الثلاثاء، 13 يناير 2015

دور المعمار في حضارة الانسان- د.إحسان فتحي


دور المعمار في حضارة الانسان



       صدر مؤخرا كتاب فلسفي معماري ضخم للمعماري العراقي الكبير رفعة كامل الجادرجي بعنوان (دور المعمار في حضارة الإنسان) نشره مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت. ويتطرق هذا الكتاب الذي بلغت عدد صفحاته 784 وقسم إلى 19 فصلا ً، إلى مفهوم الحاجة عند الإنسان، والسيميائية، ودور الحضارات المختلفة (عدا الإسلامية)، والمجتمع المدني، والمكننة، وسلبية الحداثة، وفصل مهم عن "عجز التنظير" في العمارة، والمركزية الغربية، والعولمة والقطرية، وأخيرا عن مهمة ما يسميهم " قادة عمارة الوطن العربي".ان هذا الكتاب هو إضافة هامة جدا للفكر المعماري ومن الضروري اعتباره احد المراجع الأساسية في كليات العمارة في العالم العربي. وسأحاول قريبا ان اكتب عنه بشىء من التفصيل. نثمن جهود المعماري والمفكر والصديق العزيز رفعة في رفده الأصيل للفكر المعماري العربي بعيدا عن غيمة المركزية الغربية التي لطالما تسلطت على عقولنا وحتى عندما نحاول دراسة تراثنا العربي الإسلامي العريق.نتمنى له دوام الصحة والعافية وهو يقترب من تسعينية عمره الحافل، والمزيد من العطاء المبدع.

د.إحسان فتحي
 جمعية المعماريين العراقيين

صدور كتاب عدنان المبارك ( ضد اليوميات 2014 ):





صدور كتاب عدنان المبارك ( ضد اليوميات 2014 )



