السبت، 15 نوفمبر 2014
الجمعة، 14 نوفمبر 2014
الخميس، 13 نوفمبر 2014
مقروناً بقراءة لديوانه "طائر بلا سماء" الكائن الذي عزف موسيقاه على ضفاف شط الحلة-أحمد الحلي
مقروناً بقراءة لديوانه "طائر بلا سماء"
الكائن الذي عزف موسيقاه على ضفاف شط الحلة
أحمد الحلي
مدخل
منذ أن وطأت قدماه النديتان مدينةَ الحلة حتى أحسَّ مثقفوها وأدباؤها
أن ثمةَ عاصفة ثقافيةً أخذتْ نُذرُها تلوح في الأفق تبعثر الأوراق وتُشابك الخيوط ....
تعيد ترتيبَ أبجديةٍ جديدة لثقافةِ المدينة ولا سيّما في ميدان الشعر
وترسم أفقاً معرفياً متّسماً بالحيوية والنضارة منذ أن وطأت قدماه النديتان مدينة الحلة بدوافع الحبِ والشغف ، حتى أحس مثقفوها أن ثمة صباحاتٍ أخرى أكثرَ طلاوةً ونداوة باتت تطرق أبوابَ المدينة ...
منذ أن اكتحل شطُّ الحلة بمرآه
حتى أخذ يسري في مويجاته دفقٌ من الحيوية والعذوبة لم يألفه من قبلُ
كنا نجلسُ سويةً ، نتسامرُ ضمن مساحة مصغرة جداً اعتدنا أن نطلق عليها تسمية وطننا الصغير المحرر بعد أن انتهك طغاة البلاد حدود وطننا الكبير ... ونشرع بإيقاد شمعاتِنا الخاصة لسهراتٍ قد تمتد فتعانق خيوط الفجر ...
كنتُ أحسُّ وأنا اتمشى معه في طرقات المدينة بأن النخيل وسائرَ الشجرِ يوشك أن ينحني ليطبع قُبلة الوفاء على جبينه ....
سعد جاسم ... الذي تعلّمنا وأفدنا منه الكثير ...
شكّل بالنسبة للكثيرين في هذه المدينة الوادعة الشغوفة بالثقافة والشعر والمعرفة أفقاً ونافذة ورئةً نتنفس من خلالها هواءَ الثقافةِ النقي ....
طالما أدمنتْ آذاننا ووجدانُنا أن نستمع منه بصوته الرخيم وإيماءاته المذهلة في جلساتنا الخاصة قصيدتة اللائبة "عصافير ضارة " ...
كنا نصغي ونسمتع ونستزيد ...
اعتدنا ، حين كان يحضر معنا ، أن نعد عدتنا ونتأهب بحذر وترقب ، يهيئ كلٌّ منا نصوصَه الجديدة التي سيتلوها على مسامعه ، كنا نحرص أن ترتقي نصوصُنا إلى مستوى حذقِهِ وذائقته الخلاقة ، كنا نعوّل كثيراً على خبرته وتمرّسِهِ في فنون الكتابة الشعرية ، كان يشذب لنا الجمل ، يشدّ الكلمات يموسق ويدوزن الحرفَ ويمنحه جُرسَه ونبضه ، شأنه في ذلك شأن أيِّ عوّادٍ حاذق ....
................................
عبر رحلته الطويلة والثرية في مجال الكتابة الشعرية ، استطاع الشاعر سعد جاسم أن يكرّس له وجوداً وحضوراً في مشهدية الشعر العراقي الحالي ، آخذين بنظر الاعتبار أن تجربته الكتابية امتازت بالديناميكية والحركية على خلفية اتساع الرقعة الجغرافية التي أتيح له أن يتحرك فوقها ومن خلالها ، مقروناً باتساع الجغرافيا المعرفية التي انطلق منها وعمقها ... إلا أنه ظل وفياً لمشروعه ومنطلقاته الأساسية فيما يتعلق بالمرأة والأمكنة والأصدقاء ....
نسوق هذا الكلام ، ليكون مدخلاً لنا لإلقاء نظرة متأنية على ديوانه الشعري صغير الحجم المعنون ( طائر بلا سماء) ، الذي أصدرته له دار الشؤون الثقافية في العام 2013 ... وكما يتضح فإن العنونة هنا بحد ذاتها تثير إشكالية رؤيوية ، وهي إشكالية تتعلق بالطائر الذي يفتقد السماء ، فيفقد بذلك معنى وجوده ، ولا يخفى أن الطائر هنا هو الشاعر نفسه الذي تختلف سماؤه وفضاءاته عن أية سماء أخرى تظلل الآخرين ، ولدينا أمثلة أخرى موازية أو متناغمة مع هذا الطرح أو متواشجة معه بطريقة ما ، ففي إحد اللقاءات مع الروائي المغربي محمد شكري وصف عمل المبدع بأنه "الطيران بأجنحة مقصوصة" .
يقول الشاعر في مفتتح ديوانه ، معرّفاً قارئه بنفسه ؛
هذا أنا / عراقيٌّ وضوحي/ ودمي فرات ذبائح / وأنا صيحةٌ مؤجلة / دائماً أفكّر بأشياء فادحة ...
بوسعنا أن نلحظ احتدام لغة الشاعر وتوفرها على الزخم الوجداني الذي نراه أكثر وضوحاً بعد ذلك ؛
لماذا الأنوثة تتوهج في حفلات الدم والأوبئة ، ليصل التصعيد الدرامي إلى ذروته ؛ كيف البلاد تستحيل إلى مجرّد راية ؟
وهو تساؤل مشروع وحيوي وضروري يبقى حيّاً وفاعلاً في أذهاننا .
بوسعنا أن نتلمس أن الشاعر ، ومن خلال جميع المحبطات والمثبطات التي تحاصر وطنه وهو المنفي البعيد في صقيعة النائي ، كيف أنه اعتاد أن يجد ملاذه وخلاصه في المرأة / العاشقة والمعشوقة في آنٍ معاً التي يعلّق على جسدها ومفاتنها كل خيباته ورغباته المستحيلة ؛
كيف لي أن لا أشكّ ، وأنا المغيّبُ فيكِ عشقاً وخسائر ، ومضيءٌ كما صلصال صيرورتك وسواقي دموعك النافرة ...
ونقرأ في هذا الإطار ؛ هكذا أراكِ أنا / واقفةً بنداكِ وعطوركِ وصهيلكِ ، تبتكرين ربيعاتٍ لأجلي وتهطلين بغيم الكلمات . ونلحظ هنا أنها ربما تكون المرة الأولى التي تقع أعيننا فيها على جمع لمفردة ربيع .
ونقرأ أيضاً في قصيدة (محروسةٌ أنتِ بآيات دمي) ؛
أعرف أن ليلكِ شائكٌ وطويلٌ حتى صحارى الأرق ، وأعرف أن غابات التوجس والسهاد المالح تسرق كحلكِ..
ليصل إلى الذروة وتسمية الأشياء بمسمياتها ؛
تختارينني خلاصاً ، وأريدك ملاذاً .
على أننا نود التوقف قليلاً عند قصيدته الطويلة المعنونة (الديوانية يا أمي وحنيني) ، وهي كما يتبدى من العنونة موجهة إلى مدينته التي ولد ونشأ وترعرع فيها وانطلق منها إلى آفاق الله الرحيبة ، وهذه القصيدة المتوهجة بالحنين والحميمية ، يمكن لنا أن نعدها ملحمة شعرية عالية النبرة تتغنى وتستحضر وتتهجد معالم المدينة وتستحضر رموزها المعرفية الشاخصة ، والتي ربما يكون الكثير منها مغيباً أومهمشاً أو منسياً بفعل عوامل عديدة ، ابتداءً بأسماء عدد من الشعراء الذين أرسوا حضوراً قوياً في ذاكرة المدينة كالشاعر كزار حنتوش وكذلك تطرزت القصيدة بأسماء عدد من الشعراء الشعبيين والمطربين والمطربات أو الباعة المتجولين أوحتى بعض الصعاليك الذين كثيراً ما نرى الشاعر المتأنق دوماً محتفياً بهم ومؤثراً لهم ...
نقرأ في مفتتح هذه القصيدة/ الملحمة ؛
وأنا ؛ سعد السيد جاسم ، أحبُّ الله وسنته ، أحب ماركس ، وعليَّ الفحل وفرات الأغاني والنحيب ، وأحبّ النبيذَ الأحمرَ والهامشيين والأرامل .
ليصل النص إلى ذروة تأججه حين يأتي على ذكر أمه المتوفية وهو بعيد عنها في منفاه ؛
أفكّر كثيراً بقبر أمي الذي لا أعرفه أين ، أمي ساقيةُ حليبٍ وعذاب ، يُتمٌ ، وخساراتٌ وسواد ، أمي فقدانٌ وغيابْ .
الكائن الذي عزف موسيقاه على ضفاف شط الحلة
أحمد الحلي
مدخل
منذ أن وطأت قدماه النديتان مدينةَ الحلة حتى أحسَّ مثقفوها وأدباؤها
أن ثمةَ عاصفة ثقافيةً أخذتْ نُذرُها تلوح في الأفق تبعثر الأوراق وتُشابك الخيوط ....
تعيد ترتيبَ أبجديةٍ جديدة لثقافةِ المدينة ولا سيّما في ميدان الشعر
وترسم أفقاً معرفياً متّسماً بالحيوية والنضارة منذ أن وطأت قدماه النديتان مدينة الحلة بدوافع الحبِ والشغف ، حتى أحس مثقفوها أن ثمة صباحاتٍ أخرى أكثرَ طلاوةً ونداوة باتت تطرق أبوابَ المدينة ...
منذ أن اكتحل شطُّ الحلة بمرآه
حتى أخذ يسري في مويجاته دفقٌ من الحيوية والعذوبة لم يألفه من قبلُ
كنا نجلسُ سويةً ، نتسامرُ ضمن مساحة مصغرة جداً اعتدنا أن نطلق عليها تسمية وطننا الصغير المحرر بعد أن انتهك طغاة البلاد حدود وطننا الكبير ... ونشرع بإيقاد شمعاتِنا الخاصة لسهراتٍ قد تمتد فتعانق خيوط الفجر ...
كنتُ أحسُّ وأنا اتمشى معه في طرقات المدينة بأن النخيل وسائرَ الشجرِ يوشك أن ينحني ليطبع قُبلة الوفاء على جبينه ....
سعد جاسم ... الذي تعلّمنا وأفدنا منه الكثير ...
شكّل بالنسبة للكثيرين في هذه المدينة الوادعة الشغوفة بالثقافة والشعر والمعرفة أفقاً ونافذة ورئةً نتنفس من خلالها هواءَ الثقافةِ النقي ....
طالما أدمنتْ آذاننا ووجدانُنا أن نستمع منه بصوته الرخيم وإيماءاته المذهلة في جلساتنا الخاصة قصيدتة اللائبة "عصافير ضارة " ...
كنا نصغي ونسمتع ونستزيد ...
اعتدنا ، حين كان يحضر معنا ، أن نعد عدتنا ونتأهب بحذر وترقب ، يهيئ كلٌّ منا نصوصَه الجديدة التي سيتلوها على مسامعه ، كنا نحرص أن ترتقي نصوصُنا إلى مستوى حذقِهِ وذائقته الخلاقة ، كنا نعوّل كثيراً على خبرته وتمرّسِهِ في فنون الكتابة الشعرية ، كان يشذب لنا الجمل ، يشدّ الكلمات يموسق ويدوزن الحرفَ ويمنحه جُرسَه ونبضه ، شأنه في ذلك شأن أيِّ عوّادٍ حاذق ....
................................
عبر رحلته الطويلة والثرية في مجال الكتابة الشعرية ، استطاع الشاعر سعد جاسم أن يكرّس له وجوداً وحضوراً في مشهدية الشعر العراقي الحالي ، آخذين بنظر الاعتبار أن تجربته الكتابية امتازت بالديناميكية والحركية على خلفية اتساع الرقعة الجغرافية التي أتيح له أن يتحرك فوقها ومن خلالها ، مقروناً باتساع الجغرافيا المعرفية التي انطلق منها وعمقها ... إلا أنه ظل وفياً لمشروعه ومنطلقاته الأساسية فيما يتعلق بالمرأة والأمكنة والأصدقاء ....
نسوق هذا الكلام ، ليكون مدخلاً لنا لإلقاء نظرة متأنية على ديوانه الشعري صغير الحجم المعنون ( طائر بلا سماء) ، الذي أصدرته له دار الشؤون الثقافية في العام 2013 ... وكما يتضح فإن العنونة هنا بحد ذاتها تثير إشكالية رؤيوية ، وهي إشكالية تتعلق بالطائر الذي يفتقد السماء ، فيفقد بذلك معنى وجوده ، ولا يخفى أن الطائر هنا هو الشاعر نفسه الذي تختلف سماؤه وفضاءاته عن أية سماء أخرى تظلل الآخرين ، ولدينا أمثلة أخرى موازية أو متناغمة مع هذا الطرح أو متواشجة معه بطريقة ما ، ففي إحد اللقاءات مع الروائي المغربي محمد شكري وصف عمل المبدع بأنه "الطيران بأجنحة مقصوصة" .
يقول الشاعر في مفتتح ديوانه ، معرّفاً قارئه بنفسه ؛
هذا أنا / عراقيٌّ وضوحي/ ودمي فرات ذبائح / وأنا صيحةٌ مؤجلة / دائماً أفكّر بأشياء فادحة ...
بوسعنا أن نلحظ احتدام لغة الشاعر وتوفرها على الزخم الوجداني الذي نراه أكثر وضوحاً بعد ذلك ؛
لماذا الأنوثة تتوهج في حفلات الدم والأوبئة ، ليصل التصعيد الدرامي إلى ذروته ؛ كيف البلاد تستحيل إلى مجرّد راية ؟
وهو تساؤل مشروع وحيوي وضروري يبقى حيّاً وفاعلاً في أذهاننا .
بوسعنا أن نتلمس أن الشاعر ، ومن خلال جميع المحبطات والمثبطات التي تحاصر وطنه وهو المنفي البعيد في صقيعة النائي ، كيف أنه اعتاد أن يجد ملاذه وخلاصه في المرأة / العاشقة والمعشوقة في آنٍ معاً التي يعلّق على جسدها ومفاتنها كل خيباته ورغباته المستحيلة ؛
كيف لي أن لا أشكّ ، وأنا المغيّبُ فيكِ عشقاً وخسائر ، ومضيءٌ كما صلصال صيرورتك وسواقي دموعك النافرة ...
ونقرأ في هذا الإطار ؛ هكذا أراكِ أنا / واقفةً بنداكِ وعطوركِ وصهيلكِ ، تبتكرين ربيعاتٍ لأجلي وتهطلين بغيم الكلمات . ونلحظ هنا أنها ربما تكون المرة الأولى التي تقع أعيننا فيها على جمع لمفردة ربيع .
ونقرأ أيضاً في قصيدة (محروسةٌ أنتِ بآيات دمي) ؛
أعرف أن ليلكِ شائكٌ وطويلٌ حتى صحارى الأرق ، وأعرف أن غابات التوجس والسهاد المالح تسرق كحلكِ..
ليصل إلى الذروة وتسمية الأشياء بمسمياتها ؛
تختارينني خلاصاً ، وأريدك ملاذاً .
على أننا نود التوقف قليلاً عند قصيدته الطويلة المعنونة (الديوانية يا أمي وحنيني) ، وهي كما يتبدى من العنونة موجهة إلى مدينته التي ولد ونشأ وترعرع فيها وانطلق منها إلى آفاق الله الرحيبة ، وهذه القصيدة المتوهجة بالحنين والحميمية ، يمكن لنا أن نعدها ملحمة شعرية عالية النبرة تتغنى وتستحضر وتتهجد معالم المدينة وتستحضر رموزها المعرفية الشاخصة ، والتي ربما يكون الكثير منها مغيباً أومهمشاً أو منسياً بفعل عوامل عديدة ، ابتداءً بأسماء عدد من الشعراء الذين أرسوا حضوراً قوياً في ذاكرة المدينة كالشاعر كزار حنتوش وكذلك تطرزت القصيدة بأسماء عدد من الشعراء الشعبيين والمطربين والمطربات أو الباعة المتجولين أوحتى بعض الصعاليك الذين كثيراً ما نرى الشاعر المتأنق دوماً محتفياً بهم ومؤثراً لهم ...
نقرأ في مفتتح هذه القصيدة/ الملحمة ؛
وأنا ؛ سعد السيد جاسم ، أحبُّ الله وسنته ، أحب ماركس ، وعليَّ الفحل وفرات الأغاني والنحيب ، وأحبّ النبيذَ الأحمرَ والهامشيين والأرامل .
ليصل النص إلى ذروة تأججه حين يأتي على ذكر أمه المتوفية وهو بعيد عنها في منفاه ؛
أفكّر كثيراً بقبر أمي الذي لا أعرفه أين ، أمي ساقيةُ حليبٍ وعذاب ، يُتمٌ ، وخساراتٌ وسواد ، أمي فقدانٌ وغيابْ .
الاثنين، 10 نوفمبر 2014
هل يعاني الأدب العربي من «فوبيا» المستقبل؟-*المصطفى نجار
هل يعاني الأدب العربي من «فوبيا» المستقبل؟
*المصطفى نجار
يقول أحمد خالد توفيق، الأديب المصري المعروف، في كتابه «دماغي كده»: «الحقيقة أن الناس في مصر محظوظون.. فهم ليسوا بحاجة لقراءة أدب الرعب لممارسة بروفة الموت.. إن الرعب ضيف دائم معهم، خاصة أسوأ أنواعه: الخوف من الغد». من المؤسف حقا أن ينادي أحد الكتاب بإلغاء جنس أدبي من ألفه إلى يائه، ولكن ما يجعل من هذه الكلمات مزحة لا تقبل أن تؤخذ على محمل الجد هو كون قائلها أحد أعمدة أدب الرعب والخيال العلمي في العالم العربي. غير أن الكثير من القراء، وحتى الكتاب، العرب لا مانع لديهم من أخذ كلام توفيق على المستوى الظاهري فقط: لماذا نضيع الوقت في القراءة والكتابة عن المستقبل في مثل هذا الحاضر المزري الذي تمر به منطقتنا؟
ربما مثل هذا الموقف يفسر إلى حد كبير سبب إعراض معظم الكتاب العرب، منذ صدور تحفة نجيب محفوظ «الثلاثية» (1956 - 1957)، عن الكتابة حول المستقبل، إلا في حالات نادرة طبعا. فخط الأحداث في مجمل الأعمال الأدبية العربية يسير بسلاسة في أحد اتجاهين: الماضي أو الحاضر، أو يتأرجح بينهما.
