الجمعة، 22 مايو 2015

مسرح مع عملاق المسرح العراقي سامي عبد الحميد-د. وريا عمر أمين




مسرح
مع عملاق المسرح العراقي سامي عبد الحميد

د. وريا عمر أمين

الفنان الكبير الممثل والمخرج و الباحث الاكاديمي المبدع و  صاحب الرؤية الخصبة  البروفيسور سامي عبد الحميد   احد رواد و عمالقة و اعمدة المسرح العراقي.  من مواليد مدينة السماوة عام 1928.
بدأ اهتمامه بالتمثيل وهو في مرحلة مبكرة من حياته عندما كان طالبا في ثانوية الديوانية، حيث شارك في تمثيل مسرحيتي: البخيل، وفي سبيل التاج.
 انتقل   الى بغداد و التحق بكلية الحقوق.
عام 1950 وبعد ان أنهى دراسته في كلية الحقوق التحق بمعهد الفنون الجميلة،
التقى في بغداد الفنان يوسف العاني، الذي كان يترأس حينذاك فرقة (جبر الخواطر) المسرحية، وقدم مع  زميل له مسرحية  "تاجر البندقية" أخراج الفنان الراحل ابراهيم جلال الذي اكتشف المواهب الفنية لسامي عبدالحميد وشجعه على دراسة التمثيل.
 عام 1952 ولدت لدى الثلاثي ابراهيم جلال، ويوسف العاني، وسامي عبد الحميد فكرة تأسيس فرقة المسرح الحديث، أيمانا منهم بأن المسرح وسيلة لنشر الثقافة، واداة للتوعية أكثر منه وسيله للترفيه والتسلية.
سافر الى انكلترا  وحصل على شهادة الدبلوم من الأكاديمية الملكية لفنون الدراما في لندن.
ثم حصل على شهادة الماجستير في العلوم المسرحية من جامعة اورغون الولايات المتحدة.
  قدم عبر مسيرته الفنية الطويلة  أعمالا مسرحية متميزة، فضلا عن عشرات الأعمال السينمائية والإذاعية والتلفزيونية.
 من اشهر ما أخرجه من مسرحيات: ثورة الزنج، وملحمة كلكامش، وبيت برناردا، والبا، وانتيغوني، والمفتاح، وفي انتظار غودو، وعطيل في المطبخ، وهاملت عربيا، والزنوج، والقرد الكثيف الشعر.
كتب عشرات البحوث أهمها: الملامح العربية في مسرح شكسبير، والسبيل لإيجاد مسرح عربي متميز، والعربية الفصحى والعرض المسرحي، وصدى الاتجاهات المعاصرة في المسرح العربي.
الف عدة كتب تخص الفن المسرحي منها: فن الإلقاء، وفن التمثيل، وفن الإخراج،
 ترجم عدة كتب تخص الفن المسرحي منها: العناصر الأساسية لإخراج المسرحية لالكسندر داين. وتصميم الحركة لاوكسنفورد. والمكان الخالي لبروك.
شارك في العديد من المؤتمرات والندوات العربية والعالمية التي تخص المسرح.  كما شارك في مهرجانات مسرحية ممثلا ومخرجا أو ضيفا منها: مهرجان قرطاج، ومهرجان المسرح الأردني، ومهرجان ربيع المسرح في المغرب، ومهرجان كونفرسانو في ايطاليا، ومهرجان جامعات الخليج العربي، وأيام الشارقة المسرحية.
رئيس اتحاد المسرحيين العربوعضو لجنة المسرح العراقي وعضو المركز العراقي للمسرح ونقيب سابق للفنانين العراقيين.
 وهو الان أستاذ متمرس في العلوم المسرحية بكلية الفنون الجميلة جامعة بغداد.
نتاجاته
1 -  افلامه
فيلم (من المسؤول؟ - 1956) إخراج : عبد الجبار ولي .
فيلم (نبوخذ نصر 1962) إخراج : كامل العزاوي. (أول فيلم عراقي ملون) .
فيلم (المنعطف 1975) إخراج : جعفر علي.
فيلم (الأسوار 1979) إخراج : محمد شكري جميل.
فيلم (المسألة الكبرى)  1982 إخراج : محمد شكري جميل.
فيلم (الفارس والجبل 1987) إخراج : محمد شكري جميل.
فيلم (كرنتينا) للمخرج : عدي رشيد.
2 - مسرحياته
مسرحية (النخلة والجيران) للمخرج المسرحي الراحل : قاسم محمد.
مسرحية (بغداد الازل بين الجد والهزل) للمخرج المسرحي الراحل : قاسم محمد.
.مسرحية (الإنسان الطيب) للمخرج المسرحي الراحل : عوني كرومي.
مسرحية (انسو هيروسترات) لمؤلفها العالمي : غريغوري غورين - إخراج : فاضل خليل.
مسرحية (قمر من دم) إخراج : فاضل خليل
مسرحية (غربة): اخراج كريم خنجر

الثلاثاء، 19 مايو 2015

مجلة الأدب العربي المعاصر : متاهة ألتماسيح (قصة سُريالية)

مجلة الأدب العربي المعاصر : متاهة ألتماسيح (قصة سُريالية): د غالب المسعودي ا لمتاهة ألأرض التي يتوه فيها السالك ولايكاد يعرف فيها طريقاً , ويراد بها في ألأساطير مبنى التّيه ذو الممرات ال...

