الثلاثاء، 19 مايو 2015

معهد مانيفيكات الموسيقي في القدس: عالم موسيقي موحد في مدينة مقسَّمة-ترجمة: رائد الباش





معهد مانيفيكات الموسيقي في القدس:
عالم موسيقي موحد في مدينة مقسَّمة

ترجمة: رائد الباش


تعد القدس عاصمة الديانات السماوية الثلاث وهنا في قبو أحد الأديرة في البلدة القديمة في مدينة القدس توجد المدرسة الموسيقية الوحيدة التي يتعلَّم فيها طلبة مسيحيون ويهود ومسلمون العزف والغناء الجماعي. دانيال بيلتز قام بزيارة لهذه المدرسة في مدينة القدس وأعد هذا التقرير.


 عندما يمارس شباب وشابات جوقة مانيفيكات تمارينهم تكون هناك واحدة من اللحظات القليلة التي يسود فيها الوئام في مدينة القدس القديمة. وهنا خلف مقاعد خشبية بُنِّية اللون، يقف ثمانية شباب وشابات يرتدون ملابس عصرية، ومن فوقهم سقف مقبَّب مصبوغ باللون الأبيض. ويعتبر هذا القبو الذي يقع أسفل دير الفرنسيسكان بعيدًا عن الأزقة الضيِّقة وجموع الناس الذين تعجّ بهم المدينة القديمة. وفي هذا القبو لا تُسمع إلاَّ أصوات جوقة الشباب والشابات وهم يتمرَّنون على غناء أغنية اسمها "زهور" .

وتتولى قيادة هذه الجوقة الشابة الفلسطينية المسيحية، هانية صبَّارة التي يبلغ عمرها أربعين عامًا وترتدي بنطالاً أبيض وقميصًا أخضر، وشعرها أشيب. وعندما تتكلم تضحك كثيرًا وتحرِّك يديها. ولكنها عندما تتحدَّث حول رسالة هذه المدرسة الموسيقية، فتصبح جادة ورصينة. وهي موجودة هنا منذ تأسيس المدرسة في عام 1995 وتقول صبَّارة: "يزور معهد مانيفيكات أبناء كلِّ الطوائف والمذاهب؛ طلاَّب من مختلف الطوائف المسيحية ومسلمون ويهود". وتضيف: "هنا يحصلون على الدروس نفسها، وعلى التعليم نفسه، ويلتقون ببعضهم في الجوقة ويكتشوفون أنَّهم جميعهم متشابهون".

جنبًا إلى جنب في مدينة واحدة


مدينة مقسَّمة - تتكوَّن البلدة القديمة في مدينة القدس من أربعة أحياء للمسيحيين واليهود والأرمن والمسلمين وهانية صبَّارة تعرف من خلال تجربتها الخاصة السبب الذي يجعل من مدرسة موسيقية مثل معهد مانيفيكات مهمة إلى هذا الحدّ. فقد نشأت في منزل لا يبعد سوى مائتي متر عن دير الفرنسيسكان. وكانت تشاهد منذ طفولتها من فوق سطح منزل والديها الشيء نفسه: أي أسوار المدينة القديمة وأبراج الكنائس. ومن هنا يتَّضح مدى تأثير الأديان المختلفة في صورة هذه المدينة. وفي مدينة القدس القديمة تكتظ الكنائس والمساجد والكنس اليهودية فوق بقعة لا تزيد مساحتها عن مساحة ثلاثين ملعبًا لكرة القدم. وفي كلِّ مكان بين قبة الصخرة وبين قبتي كنيسة القيامة ترتفع في الهواء كثير من الصلبان والنجوم السداسية والأهلة. وما يزال يعيش بين الكنائس والمساجد والكنس اليهودية ثلاثون ألف شخص - في مناطق مقسَّمة تقسيمًا شديدًا حسب الأديان. وتتكوَّن البلدة القديمة في مدينة القدس من أربعة أحياء، للمسيحيين واليهود والأرمن والمسلمين.

ولكن من ناحية أخرى يلتقي في معهد مانيفيكات أبناء المجموعات العرقية والديانات المختلفة من أجل تلقي درس على آلة الكمان. والطالبان المشاركان اليوم هما ديفيد وحبيب. ولا تبدو عليهما أي اختلافات من منظرهما الخارجي: إذ يبلغ عمر الأوَّل عشرة أعوام والثاني إحدى عشر عامًا، ولكليهما شعر أسود وبشرة سمراء. ويرتدي حبيب ملابس رياضية مخطَّطة باللونين الرمادي والأبيض، أمَّا ديفيد فيرتدي قميصًا أزرق وبنطال جينز. ويحمل كلّ منهما آلة كمان في يديه.