لكن القص العراقي قد يَعِد بما هو جديد. في خطوة طال انتظارها، قامت دار «كوما بريس» الإنجليزية بتكليف القصّاص العراقي حسن بلاسم بتحرير كتاب بعنوان «العراق + 100»، وهو مجموعة قصصية عن عراق المستقبل ستصدر في عام 2015. ستتضمن المجموعة 10 قصص قصيرة بأقلام كتاب عراقيين تدور أحداثها في العراق تحديدا في عام 2103، أي بعد 100 عام بالضبط من الغزو الأميركي لبغداد عام 2003.
يتعين على كل قصة أن لا تتجاوز 6000 كلمة، وأن تدور أحداثها في إحدى مدن العراق أو كردستان العراق. وبحسب الموقع الإلكتروني للناشر، على الكاتب أن يختار مدينة واحدة بعينها ليقدم قصة كاملة عن مستقبل البشر هناك. المساهمون غير مطالبين بالخيال العلمي فقط، وإنما لهم الحرية المطلقة باستخدام أي نمط كتابة يخاطب المستقبل. الكتاب واعد حقا، وإذا ما تم نشره سيكون بالفعل إضافة ثمينة للساحة الأدبية العربية التي تهيمن عليها ظاهرة أشبه بـ«فوبيا» الكتابة عن المستقبل.
لكن ندرة الكتابة الأدبية حول المستقبل في العالم العربي تثير التساؤل التالي: تُرى هل المخيال العربي يمتلك الأدوات اللازمة ليكون على مستوى هذا التحدي؟ وإذا كان الجواب بالإيجاب، إذن ما تفسير غياب هذا النوع من الكتابة عن الساحة العربية خلال نصف القرن الماضي أو أكثر؟ بعبارة أخرى، هل الأدباء العرب بالفعل قادرون على أن يقدموا إسهامات أصيلة للأدب المستقبلي، دون الاعتماد على تراث غربي في مجمله؟
في الحقيقة، ليس الأدب التأملي (أو المستقبلي) غريبا تماما عن الأدب العربي الحديث، وهناك عدة أسماء، كالسوري فرنسيس مراش (1836 - 1873) والمصري توفيق الحكيم (1898 - 1987)، تتبادر إلى الأذهان كأمثلة عن بعض الكتاب العرب الذين تناولوا القضايا السياسية المعاصرة بإطار أدبي مستقبلي (تأملي).
يدرك بلاسم، الذي فاز بجائزة الإندبندنت للأدب الأجنبي لعام 2014، الصعوبات التي تطرحها هذه التجربة الجديدة، إذ يقول في حديث خاص لـ«الشرق الأوسط»: «الكتابة عن المستقبل نوع جديد بالنسبة للأدب العراقي، لهذا يحتاج الكاتب إلى المزيد من البحث والاكتشاف لتطوير أفكار وتصورات معينة من خلال القص». ولكن في نفس الوقت فإن شغف الكاتب العراقي بمشروعه المستقبلي لا يخفى على أحد، كما أن نبرته الحماسية تشعرك بأنك في حضرة عالِم يشهد ولادة ظاهرة فريدة من نوعها.
يقول بلاسم: «أنت تكتب عن حياة شبه مجهولة تقريبا، ولا تتكئ على تجربتك الشخصية (في الماضي والحاضر) فحسب. الكتابة عن المستقبل رائعة ومثيرة، محاولة لفهم أنفسنا ومخاوفنا وآمالنا عن طريق كسر قيد الزمن. وكأنك تحلم بمصير الإنسان».
بلاسم الذي أشاد النقاد بمجموعته القصصية الأولى «مجنون ساحة الحرية»، وذلك للجرأة التي اتسمت بها على مستوى الصورة واللغة، يصف «العراق + 100» بـ«مشروع صغير يحاول أن يحرك تجربة (التنوع) في الأدب»، كما يشكو من افتقار العالم العربي إلى التنوع في الكتابة الأدبية: «لا يوجد لدينا مثلا وعلى نطاق واسع أدب جريمة، خيال علمي، فنتازي... إلخ. مثلما لا يوجد تنوع وشفافية في حياتنا بشكل عام. نحن عبَدة الشكل والفكرة الواحدة!».
لكن الكتابة عن المستقبل لا تخلو كذلك من التحديات. يقول الكاتب البريطاني جيمس غراهام بالارد (1930 - 2009)، الذي يعتبره النقاد مؤسس ما بات يعرف بـ«الموجة الجديدة» في أدب الخيال العالمي، إن الكتابة عن المستقبل هي «الشكل الأدبي الوحيد الذي ينظر إلى الأمام»، لذلك لن يكون سهلا على الكتاب المشاركين في «العراق + 100» القيام بتلك النقلة نحو المستقبل، خصوصا أن غالبية النتاج الأدبي العربي المعاصر ما زالت عالقة بين الماضي أو الحاضر، وتستند إلى شخصيات «تنظر إلى الوراء»، حسب تعبير بالارد.
يتفق بلاسم مع هذه الرؤية، إذ يؤكد على أن الكتابة الإبداعية في العالم العربي هي في أمسّ الحاجة إلى تحرير الخيال والتجديد على مستوى التقنيات المستخدمة، وأولها التخلي عن اللغة المنمقة التي لا تزال إلى اليوم «تزين» غالبية نتاج المبدعين العرب. «الكتابة عن المستقبل بحاجة إلى جرأة وتأمل وبحث ودراية بما يحدث من حولنا في العالم! تصل إلينا في الحقيقة قصص كثيرة، لكنها أغلبها لا يلبي الشروط المطلوبة، وبعضها كسول يفتقر إلى البحث والصبر. فتخيل الحياة بعد 100 سنة لا يحتاج إلى الاتكاء على اللغة الشعرية وتجربة الكاتب الشخصية فحسب، بل إلى الانتقال بالمخيلة إلى شواطئ جديدة».
على الرغم من احتفاء الغرب الحار بنتاج بلاسم، فإن عدة أصوات عربية عابت على الكاتب العراقي استخدامه اللغة «البذيئة» على حد قولها، كما مُنعت كتبه في الكثير من البلدان العربية للسبب ذاته. برأيي، من الأمور التي ساهمت في إهمال الجوانب المستقبلية في أدبنا العربي هو انشغال، لا بل هوس، مدارس النقد الأدبي العربية بقياس قدرات الكتاب اللغوية، الأمر الذي أحال الأدب العربي، بشكل أو بآخر ومع الأسف، إلى ساحة لاستعراض العنتريات اللغوية. لكن بلاسم يبدو مصمما على كسر هذه العادة، فقد صرح الكاتب العراقي خلال حفل إطلاق مجموعته القصصية الثانية «المسيح العراقي» في مدينة نيوكاسل البريطانية عام 2012 بالقول: «لست معنيا بالحفاظ على (جمال اللغة العربية)».
إن مشاريع مثل «العراق + 100» يجب أن تحظى بالدعم والتقدير، إذ إن غايتها، أولا وأخيرا، تحفيز الكتاب على تخيل مستقبل منطقتهم التي تعيد النزاعات الدائرة رسم حدودها باستمرار. فالعرب هم في أشد الحاجة لأن يقرأوا ويكتبوا عن أسوأ كوابيسهم، كما يقول توفيق.
يبقى القول إن تحاشي الكتاب العرب تناول المستقبل لطالما كان من أكثر الأمور غموضا، بالنسبة لي على الأقل. فجدران القمع والرقابة التي تضغط بشدة على العقل العربي هي بحد ذاتها بيئة مثالية للكتابة عن المستقبل، ذلك الفضاء الخالي من التابوهات التي تثقل كاهل الماضي والحاضر.
______
*الشرق الأوسط
*المصطفى نجار
يقول أحمد خالد توفيق، الأديب المصري المعروف، في كتابه «دماغي كده»: «الحقيقة أن الناس في مصر محظوظون.. فهم ليسوا بحاجة لقراءة أدب الرعب لممارسة بروفة الموت.. إن الرعب ضيف دائم معهم، خاصة أسوأ أنواعه: الخوف من الغد». من المؤسف حقا أن ينادي أحد الكتاب بإلغاء جنس أدبي من ألفه إلى يائه، ولكن ما يجعل من هذه الكلمات مزحة لا تقبل أن تؤخذ على محمل الجد هو كون قائلها أحد أعمدة أدب الرعب والخيال العلمي في العالم العربي. غير أن الكثير من القراء، وحتى الكتاب، العرب لا مانع لديهم من أخذ كلام توفيق على المستوى الظاهري فقط: لماذا نضيع الوقت في القراءة والكتابة عن المستقبل في مثل هذا الحاضر المزري الذي تمر به منطقتنا؟
ربما مثل هذا الموقف يفسر إلى حد كبير سبب إعراض معظم الكتاب العرب، منذ صدور تحفة نجيب محفوظ «الثلاثية» (1956 - 1957)، عن الكتابة حول المستقبل، إلا في حالات نادرة طبعا. فخط الأحداث في مجمل الأعمال الأدبية العربية يسير بسلاسة في أحد اتجاهين: الماضي أو الحاضر، أو يتأرجح بينهما.
لكن القص العراقي قد يَعِد بما هو جديد. في خطوة طال انتظارها، قامت دار «كوما بريس» الإنجليزية بتكليف القصّاص العراقي حسن بلاسم بتحرير كتاب بعنوان «العراق + 100»، وهو مجموعة قصصية عن عراق المستقبل ستصدر في عام 2015. ستتضمن المجموعة 10 قصص قصيرة بأقلام كتاب عراقيين تدور أحداثها في العراق تحديدا في عام 2103، أي بعد 100 عام بالضبط من الغزو الأميركي لبغداد عام 2003.
يتعين على كل قصة أن لا تتجاوز 6000 كلمة، وأن تدور أحداثها في إحدى مدن العراق أو كردستان العراق. وبحسب الموقع الإلكتروني للناشر، على الكاتب أن يختار مدينة واحدة بعينها ليقدم قصة كاملة عن مستقبل البشر هناك. المساهمون غير مطالبين بالخيال العلمي فقط، وإنما لهم الحرية المطلقة باستخدام أي نمط كتابة يخاطب المستقبل. الكتاب واعد حقا، وإذا ما تم نشره سيكون بالفعل إضافة ثمينة للساحة الأدبية العربية التي تهيمن عليها ظاهرة أشبه بـ«فوبيا» الكتابة عن المستقبل.
لكن ندرة الكتابة الأدبية حول المستقبل في العالم العربي تثير التساؤل التالي: تُرى هل المخيال العربي يمتلك الأدوات اللازمة ليكون على مستوى هذا التحدي؟ وإذا كان الجواب بالإيجاب، إذن ما تفسير غياب هذا النوع من الكتابة عن الساحة العربية خلال نصف القرن الماضي أو أكثر؟ بعبارة أخرى، هل الأدباء العرب بالفعل قادرون على أن يقدموا إسهامات أصيلة للأدب المستقبلي، دون الاعتماد على تراث غربي في مجمله؟
في الحقيقة، ليس الأدب التأملي (أو المستقبلي) غريبا تماما عن الأدب العربي الحديث، وهناك عدة أسماء، كالسوري فرنسيس مراش (1836 - 1873) والمصري توفيق الحكيم (1898 - 1987)، تتبادر إلى الأذهان كأمثلة عن بعض الكتاب العرب الذين تناولوا القضايا السياسية المعاصرة بإطار أدبي مستقبلي (تأملي).
يدرك بلاسم، الذي فاز بجائزة الإندبندنت للأدب الأجنبي لعام 2014، الصعوبات التي تطرحها هذه التجربة الجديدة، إذ يقول في حديث خاص لـ«الشرق الأوسط»: «الكتابة عن المستقبل نوع جديد بالنسبة للأدب العراقي، لهذا يحتاج الكاتب إلى المزيد من البحث والاكتشاف لتطوير أفكار وتصورات معينة من خلال القص». ولكن في نفس الوقت فإن شغف الكاتب العراقي بمشروعه المستقبلي لا يخفى على أحد، كما أن نبرته الحماسية تشعرك بأنك في حضرة عالِم يشهد ولادة ظاهرة فريدة من نوعها.
يقول بلاسم: «أنت تكتب عن حياة شبه مجهولة تقريبا، ولا تتكئ على تجربتك الشخصية (في الماضي والحاضر) فحسب. الكتابة عن المستقبل رائعة ومثيرة، محاولة لفهم أنفسنا ومخاوفنا وآمالنا عن طريق كسر قيد الزمن. وكأنك تحلم بمصير الإنسان».
بلاسم الذي أشاد النقاد بمجموعته القصصية الأولى «مجنون ساحة الحرية»، وذلك للجرأة التي اتسمت بها على مستوى الصورة واللغة، يصف «العراق + 100» بـ«مشروع صغير يحاول أن يحرك تجربة (التنوع) في الأدب»، كما يشكو من افتقار العالم العربي إلى التنوع في الكتابة الأدبية: «لا يوجد لدينا مثلا وعلى نطاق واسع أدب جريمة، خيال علمي، فنتازي... إلخ. مثلما لا يوجد تنوع وشفافية في حياتنا بشكل عام. نحن عبَدة الشكل والفكرة الواحدة!».
لكن الكتابة عن المستقبل لا تخلو كذلك من التحديات. يقول الكاتب البريطاني جيمس غراهام بالارد (1930 - 2009)، الذي يعتبره النقاد مؤسس ما بات يعرف بـ«الموجة الجديدة» في أدب الخيال العالمي، إن الكتابة عن المستقبل هي «الشكل الأدبي الوحيد الذي ينظر إلى الأمام»، لذلك لن يكون سهلا على الكتاب المشاركين في «العراق + 100» القيام بتلك النقلة نحو المستقبل، خصوصا أن غالبية النتاج الأدبي العربي المعاصر ما زالت عالقة بين الماضي أو الحاضر، وتستند إلى شخصيات «تنظر إلى الوراء»، حسب تعبير بالارد.
يتفق بلاسم مع هذه الرؤية، إذ يؤكد على أن الكتابة الإبداعية في العالم العربي هي في أمسّ الحاجة إلى تحرير الخيال والتجديد على مستوى التقنيات المستخدمة، وأولها التخلي عن اللغة المنمقة التي لا تزال إلى اليوم «تزين» غالبية نتاج المبدعين العرب. «الكتابة عن المستقبل بحاجة إلى جرأة وتأمل وبحث ودراية بما يحدث من حولنا في العالم! تصل إلينا في الحقيقة قصص كثيرة، لكنها أغلبها لا يلبي الشروط المطلوبة، وبعضها كسول يفتقر إلى البحث والصبر. فتخيل الحياة بعد 100 سنة لا يحتاج إلى الاتكاء على اللغة الشعرية وتجربة الكاتب الشخصية فحسب، بل إلى الانتقال بالمخيلة إلى شواطئ جديدة».
على الرغم من احتفاء الغرب الحار بنتاج بلاسم، فإن عدة أصوات عربية عابت على الكاتب العراقي استخدامه اللغة «البذيئة» على حد قولها، كما مُنعت كتبه في الكثير من البلدان العربية للسبب ذاته. برأيي، من الأمور التي ساهمت في إهمال الجوانب المستقبلية في أدبنا العربي هو انشغال، لا بل هوس، مدارس النقد الأدبي العربية بقياس قدرات الكتاب اللغوية، الأمر الذي أحال الأدب العربي، بشكل أو بآخر ومع الأسف، إلى ساحة لاستعراض العنتريات اللغوية. لكن بلاسم يبدو مصمما على كسر هذه العادة، فقد صرح الكاتب العراقي خلال حفل إطلاق مجموعته القصصية الثانية «المسيح العراقي» في مدينة نيوكاسل البريطانية عام 2012 بالقول: «لست معنيا بالحفاظ على (جمال اللغة العربية)».
إن مشاريع مثل «العراق + 100» يجب أن تحظى بالدعم والتقدير، إذ إن غايتها، أولا وأخيرا، تحفيز الكتاب على تخيل مستقبل منطقتهم التي تعيد النزاعات الدائرة رسم حدودها باستمرار. فالعرب هم في أشد الحاجة لأن يقرأوا ويكتبوا عن أسوأ كوابيسهم، كما يقول توفيق.
يبقى القول إن تحاشي الكتاب العرب تناول المستقبل لطالما كان من أكثر الأمور غموضا، بالنسبة لي على الأقل. فجدران القمع والرقابة التي تضغط بشدة على العقل العربي هي بحد ذاتها بيئة مثالية للكتابة عن المستقبل، ذلك الفضاء الخالي من التابوهات التي تثقل كاهل الماضي والحاضر.
______
*الشرق الأوسط
عملاق آخر تفقده البصرة-كاظم فنجان الحمامي
عملاق آخر تفقده البصرة
كاظم فنجان الحمامي
في اليابان يكرمون العلماء وهم في عنفوان شبابهم، وفي أمريكا يكرمونهم في ربيع العمر، وفي أوربا قبيل إحالتهم إلى التقاعد، وفي البلدان العربية يكرمون العلماء الموتى فقط. أما عندنا في العراق فلن ينالوا التكريم حتى لو سجلوا أعلى الانجازات، وربما يحمدون الله ويشكرونه لو توفرت لهم أدنى ظروف الأمن والأمان والعيش بسلام في خضم هذه التقلبات العنيفة التي عصفت بالعراق منذ عام 1914 وحتى عام 2014.
رحل عنا عملاق من عمالقة الرافدين، وعلمً من أعلام البصرة. هو الأستاذ الدكتور خلف الربيعي. من دون أن تتحدث عنه فضائياتنا المئوية، ولا إذاعاتنا المحلية ولا صحفنا الوطنية. انتقل بهدوء إلى جوار ربه في السابع من أيلول الماضي عن عمر يناهز 84 سنة، بعد رحلة أكاديمية شاقة امتدت لأكثر من خمسين عاماً في مجال التعليم العالي، وفي تأسيس وإدارة متحف التاريخ الطبيعي في البصرة. لم يزره أثناء مرضه إلا عدد قليل من طلابه النجباء. أما الجامعة التي أفنى فيها عمره فلم يتكرم رئيسها ولا عمداؤها بزيارته.
يتمتع العلماء والأساتذة في العالم المتحضر بضمانات صحية واجتماعية تفوق الخيال. أما في العراق فما أن يُحالون إلى التقاعد حتى يكون النسيان من نصيبهم. شأنهم شأن أي مبدع رفع أشرعته في بحار الفنون والآداب. دائماً ما ينتهي بهم قطار العمر في المحطات المهملة، حيث يقفون في الصفوف الأخيرة بينما يقف الفاسدون والغشاشون والوصوليون والمزورون والمشعوذون في الطليعة.
