....، فإذا اعتقدت بأنني سأرمي بجسدي إلى المستنقع، فانا في الواقع ألبي نداء الأغوار النائية...، لأننا عمليا ً لم ندوّن إلا ما كنا نسعى إلى محوه..!
ـ وهل ستتركني أراقب كيف نغطس في هذه المياه الآسنة...؟
ـ هذه هي المشكلة...، لأنني كنت احلم أن أموت في المياه العذبة! لعلي أولد في مستنقع  آخر تندمج نهاياته بدشيناته وتغيب فواصله وتلاشى قبل أن تترك أثرا ً لها، ولا أثرا ً يدل على إنها قاومت حتى زوالها!
ـ ها أنت تجعل الحد الفاصل بينهما متحدا ً...، مادمت ستولد من موتك مرة ثانية، لتكون لك صورة غير التي محوتها...؟
ـ أنا ـ يا سيدي ـ مثلك، فانا هو الوباء الذي لا يمكن استئصاله إلا بالعودة إلى هذا الذي نلبي نداءه...!
صرخ الجرذ، وهو يقترب منه،  يتبعه حشد من النمور، والتماسيح، والأسود، وأفراس النهر، ويمشي خلفه السيد المدير:
ـ قفوا ...، قفوا...
    لكن الذئب غطس في ماء المستنقع، واختفى...، تاركا ً فقاعات من الهواء، فوق السطح، تحولت إلى هالات!
ـ ها أنا أرى ما لا يحصى من الكواكب تتلاشى، ومن الشموس تنطفئ، وثمة مجرات تتناثر...، في هذا الفضاء المشغول بالفضاءات، وقد تخللته هذه الومضات الغريبة! فالدورة لم تستكمل دورتها وما انفكت تدور....
   امسك الجرذ بالدب:
ـ هل دوّنت كلماته...؟
ـ نعم، سيدي، فانا لم اترك شاردة إلا ولحقت بها، ولم اترك واردة إلا واقتنصتها، لم اترك أدق التفاصيل تغيب عني، ولا اللا مرئيات تتوارى داخل مكنوناتها، حتى عثرت على اللا أسباب التي ستشغلنا ملايين السنين، ورحت ارصد مساراتها الملتوية، المراوغة، لظاهرها وباطنها، كما تعقبت الأصداء بعد زوال أصواتها، وتحريت عن مصادر الظلال، والضلال، ولم اترك ضالة، ولا بدعة، ولا منكرا ً، ولا فرية....، إلا ونبشت في حفرها وفي دهاليزها المظلمة وأخرجتها من مخبئها ومناطقها المجهولة....
    سمع المدير كلمات الدب، فسره ما سمع، فأمر بحركة من رأسه الجرذ، نفذها في الحال.
صرخ الدب:
ـ  لم يحن أوان نهايتي أيها الزعيم....، فهناك الكثير الذي لم أدوّنه بعد....، الكثير...، بل الأكثر من الكثير....، من هذا الذي نقشته فوق هذه الألواح...؟
ـ مت بوقار الصمت!  فهناك ألف ألف حسنة ستحصل عليها، وألف ألف أخرى تنتظرك بعد الموت...، وألف ألف ألف مضافة عندما تبعث إلينا من جديد!
ـ سيدي أيها الزعيم الذي لا يموت، يا واهب المقدمات من غير نهاية، وواهب النهايات من غير مقدمات،، يا من  ظله لا يزول، ولا يستحدث، يا سيدي الجبار لا أريد إلا واحدة .... من هذه الحسنات!
ورفع صوته:
ـ واحدة فقط...
فأمر المدير الجرذ:
ـ دعنا نستمع إلى رغبته...
قال بصوت غائب:
ـ لا أريد أن أموت!
   ابتسم المدير وقال للجرذ:
ـ ولكنهم لا يريدون أن يتأخر...
وخاطب نفسه:
ـ أما أنا فلا صلاحيات لدي ....، وأنت أول من يعرف ذلك!
فصرخ الجرذ:
ـ سيدي...، لدي ّ كلمة أخيرة...
ـ قل.
ـ إنهم لن يدعوك، بعد موته، حيا ً!
ضحك المدير:
ـ اعرف!
فقال الدب لنفسه:
ـ وأنا أيضا ً كنت اعرف لماذا لم يردم هذا المستنقع!
9/6/2015


خبراء في الذاكرة-د.إحسان فتحي




خبراء في الذاكرة

الأعزاء المعماريون والاثاريون العراقيون والأصدقاء
تحيات وسلامات

د.إحسان فتحي
وددت إعلامكم بالصديق الاثاري  والخبير العالمي الأهم عن سامراء العباسية وهو البريطاني ( اليستير نورثيج) الذي يعمل حاليا أستاذ الآثار الإسلامية في جامعة السوربون في باريس.





خُطى مؤمَّلة من أجل النازحين وأخرى لإنهاء الإرهاب وجرائمه-د.تيسيرعبد الجبار الآلوسي

