السبت، 17 يناير 2015

أنا رجل عتيق. خواطر في الفن وماحوله- علي النجار




أنا رجل عتيق. خواطر في الفن وماحوله







علي النجار

أنا الآن رجل في الرابعة والسبعون. لذلك وحسب المعايير الزمنية لفن وثقافة ما بعد الحداثة, أنا الآن فنان عتيق. لكن ليس من يومي هذا. بل من قبل ذلك بأعوام لا ادري ما هو عددها. العتق بالتأكيد لم يكن مشروعا مستقبليا. فالمستقبل بات زمن تتحكم بنبوءاته الكثير من الأدوات الافتراضية التي لم أكن, أو لم نكن نعهدها في بداية زمننا العتيق ذك. لكن وفي خضم مناورات الافتراض, هل باتت أفعالي(أفعال جيلي) الفنية مشكوك في قيمتها. إن لم تكن فعلا بلا قيمة. فلماذا أنشأت المتاحف وقاعات العرض الاسترجاعية التي تغص بها عواصم الثقافة والفن العالمية. لكن إن ابتكرت ما بعد الحداثة أفعالها, فهل صيرتنا هذه الأفعال فعلا أناس عتيقين, سواء إن كنا في بلدنا الأصلي, أو خارجه, بعد أن صادرت ارثنا الفني, وبخرته بقدرة مجنزرات الاحتلال وسلطته السياسية والثقافية ألما بعد حداثية. قبل ذلك تهنا زمنيا وسط دوامات هاجس الأصالة(العتيقة). لنلحقها بتوهان شبكة مسالك العولمة وافتراضاتها التي حولت حوادث أيامنا, صوريا, لدراما القتل والدمار العبثي(عبث فيما يخصنا فقط, ومنفعة لصناعها), حروب افتراضية لتسلية الصبيان والصبايا.
أبي كان عتيق, هذا شأن زمنه الذي شيئه كائنا ماضويا, كما شيء صحبه وصحب صحبه وصحبهم, الى ما لا نهاية. رافقت عتقه في صغري, وبقي شيء من صدأ ذلك العتق عالقا بي. والدتي هي الأخرى عتيقة كما هو حال غالبية جنسها في ذلك الزمن, الذي لم يعد ماضويا, بما تمخض مؤخرا في بلدي عن محاولة جادة لاستعادته أو استنساخه من جديد. كانت الكثير من تفاصيل الزخارف البدائية تنقط من فرشاة والدي على صفحة الألواح الخشبية. وكان درسي الأول الذي لم يبق منه تفصيلا سوى مسحة الفرشاة على سطح اللوح وعبق عتق إصباغها الترابية. والدي الذي كان مزهوا بعتق تفاصيله القليلة. حولني لمجرد مؤدي دور, سرعان ما تركته على عتبة دارنا العتيق.
ما بين عتق, وجدة مفتعلة. كان معهد الفنون الجميلة البغدادي في زمني ذك يراوح مكانه. فنان أستاذ لا يدرك من مهنته التدريسية سوى مهارة فرشاته. أستاذ فنان لا يتعب من ترديد جملته ( اللازم ة) باستمرار. أستاذ آخر يحاول على استحياء أن يدلنا على الأقل من القليل من ومضة الفن. أستاذ يناكد أستاذ. أستاذة لا تعرف سوى التلصص بحياء على ارث العائلة الفني, ولا تدري ماذا تفعل بنا... كان بعضنا يحرث نفسه من اجل اكتساب القليل من الخبرة الفنية, لا التصور, وعشت (عشنا) وهم الخبرة. 

هل أصبح تكريسنا مؤخرا لإيقونات العتق دليل هدايتنا في مسالك الحياة, أم وصمة, علامة فارقة. إن كان وصمة. فقد استثمرت خير استثمار. وان كانت علامة فارقة. فقد كرست بأخبث ما يكون. لكن, إن كانت لعنة. فمشكلتنا تكمن في عدم استيعاب مفاصل لعنتها, من اجل أن يتم لنا تفكيكها ومحو آثار تفاصيلها المدمرة. فماذا يعني أن تكون المرأة عورة في مجال الحياة والإبداع. وماذا يعني(كمثل) آن يكون موديل رسم أنثوي لصف الرسم النسوي, وموديل رسم ذكري لصف الرسم ألذكوري, في معهد للفنون الجميلة. رحم الله ماضينا على كل عتقه. فقد كان أفضل من حاضرنا الماقبل(الماضوي) هذا. يا للعجب فقد تحجب درس الفن أيضا, ورجعنا لعتق(عصملي).
لم استطع أن أكون كائنا رقميا افتراضيا. فانا رجل عتيق. لكن الكثير من فن اليوم. ومن هواة فن اليوم رقميون. ميزة الفن الرقمي كونه فن أدوات مشاعة لكل الأجناس والفئات والأعمار. هو إذا جزء تمهيدي من المشروع الأعم للإنسان الرقمي الشعبي المستقبلي. ما صادره الفن الرقمي من الفن التقليدي بمدارسه ومذاهبه المختلفة ليس كثيرا, بما انه صور ثابتة, وصور متحركة, لا يهمها سوى اختراق الدماغ. ليس الا. أما أنا, ولكوني رجل عتيق, فلا يسعني الاعتماد على دماغي فقط. من اجل آن اصنع صوري.هذا هو شأني. وان يكن أيضا شأن آخرين غيري. ربما اختلفوا بعض الشيء معي. وربما وافقوني الرأي.
هل بإمكاني أن أكون افتراضيا, بعد أن تحول الافتراض الى أفعال عالم اليوم. اعتقد, وبما أني رجل عتيق, ربما استطيع, وربما لا استطيع ذلك. فالافتراض وهم ربما كان جميلا, فنتازيا, خارقا. لكنه اليوم بات تكنولوجيا. والتكنولوجيا حمالة أوجه( بندقية افتراضية للصيد, تحولت لقنص البشر), من الخليج عبرت الصواريخ الراجمة رقميا الى جسور بغداد فهدتها على رؤوسنا. وببلاغة افتراضات اقتراحات الجيل الرابع من الحروب تفككت ودمرت بنياتنا العمرانية والاقتصادية والاجتماعية. ضمن فضاء هذه الحروب الرقمية الكونية وألعابها الصورية الغير بليغة, تحولنا الى مجرد تابعين, لا مبادرين إبداعيين.