وينحدر حبيب من عائلة فلسطينية مسيحية، أمَّا ديفيد فهو من عائلة أرمنية؛ في حين أنّ معلمتهما تانيا بيلتزر، يهودية. وتقول إنَّها تنتظر زياراتها الأسبوعية إلى مانيفيكات بسعادة: "تعتبر البلدة القديمة دولة قائمة بذاتها داخل هذا البلد. وفي حياتي اليومية لا ألتقي بفلسطينيين وأرمن ويونانيين. وذلك لأنَّ هذه المجتمعات منغلقة جدًا". وتضيف: "لهذا السبب تعتبر هذه المدرسة فريدة من نوعها؛ هنا يمكن الاطلاع على طوائف، لا يمكن الالتقاء بها أو التعرّف عليها عن كثب في مكان آخر قطّ".

الموسيقى تجمع بين الناس


تقول مديرة المدرسة الموسيقية، هانية صبَّارة: "يزور معهد مانيفيكات أبناء كلِّ الطوائف والمذاهب؛ طلاَّب من مختلف الطوائف المسيحية ومسلمون ويهود". وبينما تتحدَّث معلمتهم، يذهب ديفيد في طريق العودة إلى البيت. ولكنه حتى الآن لم ينته من التمرين على آلة الكمان. ويجلس والده هارود على أريكة جلدية سوداء اللون ويراقب ابنه. و يقول: "في القدس لا توجد لدينا أماكن كافية يستطيع الشباب فيها الالتقاء ببعضهم. ولهذا السبب من الجيد أن يتمكَّنوا من الذهاب إلى معهد مانيفيكات". ويعدّ هارود وابنه شخصين من بين نحو ألفي شخص أرمني يعيشون في المدينة. ومعظمهم غالبًا ما يبقون ضمن محيطهم في حي الأرمن في القدس. وهارود أصلانيان يريد لابنه شيئًا مختلفًا - ولذلك أيضًا فهو يرسله إلى معهد مانيفيكات.

ويقول: "الموسيقى تجمع بين الناس، وتجعلهم ينسون السياسة والدين، بحيث أنَّهم يصبحون طائفة واحدة". ويستمر ديفيد في التمرين على آلة الكمان. وديفيد الذي يبلغ عمره إحدى عشر عامًا، لم يقرِّر حتى الآن إن كان سيصبح موسيقارًا محترفًا أو ربَّما طيَّارًا. ولكن على أي حال يأمل والداه أن تساعده المدرسة الموسيقية على أن يصبح شخصًا منفتحًا.


إصدارات لا .. يا شيخ-رواية لـ سعيد حبيب


إصدارات
لا .. يا شيخ

رواية لـ سعيد حبيب
 

  عن مؤسسة شمس للنشر والإعلام بالقاهرة،  صدرت رواية " لا .. يا شيخ" للكاتب الصحفي "سعيد حبيب" في 148 صفحة من القطع المتوسط ، تصميم الغلاف: إسلام الشماع
"لا .. يا شيخ" هي الرواية الأولى لـ"سعيد حبيب" والتي استوحاها من قصة حقيقية، وتتناول حياة شقيقين الأول ملتزم دينيًا والآخر عابث؛ غير ملتزم؛ تحركه رغباته.
الرواية تقدم صورة مغايرة عن عالم الملتزمين دينيًا، حيث يستند سعيد حبيب في روايته على معايشته عن قرب لهذا العالم، فوالده هو الدكتور كمال السعيد حبيب أحد رموز الحركة الإسلامية في مصر، فبطل الرواية "منصور" الشاب الملتزم دينيًا الذي يغمر زوجته بحبه، ويمطرها بكلمات الغزل؛ يتم اعتقاله بموجب قانون الطوارئ لإجباره على العمل مرشدًا لأحد ضباط المباحث.
هذه الصور المغايرة يرسمها "فتحي" الشقيق العابث من خلال أحداث الرواية؛ قائلاً:
(هو دا عيب التليفزيون والمسلسلات والأفلام.. دول ناس عاديين جدًا كل حاجة حلال عندهم إلا اللي قال عليه ربنا حرام.. ملتزمين شوية بيصلوا ويصوموا ويزكوا ويتفسحوا ويحبوا ويتحبوا وبياكلوا كل حاجة إلا الحرام وبيشربوا كل حاجة إلا الحرام وبيتفرجوا على التليفزيون ويروحوا سينما ويسافروا برة. طب دا أنا اخويا منصور دكتور حب زميلته واتجوزها عمري ما شفت اتنين بيحبوا بعض كده بس مش حب بوسة ونغمض ويالا وجنينة الأسماك وكوبري الزمالك وتحت بير السلم أو ابقى تعالي بالليل وأنا أوريك الويل لا، حب بتاع رحمة ومودة وخلفة عيال حب يدوم مش حب لف وارجع تاني. ومشفتشاتنين أسعد منهم لغاية ما الحكومة قفشته. بس المصيبة أننا بنقعد نتفرج على التلفزيون كده ونصدق أي حاجة غلط.)