خُطى مؤمَّلة من أجل النازحين وأخرى لإنهاء الإرهاب وجرائمه

د.تيسيرعبد الجبار الآلوسي


يقفُ العراقُ اليوم ودولُ المنطقةِ والعالمُ بمجابهةٍ مباشرةٍ مع قوى الإرهاب. تلك القوى التي نظمّت وجودَها في هياكل مقاتلةٍ سطت على مساحات شاسعة من البلاد وأسَرَت وجوداً شعبياً كبيراُ من سكان تلك المناطق. إنّ تلك القوى الإرهابية ما عادت مجرد ميليشيات أو عناصر انتحارية متفرقة؛ فقد بات لديها قوات تشتبك مع الجيش وتستبيح المدن والمحافظات بأحدث الأسلحة والأعتدة!
ولقد تجبّرت على المدنيين فصارت تستغلهم ببشاعة في أعمال السخرة وفي إكراههم على المشاركة بالقتال وإخضاعهم القسري لمبايعة الإطار الديني المزعوم الذي تتخفى وراءه، أيّ نظام ما يُسمّى الخلافة. ولا ننسى استغلالهم منطق قوانين الغاب في جرائم الاختطاف والاغتصاب لتبرير جريمة استعباد الإنسان وإذلاله؛ حيث جرائم تلخصها مصطلحات ماضوية كـ(سبي النساء) وتملّكهنَّ والاتجار بهنّ وإجبارهن على ممارسة الجنس مع عشرات رجال الجريمة!!
إنّ ترك تلك القوى لمدى أطول سيدفع إلى ما يمكنهم استراتيجياً من تثبيت أركان وجودهم المؤسّس على جغرافيا، تمنحهم فرص تحدي دول المنطقة والمجتمع الدولي مثلما حصل مع طالبان. إنهم يستندون في ذلك إلى استغلال طابع خطاب تضليلي يُفرض بقوة مبررة (دينياً!) ولديهم حشد من المتطرفين المتشددين من المؤمنين بالفكر الظلامي ومن تقف وراءهم قوى مافيوية محلية – دولية فضلا عمّا غنموه من ثروات طائلة وفرص استغلالها لمراكمة مصادر مادية مالية مهولة عبر التجارة بالمخدرات والسلاح والآن بالآثار التي صارت مصدراً خطيراً ومهولاً لمصادر أموالهم..!
إنّ النتائج الكارثية لخطل برامج حكومتي السيد المالكي ذات الفلسفة (المركزية) المشوّهة التي انشغلت وشاغلت بصراعات مختلقة على أسس وآليات تستجيب لثالوث (طائفية، فساد، إرهاب)، وما تُرِك من مخلفات وآثار وضغوط على الحكومة الحالية هي الكوارث المجسّدة بانهيار سلطة الدولة بمساحة تعادل ثلث مساحة البلاد وبنزوح ثلاثة ملايين مواطن وسكنهم في عراء الصحارى إذ جرى منع دخولهم المدن والمحافظات العراقية الأخرى على خلفية حذر لا يتم استثماره وطنيا بل طائفياً استعدائياً!
وحتى لا تستمر جريمة استباحة أراضٍ جديدة وتهديد أخرى؛ وحتى لا تستمر جريمة التسبب بنزوح كتل بشرية جديدة؛ وحتى لا تستمر جرائم انهيارات أخرى ومنح قوى الظلام الإرهابية فرص استعباد مواطني البلاد من مختلف الأطياف والمكونات وجَبَ أن يتم اتخاذ جملة إجراءات بجميع المستويات الاستراتيجية والتكتيكية.
إن الخطى المؤمّل اتخاذها تبدأ من المجتمع المدني نفسه. من العراقيات والعراقيين. من منظماتهم الوطنية المدنية وحركاتهم المجتمعية المعبرة عن حقوقهم وحرياتهم. وبدءاً لابد من إنهاء سلبية المواطن وتعريفه بواجباته في المعارك الوطنية الكبرى.
وبدءاً فإن الحكومات التي جاءت بُعَيْد التغييرات  في العام 2003 ساهم باعتلائها كرسي السلطة انتشار خطاب الطائفية والتمترس السياسي خلف خياراتها. وهذا كان عاملا رئيساً (آخر) لوضع برامج الطائفية ومن يقف وراءها في سدة الحكومة ببغداد. الأمر الذي نجم عنه مزيد تداعيات كوارث خطابات المحاصصة الطائفية وتمترساتها ومفاهيم الغنيمة التي لم يتخلوا عنها. والإشارة هنا إلى الغنيمة تأتي هنا حصراً بناهبي الثروة والمتسببين بإفقار مزيد من المواطنين حتى وصلت نسبة الفقر حدودا غير موجودة ببلاد في كوكبنا! إذ أن 89% من ريف السماوة فقراء، في وقت يقيمون على بحيرات النفط!
في كنف هذا التفكير يتمسك بعض المغرر بهم والمضلَّلين بالانتساب للميليشيات التي تحرس نظام الطائفية الكليبتوقراطي وليس مصالحهم ولا مصالح المواطنين الذين تستمر جرائم إفقارهم ووضعهم على مصاطب أرصفة البطالة لينشغلوا عن المجرمين وجرائمهم، بلقمة عيش مسمومة!
وعليه فبدءاً يجب إلزام الحكومة الاتحادية ببغداد ببرامج عمل تبني الدولة المدنية وتلتزم بقوانينها الدستورية وتبتعد عن خيمة ظلامية التمترس الطئافي السياسي المتستر بالدين ومرجعيته كذباً وزوراً لتمرير أجندات لا مصلحة للمواطن فيها.
ومن أجل ذلك فإنّ حملة وطنية شعبية واسعة تنير الدروب وتكنس كلكل الظلام وأضاليله وتكون مدعومة من حراك الجاليات العراقية بمختلف بلدان العالم لتستقطب التضامن الأممي، هي الحملة المؤمل أن تتسع لتشمل أوسع القطاعات وطنياً  على امتداد جغرافيا العراق الفديرالي الذي ينبغي أنْ تتمسك دولته باحترام التعددية والتنوع وإقامة العدل والمساواة بروح المواطنة في دولة فديرالية تجسد ذياك التنوع وحقه في التعبير عن وجوده بخلاف المركزة والتهميش والمصادرة وإلغاء الآخر مما ورثه بعض مرضى السلطة من مخلفات الماضي البغيض!
إنّ الحملة الوطنية للدفاع عن النازحين وحقوقهم ومطالبهم الإنسانية، ولدعم الحرب على الإرهاب، تأتي لتستثمر الموقف في الذكرى الأولى لاستباحة الموصل ومتزامنة مع جريمة استباحة الأنبار ومركزها الرمادي. إنها تأتي لتجسد المطالب في إجراءات فعلية مؤملة ولتضعها بين أيدي المسؤولين عن السلطة في العراق الفديرالي، ببغداد. ونحن هنا نقرأ تلك المطالب والخطى والإجراءات في الآتي من المحاور الرئيسة الأبرز:
1. فأولا تطالب الحملة المسؤولين الفديراليين بتغيير نهج الحكومة الاتحادية واعتمادها برامج الدولة المدنية بديلا عن فلسفة الطائفية وخوض الحرب ضد كل من: (الفساد والإرهاب) بتزامن تام بين الحرب على الإرهاب والحرب على الفساد.. الأداتان الرئيستان والجناحان اللذان يتسببان بمآسي العراقيات والعراقيين كافة.
2. والمطالبة بدعم مهام النضال الوطني والديمقراطي من أجل توحيد الصفوف بخاصة في التخلي عن المحاصصة الطائفية وإنهاء التمييز الديني والمذهبي وإعادة الاعتبار للهوية العراقية ومبادئ المواطنة والمساواة..
3. والتوجه نحو تحقيق تفعيل الإرادة الشعبية والدور المهم للمواطنين والتزام سياسة وحدة الشعب وقواته المسلحة تحديداً وتجنب التشويش بدعم قوى ومؤسسات خارج سلطة الدولة المدنية ومنطق وجودها وآليات اشتغالها..
4. تعميق التعاون والتنسيق مع قوات الپيشمرگة وضبط التطوع على أساس خدمة بنى الدولة ومؤسساتها والحظر التام لوجود الميليشيات خارج المؤسستين الأمنية العسكرية للحكومة الاتحادية، وتأمين السلاح اللازم للجميع من دون تمييز أو تلكؤ، وبخاصة هنا بشأن تأمين فرص التدريب والتسليح للبيشمركة بوصفها قوات دفاع وطني رسمية وهي اليوم تجسد النموذج الأبرز والأهم في التزام عقيدة عسكرية تنبع من تمسكها بحماية الوطن والشعب.
5. وتطالب الحملة الحكومة الفديرالية بدعم أنشطة وبرامج القوى الوطنية العراقية الواعية، من مختلف الانتماءات القومية: العربية والكوردية والكلدانية، الآشورية، السريانية الآرامية والتركمانية ومن أتباع الديانات والمذاهب: المسلمين سنّة وشيعة والمسيحيين والأيزيديين والمندائيين والكاكائيين والشبك والبهائيين، وتحديدا هنا في الاستجابة لمساعي عقد مؤتمر وطني يمكنه رسم القواسم المشتركة في مهام مواجهة الأوضاع الكارثية الخطيرة، والاتفاق على برنامج وطني شامل يبدأ بالمصالحة مع الذات الوطنية ويمر بإجراءات إنهاء عصابات الدواعش الإجرامية وكل قوى الإرهاب، بما يستعيد مبادرة الشعب في بناء الدولة المدنية الديموقراطية التي اختارها سبيلا لوجوده في عراق جديد.
6. دعم محاولات إيصال الصوت الشعبي العراقي إلى الجهات الرسمية والشعبية، الإقليمية والدولية عبر تفاعل ملموس مع مضامين مذكرات تُقدَّم إلى البرلمانات العالمية، وسفارات الدول العربية والشرقأوسطية، والأمم المتحدة، والبرلمان الأوروبي وسفارات الدول الكبرى.. طبعاً بقصد حشد الصوت الأممي الدولي مع معركة العراقيين كافة ضد جريمتي الإرهاب والفساد اللتين تستشريان في الجسم العراقي. وأن يجري ذلك بنسق مؤسسي سليم وأن يُشرك جناحي العراق الفديرالي في المحادثات والحوارات الدولية ومنها ما يخص تسليح الجيش والبيشمركة على حد سواء وما يخص المسارات والمحاور الكبرى لأداء الدولة وتقدمها…
7. وتطالب الحملة الوطنية بتشريعات بمكنها أنْتفعّل القرارات التي قرأت ما اُرْتُكِب في سهل نينوى وسنجار وديالى وصلاح الدين والرمادي في العراق بكونه عمليات إبادة جماعية وتطهير عرقي وثقافي. إذ من دون قوانين نافذة إجرائيا بكل بلدان العالم سيتمكن مقترفو هذه الجرائم من الإفلات من سلطة المحاكم المحلية والدولية ومن العقاب الذي يكبح الجريمة ويمنع المجرمين من الاستمرار بغيهم.
8. وفي المعركة مع الإرهاب والفساد، تلك المعركة الاستراتيجية بعمقها تطالب الحملة الوطنية بالتفاعل الإجرائي المباشر والفوري العاجل مع ملايين النازحين في ظروف نزوحهم القاسية؛ بوضع الخطط الملائمة بأولويات عليا، من أجل تلبية المطالب الحيوية لتفاصيل اليوم العادي للإنسان وللتوجه نحو إعادتهم إلى المناطق التي تخلصت من وجود العصابات، والاستعداد لبرامج شاملة للتعويضات ولتوكيد أسس توفير الاستقرار بمناطقهم، وبالتأكيد ضمناً: رعاية المختطفات العائدات والأطفال والعمل بكل الإمكانات وفي أسرع الآجال على تحرير اللواتي مازلن اليوم في اسر المجرمين القتلة، وتوفير القوانين والتشريعات والتنوير المجتمعي اللازم لإعادة تأهيلهنّ.
9. وفي الإطار ذاته، التوجه لبرامج ضامنة عملياً فعلياً لإقناع النازحين للبقاء في وطنهم، وعدم الهجرة إلى خارج البلاد، التي باتت تستنزف الشعب من بنيته وتركيبة التنوع والتعددية فيه، رفضاً ومقاومة لمشروع تطهير العراق من مكوناته القومية والدينية والمذهبية التي عُرِف بها، وتجنباً لطروحات وضعهم بضوائق اختلاق الكانتونات التي لن تكون حلا لا مرحليا ولا استراتيجياً..
10. والحملة الوطنية التي تنطلق في العاشر من حزيران، تختار هذا التاريخ رداً على جرائم الإرهاب وتمكينا للعراقية والعراقي من إعلاء صوته وتفعيل دوره في الأداء الوطني الشامل.. ولهذا فهي تطالب بدعم مهام فضح الجرائم التي ارتكبها الدواعش ونظرائهم في العراق: سواء بفضح جرائم قتل الأطفال والنساء والرجال الآمنين وجرائم النهب والسلب أم بما ارتكبوه من تدمير التراث الحضاري للبشرية جمعاء وهدم وتخريب دور العبادة لمختلف الأطياف الدينية أينما وصلت أيديهم.
الحملة التي أتحدث عنها ليست خيالا وافتراضا ولكنها وجود مؤسسي اشتغل طوال الأسابيع الماضية تحضيرا واستعدادا وهي تتابع الخطى بكل القوى التي تتعرض لتهديد الإرهاب. وهي تجد في كوردستان كما كانت قوى الحرية والسلام في الحضن الكوردستاني نجده بيتا وموئلا ومصدر تضامن ودعم بأعلى مستوياته، الأمر الذي نتطلع أن يحظى ولو بجزء يسير في الأماكن الأخرى من العراق كي يرتقي لمستوى المعركة بحجمها النوعي.
ونحن في الحملة بكل القوى والشخصيات التي تتحرك، ندرك حجم المهمة ومصاعبها وحتى عثراتها وعقباتها.. لذا نتابع السير باتجاه تطوير حراك الحملة ومنجزها لتتحول إلى المؤتمر الوطني الأشمل وبرامج العمل التي تضع الخطى المؤملة بصيغ برامجية ناجعة يمكنها أن توجد الاستعدادات الملائمة والكافية لمواجهة مهمة الانعتاق من استباحة الإرهاب وإعادة بناء الهياكل المؤسسية للدولة بسلامة تُنهي إلى الأبد فرص الاختراق والانهيارات وما يمكن أن يكون سببا في مثل تلك الكوارث التي تكررت كثيرا بحق أطياف الشعب.
فلنعمل معاً وسوياً من أجل تنفيذ تلك الخطى والارتقاء بها لمستوى ما يجابهنا جميعا.. ولنضع خلفنا كل ما يشق الصفوف وينزع لخطاب الانقسام والتناحر ويعيد إنتاج خطاب ظلامي متخلف بنهج طائفي أو يواصل منح قوى الفساد والإرهاب فرص امتصاص دماء المواطنات والمواطنين ونهب ثرواتهم واستعبادهم..
وستنتصر إرادة شعب أدرك الحقائق وسار ببرامج تنتمي به إلى عصره لا إلى ماضيه بخاصة منه ما ينتمي لظلاميات كهوف ومغاور الهمجية الغابرة تلك السمات المرضية التي ستكنسها إرادة الشعوب في العراق والمنطقة والعالم بفضل وعي ما ينتظرهم كي يرسموا خطاه ويلبوا مطالبه. وبورك بكل من وقف بوضوح مع هذا التوجه المدني للتأسيس لدولة تحترم شعبها ووجوده وحقه بتقرير مصيره واختيار طريقه..