عن مؤسسة ( أدب فن ) صدر كتاب عدنان المبارك بعنوان ( ضد اليوميات 2014 ) ، ويجمع 13 نصا نشر في العام الماضي. والكتاب جمع بين اليوميات والتأملات التي لا يؤطرها الزمن. فمعظم النصوص يفترق عن التصور التقليدي عن كتابة اليوميات. وفيها يتناول المبارك مختلف الأشكاليات الأدبية والفلسفية والفنية وغيرها. في النص الأول يتوقف المبارك عند أدب أمبرتو أيكو كروائي وباحث. و نقرأ أن أدب أيكو منذ ( اسم الوردة ) يأتي تأكيدا قويا على حضور ما بعد الحداثة في المعاصرة. نقاد يجدون ( اسم الوردة ) رواية نموذجية لمابعد الحداثة مستندين هنا أيضا على ما قاله ايكو بنفسه : كل شيء قد قيل ولذا لم يبق هناك من شيء سوى الدخول في لعبة مع القاريء. ومن هنا محاكاة مختلف المشاهد الأدبية و(الموتيفات ) وسبل توجيه الأبطال. وكل هذا يتشابك في الرواية المذكورة بمختلف الاستشهادات من أعمال أخرى. الميزة الأولى في أدب أيكو هي السخرية والباروديا. تنشأ هنا لعبة فكرية يجدها الكثيرون مسلية جدا.
ويتوقف المبارك عند رحيل الشاعرة البولندية الكبيرة تشيسوافا
شيمبورسكا ، كما يترج معددا من قصائدها. وفي نص آخر مكرس لأميل سيوران ويعترف بأنه يميل الى الكتابة عن هذا المفكر الروماني الكبير الذي ( لايمكن نكران اصالته وحتى من جانب أشد المتفائلين و" محبي الانسان " ).
وفي هذه اليوميات كلام عن حسن بلاسم صديق المبارك وزميله في الاشراف على موقع القصة العراقية. وكان حسن قد رفض دعوة لحضور معرض الكتب لعام 2014 في أبوظبي والذي كما قال يتهافت عليه ، ( اللكّامة ) العرب وغيرهم. جاء في رسالة الرفض : أنتم في هذا المعرض لاتقدرون على بيع كل شيء الى بلدان الخليج خاصة حيث لا تتوافر حقوق الانسان الأساسية. فكل الحقوق مسجونة. في الأمارات القبلة ممنوعة. في قطر يحكم بالسجن 15 سنة على قصيدة. في العربية السعودية تسجن اذا كان شعرك طويلا أو أنك ملحد . في الكويت يصوّرون الناس في المطار كي يعرفوا المثليين...).
ونقرا أيضا عن علاقة المبارك الروحية بفرناندو بيسوا وكيف أنه ظل يتابع كتابات أنتونيو تابوكي عن الشاعر البرتغالي الذي أكد طوال حياته القصيرة على أن ( الكاتب لاينطق بصوت واحد بل حتى الوجه يتحول الى وجوه ، وعموما لابد من مزج الفعلي باللافعلي ، فهذه سنّة استعرناها من السماء أيضا ! ).
ويتطرق المبارك الى كتاب ( التحولات ) الصيني الذي يعلم قارءه بأن العالم الذي يظهر أمام أبصارنا هو مظهر خادع أو مجرد سطح للواقع الحقيقي. بالطبع يكون منطقيا السؤال عن العلاقة بين نصّ كتب قبل بضعة آلاف السنين و بين قضايانا الحياتية المعاصرة ، وكيف بوسع مقطع من هذا الكتاب إختير لا على التعيين ، أن يقدّم الجواب الشافي والمقنع على أسئلة إنسان القرن الحادي والعشرين ؟ أكيد أن الجواب على مثل هذه الأسئلة يعتمد على هوية السائل ! فهل هو من الفئة التي تفكرعقلانيا أم لا ، أو بالأحرى هل ينتمي الى حضارة تأخذ بالرؤية من الطراز المعرفي ( الأبستمولوغي ) أم لا. ومعلوم أن أبعاد مثل هذه الرؤية تتغير زمكانيا.
وفي ( ضد اليوميات ) هذه نقرأ عن تأملات المبارك حول الفن المعاصر. ويستعرض أفكار نخبة من الفنانين والمفكرين عن الفن المعاصر. وهناك وقفة عند اليوت حيث يسرد المبارك ذكرياته مع لقاءاته الأولى مع هذا الشاعر. ويجد القاريء نصا آخر كرسه المبارك للرسائل المتبادلة بينه وصديقه عادل كامل. وفي المقدمة نقرأ : عادل يفكرعميقا والى درجة مرهبة ، بمعضلاتنا ، و يعاني مثل رب مهجور ، من نكباتنا وكانسان كتب عليه أن يولد ويحيا في بلد للكوارث منذ أن تركنا أجدادنا السومريون والأكديون وتركناهم أيضا. عادل فنان وكاتب مشحون بمتفجرات أنتجها مثل هذا الوعي الذي يريد الوصول الى حافات الكون رغم أنه ، وكما يقول ، لا يؤذي نملة . لكن ما العمل ، فمثل هذه الرحلة الوجودية تدق نواقيسها في كل ثانية. يخال اليّ أن شيطانا، أو ربّا ، ضاق ذرعا بكل شيء وألقى بالصديق في ثقب أسود. نعم ما يجمعني بعادل هذا كله مضاف اليه ذلك الوعي بأن كل ألعاب الواقع العراقي بل البشري قد صارت ذات أصول أخرى. فالعبث الأصم والوجه القبيح للأنسان هما صنوان. عزيزي عادل . لدينا مانفكر به ونقوله أكثر من هذه الرسائل ولأننا نعرف ونؤمن عميقا بأن الصمت هو قدرنا الأكثر حكمة ، ولندع من له طاقة للثرثرة اليومية أن يلتحق بتلك الآلهة من نسل ذباب السأم وفقاعات الوجود بصيغتيه ( الواقعية ) والافتراضية ...
ويعود المبارك في (ضد اليوميات ) الى ذكرياته حين قرأ سارتر في المرة الأولى ، ويكتب : لا أزال أجد أن هذا الفرنسي هو مرشحي الوحيد كي يحتل المرتبة الأولى كرمز لعصرنا...
ويكتب المبارك عن مؤلف ( الموت ) لموريس ميترلنك والذي وجده يطرح أسئلة كثيرة عن شتى الافتراضات المتعلقة بمصيرنا. وكلها تنضح بالقنوط ولأن لا أنقاذ هناك في الحواس والعقل الذي هو عاجز عن تخطي الحدود التي رسمت له. ويستشهد ميترلنك بكلمة لوليم بليك : الفكر يعجز عن فهم شيء هو أكبر منه.
ويتناول المبارك ظاهرة التكاثر البشري ، ويقول : اليومي يحجب عني الكثير من الحقائق وبينها ما يسمى بضدية الولادة Anti- natalisme . ولهذه الضدية تأريخ بالغ القدم أخذ بالقيمة السلبية لتكاثرالبشر. وقد انبعث في زمننا بهذا الاسم بعد صدور كتاب تيوفيل دي جيرو Théophil de Giraud ( L'art de guillotiner les procréateurs: Manifeste anti-nataliste فن مقصلة الانجاب : مانفست ضد الانجاب ). أما الأسم بالانكليزية anti-natalism فقد شاع بعد صدور كتاب دافيد بيناتارDavid Benatar ( الأفضل أن لا تكون : الضرر في القدوم الى الوجود Better Never to Have Been: The Harm of Coming into Existence ). قائمة القدامى الواقفين ضد الانجاب طويلة ، وبينهم المعري وشوبنهاور وشاتوبريان وكييركيغور وهمبولدت وجاك كيرواك وأميل سيوران وتوماس برنارد وفرناندو فاليخو ، كما هناك الكثير من الطوائف الدينية التي تعارض الانجاب...
ويتكلم المبارك عن قراءته لقصص فنتازية لدوستويفسكي حيث يكتب : يستغرب بعضهم بل كثيرون من انتقال فيودور دوستويفسكي من تلك الواقعية الحادة والغائرة عميقا في عالم الانسان و... جسده ، الى الكتابة الفنتازية. أهي فنتازية حقا ؟ لا أظن. أكيد أن فيها عناصرا معينة من هذه الفنتازيا لكن كاتبها لم يتخل أبدا عن تسليط تلك الأضواء الحادة على الانسان ، والتذكير بأن البشر ليسوا الا كيانات من لحم ودم تواجه الواقع بشتى ( الأسلحة ).
و في النص الأ خير من الكتاب نقرأ عن الميثولوجيا اليونانية . يرى المبارك
شأن الكثيرين أن الأسطورة لم تلعب دورا بمثل هذه الأهمية الكبيرة وكما في الثقافة اليونانية. فالأسطورة كانت ذلك الجزء الأساسي والفائق في المعتقد اليوناني. وفي الأساس كانت غريبة على الهيلينيين فكرة الدين المرسل بكتبه المقدسة. المفهوم الديني الأول كان قد طوّره الشعراء والكتّاب الذين منحوه شكلا فنيا ومعنى أخلاقيا وغالبما أهمية سياسية أيضا. الأساطير رافقت تطور الأدب اليوناني مانحة إياه عبر بضعة عشر من القرون أهم العقد المضمونية. وانتهلت منها بشكل خاص ، الملحمة والتراجيديا والشعر بأصنافه الأخرى. وهذا الكلام يخص التشكيل أيضا.

حكايات ولدي الشاطر-عادل كامل

  

حكايات ولدي الشاطر



عادل كامل




[21]
أحلام
وسألني ذات مرة: لماذا لا تموت؟
لم اجب .. وكدت أغادر البيت .. إلا أني سألته، بعد أن هدأ غضبي الداخلي:
ـ لماذا ؟
قال : أود أن تروي لي ماذا يحدث هناك ؟
صحت حالا ٍ: يا  ولد .. لقد كبرت !
قال حالا ً: لا .. يا بابا .. هذه هي أحلامي..وأنا أود أن اعرف أحلامك ؟

[22]
أزهار الحديقة




سألني وأنا أحدق في أزهار الحديقة:
ـ لماذا تنظر إليها هكذا ؟
قلت: لأن الأزهار تحب الصمت.
قال حالا ً: لا .. بابا.. لأنها تتكلم بصوت هاديء..!