تستعرض الرواية أيضًا قانون الطوارئ وظاهرة الاعتقال المتكرر، وبحسب المنظمة المصرية لحقوق الإنسان فإن الاعتقال المتكرر يمثل أحد التطبيقات الشاذة لإساءة السلطات الأمنية استعمال صلاحيتها الاستثنائية بموجب المادة الثالثة من قانون الطوارئ والتي تجيز لها اعتقال الأشخاص المشتبه فيهم أو الخطرين على الأمن والنظام العام. وتؤكد المنظمة المصرية لحقوق الإنسان أن الاعتقال المتكرر أخذ طابع الظاهرة العامة المطردة وذلك بالنظر لكثافة أعداد المعتقلين بشكل متكرر من ناحية، وتعمل السلطات الأمنية على إعادة اعتقالهم بموجب قرارات إدارية جديدة بمجرد حصولهم على أحكام نهائية بالإفراج عنهم من ناحية أخرى.

( تتمنى لو كنت تاجر مخدرات أو حتى قاتل أو متهم في قضية قلب نظام الحكم؛ على الأقل كنت ستعرف التهمة الموجهة إليك والعقوبة التي تنتظرك..
تتذكر المرة التي قلت فيها لحمدي بك:
- سيادتك أنا دكتور.. مش مسجون جنائي.. أنا مسجون سياسي وليا حقوقي.
أجاب بشراسة بدائية:
- دا عند أمك، يا روح أمك.. انت هنا مش داخل بتصريح ومحدش يعرف عنك حاجةني ممكن أموتك دلوقتي عادي.. لأنك مش عندي ومحدش حيسألني عنك وعلشان تصدق أنا حاحكيلك القصة في حاجه اسمها الاعتقال المتكرر يعني إيه بقى؟ يعني المادة الثالثة من قانون الطوارئ تجيز اعتقال الأشخاص المشتبه فيهم أو الخطرين على الأمن والنظام العام ودا رأي أو وجهة نظر وأنا ممكن أقول أنك خطر على الأمن والنظام العام بمزاج أمي، المهم حضرتك بعد ما باعتقلك حتتظلم وبعد ما تتظلم حاطلع قرار جديد من وزارة الداخلية بتاريخ لاحق لتاريخ الإفراج عنك.. وممكن القرارات دي تطلع لمدة عشرين سنة عادي.. بمزاجي.. وعلشان إحنا كويسين وقلبنا رهيف ساعتها حنبلغ أهلك علشان يجولك زيارات وحنقعدك مع بقية المساجين وحتعيش حياتك بقى في السجن كأنه بيتك.. أتمنى تكون فهمت؟..
ترتبك لأن كلامه منطقي فأنت بلا تهمة.. أنت معتقل بموجب قانون الطوارئ ولا أحد يسأل.!)

لم ينس حبيب أن يستعرض في روايته أزمة العنف والعنف المضاد، حيث يقول على لسان "منصور" بطل الرواية:
( ... نشأة فكر التكفير الذي ترفضه تمامًا لا تختلف كثيرا عن المناخ الذي تعيش فيه ولا علاقة لها بأي تأصيل ديني، إنها فكرة نفسيه جاءت نتيجة العنف والتعذيب الشديد، وبدأت بأسئلة منطقية:
هل من الممكن أن يكون ذلك العسكري الذي يواظب على ضربي بالخيرزانة تارة وبالسوط يع تارة أخرى مسلمًا؟
هل الضابط الذي أمره بأن يفعل ذلك مسلم؟
هل الحكومة التي وضعت هذه القوانين حكومة مسلمة؟
هل العنف الذي يتقنون ممارسته مع أهالي المعتقلين من الإسلام؟
ولماذا يندهشون إذا تم الرد عليه بعنف مماثل..
القضية برمتها تتحول إلى ثأر وليس عمل إرهابي. إنه عنف وعنف مضاد ليس أكثر من ذلك، لكن الناس لا تعرف ذلك؛ هي تعتقد أن العنف مجاني وأنه يمارس من قبل جماعة من البدائيين يطلقون لحاهم ويرتدون جلابيب قصيرة ويمارسون العنف لمجرد العنف.
إذا عرفت أن زوجتك تم تهديدها بهتك العرض أمامك وأنت معلق كالشاه المذبوحة ماذا ستفعل؟
دعك من أن أول قرار ستتخذه هو أن تطلقها وإن كانت روحك في يدها لأنك انكسرت أمها مثل كوب من البلور رديء الصنع، لكن ستصبح قضيتك الشخصية هي أن تنتقم.. الانتقام يصبح قضية حياتك مهما كلفك ذلك من فاتورة.. ستصبح.. "بايعها")!!!