صدر عن الدار العربية للعلوم ناشرون في بيروت كتاب كافيه فيروز-رواية باستثناء فصل واحد لعلي شاكر




صدر عن الدار العربية للعلوم ناشرون في بيروت كتاب كافيه فيروز: رواية باستثناء فصل واحد لعلي شاكر ... الرجاء التفضل بالاطلاع على ملخص الحبكة مع تعريف موجز بشخصيات الرواية وسيرة المؤلف
 مع الشكر وفائق الاحترام
سيرة المؤلف:
علي شاكر، مهندس معماري وفنان تشكيلي عراقي/ نيوزلندي، مؤلف كتاب  A Muslim on the Bridgeله العديد من مقالات الرأي والأعمال النثرية منشورة باللغتين العربية والإنكليزية في صحف ومجلات أدبية في العالم العربي وبريطانيا والولايات المتحدة ونيوزلندا
ملخص الحبكة 
 تدور الأحداث في مقهى يحتل الطابق العلوي من بيت قديم في جبل عمان ... مضى عامان على هبوب عاصفة الربيع العربي، حماسة الشعوب للتغيير بدأت بالفتور ليحل محلها خوف وتوجس من القادم من الأيام ... تقع الرواية في خمسة فصول يتمحور كل منها حول شخصية من الشخصيات المتواجدة في المقهى الذي يضج بالمهاجرين الحاملين معهم ذكريات عن مدن تغيرّت معالمها وأحباء غيّبهم القدر والمهمومين بحاضر غير مستقر ومستقبل مجهول.
الأحداث تستوحي مشاعر وآمال وخيبات أجيال متعددة تعيش صراعا بين عالمين متصارعين ومنظومتين ثقافيتين مختلفتين، ترصد الرواية تعاطيهم، أيجابا وسلبا، مع التغيرات السريعة التي شهدتها بلدانهم في السنوات الأخيرة ... فصول الرواية تكاد تكون مستقلة بذاتها، تجمع بينها بعض القواسم المشتركة كصوت السيدة فيروز وأغانيها التي تتردد في جنبات المقهى، ومدينة عمان التي تشكل خلفية المشهد السردي وتقفز الى مقدمته في أحيان عديدة كما تتقاطع المسارات الرئيسية والثانوية في الكتاب مع عدد من الشخصيات العامة، سياسية وفنية واجتماعية، الغرض من ذلك، كما ورد في المقدمة هو تجذير الأحداث وربطها بالتربة التي يُفترض وقوعها عليها والزمان الذي دارت فيه ولا يقصد به الاساءة الى أي من تلك الأسماء كالرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، رفعت الأسد، الرئيس المصري السابق محمد حسني مبارك، الدكتور محمد البرادعي، عمرو موسى، الشيخ محمد متولي الشعراوي، دانييل ميتران وسواهم

فصول الرواية الخمسة (شخوصها) هي:
نادين
مصورة ومراسلة صحفية من لبنان كانت تعمل مع وكالة الأنباء الفرنسية قبل أن تقرر التقاعد والاستقرار في العاصمة الأردنية حيث تفتتح مقهى يحمل اسم مطربتها المفضلة ويتيح لزائريه سماع أغانيها ريثما يحتسون فناجين القهوة، شخصية نادين كارهة لكل مظاهر الزيف ومتمردة على السائد من التقاليد
وليد
عازف بيانو فلسطيني الأصل مولود لأسرة فقيرة في مخيم البقعة للاجئين في ضواحي عمان، الألحان التي يعزفها وليد في المقهى تثير شجونه فهو لم يتعاف بعد من انهيار علاقته بفتاة أحبها حد الجنون وقرر الارتباط بها قبل أن يكتشف حقيقتها المريعة
ربى
الابنة الوحيدة لواحد من أكثر الرجال نفوذا في سوريا وزوجته الحسناء سليلة العائلة الدمشقية العريقة تسافر الى عمان في مهمة غير معلنة، وجودها في الأردن وتماسها مع معاناة اللاجئين السوريين فيه يؤديان الى اقدامها على خطوة ستغير مسار حياتها بل تقلبها رأسا على عقب
محمود
رجل أعمال مصري يصل الى الأردن في زيارة عمل قصيرة يلتقي خلالها بنادين التي تدعوه الى زيارة مقهاها، معارضة محمود لمحاولة زوجته الايطالية التأثير على طفلتهما في الوقت الذي يرقب فيه التعصب الديني وهو يجتاح القاهرة مدينته الحبيبة تكلفه ثمنا باهظا
علي (شخصية المؤلف الحقيقية)

كاتب عراقي مغترب يقوم بزيارة الأردن لمتابعة بعض الشؤون العائلية ويتخذ من كافيه فيروز مقرا لتأليف روايته الأولى باللغة العربية، الأغاني التي تتردد في المقهى تثير ذكرياته عن حياته في بغداد وبداية تعرفه على صوت فيروز وتجعله يسترجع ملامح العيش في ظل نظام شمولي والفوضى التي أعقبت الاطاحة به

الاثنين، 8 يونيو 2015

قصة قصيرة-حين عدنا إلى النيرفانا-عدنان المبارك

قصة قصيرة


حين عدنا إلى النيرفانا


عدنان المبارك


- الى الصديق عادل كامل


- عندما كنت يافعا وقريبا من مستهل الحياة نظرت بكل يقظة ، فرأيت أن جميع الأشياء هي مادة للانحلال . بوذا