بعد كم المدارس الفنية الإبداعية الحديثة, وما بعد حداثتها الأولى. في أوج عطائها المتقدم. هل بإمكاننا ان نشطب على كل منتجها, مادام أصبح عتيقا, و بأقل تقدير, أن نتغاضى عن النظر إليه كما هو منتج فني أنساني لأجيال بشرية متتالية. أنا العتيق, لا استطيع أن أغظ بصري عن التلصص على كل هذا الكم الهائل من الإنتاج الإبداعي. فن الديجتال, وفن الكومبيوتر, أو فن الميديا. وكوسائط فن عولمية تلصيقية ودادائية, لا توفر لي سوى الوهم. وبالرغم من كوني رجل عتيق, فانا أيضا أقر بشساعة الوهم الذي توفره لي الأعمال الفنية الغير رقمية. لكني اعتقد أيضا أنها الأقرب الى نفسي لكونها تشرك اليد والدماغ والعاطفة والحالة النفسية, والكثير من تفاصيل أثر البيئة والأحداث الخاصة والعامة, والقدرة الأدائية الفردية لالتقاط عناصر التعبير وجمالياته, و استخراج العتمة من غياهبها.
بما أننا نعيش ونعمل وسط عالم رأسمالي. فهل يعني أننا رأسماليون في استثمار قدراتنا الإبداعية, بما ينسجم وأطروحات الثقافة الرأسمالية. بعضهم وكفناني ما بعد الحداثة, يقرون ذلك بفخر. بمعنى ما, هم لا يجدوا ذواتهم إلا فيما تطرحه القنوات الرأسمالية الميديوية من نتاج نخبتها الفنية. أنا الرجل العتيق. لا أود أن أكون صامولا في الماكنة الرأسمالية الإعلامية الفنية(بما أن غالبية هذا النتاج الفني يقع ضمن خانة الإعلام الميديوي. والباقي للتسويق الشعبي العولمي). بالتأكيد هناك إغراءات كثيرة تحت يافطة الحرية الثقافية ومنها الشخصية بالذات. لكنها تبقى حريات فردية, لا تتجاوز مفاعيل فرديتها المنظومة الاقتصادية الرأسمالية الجبارة لحفنة من أصحاب الثورة العالمية التي تتحكم باقتصاديات ومصائر مليارات من سكان عالم اليوم, دون التفات الى كل الآثار الكارثية التي لحقت بالكثير من العوالم, مثل عالمنا الثالث, وبلدي العراق بات حقل تجارب لتقنية تكنولوجيا السلاح الرأسمالي, ورهط إعلاميه الميديويين. فماذا نفعل بخارطة النحر والتهديم والحراب الطائفي المسترجع تكنولوجيا. ماذا نفعل بمشاريع التقسيم والتشتيت والتهجير. أليست هذه كلها أيضا من سلوكيات سياسات معاصرة ما بعد الحداثة, وآلاتها المعولمة. هل اترك كم هذا الغث المستخرج بقدرة سلطة الانتداب والاحتساب, وكم الخراب الإنساني والبيئي الذي أصابنا, من اجل أن امجد صناعة الحدث, من قبل, ومن بعد إطلاق قوته المدمرة. 
العولمة الفنية ومن احل أن تكون شمولية التواصل, خطط لها لان تنتمي لمصدر عولمي واحد , أو مصادر موحدة. أنا الرجل العتيق لا يعنيني هذا اللون الواحد. فانا لا أزال احن الى معزوفات أقوامي السابقة على سطوح أختامهم الاسطوانية.. جدران معابدهم.. معمار زقوراتهم.. وحتى نقش أوانيهم البدائية. تلك الأرواح العتيقة تنظر لي بعتب. مثل نظرات المطويات الصينية والأحجية الأفريقية. فهل يراد لي أن اصدق ما يشاع عن موت اللوحة وموات الرسم بتقنياته المختلفة, لصالح الصورة الميديوية المفهومية ووسائلها الآلية. فان كان بعض من ذلك مقبولا بنسبة ما, في حدود إنتاج أعمال تحمل عناصر جديدة لمضامين ثقافية, سياسية, وبيئية إنسانية. و بما يترشح منها أحيانا, كأعمال تمس الحدث, أو تشير إليه. لكن, ليس كما هو كم العبث المحير والطاغي, الذي تكتظ به كبريات دور العرض الفني المعولمة. فان كان إنتاج الوهم كإيهام صرف, وتكراره الى ما لا نهاية. فانا عتيق بامتياز. 