لم أفق مني-نجاح زهران




لم أفق مني
نحو سطوة اللهب أستدير لعروج النور من شقوق الفعل
كل بحر مسجور بتمجيد التسبيح على فضة الملائكة
فقد علمتني الأرض أن السماء طوافة على السطر الخامس من الكون
ولم أزل أفتح سريرتي للرد على إغواء مستطرد قد توقف بي
من بصيرة الجنة ...
لكن بلا طائل
*
ما تبقى من لمعان الغفران يؤذي صورتي
مفتونة بشفة الإرتواء لعبور رياض التسمية
ربما ذلك السفر بين العطش السريع
يرحل بي نحو حدود النارنج
وأفواه تركت مقاسات التوحد لأصابع التزكية
*
يبعثرني المباح
سهوة تلق بخميرتي من جذب التفسيرات النبيلة
لحنين لم تستيقظ عيوني عليه و ما تبقى من حُمرة التفاحة الآثمة
*
صورة حريق إدعى إهتمامه بأسعار الصلاة
أسئلة تضمر رأسمالة إنساني
ومصيدة آفلة بالثواب
تحسب الربح في مخزوني
لكنك لم تأت سوى من غفلة جوعي
بإحتمالات ظنك من اليقين
لترتفع خيّل نيتك بحصاري
وأنا بهوامش الطمع من حاجتك
لخيباتٍ طالت إستيفاء أنفاسي في سبيل رغباتك
*
لم أفق مني
أنا لعبة الأسواق
أتيت من مكر التعرية لروحك المتصحرة
من نفحة شجر تأوي مطري
من ثمرة نكزت مصوة الرطب على فيض الإنتاج
تمد شطاطها لسحابة دنت من الأرض
ليس لي فيها بوصلة حب
وقد بلغ الإحتواء سماعة الذِّكر
لم أعهد بهم رئة تُثبت الله بين دروبهم
لا إيثار يغتسل بمدام السماء
تسحب شروع عنترة ببأس الندِّ
عن صدود الجنةِ
نجاح زهران

الاسطورة والحياة-اعمال عادل كامل





موسيقى كلاسيكية في الأراضي الفلسطينية: - عبدالكريم سمارة ـ رام الله مراجعة:عبده جميل المخلافي





موسيقى كلاسيكية في الأراضي الفلسطينية:
موسيقى موتسارت تصدح في سماء رام الله


عبدالكريم سمارة ـ رام الله
مراجعة:عبده جميل المخلافي


على مدى ساعات حلَّق جمهور الضفة الغربية في سماء الموسيقى الكلاسيكية التي عزفتها أنامل طلبة معهد برنباوم سعيد مع وتحت إشراف فرقة بوليفونيا برلين وبدعم من الخارجية الألمانية. عبدالكريم سمارة حضر الحفل الموسيقي وأعد هذا التقرير.


"الرسالة التي يحملها المشروع هو خلق التواصل الثقافي والفني بين ألمانيا والفلسطينيين" استمتع مئات الفلسطينيين وعلى مدار ساعتين ونصف بالاستماع إلى مقطوعات موسيقية كلاسيكية من عزف فرقة بوليفونيا برلين وبمشاركة من طلبة معهد برنباوم سعيد لتعليم الموسيقي. فقد غصت مقاعد قاعة العرض في مسرح وسينما تيك القصبة في الضفة الغربية بالمشاهدين من مختلف الأعمار والقطاعات، ممن أتوا لحضور الحفل، والاستماع إلى نتاج ورشات عمل امتدت ثلاثة أيام، درب فيها موسيقيون ألمان تسعة عشر طالبا وطالبة من أعمار ثمانية إلى سبعة عشر عاما، على عزف المقطوعات الكلاسيكية لكبار الموسيقيين الأوروبيين وخاصة موتسارت وهايدن وباخ.

كان الطفل الصغير سري باسم، يجلس في الصف الخامس، من مقاعد قاعة العرض في مسرح القصبة، عندما صعد الموسيقيون الألمان من فرق بوليفونيا برلين، على المنصة، فانتصب قائما وبدأ التصفيق وتبعه سائر الحضور في تحية العازفين. أخذت الموسيقى تتخلل الآذان والأذهان والقلوب، في عزف مقطوعة خماسية كلارينت.. وعلى مدار نصف ساعة ران الصمت على الحاضرين، باستثناء التصفيق في الوقفات بين مقطوعة وأخرى. حتى الأطفال الذين رافقوا أهاليهم إلى هذا الحفل، تفاعلوا بصورة لافتة. وتوالت فقرات الحفل، بعزف مشترك هذه المرة بين موسيقيين ألمان وطلبة معهد برنبناوم سعيد ، فقدمت عدة فقرات حيث عزف المحترفون الألمان مع الطلبة الفلسطينيين، في تناغم، لفت الأنظار.