[23]
حلم




رسم ولدي ذئبا وحملا ً وأسدا ً وشاة ونمرا ً وأرنب إلى جانبها دب ابيض وغزال وطيور مختلفة ..
    فسألته :
ـ ماذا ترسم ؟
ـ أرسم حلما ً رايته ليلة أمس.
صمت قليلا ً ثم سألني :
ـ لكنني عندما ذهبت إلى حديقة الحيوانات رأيت الجميع داخل الأقفاص .. لماذا ؟
ـ حتى  لا يفترس احدها الآخر .
فأجاب مدهوشا ً:
ـ لكنها حيوانات لطيفة..أنظر إليها، إنها تغني أغنية جميلة!

[24]
الصديق

زارني أصدقاء قدماء، ومعارف..مساء احد الأيام . وكانوا يتحدثون عن أشياء كثيرة فيما كنت اعتكف منزويا مع نفسي.. في تلك اللحظات قفز ولدي نحوي هامسا ً:
ـ لقد مر من أمام البيت .. ولم يدخل.
ـ من ؟
قال وهو يحدق في ّ:
ـ الم ْ تره ؟ قلت لك من ؟ قال:
ـ انظر .. انهض .. إلا تراه .. انه ..
     نهضت ..ونظرت: كان احد أصدقائي الشهداء..آنذاك غادرت البيت تاركا الأصدقاء والمعارف يشاهدون فلما ً حربيا ً.

[25]
نوافذ

رغم أني كنت مرهقاً، فلم أرقد حتى الصباح. كان ولدي يعيد قراءة دروسه.. ويعيد كتابة واجباته .. وفي الفجر سألني:
ـ مع من كنت تتحدث ؟
ـ معهم.
     وساد الصمت بيننا فترة أخرى من الزمن، لكني سألته:
ـ لماذا كنت تفتح النوافذ .. والدنيا برد ؟
ـ كي يدخل أصدقاؤك الشهداء، الذين كنت تتحدث معهم، طوال الليل.



[26]
عناق





بعد أن عدت من الحرب..مؤخرا ً .. استقبلني ولدي مبتهجا ً.. وعانقني .. وبعد الاستراحة سألني، وهو ينظر  إلى قرص الشمس الذهبي:
ـ بابا .. هل تضيء أشعة الشمس ارض الأعداء..؟
قلت له :
ـ نعم .
فقال بصوت حزين :
ـ لماذا إذن تتقاتلون..؟!

[27]
استمتاع



قال ذات مرة :
ـ تعال نذهب إلى الشمس ..
ـ إنها بعيدة ..
وقلت له:
ـ هيا ادخل إلى البيت ..الهواء شديد البرودة ..
فقال:
ـ بابا .. دعني استقبل أشعة الشمس ..فإن كنا لا نستطيع الذهاب إليها فلماذا لا نستقبلها في بيتنا ؟!

[28]
خجل




في طريقي، مع ولدي إلى المدرسة، طلبت منه أن يغني .. فقال:
ـ الشارع يخجل مني.. !


[29]
حزن


قال : يقولون انك رجل حزين !
قلت : نعم .
فقال ضاحكاً: لكنك تعلمني الفرح يوميا ً..
قلت : ذاك هو سر حزني !!

[30]
أشجار





في ليلة باردة جداً، كنت أتأمل النار، وذلك اللهب المتصاعد منها عندما دخل ولدي  وجلس بالقرب مني. كنت احسب ان ولدي الشاطر سيتأمل ، مثلي، جمرات النار، والصوت المنبعث من احتراق الخشب.. وما يوحي به الشتاء من أسرار لذيذة.. إلا انه سألني فجأة :
ـ بابا .. لماذا نحرق الأشجار المسكينة.. ؟
ـ لأن الدنيا باردة جدا ً .
فقال بصوت عال ٍ:
ـ لا ..بل لأن الأشجار لا تستطيع الهرب !



الأحد، 11 يناير 2015

حامد كعيد الجبوري - إضاءة : صبراً أيها السوريون أن موعدكم الحياة !!!

حامد كعيد الجبوري - إضاءة : صبراً أيها السوريون أن موعدكم الحياة !!!