سعيد حبيب في روايته الأولى يكشف لنا صورًا ومشاهد من واقع الصراع الأمني في المجتمع المصري، في لغة سهلة بسيطة، لكنها مرسومة بدقة وعناية.


الخميس، 14 مايو 2015

اللغة التعبيرية -دأنور غني الموسوي



اللغة التعبيرية
دأنور غني الموسوي

التعبيرية في الادب لغة شعرية جميلة و فذة ، تبحر بالفكر و الكاتب و القارئ الى اعماق اللغة و اعماق الاشياء و اعماق النفس الانسانية ، انها ببساطة ،  العمقُ الرفيع للحواس و الشعور و الوجود ، تبحر بنا الى اعماق الاشياء فلا تكون الاشياء هي الاشياء كما نعرفها  و انما تظهر بحلة و شكل و صورة جديدة و معنى جديد ، باحاسيس اخرى ،بصور اخرى . ان التعبيرية هي تعريف جديد للشيء و معناه ،و كشف عن عوالم شعورية عميقة ، حيث المعنى يتحدث عن المعنى ،  الاشياء تتكلم عن الاشياء ، انها استخدام خاص جدا للغة ، انها من  صنف اللغة العالمية العميقة ، المتجاوزة للمحلية و الزمان ،حيث العمق التعبيري المبهر و المدهش .
وهنا مقاطع مقتطفة لنصوص عربية بلغة تعبيرية قذة :

مقطع مقتطف من نص ( بطاريق الهوس ) سعد مهدي غلام  (2015)
( الشموع تبكي
والطيف يرغب بالرحيل
لتنام السدرة
فالجنادب تخاف وقع اﻻقدام
ساخرج اقطف وردة كاردينا
واعود لاكمل كأسي
اتطير من الدموع
فقط الندى في الفجر بلل شهي
دعيني اطلق فراشاتي الملونة
لتبقى بمنأى عن اللهب
انت تعرفين اين تحط
ستترك كحلا
دغدغ وكرها
ثم تموت  )

مقطع مقتطف من نص ( رغبة ) لجواد الشلال (2015)
(وهناك حدائق الفلسفة ..
تلك التي تغص بالجمال والتراب وماء يشتعل من شدة صهيل الخيول الجامحة بشهقة جنونية هادئة .. وعلي حين غرة سقطت بايدينا قصيدة سمراء .. تعلمنا على اثرها اقامة حفلات الشواء النزقة بحدائق الفلسفة ...
قلبنا كل الاشياء بدأنا
الفلاسفة
الصعاليك
الحوذي الي كان بامرة يوليوس
حفاري القبور
جنود البلاط المتاكلين من الترف
القوارير الذهبية
حلاق بيت المال
قاضي القضاة .. ذو الانياب الجارحة )
مقطع مقتطف من نص ( دجلة القرمزي ) لأنور غني الموسوي (2015)
( سأجوب زوايا الظلّ  كهماسات القمح في ساعات الفجر  الاولى، سأنذر زورقي و جزري  المتوهجة ، وقميص  الافق البنيّ لغد بهيج ، سأهدي شواطئ دجلة  أغنية ما سمع بها قط ، أحملها فوق كتفي مع بقايا الخيزران ، و أكتب إسمي في الموتى باكراً لأنّ النهار بات مخيفاً .
لقد رأيت الشمس في خيمتها القاصية ،  أجلستني على التلّ الأبيض ،كنت مذهولا حتى انّي أبحرت بغرابة في لآليء همسها . كانت  زجاجية تنعم بالحكمة .  كانت تشبه الى حدّ بعيد السلحفاة المتوردة  التي أكل قشرتها أطفال قريتي. )    