أمضى الراحل سنوات خدمته في قسم علوم الحياة بجامعة البصرة. أسس مختبر الفقريات. نال لقب الأستاذية عام 1992. يُعد من أشهر أساتذة الفقريات في جامعة البصرة. برع بتدريس مادتي التشريح المقارن والحبليات. مارس البحث العلمي في علم الطيور. لكنه كان أول باحث عربي يكتشف ستة أنواع من الحيتان والدلافين في الخليج العربي. أشرف على رسائل الماجستير والدكتوراه. أسس مجلة المتحف باللغة الانجليزية، والتي بادلها مع حوالي (300) ثلاثمائة معهد ومتحف وجامعة في العالم. أسس محطة دراسات الأهوار في الشافي. مثل العراق في مؤتمرات الطيور المهاجرة في الهند والأمارات واسكتلندة، ومؤتمرات المتاحف الطبيعية العالمية في كوبنهاكن ولينينغراد.
كان رحمه الله عضوا في جمعية الحيتان والدولفينات العالمية (مقرها كندا)، وعضواً في منظمة المتاحف العالمية، وعضواً في المنظمة الإفروأوربية للطيور المائية المهاجرة، وعضواً في جمعية البط البري المهدد بالانقراض (مقرها شتراسبورك)، وعضواً في جمعية خبراء دراسة أنواع البط (مقرها هولندا)، وعضواً في جمعية خبراء دراسة الغزلان العالمية (مقرها سان ديكو).
كان مولعا بفن التحنيط منذ صباه. تعمق في فنون هذه الهواية النادرة حتى أصبح مؤهلا للمشاركة بالمعرض الوطني الذي أقامته وزارة المعارف في بغداد، فأبدى الوزير إعجابه بمحنطاته، وأرسله للالتحاق بإحدى دورات التحنيط في ألمانيا الغربية لمدة سنة. حقق تفوقاً أذهل الألمان أنفسهم، فوجهوا الدعوة لوزير المعارف العراقي لزيارة المعرض الذي أقامه (خلف الربيعي) في ألمانيا عام 1956، فنال أعجاب الوزير الذي وافق على بقاءه في ألمانيا لإكمال دراسته الأولية والعليا.
تفوق (خلف) في تعلم اللغة الألمانية ودراسة البكالوريوس والماجستير والدكتوراه بمدة زمنية مختزلة. عاد حاملا الدكتوراه في الفقريات عام 1964، وما أن وصل إلى العراق حتى شرع بتأسيس متحف التاريخ الطبيعي عام 1970، وباشر بجمع الأسماك والزواحف والقنافذ والغزلان والأرانب والطيور المائية والبرية من الصحاري والأهوار والأنهار. كان يمضي أوقاته في البحث عن الحيوانات النادرة في هور (الحويزة) ومناطق (الشيب) و(الطيب) بمساعدة أشقائه (الأستاذ سلمان والدكتور داود)، وبمساعدة طلابه الأمناء. نذكر منهم: فاضل الجبوري ونجاح عبود حسين اللذان أكملا دراستهما فيما بعد، فأصبح الأول رئيساً لجامعة بابل وملحقاً ثقافياً في استراليا. بينما حصل الثاني على مرتبة الأستاذية وكان مديراً متميزاً لمركز علوم البحار. ومن طلابه أيضاً الدكتور سلمان داود الذي ترأس جامعة البصرة، فضلا عن الموظفين التقنيين الذين عملوا معه في المتحف كالفنان (عبد الرضا بتّور)، والفنان عبد الأحد الرسام.
يموت المبدعون والمخلصون غرباء في وطني من دون أن يرثيهم أحد، ومن دون أن ينالوا أبسط استحقاقاتهم في الرعاية والعناية. لم يكن رحيل الأستاذ الدكتور (خلف الربيعي) استثناءً بل جاءت نهايته ككل النهايات التي آل إليها غيره من المبدعين الكبار. رحل هذا العالم الكبير بصمت وفي قلبه ألف غصة من تنكر دولته ومسؤوليها لكل ما قدمه لوطنه الذي أفنى حياته رهن إشارته وفي خدمته.
كاظم فنجان الحمامي
في اليابان يكرمون العلماء وهم في عنفوان شبابهم، وفي أمريكا يكرمونهم في ربيع العمر، وفي أوربا قبيل إحالتهم إلى التقاعد، وفي البلدان العربية يكرمون العلماء الموتى فقط. أما عندنا في العراق فلن ينالوا التكريم حتى لو سجلوا أعلى الانجازات، وربما يحمدون الله ويشكرونه لو توفرت لهم أدنى ظروف الأمن والأمان والعيش بسلام في خضم هذه التقلبات العنيفة التي عصفت بالعراق منذ عام 1914 وحتى عام 2014.
رحل عنا عملاق من عمالقة الرافدين، وعلمً من أعلام البصرة. هو الأستاذ الدكتور خلف الربيعي. من دون أن تتحدث عنه فضائياتنا المئوية، ولا إذاعاتنا المحلية ولا صحفنا الوطنية. انتقل بهدوء إلى جوار ربه في السابع من أيلول الماضي عن عمر يناهز 84 سنة، بعد رحلة أكاديمية شاقة امتدت لأكثر من خمسين عاماً في مجال التعليم العالي، وفي تأسيس وإدارة متحف التاريخ الطبيعي في البصرة. لم يزره أثناء مرضه إلا عدد قليل من طلابه النجباء. أما الجامعة التي أفنى فيها عمره فلم يتكرم رئيسها ولا عمداؤها بزيارته.
يتمتع العلماء والأساتذة في العالم المتحضر بضمانات صحية واجتماعية تفوق الخيال. أما في العراق فما أن يُحالون إلى التقاعد حتى يكون النسيان من نصيبهم. شأنهم شأن أي مبدع رفع أشرعته في بحار الفنون والآداب. دائماً ما ينتهي بهم قطار العمر في المحطات المهملة، حيث يقفون في الصفوف الأخيرة بينما يقف الفاسدون والغشاشون والوصوليون والمزورون والمشعوذون في الطليعة.
أمضى الراحل سنوات خدمته في قسم علوم الحياة بجامعة البصرة. أسس مختبر الفقريات. نال لقب الأستاذية عام 1992. يُعد من أشهر أساتذة الفقريات في جامعة البصرة. برع بتدريس مادتي التشريح المقارن والحبليات. مارس البحث العلمي في علم الطيور. لكنه كان أول باحث عربي يكتشف ستة أنواع من الحيتان والدلافين في الخليج العربي. أشرف على رسائل الماجستير والدكتوراه. أسس مجلة المتحف باللغة الانجليزية، والتي بادلها مع حوالي (300) ثلاثمائة معهد ومتحف وجامعة في العالم. أسس محطة دراسات الأهوار في الشافي. مثل العراق في مؤتمرات الطيور المهاجرة في الهند والأمارات واسكتلندة، ومؤتمرات المتاحف الطبيعية العالمية في كوبنهاكن ولينينغراد.
كان رحمه الله عضوا في جمعية الحيتان والدولفينات العالمية (مقرها كندا)، وعضواً في منظمة المتاحف العالمية، وعضواً في المنظمة الإفروأوربية للطيور المائية المهاجرة، وعضواً في جمعية البط البري المهدد بالانقراض (مقرها شتراسبورك)، وعضواً في جمعية خبراء دراسة أنواع البط (مقرها هولندا)، وعضواً في جمعية خبراء دراسة الغزلان العالمية (مقرها سان ديكو).
كان مولعا بفن التحنيط منذ صباه. تعمق في فنون هذه الهواية النادرة حتى أصبح مؤهلا للمشاركة بالمعرض الوطني الذي أقامته وزارة المعارف في بغداد، فأبدى الوزير إعجابه بمحنطاته، وأرسله للالتحاق بإحدى دورات التحنيط في ألمانيا الغربية لمدة سنة. حقق تفوقاً أذهل الألمان أنفسهم، فوجهوا الدعوة لوزير المعارف العراقي لزيارة المعرض الذي أقامه (خلف الربيعي) في ألمانيا عام 1956، فنال أعجاب الوزير الذي وافق على بقاءه في ألمانيا لإكمال دراسته الأولية والعليا.
تفوق (خلف) في تعلم اللغة الألمانية ودراسة البكالوريوس والماجستير والدكتوراه بمدة زمنية مختزلة. عاد حاملا الدكتوراه في الفقريات عام 1964، وما أن وصل إلى العراق حتى شرع بتأسيس متحف التاريخ الطبيعي عام 1970، وباشر بجمع الأسماك والزواحف والقنافذ والغزلان والأرانب والطيور المائية والبرية من الصحاري والأهوار والأنهار. كان يمضي أوقاته في البحث عن الحيوانات النادرة في هور (الحويزة) ومناطق (الشيب) و(الطيب) بمساعدة أشقائه (الأستاذ سلمان والدكتور داود)، وبمساعدة طلابه الأمناء. نذكر منهم: فاضل الجبوري ونجاح عبود حسين اللذان أكملا دراستهما فيما بعد، فأصبح الأول رئيساً لجامعة بابل وملحقاً ثقافياً في استراليا. بينما حصل الثاني على مرتبة الأستاذية وكان مديراً متميزاً لمركز علوم البحار. ومن طلابه أيضاً الدكتور سلمان داود الذي ترأس جامعة البصرة، فضلا عن الموظفين التقنيين الذين عملوا معه في المتحف كالفنان (عبد الرضا بتّور)، والفنان عبد الأحد الرسام.
يموت المبدعون والمخلصون غرباء في وطني من دون أن يرثيهم أحد، ومن دون أن ينالوا أبسط استحقاقاتهم في الرعاية والعناية. لم يكن رحيل الأستاذ الدكتور (خلف الربيعي) استثناءً بل جاءت نهايته ككل النهايات التي آل إليها غيره من المبدعين الكبار. رحل هذا العالم الكبير بصمت وفي قلبه ألف غصة من تنكر دولته ومسؤوليها لكل ما قدمه لوطنه الذي أفنى حياته رهن إشارته وفي خدمته.
الأحد، 9 نوفمبر 2014
السبت، 8 نوفمبر 2014
-الأوثان [مرتفعات ومراثٍ] عادل كامل/ الوثن الثامن
الأوثان
[مرتفعات ومراثٍ]
عادل كامل/ الوثن الثامن
-
[1]
ليس من جبل أوهى من جبل: البحار امتدت حتى ساريتها: سأقيم لك، أيتها الشجرة، خلاصات النذور. هكذا تتكون تضاريس المراعي: الروح التي انصهرت بخلجان القلائد: الزمرد – السجاد – والأعشاب نوافذ لسوسننا؛ للزنبق فوق كف الدخان: للجوري النائم فوق مناديل المرمر: لك الخلاصات والتمهيدات نياشين عذراوات وبالفصول مطوقات: الم تقل انها تدور بحكمتها، بما لا نرى، ثمرات المدثرة بالماء وحِّناء العيد: أية صخرة أنت أيتها المدثرة بالماء والأغصان: غابة أعلنت مواسمها: أيتها النفس لك المناخات أساور، والساعات معابر، ولنا العمر جسور.
[2]
الحروف؛ تلك فواصل الكلام، لذات النطق، مثلما الوديان تأخذ شكل الوردة: العروسات اللائي طلعن مع البرق وغبن في الأدغال. هي الجسور تأخذنا إليها نحوها، وهي المتاهات مزارات مطرزات بالنعمة، انكسار غيمة فوق الأختام. يا من تنشد للجبال السهول توحدت بأول الفجر. فما المسافات إلا قرارات زنابق، والمواسم إلا رايات قبائل: هؤلاء المارة عند الحافات يجمعون بقايا الليل ، يا روحي إلى أي القرى أوزع فيك فائض الحروف. أمن حاجة لزيادة.
[3]
البحر أيضا جمّع أخطاء الفلك وأخذنا بسلواه: لا ألواح ندّون عليها لون الوعد: كل الثمار معاضد أعلنت الحرب على الحرب .. أيتها الصخرة من لون كهفك وخرج للبرية يضرب بعصاه. كلانا بالظل يستدل، نتعثر بالمحنة ثم بها نفيق: لا نوارس تحمي البحر من امتداد السواحل: والأشجار مفاتيح مقسمات الأبواب: أيتها الرايات لا تقسمي الغرقى إلى غرقى، البحر منارات، ومن كتم أعلن، الصوت نداءات، والمطارق مطارق حتى إن غادرها الطارق.
[4]
عمّ يتساءل الضوء إذا الأنوار أعلنت إعلانها: توحدت برحيلها وتجمعت عند انقسامها: هي الحروف مثل القبائل لا الشعر يوهنها ولا النثر يغنيها: لا منج إلا من منجيها: هي الفصول تداولنا، غيمة للكلام، ومزارات مندرسات بحقوله: أيتها العتمة اظهري ما في الظاهر، الأشجار ساعات شائخات، والأيام محكمات بدوراتها.
[5]
الجبل موجة، والوردة كتمان.
[6]
اسقط الظل فوق الظل، أم الرماد توزع على الكلام: يا روحي تفرقي كثمرة أمثال، الغيوم جاءت بمفاتيح ينابيعها، وأنا لم أغلق بابي على النسيان: كلانا يوحدنا خرز القلادة، فان انفرطت فهوذا الكتمان.
[7]
إذاً – كل الامتدادات توحدت: الغابة والنار: - أيهما أكثر براءة: أيها الجبل أنا غريق السواحل، ولا مملكات لدى عدا اليد بخاتمها؛ عهدي زنبقة، وعرشي فضاء.
[8]
قبل اليوم لم تكن جاهليتي إلا جاهلية، وبعد اليوم ليست بحاري إلا وديان: خذ ثمرة الشعر لوعة، والحزن أهرمات: الم تر كيف اشتكي الجبل من جبلي، أثقالي فاقت احتمالات الأثقال: ولست قبل اليوم إلا من صنعها، وبعدها، لست إلا وادٍ بين الوديان.
[9]
هكذا يتكون الذي لم نر، هكذا الامتداد يأخذ شكل الزمردة، هكذا لا تغادرني إذا تركتني، ولا تبق معي في المكان أو الزمان: الجبال انهار مغلوبات على أمرها، والبحر لا يزدهر إلا بمحصنات الطوفان.
[10]
تعالي إلي ّبرداء ما قبل الموت، أعيدي بالميلاد الأوثان، فانا بالجاهلية سوّرت أساوري، وقلدت ممراتي بانثلامات الوهم. كل ما سبقني يحملني اليّ واليك. لا صخرة إلا محنتها، ولا يعرّف الرماد إلا بالحجر. القلب دقات قفل يفتتح اختتام القفل.
[11]
ولي أقواس ملونات بغيوم المناديل: الفجر ختم على نهايته، ومساءات الحدائق يرقدن بصحبة الضائعات من الأيام: هذه هي ينابيع منابع فضة، بالجواهر أزيّن حبيبي، ولمثواه لا أقول وداع.
[12]
اهو القلب أو الرحلة: لا أسئلة في السؤال: القوس يُشد لغاياته. يا وطن الماء إن شكواي فضاء، وغرقاي بيادر: كل برية ببرقها، وكل صائغ برماله امتداد.
[13]
وهو الجبل كالسهل عنده متاهات: زنابق تخرج منها الزنابق، واليد لا أكثر من سؤال: هي الأعياد مشيدات بالقلائد، والحبيب غبار ودخان: اشتاقت شجرتي لبذرتها، ثم اشتاقت لممر في الأدغال.
[14]
طيب كثمرة نبع، هو صوتي. هو البحر بما ملك من عابرين: إلا ترى – أيها الجبل – كم بحت ولم تبح: عند أور شيدت قراي، وبها درت ودارت، الغرقى ميلاد، والصمت إضافات – كم قلت ولم تقل – أيها الجبل – أنا فلك مبهمات، ولا احد يستدل بباب الحكمة: هذا حبيبي في الوديان تاه، وهذا أنا في المدينة راقد: القلب سؤال، والنوافذ ممرات للأيام: أيا أيتها الساكنة وادينا فاض علينا من فاض، ومن غاب عنا امسك بها ذرات تراب.
[15]
ولهن عذرهن إذا كان لهن عذر: لسن بالجبال أو السواحل ولسن هن الساعات أو المدافن: هن بقايا انثلامات جداول: نسوة الماء اللائي بللن مناديل الغيب: وهن السواتر: أيها البرق أحفظ لنا سواد الراية: الزمردات ضجرات والقناديل زقورات: أيتها الإضافة ماذا لديك العمر أهرامات سياحة، والقلب سارية غابة.
[16]
أيها الياقوت الموحّد ضدي، أنا أنشأني الرمل والماء حفر سره في ّ، الرماد كونني، ثم الطارق بلا مطرقة يطرق: هذا هو عمري سلالات متعرجات .. فتعال يا من أحب، الليل وسادتي، والمحنة بعض كتاب. تعال خذ ما أخذت، ولا تترك للقلب حسابات الأتي.
[17]
تأخذ المطرقة شكل الطارق، والنوارس لون الحجارة. اليد مدية، والحبيب بعض رمال: إلا أيها العارف بماذا تعرف، الليل جرجر وديانه، والزمردات نوافذ منزوعات الوعود. ولن يكف من فقدها عن امتلاكها: الصفحات ما بينهما: ليس من فجر لكي نعود إلى الليل: هذه قيامات قائمة وأخرى في المخطوطات تقيم: كل حبيب بما هجر. وكل اعتلاء هاوية: أسحرنا ساحر السحر أم للوهن أسلمنا جنازات للتذكر: هذه العروش طواها صائغها، الياقوتات انتشلها العابر، والطريق فضائح تراب.
[18]
وهي مواكب وهي كواكب وإنما ليس لها تدّون المدونات: في الزنابق أسرار فناء، وفي الأيام ساعات لا تحسب بالساعات: وهن الداعي إليها فغادر: ثم بالمفتاح عبرن بالوهن كفنها سياحات: ألا أيها القلب لا تزعم ما زعموا: ليس من ريح إلا وستجرجرها ريح: نصف غائمة هي الروح في اعتلائها، الشاهد وان شهد فما هو بشاهد: الرماد أضاء في اشتعاله، فمن ذا يبصر النور الذي غاب: فعم يتساءل من أضاع كتابه؛ ألا أيها القلم لا تحسب إن المطرقة، فوق المطارق ستهدم التذكارات.