نجل السيد الوكيل-كاظم فنجان الحمامي

نجل السيد الوكيل

كاظم فنجان الحمامي

أحياناً يضطر بعض أصحاب السيارات الخصوصية، من ذوي الدخل المحدود، لتشغيل سياراتهم، وتوظيفها في محاور نقل الركاب أسوة بسيارات الأجرة، وغالباً ما يختار الناس (وأنا واحد منهم) الركوب بتلك السيارات المريحة في جولاتهم اليومية.
قبل بضعة أيام استأجرت سيارة من هذه السيارات الجميلة. كان سائقها شاباً يافعا، يميل إلى المرح والمشاكسة. كان كلما مر بنقطة من نقاط التفتيش يتوجه بسيارته مباشرة إلى المسار المخصص لسيارات كبار المسؤولين، في الوقت الذي تكون فيه سيارات عامة الناس مكدسة في المسارات الأخرى بانتظار دورها في التفتيش.
كان يتخلص من الازدحام المروري بمهارة واضحة، ويتجاوز السيارات المكتظة بفطنته وذكائه وجرأته، فينفذ بسيارته بسرعة مذهلة حيثما يشاء ومن دون تعطيل. لم تكن سيارته تحمل أرقاماً حكومية، ولا علامة من علامات أصحاب المناصب العليا.
مر بنقاط التفتيش كلها من دون أن يعترضه أحد. كانوا كلما يستوقفونه ويسألونه عن درجته الوظيفية، التي أهلته لاقتحام المسار المخصص لكبار المسؤولين. يجيبهم بثقة عالية ومن دون تردد: أنا ابن السيد الوكيل، فيحيونه ويحيوا والده السيد الوكيل، ثم يرفعوا أمامه حواجز الطريق، ويزيلوا المعرقلات البلاستيكية ليسمحوا له بالمرور.
كنت أراقب نجل السيد الوكيل وهو يتنقل بخفته ومرونته بين نقاط التفتيش، لم تدهشني خفته ولا مرونته، فأبناء الوكلاء والوزراء يتمتعون بمزايا وتسهيلات لا حدود لها في ظل الفوضى الديمقراطية، التي اجتاحت البلاد من شمالها إلى جنوبها، لكن الذي حيرني وأوقعني في دوامات الدهشة، هو كيف يعمل نجل السيد الوكيل سائقاً لسيارات الأجرة ؟. قلت له:
- كيف سمح لك السيد الوالد (الوكيل) بالعمل كسائق تاكسي ؟.
- فأجابني بلباقة: هو الذي شجعني على العمل في هذه المهنة الحرة.
- قلت له: ألا يخشى عليك من مخاطر الطريق ؟.
- أجابني: كلا أبداً، فهو يعلم مدى مهارتي في قيادة السيارات.
- قلت له: أن والدك يمتلك علاقات واسعة مع أركان الدولة، وبإمكانه أن يجد لك أكثر من وظيفة باعتباره وكيلاً لإحدى الوزارات، فكيف بخل عليك بالوظيفة، وزج بك في هذا الزحام المروري المربك، وكيف حرمك من استثمار ساعات الفراغ في المذاكرة ومراجعة دروسك الجامعية ؟.
- رد عليَّ بحزم، وقد تغيرت نبرة صوته: كلا يا سيدي، فوالدي يعمل وكيلاً للحصة الغذائية، وتنحصر واجباته بتوزيع مفردات البطاقة التموينية، وهذه إجازته. أنظر إليها حتى تتأكد بنفسك من صحة كلامي.
- قلت له: فلماذا تزعم انك ابن السيد الوكيل ؟.
- قال لي: وما الفرق بيني وبين ابن وكيل الوزارة ؟. ما الذي يميزه عني ؟، فأنا ابن السيد الوكيل أيضاً، ويحق لي أن أتمتع بالمزايا التي يتمتع بها ابن السيد رئيس الجمهورية، أو ابن رئيس الوزراء، أو ابن رئيس البرلمان. أنا لم أكذب على نقاط التفتيش، ولي الفخر أن يكون أبي وكيلاً للحصة التموينية.
كان الفتى يتحدث بعفوية تحمل أكثر من محور من محاور حقوقنا المدنية في إشاعة تطبيقات العدل والمساواة بين الناس كافة على اختلاف ألوانهم وأعمارهم ودرجاتهم ومناصبهم ومراتبهم. أليس هذا هو العدل بعينه ؟؟.

هل فقد شط العرب اسمه إلى الأبد ؟ اليوم الأول من عام 2015 -كاظم فنجان الحمامي


هل فقد شط العرب اسمه إلى الأبد ؟
اليوم الأول من عام 2015

كاظم فنجان الحمامي

لا مكان للخبرة والكفاءة والمهارة في العراق الجديد، فالمؤهلات التخصصية غير مطلوبة في معظم المجالات الحيوية في هذا البلد العجيب، وهكذا كان لزاماً عليَّ أن أمضي آخر أيامي الوظيفية في البحر، فقد انطلقت بالسفينة الأجنبية (MAG SUCCESS) في الصباح الباكر من آخر أيام عام 2014، من موانئ شط العرب إلى البحر، وعدت مساء اليوم نفسه بسفينة بنمية (MEERA) من البحر إلى البصرة.
واصلت المسير ليلا بوجهي المبلل بالتعاسة حتى وصلت (الواصلية)، فألقيت المرساة هناك قبيل منتصف ليلة رأس السنة الجديدة (2015). كنت مثقلا بالهموم والآلام، متوجعا من وخزات (عرق النسا). رميت جسدي المنهك فوق سرير الكابينة المخصصة لي، فسمعت أفراد الطاقم، وكانوا معظمهم من الهنود، يتبادلون التهاني بالعام الجديد. ثم جاءوا إلى كابنتي مهنئين بصوت واحد (هبي نيو يير)، وتركوني لآلامي وهمومي وانصرفوا.
رفعت المرساة في الساعات الأولى من اليوم الأول من العام الجديد، وواصلت المسير نحو موانئ البصرة. كان اسم هذا المجرى الملاحي والنهر الحيوي (شط العرب) منذ قرون وقرون وحتى الليلة الأخيرة من عام 2014، لكنني فوجئت أن اسمه تغير فجأة إلى (أرفند رود)، وهو الاسم الذي اختارته إيران بعد عام 1980، لكنه أصبح الآن شبه رسمي، وربما سيصبح اسماً رسمياً في الأيام القادمة. لا أدري فكل الأشياء المزعجة باتت محتملة الوقوع.
نهر عراقي الهوية عربي الأصل، من أبويين عربيين هما دجلة والفرات. ولد منذ قرون في (القرنة) تحت ظلال شجرة سيدنا آدم، فاقترن اسمه في فردوس الأهوار بجذور هذه الأرض المقدسة، واحتضن أقدم موانئ الكون منذ اليوم الذي امتطى فيه السومريون سفن البردي، ومنذ اليوم الذي بُنيت فيه أكبر وأقدم وأجمل سفن الأنبياء والرسل في الأحواض الرافدينية الواسعة، لكنه فقد اسمه العربي، وهويته العراقية، وسيفقد مستقبله كله في خضم هذا الإهمال المُركَب، الذي اشتركت فيه مؤسساتنا المهنية والإدارية والتشريعية والسياسية والسيادية، فتغير اسمه من شط العرب إلى (أرفند رود) في الخرائط العالمية، من دون أن ينتفض أحد، على الرغم من صيحاتنا المدوية، وكتاباتنا الجريئة، ونداءاتنا المتواصلة.
تغير مجراه بمعاول التعرية. تعثرت مساراته بعوامل الترسيب. أصيبت شرايينه كولسترول الأطيان. أصبح من أكبر مستودعات النفايات والملوثات. انخفض منسوبه المائي. ارتفعت ملوحيته. تراكمت في أعماقه السفن والزوارق الغارقة. ماتت نخيله كلها من المنبع إلى المصب.
من فيكم يصدق أن شط العرب فقد اسمه في خرائط منظومات البحث في الأقمار الصناعية، وفي برامج (الجوجل أيرث)، وفي منظومات التعريف الآلي للسفن التجارية المبحرة في حوض الخليج العربي ؟.
هذا نهر النيل، أطول وأغزر أنهار كوكب الأرض، يمر بنحو (11) دولة أفريقية، هي الكونغو الديمقراطية، وكينيا، وبوروندي، وأوغندا، وتنزانيا، ورواندا، وإثيوبيا، وجنوب السودان، والسودان، ومصر، ولم يتغير اسمه على الرغم من طوله، الذي بلغ (6650) كم.
وهذا نهر الأمازون ثاني أكبر أنهار العالم، من حيث الطول والعمق والغزارة، ومن حيث معدلات التدفق، يمر بست دول أمريكية. هي: بيرو، وكولومبيا، وبوليفيا، وفنزويلا، والإكوادور، والبرازيل، ولم يتغير أسمه.
وهذا نهر الدانوب، أطول أنهار الاتحاد الأوربي، وثاني أطول نهر في القارة العجوز بعد (الفولجا)، يجري في ألمانيا، والنمسا، وسلوفاكيا، والمجر، وكرواتيا، وصربيا، وبلغاريا، ومولدوفا، وأوكرانيا، ورومانيا، وتطل عليه أربع عواصم. هي: فينا وبودابست وبلغراد وبراتيسلافا، لكن أسمه لم يتغير على الرغم من تغير اللغات والهويات والتوجهات.
وهذا نهر الراين الذي أحتل مكانة كبيرة في التاريخ الأوربي بوجه عام، والألماني بوجه خاص، لأنه النهر الذي كان يرسم الحدود الفاصلة بين الإمبراطورية الرومانية وقبائل الجرمان، ويمر الآن بسويسرا وألمانيا وفرنسا وهولندا، لكنه لم يغير أسمه، ولم يفقد ملامحه، باستثناء شط العرب الذي تغير اسمه في المقطع المحصور بين رأس البيشة وأم الرصاص، وصار في ليلة وضحاها (أرفند رود) في الخرائط الملاحية والجغرافية وعلى شبكات البحث في الانترنت، من دون أن يعترض أحد، ومن دون أن يحتج أحد، ومن دون أن يمتعض أحد. ربنا مسنا الضر وأنت أرحم الراحمين