قصة قصيرة حصل في وقت ما- عادل كامل

 قصة قصيرة

حصل في وقت ما




عادل كامل
     عندما لمحها تبتعد عن جسده، تركها تتمادى وكأنها كانت قد حصلت على موافقته، أو إنها ليست بحاجة إلى مثل هذه الموافقة، فشاهدها تحفر بضرب من اللامبالاة في التراب خطوطا ً متعرجة وملتوية ومتداخلة النهايات...، حتى وجد فمه يتلعثم بكلمات لم يفهم من معناها ما يؤكد انه منحها تلك الحرية، أو انه لم يعترض عليها على نحو مباشر. وعندما ميز إنها كانت مازالت متصلة بجسده، شاهد الأخرى مترددة في مغادرة حدودها، إلا بعد لحظات، حيث رآها  تتحرك مثل حلزون يدب بعيدا ً عن الماء...، وتبتعد عنه أيضا ً.  لم يصدم، ولم يستفز إلا عندما مر جار له تذكره بصعوبة وهو يخبره بان الأمر لم يعد يجري بحسب الأعراف والعادات. فهز رأسه  بحركة تقليدية في بادئ الأمر، لكن الجار أكد له أن النتائج ستكون ذات نهايات من الصعب التكهن بفداحتها:
ـ أنا لا أظن ذلك...، فانا في الأصل ...
    وفكر الذئب العجوز مع نفسه، بأنه كان يتكلم في أمر لا علاقة له بما كان يتحدث عنه الآخر، لأن الآخر قال له:
ـ فهنا أنت تراني فقدت السيطرة ...
فسأل نفسه بصوت مسموع:
ـ ما الذي حدث....؟
وخاطبه:
ـ كأنك تتحدث عن أمر محدد...؟
رد الآخر:
ـ الم تر إنني اجري من غير ذنب!
ـ آ ....، صحيح...، ومن غير ساق!
   فقال الآخر بصوت متردد:
ـ بل حتى انفي تخلى عني ...، فانا الآن امشي خلفه!
فسأل الذئب نفسه: وأنا امشي خلف من ...؟
   أرسل نظرات قلقة متابعا ً أصابعه وقد ابتعدت كثيرا ً عنه:
ـ آ ....، انظر ...، إنها انفصلت عني.
   لم يجب الآخر. فراح يصغي إلى انفه:
ـ منذ سنوات وأنت تعاملني بإهمال وعدم اكتراث حتى انك أصبحت تستنشق الهواء وكأنك تخليت عني...
ـ ماذا تقول...؟
   قال انفه:
ـ آن لي أن أخبرك بما عزمت عليه...
قال يخاطب انفه بخوف:
ـ أنت تذكرني بقصة روسية قديمة ...
ـ اسمع، لا مجال للهذار....، فانا سأتبع خطوات نابك الذي تركته يفر من فمك...، بعد ان تخليت عن القواطع ...
ـ آ ...
   عندما بحث عن جاره وجده اختفى. فترك رأسه يستقر فوق صخرة وهو يرى ذنبه يبتعد عنه:
ـ  وأنت أيضا ً...؟
ـ سأقوم بنزهة صباحية ...، ثم انك لم تعد تستخدمني..
  اعتذر الذنب له:
ـ هذا صحيح...ن فلم تعد لديك فائدة.
ـ إذا ً لا تغضب علي ّ.
ـ ولماذا اغضب...؟
   لم يعد يرى الأشكال والصور والألوان إلا هالات متداخلة النهايات، تبتعد وتقترب منه، وعندما لمح ساقه اليسار تمشي خلف ساقه اليمين كاد يعترض، لكن أذنه التي لم يستخدمها، همست له:
ـ دعهما! لا تعترض...، وهل كانت لك إرادة على أصابعك ...؟
   حرك رأسه قليلا ً، وهو يراقب شيئا ً شبيها ً بالحبال يتلوى فوق الأرض...، يبتعد عنه، حتى صدم وهو يرى كرات تتدحرج من حوله. فقال له لسانه:
ـ تبدو الأوامر صدرت لها ...
ـ أين معدتي؟
   لم يجد وسيلة يتلمس بها جسده، باستثناء نظرات  سمحت له أن يراقب أعضاء جسده تخرج الواحدة بعد الأخرى. فمر قنفذ بجواره ثم تبعه آخر:
ـ إلى أين...؟
   أجاب القنفذ الثاني:
ـ امشي خلف شبحي!
ـ هو شبحك أم أنت شبحه...؟
ـ ما الاختلاف ...، المهم إن احدنا لا ينوي الانفصال عن الآخر! فأنت تعرف إن الحديقة إذا تقسمت ذهب مصيرها إلى الحضيض، مثل هذا الكون إن لم يكن وحدة متماسكة فانه لن يغدو أكثر من كوابيس لا رابط يربطها!
   قال لسانه يخاطب القنفذ الأول:
ـ كأنك تنوي الهرب...؟
ـ ما شأنك أنت...، انتبه لمعدتك، وأمعائك، ومخرجك!
    نظر الذئب فشاهد حلقة تتمايل مبتعدة عنه:
ـ وأنت...، يا مخرجي، ماذا تفعل...؟
أجاب:
ـ أنا أنفذ أوامر قلبك؟
   قال القلب:
ـ أنا غير مسؤول عن ذلك...، صحيح، كنت أغط في نوم عميق، ولكنني لم آذن له بالمغادرة..
    صرخ المخرج:
ـ سيدي، أنت تكذب! فأنت نظرت إلي ّ كعضو تالف!
ـ آ ....، ولكن هذا لا يسمح لك باتهامي بالكذب، ولا بهذا التصرف المشين، أم انك لم تعد تستحي، فرحت تفعل ما تشاء...؟
ـ ها، وتعترض علي ّ...؟
ـ كنت لا أود الاعتراض...، ولكن اخبرني من أين أتبرز...؟
ـ آ ....، هذه مشكلتك أنت، وليس مشكلتي..
    فدار بخلد الذئب انه لم يغادر حفرته منذ زمن بعيد، ولم يتناول طعاما ً، وما ذاق قطرة ماء، بل اكتفى ـ إبان مرضه ـ بتنفس الهواء، والقيام بجولات سياحية عبر ساعات النوم الطويلة. ذهب مرات قليلة إلى بركة الحديقة الخلفية، ثم زار أجنحة الثيران، والنعاج، ومر بمغارات بنات أوى، والجرذان، من غير مشاكل تذكر.
ـ اسمع...
انتبه إلى الصوت:
ـ لم تبق إلا أنت يا لساني...، أيها السليط...، غير المهذب!
ـ أنا آخر من يتخلى عنك...، فانا أحذرك وأقول لك إن عقلك الأسفل الذي ينوي الهرب....
    تساءل الذئب: وماذا افعل وأنا من غير أدوات للعمل....
    رد ما تبقى من دماغه الأعلى:
ـ حذار من الطبقة الوسطى...، فهي ترى انك جمدت عملها، بعد أن دفنت الطبقة السفلى، وانك تنوي الالتحاق بماضيك!
ـ ها...، وهل لدي ّ ماض ٍ ...؟
ـ أنا معك ...، مع انك لا تمتلك شيئا ً يذكر، فلا تدع القلب يخلعك، ويغادرك...!
    وجد انه تحول إلى كائن لا حافات له. فلم يعد يذكر متى فقد جلده.
      فشاهد بقرة نحيلة تتبعها أخرى ويمشي خلفهما ثور اسود، وشاهد مجموعة من الزرافات تحوّم في البعيد، مثل طيور، فدار بباله انه طالما رأى مثل هذه المشاهد، في اليقظة، أو عبر أحلامه، من غير منغصات أو الم.
ـ تعبت!
    فقال له لسانه:
ـ حذار أن تفقد عقلك؟
ـ آ ....، أصبح لساني يتحدث مع لساني باستقلالية تامة...!
ـ هذا هو ذنبك، سيدي.
   فقال الذئب بصون واهن:
ـ لم يعد لدي ذنب.
ـ أنا لم اقصد ذيلك...، بل ذنبك!
ـ لا ....، منذ أسرونا ووضعونا في هذه الأقفاص لم اعد امتلك ما افعله...، فهل أنا مسؤول عن الخطيئة التي لم ارتكبها...؟
ـ سيدي، أنها هي الوحيدة التي لا غفران لها! فلو كنت أذنبت، لهان الأمر، أما ما تخفيه، فهذه علامة مثيرة للظنون، والشبهات!  
    ليحس، في شروده، إن الجاذبة قد بلغت درجة الحياد: مثل الزمن وقد تخلى عن الحركة.
ـ ماذا قلت...؟
    رد دماغه الأعلى:
ـ أنا أدركت هذا قبل حصوله بقرون طويلة، وقلت: عندما تكتمل الحركة يتحرر الزمن من ذاته. وأنا هو من قال: إنها حتمية تغوينا بمظاهرها الخداعة!
ـ أي أنا أصبحت كأنني لم أولد...؟
ـ بل وكأنك لن تموت أبدا ً!
     حاول أن يتحسس نبضات الدماغ وومضاته وصلتها باللسان والقلب ...، فعجز عن التحكم بها بعد أن شاهد بصره يتجمع في مثلث أعلاه يلامس الأرض وقاعدته إلى الأعلى!
ـ بمعنى إن هذا كله يحدث بمعزل عن إرادتي....، انفي غادرني قبل أن اشعر بالظمأ، وذيلي راح يلهو بمعزل عن أسناني، دماغي الأسفل تخلى عن الأوسط، وانسلخ عن جلدي، لا اسمع، ولا قدرة لدي ّ على تحديد الاتجاهات، الزمن هرب من البرد، وأشعة الشمس تبتعد تاركة الفراغات تتقلص.