ربما تجاوزني الزمن. أو هو فعلا كذلك. فانا العتيق أحب آن المس نتائجي بيدي. بينما الكومبيوتر في طريقه لأن يسرق دوري ويلمس نتاجه الفني دون أن يترك لي دورا. حسنا ليسرق ما يشاء. فالآلة محكومة بسياق تطورها الى ما لانهاية. وكما نشاهد الآن من تدخلات اصغر الوحدات الفيزيائية على الإطلاق(النانو) في بناء سلوكيات واكتشافات جديدة في طريقها الى الاستقلال التام عن كل ما هو مألوف. فهل يعني هذا ذوبان أحلامنا وانصهارها بلا عودة. لتتشيأ وحدات نانو أيضا, وما يأتي بعدها من تجاوزات لا ندرك قدرتها الآن. أم سوف يبقى هناك حد فاصل ترتع فيه أحلامنا الشخصية وأفعالها الثقافية الفنية. أنا الرجل العتيق أبقى على ريبة من كل ذلك. لا بد أن يبقى احدنا عتيقا, من اجل موازنة معادلة الثقافة الفنية كما أحزر لقطيع البشر المنتشر على أطراف الكرة الأرضية. ربما يعاد للهامش دور جديد, كما هي دورة تاريخ الفن في فصولها العديدة. ربما يكون هذا الهامش طليعيا من جديد لإعادة توازن المعادلة الإنسانية المفقودة. أو التي في طريقها للضياع. ولكي لا ابقى, وتبقوا انتم أيضا عتيقين, ولو في حدود أحياز صغيرة.
كان التطرف حاضرا في الحركة النسوية(فيمن) وشخوصها الثقافية والفنية من الجيل الثاني الستيني بتبنيها للكثير من العلامات والسلوكيات الهجومية الشاذة ضد الرجل تحت ذريعة عدم المساواة بين الجنسيين. ذريعة مقبولة بحدود عدم التجاوز على حيزها الواقعي. ثم جرى انتقاد سلوكياتها من قبل العديد من الرموز الثقافية النسوية ذاتها. في وقتنا الحاضر وضمن سلوكيات ما بعد الحداثة الفنية والثقافية, يتم الترويج للجنسية المثلية كعلامة, ماركة مهمة للعصر الرأسمالي(ولنقل العولمي). أخيرا أنا الرجل العتيق, لا تعنيني الصرعات الجنسانية, ولا غيرها. ولا يعنيني أن اصنع منها أعمال فنية كجواز مرور لقاعات ومحافل فنية بشروط مسخ جنسي. أعمال ممهورة بصك القوة الشرائية للآلة الإعلامية الميديوية لصناع منجزات, أو أحيانا ترهات ما بعد بعد المعاصرة الفنية الحالية. فهل يعني ذلك أنني شاذ عن سلوكيات عصري, وأنا أرى وسائل الميديا البصرية تغص بنماذج مختارة منهم. عتقي لا يسمح لي بالخوض في ملابسات سلوكيات يراد لها أن تكون مشاعة وكاسحة. إذا لأبقى كما آنا عتيقا, يزداد أو يزدرد عتقا. في انتظار آن يتم تجاوز هذه السلوكيات, تفكيكا من داخلها, أو إعطائها الحجم المناسب, من دون التجاوز على ارث الآخرين وسلوكياتهم. و لأجل إعادة معادلة التوازن الإنسانية, لا قهرها عنوة.

القانون الدولي لحقوق الفنان- ا.د. إحسان فتحي





القانون الدولي لحقوق الفنان


الاعزاء الفنانين العراقيين تحيات طيبة 



    فلقد شعرت بضرورة ان أزودكم بنسخة مختصرة من القانون الدولي لحقوق الملكية الفكرية والفردية للفنان التشكيلي، ذلك لاني شعرت بغموض هذا الموضوع عند اغلب الفنانين أنفسهم وعند بعض المقتنين التجاريين الذين يحاولون طمس هذه الحقوق لاسباب مادية  بخلاصة مختصرة جدا فأن بيع العمل شىء وحقوقه شىء اخر، العمل الفني ( رسم، نحت، تخطيط، سيراميك،، انستليشن ...الخ)   يبقى حق نشرصور عنه او طباعة نسخ منه او اي استعمال تجاري له، مع الفنان طوال عمره حتى اذا باعه من خلال جاليري او مباشرة الى احد الاشخاص، ويستمر هذا الحق مع ورثته الشرعيين الى 70 سنة بعد وفاته، الا اذا تنازل الفنان نفسه شخصيا عن حقه بعقد رسمي وقانوني موثق.  الاستثناء الاخر هو ان هذا الحق لاينطبق على عمل فني تم تنفيذه بناءا على تكليف جهة معينة ففي هذه الحالة يبقى الحق مع الجهة المكلفة وليس مع الفنان. ختاما ارجو من المعنيين في وزارة الثقافة وجمعية الفنانين التشكيلين ان يتأكدوا من ان الحكومة العراقية توقع وتطبق الاتفاقيات الدولية المتعلقة بهذا الشأن، او ان يوضح الفنان ذلك حقوقه مع اي جهة مشترية.