الفنطزة جينوم محترم في كل جسم . بعضهم يربط الفنطزة بخيوط غيرمرئية بهذا الواقع الذي يقترب بسرعة كبيرة من البلادة المطلقة. عين كاف يركز في فنطزته على واقع تعاسة الكائن الحي سواء أكان انسانا أو حيوانا. ويخال اليّ أن فنطزته ستصل الى عالم النبات أيضا ، ولربما الى الجماد والتابوات الرئيسية في حياتنا النمالية . ليست نمالية ! فهذه الحشرات لا تصرخ وتخلق ضوضاء لأتفه الأسباب ، لا حجمها الصغير يسمح بذلك ولا أشغالها الكثيرة. من المناسب القول : ضفدعية . فهذا المتقافزة تجيد عمل الضجيج وأن تجعجع بلا طحن. عين كاف أقنعني منذ قصصه الأولى بأن الفنطازيا درع متين سواء أمام السلطة ، أيّ سلطة ، والآخرين والله أيضا. حوارات قصصه نبيهة ذكية تريد مسك أخطر قضايانا ، وغالبما يفلح. فيما يخص الحوار أنا لا أبتعد عن اللجوء اليه في سردياتي وغيرها وحتى أني أصاب بنوع ليس بالخفيف من الإحباط اذا لم ألق تجاوبا في الدخول معي في حوار. مثل هذا الإحباط يقودني الى اختيار آخر : الحوار مع النفس. في الواقع لهذا مزايا كثيرة ، فبسرعة يمكن تحويله الى هذيان أو هلوسة أو خطاب جماهيري أو تحريضى على القتل والأضطهاد الخ ، أو كلام هاملتي. أقول هذا ولأني في حيرة من أمري - أقصد كتابة نص سردي جديد. بعد تفكير ليس بالطويل وجدت أن خير مخرج هو الأخذ بالاثنين : الحوار والمونولوغ بشتى أصنافه. طيّب ، أنتهيت من موضوع الحوار والمونولوغ. والآن أيّ مضمون لسرديتي القادمة. ضعفي مزمن إزاء القضايا الكبرى مثل الزمن والكون والوجود ولغز السلطة في الكون أو أجزاء منه ، وهنا سأستخدم المونولوج ، أما الحوار فبمقدور فنطزتي المتواضعة أن تدبر الأمر ( لابد من القول ، وبكل صدق ، أني أخذت منذ العام الماضي ، وبالضبط منذ الثالث عشر من تشرين الثاني ، وهو يوم ميلادي الثمانين ، أميل الى الثرثرة وحتى أني صرت أعاملها ، ماركسيا ، كفائض للقيمة. أظنه زاء دال من نبهني الى أن الثرثرة عملية تفريغ برميل القمامة الموجود في الوعي. أعجبني هذا المجاز. أما ما يخص اللاوعي فقد فشل زاء دال في الإجابة على سؤالي لكنه في النهاية اتفق معي حين ذكرت مقولة أن الهذيان والهلوسة والانفصال المتقطع في الكلام عن الواقع الاعتيادي هي كلها رمي لأثقال اللاوعي ) خاصة أنه لا تفتقد دائما المواضيع. بالفعل ، حصل الاختيار بلا عقبات وتحت عنوان : ( الكون وعين كاف وأنا ). هذا مجرد مخطط وقد أدخل شخوصا أخرى...
طيّب ، ها نحن الاثنين جالسان على ساحل نهرنا وبدأنا الكلام ، بصوت خافت عن آخر ألاعيب الحكومة :
أنا : هذه حكومة بائسة شأن سابقاتها وجاراتها. بلاغتها مستعارة من هذا وذاك. لكن لنترك هذا الموضوع ولنطلق العنان لفنطازيتنا صوب الفضاء الخارجي مثلا !
عين كاف : موضوع شائق جدا وحتى أني على كامل الاستعداد لترك حيواناتي لكن لأجل محدّد ، والذهاب الى كوننا الحبيب !
أنا : بكل موضوعية وتواضع أقول : لاتنقصنا نحن الآثنين روح الفنطازيا والنظرة الثاقبة الى واقعنا أيضا. هل تعرف بأن الكاتب العربي يبتعد عن الفنطازيا خشية أن يتهم بانعدام الجدية في أعماله وكونه يكتب عن عالم بعيد وليس عن هذا الواقع وذاك. المفارقة الكبرى هنا أن هذا الكاتب يصدق أقوال كهذه وكأن سرديات ويلز ومن سبقه وكامل أدب الخيال العلمي كتبه بطرانون لبطرانين ، والأثنان أعميان أو أحولان والا كيف تجاهل واقع مثل هذا والذي بحّت فيه أصوات الاستعاثة.
عين كاف : كلامك قند ، وهذا رأيي من زمان : أن ندخل هذا الواقع في ماكنة فرم اللحم كي يخرج منها آخر رغم أنه لا يزال لحما.
أنا : اذا سمحت ، سأدخل في ماكنة الفرم الفنطازيا كي تخرج واقعا آخر. الأستاذ القديم فرويد الذي من الصعب الاتفاق معه على طول الخط ، كتب مرة أن تصاعد الفنطازيا واشتدادها يسبّب العصاب والذهان ناهيك عن أنها المراحل النفسية الأسبق التي تمهد الطريق لأعراض المعاناة والإحباط الى آخره . وهنا ربط الأستاذ بين الفنطازيا وأحلام النوم التي هي محض فنطازيات كما أحلام اليقظة. أكاد أقول هنا ، بالأحرى أكرر قول خالتي أم ستار ( يا ستّار ! ) ، اذ كيف تحشر الفنطازيا نفسها في كل مكان ! أها ، تكلم الأستاذ أيضا عنا نحن الخائبون من كتّاب اليوم ، فقد وجدنا نمارس أحلام اليقظة ، ونخلق أبطالا يجسّدون كل مساويء التمركز في الأنا. قد تتفق معي بأنه يبالغ وليس قليلا ، اذ ما أكثر الأبطال المضّحين وحتى بحياتهم من أجل مثل عليا معيّنة. أنا لا أتهم الأستاذ بأنه متعصب لأفكاره لكن قد يساعده مثل هذا التفسير ، ولا أتذكر أين قرأت عنه ، على أن المفارقة تكمن هنا في أن الايثار هو تمركز معيّن في الأنا. يرى أستاذنا أن الكاتب المعاصر صار يطّشر أناه من خلال مراقبتها بمنظار دقيق جدا. فيما يخص الفنطازيا يجد أستاذنا أن الكاتب الحالم في اليقظة يسعى وبكل حرص على اخفاء فنطازيته أمام الآخرين... السبب ؟ هو يخجل منها ( لعلمك يا صديقي أنا لا أخجل بفضل لجوئي الى التمويه ! ) ولا يريد أن يسبب الشعور بالبغض لدى القاريء. الأستاذ يذكّرنا هنا بأن الأنا هي موطن الخوف. غريمه الأستاذ يونغ يعالج الموضوع من جانب آخر ، ولا حاجة الى القول بأنه يسلط على هذه الإشكالية وغيرها ضوءا آخر. ويكتب عني وعنك و بقية الخائبين بأن سرّ الكتابة شبيه بسرّ الارادة الحرة ، أنها اشكالية تجاوزية يعجز علم النفس عن حلها. كل ما يقدر عليه توصيفها. لا أخطيء اذا قلت بأنك تجدني قد ابتعدت عن الموضوع أي الفنطازيا وأحلام النوم واليقظة. بكل تواضع أقول باسمي واسمك بأن مثل هذه المواضيع صارت من اختصاصنا ، ومن هنا اقتراحي بالانتقال الى مواضيع أخرى طالما اتخذنا القرار بترك الأرض لأهلها من حيوان ونبات وجماد و... خرافات الى آخره. أنت موافق ؟
عين كاف : كل ما قلته صحيح. أأكيد أننا سنمارس الكتابة في الفضاء الخارجي أيضا ؟
أنا : ولم لا ، ولو أني أفضل اللجوء الى التمويه الذي صار عندي يقترب من خداع النفس. لكن لايهم. فكل واحد يخدع نفسه مرات ومرات قبل أن يقول له الموت : كفى !
عين كاف : كلامك قند مرة أخرى . أنا شخصيا أغادر عالمنا أكثر من عشر مرات في اليوم وأروح برفقة الفنطازيا الى أماكن مجهولة وأخرى معروفة. لك أن تتصور بأني رقصت البارحة لوحدي في صحراء بلا آفاق ، وكانت الموسيقى تنطلق بمختلف الايقاعات ، من الفالس والتانغو والجاز وحتى أني زعقت بمقام ( زوروني بالسنة ). أن تنسى يا صديقي آلآم الوجود وأفعال الانسان العاقل وتطلق اللامعقول من قمقممه هي سعادة لاتضاهيها تلك السعادة الموعودة. في هذا العمر صرت يا عزيزي أؤمن عميقا بما قاله بليز باسكال عن هوس المعرفة : طالما لا يمكن أن تكون شموليا وتعرف كل شيء عما يمكن معرفته كاملا ، عليك أن تعرف القليل عن كل شيء. وهو أجمل حقا أن تعرف شيئا عن الكل من أن تعرف كل شيء عن أمر واحد. والشيء الأجمل هو مثل هذه الشمولية. فلو كان ممكنا امتلاك هذا وذاك يكون هو الأحسن . لكن اذا كان لابد من الاختيار ينبغي أختيار المعرفة أي القليل عن كل شيء ...
أنا : لا أريد مقاطعتك ، لكن من لعنات الانسان هو أنه يريد معرفة كاملة والا ليبق أميّا وجاهلا ، وحجته ، هنا ، أن الآخرين يتكفلون بانقاذه من جهله عند الضرورة.
عين كاف – هذا صحيح لكن ليس دائما. وفي الأخير ليست هي مشكلتي. ما أرغب قوله الآن هو أننا قررنا ترك الأرض لأهلها ، وقد يكونوا الشرعيين ، ومعنى هذا أننا نترك مشاكلهم لهم. قل لي هل تفزعك ، وكما أفزعت باسكال ، هذه الفضاءات التي لانهاية لها ؟
أنا : أنا فزع أيضا ، بل كلي دهشة واستغراب مثله حين أفكر بأنه قد أختير لي مثل هذا المكان من بين كل هذه الفضاءات .
عين كاف : طبيعي ومنطقي أنك في حالة كهذه ، فأنت تلك القصبة الباسكالية الأكثر ضعفا لكنها المفكرة ، ولا أعرف هل هذا امتياز أم لعنة. باسكال الذي عرف المفارقة جيدا نسي وكما يبدو أن العقل الذي أمتدح قوته هو عرضة للكنس في أي لحظة ، ولأن هذه الطبيعة الجبارة هي هكذا...
أنا : أنا أقول هذه المرة : كلامك قند. لكن قل لي الا تضحكك كل هذه اليوتوبيات ؟ أعترف بأني حين أشعر بالكآبة بل ذلك النوع السافل من اليأس ألجأ الى قراءة اليوتوبيا تماما كما يفعل الانسان الذي يأكله الضجر ويبحث عن فلم كوميدي أو سيرك ربما جاء الى المدينة. مفارقتنا الكبرى هو أننا نريد الرحيل من فضائنا ، أقصد جحيمنا ، تماما كما لو أن الأرض وحدها قد اخترعت هذه النار. لم أقل لك بأن قراري بترك الأرض لم يأت بسهولة ، فخشيتي كانت أن لا يكون ذا فائدة ما مثل هذا القفز في المجهول. لكن بعد محادثتنا هذه اكتشفت أن هذا القرار اتخذ بكل تسرع. أنا لا أقدر على الشكاية من أحوالي المادية ، فالجدّ ترك لي هذا البيت الصغير ، ومن السهولة تحويله الى صومعة بوذية ! لحظة ! هل تذكر تلك التجربة من قبل ثلاث وعشرين سنة حين رحنا لبضعة أيام مع النيرفانا ، آه ، تلك التجربة العظمى في حياتي والتي أرغمنا على انهائها بسبب اقتحام إحدى شراذم ذاك الانقلاب إلى البيت. كانوا يبحثون عن ابن العم الذي أعتبروه عنصرا خطرا على سلطتهم الجديدة. عزيزي عين كاف ! ليس اليأس ما يدفعني الى القول بأن لا فائدة من مغامرتنا الفضائية المخطط لها بل أخشى أن أفقد كل الفرص رغم أنها فقيرة ومعدومة الأمل. خشيتي الأولى أن لا أكون قد خيبت ظنك إذا غيّرت الرأي وواصلت تلك التجربة النيرفانائية القديمة. وليس لأنها مأمونة بل لأن البقاء معها في البيت أفضل بكثير من انتظار فرصة العثور على فضاء آخر ، أو الانزواء في صحراء ما. سأتعبد من جديد إلى البراهما الذي استغربت في البداية من أنه بأربع رؤوس وأربع أذرع. الانطفاء ، الانطفاء واختفاء الوجود الفردي والرغبات و الشهوات. لا أتذكر الآن ولو بيتا واحدا من قصيدتي عن النيرفانا. الكولسترول لعنة هذا الجسد الذي يرمزوبكل وضوح إلى اللعنة الكبرى : أن تكون ( هنا والآن ) لمدة تبدو ميكروسكوبية إذا قارنتها بما يحدث في احد فضاءات الكون الأخرى.
اذا وافقت أعدك بأن البيت سيكون مهيئا في أربعة أيام كي نروح مع تلك الغالية – النيرفانا !
عين كاف : عزيزي ! لا زالت أمامنا فرص كثيرة كي نمارس الجنون ونرحل بصورة غير مشروعة إلى أحد تلك الفضاءات . لكن قل لي هل ثلاجتك فارغة أم بقي فيها شيء من الطعام .لا أسأل عن الشراب ، فأكيد أن هناك قنينة في زاوية ستتظاهر أيها الماكر بأنك نسيت تماما أمرها ! والآن لنسرع ، فالشمس على وشك الاختفاء ، وأنا لا أحب السير في الظلام. هل تعرف أني غالبما أدندن حين أكون وحيدا بإحدى بستات صديقة الملّاية ...