   لمح لسانه يقوم بحركة:
ـ لا ....، أرجوك....، إلا أنت....، أيها العضو المراوغ..!
     فقال لسانه له:
ـ  ليس لديك أفعال...، فماذا تفعل بأقوالك؟
     تجمد، وبدت المشاهد متداخلة، ليس لها نهايات محددة، تتقلص تارة، وتتسع تارة أخرى:
ـ لم اعد أنا هو الذي كنت عليه....، فأجزاء جسدي استقلت، انفصلت، وراحت ترقص لهذا التفكيك!
ـ لا...، أنا لم أتخل عنك بعد...
ـ من أنت...؟
ـ لو كنت اعرف من أنا لتخليت عنك!
    ولم يتبق من رأسه إلا الإحساس ذاته بأنه تحول إلى ذرات منفصلة ومتباعدة بعضها عن البعض الآخر:
ـ والآن اخبرني ماذا افعل....؟
     لم يجد من يرد عليه:
ـ ولكني لم ارتكب إثما ً، فلماذا أعاقب...؟
ـ وهل كنت تقدر على ارتكاب الإثم  ولم ترتكبه...؟
ـ كنت استطيع أن ...
ـ جرب.
    فهجم بما تبقى لديه من قوة على الفراغات التي اتسعت فجواتها وتحولت إلى أثير.
ـ اسمع...، أنا ذيلك عدت إليك!
ـ وماذا افعل بك...، أنا ابحث عن عقلي؟
ـ لا تحزن...، فلو كان لديك عقل لكنت حافظت عليه...، أما الآن فانظر ماذا حل بك...؟
ـ كأنك تطلب مني أن أولد مرة ثانية...؟
ـ اجل!
ـ لا ...، لن ارتكب هذه الحماقة مادمت استطيع الامتناع عنها.
ـ سترتكبها!  بل وستتضرع لارتكابها.
ـ ماذا تقصد...؟
ـ اقصد انك ستدافع عن كيانك...!
ـ غريب....، لا كيان لدي ّ وتطلب مني أن أدافع عنه...؟
ـ ها أنت تدافع عن ...
ـ وهل أدافع عن انف أمضى الوقت كله يستنشق رائحة الطرائد....، أم عن عين أمضت حياتها ترصد العدو، أم عن أنياب تتشهى لحم الفرائس، أم عن قلب أعمى.....، أم عن أصابع فرضت هيمنتها علي ّ حتى أصبحت عبدا ً من عبيدها...؟
ـ ها أنت تعترف انك تخليت عنها!
ـ هل أنا هو من تخلى عنها، أم هي التي تخلت عني...، فانا لم اعد إلا وهما ً مهمته اختراع الأوهام الأقل نفعا ً....! فأي دور علي ّ أن أؤديه....، وأنا اعرف تماما ً استحالة ذلك...؟
ـ اختر قناعا ً...
ـ أنا اخترت نفسي وفشلت! فماذا افعل بباقي الأقنعة...؟
ـ كي تبحث عن نفسك...
ـ أرجوك ....، أخبرتك بكل ما اعرف...، فهل تنوي أن تعاقبني بما لا اعرف...؟
ـ اجل!
ـ لن أدافع عن نفسي...، مادمت أنت هو من يحاكمني...؟
ـ آ ....، أنت تبحث عن العدالة إذا ً...؟
ـ لم أتفوه بهذا الطلب، ولم يخطر ببالي....، فالعدالة لديك!
ـ تقصد إنني أنا هو من قسمك، ونثرك، وحولك إلى أجزاء متباعدة، متصارعة، وأنا هو من فكك جسدك، ومرغك عقلك بالوحل...؟
ـ أنا لم اتهمك...، ولم اتهم سواك أيضا ً، فماذا تريد مني...، وأنا اغطس في قاع الوحل...؟
ـ أن تنتظر طريدة! فما أن تمسك بها، حتى تستعيد أجزاء جسدك عملها!
ـ ولكني أخبرتك بأنني ـ أنا ـ هو من أصبح طريدة!
ـ لا توهمنا أيها الماكر....، فالذي يرتكبون أبشع الآثام هم وحدهم الذين يرتدون أقنعة الملائكة.!
ـ ومتى استبدلت وجهي بوجه آخر...؟
ـ لم يبق لي معك كلام.
ـ أين ستذهب ...، وتتركني؟
ـ ستلتحق بي، وستتبع خطاي...، فها هو انفك يعود إليك، مثل جلدك، وها هي أصابعك ترجع لتؤدي عملها، ها هو قلبك الأعمى ينبض، ومخرجك عاد إلى موقعه، فافرح أيها الكاتم على أسرار بذرتك الأولى!
ـ ما أعظم هذه الغابة...!
ـ لا تتندر...!
ـ وهل لدي ّ قدرة على التندر...، أيها الكائن الغامض، بعد أن انتزعت مني كل ما تريد...، ولم تترك لي حتى ذريعة للوهم! حقا ً يا لها من حياة أما تمشي فوق وحلها، وأما أن يمشي وحلها عليها!
12/5/2015