 ا.د. إحسان فتحي
 عضو جمعية الفنانين التشكيليين منذ 1968
عضو الرابطة الدولية لنقاد الفن منذ 1987   

الخميس، 15 يناير 2015

انهيارات أخرى في طريقها إلينا أخطر احتمالات عام 2015-كاظم فنجان الحمامي


انهيارات أخرى في طريقها إلينا
أخطر احتمالات عام 2015

كاظم فنجان الحمامي

لن تنفع الحسرات أبداً في تعديل ميلان جدران الهياكل الهشة، ولن تسعفها الزفرات بشيء عندما تكون ركائزها مغروسة في أوحال الضفاف الرخوة، فما بالك إذا كانت آفات الفساد هي التي نخرت سقوفها وزعزعت أركانها، ووضعتها بين أنياب عوامل الانهيار الحتمي ؟.
لقد انهار سد مأرب رغم عظمته بسبب فشل مملكة سبأ في التصدي لغزوات الجرذان، والتهمت النيران روما كلها بحريق أضرمه معتوه في نزوة من نزواته الطائشة، وتمزقت راية الأندلس بخناجر ملوك الطوائف، وسقطت الإمبراطورية العثمانية برمتها بسبب ضعف الجيش الانكشاري وتفشي الفساد، فكيف لا تسقط الموصل بيد حفنة من المرتزقة إذا كانت وحداتنا العسكرية الفاسدة تقاتل بجنود فضائيين لا وجود لهم على الأرض. وتفتقر تركيبتها الإدارية لأبسط معايير واجبات الأركان.
كانت كارثة الموصل بمثابة جرس الإنذار الأول للتحذير من انهيار المؤسسات الإدارية الأخرى بعد انهيار الأفواج والألوية والكتائب والفرق التي تم تشكيلاتها خارج الضوابط والسياقات العسكرية الصحيحة.
فالفضائيون الذين دمروا الجيش ينتشرون الآن في مؤسساتنا المدنية، والقادة غير المؤهلين الذين كانوا عنواناً من عناوين الفشل يعيثون الآن في مؤسساتنا المدنية الآيلة للانهيار.
أما العامل المشترك الأعظم لهذه الانهيارات المتوقعة فيمكن تشخيصه بغياب الركن الإداري الأهم من تركيبة المؤسسات الحكومية العراقية. ما أدى إلى تصدع سقوف هياكلها التنظيمية وتردي مستواها وتقهقرها وتخلفها، وبالتالي عجزها وفشلها، وفقدانها القدرة على الوفاء بالتزاماتها الرسمية والأخلاقية والوطنية.
فالمزاجية والارتجالية والطائفية والفئوية والوصولية والانتهازية هي التي حملتها لنا ديناصورات الديمقراطية الفوضوية، وفرضتها علينا في اختيار معظم مدراء وقادة مؤسساتنا المدنية، فاختفى فيها التوصيف الوظيفي، رغم أنه يُعد من أهم الركائز الإدارية وأقوى أركانها، وربما هو الركن المتين الوحيد، الذي ينبغي الاستناد عليه في تحديد القيمة النسبية للوظائف داخل المؤسسة، وهو الذي يقودنا للاستدلال على المسارات الصحيحة في خارطة المواصفات الوظيفية القائمة على المعايير العادلة، وصولا إلى تشخيص مواصفات شاغل الوظيفة، وتحديد مستواه التعليمي، وتحديد معايير تأهيله المهني والإداري، ومجالات خبرته ومدتها، ومهاراته المطلوبة، وسماته الشخصية، وصفاته الاجتماعية، ومن ثم معرفة حدود مسئولياته، وسلطاته الوظيفية، وواجباته الأساسية، ورسم ملامح البيئة الإدارية التي يتعين عليه العمل فيها، مع وضع تصور كامل لمؤهلات مدراء الشركات، ومؤهلات مدراء أقسامها وشعبها وتفرعاتها الأخرى. فالتوصيف الوظيفي أداة عادلة جدا ينبغي أن تستعين بها الوزارات في تقييم أداء تشكيلاتها الوزارية، وهو أيضا وثيقة قانونية غير خاضعة للتلاعب، ولا تسمح بالانحياز إلى طائفة معينة أو فئة محددة، ولا تتضمن أية إشارة إلى العنصر أو اللون أو الدين أو السن أو الجنس، ولا ينبغي أن تجري الأمور على ما هي عليه الآن في غابات التقافز الإداري فوق درجات السلالم الوظيفية، حتى باتت الأبواب مفتوحة عندنا على مصاريعها، فتسربت منها رياح المحاصصة الطائفية، وتسللت إليها المحسوبية والمنسوبية، وحملت لنا سمومها وهمومها، فطغت الولاءات الحزبية الضيقة على واجهات مؤسساتنا، وفرضت علينا نماذج من المدراء لا تنطبق عليهم أدنى معايير الكفاءة، ولا تشملهم الاستحقاقات الوظيفية المتعارف عليها. بل كانوا عالة على العملية الإنتاجية، فتسببوا في انتشار الفساد، وتفشي الرشوة وضياع الحقوق، وهكذا اضطربت الأوضاع، وعمت الفوضى، وكُتب علينا الفشل في تحقيق خطوة واحدة نحو الأمام في مسيرة الخطوات المتعثرة والهفوات المتكررة، ولم ننجح في وضع الشخص المناسب في المكان المناسب. إلا في حالات نادرة جدا ساقتها رياح الصدفة.
ولا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم
ولا سراة إذا جهالهم سادوا