- أستر بارك ، آيار ، مايس 2015

*
رسالة من عين كاف إلى عدنان المبارك :






بعد أن قرأت قصتك ( حين عدنا إلى النيرفانا ) (1)، وقد اخترت عين كاف ـ الذي سمحت لي إن أتحرى عنه بوصفه يقبع داخلي، أو يمثلني، بشكل ما من الأشكال ـ لفت نظري انك عثرت على أول قفل ـ في حياتي ـ كان علي ّ ألا ابحث له عن مفتاح؛ قفل بمعنى استحالة مغادرة لغزه، وإلا كيف جعلني أتحول إلى منقب يقودني لأدراك استحالة إجراء تسوية ما من التسويات. واعني بهذا القفل كلمة بوذا. فانا كنت فجعت بها منذ رأيت النور يسمح لي بمعرفة أن الظلمات بلا حافات، من جهة، وان النور ذاته ليس إلا عتمة مقارنة بالأنوار المنتشرة في مناطق متفرقة من كوننا، كضوء الكوزرات، الأسرع من سرعة ضوء شمسنا بـ 8 ـ 12 مرة، حيث تتحول أشعة نجمنا إلى جدار معتم، من جهة أخرى. دون إهمال إن أشعة شمسنا تتخللها مادة فحم حالكة رغم إننا نبتهج بسطوعها الخادع. أليس هذا هو أول قناع، لم نصنعه نحن الفانين، بل صنعته الشمس! فأنت أمسكت بالذي وجوده يعادل عدمه تماما ً! (2) فأعيد قراءة الصدمة التي واجهها بوذا بالمعنى الذي لا يتركها من غير تفكيك، كي أقول: أنا لا يعنيني الزوال...، وفناء كل ما يجنيه ويحصل عليه الإنسان، فالعالم ـ من اصغر جزيئاته إلى أكبرها، دون إهمال تكون القشرة العليا المتخصصة بالعمليات الذهنية، مشيدة فوق طبقة من الخلايا تتضمن فترة الثدييات، وأسفلها تاريخنا عندما كنا ننتمي إلى الزواحف ـ كي أسعى ـ بهذه الإرادة العمياء أو بإغراءاتها وتنويعاتها ـ للحلم بوجود نهاية افتراضية هي أس (اللعبة) بمنطقها الباحث عن خاتمة، وليس عن ديمومة. فالكل ـ رغم مشهد الاندثار المادي ـ يبذل كل ما يمتلك لقلب اللا شرعية إلى (نظام مشروع) والى (قانون) والى (ثوابت أبدية) وفي كون لا يسمح للمصادفة أن تحدث إلا مرة واحدة!...، وهكذا فانا لم ابحث عن (ملكية) كي أحافظ على ديمومتها، وهي قد أصبحت قيد الزوال، أو ربما بوصفها زائلة قبل أن تتمتع بحضورها الغريب. وها أنا انشغل بما شغل بوذا: القناع! فالصور اللانهائية للكيانات ـ من الأحادية إلى المركبة والى ما بعدها ـ مرغمة في اتخاذ موقف الدفاع ....، موقف المفترس، بما يمتلك من أدوات راحت تتقدم بتقدم تاريخ الاشتباك...، فموقف الدفاع سيغدو مشروعا ً، ومبررا ً للهجوم، لأن العدالة ـ هنا ـ لا تمتلك ما يمتلكه الزوال، لكن لا احد لديه قدرة الاعتراف بحق الآخر ـ كحق الاختيارـ قبل الانشغال بمصيره. ودعني أوضح قليلا ً استحالة عزل الدفاع عن الهجوم، فلافتراس لا يحصل بدافع الضرورة، كالجائع وهو يفترس كل ما يجده أمامه، بسبب الغريزة، بل راح يتسلى بضحاياه. ربما يبدو هذا هو امتياز الإنسان، ولكن التمعن في تاريخ الأشياء ـ كتأمل مجرة تلتهم مجرة أخرى عبر زمن يستقر مليون سنة ـ يوضح إن الافتراس هو نظام سابق على تعديلاته، بالبحث عن تسوية منطقية، أخلاقية، وربما ثقافية. فالقتل غدا تسلية تتجاوز مفهوم الإشباع، نحو المتعة الخالصة! نحو: القتل من اجل القتل، الشبيهة بالفن من اجل الفن، أو جمع المال من اجل جمع المال! متع خالصة، تفرض ضرورتها باختراع أقنعتها، وتمويهاتها، وخداعها، فماذا افعل وأنا أدرك إن أصل (الأنا) ـ وكل ملكية ـ ما هي إلا سلاسل من الاغتصابات، فان لم تدافع عن كيانك، بالبداهة ـ الإرادة العمياء كما وصفها شوبنهاور ، وبإرادة البقاء بحسب دارون ـ تهلك، وتغيب! فهل باستطاعتي اختيار غيابي ـ أو موتي الحر ـ غيابي وأنا مكبل بأنساق برمجة عنيدة تخفي ما تظهر، وتظهر ما تتستر عليه؟ فانا فجعت ليس لأن الأشياء تتلاشى، بل لأنها وجدت لتحفر قانونها الذي تصنع منه سلطة، تارة، ومعارضة لها، تارة أخرى. فالفكاهة لا تستقيم مع الأسى، ولا تختلط، كما اختلطت بحضورنا نحن الأكثر رغبة باختراع تسليات على حساب الآم المليارات. وإلا كيف أغلق فمي وأنا اعرف أن هناك 17 ألف طفل يموتون يوميا ً، وان هناك مليار مدقع، وملياري إنسان يعيشون تحت خط الفقر، وهناك ملايين المنكوبين بالنزوح، والتهجير، والانخلاع، والاغتيال، والمحو....؟ فهل امتلك قدرة الحصول على خلاص، ما لم أتمتع بجبروت القاتل، وبخصائص المعادن؟
فانا إذا ً لم انشغل باستنطاق الآخرين في حديقتي، لأنك لمحّت إلى حالة النبات، والى حالة الحيوان، والتحول إلى غبار أو إلى أثير ـ فانا لست ضيفا ً فيها، أي في الدنيا، بل أنا وجدت وليس لدي ّ إلا أن أرى الجميع يكملون دورتهم....، يستكملون كل ما يستحيل أن تكون له نهاية، لأنها ليست ناقصة أو مبتورة، هذه الدورة خارج نطاق مشاهدتنا لها، الأمر الذي يدفع بالشك إلى أقصاه: كيف أتحدث عن أمر اجهله...، وما مغزى الزعم بالصدق، والأمانة، والموضوعية....، في أمر خارج نطاق أدواتي المحدودة، وهي قيد الانحلال، والتلاشي....؟ بل وكأنني اغوي الآخر بأننا وجدنا لغاية ما هي، بحسب هذا المشهد، أكثر من عودة إلى قانون الأقوى، والأكثر مكرا ً، والى: استبدال أو تغيير اللا شرعية إلى نظام للطاعة...، والولاء..؟
ستقول لي: هكذا وجدنا أنفسنا/ مصائرنا، في موقف الشبهات...، ولسبب ما من الأسباب اخترنا الكتابة بدل الصمت، واخترنا البحث عن فضاءات نائية، بدل القبول بعفن (حضارات) ـ لو وضعت تحت المجهر فان رائحتها لن تترك فراغا ً إلا وملأته ـ لظهرت قواعدها جلية على مدى التاريخ من الويلات، والانتهاكات، بعد مسيرة طويلة من المواجهات، كلها عملت بإرادة جعلت اللعبة تمتد، لتبلغ ذروتها، في عصرنا: ونحن نراه يبرهن انه محكوم بالزوال، قبل غوايات هذه المعرفة، أو طيفها، أو حتى شبحها.
سأقول لك: أنا لم أهمل هذا الإشكال، اللغز، لأنني تساءلت أيضا ً: أي فايرس أو داء أو جرثومة لم تسمح لنا إلا أن نحافظ على النظام نفسه/ سلاسل المواجهات والتنكيل والمعاقبات، بحجة الوصول إلى (النيرفانا) ـ كالحلول التي اختارها عدد من النساك، والكهنة، والمتصوفة، بوصفها حلا ً مشروعا ً، وربما شرعيا ً، في مواجهة لعبة الفناء، والقهر غير المبرر، حتى وفق قواعده المعلنة، فالبحث عن (التام) و (الكامل) والذي لا يفنى، يرجعنا إلى لحظة الصدمة بأننا وجدنا كي نغيب. وهنا يغدو الخلاص الفردي، لهذه (الأنا) خيانة! وإلا كيف تجد من يأمر بالقتل، والذبح، بهدوء، من اجل الحصول على ركن للخلاص، في مكان ما، في المجهول، الذي يزعم انه واضح كوضوح الشمس! وهو يتسلى بضحاياه، بل يخترع آلاف الوسائل كي يحافظ على ديمومة هذه الفكاهة. فأنت تجد ما يسمى بالقادة أو الزعماء الكبار، تجدهم يأمرون بإبادة الملايين، ليس بحثا ً عن الموارد، والمكاسب، والمستقبل حسب، بل من اجل تعزيز قانون الفكاهة الخالص! وإلا كيف تصدق أن هناك ربا ً ما، لدي أي شعب من الشعوب، لا عمل لديه، سوى إنزال العقاب بمخلوقات هي اوهن من طيور في قفص، أو جرذان في مصيدة؟
ستقول: ها أنت تحفر في المجهول..؟