[19]
ما الذي أوقفك بينهما، أم كان محض انتظار: سواك جاء كأنه غادر، وسواك أعلنها بلا أعذار – أم تلك كانت الواقعة، وبالأسباب اشتبكت عليك الأسباب: وسواك مسها خسرها وربحها، فما الزمن يقاس بالزمان: إن تلبسك الوهم حتى صرت زينته، وسواك لم تله به الأقدار: امتدت بهم مثلما توقفت عندك: وما سبقت الساق الساق الأنظار: سواك رحل، والراحل فيك اعتذار، إن أبصرته أم حجب عليك الإبصار.
[20]
بظله ختم الخاتم قفل الأقفال، منح الرياح نشوة الأدلة.. فعّم تتساءل الأشجار: هذه الفلك خرز قلائد ماء: يا أمواج روحي من ذا يغلق معبدي إذ أنا الحارس أنا الباب.
ويقولون له أأضاعك ظلك أم أنت صرت له دخان: هن النسوة اللائي جمعن خطاب الأضداد وهن اللائي أقمن الآمال مزارات أعياد: ويسألونك عنها كذئب حمى الحمل من الضياع، وتاه من أول النفس عما بها من ضياع وضياء: هو البرق لم يدلنا ولكنا كنا له البراق: هذه الأوثان اشتعلت بنار جاهليتها، وما أفاقت إلا والآمال كانت لها دخان. وإنما الأطياف ببخور غائبها عيدت وأعلنت بالأعياد قيام الأعياد.
[21]
بين البرية والباب متاهات محكمات الفتح ينغلقن إذا دنا زارعها كطابوقات مهملات مللن خطابات الأعياد: أغادرت وفتحت لنا باب الانفلاق: ما الغابة إلا ثمرة صمت، وما الكلام إلا أزمنة رماد.
[22]
وتنطق الصخرة مثلما الميت بالحداد أقام على الأموات الحداد: لم نترك نورك أيها الظل وقد تآخت بك الأضداد وما تفرقت القبائل وما تمزقت الرايات إلا لغايات معلنات وأخرى كنسوة أقمن أعراسهن بأكفان مناديل مطرزات وغير مطرزات: ماذا تقول غيمة استجمعت نذورها مملكات بائدات: لا أهجو الظل المنتزع من الظل، إنما القلب بخطاه دوّن أسرار المؤودات: وماذا تبقى وكل بغايته تاه: هذا يقيني بعض زمردات أقمن الحد على الزمردات: أبين الياقوت شكوى: لا تحجبوا عني حجاب من حجبني: أنا لنوره ناديت المتاهة أن تأخذني أن توحدني بالمتاهات.
[23]
لا مودة إلا بقفلها: اللائي شرعّن شراعات الغرقى أدلة، اللائي أوصدن الماء للنار مرايا مكتومات، واللائي بفتح الوعد طرزن بيانات العهد: هّن المخبآت رحمتهن بالأقفال، المتعطرات بدم الثمرات؛ هن المدن المفضوحات برايات الخلافات، هن المتصالحات إن جمعن المثوى، وأكثر أكثر هن المتخاصمات في اليقين، يقمن العدل قيامة لا تمسهن أضواء المخطوطات. ويغادرن كأن يد الرياح جاءت بالصفحات لمحو الصفحات. لا مودة إلا بقفلها. ولا بحر إلا بغرقاه.
[24]
أي الأيام سحبتك إليها، جرجرت مجرجرها برفق اللا مسميات: أتهت لتمسك بها، أم ضاقت بك فغادرتها: هذه هي ولائم الرمال بيانات الإقامة: أيها المعنى أقم على نفسك ما أنا بباحث عن معنى، للشيوخ وصايا، وللحروب قامات، للنسوة الخدرات ثمار يانعات، وللموؤدات جنات، لهم ولهن وما لنا منهم ولا منهن إلا أطراف مجادلات.
[25]
أدلتنا الشجرة أم أضاعتنا، الرمال توحدت بالعظم وتآخى أولنا بآخرنا: هذه قلائدك البيض ينقطعن جمرات مناديل: وهذه يدك بالخاتم اخترعت مسارات الغيم : ليس من مدافن أيتها الجدران لنا أو لكم: القبائل رفعت نياشينها، والنهار بليله تبادل أسرار المحو: لأي قبر أعددت نفسك أيتها المخطوطات المجروحات، وبأي الأوراق سأناديك يا أيتها الأيام، هذه مدافننا مبعثرات والساعات لملمتنا خارج سنوات الخطة: لا تبدل الكلمات إلا بكلمات، إنما خاتمة القلب ستبقى منحدرات تتلوها منحدرات، كل سر بعدمه: هذا مجراك فخذ ما تركت، ناولنا غبارك سكرة غفلة، فالعواصف لم تبدأ بعد.
[26]
روضّت النار وتصالحت الأعشاب: تزين الليل وانشق القمر: السنا نروض أنفسنا، حتى قاع البئر: وبالمباهاة، مرة اثر مرة، نقدم أزهار العمر هدايا، حالات زمرد؛ وفي الأقفاص في الأسرة في التراب يختتم الوعد بيد تخط بالتراب اعترافات الأوراق. أيها الفضاء تماسك ففوقك فضاءات.
[27]
ثم نهض الغريق النائم، ثم أفاقت الحشائش، ثم مر في ذهابه / الضوء / إلينا، ثم استدارت الزمردات برمال تحركها مناديلها، ثم رقد ضياء القمر ممتزجاً برائحة الضفاف .. ثم .. ثم، أنا وهي عدنا إلى الفاصل الموازي للزقورات، ثم تحولنا إلى وردة واحدة الأبعاد، وليس لنا أكثر من منديل واحد للمنحدرات.
[28]
ليس أكثر من هذا، يقينا، عدا الوهم؛ صخرة جنب صخرة، أو رماد سيتوهج ابد الوهم؛ ليس بالأناشيد يعرف المنشد، ليس بالنشيد للفم شكل الصفحات: أيتها الأطياف تجمعي، الكلمات ليست للمتكلم، والناطق مبتلى بالصمت: يا من الممرات أقامت له العزاء، والخرائب السلوى، يا من البحر أهداه ذاكرة الجبل، والسهل بعض ثمار البينات. يا من التراب نهض فيه حدائق، والمدن مقابر جماعية – هذا هو ذاته يمتلك براءة السلالة، نشوة الدم، وفضائح اليد المهملة.
[29]
زارني العائد من منافي الحلم، زارني القادم بمسودات الأصوات، زارني الذي لم يجدني، أخذني، ثم بدأت الزيارة.
[30]
غادرني تاركاً مخطوطات السحر، منحنيات المدن شبكات النهار، غادرني مثلما لم يأت، الفصول المطرزة بخيوط الأمطار، ومثلما تم ذلك بلا عناية، لم استنجد بخفايا الإقامة.كان الفصل هو الاسم، وكان الاختلاف وحدة، وكانت اليد فوق الرمل تتآخى بالمدافن. قال المتكلم الاسم فعل، وبعودته لم يأت. وبرحيله أضاءت القلائد، هذا هو الرضا بلا مبالاة الأعياد. لم يهن القلب، ولا الوهن أتعبته المشاهدة: كل منا اشتعل بأسواره، الروح البيضاء أبدا لم تتدثر، ولا فصول النعمة اضطربت، كان المشهد بلا أفعال بلا أسماء، والخاتم لم يختتم المشهد، ولا العابر تطيب بما عليها. بينهما كان الخط يتدرج بعيداً عن الضوء والعتمة. لم يكن لكي يكون: حمل معبده قبل أن يكون عابد. وكان العابد بلا جدران.
[31]
ليس شرطاً أن تعيش لكي تكون عندك حكمة: ليس شرطاً أن تذهب للحرب لكي تنتصر: ليس للشرط شروط، المودة فضاءات، والحدائق قد لا تعرف بمن فيها، ولا الممرات بالعابرين. ام هذا لا يعرف إلا بهذا.الولد الطيب بالقبر، والعاشق بأحفاد يخترعون الشروط المضافة.
[32]
في أيام يتطلب أن لا تعلن فيها إلا توقد نوايا اليد أو القلب، ماذا بإمكانك جنيه من بعثرة الإشارات، تحريك الفاعل في سكون الأفعال، وإبدال الفواصل بنقاط حرس: ماذا بإمكانك أن تجني، بالزرع أو بما قبل الحصاد. الحكيم يدرك أن حكمته بلا حكمة، يفتح بابه أم يغلقها، الغرباء هم الدار.
[33]
أكان مثلما يقال: أن نسوّر الغابة لكي تكون غابة، وان نملأ البحر بالغرقى لكي تكون السواحل. أكانت الأفعال اختراع الفاعل، أم كان الفاعل سيد الأفعال: أكان للشرط، مثلما للزرع، بوابات وقبائل: لقد وضعت الحجارة مرضعها وتطيبت للموت .. فلم تكن للقلائد أو الهذيانات المبررات خاتمة للحكاية.
[34]
ولم تكن المبررات كاملة الرشد، أو فاقدة العفة، لم تكن بالجملة كعرش، ولا موؤده.
كقبر فوق قبر، كان الفاعل غير الفاعل، والأفعال بلا شرط الفعل. أما آن لهذه الساعات الخربات من خراب الملوك، أما آن للصمت أن يتجلى بلا نطق، والناطق بلا رنين مفاتيح الليل: أما آن للصفحات أن تكون مخطوطات بلا مداولة، والعملة بلا أسواق.
[35]
هي البذرة خرجت سارية، مثلها مثل الأنعام والدخان: أو لا تبصر شواهدها: فوق مدافنها مدافن، وقطرة الندى كسرتها الأيام. لا السبت بسبت ولا الخاتم لبكارته أسرار: ادخل روحي كأنك مقيم واخرج منها قبل الأوان: لا أنت وضعت الميزان، ولا أنت منحت البهتان للأيام: وليس فيها ما لك فيها، كل لميزانه ميزان: هذه النار أغضبت حجارتها، وباب هذا الكهف أغلق عليها التذكر والنسيان.
[36]
ومحي مدّون الأيام زينتها، لا عهد ولا قرار: فعّم يتساءل من فارقها قبل أن يخط لها الأوثان: يا أيتها البيعات اتنجدينا بولاء بيعة، أخذتنا السواحل مثلما المدن صرنا لها غبار، لهونا بخيوط فضتها، ولعبت هي تبذر الكلام. لا أقول لنا موعد عند صائغها، مشفيها أو معالجها تساوى نذر عاشقها بعشق هاجرها: وما هجرنا وما هجرت، الرياح بعثرت مبعثرات الساعة، ولا ما بعد السبت إلا بيوم من الأيام: هي الأسماء متاهات أسماء، وما الأساور إلا بقايا دخان.
[37]
بأي العهد كان العهد، وبأي البيعات يختتم الوعد: توقدت توقدت حتى توقدت، وقلت ها أنذا لا امسك إلا بهذا الحد، الفجر أسكرني حتى أفقت: أهذا أنا أم أنا هو هذا الدرب: يا من تاقت لمسامعه روحي دعني به امسك: ليس عندي سواه مصاب، قبر لي ولا آخر له، فمن ذا يدلني والكلام حجاب.
[38]
لا تحجب عني حجابي عنك: النور كوننا متاهة، والأعياد لملمتنا رماد: هذه نوافذ القبيلة أغلقت آبارها، جدب القلب بالأخذ أو العطاء: الفصول عندي مرور قوافل، والكواكب تذكارات لتذكارات: ولا ينبغي عليّ بالحكمة الاستدلال على استدلال، وهن العظم، والروح انشطرت: أنر يا نور أنوارنا، عند العتمة أقمنا، قرانا نجوم مطوقات، كحمامات دخلت الموت مكسورات الجناح، أبهذا تزخرف الأيام زخرفها، وينقش بالمرمر انتعاش رفات الأموات.
[39]
الخيط يستدل بآخر حتى اكتمال الدورة: لا ثأر: الوردة آخرها وردة، كقبر، أيتها اليد لا امتدادات عند حواشي النوافذ: المهجورات يحملن العودة لنا يفتحن الماء، والجبل كظيم. يا أيتها الأنامل الموائد أبر. تخرج الروح من قفاها. العاصفة جرجرت أوثانها، آفاق من عليها، السياف بسيف النور، والوهم طّبال لجلالة الجذع. أي رطب للميلاد يتساقط أقل نضجاً من مكتشفات الساعة، وما الساعة، قال عّراف الأعياد ما قامت بعد؛ المتعكزون يرتبون فصولهم القادمة، وأنا بمعالجة عقارات الأسلاك أشكل بيارقي، استنجد بالخيط، أما من راية ثامنة للأيام. ماذا بعد انغلاق الباب ماذا بعد الجمعة ؟ - أيام الزمن تولول، والضجات تختتم بنقطة.
[40]
ابك جمرة شوق .. أم بك اشتياق للجمرة: أيتها الجمرة أي منديل يلملمنا قبل قيام البرق، قبل قطف الثمرة، قبل تسوس مشروعات العمر. قال كاتم أسرارها مضى العبد بالعبد: والجمرة لا تأتي بالجمر .. وما أيامك إلا رسم تلاه رسم، هذه هي الأطلال وقد ولت، يا أيتها الحدائق اكشفي عن برقعك أطيافي اشتاقت وأنا خالٍ من البراءة. اكشفي سترك أيتها المحصنة يا مدينة الدهر. فما الوردة إلا بسرها، ما العهد إلا كل الاماسي والاستراحات أوراق وتائهات، والوهم أزال الوهم: توهج بالانطفآت ولا تتبرقع بالظلال.
[41]
استشيدون، عند مثواها، مثوى بالمرمر يغار منه التراب، مثلما لا أعرف، كيف اجتزنا السلالم وسط المفترقات: ليست هي النيات قد جرجرتنا، لكنا كنا بعضاً منها. فإلى أي سبيل يدعو من يدعو ؟ - : تغار الأشكال من صانعها. ثم جرجرونا بالمؤودات والعهود. وآفاق التائه يمسك بخيط حكمته. فعم الأطياف اضطربت .. هي الإقامة إقامة، وليس من فائض في الدعوات.
[42]
ثم تنبش المخطوطة من ركام الضوء، فك كفن الوردة، فعم يبحث الأعمى، والحجاب رغبات. ويأتون بالذي أتى، ويرحلون في البقاء، كل لدعواه داعٍ، والدار خراب: لم تقل الصخرة انها كتمت نارها، ولم يقل مدّون الأيام انه أفاض بالمدونات: لم يكن رسمها قد درس بعد، كنا جميعاً خلف نار الاستذكارات: الحشد في قعقعة، والحروف القاسيات النطق، نطقت، والبذرة كونت عرشها: فعم تبحث السنوات، وماذا يطلب طالبها: الورقة لشجرتها، والشجرة للنار.
[43]
أي أيها العابر أنت تسير على ظلك، أي أيها المنادي على من تنادي، أي أيها العابر هل أنت بعابر .. أي أيها المنادي هل أنت بمنادٍ؟
الكواكب مثلما الأنوار مثلما أنا وأنت مثلما لا احد مثلما الفضاءات بناءات محكمات مختومات ولا ساعة مضافة لساعة الأيام هي مثلما وردة انشقت مثلما اكتمل القمر مثلما الصاعقة تهافتت إنما هي آيات لآيات كخيوط تتلوها بيد الصائغ ولاء لولاء حتى لا يفقه من يفقه إلا من لا يذكر يفتتح أعياده أكفانه لا الماء النار الأرض الأنعام ولا المراتب أكثر من إجازات يدخل من يدخل إن شاء ويخرج من يخرج إن شاء الحكمة لا تلجم بالحكمة الأمر سياج يتلوه الأعلى ثم الأعلى لا ظاهر للظاهر السحر أمد قيام أمد جلوس حتى آخر الوعد العهد تجمع الغربة الغرباء لباب لا يفتح أو يغلق لممرات حتى آخر مديات الصوت أمد أمد أمد الصوت بنفسه والشمس فصول والآيات مفاتيح لا غير الأفراح بجنات لا خاسر إلا أمر سلام حتى يبعثرها يجمعها يفنيها لا خاسر لا كاسب حتى يحشر هذا الصوت بهذا الصوت اللهم اغفر لجبل هدته الأثقال ولي بأول الإشارات.
[44]
هذه وصايا الموتى للميتين وصايا معلنات وأخرى لا تمتحن: يا قلب أين توقد إذا توقفت ورقتك: الرياح لها أثقال جبال من ذا يحملها من ذا ينقلها: وأنت يا صائغ مثواها لا تدع أحدا يرقد لصق احد: دع الفضاء وردة تنشق كآية وامح بعدها كل كلام داخل المتن: هنا يرقد فيّ هذا الذي يرقد هنا لا تدع لي أو لها أثر: هذا مدفن من حملني وحملني أوزار هذه المحن. كانت يمامة وكنت لها الأطواق وكنت لها المطارق وكانت لي الأمل. لا تضع فوقها إلا الفضاء وليكن القبر وردة فالوردة هي سر القمر.
[45]
لا ترى ما أرى، لا ترى في العتمة أنوار، ولا أرى في العتمة مقابر: شغلتني الغفلة بالغفلة. فعّم ابحث والباب يد تدفعني فادفعها. يا من اجهل صوتك أنني اسمع فاخرج من مثواي لمثوى: غاب الذي ابتلاني بخاتمه: وفي غيابه سلوى. لا منجد للروح كلاهما فيّ شريكان لا أحد يمسك بسره.
[46]
ليس من أسباب أكثر .. قال التراب ليس أكثر لأخذ الثقل .. الأفراح المستعادة ليس أكثر من هذا تجمع وريقات المنادي والمنادى حدائق ليس أكثر من إعلان أو السير بجوار شموس آختك برهة أو بعض أجزاء العهد .. هذا الولاء لما فوق أو تحت العظام البيض المنثورة المتجمعة بهذا الصوت ليس أكثر من ثمرة تدور معك بأجزاء الأحلام وألوان المدافن والميلادات المسترجعة بقوة .. لا احد له.. لا احد لك . وإنما أنت له وهو ليس أكثر من لا احد وأنت ليس أكثر من هذا الوجود.