عالم غريب يستحق الاكتشاف-بقلم أستريد رايمان




عالم غريب يستحق الاكتشاف




    تتيح سالمة صالح في معرضها المقام تحت عنوان "نوافذ" للمشاهد أن يلقي نظرة في عالم المدهش للرسم بالكومبيوتر. عرض بقلم أستريد رايمان

تمارس الكاتبة والمترجمة والرسامة هذا النمط من الرسم والكرافيك منذ عدة سنوات، يجتذبها إليه ما لا ينضب، التنوع، "الحقل الواسع"، وقد عرضت أعمالها أكثر من مرة بنجاح. وسيرة حياة الفنانة هي في مثل تنوع وإثارة أعمالها. فقد ولدت في الموصل /العراق، وهي تعيش وتعمل منذ1978 في ألمانيا. وقد درست القانون في بغداد والصحافة في لايبزك.

وإذا كانت نصوصها هادئة وشعرية تمس القلب وتسري تحت الجلد، فإن رسومها تتكلم بصوت عال، تنادي: أنظر، دع نفسك تسقط، تفاجأ. لا تفرض نفسها قسرا ولكنها تقول الكثير.

تقول الفنانة: "ليس ما أبغيه هو تقليد الطبيعة، فالطبيعة كاملة، وثمة عناصر جميلة تستحق الاكتشاف حتى في الزوايا الأكثر قبحا. إنني أقوم برحلة اكتشاف مع كل لوحة، أحاول أن أجعل غير المرئي مرئيا."

وراء النافذة لقد اكتشف الضيوف الذين حضروا افتتاح المعرض في 9 كانون الثاني/ديسمبر في بيت الجيرة الكائن في شارع آم بيرل ما هو غير مرئي أيضا، وقد بوغتوا وفتنوا بما رأوه. لقد ذكروني بالأطفال الذين ينظرون إلى العالم بانفتاح وبراءة، بحرية وفضول. ذكروني كيف كنت أرى وأنا طفلة الغيوم في السماء واكتشف فيها دائما صورا جديدة.

هكذا هو الحال مع رسوم سالمة صالح - يكتشف المشاهد جديدا مرة بعد أخرى، وكل شخص يكتشف شيئا مختلفا، هذا هو الأمر الرائع. 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ




الأربعاء، 13 مايو 2015

مجلة الأدب العربي المعاصر : طواميرٌ تتزيّنُ ...../ وغرابٌ رشيدٌ

مجلة الأدب العربي المعاصر : طواميرٌ تتزيّنُ ...../ وغرابٌ رشيدٌ:   كريم عبد الله غريبٌ ميراثكَ تتناهبهُ قيود الطوامير ..../ وعطورُ جِنانكَ محنّطةٌ سياطٌ آثمةٌ تدنّسها .........../ فيمتدُّ ...

مجلة الأدب العربي المعاصر : لوحة العدد للاديب و التشكيلي العراقي د غالب المسع...

مجلة الأدب العربي المعاصر : لوحة العدد للاديب و التشكيلي العراقي د غالب المسع...: لوحة العدد السادس من مجلة الادب العربي المعاصر  للاديب و التشكيلي العراقي د غالب المسعودي

مجسمات -عادل كامل