مو هالشكل يا مشكل-كاظم فنجان الحمامي


مو هالشكل يا مشكل

كاظم فنجان الحمامي

كان فقراؤنا يرددون دائماً هذه العبارة بلغتهم الجنوبية الدارجة كلما أصابهم الإحباط من جراء أي فعل أخرق يرتكبه مغفل من المغفلين، اسمه الافتراضي (مشكل)، فيقولون (مو هالشكل يا مشكل)، وترجمتها بالمصرية الدارجة (مش كده يا سي مشكل)، أي: ما هكذا يا (مشكل) تورد الإبل، فإذا كان (مشكل) نفسه هو أصل المشكلة، وهو المسبب الدائم للمشاكل فتلك هي الكارثة المتوقعة، أما إذا كان (مشكل) هذا، هو الذي يخطط، وهو الذي يدبر الأمور، وهو الذي يديرها ويتحكم بها بطريقته الارتجالية المزاجية، التي يراها هو مناسبة في حدود نظرته المحدودة القاصرة، فتلك هي أم الكوارث، وهي المؤشر الأكيد لذهابنا إلى ما وراء الحدود الدنيا في منحدرات التدهور والتقهقر والتعثر.
قبل بضعة أيام كنت أنصت مندهشاً لتصريح خطير بثته الفضائيات العراقية للدكتورة (ماجدة التميمي – عضو اللجنة المالية البرلمانية)، سلطت فيه الأضواء على فجوات التبذير وثغرات الإسراف المفرط في موازنة عام 2015.
نائبان لرئيس الجمهورية طالبا بتأثيث مكتبيهما ضمن الموازنة العامة بقيمة (23) مليار دينار عراقي، وبلغت ضيافات مكتب أحد الوزراء (لم تفصح عن اسمه) حوالي (25) مليون دينار في الأسبوع الواحد، وبلغت إعلاناته في الصحف حوالي (220) مليون دينار في أسبوع واحد. ما يعادل (880) مليون دينار في الشهر الواحد. وعشرة مليارات و(560) مليون دينار في السنة، وبلغت قيمة وليمة واحدة من ولائمه البرمكية في مطعم (صمد) حوالي (13) مليون دينار.
وشخصت الدكتورة ماجدة وجود أكثر من ستة آلاف مشروع متلكئ في موازنة 2014 بقيمة (228) تريليون دينار عراقي. وقالت أن معظم تلك المشاريع وهمية ولا وجود لها على الأرض.
حتى زواج القرن الذي تمثل بحفل زفاف الأمير (ويليام) و(كاثرين ميدلتون) في كنيسة (وستمنستر) في لندن عام 2011، والذي نقلته الفضائيات على الهواء مباشرة إلى (180) دولة، وحضره الملوك والأمراء من كافة أنحاء العالم، وفي مقدمتهم الأميرة (موزة بنت ناصر المسند) لم يكلف التاج البريطاني أكثر من تكاليف تأثيث مكاتب نواب السيد رئيس الجمهورية.
في الكويت اندلعت عاصفة من الاحتجاجات تحت قبة مجلس الأمة حول ما أثير عن كلفة أثاث مكتب وزير النفط، والتي يقال أنها بلغت حوالي (75) ألف دينار ، واتضح فيما بعد أنها لم تتجاوز (75) ديناراً كويتياً، أي في حدود (260) دولاراً، بما لا يزيد على (300) ألف ديناراً عراقياً فقط، وأشعل مجلس الأمة الكويتي ثورة عارمة ضد نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير التجارة والصناعة (الدكتور عبد المحسن المدعج) على خلفية شراءه الأسماك (بضعة كيلوات) من نثرية مكتبه الوزاري بمبلغ (160) دينار فقط..
أما وقد بلغت مصروفاتنا الوزارية إلى هذا المستوى البرمكي من الترف والبذخ والإسراف والتبذير، في هذه المرحلة التي نحن فيها بأمس الحاجة لإعلان التقشف والترشيد والتقنين، وبأمس الحاجة لإيقاف نزيف الأموال المهدورة. فتلك حالة لا ينبغي السكوت عليها، ولا ينبغي السماح للعابثين بإثارة المزيد من المشاكل على الطريقة التي انتهجها (مشكل).
https://www.youtube.com/watch?v=xB6p1EEC8-s