[47]
قلائد الكتاب وأكثر من ذلك الإشارات وأكثر فأكثر الخطوط المتعرجة وشخبطات الهواء فوق رسومات مندرسات نسوة وصبوات وأكثر من ذلك الحروف الممحوة بفرح الأصابع وسكينة النظر من وراء التراب وفي السياق يوم الأعياد تضع لذاتها وتضع يدها فوق الكتاب وأكثر من ذلك لا تحصى أو تتذكر الأرقام لا تتذكر لماذا بالإمكان الرقم أن يعلن عدا برهة التأجيل والتكرار وأكثر من ذلك تراها شاخصة لا ريب باكتمال ما تعده أو تحصيه من جهالات فخمة وأوامر مهملة وسباقات لم تؤخذ بنظر الاعتبار فوائد الخسارة عداك أنت وأكثر عداه هو الذي لا احد له لنأخذ بالفرح المهلك إنقاذ لا مبالاة سيادتك وأكثر من ذلك ولا احد يفهم أي خط بالنور رسمت فوق جميع المندرسات هذا الخط المنتخب للرسم المهلك .
[48]
الأيام النادرات لا تدخل خزانة التلمس، بالمعنى هذا يجلس الحكيم لا يحتكم إلى حكمته ولا النسوة بصيغة المفرد عند عتبات الميلاد وقبل التكون بالمعنى هذا اكتمال اليد بعيداً عن مراقبات الجناة ولا تعرف كثيراً أيهما أدق لمعاناً الماء أو المعادن المستحدثة بالمعنى هذا إنكما الواحد ذاته في دوائر الدخان والجدران والمعارك من ثم إخلاء الصفحات وساحات التراب ولم شمل الأسرة المغبرة والأخرى التي طواها التهافت وتكوم المتكومات بعيداً عن الأفعال والانفعال بالمعنى هذا امتلاك النشوة أو تركها تأخذ آحادها أو مكعباتها من ذاتها لتزداد بهجة اللقاء وسط الأحداق أو عن صرخات غابة نوارس أو بفعل أطلال بالبيانات فتأخذك الرغبة وربما التندر أو التأمل أو التناسل في سياقات بناء احتفال العائد من الأسر أو اجتياز محنة الرجفة بالمعنى هذا طوي أبواب ودروب ومدن وفتح قنوات ثانية جنب التي استهلكها الكساد والتردد واللعنات وبعيداً عن عصور التدوير والمربعات الفسيفسائية والعاب النرد وأعمار المقاهي تجلس الأرواح الشفافة صافية تحت قبة المعنى الأكثر لكل هذه المعاني فلا يتم الطلاق أو الندم. بالمعنى هذا تهديها المفتاح من مشرقها إلى مغربها والعكس يحتمل الصواب وتمنحها للعبادة ركعة لا تعد زائدة في أركان الانتقال.
[49]
قد يكون آفاق حتى استعاد موجوداته قد يكون أكثر بريقاً حيث المسودات لا تلغي بالشطب بعضها البعض الآخر بل تأخذ رهبة الأكوام غير المستعملة وقد يكون الفاعل بكل مسائل الجمع والندم أكثر مسرة مثلما المستعملة وقد يكون مقدراً له التقدير الرفيع فيزدهر عنده التوهج فتأخذ البرية شكل المذياع ويأخذ المدفع علامة النطفة وقد لا يكون ذلك إلا احد توهمات آثار الورق فوق تموجات الرمال وقد يكون الإعلان مباشرة عمل أو هرب أو استعداد أو تحية لأنها جميعا قد تكون الوسط من الرمز أو الناطق بين الطرفين السائبين وقد لا يكون المعلن سوى عنوانات ملغية مثلما جميع المقدرات مرتبة بأبجديات ثانية وثالثة لا معنى لجبروت الأمثال إن تأخذ هيأة الملك أو الشيطان أو الآلة الناطقة أو التخريب الاحتفالي وقد يكون انه لم يفق قط ليمسك بما امسك وإنما مر الأمر ككل فاعلية الجسور الايجابية السلبية وكل ما يقال عن الإلغاء والإعادة والتكرار أو الهلوسات المرتبة الصافية وهي تتباهى بمعمارها وكأنها تستحدث خرائب لا صلة لها بهذا التواصل وقد يكون من باب الفتح أن الأعياد ليست مزودة ولا مركبة وإنما التذكر يذهب ابعد فابعد المدارات ذوي العقول الجبارة بالرغم من الاعتراضات التي صدرت والتي هي قيد شن الهجوم المباغت لعدم احتمال الأهل لمسالك الولد النجيب والبنت التي أضاعت خزائنها سعيا للقبول بمسالك ما فوق العهد وما فوق الوعيد لأن " لا احد " لديها لا يكمن فيها بدافع الإقامة بل هو الجبر كعرس كعيد كأبدية وقد يكون الشك كله مثار يقين يأخذ مداه على نحو انكشاف وردة السماء.
[50]
لم تقل الصخرة لا أحد لي أنا قلت أنا قلت ولم تقل أنا لا احد لي لم تقل أنا قلت ولم تقل النار أنا لا احد لي أنا قلت أنا قلت لا احد لي .. وأنت بلا احد .. أنت قلت أنت بلا احد .. إنما أنت لي لي .. فمن هو لك .. فمن هو لك .. هكذا جاءني صوت من الجبل.
[51]
أبهذا الامتداد آفاق الجرح لكي نزين قامات العاشق: أبهذا الامتداد شرعنا شرائع القرى وسيرنا الكلمات صوب الآفاق: أبهذا الامتداد اتخذت الكف دعوات الخاصة عند العامة والنسوة عند المنفيين والدراويش مع الذئاب: أبهذا الامتداد أعلن الجمع التفرق والنائم دعا بأخبار السلف ما تقدم وما تأخر: أبهذا الامتداد تكومت المراسلات وشطبت اللعنات وأعلنا الحداد: أبهذا الامتداد اتخذت السرايا مناطق الغزو والأمواج رايات التقدم والتفاح لذات التدوين: أبهذا الامتداد نبارك غيمتنا بالأمطار البلورية ونشيّد للجسر ايجابيات العبور والتوقف يا روحي مباركة أيامك ساعاتك مباركة مدافن هذا الأب لهذا الجد لتلك المندثرات سلالات الرمل مباركة بالفتح بالضم وبالكسر وبما بينهما من سكون فالقيامة تفتح دعواها وشهوة الأكتاف الرأس الكف يرون خلاصات النزف وأحلام المجامر ودموع الأغصان وذكرى المطمورين الأجيال المدفونة فوق الأجيال .. أبهذا الامتداد نشيّد أوثان الفاقة ونغلق على الامتداد دوائر الفضاء بالفجر القديم أبهذا الامتداد كله تختتم الكواكب بأرض شائبة الخلاصات.
[52]
قلت رأيت فأخبرت فاخبرنا .. حجبوا فحجبنا .. دفنوا فدفنا .. ولدوا فصرنا لهم الذكرى، ألا قل ماذا رأيت .. ألا قل هل كنت الغابة أم الكف فوق القلائد .. ألا قل أكنت لنا البشر والبرق دلالة إعجاز وكنا ما كنا ثم دارت بنا دورتها اللائي بلا أسماء المدن لنا خرائب المعاني ولمعان المعادن .. ألا قل هل كانت مصادفة الجمع للمتفرقات والوردة والورقة للجمر .. أخبرت فاخبرنا أنا الجسر وكنا له شهود. قاموا فقمنا وضربنا خيامنا وطلبنا بالدفوف وشرعنا شرائعنا ثم محونا أسماءنا ودوّنا في المدن الكبرى ما قلت وأبصرت فما كنت لنا إلا الجسر وما كنا للجسر إلا الشهادة.
[53]
أي .. أي .. أيتها المخبأة بلا إنذارات، الأشرعة لن تجتاز الجسد: أي أي أيتها الراقدة، ولا أنا سأعيد قراءة كف الشمس: ربما سأمكث قليلاً لمراقبة ظلي، أو ربما بلا تندر، سأصطحب من الغابة هسيس مرور الأطياف. أنت يا عابرة، متى مرت الأنعام، ألهذا المدى تنجذب الجنادب وطيور الليل لأسحار الجذور. صمت من هذا الذي صار برية .. من جذبنا إليه كقميص مقطع النسيج، لا أكثر من عربات تتبع دخانها، أو أسوار محكمات الوهم. هذا نبضي يتجول منحنياً لمرور لا أحد .. الذي أتانا صنعناه قسراً. هلهلنا للمرآة، دعابات ملحقات بالواجب، ورموز تخترع الطيران. لا أنت ولا أنا إلا حمامات منزوعات الصوت. لا أحد ذاق لذة الهواء. لا احد له ولا احد لي .. ويده رقدت بمعزل عن الأيام، فعلى م َ الغضب.. احدنا يدوّن والآخر سيثلم نهايات الصفحات. مثلما لم يحدث، إلا بالاستثناءات، إن عادت الموجة إلى الساحل.
[54]
أجمعت لتؤدي الحساب، أقسمت لتجمع، أضربت وطرزت ونحت وكتمت وهتفت وزرعت ودفنت ليكتمل الخيط: فتحوا الكلام ففاض النهر .. فتحوا النار فتكون الجبل.. فتحوا الماء فتجمعن النائحات ، فتحوا القبر فكانت ولاية .. فتحوا الكف فكانت قلائد .. فتحوا ثم فتحوا ولم يكن الفتح إلا باب مراسلات . قفلوا الضجة فكان الطوفان . قفلوا الغابة فكان الملك . قفلوا القبر فكان المزار .. قفلوا الخاتم فكان الكتاب .. قفلوا الجرح فكان العاشق .. قفلوا ثم قفلوا ولم يكن القفل إلا فضاء. فماذا بينهما عساك بصانع. القبر وراثة، والنعمة حجابات. الأنعام زينة، والوهم مدونات. فماذا بهما عساك صانع، ما ودعك الذي غاب. ولا أنت له نشيد إقامة.
[55]
ما الذي، بغير الاستثناء، دشن سم المناديل، ما الذي، بغير الاستثناء آفاق. أيتها الشائخات اليد نوارس يتلمسن فضاءات الجلد، والأحفاد يتضرعون بممحوات الشواخص: من أبصر ليستثنى، القلب مزرعة والسواحل مباركات بالمغادرين: المدى أرحب، والأيام بالجراحات يتقدمن الموكب. هناك آتٍ بالأسحار وآخر لأيامه ممحوات. أيتها الصفحات الواهنات أي بيان سيضمد الحلم، الكفاف نعمة، والرأس موازنات للتداول. أيتها الغرف الشائخات بالأوسمة، كم مرة اكتظ السرير بالموتى، والرأس كان منشغلاً بالمراجعات. هذه البرية لا تستثني من الدوار. ولا يد الراحلة من المحبة: الأيام الأسيرات مطوقات بخرز العرّافات، بعظم الهدهد عند تراب الدفن، يضاف لماء الكأس بقايا وعد، يمزج هذا بالكافور وبايجازات السفر والاستفسار، ويدفن بعمر الطوفان ثم تنتزع البذرة من صانعها، لا تبذر إلا مخلوطة بنبات آدم، ليلاً يطاف بالنداء حول المنادى، فجراً عند العتبة تحترق الرغبات، وتقفل الباب بمسك القادم. أيتها المنقرضات بالأسماء لم يثمر حلال السحر إلا بيانات إقامة: النار تشتكي حتى لو أطفأتها بالفضائل، والشجرة عروس في منفاها، كل يشهد وكل شاهد، عروس في منفاها، كل يشهد وكل شاهد، فما الذي يستثنى بالاستثناء. لنجرب كشط حائطها، ما ابهاك أيها المنذور لها، أيام الوهن استطالت، والعظم شاخ، ما ابهاك تدثرك بأنوار عتمتها، واليوم الثامن أول الفصول، والهجرة أول مسافات الدار.
[56]
أعطاك المنفى الزاد فطربت لأسواره: هي الأحجار أدلت بالشهادة، الماء دون، والليل لملم فوانيسه. أعطتك الأيام فأخذت، أخذت منك فما شكوت، قلت هي المعابد تدور دورتها، قارات تجرح يد الكتابة، ومخطوطات تجمع هوامشها، قلت الفجر مجسات والعرس وشاية، والقلائد مكواة تعمل في القلب. وقلت ازدحمت/ تناثرت/ ثم كشطت الشمع الذهبي وغادرت.
[57]
بلذة العتمة وضعت خليط النرجس فوق الخاتم، أدرت الأوراق على هوامش الظل، المربعات بعظم مثلوم، بدم مكتوم، وبضلع مكعب الأساس، وبماء فائق الإنارة، مزجت الساعات بالأيام والنذر بالمنذور، وقلت الم أقل أن الكلام سحر حلال. ثم فتحت باب الماء، ثم كتمت على النار الاستدارة، لونت الأطياف، أبرقت بالأسى للصمت وأعلنت لا زيارة .. لونت الأطياف، وانتظرت: السحر الأسود أعطاك فما اكتفيت، علمت الشجرة الرقص فرقصت، دربت الأفعى الاستقامة فاستقامت، شطرت البذرة فانشطرت، وما اكتفيت بمنفاك، أعلنت التراب فضة، والغبار كواكب، والوعود أضاحي، ثم كان الحاجب والحجاب، المفتاح والباب، والأعياد دارت مبصرات عماها، اصطحبتها بنيشان دخانها، اكتويت بماء أزلها، ثم رسمت فوق الأسماء يد من محاها. أقمت المحو لصق من سواها، ثم أفاقت بك الأقدار لتزين مثواها، لا تشكو من شكواها، وبخاتمها ستعلن زوال عرش الأوثان.
[58]
مؤانسات مكسورات الجناح: فصول مهلهلة الهوامش، والساعة بألف عام كل عام بألف كوكب وكل كوكب فضاء. أتستنجد بمن يبحث عن منجد. هذا الجبل هوى من ثقل البراءة، وهذا الغريق نهض بالأفراح: أتودع كل من آواك وتقيم لمن أقام لك منفاك: الموؤدة لا تكتم إلا ما أعلنت، وأنت بالأعياد كتمت الأعياد: ممرات محكمات البيان، وجواهر الرمل مصنفات مضافات، تحت وفوق الطيب الخاتم دعوة، والعهد فيض استضافات. فعم يُسأل من أجاب، وعمّ الفرحان يبحث عن أفراح: الأخطاء بالأخطاء. وما شك بها، ترك الليل يأخذ وسادته للحراسة، والفجر للصلاة. اليد لليد ألفة. والنار للمدثرات سياحات، أفلا ترى كم أخذت لتهب، وهبت بما وهبت، وأعادت أجنحتها لفضائها قلائد: جنات فوق جنات حتى قيام البذرة، أفلا ترى كم أخذت لتأخذ، أفلا ترجع لها نوارسها والعظام: ضع مع الهدايا الأيام وتتبع ظلك ولا تختتم الكلام إلا بالكلام.
[59]
يتباهى الفصل المنـزوع التاج بحدائق ظله: مثلما القارات المجروحات يدرسن نظام الأموات، أيتها المرة يا ضمادات التندر أما من كلمات مستحدثات للمناقشة، الأسواق الاستوائية خلت إلا من عرافات يشيدن لنا بالسيف تماثيل الوردة: ملكة الشمس استدارت، والماء توارى، السماء أغلقت أبوابها، والأرض خلت من المارة: إنما المكتظات بالتراب ينجبن أيضا، ماعز الكلمات وابل حروب الجر واسماك الإضافة، فتدور المطحنة دورتها، يتناسل الغائب بغيبته، فما ابهاك يا حضور: بالأمس كنت تصطحب جندك واليوم تحرس بوابات الأيام: للغد كنت مبعث الرعد واليوم ترقد في الذاكرة.
[60]
وضعت أساورها بدائل نوايا زمردات: ياقوت وسجادات، أغلاط مكتملات العدة: لا غابة تؤنس الكاهن ولا ممرات للغايات، وضعت أساورها معارف أنوار: أسحار ليل؛ وضعت أساورها معارف أنوار: أسحار ليل؛ اخرج أيها العظم المبين، يا قلب الميت من سبقك للاعتراف: انهاري عمياء، والحرب لم تترك للمعبد إلا لمعان الشاحنات: أجئت من عصر إلى .. يا صلصال عّم تبحث إذا النار ابتعدت، الجنة جنات، واليد بخاتمها انثلامات. يا قبائلي من يجمع عذراء الطلع، الأمة لغة، واللغة تراب؛ أين هو الذي فرط بدويلات الماء، أين من أقام المسلات ؟ : هذا أنا برداء الغيب اجمع بقايا كوخي، ليس بصحبتي إلا أوثاني وبقايا كنوز هذا الماء . أهو الفرات إذا وسوس للفراق، يا ملائكة قلبي خاب مسعاه/ اليد شوارع/ والحرب احتمالات. الأم غابت، والمخلد آفاق: أيتها النياشين لا أقاسمك لمعان الطارق، ولا الخط المائل في مسار تدوين الآثار: يد الغصن أنارت، فمن ذا يدخل دار المعتمات؟ فاض التراب بنبعها، والحرب بما شق وخاط، لملم أكفانه وعاد: يا سلالاتي أنا انحدر من ضوء، فانا لا احمل بقايا نار، أنا نجمة تمسك بها يد نجمة، ولا أخطاء بها إلا الأخطاء. ها هي عندي لها أقفال زاد. الحساب حاسبني وزاد: لا قلب لا تترك قبر الغصن، أنا النار له شكوى، فمن ذا يقلب صفحات أخر ما في هذا الكتاب: كلها حروف مجسدات مكوّمات مكرمات واليد بالأنوار عملت عمل المستحيلات.
[61]
غبت مع الذي غاب، إنما الجسور ضفة، والعبور ارتداد. يا أيامي المكشوفات أما لك من مبشر، أما لك أيها الفتى من سلوان؟ قراك كلام، ومقابرك لوعة. أما لك يا حبيب القلب من سؤال: الحرب هوامش مناديل، والرماد مكونات فواصل، أما لك من شكوى، أنا مع الماء أتسلى، ومع الممحوات جمر نار، أما لك من سؤال: غاب الذي أدلني وغاب، يا قلب من تاه أم هذا كله شكوى سؤال؟
[62]
المدن المكسورة الجناح، هي الأخرى، مثلما الكلمات المبهمة، تتسول. الكلمات المبهمة، هي أيضا ً، تراها تخدش أبصار العميان. هل اهتف عاش الليل. الكلمات تستنجد بنفسها، تتدثر بنوافذ مفتوحة، لكنها لا تتعفن في درجات الحرارة العالية.
[63]
ليس الحب أو المرارة أو الموت طواعية يدفع باليد للشكوى: إنما القوانين ذاتها تبدو غير وضاءة. لم تقفز اليد إلى مكان آخر للهو، انها مضطربة بلا أسباب. ربما لأن الفقراء كسالى تجاه بناء مزارع أخرى. حسناً بالإمكان استبدال الظلال، والعظام، والمدافن، في الواقع سيتم ذلك تلقائيا، وبالعنف أو بالعبادة، إنما هل من بدائل لا تبصر بدائلها، في الغالب، قد أحكمت هذا الإجراء.