دعم ورعاية ألمانيين 

"لقد فوجئت بمواهب هؤلاء الأطفال الذين تعلموا بسرعة وسلاسة وقدموا ، كما رأيتم، عزفا لمقطوعات ألفها موسيقيون عالميون كموتسارت وباخ وهايدن"

هذه الفعالية كانت حصيلة ورشات عمل، برعاية مؤسسة دويتشه فيله الإعلامية الألمانية بالتعاون مع وزارة الخارجية الألمانية بهدف خلق التواصل الثقافي بين ألمانيا وأوروبا من جهة والفلسطينيين والعرب من جهة أخرى. في هذا السياق يقول غيرو شيلس، مسؤول برامج التعاون في دويشه فيله ومنسق المشروع الذي ينفذ في الضفة الغربية، لـ دويتشه فيله: " الرسالة التي يحملها المشروع هو خلق التواصل الثقافي والفني بين ألمانيا والفلسطينيين، فالموسيقى خاصة والثقافة عامة، تربطان بين الشعوب وتوحد الأذواق. " ويضيف أن الفلسطينيين يستحقون هذا الدعم الفني والثقافي والإنساني. وفي اعتقاده أن هذه الرسالة قد وصلت حيث لوحظ التفاعل الجيد مع الإبداعات الموسيقية والفنية. وأشاد شيلس بالمجهود الذي قدمه المعهد الفلسطيني، برنباوم سعيد، ووفر المناخ لتعليم الأطفال والشباب، الموسيقي الكلاسيكية.

من ناحيته يقول نبيل الأشقر، مدير معهد برنباوم سعيد، لدويتشه فيله:"نوفر للطلبة التعلم على كافة الآلات الموسيقية، ولدينا مدرسين عربا وأجانب يقدمون جهدا كبيرا، وقد ظهرت نتائج ذلك عبر ورشات العمل والتدريبات التي تلقوها في اليومين السابقين للعرض، حيث استوعبوا تنفيذ عزف المقطوعات المطلوبة وأتقنوها كما ترون." ويتابع أن الموسيقى بصرف النظر عن نوعها وطبيعتها فهي لا تنحصر في منطقة معينة، بل إنها قابلة للانتقال من منطقة إلى أخرى، وهذا ما نجح هنا أيضا.

الموسيقى لغة التواصل بين القلوب والعقول

"الجمهور الفلسطيني بدأ يعتاد تذوق الموسيقى الكلاسيكية" 

العازفة الألمانية الشابة، فراوكه جيسون، دربت عددا من الأطفال على آلة الفلوت، تحدثت لـ دوييتشه فيله عن تجربتها، فقالت: " لفتني أن الفلسطينيين شعب ودود، وأنا أقابل هذا الود بان أقدم لهم كل ما لدي من موهبة موسيقية. أؤمن أن الموسيقي هي لغة تواصل فيها مع الناس الذين لا اعرفهم، ولا اعرف لغتهم، فهي تنتقل من القلب إلى القلب، دون حواجز.". لقد فوجئت بمواهب هؤلاء الأطفال الذين تعلموا بسرعة وسلاسة وقدموا ، كما رأيتم، عزفا لمقطوعات ألفها موسيقيون عالميون كمتسارت وباخ وهايدن.

الطالبة الهام أبو ريا التي تعزف على التشيلو، ترى أن الموسيقي الكلاسيكية الغربية قادرة على الانتشار في الشرق، وتابعت:" لقد تمكنا من العزف على الآلات الغربية وإتقان عزف المقطوعات المختلفة، وفي رأيي فان الذوق وان خلق مع الإنسان فهو قابل لهضم أنواع الموسيقى المختلفة." وحول المشاكل التي واجهتهم كطلبة في ورشات العمل، تقول :" لم نواجه مشاكل، بل اعتبرنا الأمر تحديا لنا كطلبة موسيقى، وقد خضنا هذا التحدي بنجاح كبير وهو ما رفع ثقتنا بأنفسنا وبمستقبلنا، حيث أتيحت لنا الفرصة في العزف مع موسيقيين عالميين من الدرجة الأولى.. "

تنامي الاهتمام بالموسيقى الكلاسيكية الغربية


يقول نبيل الأشقر، مدير معهد برنباوم سعيد: نوفر للطلبة التعلم على كافة الآلات الموسيقية، ولدينا مدرسين عربا وأجانب يقدمون جهدا كبيرا. خلال السنوات الأخيرة، قدمت فرق وعازفون عالميون، عروضا موسيقية كلاسيكية، في الأراضي الفلسطينية، وشهدت العروض وخاصة في قصر الثقافة ومدرسة الفرندز في رام الله، حضورا يرتفع باستمرار، ما يدلل على أن الجمهور الفلسطيني بدأ يعتاد تذوق هذا النوع من الموسيقى. يقول سمير الحسن ابن الخامسة والخمسين: " لقد شاهدت عدة عروض لفرق عالمية عزفت هنا، لكن الفرق أن ترى طلبة بل وأطفالا فلسطينيين، يشاركون عازفين عالميين في تقديم مقطوعات لعمالقة الموسيقي الكلاسيكية. وفي رأيي، فان تنامي الانجذاب إلى هذا النوع من الموسيقى، يحتاج إلى وقت أطول وزيادة عدد العروض". وأشاد الحسن بالدعم الألماني في هذا الجانب.