أبو الشربت وزيراً للنامليت-كاظم فنجان الحمامي


أبو الشربت وزيراً للنامليت


كاظم فنجان الحمامي

في ضوء مشروع قانون الموازنة الذي أقره مجلس الوزراء العراقي للعام 2015، بقيمة 123 تريليون دينار عراقي (102.5 مليار دولار أميركي)، وبعجز يناهز 19%، اعتماداً على التحديدات الجديدة لسعر برميل النفط، والتي تقدر بستين دولاراً.
وجدت أن واجبي ككاتب يعمل في عرض البحر، حيث الموانئ والمنصات النفطية العملاقة، يحتم عليّ القيام بمسوحات عامة لأسعار السوائل كلها، ومقارنتها بالسعر الحالي لبرميل النفط، وبناء عليه ينبغي أن أشير هنا إلى أن حجم البرميل كوحدة قياسية أمريكية مُعتمدة في مجال استخراج النفط الخام يساوي (158,98723) لتراً، أو (42) غالوناً. من هنا يمكننا القول أن سعة البرميل تساوي 159 لتراً. ولما كان سعر اللتر الواحد من مشروب الكوكا لا يزيد على دولار واحد، فأن السعر الافتراضي لبرميل الكوكاكولا في أسواقنا المحلية صار في حدود (159) دولاراً، وهو أعلى بكثير من سعر برميل النفط الخام المستخرج من حقل الرميلة الشمالي. وتسري هذه الأسعار المقارنة على البراميل الافتراضية لمشروبات (الفانتا والشابي والسبرايت والبيبسي والسفن أب)، وكل أنواع الشرابت والعصائر. آخذين بنظر الاعتبار أن البرميل الواحد يحتوي على (500) علبة تقريباً من علب الكوكاكولا والبيبسي قياس (330 مل). وبالتالي فأن سعر النفط صار أرخص من مواد استهلاكية كثيرة مثل الحليب، والمياه المعدنية، والشامبو، ومعجون الطماطم.
من نافلة القول نذكر أن تكلفة برميل الحليب الطازج في أسواقنا المحلية تصل إلى (159) دولاراً أيضاً، فاللتر الواحد من حليب (المراعي) أو (KDD) المستورد من الكويت والسعودية يباع عندنا بدولار واحد، وظهر لنا أن تكلفة سعر البرميل الافتراضي للقهوة المبردة من نوع (ستاربكس) يباع بنحو (954) دولاراً، نحو 954 دولارا، ويباع برميل الشطة من نوع (تاباسكو) بحوالي (6155) دولاراً. ويباع البرميل الواحد من عطور (شانل) بحوالي (1.6 مليون) دولاراً. وبرميل الآيس كريم بحوالي (1600) دولاراً. وبرميل قاتل الحشرات من نوع (Raid) بحوالي (945) دولاراً، وبرميل الشامبو من نوع (هيد أند شولدر) بحوالي (1431) دولاراً، وبرميل زيت الذرة (عافية) بحوالي (397)، وبرميل شربت (فيمتو) المستورد بحوالي (318) دولاراً. ولما كان عباس أبو الشربت من أفضل الذين أبدعوا في تطوير صناعة (النامليت) والمرطبات في المنطقة الجنوبية، فأنه ومن دون منازع المرشح الأوحد لإدارة وزارة تختص بإنتاج وتصدير (النامليت)، والتي من المؤمل أن تكون عوائدها المالية أعلى بكثير من عوائد النفط الخام، فشراب (النامليت) من أقدم أنواع المشروبات الوطنية والتراثية في البصرة، وكان معرفا قبل ظهور المشروبات الغازية الأخرى مثل المشن والكراش والشابي. أما اسم (نامليت) فهو في الأصل تحريف لكلمة ليمونيت (lemonade). أي عصير الليمون باللغة الإنجليزية وقد تغير إلى (نامليت) بسبب عفوية لهجتنا العامية.
وربما يفتحها الله بوجوهنا فنؤسس شركة بحرية نطلق عليها (الشركة العامة لناقلات النامليت) على غرار شركة ناقلات النفط، وتكون لنا صهاريجنا المبردة وسيارتنا الحوضية المخصصة لنقل النامليت إلى أقطار الشرق الأوسط. ونطالب مجالسنا المحلية بالمباشرة بوضع مسودة (قانون النامليت والمشروبات الغازية) بموازاة (قانون النفط والغاز). مع ضرورة الاحتفاظ بحصة البصرة بموجب تشريع (النامليت دولار) بعدما بح صوتها في المطالبة بحصتها من البترو دولار.