[64]
الكلام ذاته سلاح مزدوج: لا ينحني للشمال نزعاً أو للجنوب رحمة، انه يتشكل كأفعال برية فاقدة الوعي .. تارة يأخذ أشكال النار، وتارة يستجدي فاكهة المرارة. الكلام في محنة، ولا علاقة له بالصائغ .. كذلك اصداء الطبل أخذت استقلالها .. مثلما لا علم يرفرف يعرف انه يقود الجميع إلى الفراغ.
[65]
أحببت أو لم تسقط في هذا الوهم، كنت أود أن أكون اقل ربحاً للخسارات. أحياناً تبدو الجمل الواضحة ذات ولاء للانحناء. هكذا لا اعرف كيف تحلم الأشجار، لكني جيداً لست غاضباً عليها. أريد هكذا أن أدرب نفسي على السلام، أريد هكذا أن أموت.
[66]
مع ذلك هناك سكان العالم تقريباً ضدك، أو في الأقل لا ينسجمون مع كلمة ( ) : ضع أية مفردة شاحبة أو نورانية أو دون سن الرشد. فهناك كلام يقسم إلى مراتب. أنا نفسي اعرف ذلك إنما لا حكمة في الأمر. الغيمة لا تتكلم لكنها ساحرة وأحيانا تتحول إلى جحيم. مع ذلك هناك واحد على الأقل لا يغادرني، يتكلم فاتركه ليتسول سعادات بلا ثمن. أو ربما افعل ذلك بدافع الكسل، هناك مفارقة إننا جميعا سعداء، سعداء كنجوم تتوارى في منديل.
[67]
إذا بالإمكان القول: لا أحد داخل الكلمة، أو تحت غطاء السرير. فلماذا يحدث الشغب. أقول لا أحد داخل البيت ولا داخل الحرف ولا في الشغب نفسه. إذا بالإمكان القول أنني ما أزال على قيد التراب. لي شجرة هادئة الطباع لا ادفع لها الضرائب، وارض سأرقد داخلها بلا اضطراب، وأصابع تتصالح مع البرد. ولي أيضاً أصدقاء موتى سعداء مثلي .. ولي ضحكات، وآمال بلا نياشين. هذا يعني بالإمكان حل اعقد الكثافات، بشرط، أن لا أبدو أكثر جدية وأنا استقبل الراحلين.
[68]
آخر الشوط، تفاحة فوق المائدة، عام 1994 برمته إنذارات صمت. المرأة التي بحلم الولاء هي، مثل عام 1258 أشلاء اصداء، مثلما الدبابات اسطوانات مشخوطات. المرأة لا تعرف أن السباق بدأ تواً، اليوم التاسع كأحد الصواعق. لا تقل انك بالحرية مشدود. الهواء يتكلم، آخر الشوط أول لحظات التكوين والرحم صفحات مطوية. أخبار الحمامات والحمّامات أخبار الفم ثم القدم ونهايات الشوط. أيها العام المدفون مع الأطفال أنا أعالج الدوران بدوران. لا احد لك ولا احد لي ولا احد إلا إننا منسجمان، هذا القبر الذهبي للدراويش .. وهذا الآخر للخوف من البراءة، أما أنا، أما أنا بعد عام 1994 فسأتزوج زوجة رجل آخر، ميت أو سيولد، ثم أني سأموت أو سأولد، تجار الأحلام يقدرون ثمن العقد ، فانا لم اخسر إلا الخسارات.
[69]
هي الأخرى مطرزة بشبابيك الصمت: البادية الجاثمة فوق الوسائد، تلك النائية، المرأة التي من حولها تدور القناديل والشوك: لا بد انها من حولها تدور القناديل والشكوك: لابد انها زورت الأحلام، لأننا لم نعد غربالات أضواء مستعارة. أبدا ً لن تحدث التسويات هكذا .. الجنون لمحة توق .. والمعرفة خواتم مبهمة. لمن نطرز هذا الكفن البديل .. الأوراق المشكوك بتوزيعها، وبطاقات السحر، وانتخابات ملكات جدد لملوك بلا مملكات. لا منج من اكتواء أو اشتعالات الجلد، أو أكثر من ذلك، حيث الروح تتزين بالمندثرات. ليس لدينا مصالحات أو أخطاء، هذه البرية اخترعت الذئب والخيمة: النفط والخمور والفجوات السود.
المرأة وحدها تدثر ليونة الليل، تفتح للقلب عيادات مجانية، تبدل الوثن بوثن، وهو الآخر الحرف المرتعش، غصن اليباب، يتباهى بالاستقامات. ليس لدىّ مخاوف ثانية، سأهب روحي مجانا لمن يخترع لي نافذة، أو نجمة وضاءة حتى نهاية هذا الكلام.
[70]
ما الذي تعلمته إذا .. أترتدي الحكمة اتقاء البرد؟ أم دفع الديون بالشك .. أنت ولدت بدماء منقاة من الربح، ثم عاركك الغرباء، الأيام بما تمتلك من أنامل عذبة. كلا. تعالي إليّ لنكشط جلد الذهب، والعملات المزورة بدافع الصيام. لنخترع أوهاما جادة أكثر لمعاناً .. فلا أنت ولا أنا سننسحب من المرمى .. كل السياقات معادية للنتائج. الخاتم جثة كالياقوت يتفسخ لذات فوق السجادات .. ثم لا غائب ولا حاضر، الطلع بلور. وصلف المرأة القديمة أقوى من الكلام. فأقول تكلم: أيها الولد سآتي الحرب وسنحارب: نموت لندفن بعيداً عن المعبد أو عن موائد المصالحات: الخلود أيتها الشكوك، ليس أكثر دهشة. لك الخلود أيتها الشكوك، فاليقين ليس أكثر دهشة. ثم لا أكثر من هذا كله .. ألا لا مبالاة الهواء وهو يرمم. قلت هي مراتب، فلا تنشطر أو تتجمع: القلب يخفق لبراءته. والحرب لا تغلق إلا باب التذكر. حسناً، كل هذا يماثل مصادفات موت .. إنما أنا فلم افلت نهائياً من الخديعة. أيها المار بهذا القبر أنا هو أنت .. الحبيبة مقدسة بالزنا والنذور .. وهي جديرة بلا شيء .. مثلك ومثلي.. الكلمات لا تذهب إلى النوافذ .. أما الأبواب فلها من يوحدها. مثل هذا لا يقارن بالعقاب أو الجنة، بل بالباب التي ستبقى بهذا شائخة الفتوة. لن أثقل على الورق حتى مرور البراءة. كل كلمة برق، وأنا كلي أوثان.
[71]
أية ملكة مضطربة أنت، وأنت كعقد مدون فوق الماء، وأنت مثل زنابق عارية ووحيدة. أيضاً أنت أيتها الطاعنة بالعزلة تهجرك الكلمات والصواعق تعز من خطاك . وحيدة ومتكاملة دائماً بلا استئذان احد . قد لا ينحني لك الهواء أو ركعة زائدة إنما احدنا صاغ هذا النيشان، لا أنا لك ولا أنت لي إنما لا احد لسوانا. القبر المكتظ بالبيانات لا يستسلم هو الآخر، مثلما أنا وأنت، نشيد آخر كل اللغز. سنغادر معاً أو ندخل صومعة ما وهمية في هذه البرية. سنكتفي بمنديل وبحبة قمح مستعارة من المعادن. سنعيش بلا براءات أو مكرمات أو معجزات أو أي شيء آخر. سنخلع الجلد وندخل العظم ونستيقظ بلا ساعات إنذار أو عياط فائق الثمن. سنشطب الديون ونبدأ بديون استثنائية. أنا وأنت ِ إذا ليس غيرنا بإمكانه ان يخترع اليوم الأول، أو قبله، التداول الدائم للوهم، ثم بعد ذلك، نرحل قبل ان ندوّن اعترافات الشهود.
[72]
تزينت وتعطرت وتباهت ثم دارت الساعات دورتها فخلعت تاجها ونبشت عرشها – وعادت بزينتها وببخورها وبعطورها وبمباهاتها إلى كرسيها وما اكتملت وما وهنت – فدارت فلا الفرحان بالعرس ختمها ولا عند المثوى توقف برقها هي الساعات تكتم كأن لا صائغ إلا ما صاغها، وكأن الأعياد مثل الأقدار لا مؤجلات إلا مؤجلاتها، تعالي إلىّ بزنبقة فانا لا ابحث عن مزار. المراثي اكتملت وما اكتملت، والمرتفعات بفيها اصطخبت؛ من غادرني يلملم ترابه ومن ابحث عنه ولهان: هي النار لا رماد لها وكأن الدخان لا يلد إلا الدخان.
[73]
هاتف هتف: الفصول أينعت مرتفعاتها، والماء للغرقى أعاد باب التذكر. هاتف هتف: القبائل تآخت واليد توحدت باضطرابها. والهاتف هتف: حبيب القلب تزّين، صلى الفجر، وأخذني إليه: أهو ذا البرق، الكف الضائعة مع الحشائش، وآثام النور مع النار، أهو هذا الجسد الذهبي، الأكفان المغطاة بالمناديل، المستور بالرسائل، والأختام المختومة بقفل الفضائح. هاتف كف عن الإبراق " ذهب الذين أحبهم .." ذهب الآتي بنوارس غيبتنا، بالمعاضد والخلاخل والزنامات. ثم أفقت قلت تجلد يا فتى المناحة يا درة الأفراح لا تأخذ الأيام إلا غبارها. الفجر باب، وعظام الموتى تذكارات محبة. هذه هي البيارق – إذا – كخرق فوق سارية البيعة. هاتف كف عن الإبراق وآخر يطبل بالطبل. اقرع أيها الكلام الدورة لم تدر، والراحل عيد على الأبواب. الهاتف يهتف بالشك المبين: كل ما عليها نثار، السلام اصطحب آسراه، والهاتف بخرقه كفّن الأوثان.
[74]
تباهى بالغصن الوحيد المندرس: عواء الفجر المضاء بتواريخ المراثي: أي من ذا فقدنا لكي نستدرج الصفحات المطوية .. الياس والكافور وبقايا النخلة. ليس من ورق أو أخطاء أو مقابر، جمرة الكف بالخطوط تقاطعت، ثم يتحدثون عن غموض المعنى أو المرأة التي ضاعت بين النساء ويتحدثون عن لوعة بلا مناديل أو أنامل شفافة. ماذا بوسع القلب ان يعلن عدا انه مطوق بالاحتمالات. من ذا سيطرق الباب والمفاتيح مصدأة الصوت. هو ذا إذا يرقد بمعزل عن احتفالاته، مثلي، كأن الدنيا برمتها مواعيد منغلقة، وكأن ألف ألف عام من الوهم أكثر من وردة. هل خسرنا كثيراً بضياع اليد فوق الورق، وإعادة دفن المجلدات الفريدة، أم لابد من استثناءات للحكمة ؟ إننا ندفن المواليد المضطربة .. لان الحرب أخذت شكل الامتناع بل أقول كلا إذ طوقتنا الأعراف. يا روحي أنت وحيدة مثلما الجسد أعمى لا خسائر أكثر من هذا التورد : تباهى الـراحل بالثبات والـرمـل بـزمردات شائخات: أين هو
الـدليل الـذي عثـر علينا، وأين هو الذي أضاء ؟ ليست هذه شكوى أسئلة أو اعتراضات، أنا مع البذرة آثام .. وأفراح في المرمى، ويقولون لماذا ألف ألف عام من الكلام .. أيها الرمل دعك من الورطة: الهواء مكعب الشكل، والفجر تهمة ويتباهى بسره وسحره وبما ترك من غبار: أيها الحكيم أين أضعت الحكمة: أنا بصري استعادة. ألف عام وعام من الوهن ، مقابرنا فضفاضة، نساؤنا متلبسات والحزن بيارق. فهل من نطفة لهذه النطفة دعك من الغرقى أيها الغريق، الفلك برياحها، والوردة فضة سماء، إلا أيها النورس فك عنا هذا الحصار، الميتون بالميلاد، والمفاتيح لغير هذه الأبواب.
[75]
لا تنحدر الممرات مع الياقوت، ولا العاصفة تكف عن الدوران: لكل ثمرة شبابيك مؤجلة، ولكل تائهة يقين: تعالي إلىّ في اليوم لعاشر أو العام العاثر أو بعد انتهاء السلام: سندق الدف ونقرع بالتكرار سخريات المرارة: بلاهات الدخان ونضج الأغصان: أحزان الشجرة واستضافات القمر: تكاملت حتى أينعت، ألا أيتها المقابر علمينا السلوى، بيانات النطق أو مفاتيح البلوى. هي الكواكب قلائد منثورات وهي اليد فوق الأوراق بعض شكوى.
استغادر إذا دخلتْ، استدخل إذا غادرت: أيها الحكيم لماذا لم تترك لنا إلا هذه الحكمة. أنا خجول من نجمة تتبع ظلي، ومن امرأة لم تفق من الرمال. أنا مثلك أتجمع في عظم، لا قبر لي لا زمان. اجلس مثلها، الأيام بعد الأيام، واخرج من يد صائغها قلائد نسيان.
[76]
كل يوهم نفسه بوهم: وكل يوهم وهمه بوهم: هذا ياقوتي فضيحة. هذه مطارق الباب كلمات ممحوات مع الشاهد، الداخل والخارج منسيان: أيها الراحل أتركت ما أخذت: الأموات عندك سجادات، والواقفون ممرات.
[77]
ثم تنهض الروح مترفة ببيارقها: القبائل تجمعت بفرقتها، أيتها الروح أما من مصالحات، أم الوهن اتخذ شكل الوردة. ألا تقترب مني كثيراً لكي لا أودعك، كلانا واحد قبل القسمة. فلا تغادر إذا غادرت أأنت بمغادر. قلبي يتسلى بنعمته، والعدد بظله، وأنا لم أعلن ما كتمت، أكتمت لكي أعلن، الم نقل هات لنا البرهان: ثم عاد المعلن إلى سره.
[78]
هذه الأسماء لا تأخذ شكل حروفها، سنعيد الدفن كلما الميلاد أعلن بهجتها: أيتها الاعتراضات أنا في السرب أخير .. أو أول الماء الذي شيدها، ولا آخر من يغلق لها الباب: ما قدمت لها أيتها المنهكات بالرضاعة والتناسل إلا أغلقت الأبواب بابها. ثم يناديك مناديها. سكر بصحوها، واستيقظ بسكرها. المنهكات يدرّن دورتها، لا ورقة فوق ورقة، والنائحات يكتمن أنوارها، من ستلد منكن مثواي يا أيتها المزفوفات لغبارها. كنت أرى العرش بين يدي فكنت أتمايل طربا، هذا بعض نعيم ثمار الأرض، وهذا بعض خلاصها. لا منجد للمنجد، يا أيتها الجراحات من يلملم هذا الذي في السرب أخير، الحرب دقت دقتها، بكل ميلاد يولد من هو أول ومن هو خاتمها.
[79]
ينطفئ الظل بنوره، ويتوهج النور بالتراب: الغابة برمادها، والفصول بالأعياد. ويا أيتها الأيام من محي ومن كتب: الدورات تجري بدورتها. والوردة باب سماء: كان لها مثلما كتمانات الأغصان. لا أسرار فوق الأسرار: القبر فضيحة أيها الحكيم تعال إلىّ أنا صداك في الورقة: إنا كنا البرعم في غصن في شجرة وفي نار: ولا يأتي من أتى: ولا يغادر إلا من لا يغادرها. الم نقل الوردة هي الباب .
[80]
نسج النور بأصوات المحو شبابيك التذكر، ثم يقولون لي ماذا قلت: لا أنوار لها وقد غابت، هنا، هذا الطيف – هذا المكان مزارها: أعيادها مع الزيتون المؤجل: أثواب عرس وياقوت بعثرته الوصايا. الم اقل ان للظلمة نسيج النور وللباب استئذانات الأدعية. ليس لقلبي اضطرابات الطوق، يا حمامات الغزل لم يصبني الكثير ولا أوهنني الوهن ، أنا الغصن قبل أن تراه الثمرة، وأقول – لا – لأنني أقول – نعم وأقول – نعم – لأنني – أقول – لا اقطع التكوين إلى سلالم ، ثم إلى مجرات ، ثم إلى صفاء الفة : لا الجامعون الجمع جامعون ما معنى، ولا – الجامعون – الجمع، يجمعون بما يطرزه الغد. اليد بما قدر لها، والقلب بما اخفق من الآمال. لا البحر بناءٍ عن سرايا المرور، ولا النجوم منطفئات الحكمة: قبل أن تنطق بما تذكرنا، الميت أعلنها، التراب حديقة، والقلائد منفرطات التجمع، لا تتقدم اليد على اليد، ولا الأسماء تمحو الأسماء: أكاشف علانيتي فماذا تبقى من الأسرار: والراحلون بعض ودائع؛ ويقولون قل ماذا أردت أن تقول: لا مودع لمودع إلا باستقبال، ثم يجادلك من امسك بها، أهذا هو البرهان فنقول لا لدنيا إلا ما لدينا من هذا الدخان.
[81]
بماذا تجادل من جادلك وليس لديك إلا ما تبقى من الدليل: أيها الشك أأنت نافدة مناديل: أم أنت بقايا سبايا أحلام. لا أقدار مقدرات إلا بشبابيك النسيج: الم تقل الرمال تصالحت، والقبائل كفت عن عراك قصائدها، لا الموزون بمضادٍ لمنثوره، ولا العاقل بخير من البركان. ثم يقول قائلها أهذا كل ما في العراك .. يا روحي لا تساوميني على النطق .. أنا الشكوك جعلتني محنة أبواب.
[82]
انقسمت فتجمعت؛ البذرة كلؤلؤة تكون بها البحر، وتزين الجبل بقلائد الثمار: يقولون لي ما سر أناشيدك وأنت أقمت الصلح مع التراب. ما دعواك بالياقوت والرطب المتساقط فوق المرضعات، ما خطبك لا يثنيك الليل حتى لو زلزلت العتمة زلزالها .. فأقول يا أيتها الأيام من أخذ ما جمع .. الخاتم بظلال الذكرى .. والبيعة للريح بطلان: هذه السماء زمردات وقلائد فما انفرط البيدر إلا للحصاد. وما غادر المغادر إلا للبرهان: لا اقلب الساعات ولا اعشق ما عشقوا .. لي مسلات مدوّنات، المحو يأتي بالدعة، والزوال بالاستئناف.