ثقافة التمرد- أجرت الحوار: أميرة محمد مراجعة: عماد مبارك غانم



ثقافة التمرد

أحمد عكاشة، أستاذ الطب النفسي ورئيس اتحاد الأطباء النفسيين العرب:
"فقدان المواطن لكرامته دافع للانتحار على خطى البوعزيزي"

أجرت الحوار: أميرة محمد
مراجعة: عماد مبارك غانم

عشر محاولات انتحار على خطى البوعزيزي، ومازال الحكام يقبضون أنفاسهم خوفاً من المزيد. هي موجة يُخشى أن تتحول إلى ظاهرة جماعية في ظل حالة من الهياج تنتاب الشارع العربي جراء ضغوط عديدة، فما هو رأي الطب النفسي؟ أحمد عكاشة، أستاذ الطب النفسي ورئيس اتحاد الأطباء النفسيين العرب، يتحدث في حوار مع أميرة محمد حول هذه القضية.



البوعزيزي.. يائس حوله طغيان الحكام إلى قدوة تحول الانتحار حرقاً إلى حديث الساعة في الشارع العربي مع إقدام المزيد من العاطلين واليائسين كل يوم في البلدان العربية على محاولة جديدة للتخلص من حياتهم، احتجاجاً على غياب العدالة الاجتماعية ونقص فرص العمل والعيش الكريم. ومنذ نجاح ثورة الياسمين، تصدر محمد البوعزيزي، مفجر انتفاضة التحرير التونسية، اهتمام الشباب العربي، فهل اتخذوا منه قدوة؟ وباتت طريقته في الاحتجاج وسيلة للتعبير عن رفض غياب العدالة الاجتماعية. توجهت دويتشه فيله بهذه الأسئلة وغيرها للدكتور أحمد عكاشة، أستاذ الطب النفسي ورئيس اتحاد الأطباء النفسيين العرب، للإجابة عنها.

موجة الانتحار التي تجتاح الشارع العربي هذه الأيام تعبر بطبيعة الحال عن يأس المواطنين وشعورهم بالكبت والعجز، وما إلى ذلك.. ولكن علمياً، هل لهذا الأمر علاقة بـ"أحلام الاستشهاد" للشهرة التي تعد نوعاً من أحلام اليقظة؟

أحمد عكاشة: لا أعتقد أن لها علاقة بأحلام الاستشهاد ولكن هذه الظاهرة، بل وظاهرة الانتحار بشكل عام، تعتبر صرخة للمساعدة، للاحتجاج على مواقف معينة، وصرخة لإزالة العجز واليأس والإحباط الذي يعاني منه الناس. يجب أن نأخذ في الاعتبار أن في العالم ينتحر سنوياً ما لا يقل عن مليون نسمة. وهناك محاولات الانتحار التي لا تنتهي بالوفاة، وهذه تمثل عشرة أضعاف حالات الانتحار.

ولماذا انتشرت تلك الظاهرة فجأة بعد محمد البوعزيزي؟


الدكتور أحمد عكاشة: طالما ظلت كرامة الإنسان ممتهنة ستزيد حالات الانتحار عكاشة: ما حدث أنه عندما انتحر البوعزيزي الذي أحرق نفسه احتجاجاً على البطالة والظلم وأثارت العملية زوبعة في العالم العربي كله، تفاعل معه الكثيرون في المنطقة، ممن يشعرون أيضاً بالإحباط واليأس والعجز ولا يستطيعون التعبير عن أنفسهم، فكان البوعزيزي بالنسبة لهم نوعا من المثل الأعلى والقدوة. ولعلك تلاحظين أن حالات الانتحار، التي حدثت في مصر وغيرها، تحدث عادة أمام مواقع صانع القرار السياسي، أمام مجلس الوزراء، أو مجلس الشعب، وكأنهم يقولون: "ساعدونا نحن غير سعداء وغير راضيين.. إذا لن تستطيعوا مساعدتنا، سنتجه إلى الله". هو نوع من الهروب من المعاناة والعجز والاكتئاب.

من وجهة نظر علم النفس، لماذا يلجأ المنتحرون من بعد البوعزيزي إلى وسيلة الحرق نفسها؟

عكاشة: كل بلد لها طريقة معينة في الانتحار، البلاد المسموح فيها باستخدام المسدسات والبنادق والرشاشات مثل الولايات المتحدة، تجدين المنتحرين فيها يستخدمون الأسلحة النارية. أما في المجتمعات التي لا يتم فيها تداول تلك الأسلحة، فيلجأ المقدمون على الانتحار إلى أساليب أخرى. مثلاً في مناطق الفلاحين في مصر، النساء يلقين على أنفسهن البنزين ويشعلن النار، لا تجدينهن يتعاطين الحبوب وليست لديهن وسائل أخرى. الرجال أو النساء في المدن يلقون بأنفسهم من الجسور في النيل أو يحرقون أنفسهم أيضاً.

إذاً طريقة الانتحار تختلف بين شعوب وتتباين من ثقافة إلى أخرى؟

عكاشة: نعم، الانتحار يعتمد على الثقافة والميول الدينية ويختلف من بلد إلى بلد. وسيلة الحرق وإلقاء النفس في النيل هي مثلاً طبيعة الانتحار في الثقافة المصرية بل والعربية بشكل عام.