الجمعة، 9 يناير 2015

10 قصص قصيرة جدا ً- عادل كامل




10  قصص قصيرة جدا ً



عادل كامل
[1] اللعبة
ـ لا تسرع، لا تسرع، سألحق بك، فانا لا انوي إيذاؤك، ولا الثار منك، ولا الانتقام...، فلا تسرع، أرجوك...
   كان يهرول خلفه، حتى لحق به، وأوقفه:
ـ ها أنت، مثلي، في بلد غريب، بعيدا ً عن سجون وطننا، فلِم َ تهرب مني...؟
   مستعيدا ًاشد الساعات قسوة، التي قضاها في الزنزانة، عندما كان الآخر يقوم باستجوابه، وانتزاع الاعترافات منه:
ـ لكنك لم تأخذ مني، إلا ما لا فائدة منه، هذا الذي زال، فانا كنت أؤمن بالحرية، عندما كنت أنت موظفا ً في جهاز عمله الوحيد القضاء علينا، واجتثاثنا. انك لم تنزع الحرية من عقلي، ولا الشفقة من قلبي، مع انك كدت تحولني إلى جثة هامدة، لا تصلح حتى للموت!
وأضاف:
ـ لكن ...، كم جميل انك تستطيع الآن ان تنتزع مني ما تريد...، وما لا تريد، بحرية، بعيدا ً عن الإكراه، والتهديد، والتعذيب....،ـوكلانا يعيش في بلد أوى الضحية مع جلادها على حد سواء...!
   لم يتفوه الآخر بكلمة، كان شارد الذهن، فقال متابعا ً:
ـ الآن فقط كلانا يعيش الفصل الأخير من اللعبة...، لعبتنا معكم، ولعبتكم معنا، فهل تود ان اعترف لك بما لم أبح به تحت اشد الضربات إيلاما ً...، وأنت تنتزع روحي من جسدي، وتعزل رأسي عني!
   لم يجب الآخر، غارقا ً في الذهول، مصغيا ًبانتباه:
ـ  أنت لم تكن محض محقق، أو محض جلاد، صدقني، فأنت كنت تبحث عن حريتك، مثلي، لكنك كنت تنتزعها مني، وأنا أيضا ً كنت اعمل على إخفاء حريتي عنك. لكن اللعبة مكثت تمضي نحو مسارها بعناد، ودقة، حيث اخترت أنت دور الجلاد...، وأنا اخترت ان أعيش دور الضحية، فلا أنت أفلحت بالقضاء علي ّ...، ولا أنا عدلت مساري، وتراجعت، لكننا، في نهاية المطاف، وصلنا درجة انك لا تود ان تراني، ولا أنا أود ان أراك...، لكن اللعبة، يا جلادي، لم تنته بعد، بانتهاء أدوارنا فيها!

[2] مطر
    وأنا لا اعرف أين اختبأ من الأمطار، في البحث عن خيمتي، مع النازحين والفارين، وقد اشتد البرد، والريح مازالت هائجة، تذكرت الصديق الذي قال لي، قبل سنوات بعيدة، وهو يرفع رأسه نحو السماء: لا احلم بالذهاب إلى الفردوس...، ولا الهرب من الأرض، بل انتظر كتبا ً جيدة تهبط مع زخات المطر.....
    ابتسمت، وأنا اردد مع نفسي: لقد أنارت الكتب لنا الكثير من الظلمات، وعلمتنا كيف نتجنب الكثير من العثرات، لكن ....ـ للآسف ـ سمحت لنا ان ندرك إننا لا نعرف ماذا نفعل في اجتياز هذه المحنة!

 [3] الغابة والرماد
    بعد ان التهمت النيران أشجار الغابة وشجيراتها، وحولتهما إلى رماد، لم تجد النار ما تفعله، انتابها القنوط، والحزن، فجلست صامتة، لا تعرف ماذا تعمل.
  خاطبها الرماد:
ـ لا تكترثي، أيتها النار، فالأشجار ستنمو، أقوى مما كانت عليه!
ـ آ .....، كم علي ّ أن انتظر...؟
ـ لا تحزني، فالأشجار لا تكل من النمو، لتجدد شبابها.
  بهدوء سألت النار الرماد:
ـ وأنت ما ـ هو ـ عملك أيها الرماد...؟
ـ عملي ـ هو ـ ان أساعد الأشجار على النمو، فانا أصبحت غذاء ً لها.