[83]
وهل آن للبنفسج ان ينسلخ والنساج يقيم الدفن فوق أطراف الأصابع: الكلام اكتفى بالإشارات فماذا عن عين النبع، عن نسوة لا يذبحن المناحة بعراك حول مصائر الزوج الجديد: عن حرب الأشجار ألا أيتها النفس من يشغل هذا الفراغ ألا دعوني أغيب بمن حضر أو غاب: الميتون يحتفلون بالأحداق الطرية .. وجنائز الفاكهة فاضت بالعطور .. لقد آليت على الكلام إلا نشخط فوق هوامشه شخوطات زائدات: هذا جيل يخرج من الرمان هدايا أعراف: ينهش اللحم ويملأ الصحف احتفالات: يجرجر أكياسه من مغربها إلى مشرقها، من مشرقها حتى انغلاق الباب. ولا يكتفي من عليها بندى الرحمة، أو يتذكر الأقطار والأمصار: ألا أيها الليل كم أوهمت السائر والواقف. تسليت بسلوانا، أوقدت فينا ذكرى من سيلد ومن زال بالزوال. أكل هذا الياقوت وكرم الضيافة بعض إغراءات: أناشيدك أيتها المجهولة بقليل من المجهول، بقليل من سم شافٍ، بنذر لا ينذر مباهاة، أم أنا ذا هو فعل أفعال المجهولات: لا تساومني أيها الفجر على نهايتك، ستدور، مثلي، ومثلها، دوّن اكتمال: كل قاع هو رأس أفعى، والأكفان باختلاف أشكالها لا تغير الأبدان. هي غفلة في الموت مثلما كانت للغابة الثمار. والمثوى سيبقى يتنقل من كون إلى أكوان.
[84]
هل أغلقت المدينة وردتها أم لملمتنا الأعشاب رهائن: أيها الباب انغلق ودع من يدخل يتجول فالفضاءات مشحونة بانكسارات لم الشمل. وستدخل العزلة عامها المضاف: الكون كلما اتسع ضاق، والقلب ممر أعمى، إنما أيضاً بالإمكان أن تكون القلائد أدلة وشهادات. لا ترفع الحجر خشية ان تقع فالحبيب كالضوء يتعرض للانحناءات. أقلت انه الأسود لون زنابق الحرب .. أقلت انك طالما عشقت فأنت الغائب والغياب.. أم قلت هذه سجادتها وتلك مطرزاتها .. أم قلت هذه هي الفصول وقد تقلبت .. أم قلت انك قط ما أبصرتها.كلانا أيها النذر ضاقت بنا المتشابهات. الشبابيك ومفاتيح الساعة وانغلاق أول الليل. كلانا الأول، وكلانا الأخير .. وكلانا العرافة التي بطلسماتها استدلت المتاهة: ألا لا تدع ما أتى منسيا، فقد غمرنا بتذكارات النسيان: لا بيرق يرفرف فوق الغريق وان رفرف .. ولا عابد للوثن وان عبد .. إنما ليس الأمر كما مع نجمة انطفأت وما زالت تخط عشقها مخطوطات للاستذكار.
[85]
أتفتت الرجاء لكي نوقد الأحلام معابر للمعابر أم هي المقابر قناطر شاخت بحديثي الولادة: الناس يحسبون اليد تهاوت: أزار وقد دار بظله. ألا أيها الماسك بها اصنع لنا من بخورها شمعدان نجاة أم هي يا أيتها النائحات الطبالات محض فرية: قلبي باب وردة فادخل أيها النائي اعزف لنا ثم رتب عرش المغادرات. فسنغادرها بالإشارات ولا يقين أقوى من مقبرة فسيحة، من ضياء تآخت فيه النداءات .. انك إذا أكثر استئناساً للتهافت .. لها في جمر المجامر وتوقدات الغصن. إذا لا رحى ولا مطاحن إنما هي العاب بهلوان .. فاكتمل نصف الجرح وتشافى انتصاف النهار. أيتها الخرازة أخرزي لي واكتبي أو دعيني، اشخطي فوق شخطي ثم ناوليني مبخرة فأدق بها شيطان النار استئذاناً لاكتمال الأسود مثلما موعدنا الفرات أو اليقين أو العودة ولا نراه وهو يدفف بالدف إيذانا ً أو يخرج الحكمة على شكل مزامير أو يبعثر الذكرى فوق الجثمان. عذراً أيها الحبيب أكان لنا حبيب؟
[86]
إذا هي مرتفعات وإشارات لمراثي: لمن امسك بالمفتاح وقد غادرت بطيبها : لذات الفجر المدمى والأسير والمدفون بالخرائط : يده مع الشمال وجثمانه في الجنوب . هذا إذا الذي خط قبل التواء طرق الماء آلهة للحمامات وأخرى لجمع الضرائب وثالثة تأتي بالبطلان ورابعة تأخذنا تنفينا تهبنا بذرة النسيان كأن الفضائح يا أيتها الجدران سوى منمنمات هدايا هو ذا ما حصل ويأتي الخامس بنسخ ويستنسخ فلا سواه يا أيتها المرأة أو سواك لنا عندما نتباهى بما لا يحصى من جراحات فوق الوردة: إذا أنت أو أنا محض الحرف الآخر لسلطة الكلام: ثم بعد أو بدافع الاستدراك أو قبلهما تكون اليد أول المراثي إنما لا أنا ولا أنت سينتظر قليلاً أو كثيراً كل هذا الذي تركته المرتفعات أو كيف صرنا نشيد بالرماد تواريخ شيخوختنا العذراء.
[87]
ليست هي الطرائف التي ترقد فوق الوسائد أو ليست هي البراءات أو الوشايات ترقد فوق الأرائك إنما ليس من أسباب لكل هذا الشك أو اليقين. ثم مع ذلك نتباهى بياقوت الغصن ، نرمز للبراءة ادعاءات الحشائش ، وللفجر ذكريات العرس. ولا مغزى آخر للولائم أو بعثرة النوايا عدا ان اليقين لا يرتهن بيقين. إنما طالما هناك بيارق للتطهر وأخرى للتندر وثالثة للمسير ورابعة للعودة وخامسة للذكرى وسادسة للمتاحف وسابعة للشكوك وثامنة للبيعة وتاسعة للمزايدات وعاشرة لغسل الذنوب .. فانا أو أنت لسنا إلا البرهان الفائض على الحاجة.
[88]
ولكي يأخذ الوضوح منتهاه في شجرة الأنساب لأب من سجاح أو عزة .. لابد من آمال أو سكينة .. لابد من رابعة أو شبعاد .. لابد من تماضر أو هند .. ولابد من غزال أو ست الملوك .. لابد من شجرة الدر أو الخيزران .. لابد.
هي إذا شجرة انساب بلا انقطاعات إنما الكلام مدفون من غير سره. لابد منهن وساطة لفتى بالتذكر الأسماء تمحى، لابد من واحدة لكل حرف ولابد منهن جميعا من المهد إلى اللحد. النسوة اللائي تجمعن وجمعن وتبادلن إشارات الرمل وهمهمات الليل .. لابد إذا من هذا كله: ملكات قديسات ملعونات مصونات ومخبولات ومخرزات نثرن الكتمان وبايعن كأن الكوكب دار وكأن المدافن ظللت أعداد بيارقها أيا أيتها القلوب الشائخات من ذا يبرق في المنايا كل هذا الميلاد. وكأن القيامة قامت فتقول هات ثم تقول ماذا أخذت ماذا تركت أيا أيتها الأيام أهكذا تجري المبايعات والمزايدات ومحو ما في المخطوطات وإعلان ما لا في المجونات: هذا هو اسمي فوق الماء فان شئت خذ الماء ولا تترك اسمي في القاع؛ فلقد تساوت مرتفعاتها بالمنخفضات، والبحر بسارية المرتفعات.
[89]
أخذت المسافة معها أبوابها والقلب امسك بالمستترات: هل غادرت العاصفة، بالخزائن والنعيم، وأحكمت قفل التطلع ؟ : لم تكن معنا تذاكر سفر، أقواس لاصطياد البعض. لم يكن إلا الوثن، مرتفعاً أمام الغاز الأفق، أو شبكات مهارة، ثم بيارق احتفالات العشب، وكانت المراثي مرثيات يرثى لها، الدفانون القدماء يرتدون قبعات السهرة؛ والفجر مثار ريبة: والسهم لم يأخذ مستقره الأخير، ولا سيدات الدار ثوابتهن العقيدة: كل المجسات إذ تشابكت. ومثلما يستتر البحر .. تتهيج المرتفعات: وليس هذا بالقدر لكي تكتب أو لا تكتب .. إنما بعض المسرات كانت اقل بهتانا من سواها وجميع النذور كادت، تفيض من حاجتها.
[90]
وقرأنا قلب الميت صفحات متكسرات الموج، تلك هي الوديان مثار لذات الغائب .. واليد مباحة بعلانيتها. وقرأنا قلب الميت فقال أني ابن الميت حرب ابن الميت جورية ابن الميت سواحل ابن الميت باب ابن الميت مدن ابن الميت طوفان ابن الميت نار ابن الميت حتى آخر الأنساب فقال الميت القلب بما فيه والصحراء مباحة لسكان القبائل: هات خيمتك بنت الأفاعي بنت الذئاب بنت الإبل بنت الموءودات اللائي دفن وقضين وعدن يتمرقصن يتشاتمن ثم تكف اليد عن الكلام وتطوى وسائد الدسائس. وقرأنا قلب الميت أني لم أر ولم اسمع فما أنا إلا بالمفتاح ما أنا إلا بالجسر وعلى الأثقال تنزهت حومت كبيانات جمعت في مناديل الثمار. أيهما إذا يا قلب الميت اخترع الفعل اخترع الفاعل. وقرأنا قلب الميت كلمات تتكوم تشطب بعضها وتشطب كلمات وحروف تخترع النبض الذابل كأن المباركات حبلن بقلب نابض فيما خلف وأما القلب الميت أسماء وانساب غطاها طوفان الأصداء وطوفان الرمل وطوفان الوعد وطوفان العشق وطوفان الموتى وطوفان آخر سيولد من رحم هذا الطوفان ولكن بقلب ميت. وهو ذا سر الأسرار إذ الميت يولد بسره وبسره تنهض القبائل بالرايات وبالمدفونين قبل وبعد الدفن وبكل من لم تر مشيمته النور ولا بصره الياقوت الأفخاذ والمحلات وسكان هضاب الروح وعشائر التآخي تعزي النجمة بقلبها الأبنوسي ويمشي تلطم تلطم كالأرض تنشق تنشق فيرتفع صدى الرؤوس تلو الرؤوس لان النجمة لم تكفن ولم تمت ولم يكن لها إلا هذا الممر التابع لسواه والأخر حيث القلب نواة والحكاية عزاء والموت تتابع.
هات المفتاح ها أنذا في الماء أكوّن المسافة.
[91]
بك إذا ستمتد خطانا – إليها. وبها، عندك أقمنا كل هذه المعابر. هذه المطرزات الشفاهية ومؤانسات البدع وشكوى شحة الموارد: أكان الفقر احد أسباب اندثار الماء؟ ومن ذا – إلا بك – احتمل هذا الجبل بالأثقال .. ومن ذا – إلا بك – احتمل رعشة اليقين . " غادر بما ترك .. ثم جاءنا بالفضاء …" ومن ذا – إلا بك – احتمل مرور السفن بالساعات المهجورات ، بالشاذ في اصطفاء ترتيب الزفاف، بالنسوة المهاجرات حسب الدورة، والمكعبات، والعاب الرماد، إذا – منك إليها كانت هي الفواصل، ما ستتركه اليد وما سيأتي به الراحل. إنما هذا كله افتراض رجفة غصن. بللنا صوت النطق، وسرية النطفة، وعلانية الوديان. إنما – في البعيد البعيد – أخذتنا خطاك أسرى تدشننا الرايات والهالات والهلاكات أيضاً. ثم لا أبهى منها – من هذا الوعد– إلا ما فيك: حنين مصاغ باللوعة، وكتمانات ذات شرائع قبلية: يا أيتها اللامسمات أو ذات الأسماء كلها، الأيام الساعات النسوة ليس بهذا سعينا، ليس لأحد استدرنا بقسوة القوس، أو كونا وساطات التوقف؛ هي هي إذا المرتفعات المخلوعات الأضلاع، الطوفان الراقد مع الرمل والأسلحة مع المنتصرين. هؤلاء، انظري، بعض فصول الرغبة والنويا: طلسمات الرمح فوق كبد الضحية: الثأر، أو النبوة المزورة لسيدة الرمال، أو تلك الغزال بعينيها صاغت متاهات ثابتة، أو بالخيزران وهو يعيد للحكم نظام الأبوة والأحفاد. ثم هي المناحات بعض خطوط متشابكة، استقبالات ووداعات واحتفالات متقنة التدابير. إنما بك إذا تتجدد الفضاءات، وإنما بك أيضاً تأخذ الأناشيد أشكال المحاور، ومدن باهضة الترهل، غير خاضعة للشك. بك إذا قد نتلمس الأطياف كوعد، ونغادر.
[92]
إذا ليس للبذرة أكثر من هذا: العواء الخفي للوردة .. أو مصالحات الماء. إذا ليس للصخرة أكثر من هذا: بهاء المعادن وبقايا أطلال .. مدن تنمو بالزنابق الهالكة: ارتفاعات باهتة للأصداء وأشياء لا تسمى بالأسماء . إنما هو الأكثر بهاءً، وسط مستعمرات الياقوت ومبايعات المعادن، إنما كلاهما للفكاهة باب: إذا هي المرتفعات زاهية بالظل، بمدافن الذهب والرايات .. لا أكثر من كلام يردده قلب الميت، في نهاية الفصول.
[93]
هذا العيد، ككل عيد، يغطي حشد المدافن؟ والزمن بلا لذة ينثر غباره فوق المودعين. هذا العيد للولد أو البنت أو الفصول أو الأحجار أو الكلمات. بلا أخطاء .. ما .. يكون قد حصل: وتكاملت البذرة على نحو ما، واستقر المدفون مع الدخان، والملك بالهتافين.
تكامل العيد الذي نبش مراثيه وتربع على العرش.
[94]
أيستدل التائه بالمتاهة أم هذا هو اليقين: أيتها الممرات بادلتنا الفصول وردتها، المرتفعات مراثي رايات: ثم قسمت ما بينهما، الأدوار تمويهات، والبذرة نار. وكم غاب الغائب ليأتينا بحكمته: وكم طال البقاء مختتماً الحشد بكثير من النسيان. وتحت النافذة تتربع ملكة، زنبقة، لا إغراء ولا اغواء، ويغرينا الناطق وتغرينا الناطقة انها ليست سوى الأنعام: الشبابيك وقد زينت بالأغصان، والميتون خلعوا مناديل الأسفار: ويظل الباب يحتجب الأبواب، وتظل النوافذ بالنوافذ تحتجب الزوار: من يعيد لي يد الدخان، من يرجع لي نطق الميت: ألا أيها المفتاح در دورتك أو دعني لا أطيل الأحزان: هذه مدن تتكاثر بالدفن: يخرج الميت من بين ضلوعها، نقلده القلائد، نخيط له هالة الفرسان، ثم بالمتاهات نعيد حكاية الطوفان.
[95]
خاطبتني فأصغيت: اكتمل الغصن، واكتملت بضلوعه منسيات الأيام .. ثم يطلع الياقوت من الجرح .. ما أبهجهم في كل دوره: هم الأمراء أو هم الفقراء أو هم العشاق: مات أبهجهم في كل دورة كمدينة ترقد في الأحلام، وكسرير تطمر فوقه الأسمال أو الأوثان. ثم تستيقظ الساعات النائمات، كملكات متنسكات: أيها القديم كضريح خالٍ، لا خلاف بيننا، كلانا مزاره مثقل بالضوء، كلانا كوخه خالٍ من الأحزان.
[96]
لكي تعمل بأقصى طاقتك عليك أن لا تعمل: دع المفاتيح مع الليل في مشهد الذبائح: ليس من مبررات لاستمالة الظل؛ هذا النور توهج فاستعلت الأصابع، وهذه المدينة ضاقت بموتاها. يا وردة نائمة مع قلبي أما آن أوان السكينة، فروحي ستخرج عارية بأسلحة الورد، وأنت َ أو أنت ِ المتتبعة بعثرة النياشين أما آن لك استمالة الرمال: كلها أوراق تتكدس للعثور على ورقة، أو ربما، لبعثرة جسد على شكل كتاب ليس ثمة اعتراض على شيء آخر، أو أخير: مادام الغريق غادر الموج بتذكارات البيارق .. آه ما دام الباب أغلق الأبواب وفتح لنا بهذا الدخول الأبواب.
[97]
يأخذ الياقوت شكل الرمل، والزمرد يقين الدخان، فتكون الأصداء أكثر ألفة، والأمطار اقل إيذاء. إذاً هي ليست إلا مؤانسات لم تؤجل تماماً، وثمة يضاف لهذا انهيار الهواء: أعط وخذ بالوهم ثبات الأوهام: أعط وخذ الإشارات تواريخ مشطوبة ومثبتة ليس إلا .. إنما أيضاً هناك استدارة الماء، الخبز المستحيل، واليد المطرزة بالأضاحي، لا ذاكرة لقلب الحكيم، ولا أصداء داخل الأصداء.
[98]
ليس ثمة كلام آخر يتنافى مع القداس: اليد مطوقة بالشفافية، والكوخ محض مفتاح كبير، مجهول ومستعار، ليس الكوخ أو المفتاح يسأل ذلك، لا أحد فالتراب يخترع حكايات المرضعات، وليس أمام أو خلف الباب إلا استعادات مؤجلة تقريباً، إنما التذكر مهنة، إنما التذكر محنة، فمن ذا يشدد الطرق على الباب على التراب: يا يد العرافة بأي بهاء تم اختراع الأعياد: ذلك السائح وتلك الأميرة، وذلك المتلعثم وتلك سليطة الأحلام، من ذا يا يد العرافة اخترع المسمار فوق الصلصال، سك الثمن الأول، أو ربما الأخير، لزمرد الدوران. إنما قد لا تكون هناك أسئلة أو مزارات، فقط قطارات تبدأ بالصفر وتتراكم. هكذا نصل إلى الدوران، كالفرح المستحيل، ونرتدي أثواب العيد، نثرثر بالأخطاء بلا مبالاة القلائد، أو بدافع ان النظرات لا تلتقي إلا توهجا. إنما هناك اختراع الفائض من الذنوب، غير المشطوب، الأناشيد وهي تقلق وضاءة: الفائضة عن كل الحاجات، المباركة بالرقم اللانهائي، وحسب الرمل والكواكب، يستعيد الصفر عرشه، إنما بالكاد يعترف المبصر بما مر، لكن النبؤات تخترع الدكاكين، أيضاً، كأن السيول ستلامس المرتفع، لتكون المراثي قد غادرت السهول، فيسأل السائل لم الواحد، ولم الجمع، إنما لنبدأ باليد التي أعطت، واليد الباسلة في أقاصي الجواب .. لأن الهواء يأتي بالصدى ونخاع العظام المتيبسة، هكذا ينبض قلب الميت بالبركة، تدور المتاهة، ويزدهر المزار: الأعالي تأخذ شكل الثمرة، والماء لون الحوار، لكن للطرائف لذات صيف وتبدلات، كالعذراء التي تاهت وكادت بالكاد ان تلد الآخر، على ان النثر يستيقظ، بمعلومات الميت، ويشيد منفاه الجميل.