عودة لأولئك الذين أقدموا على محاولات انتحار من بعد البوعزيزي، هل تعتقد أن عقلهم الباطن صور لهم أن استخدم الوسيلة نفسها سيؤدي بالضرورة إلى النتيجة نفسها وهي تحرير الوطن؟ أم أنهم انتحروا يأساً دون النظر إلى أي أبعاد أخرى؟


محاولات الانتحار مرشحة للزيادة في الشارع العربي عكاشة: في لحظة الانتحار، التي مر بها هؤلاء ومن قبلهم البوعزيزي، كانوا يمرون بحالة يأس لأسباب اقتصادية ونفسية واجتماعية. البوعزيزي انتحر لأن كل شيء كان مغلقاً أمامه في الحياة. حاول أن يبيع الخضر، فمنعوه. شكاهم، فسخروا منه. لم يتمكن من الأكل أو الشرب أو تأسيس أسرة، فلم يكن أمامه سوى الهروب من هذا الموقف والاحتجاج على الحكومة والسلطة التي أوصلته إلى هذا الحد، كان لحظة الانتحار يهرب من هذا الألم.
دكتور عكاشة.. هل لك أن تصف لنا سيكولوجية المنتحر بشكل عام، وهؤلاء المنتحرين الجدد على وجه التحديد؟

تختلف سيكولوجية المنتحر من شخص إلى آخر. إن 70 في المائة من حالات الانتحار في العالم تكون نتيجة لمرض الاكتئاب والقلق. هذا المرض يعطي صورة تشاؤمية للحياة بأنه لا يوجد حاضر، وبأن الماضي ظالم، والمستقبل أسود. وبالتالي يكون الانتحار هنا للتخلص من المعاناة. وللعلم، فإن آلام الاكتئاب أكبر من آلام السرطان. مريض السرطان، الذي لا يعاني من الاكتئاب يرغب في الحياة، لكن لو أصابه اكتئاب، سيفقد الرغبة في الحياة وقد يقدم على الانتحار. الاكتئاب يصاحب الأمراض المزمنة المؤلمة بحوالي 40 – 50 في المائة من الحالات.

وما هي أسباب الاكتئاب؟

عكاشة: لاكتئاب ممكن أن يأتي لأسباب اقتصادية، مثل البطالة والفقر. ومن الممكن أن يأتي لأسباب اجتماعية، مثل الظلم والقمع والقهر وإهانة كرامة الفرد. ومن الممكن أن يقدم إنسان على إنهاء حياته لأسباب نفسيه، عندما يفقد حبيبته أو عزيزي عليه مثلاً. لكن هناك مرضى الفصام، هؤلاء عندما ينتحرون يقدمون على ذلك لأنهم يسمعون أصواتاً تأمرهم بالانتحار. يشعرون أنهم تحت رقابة أو اضطهاد، تحدث لهم ضلالات مثل الغيرة أو الخيانة الزوجية.

وهل يعكس الانتحار ضعف الفرد أم قوته على اتخاذ تلك الخطوة؟

عكاشة:
محمد البوعزيزي، مفجر ثورة الياسمين البعض يعتبر الانتحار هروباً وجبناً، وآخرون يعتبرونه شجاعة وكرامة، هذه آراء فلسفية مختلفة. لكننا كطب نفسي نعتبر أن أي محاولة للانتحار هي صرخة للمساعدة علينا أن نأخذها على محمل الجد، ولا نقول إنهم يمثلون أو يهرجون، لا يصح ذلك إطلاقاً. وأعتقد أن هذه الأيام وصلت الصرخة لصناع القرار السياسي، على الأقل في الكويت، هناك خطوات، وفي السعودية، هناك خطوات، وأرجو أن تلتفت سائر الحكومات إلى مواطنيها لدراسة مدى جودة حياتهم حتى لا يصل إلى درجة اليأس والعجز.

كانت هناك محاولات انتحار مماثلة أيضا في أوروبا الشرقية في فترة من الفترات.. كيف تقارن بين الحالتين؟

عكاشة: الأمر واحد، عندما يكون هناك كبت وإحباط شديدين وانعدام لحريات التعبير، وكبت للديمقراطية، وعندما تكون هناك حالة من الطوارئ تحكم البلاد، وعندما يكون هناك اعتقال للسجناء وتعذيب للمعتقلين، عندما تهان كرامة الإنسان ويفقد آدميته، وعندما يهان الإنسان في كبريائه بالفقر والبطالة والقمع والقهر، لاشك أن كل هذه العوامل ستؤدي إلى زيادة حالات الانتحار.


أ. دوكر: دور الثقافة الشعبية ومتاعبها -بقلم أ. دوكر





أ. دوكر: دور الثقافة الشعبية ومتاعبها


 