عندما أعيد النظر باختيارنا للكتابة، بمعزل عن الأصوات، وباقي الحواس، وما تخفيه، وتتستر عليه، وبمعزل عن محركاتها غير المرئية، أجدها ـ كما تابعت ولادتها في المدينة التي ولدت فيها، سومر ـ أجدها خالية من الغموض. فالقول بأولوية الكلمة كالقول بأولوية القناع.....، فيخّيل إلي ّ إن مهمة (البشر) تحددت، أو برمجت، وفق هذا النسق: الذي لا يزول يستدعي الفانين، والمحدودين، لمنحه الشرعية، شرعية الوجود، وليس العكس. لكن الكتابة ولدت مع الحساب، أي مع التراكم، ومع التطور، أي تطور القشرة العليا، أي الدماغ، لكن الغريب لا احد يريد أن يحصي عدد المهن، والحرف، والمكتشفات، التي اخترعها وابتكرها سكان سومر، لأنه ـ ببساطة ـ قد تمت إبادتهم، ومحوهم، مثلما تم استبعاد (الحقيقة) من اجل الحفاظ على أقنعتها. وجعل التصورات بديلا ً للذي نراه لا يدوم أكثر مسافة تلاشيه.
ستقول: ما الجديد...؟
أقول: إن استحالة أن أكون (أنا) كاستحالة أن امتلك (حرية) محارب اعزل في مواجهة تاريخ طويل مزدحم بأدوات التعذيب، وبفنون القسوة، والاستئصال، والاجتثاث، حد المحو. وقد سمحت لأحد شركائي ـ في الحديقة ـ أن يصرخ: أنا مشبوه، متهم، ما دمت على قيد الحياة. واذكر إنني كتبت، قبل عشرين سنة: الفنان مشبوه! فسألني زميل: ماذا تقصد...؟ قلت له: اسأل سارتر! والآن أبوح لك: الفنان زنديق، خارج عن الملة، جاحد، كافر...، ولا يستحق إلا أن يعامل معاملة من يتم رمي جثثهم إلى المزابل، أو تقطع رقابهم أمام ديمقراطيات العالم كافة! فالجديد ـ هنا ـ هو قناع ما قبل (القديم)، لأنني، ببساطة، أحاول التستر بنيرفانا أبدية، يمارسها النبات، وأنا، بفعل تجددها ابعد من مشروع تجدد السلع، وإعلاناتها...!
فاسمع صوتك الخفيض، المشبع بضباب يوم بارد من أيام البصرة، وليس من وارشو، ولا من المدن الأخرى التي سكنتها، مادام سكنك لم يغادر قبرك الأبدي، وأنت تجد ولادتك قد صارت مكملة لنقصها المتواصل، تهمس عبر المسافات:
ـ انه العقاب...
فاعترف، لك ولنفسي، علانية، ولمن يحفر في ظلمات هذه الكلمات: انه ليس العقاب ـ مستبعدا ً صخرة سيزيف بوصفها حدثا ً رمزيا ً، بعد ان تم استبعاد واقعيته ـ بل البحث عن هذا العدو/ الفيروس، وهو الداء إزاء هذا الذي لا يفنى، وهو الذي لا يبخل بمنحنا قدرات متجدد على اختراع الأقنعة، والتمويهات، والخداع. بوذا لم يوهم أحدا ً بأكثر من الاستقامة، مثل لاوتسي الذي قال: ضع خطوتك في الطريق السليم! بعيدا ًعن اللا متناهي، وتلميذه غاندي، امسك بالدرب: العصيان السلمي. بدءا ً بالملح، دفاعا ً عن حقوق: الجميع. فاكتشف إنني أكافح للامساك بقليل من موتي....، لكن اللامعقول ـ وهو الاصلب في نظام عصر الدعاية، أي عصر الأقنعة، والغش ـ لا يسمح لي بأكثر من دفاع اختيار الموت، وهو ـ كما قال ادلر ـ الذي اكتسب ايجابيته بما يمتلكه من السلب. انه شبيه بمثال: إن مضار (الخمر) أكثر من منافعه، وهو الذي يسمح للبشر بارتكاب أخس، أفظع، أنذل، أوسخ الجرائم مادام اليأس من رحمة الرحمن ليس إلا خيانة، بل كفرا ً.
ستقول: هو ذا فائض اللا معقول...
وخطر ببالي مثال آخر حيث كنت أتحدث مع زميل لي عبر ألنت عما يفجع الصخور، في بلداننا، وفي عالمنا، فطلب مني، ببساطة، أن اقرأ قبل النوم، دعاء الشجرة، وأواصل قراءة دعاء الصخور، وعند الفجر، أعيد قراءة دعاء العدم! فقلت له: منذ زمن بعيد لم اعد مدمنا ً، لا على المخدرات، ولا على العقاقير المهلوسة، ولا على الأفيون، ولا على الحلم بالحصول على حديقة في الأعالي. وطلبت منه أن يراجع هذه الإشكالية، في الفكر السومري، عندما سأل الفقير الغني: لماذا لم تستجب الإله لي، وأنا أؤدي لها الفرائض، والطاعة، والقرابين، وأنا أراها تفرط في ثروات الظالمين، وقسوة الحاكمين. فقال له: الإله أعلى من أن تكون عالية كي تستجيب لك! ثم انك لم تخلق إلا من الوحل، واليه تعود! وها أنا قرأت دعاء: الغبار، فانا جئت من المجهول، وسأكمل ـ بموتي ـ دورته.
وسأقول: أحسنت...! فانا قاومت أن أكون الشر ـ رغم أنني خلقت لنقله ـ وقاومت الظلمات، رغم إنها ـ بحسب الفيزياء ـ لا تترك أشعة من غير سواد/ وعتمة، وإنني قاومت الكسب الحرام، رغم إنني لا امتلك قدرة الفرار مادامت المنافي، شبيهة بنظام حديقتي، تكونها أقفاصها، ونظامها الهرمي قبل ذلك. هل اذكر لك لماذا أغلقت الباب وحرمت على نفسي مغادرة قبري، سأقول، ببساطة، إن صاحب الجريدة التي كنت اعمل فيها، عاملني ككلب، فلم يدفع أجور عملي، لأشهر، فأخبرته برسالة: لست كلبا ً. كما إن ما تدفعه الصحف، لا يساوي ثمن الورق، والحبر، رغم إن بعضها تعد من المؤسسات الكبرى. وآخر خمس مقالات نشرت لي في مجلة تابعة لوزارة الثقافة، لم تصرف مكافآتها، بسبب التقشف، أو إفلاس الوزارة، وهو الإفلاس المقابل لتبديد مبلغ مقداره ألف ألف مليار أنفقت خلال الأعوام المنصرمة.
وها أنا أراك تفكر بالإصغاء إلى ما لم أبح به...، فأقول:
ـ تخيّل إن مقنعا ً يتهمني بأنني كنت مكلفا ً بمراقبته...، غير مدرك إنني كنت أعمى امشي خلف أعمى.....، وحتى هذا الأعمى، عندما بحثت عنه، لم أجده.
والآن أراك تهز رأسك، من غير صوت، فأسمعك تقول لي: الكل في المصيدة!
فلا أجد ردا ً إلا بالبحث عن منفذ كي أعود إلى (حديقتي)، فهناك، أروض الحقائق، كي انتزع الأقنعة، الواحد بعد الآخر، من قناع النمر إلى قناع الثعلب، ومن قناع الغزال إلى قناع الخنزير، ومن قناع الغراب إلى قناع البلبل.....الخ، كي اكتشف أخيرا ً إن المثل السومري ـ الذي طالما كان يتردد داخل رأسي ـ: ما من امرأة ولدت ابنا ً بريئا ً قط! يسمح للمصيبة/ الخطيئة/ الكارثة/ أن تصبح قناعا ً جمعيا ً. وبمعنى ما، من اجل الدقة، فها أنت تراني أتشبث بظل قناع يسمح لي بالدفاع عن نفسي، أو عن ما تبقى منها. فاشعر تماما ً إنني أصبحت كيانا ً لا مرئيا ً، ولكنني مازالت مبرمجا ً بالوهم كي لا انشغل بصناعة (سلعة) ما، للأسف، مضى زمنها...، لأنني أصبحت ـ كما في تجربتي وأنا أتحول إلى نبات والى ذرات والى أثير ـ ورقة تتدلى...: ورقة لا تمتلك مصيرها كي تأخذ دورها في سلم الارتقاء: من كيان لا يراه احد...، إلى الحضارات العمياء. وكل هذا يحصل كي تمتد ديمومة هذا (الزائل) ـ المنحدر من الأصل ـ بمساعدة برمجة تجعل الزائل يغوينا بإقامة أفظع المذابح للأطفال والنساء دفاعا ً عن الذي لا تدركه عقولنا الواهنة، العاطلة والمعطلة عن العمل، وإبصارنا الكليلة، بحجة انه خاطب صانعي المجازر، عبر التاريخ، ووعدهم بالأبدية الخالية من الشوائب!
فاضطر أخيرا ً لاستحضار دقتك في الملاحظة، كي تراني هربت من قفصي، لكن للانتساب، في هذه المرة، إلى مملكة النبات، لعلي، بعد قرون، لا اخدع بالعواء، ولا بالكلمات، وتصبح جريمتي محصنة، لا تمسها يد الإثم، وخارج نطاق الشبهات، فلا شطط غواية، تجرجرنا إلى السيرك، ولا شفافية مزيفة تقذفنا ابعد من قاع الحضيض.