[4] الناس والحجارة
   وأخيرا ً عثرت على ضريح الرجل الذي طالما أثار إعجابي، السيد برنارد رسل، فطرقت الباب. لم يجب، فلم اطرق الباب مرة ثانية، لأنه كان منشغلا ً بكتابة قصص بوليسية سبق لي ان قرأتها، فحزنت لأنني انتظرت شيئا ً آخر ينجزه. أخيرا ً سمعته يخاطبني:
ـ تفضل...، هل لديك أخبار سارة عن المستقبل؟
   ابتسمت، فلم أجد جوابا ً، فسألني:
ـ أنت حزين لأن الماضي لا ينتج إلا مستقبله! فالعالم دخل في حروب لا احد يعرف نهايتها.
    فجأة وجدت لدي ّ ما أبوح به، فقلت:
ـ سيدي، المشكلة ليست في الماضي، بل في الذي سبقه، والمشكلة، أيها الفيلسوف العظيم، ليس لأن عالمنا سيدمر بعضه البعض الآخر، بل ماذا سيحصل بعد تدمير الإنسان.
  اقترب مني وهمس بصوت رقيق:
ـ فكرة طريفة صالحة لكتابة قصة جديدة!
  فسألته:
ـ والفلسفة....؟
ـ آ ......، تلك هي التي لم تترك إلا هذا الذي تراه حاملا ً ماضيه إلى النهايات وهي تأخذ طريقها إلى الولادة!
ـ قصة طريفة حقا ً!
   فقال بصوت جاد:
ـ كنت اعتقد ان الديمقراطية ستحل لغز التراكم، لكنها، كما ترى وارى، لا تشبع من الناس، ولا من الحجارة!

[5] عدنان المبارك
    لم يبق لي، في شيخوختي، إلا صديق يكتب لي، بضعة كلمات، في نهاية الأسبوع، يخبرني فيها عن مشاعره، مسراته وعذاباته، فأشاطره هذه  المشاعر، فهو يعيش في بلد بعيد، لم أره، لكن لا يقتل الناس فيه لأي سبب من الأسباب، وأنا كنت اعتزلت الحياة، داخل جدران بيتي، بانتظار الموت. وها هي رسالته الأخيرة تعبر المسافات الشاسعة، في لمحة، فاعرف ان أيامه ـ هو قال ذلك ـ بلغت ذروتها، وقال ان عظامه، ولحمه، وجلده، وما تبقى من جسده ستنفصل عن وعيه. يا الهي....، هل حقا ً سأبقى مصغيا ً بشرود إلى صمت كلماته وأنينها النائي، أم علي ّ ان انتظر دوري بصمت لتتبع خطاه  في الذهاب إلى المجهول ...؟

[6] جواب
كتب إلى صديق قديم:
ـ أخبرني ....، إذا كانوا يقولون لنا ان أرواح أطفالنا تصعد إلى السماء، وان الثكالى، والشيوخ، والأرامل، يقدرون على تحمل ما لا يحتمل من الأوزار، حتى آخر أيامهم فوق هذه الأرض....، اخبرني ماذا يفعل هؤلاء الأثرياء، أمراء الحروب، بالمال...، هل ستدوم مسراتهم على حساب الضحايا، إلى الأبد، أم ان العدم وحده يمد الجميع بأسرار اللعبة التي لا تدوم أكثر من زمن زوالها...، وعبورها من المجهول إلى المجهول...؟  
    ونظر إلى كلماته، فراها تحفر في الأرض، آنذاك نهض، وراح يحفر معها، قبل ان يضع نهاية لرسالته، وقبل ان يجد ضرورة للبحث عن جواب!

[7] براءة
    جاري الذي لم اسمع منه كلمة حسنة، كلمة حسنة واحدة، تخص السيدة زوجته، على مدى سنين، تجاوزت الخمسين سنة، اخبرني ـ في زيارته الأخيرة لي ـ انه ـ قبل أسبوعين، ودعها والى الأبد، وانه ـ راح يعترف لي ـ وعلى مدى حياته، انه لم يتوله بامرأة، كما تعلق بها، فراح يحدثني عن حسناتها، وخصالها الحميدة، التي لا تعد ولا تحصى، وأخيرا ً قال انه لا يعرف ماذا يفعل بعد غيابها.
    لم اندهش، ولم اصدم، فانا نفسي ـ على مدى هذا الزمن ـ طالما شعرت كم كان جاري ثقيلا ً، ومضطربا ً، ليس في عواطفه حسب، بل في أفكاره، وآراءه، وأحكامه أيضا ً، فالرجل لم يترك أحدا ً لم يعثر له على شائبة، وسيئة ما من السيئات!
   فانا شعرت، ببساطة، ومن غير تفكير، أنني لا أرى فيه إلا كائنا ً آخر، فها هو مثل طفل غدا ً يتيما ً، ووحيدا ً، رغم انه في التسعين من العمر. فكم بدا لي شفافا ً، وصادقا ً أيضا ً، مما دعاني للشعور بالآسف، ليس عليه، بل على آثام لا اعرف من ارتكبها بحق الآخر!
[8] شيخوخة
    قالت السيدة لزوجها، وهي تراقب مجموعة من الصبية يعبرون الشارع، بأسى صامت:
ـ لقد فشل الطب في مساعدتنا بإنجاب طفل واحد...، واحد، واحد كان باستطاعته ان يملأ حياتنا بالبهجة، ويشغل فرغنا، ويمدنا بالسرور.
ـ أجل، لكن الطب لم يفشل في منحنا سنوات إضافية، كي نبلغ مرحلة الشيخوخة هذه التي اسمها أرذل العمر..!
ـ من غير بهجة!
صمت قليلا ً وقال:
ـ لم نعد في الزمن القديم، كي نتلقى العون من أولادنا، ثم إنني لم أفكر بك لأداء دور اللبوة، أو ....!
ـ أنا أتحدث عن نظام عمره ملايين السنين، يا زوجي العزيز.
ـ  سيعدل...، سيعدل، وستأتي أنظمة اقل قسوة، وأزمنة اقل جورا ً!
ـ تقصد...، عندما تكف الأسود عن مطاردة فرائسها، والذئاب تتنزه مع الحملان، البشرية تكف عن سفك الدماء... ؟
ـ آ ....، لقد أمضينا ساعة ممتعة في الحديث عن العقم! فلا تقلقي، فلو كان لدينا ولد أو بنت، لكنا لا نمتلك هذا الوقت في الاستمتاع بهذا ....، الذي فشل الطب بمعالجته!