بقلم أ. دوكر
"ما الساحرُ غير مُنظَرٍ ممارس" (أوبي ـ وان كينوبي)
في الدراسة المعاصرة للثقافة الشعبية يتم التسليم بضياع "ثقافة الشعب المشتركة" واستبدالها بثقافة جماهيرية متشظية، أي أن المقاومة  تكون هنا بين الفرد والمجتمع، ولعل ما يشغلنا اليوم هو وصف ثقافة المستهلك. فما الإنجازات السياسية التي حققتها الثقافة الشعبية إذا علمنا بخاطبها الديمقراطي؟ ما الذي حققته الحقول المعرفية الأكاديمية القليلة المهتمة حقاً بدراسة الشعبي، والتي تؤكد بأن عامة الشعب هم جزء من الصراع السياسي وبأن الحياة اليومية هي مُبدعة بطرق ما كانت لتتحقق في السابق إلا في ميدان الفنون الجميلة وأوساط المجتمع الراقية؟
كان أحد أهداف الدراسات الثقافية هو إبراز ثقافة عامة الناس التي لقيت إهمالاً كبيراً بدلاً من التركيز على الثقافة النخبوية للفنانين. ولأن الشعب في المجتمع الصناعي المتأخر هو من المستهلكين، أدى ذلك في النهاية إلى إهمال تام لإمكانيات الإنتاج الشعبي للثقافة. ولعل واحداً من أبرز الأمثلة على ذلك نجده في مقال جون فسك "فهم الثقافة الشعبية" (1990)؛ إذ يتناول فيه الاستعمال الشعبي للنصوص التي تقدمها صناعة الثقافة بمجملها. وهنا تكون حرية المضطهَدين ـ (لأن الثقافة الشعبية هي ثقافة المضطهَدين) ـ هي حرية قراءة وتأويل وإنتاج المعاني الشعبية من داخل المادة التي تقدمها القوى المهيمنة (ويفيد فسك هنا من مقال ميشيل دي سيرتو"ممارسة الحياة اليومية"، بل يركز عليه جداً).
المشكلات التي تعاني منها هذه المقاربة تؤثر في الفورية السياسية لهذه النظرية كما تؤثر في منظورها؛ فالتركيز المطلق على استعمال النصوص الشعبية ينكر على الشعب أية إمكانية لتناول أي موضوع آخر عدا الموضوعات التي تخص المستهلك، والناس ببساطة ليس بمقدورهم الإتيان بشيء عدا القراءة واستخلاص المعاني لكن بغض النظر عن مدى التخريب أو المعارضة التي تكنه هذه القراءات والمعاني فإنها لا يمكن أن تضاهي الإنتاج الشعبي للثقافة، والذي أراهُ ممكناً. الثقافة الشعبية، باختصار، ثقافة المستهلكين هي بالدرجة الأساس لا المنتجين.
ويكون طابع الاستهلاك المهيمن (والذي يطلق عليه فسك تسمية "الإنتاج الثانوي") فردياً وخاصاً (وهو غالباً ما يصف الناس الذين يشاهدون التلفزيون في منازلهم)، وبذا تكون تأثيرات المقاومة الشعبية مقتصرة في النهاية على فضاء غرفة الجلوس. إن هذا التشظي الاجتماعي الذي يُعدّ سمة المجتمع الرأسمالي المتأخر أدى أيضاً إلى جعل القوى (الرأسمالية) المهيمنة هي التي تحتل ذلك الفضاء، ولا عجب أن رأينا فسك يردد، ولمرات عدة، الاستعارة التي أطلقها دي سيرتو على السوبر ماركت بوصفه فضاء الثقافة الشعبية. وهكذا يتم إنكار التدخلات الشعبية العامة، التي تكون مشابهة لإمكانات الإنتاج الشعبي. وهذا بدوره يسهم في الفصل بين مديات السياسة والترفيه (بوصفه جزءاً من صناعة الثقافة).
وفي السياق المعاصر تكون القوة المهيمنة متمثلة بشركة ترفيه ـ صناعي (ومعلومات عسكرية) إلا أن هذا النهج لا يكون المسؤول عن إضفاء عنصر الجمالية على السياسة لأن ذلك لا يحدث بالدرجة الأساس إلا من خلال الثقافة الشعبية. الموقف الذي أتبناه هنا في تحليل الثقافة الشعبية ينبع من هذا النقد الفاحص، وأنا أركز بالدرجة الأساس على مواضع المنافسة والمقاومة، لا بمعنى القراءات التدميرية للنصوص التي تنتجها صناعة الثقافة ووسائل الإعلام (لأن القراءة المجردة تكون غير فاعلة سياسياً)، بل بمعنى الإنتاج الشعبي للثقافة الشعبية، هذه المواضع التي تخص إنتاج المعارضة هي موجودة حقاً، وهناك الكثير من الجدل في حقل الدراسات الثقافية يرمي إلى التنظير بشأن المشكلات التي تتناولها هذه الممارسات. والمهم أنها لا تلقى تجاهلاً تاماً، بل أرى أن ثمة إجحاف في تقدير مكامن قوتها.
كان على سمات، أو بالأحرى متطلبات، مثل هذه الممارسات الخاصة بالثقافة الشعبية، والتي تتبع النقد المذكور آنفا، أن تعتمد الاختلاف، أو أن تلجأ بدلا من ذلك إلى الثقافة المهيمنة مادامت الفرضية التي تقول بأننا نناقش ثقافة المضطهَدين فاعلة. ولعل مثل هذه الممارسة تتضمن، بالضرورة، إنتاج الثقافة لكن على وفق مبادئ تنظيمية واقتصادية، وفي النهاية، سياسية مختلفة تماماً. أي بعبارة أخرى سيحاول أن يبرهن على وجود فضاءات عامة مستقلة نسبياً يتم فيها إنتاج ثقافة شعبية معارضة.