عادل كامل

1/6/2015


*

1 ـ ومعنى نرفاناـ بحسب الموسوعة هو: مفهوم النيرفانا في البوذية الجاينية هي حالة الخلو من المعاناة.تعتبر الـ (نيرفانا) هي حالة الانطفاء الكامل التي يصل إليها الإنسان بعد فترة طويلة من التأمل العميق، فلا يشعر بالمؤثرات الخارجية المحيطة به على الإطلاق، أي أنه يصبح منفصلا تماما بذهنه وجسده عن العالم الخارجي، والهدف من ذلك هو شحن طاقات الروح من أجل تحقيق النشوة والسعادة القصوى والقناعة وقتل الشهوات، ليبتعد الإنسان بهذه الحالة عن كل المشاعر السلبية من الاكتئاب والحزن والقلق وغيرها. ويصل الكهنة البوذيون والفقراء الهنود إلى حالة الـ (نيرفانا) بعد فترات طويلة جدا من التأمل العميق، إلا أن الأمر وبطبيعة الحال صعب جدا على عامة الناس، وكل ما ذكرناه واقعي تماما على الرغم مما يبدو عليه الأمر من مجرد فكرة فلسفية. وبقي أن نذكر أن أصل كلمة (نيرفانا) من لغة الهند الأدبية القديمة ويطلق عليها اسم (اللغة السنسكريتية).
2 ـ البابليون هم أول من تحدث عن العدم، وعندما أحرجوا بتعريف الوجود، قالوا انه العدم الممتد. لكن هذا لا يخلو من تأثير المفهوم السومري للدورات، بدءا ً بدورة الذرة، وانتهاء ً بدورة الكون. وهو الذي سمح للدهرين والمرجأة والملحدين بخلافات كبرى مع وعاظ السلاطين، بل ومع الأديان نفسها.


كتب-دار الغاوون تُصدر ديوانين لأميرة أبو الحسن ودنيا ميخائيل



كتب
دار الغاوون تُصدر ديوانين لأميرة أبو الحسن ودنيا ميخائيل



  صدر لدى "دار الغاوون" في بيروت ديوانان جديدان للشاعرتَين: السورية أميرة أبو الحسن، والعراقية دنيا ميخائيل.
رجل أضاع النوم في سريري
الديوان الجديد للشاعر السورية أميرة أبو الحسن يحمل عنوان "رجل أضاع النوم في سريري".
وهذا الديوان، وهو الرابع للشاعرة، تتابع فيه أبو الحسن صقل جملتها الشعرية، وإذكاء الطابع الأنثوي الخاص في قصيدتها، باحتراف وحساسية كبيرَين. من أجواء الديوان:
تعبتُ
وأنا أدلُّ الرجال إلى بيتي
ما من واحد منهم
عرف الطريق بقلبه!
لشدَّة ضيق المكان
مشيت خلفكَ
خطوتي... تشبه صوتي
توشكُ هي أيضاً
على الاختناق
كلَّما عدتُ
وجدتُ طيفكَ
لا أنا تعبت من العودة
ولا هو
ملَّ من الانتظار
جدير بالذكر أن أميرة أبو الحسن من مواليد السويداء جنوبيّ سوريا العام 1959. صدر لها في الشعر: «بين سهو ونسيان» (2005)، «حالات» (2006)، «احتفاء بشيء ما» (2008)... إضافة إلى ديوان مشترَك مع الشاعرة البحرينية إيمان أسيري بعنوان «بين بحر وبحر» (2008).

الحرب تعمل بجد






هذا الديوان الذي سبق له أن صدر عام 2001، يعود في طبعة ثانية أنيقة تضمّ مختارات من جميع دواوين الشاعرة دنيا ميخائيل. واختيار هذا الديوان تحديداً لإعادة إصداره ينبع من مركزيته في مسيرة ميخائيل، إضافة إلى النجاح اللافت الذي حقّقته طبعته الإنكليزية لدى دار "نيو دايركشينز" الأميركية الشهيرة. وعنه كتب الناقد الأميركي لورنس ليبرمان: "الديوان الشغل الشعري لدى دنيا ميخائيل يرتقي بالعاطفة عبر أسلوب من شفافية أخَّاذة وصور استبصارية مرهفة تمسُّ قلب القارئ الذي لا يُخطىء بَصمَتها الخاصة ونبرتها المتألقة التي تندلق من اللغة الأصلية".
من أجواء الديوان نقرأ:
توقَّف الزمن عند الساعة الثانية عشرة
واحتارَ الساعاتي
- لا خلل في الساعة -
كلُّ ما في الأمر
أن العقربَين طال عناقهما
ونسيا العالم.
هناك من يدقُّ الباب
يا لحزني
إنها السنة الجديدة وليس أنت.
والجدير بالذكر أن دنيا ميخائيل مواليد بغداد العام 1965. صدر لها في الشعر دواوين عديدة منها: "مزامير الغياب" (دار الأديب البغدادية، 1993)، "يوميات موجة خارج البحر" (دار الشؤون الثقافية، 1995 - دار عشتار، 2000)، "على وشك الموسيقى" (دار نقوش عربية، 1997).