الثلاثاء، 13 يناير 2015

دور المعمار في حضارة الانسان- د.إحسان فتحي


دور المعمار في حضارة الانسان



       صدر مؤخرا كتاب فلسفي معماري ضخم للمعماري العراقي الكبير رفعة كامل الجادرجي بعنوان (دور المعمار في حضارة الإنسان) نشره مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت. ويتطرق هذا الكتاب الذي بلغت عدد صفحاته 784 وقسم إلى 19 فصلا ً، إلى مفهوم الحاجة عند الإنسان، والسيميائية، ودور الحضارات المختلفة (عدا الإسلامية)، والمجتمع المدني، والمكننة، وسلبية الحداثة، وفصل مهم عن "عجز التنظير" في العمارة، والمركزية الغربية، والعولمة والقطرية، وأخيرا عن مهمة ما يسميهم " قادة عمارة الوطن العربي".ان هذا الكتاب هو إضافة هامة جدا للفكر المعماري ومن الضروري اعتباره احد المراجع الأساسية في كليات العمارة في العالم العربي. وسأحاول قريبا ان اكتب عنه بشىء من التفصيل. نثمن جهود المعماري والمفكر والصديق العزيز رفعة في رفده الأصيل للفكر المعماري العربي بعيدا عن غيمة المركزية الغربية التي لطالما تسلطت على عقولنا وحتى عندما نحاول دراسة تراثنا العربي الإسلامي العريق.نتمنى له دوام الصحة والعافية وهو يقترب من تسعينية عمره الحافل، والمزيد من العطاء المبدع.

د.إحسان فتحي
 جمعية المعماريين العراقيين

صدور كتاب عدنان المبارك ( ضد اليوميات 2014 ):





صدور كتاب عدنان المبارك ( ضد اليوميات 2014 )