[9] غباء
   قبل ان امسك بالقلم للشروع بالكتابة، في ذات صباح بارد، اقترب حفيدي البالغ ست سنوات من العمر، وسألني:
ـ هل أنت ذكي جدا ً يا جدي...؟
ـ لا! أنا منزلة بين المنزلتين!
ـ منزلة الذكاء اعرفها...، فما هي الأخرى؟
ـ لولا إنني لم أتمتع بشدة الغباء، أو الغباء بإفراط، ولا فخر ...، لكان وجودك بحكم المجهول!
ـ لهذا ماما تقول لي: أنت ذكي مثل جدك!
ـ إنها تمزح معك، فأنت تعرف إنها امرأة رقيقة، فلولا غبائي ربما لن تحصل حتى على القليل من هذا الذكاء!

[10] موعظة
   وتابع الواعظ يتحدث بصوت مرتفع:
ـ ومن ولد أعمى، في هذه الدنيا، هو الآخر سيسترد بصره، في العالم الآخر، كالأعرج، والاثول، والأبرص، والأجرب، والمجذوم، والمصروع، والمخروس، والمشلول، والمكظوم، يولدون بعافية تامة، كالشيخ لا يولد إلا فتى تام الفتوة، وكالعجوز لا تولد إلا فاتنة في ريعان شبابها...
   صمت برهة، ثم أضاف:
ـ وكل من التزم  بالوصايا، وسلك الدرب القويم، واهتدى بالطريق السليم..، من الحاضرين، ومن الحاضرات، ومن الغائبين ومن الغائبات أيضا ً....، يولدون كأن الدنيا التي تركوها ليست إلا مفازة عبور، ومحنة عثرات، وامتحان عسير، إلى الأخرى، بطهر تام، وخلاص مبين!
   فسأله احد العميان، بعد الانتهاء من الموعظة:
ـ وماذا عن الذي ولد مبصرا ً، وقد صدم بما رآه في عالمنا، فغاب بصره عنه...، وما عاد يرى، أيجزى هذا الأعمى  بالنعيم؟
ـ هذا يرجع إلى رب العالمين، فهو اعلم بالنوايا، وإلا لماذا ضحى البعض ببصرهم لإنارة درب الآخرين ...؟
فسأله الأعمى:
ـ أنا أيها الشيخ الجليل سمعت ما لا يصدق...، ففقدت النطق، ورأيت ما لا يرى، ففقدت البصر، وأحسست بما لا يحس ففقدت الحس، واستنشقت كل الذي لا يمكن استنشاقه فلم اعد أشم شيئا ً، ولامست الذي لا يمس ويلمس وله حضور فغاب عني حضوره...، فهل اذهب إلى جهنم؟
   دار بخلد الوعظ: لست أنا هو من يبت بأمرك يا أيها الذي ولد ميتا ً، بل قال له:
ـ سترى في العالم الآخر، وتسمع، وتستنشق، وتلمس، وتحس، كل ما غاب عنك في دنياك ....؟
  فتمتم الأعمى بصوت خفيض: والله اختلطت علي ّ أمور الآخرة بأمور الدنيا، ولم تختلط على ّ كما فعلتها أيها الشيخ الجليل، حتى صرت لا اعرف لماذا ولدت...، ولماذا ينبغي ان ابعث مرة أخرى!
31/12/2014

لا تعبثوا بأرواح الكلام-سوسن ماس




لا تعبثوا بأرواح الكلام
فقد صار الهديل مفعماً من انسكاب الليل في آخر النهار
و لا تحسبوا أن البحار تلونت
بغير ألوان الخلود فهناك يتيم
تحول و احتال الدهر عليه بإرجوحة
من ورد الزعفران
ليصبغ أيامه بالصفار . قد كان الإصبع
الأرجواني ليلكة للهزيم الأخير من الليل
نهض عابراً متلفعاً بما تبقى من صلاة في محراب الحقائق
التي لا تموت . و عند انبلاج ذلك الصبح أصيب بالشلل المفاجئ .
لم يكن في الحسبان أن سنبلة الصراخ تأوي عاشقاً أو مرتد فقد تلبد المطر بكل أنواع الفضائل و لم يفضل
إلا نزع سحابةً لا تريد هذا المطر .
قولوا تأبد أو تأبط عقله و استراح هيهات تغفو الروح في هذا الهياج و المزاج و كل تقليعات البهرجة المستدامة .
منذ عهد ابراهيم و انطونيو قد ملكت الأكوان دستور الحقيقة لتائه في صحاري الود و السدود الترابية .
فلم تكن تلك الأضاحي الا تنفيسة عشقٍ لا يُحد و لكن يُرد بضغطٍ للدم محبوس يعكر صفو الأوردة فلما
تكون الحكايات طويلة و العناوين واضحة أليس في هذا اليم فتىً رشيد يستخرج الأبنوس من فم الحوت و أصوات العبيد .
قد تلبست الجنيات معابر الفتح المبين و لم تترك لنا سوى ما تريد من ثمار لم تنضجها كل حقول الياسمين
. و كل اللاهثين وراء اكتمال لوحات العشق .
لم أعرف أن تلك قصة الملعون الطافي في وجه الحقيقة .
ألا ينقشع قليلا لتتبارى حوريات البحر حول أزرق لا يضيع و لا يكون إلا ملوناً في كل فصول الذكريات تأمرنا
بمرنا و لا نستحلي منها الا الذكريات .
نقطة في البداية و قافلة نقاط في النهاية . و كل ما يستجد بلا هدى و لا ضلال و هناك احتمال البوح الى
ما بعد الاحتمال او قبل بدء الكلام المر .
قد أخشى صدور الصوت من مصلى أو بئر تَعب . بلا صدى يهز اركان الفوضى المستحكمة على عتبات
المنابر الجاهزة لاطلاق اناشيد الاتهام اللامتناهي و تنتهي عند اختلال ميزان الحياة .
فتلك قبرة ضاع منها شيئها الازلي و صوت ركضها في ازقة الطيور بلا تغريد و لا حتى أدنى دندنه . فكلما
ارتفعت للمعجزات مئذنة هدتها واحدة لا تلوي الا على عجز الكائنات .
soshan mas@sawsan