إصدارات جديدة-صدور كتاب "بقلم جمال عبدالناصر"


إصدارات جديدة
صدور كتاب "بقلم جمال عبدالناصر"


  صدر للدكتور خالد عزب مدير إدارة الإعلام بمكتبة الإسكندرية، والباحثة صفاء خليفة، كتاب تحت عنوان "بقلم جمال عبد الناصر"، عن دار عن أطلس، وينقسم الإصدار إلى قسمين رئيسيين، القسم الأول تأمل في فكر وشخصية جمال عبد الناصر، والقسم الثانى عبارة عن مؤلفات جمال عبد الناصر كاملة وهي علي التوالي رواية في سبيل الحرية، فلسفة الثورة، يوميات حرب فلسطين 1948.
بعد مرور أربعون عامًا علي وفاة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر وجدنا أنه من الضروري إلقاء الضوء علي أحد وأهم جوانب الشخصية الكاريزمية لجمال عبد الناصر، ألا وهو الجانب الثقافي والفكري، وقد تجلي هذا الجانب من الشخصية في سلوك جمال عبد الناصر الإنسان والزعيم ورجل الدولة.
عرف "جمال عبد الناصر" دائمًا بأنه "أفضل قاريء"، فكان شغوفًا بالمطالعة، ودارسًا متميزًا لديه قدرة خارقة علي القراءة، وكذلك القدرة علي الاستيعاب والتذكر بنفس المستوي، وذلك في المراحل المختلفة من حياته منذ طفولته، ومرورًا بمرحلة الدراسة الثانوية، والدراسة في الكلية الحربية، وكلية أركان الحرب وانتهاء بمرحلة ما بعد ثورة يوليو، وشكلت قراءات عبد الناصر في بداية حياته النواة التي تمحورت حولها أفكاره ورؤاه. فكانت رغبة جمال عبد الناصر شديدة في أن يعرف بنفسه كل شيء. ويمكننا تتبع ذلك في قراءاته واهتماماته الفكرية خلال أهم فترات حياته، وكذلك في الشخصيات التي أعجب بها وكان لها كبير الأثر في تفكيره في ظل الظروف الدولية والعربية من حوله، والتيارات السياسية والإيديولوجية التي عايشها بداية من أواخر الثلاثينات وطوال فترة الأربعينيات، وكذلك في مرحلة ما بعد قيام ثورة يوليو. ولم يكتف جمال عبد الناصر بالقراءة والإطلاع ولكن كان لفكره وثقافته أبعاد أخري كان أهمها الكتابة.
 تحدثنا سطور هذا الكتاب عن أولي كتابات الطالب جمال عبد الناصر، فقد نشرت له مجلة مدرسة النهضة الثانوية أول كتاباته - مقالة بعنوان "فولتير، رجل الحرية"، وهو في سن السادسة عشرة من عمره. وفي عام 1934 بدأ الطالب جمال عبد الناصر حسين وهو في السادسة عشرة من عمره في تأليف رواية "في سبيل الحرية"، التي تتصدر صفحتها الأولى صورة "عبد الناصر"، وتتناول في مضمونها المعركة الخالدة التي خاضها أهل رشيد بمصر عام 1807، عندما تصدُّوا للحملة الإنجليزية بقيادة فريزر، وألحقوا بها هزيمة منكرة ثم مقدمات الحملة الفرنسية وبعدها الاحتلال البريطاني. لكنه لم ينته منها، بل كتب ستة فصول استكملها بعد الثورة قاص يدعي "عبد الرحيم عجاج"، وقام بنشرها في الخمسينيات.
ثم نجد موهبة جمال التمثيلية عندما قام بدور "يوليوس قيصر" في مسرحية شكسبير ضمن برنامج الحفلة التمثيلية السنوية لمدرسة النهضة 1935 بعد قراءته عن الشخصية وإعجابه الشديد بها. ثم تتطرق الدراسة إلي أي مدي تأثر جمال عبد الناصر بالأحداث في مصر وعلي صعيد العالم العربي والتي دفعته نحو كتابة بعض الخطابات إلي أصدقائه يستنكر فيها تلك الأحداث والتي كان أهمها إلغاء دستور 1923 واستصدار إسماعيل صدقي باشا لدستور 1930، فنجد اسم "جمال" من ضمن أسماء الجرحي في مظاهرات نوفمبر 1935. كما كان يراسل أصدقائه يحثهم علي المطالبة بعودة دستور 1923، وإلغاء دستور عام 1930، ونجد ذلك واضحًا في (خطاب عبد الناصر لحسن النشار عن الحركة الوطنية بين الطلبة لعودة الدستور).
ثم تأتي أحداث 4 فبراير 1942 ويعد هذا الحدث نقطة تحول في تاريخ حركة الثورة المصرية، كما أولد استياء بالغًا لدي الشعب والجيش معًا. وغضب ضباط الجيش من الأحداث وشعروا بالإذلال الذي واجهه الملك واعتبروه اعتداء علي الشرعية والسيادة المصرية وانتهاكًا للكرامة وأن الطريقة التي سلم بها الإنذار اغتصابًا لاستقلال البلاد وسيادتها. واعتبرت كتائب الجيش بالذات أن ما حدث هو أسوأ إهانة وجهت إلي بلدها ونجد مثلاً (خطاب عبد الناصر لحسن النشار يبرز فيه موقفه من أحداث 4 فبراير 1942).
عقب ثورة يوليو صدر كتاب "فلسفة الثورة" عام 1953 الذي يعد أول وثيقة تصدر عن ثورة يوليو ومفاهيمها عام 1953 بعد نحو سنة من قيام الثورة في يوليو 1952، وهو كتاب يحملأفكار الرئيس جمال عبد الناصر، قام بتحريرها وصياغتها الأستاذ محمد حسنين هيكل.
كما كان لحرب فلسطين كبير الأثر علي فكر جمال عبد الناصر وقلمه أيضًا، بالإضافة إلي سلسلة من المقالات نشرتها مجلة آخر ساعة، عام 1955، تحت عنوان "يوميات الرئيس جمال عبد الناصر وحرب فلسطين". فقد كانت لدى جمال عبد الناصر نزعة قوية للتدوين، وقد سجل بخط يده، حيث كتب جمال عبد الناصر يومياته عن حرب فلسطين تحت قصف المدافع مرتين في اليوم الواحد، يبدأ بالكتابة على الأوراق الرسمية التي يعتمد عليها في كتابة تقاريره لقياداته، فهذه هي ذاكرة الكتيبة السادسة، قبل أن يسجل يومياته الشخصية، والتي تتضمن مشاعره ومكنونات نفسه على ذات الأحداث، وتمثل اليوميات -الشخصية والرسمية معًا- نصًا طويلاً ومتصلاً، وكتب - في الحالتين- بذات الطريقة، المكان واليوم والساعة، وعبارات موجزة تلخص ما حدث، مسجلاً مشاعره في بعض الحالات على الوقائع والأحداث.


إصدارات جديدة-أسـرار


إصدارات جديدة


أسـرار
 
عن مؤسسة شمس للنشر والإعلام بالقاهرة، صدر للأديبة والكاتبة الصحفية
" سحر الرملاوي" مجموعتها القصصية « أسـرار ».
تقع المجموعة في 108 صفحة من القطع المتوسط، وتضم أربع عشرة قصة قصيرة.
لوحة الغلاف من أعمال الفنان إيمان المالكي، تصميم الغلاف: إسلام الشماع.
تفتتح " سحر الرملاوي" مجموعتها القصصية بقولها:
( الأسرار نوعان ..
  نوعٌ تخاف أن يطَّلع عليه الآخرون
  ونوعٌ تخاف أن تواجههُ
  إنه هناك؛ في أعماقك
  ممنوع الاعتراف به ! )
وعبر 14 قصة قصيرة - لا تستغرب إن وجدت جزءًا منك مختبئًا داخل إحداها - تطوف بنا الكاتبة في بحور الأسرار المخفية وتسلط الضوء نحو كل خطأ بشري.. تتلمس مواضع الجروح المخفية في النفس البشرية، وتحاول أن تسبر أغوارها وتفسر تصرفاتها وفق الأسرار التي تخفيها.
تقول " سحر الرملاوي": إن الأسرار ليست فقط تلك التي نخفيها عن خجل أو شعور بالذنب، أحيانًا يكون السر شعورًا طاغيًا يتحكم في تصرفاتنا، أو جرحًا قديمًا ينعكس على مستقبلنا ، أوإيمانًا مغلفًا بالشك يلون دوافعنا..
السر أروع المداخل نحو الحقيقة ، وإذا أردت أن تعرف إنسانًا؛ فاعرف سره..
إنه وجعه الخاص ،
محركه ،
موطئ قدمه ،
ومنبع أفكاره.
سحر الرملاوي تهدي مجموعتها إلى:
( إليكم..
  يا من تؤرقكم أسراركم..
  وتحلق بكم أحلامكم..
  ويعجز الواقع عن إرضائكم..
  أنتم بالتأكيد..
  لستم وحدكم ! ).
من قصص المجموعة :
وقت للحلم / جثة عصفور أحمر / حكاية قلب / سؤال و سؤال / امرأة محترمة / اعتقال
نهاية مفتوحة / الملكة / ورقة بيضاء لولا / احتواء / خطوط الحلم / كيف تزوج ابني / عـواء


كلمات لها مذاق الجمر-كلما فكرت أن أعتزل السلطة - نزار قبانى



كلمات لها مذاق الجمر

كلما فكرت أن أعتزل السلطة


   نزار قبانى


كلما فكرت أن أعتزل السلطة..إ
ينهاني ضميري..................إ
من ترى يحكم بعدي هؤلاء الطيبين ؟
من سيشفي بعدي الأعرج..إ
والأبرص.....إ
والأعمى......إ
ومن يحيي عظام الميتين ؟
من ترى يخرج من معطفه ضوء القمر ؟
من ترى يرسل للناس المطر ؟
من ترى يجلدهم تسعين جلدة ؟
من ترى يصلبهم فوق الشجر ؟
من ترى يرغمهم أن يعيشوا كالبقر ؟
ويموتوا كالبقر ؟......................إ
كلما فكرت أن أتركهم.....إ
فاضت دموعي كغمــــامة ...إ
وتوكلت على الله ...إ
وقررت أن أركب الشعب....إ
من الآن إلى يوم القيامة...