عن مؤسسة ( أدب فن ) صدر كتاب عدنان المبارك بعنوان ( ضد اليوميات 2014 ) ، ويجمع 13 نصا نشر في العام الماضي. والكتاب جمع بين اليوميات والتأملات التي لا يؤطرها الزمن. فمعظم النصوص يفترق عن التصور التقليدي عن كتابة اليوميات. وفيها يتناول المبارك مختلف الأشكاليات الأدبية والفلسفية والفنية وغيرها. في النص الأول يتوقف المبارك عند أدب أمبرتو أيكو كروائي وباحث. و نقرأ أن أدب أيكو منذ ( اسم الوردة ) يأتي تأكيدا قويا على حضور ما بعد الحداثة في المعاصرة. نقاد يجدون ( اسم الوردة ) رواية نموذجية لمابعد الحداثة مستندين هنا أيضا على ما قاله ايكو بنفسه : كل شيء قد قيل ولذا لم يبق هناك من شيء سوى الدخول في لعبة مع القاريء. ومن هنا محاكاة مختلف المشاهد الأدبية و(الموتيفات ) وسبل توجيه الأبطال. وكل هذا يتشابك في الرواية المذكورة بمختلف الاستشهادات من أعمال أخرى. الميزة الأولى في أدب أيكو هي السخرية والباروديا. تنشأ هنا لعبة فكرية يجدها الكثيرون مسلية جدا.
ويتوقف المبارك عند رحيل الشاعرة البولندية الكبيرة تشيسوافا
شيمبورسكا ، كما يترج معددا من قصائدها. وفي نص آخر مكرس لأميل سيوران ويعترف بأنه يميل الى الكتابة عن هذا المفكر الروماني الكبير الذي ( لايمكن نكران اصالته وحتى من جانب أشد المتفائلين و" محبي الانسان " ).
وفي هذه اليوميات كلام عن حسن بلاسم صديق المبارك وزميله في الاشراف على موقع القصة العراقية. وكان حسن قد رفض دعوة لحضور معرض الكتب لعام 2014 في أبوظبي والذي كما قال يتهافت عليه ، ( اللكّامة ) العرب وغيرهم. جاء في رسالة الرفض : أنتم في هذا المعرض لاتقدرون على بيع كل شيء الى بلدان الخليج خاصة حيث لا تتوافر حقوق الانسان الأساسية. فكل الحقوق مسجونة. في الأمارات القبلة ممنوعة. في قطر يحكم بالسجن 15 سنة على قصيدة. في العربية السعودية تسجن اذا كان شعرك طويلا أو أنك ملحد . في الكويت يصوّرون الناس في المطار كي يعرفوا المثليين...).
ونقرا أيضا عن علاقة المبارك الروحية بفرناندو بيسوا وكيف أنه ظل يتابع كتابات أنتونيو تابوكي عن الشاعر البرتغالي الذي أكد طوال حياته القصيرة على أن ( الكاتب لاينطق بصوت واحد بل حتى الوجه يتحول الى وجوه ، وعموما لابد من مزج الفعلي باللافعلي ، فهذه سنّة استعرناها من السماء أيضا ! ).
ويتطرق المبارك الى كتاب ( التحولات ) الصيني الذي يعلم قارءه بأن العالم الذي يظهر أمام أبصارنا هو مظهر خادع أو مجرد سطح للواقع الحقيقي. بالطبع يكون منطقيا السؤال عن العلاقة بين نصّ كتب قبل بضعة آلاف السنين و بين قضايانا الحياتية المعاصرة ، وكيف بوسع مقطع من هذا الكتاب إختير لا على التعيين ، أن يقدّم الجواب الشافي والمقنع على أسئلة إنسان القرن الحادي والعشرين ؟ أكيد أن الجواب على مثل هذه الأسئلة يعتمد على هوية السائل ! فهل هو من الفئة التي تفكرعقلانيا أم لا ، أو بالأحرى هل ينتمي الى حضارة تأخذ بالرؤية من الطراز المعرفي ( الأبستمولوغي ) أم لا. ومعلوم أن أبعاد مثل هذه الرؤية تتغير زمكانيا.
وفي ( ضد اليوميات ) هذه نقرأ عن تأملات المبارك حول الفن المعاصر. ويستعرض أفكار نخبة من الفنانين والمفكرين عن الفن المعاصر. وهناك وقفة عند اليوت حيث يسرد المبارك ذكرياته مع لقاءاته الأولى مع هذا الشاعر. ويجد القاريء نصا آخر كرسه المبارك للرسائل المتبادلة بينه وصديقه عادل كامل. وفي المقدمة نقرأ : عادل يفكرعميقا والى درجة مرهبة ، بمعضلاتنا ، و يعاني مثل رب مهجور ، من نكباتنا وكانسان كتب عليه أن يولد ويحيا في بلد للكوارث منذ أن تركنا أجدادنا السومريون والأكديون وتركناهم أيضا. عادل فنان وكاتب مشحون بمتفجرات أنتجها مثل هذا الوعي الذي يريد الوصول الى حافات الكون رغم أنه ، وكما يقول ، لا يؤذي نملة . لكن ما العمل ، فمثل هذه الرحلة الوجودية تدق نواقيسها في كل ثانية. يخال اليّ أن شيطانا، أو ربّا ، ضاق ذرعا بكل شيء وألقى بالصديق في ثقب أسود. نعم ما يجمعني بعادل هذا كله مضاف اليه ذلك الوعي بأن كل ألعاب الواقع العراقي بل البشري قد صارت ذات أصول أخرى. فالعبث الأصم والوجه القبيح للأنسان هما صنوان. عزيزي عادل . لدينا مانفكر به ونقوله أكثر من هذه الرسائل ولأننا نعرف ونؤمن عميقا بأن الصمت هو قدرنا الأكثر حكمة ، ولندع من له طاقة للثرثرة اليومية أن يلتحق بتلك الآلهة من نسل ذباب السأم وفقاعات الوجود بصيغتيه ( الواقعية ) والافتراضية ...
ويعود المبارك في (ضد اليوميات ) الى ذكرياته حين قرأ سارتر في المرة الأولى ، ويكتب : لا أزال أجد أن هذا الفرنسي هو مرشحي الوحيد كي يحتل المرتبة الأولى كرمز لعصرنا...
ويكتب المبارك عن مؤلف ( الموت ) لموريس ميترلنك والذي وجده يطرح أسئلة كثيرة عن شتى الافتراضات المتعلقة بمصيرنا. وكلها تنضح بالقنوط ولأن لا أنقاذ هناك في الحواس والعقل الذي هو عاجز عن تخطي الحدود التي رسمت له. ويستشهد ميترلنك بكلمة لوليم بليك : الفكر يعجز عن فهم شيء هو أكبر منه.
ويتناول المبارك ظاهرة التكاثر البشري ، ويقول : اليومي يحجب عني الكثير من الحقائق وبينها ما يسمى بضدية الولادة Anti- natalisme . ولهذه الضدية تأريخ بالغ القدم أخذ بالقيمة السلبية لتكاثرالبشر. وقد انبعث في زمننا بهذا الاسم بعد صدور كتاب تيوفيل دي جيرو Théophil de Giraud ( L'art de guillotiner les procréateurs: Manifeste anti-nataliste فن مقصلة الانجاب : مانفست ضد الانجاب ). أما الأسم بالانكليزية anti-natalism فقد شاع بعد صدور كتاب دافيد بيناتارDavid Benatar ( الأفضل أن لا تكون : الضرر في القدوم الى الوجود Better Never to Have Been: The Harm of Coming into Existence ). قائمة القدامى الواقفين ضد الانجاب طويلة ، وبينهم المعري وشوبنهاور وشاتوبريان وكييركيغور وهمبولدت وجاك كيرواك وأميل سيوران وتوماس برنارد وفرناندو فاليخو ، كما هناك الكثير من الطوائف الدينية التي تعارض الانجاب...
ويتكلم المبارك عن قراءته لقصص فنتازية لدوستويفسكي حيث يكتب : يستغرب بعضهم بل كثيرون من انتقال فيودور دوستويفسكي من تلك الواقعية الحادة والغائرة عميقا في عالم الانسان و... جسده ، الى الكتابة الفنتازية. أهي فنتازية حقا ؟ لا أظن. أكيد أن فيها عناصرا معينة من هذه الفنتازيا لكن كاتبها لم يتخل أبدا عن تسليط تلك الأضواء الحادة على الانسان ، والتذكير بأن البشر ليسوا الا كيانات من لحم ودم تواجه الواقع بشتى ( الأسلحة ).
و في النص الأ خير من الكتاب نقرأ عن الميثولوجيا اليونانية . يرى المبارك
شأن الكثيرين أن الأسطورة لم تلعب دورا بمثل هذه الأهمية الكبيرة وكما في الثقافة اليونانية. فالأسطورة كانت ذلك الجزء الأساسي والفائق في المعتقد اليوناني. وفي الأساس كانت غريبة على الهيلينيين فكرة الدين المرسل بكتبه المقدسة. المفهوم الديني الأول كان قد طوّره الشعراء والكتّاب الذين منحوه شكلا فنيا ومعنى أخلاقيا وغالبما أهمية سياسية أيضا. الأساطير رافقت تطور الأدب اليوناني مانحة إياه عبر بضعة عشر من القرون أهم العقد المضمونية. وانتهلت منها بشكل خاص ، الملحمة والتراجيديا والشعر بأصنافه الأخرى. وهذا الكلام يخص التشكيل أيضا.