تقاسيم الليل والنهار" لعبد الرحمن منيف: ملحمة روائية...دهاليز المكائد وعالم الحروب-أنغيلا شادر ترجمة: صفية مسعود









تقاسيم الليل والنهار" لعبد الرحمن منيف:
ملحمة روائية...دهاليز المكائد وعالم الحروب

أنغيلا شادر
ترجمة: صفية مسعود


تعتبر خماسية عبد الرحمن منيف "مدن الملح" التي يبلغ عدد صفحاتها الإجمالية نحو 2500 صفحة ركنا مهما من أركان الأدب العربي وتأريخاً للأحداث التي مرت بها السعودية. أنغيلا شادر تعرفنا بالجزء الثالث من الخماسية المعنون بـ"تقاسيم الليل والنهار" والذي صدر حديثاً بالألمانية.



رواية تشكل شاهدا على حقبة تاريخية وكذلك رصدا للتحولات التي مرت بها الدول العربية، ولاسيما النفطية منها كتب عبد الرحمن منيف خماسيته "مدن الملح" في سنوات الثمانينيات. ولا ترتكز الخماسية فحسب على المعلومات التي اكتسبها الكاتب خلال عمله سنوات طويلة في صناعة النفط العربية. لقد كان منيف - المولود عام 1933 ابناً لتاجر سعودي ولأم عراقية - ناشطاً سياسياً أيضاً، وهو ما جعله يتعرف مبكراً على آليات القمع التي تمارسها الأنظمة العربية مثلما تبين روايته "شرق المتوسط".

حقول البترول بدلاً من نخيل البلح

هناك أسباب وجيهة جعلت دولاً عربية عديدة، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، تضع "مدن الملح" على قائمة الأعمال الممنوعة؛ فالخماسية تعكس البانوراما التاريخية الشاملة والساخرة والنقدية لدولة النفط التي تدعى "موران". بسهولة يدرك القارئ أن المقصود بالقائمين على أمور تلك الدولة هم أعضاء العائلة السعودية الحاكمة. ونحن ندين بالفضل إلى دار نشر "ديدريشس" التي اختارت هذا العمل لتقدمه إلى القارئ الألماني وعهدت بترجمته إلى لاريسا بندر وماجدة بركات. هذا المشروع يصل إلى نهايته الآن بصدور الجزء الثالث المعنون بـ "تقاسيم الليل والنهار".


الرواية تعكس أيضا التحولات في المجتمع السعودي يعود الجزء الثالث بالقارئ إلى الأحداث التاريخية التي وقعت قبل أحداث الجزأين الأول والثاني من الخماسية، ولدى المطالعة ينتاب القارئ شعوراً بأن منيف يتناول عصراً لم يعايش أحداثه بنفسه.

الجزء الأول وعنوانه "التيه"، والثاني وعنوانه "الأخدود" يغطيان الفترة من 1933 حتى 1964، وفيهما يجد الكاتب صوراً بلاغية مدهشة يعبر من خلالها عن العنف الهائل الذي فجرّه التقدم الذي غزا البلاد مع اكتشاف النفط لدى أناس تعودوا على العيش في البيئة الصحراوية الضنينة.

دقة في التصوير 

لم يسبق لكاتب قبل عبد الرحمن منيف أن صوّر بهذه الدقة وذلك الغضب المقدس تلك الحالة البائسة التي وجد فيها أنفسهم المقتلعون من جذورهم الذين رأوا الدخان يتصاعد من حقول البترول العجفاء التي أخذت في الانتشار طاردةً أشجار النخيل المثمرة، أو تلك الإهانات التي شعر بها مربو الخيل والجمال الذين رأوا حيواناتهم التي طالما تغنوا بجمالها في أشعارهم تخلي الساحة للسيارات، أو إدمان الترف الذي انعكس في ذلك الأسلوب الفني الشرقي-الغربي الشنيع.


"الخماسية تعكس البانوراما التاريخية الشاملة والساخرة والنقدية لدولة النفط التي تدعى "موران". غير أن قارئ "تقاسيم الليل والنهار" يفتقد بعض الشيء تلك الصور المعبرة، وإن كانت أحداث الرواية تثير اهتمام القارئ بعد البداية الجافة بعض الشيء التي يستهل بها منيف هذا الجزء الذي تدور أحداثه خلال العقد الأول من القرن العشرين. الكاتب يصف هنا التوسعات التي قامت بها موران، تلك الدولة الصحراوية المتخيلة، ناسجاً– على نحو ما يوحي به العنوان - التناقضات العديدة التي ينطوي عليها الصراع بين طموحات الأمراء المحليين وشيوخ قبائل البدو من جهة ومصالح التاج البريطاني من جهة أخرى.

في هذا الجزء يدخر منيف إلى أقصى حد في الأوصاف الحسية، ويسلط الضوء كله على الشخصيات والأفكار والأحاديث التي تتبادلها. الكاتب يعتمد هنا بحذق ومهارة على نوع من الضبابية التي يقدم بها المشاعر والأفكار التي تنشأ داخل الإطار الضيق الذي تتحرك فيه حاشية الأمير التي تنسج المكائد، كما يعرض للأفكار التي تشيع في المجتمع الأوسع الذي لا يعرف قنوات إخبارية عامة. تلك الضبابية تتبدى أيضاً في التبادل العربي البريطاني حيث لا يريد أي طرف أن يكشف أوراقه تماماً أمام الطرف الآخر وحيث تؤدي الفروق الثقافية إلى سوء فهم إضافي.