حكايات ولدي الشاطر-عادل كامل

  

حكايات ولدي الشاطر



عادل كامل




[21]
أحلام
وسألني ذات مرة: لماذا لا تموت؟
لم اجب .. وكدت أغادر البيت .. إلا أني سألته، بعد أن هدأ غضبي الداخلي:
ـ لماذا ؟
قال : أود أن تروي لي ماذا يحدث هناك ؟
صحت حالا ٍ: يا  ولد .. لقد كبرت !
قال حالا ً: لا .. يا بابا .. هذه هي أحلامي..وأنا أود أن اعرف أحلامك ؟

[22]
أزهار الحديقة




سألني وأنا أحدق في أزهار الحديقة:
ـ لماذا تنظر إليها هكذا ؟
قلت: لأن الأزهار تحب الصمت.
قال حالا ً: لا .. بابا.. لأنها تتكلم بصوت هاديء..!

[23]
حلم




رسم ولدي ذئبا وحملا ً وأسدا ً وشاة ونمرا ً وأرنب إلى جانبها دب ابيض وغزال وطيور مختلفة ..
    فسألته :
ـ ماذا ترسم ؟
ـ أرسم حلما ً رايته ليلة أمس.
صمت قليلا ً ثم سألني :
ـ لكنني عندما ذهبت إلى حديقة الحيوانات رأيت الجميع داخل الأقفاص .. لماذا ؟
ـ حتى  لا يفترس احدها الآخر .
فأجاب مدهوشا ً:
ـ لكنها حيوانات لطيفة..أنظر إليها، إنها تغني أغنية جميلة!

[24]
الصديق

زارني أصدقاء قدماء، ومعارف..مساء احد الأيام . وكانوا يتحدثون عن أشياء كثيرة فيما كنت اعتكف منزويا مع نفسي.. في تلك اللحظات قفز ولدي نحوي هامسا ً:
ـ لقد مر من أمام البيت .. ولم يدخل.
ـ من ؟
قال وهو يحدق في ّ:
ـ الم ْ تره ؟ قلت لك من ؟ قال:
ـ انظر .. انهض .. إلا تراه .. انه ..
     نهضت ..ونظرت: كان احد أصدقائي الشهداء..آنذاك غادرت البيت تاركا الأصدقاء والمعارف يشاهدون فلما ً حربيا ً.

[25]
نوافذ

رغم أني كنت مرهقاً، فلم أرقد حتى الصباح. كان ولدي يعيد قراءة دروسه.. ويعيد كتابة واجباته .. وفي الفجر سألني:
ـ مع من كنت تتحدث ؟
ـ معهم.
     وساد الصمت بيننا فترة أخرى من الزمن، لكني سألته:
ـ لماذا كنت تفتح النوافذ .. والدنيا برد ؟
ـ كي يدخل أصدقاؤك الشهداء، الذين كنت تتحدث معهم، طوال الليل.



[26]
عناق





بعد أن عدت من الحرب..مؤخرا ً .. استقبلني ولدي مبتهجا ً.. وعانقني .. وبعد الاستراحة سألني، وهو ينظر  إلى قرص الشمس الذهبي:
ـ بابا .. هل تضيء أشعة الشمس ارض الأعداء..؟
قلت له :
ـ نعم .
فقال بصوت حزين :
ـ لماذا إذن تتقاتلون..؟!

[27]
استمتاع



قال ذات مرة :
ـ تعال نذهب إلى الشمس ..
ـ إنها بعيدة ..
وقلت له:
ـ هيا ادخل إلى البيت ..الهواء شديد البرودة ..
فقال:
ـ بابا .. دعني استقبل أشعة الشمس ..فإن كنا لا نستطيع الذهاب إليها فلماذا لا نستقبلها في بيتنا ؟!

[28]
خجل




في طريقي، مع ولدي إلى المدرسة، طلبت منه أن يغني .. فقال:
ـ الشارع يخجل مني.. !


[29]
حزن


قال : يقولون انك رجل حزين !
قلت : نعم .
فقال ضاحكاً: لكنك تعلمني الفرح يوميا ً..
قلت : ذاك هو سر حزني !!

[30]
أشجار





في ليلة باردة جداً، كنت أتأمل النار، وذلك اللهب المتصاعد منها عندما دخل ولدي  وجلس بالقرب مني. كنت احسب ان ولدي الشاطر سيتأمل ، مثلي، جمرات النار، والصوت المنبعث من احتراق الخشب.. وما يوحي به الشتاء من أسرار لذيذة.. إلا انه سألني فجأة :
ـ بابا .. لماذا نحرق الأشجار المسكينة.. ؟
ـ لأن الدنيا باردة جدا ً .
فقال بصوت عال ٍ:
ـ لا ..بل لأن الأشجار لا تستطيع الهرب !