قاعة المرايا التاريخية


في مركز الأحداث يقف السلطان خربيط وابنه فنر اللذان يرمز بهما منيف إلى مؤسس المملكة السعودية عبد العزيز بن سعود وفيصل بن عبد العزيز في مركز الأحداث يقف السلطان خربيط وابنه فنر اللذان يرمز بهما منيف إلى مؤسس المملكة السعودية عبد العزيز بن سعود وفيصل بن عبد العزيز. في البداية قد يعتقد القارئ أن شخصية البريطاني هاميلتون - الذي يقف في صفه السلطان وابنه في المفاوضات التي يجريانها مع انكلترا كوسيط نزيه ذي ولاء – تمثل صورة روائية لشخصية ت. أ. لورانس الذي دخل التاريخ باسم "لورنس العرب"، غير أن المقصود هنا هو هاري سانت جون فيلبي الأقل شهرة من لورنس. كان لورنس، مثله مثل فيلبي، شخصية مستقلة لا تصلح للوظيفة ولا تتقيد بقيودها، كلاهما كان يشعر بالانجذاب تجاه الثقافة العربية والبدوية، وكلاهما يقع فريسة لصراع الضمير ما بين سياسة المصالح الغربية وبين صداقاتهم مع العرب. غير أن كليهما وقفوا في صف الخصوم: كان لورنس يدعم الشريف حسين أمير مكة الذي انتصر عليه عبد العزيز بن سعود في عام 1924 ثم طُرد من بلاد الحرمين الشريفين.

لعل القارئ الألماني كان بحاجة إلى مقدمة أو تعقيب يلقي الضوء على الخلفيات التاريخية، فالقراءة تضعه في منطقة مجهولة إلى حد كبير. نادرة هي اللحظات التي يجعل فيها الكاتب أحداث الرواية تجري في مكانها التاريخي الحقيقي وفي زمانها، مطلع القرن العشرين، مثل المشهد الذي يركب فيه خربيط السيارة لأول مرة.

إن فتوحات السلطان والتحالفات الشائكة التي يعقدها مع أمراء القبائل المحلية متجذرة في التراث البدوي أكثر منها في السياسة أو الحروب الحديثة، أما الدسائس والمكائد في القصور حيث الخدم والوصيفات والمخصيون يخوضون باسم زوجات السلطان الغيورات حروباً غريبة الطابع، وكثيراً ما تكون حروباً وحشية أيضاً، فهي تكاد تعود بالقارئ إلى عالم ألف ليلة وليلة.

انسجام ظاهري

في جحيم الحسد والجشع هذا يلفت نظر القارئ من بين الأبناء العديدين لخربيط ابنه فنر الصموت الذي "يسمع بعينيه وقلبه وأذنيه" – ولهذا يبدو وكأنه مزود بقرون استشعارية تستشرف التحولات الضخمة التي ستعيشها بلاده. العالم بدا له مجموعة من الصخور الخفية التي ترتطم وتحطم بعضها بعضاً. خربيط وهاميلتون ينظران إلى الشاب المتأمل باعتباره ولياً للعهد، ولذلك يرافق هاميلتون في رحلاته الدبلوماسية إلى لندن حيث يتلقى الشاب هناك دروساً في اللغة الانكليزية من "ميس مارغو"، عمة مضيفه العجوز.


يعد عبد الرحمن المنيف أحد أهم الروائيين العرب في القرن العشرين؛ حيث استطاع في رواياته المتعددة أن يعكس الواقع الاجتماعي والسياسي العربي بكل تحولاته وتداخلاته، لاسيما في دول الخليج هنا يرسم منيف صورة مثالية بديلة لتلك العلاقة بين خربيط والرجال البريطانيين الذين يوفرون له الحماية، وهي علاقة تمليها لغة المصالح والنفوذ. وإذا كانت العلاقة بين التلميذ والأب الروحي تبدو غير متوازنة - بسبب شخصية فنر القوية من ناحية والتمزق النفسي الذي يعيشه هاميلتون من ناحية أخرى والذي يجعله في النهاية يختار لنفسه موران مقراً والإسلام عقيدة – لذلك لا يمكن النظر إلى تلك العلاقات إلا باعتبارها تنويعاً إيجابياً على أنماط السلطة الكولونيالية.

بشخصية هاميلتون خلق عبد الرحمن منيف بدوياً مفكراً مهموماً يتأرجح بين العالمين دون أن ينتمي لأي منهما، ولهذا تحديداً يستطيع الاحتفاظ بالمسافة النقدية الواجبة؛ أما فنر فهو أمير يعلو على مكائد القصر ودسائس القبيلة. وهناك أيضاً "ميس مارغو" الحكيمة التي تعلم الأمير الشاب أنه إذا أراد التوصل إلى انسجام بين الثقافات فعليه أن يراعي الفوارق بينها وليس فقط نقاط الاتفاق. مَن قرأ الجزء الأول والثاني من "مدن الملح" لن يغرق في الأحلام عندما يقرأ تلك الفقرات، فالصخور "التي ترتطم ببعضها بعضا" ستسحق موران وأهلها – سحقاً تاماً وبلا رحمة.




صدرت الترجمة الألمانية للجزء الثالث من خماسية "مدن الملح" لعبد الرحمن منيف تحت عنوان "تقاسيم الليل والنهار" لدى دار نشر "ديدريشس" في ميونيخ 2009 (448 صفحة). أنجرت الترجمة لاريسا بندر وماجدة بركات.