[99]
وهكذا يأخذ الماء لون القفل، والميت شكل الإقامة: فعّم تتساءل النار وعّم تتساءل النذور: الم تأخذ الحكاية دورتها؟ بالفم المغلق أو المستعاد دارت رحى الغريق: أبصر فتنكر، ومن لم يصغ صاغ للأطياف نوادر التكهن. ثم يأتي من يبعثرها، يشق للذبائح رايات الأقواس، منذ آدم، والأشجار تكتم لذة الجمر، والموج يتخذ هيبة الوثن. ثم نقيم القداس على من أقام القداس: ونعدل المتن بجمل طوال، نشطب زوال الاسم وندون ، ما شاء للمدوّن ان يدوّن فالأمر لم يعد يصاغ بالعلن أو بالكتمان. ستكون اليد تضاريس الجبل، والعين مكرمات المكان، إنما لا احد يصغي جيداً، أو أكثر من ذلك، لصخرة استحالة دخان: المبحرون ببوصلات مبهمة يستأنسون رمال السواحل؛ أي بحر هذا تكوّن في البرية، أية مدن تتدثر بمسامير الطوفان: أكثر أو اقل من هذا ستصنع أيها النباش، المتحكم بالنوافذ ، المستهلك للنذور بالنذور: أكثر أو اقل من هذا ستدفن أيها الدفان .. وأنت يا صاحب المحو، كيف ستجمع الدخان بالدخان: أم سـتأخذ الحكاية شكل الفك أو تقوس الدولفين، أو بدعة شجرة وحيدة في الوديان. يا للقوس الذي يزين غيبة الحبيبة، أسيأخذ الانتظار شكل القوافل. تجلد أيها الميت، ستحدد لك نجمتك يوم لا زوال ولا كتمان.
[100]
ليس من نوارس فوق الثمرة: الليل استفاق بمعادن مغلقة والمرتفعات تنحدر باتجاه الغيوم: ليس ثمة نوارس أمام الأحداق: لقد كسب الرمل الامتداد جوائز الفصول وآثام الابن القاتل: ليس ثمة مبررات للدفاع أو المهادنة : الطوفان فززنا بالأسطورة .. الوعد في مناديل الملكة .. والباطل أزهار برية برؤوس مزدهرة: أي وعد بالوحدة نثرنا إلى لؤلؤ، أغوانا بالجسور: أيها الطائر بأي قلب ميت خاطبت الأشجار، بأي صكوك غفران أضعت الغفران، بأي أناشيد أنشدت لكي تصمت. ليس ثمة نوارس في الكلمات، ولا في طاحونة الاحتمالات: ثمة كما يعتقد، ان الفجر هرب غير آبه بوصاياه. ومهما سنبحث أو نعثر أو نضيع أو نكتشف فالنوارس استحالت إلى هياكل ونجوم، والمعبد إلى نذور مموهة، كذلك ليس للأمراء أو العشاق أو المجانين أو الشحاذين أكثر من مرتفعات ومراثي: الأخير يكمن في البدء، البدء في النهاية. إذا كل منا استنجد ببرهة زنبق ، بوادٍ خالٍ من موتاه : من أبنوس وعاج وفضيات مغطاة برسائل لم ترسل: مثل الموتى ليسو بحاجة إلى المدائح، أو للأماسي المغناة، أيتها القريبة إليّ مثل غياب، ما من رهان بلا نية ، وما من مستقر بلا ضجات : سننشد حتى ينفصل عنا النشيد ، وسنزرع البرية بعويل من ذهب، أيتها المرتفعات، هو ذا لذي كان، مثلما المراثي ستزيحها الأوثان، ومثلما القلائد ستبقى مخطوطات مكومات بالآمال.
30/ 3/ 1994
[مرتفعات ومراثٍ]
عادل كامل/ الوثن الثامن
-
[1]
ليس من جبل أوهى من جبل: البحار امتدت حتى ساريتها: سأقيم لك، أيتها الشجرة، خلاصات النذور. هكذا تتكون تضاريس المراعي: الروح التي انصهرت بخلجان القلائد: الزمرد – السجاد – والأعشاب نوافذ لسوسننا؛ للزنبق فوق كف الدخان: للجوري النائم فوق مناديل المرمر: لك الخلاصات والتمهيدات نياشين عذراوات وبالفصول مطوقات: الم تقل انها تدور بحكمتها، بما لا نرى، ثمرات المدثرة بالماء وحِّناء العيد: أية صخرة أنت أيتها المدثرة بالماء والأغصان: غابة أعلنت مواسمها: أيتها النفس لك المناخات أساور، والساعات معابر، ولنا العمر جسور.
[2]
الحروف؛ تلك فواصل الكلام، لذات النطق، مثلما الوديان تأخذ شكل الوردة: العروسات اللائي طلعن مع البرق وغبن في الأدغال. هي الجسور تأخذنا إليها نحوها، وهي المتاهات مزارات مطرزات بالنعمة، انكسار غيمة فوق الأختام. يا من تنشد للجبال السهول توحدت بأول الفجر. فما المسافات إلا قرارات زنابق، والمواسم إلا رايات قبائل: هؤلاء المارة عند الحافات يجمعون بقايا الليل ، يا روحي إلى أي القرى أوزع فيك فائض الحروف. أمن حاجة لزيادة.
[3]
البحر أيضا جمّع أخطاء الفلك وأخذنا بسلواه: لا ألواح ندّون عليها لون الوعد: كل الثمار معاضد أعلنت الحرب على الحرب .. أيتها الصخرة من لون كهفك وخرج للبرية يضرب بعصاه. كلانا بالظل يستدل، نتعثر بالمحنة ثم بها نفيق: لا نوارس تحمي البحر من امتداد السواحل: والأشجار مفاتيح مقسمات الأبواب: أيتها الرايات لا تقسمي الغرقى إلى غرقى، البحر منارات، ومن كتم أعلن، الصوت نداءات، والمطارق مطارق حتى إن غادرها الطارق.
[4]
عمّ يتساءل الضوء إذا الأنوار أعلنت إعلانها: توحدت برحيلها وتجمعت عند انقسامها: هي الحروف مثل القبائل لا الشعر يوهنها ولا النثر يغنيها: لا منج إلا من منجيها: هي الفصول تداولنا، غيمة للكلام، ومزارات مندرسات بحقوله: أيتها العتمة اظهري ما في الظاهر، الأشجار ساعات شائخات، والأيام محكمات بدوراتها.
[5]
الجبل موجة، والوردة كتمان.
[6]
اسقط الظل فوق الظل، أم الرماد توزع على الكلام: يا روحي تفرقي كثمرة أمثال، الغيوم جاءت بمفاتيح ينابيعها، وأنا لم أغلق بابي على النسيان: كلانا يوحدنا خرز القلادة، فان انفرطت فهوذا الكتمان.
[7]
إذاً – كل الامتدادات توحدت: الغابة والنار: - أيهما أكثر براءة: أيها الجبل أنا غريق السواحل، ولا مملكات لدى عدا اليد بخاتمها؛ عهدي زنبقة، وعرشي فضاء.
[8]
قبل اليوم لم تكن جاهليتي إلا جاهلية، وبعد اليوم ليست بحاري إلا وديان: خذ ثمرة الشعر لوعة، والحزن أهرمات: الم تر كيف اشتكي الجبل من جبلي، أثقالي فاقت احتمالات الأثقال: ولست قبل اليوم إلا من صنعها، وبعدها، لست إلا وادٍ بين الوديان.
[9]
هكذا يتكون الذي لم نر، هكذا الامتداد يأخذ شكل الزمردة، هكذا لا تغادرني إذا تركتني، ولا تبق معي في المكان أو الزمان: الجبال انهار مغلوبات على أمرها، والبحر لا يزدهر إلا بمحصنات الطوفان.
[10]
تعالي إلي ّبرداء ما قبل الموت، أعيدي بالميلاد الأوثان، فانا بالجاهلية سوّرت أساوري، وقلدت ممراتي بانثلامات الوهم. كل ما سبقني يحملني اليّ واليك. لا صخرة إلا محنتها، ولا يعرّف الرماد إلا بالحجر. القلب دقات قفل يفتتح اختتام القفل.
[11]
ولي أقواس ملونات بغيوم المناديل: الفجر ختم على نهايته، ومساءات الحدائق يرقدن بصحبة الضائعات من الأيام: هذه هي ينابيع منابع فضة، بالجواهر أزيّن حبيبي، ولمثواه لا أقول وداع.
[12]
اهو القلب أو الرحلة: لا أسئلة في السؤال: القوس يُشد لغاياته. يا وطن الماء إن شكواي فضاء، وغرقاي بيادر: كل برية ببرقها، وكل صائغ برماله امتداد.
[13]
وهو الجبل كالسهل عنده متاهات: زنابق تخرج منها الزنابق، واليد لا أكثر من سؤال: هي الأعياد مشيدات بالقلائد، والحبيب غبار ودخان: اشتاقت شجرتي لبذرتها، ثم اشتاقت لممر في الأدغال.
[14]
طيب كثمرة نبع، هو صوتي. هو البحر بما ملك من عابرين: إلا ترى – أيها الجبل – كم بحت ولم تبح: عند أور شيدت قراي، وبها درت ودارت، الغرقى ميلاد، والصمت إضافات – كم قلت ولم تقل – أيها الجبل – أنا فلك مبهمات، ولا احد يستدل بباب الحكمة: هذا حبيبي في الوديان تاه، وهذا أنا في المدينة راقد: القلب سؤال، والنوافذ ممرات للأيام: أيا أيتها الساكنة وادينا فاض علينا من فاض، ومن غاب عنا امسك بها ذرات تراب.
[15]
ولهن عذرهن إذا كان لهن عذر: لسن بالجبال أو السواحل ولسن هن الساعات أو المدافن: هن بقايا انثلامات جداول: نسوة الماء اللائي بللن مناديل الغيب: وهن السواتر: أيها البرق أحفظ لنا سواد الراية: الزمردات ضجرات والقناديل زقورات: أيتها الإضافة ماذا لديك العمر أهرامات سياحة، والقلب سارية غابة.
[16]
أيها الياقوت الموحّد ضدي، أنا أنشأني الرمل والماء حفر سره في ّ، الرماد كونني، ثم الطارق بلا مطرقة يطرق: هذا هو عمري سلالات متعرجات .. فتعال يا من أحب، الليل وسادتي، والمحنة بعض كتاب. تعال خذ ما أخذت، ولا تترك للقلب حسابات الأتي.
[17]
تأخذ المطرقة شكل الطارق، والنوارس لون الحجارة. اليد مدية، والحبيب بعض رمال: إلا أيها العارف بماذا تعرف، الليل جرجر وديانه، والزمردات نوافذ منزوعات الوعود. ولن يكف من فقدها عن امتلاكها: الصفحات ما بينهما: ليس من فجر لكي نعود إلى الليل: هذه قيامات قائمة وأخرى في المخطوطات تقيم: كل حبيب بما هجر. وكل اعتلاء هاوية: أسحرنا ساحر السحر أم للوهن أسلمنا جنازات للتذكر: هذه العروش طواها صائغها، الياقوتات انتشلها العابر، والطريق فضائح تراب.
[18]
وهي مواكب وهي كواكب وإنما ليس لها تدّون المدونات: في الزنابق أسرار فناء، وفي الأيام ساعات لا تحسب بالساعات: وهن الداعي إليها فغادر: ثم بالمفتاح عبرن بالوهن كفنها سياحات: ألا أيها القلب لا تزعم ما زعموا: ليس من ريح إلا وستجرجرها ريح: نصف غائمة هي الروح في اعتلائها، الشاهد وان شهد فما هو بشاهد: الرماد أضاء في اشتعاله، فمن ذا يبصر النور الذي غاب: فعم يتساءل من أضاع كتابه؛ ألا أيها القلم لا تحسب إن المطرقة، فوق المطارق ستهدم التذكارات.
[19]
ما الذي أوقفك بينهما، أم كان محض انتظار: سواك جاء كأنه غادر، وسواك أعلنها بلا أعذار – أم تلك كانت الواقعة، وبالأسباب اشتبكت عليك الأسباب: وسواك مسها خسرها وربحها، فما الزمن يقاس بالزمان: إن تلبسك الوهم حتى صرت زينته، وسواك لم تله به الأقدار: امتدت بهم مثلما توقفت عندك: وما سبقت الساق الساق الأنظار: سواك رحل، والراحل فيك اعتذار، إن أبصرته أم حجب عليك الإبصار.
[20]
بظله ختم الخاتم قفل الأقفال، منح الرياح نشوة الأدلة.. فعّم تتساءل الأشجار: هذه الفلك خرز قلائد ماء: يا أمواج روحي من ذا يغلق معبدي إذ أنا الحارس أنا الباب.
ويقولون له أأضاعك ظلك أم أنت صرت له دخان: هن النسوة اللائي جمعن خطاب الأضداد وهن اللائي أقمن الآمال مزارات أعياد: ويسألونك عنها كذئب حمى الحمل من الضياع، وتاه من أول النفس عما بها من ضياع وضياء: هو البرق لم يدلنا ولكنا كنا له البراق: هذه الأوثان اشتعلت بنار جاهليتها، وما أفاقت إلا والآمال كانت لها دخان. وإنما الأطياف ببخور غائبها عيدت وأعلنت بالأعياد قيام الأعياد.
[21]
بين البرية والباب متاهات محكمات الفتح ينغلقن إذا دنا زارعها كطابوقات مهملات مللن خطابات الأعياد: أغادرت وفتحت لنا باب الانفلاق: ما الغابة إلا ثمرة صمت، وما الكلام إلا أزمنة رماد.
[22]
وتنطق الصخرة مثلما الميت بالحداد أقام على الأموات الحداد: لم نترك نورك أيها الظل وقد تآخت بك الأضداد وما تفرقت القبائل وما تمزقت الرايات إلا لغايات معلنات وأخرى كنسوة أقمن أعراسهن بأكفان مناديل مطرزات وغير مطرزات: ماذا تقول غيمة استجمعت نذورها مملكات بائدات: لا أهجو الظل المنتزع من الظل، إنما القلب بخطاه دوّن أسرار المؤودات: وماذا تبقى وكل بغايته تاه: هذا يقيني بعض زمردات أقمن الحد على الزمردات: أبين الياقوت شكوى: لا تحجبوا عني حجاب من حجبني: أنا لنوره ناديت المتاهة أن تأخذني أن توحدني بالمتاهات.
[23]
لا مودة إلا بقفلها: اللائي شرعّن شراعات الغرقى أدلة، اللائي أوصدن الماء للنار مرايا مكتومات، واللائي بفتح الوعد طرزن بيانات العهد: هّن المخبآت رحمتهن بالأقفال، المتعطرات بدم الثمرات؛ هن المدن المفضوحات برايات الخلافات، هن المتصالحات إن جمعن المثوى، وأكثر أكثر هن المتخاصمات في اليقين، يقمن العدل قيامة لا تمسهن أضواء المخطوطات. ويغادرن كأن يد الرياح جاءت بالصفحات لمحو الصفحات. لا مودة إلا بقفلها. ولا بحر إلا بغرقاه.
[24]
أي الأيام سحبتك إليها، جرجرت مجرجرها برفق اللا مسميات: أتهت لتمسك بها، أم ضاقت بك فغادرتها: هذه هي ولائم الرمال بيانات الإقامة: أيها المعنى أقم على نفسك ما أنا بباحث عن معنى، للشيوخ وصايا، وللحروب قامات، للنسوة الخدرات ثمار يانعات، وللموؤدات جنات، لهم ولهن وما لنا منهم ولا منهن إلا أطراف مجادلات.
[25]
أدلتنا الشجرة أم أضاعتنا، الرمال توحدت بالعظم وتآخى أولنا بآخرنا: هذه قلائدك البيض ينقطعن جمرات مناديل: وهذه يدك بالخاتم اخترعت مسارات الغيم : ليس من مدافن أيتها الجدران لنا أو لكم: القبائل رفعت نياشينها، والنهار بليله تبادل أسرار المحو: لأي قبر أعددت نفسك أيتها المخطوطات المجروحات، وبأي الأوراق سأناديك يا أيتها الأيام، هذه مدافننا مبعثرات والساعات لملمتنا خارج سنوات الخطة: لا تبدل الكلمات إلا بكلمات، إنما خاتمة القلب ستبقى منحدرات تتلوها منحدرات، كل سر بعدمه: هذا مجراك فخذ ما تركت، ناولنا غبارك سكرة غفلة، فالعواصف لم تبدأ بعد.
[26]
روضّت النار وتصالحت الأعشاب: تزين الليل وانشق القمر: السنا نروض أنفسنا، حتى قاع البئر: وبالمباهاة، مرة اثر مرة، نقدم أزهار العمر هدايا، حالات زمرد؛ وفي الأقفاص في الأسرة في التراب يختتم الوعد بيد تخط بالتراب اعترافات الأوراق. أيها الفضاء تماسك ففوقك فضاءات.
[27]
ثم نهض الغريق النائم، ثم أفاقت الحشائش، ثم مر في ذهابه / الضوء / إلينا، ثم استدارت الزمردات برمال تحركها مناديلها، ثم رقد ضياء القمر ممتزجاً برائحة الضفاف .. ثم .. ثم، أنا وهي عدنا إلى الفاصل الموازي للزقورات، ثم تحولنا إلى وردة واحدة الأبعاد، وليس لنا أكثر من منديل واحد للمنحدرات.
[28]
ليس أكثر من هذا، يقينا، عدا الوهم؛ صخرة جنب صخرة، أو رماد سيتوهج ابد الوهم؛ ليس بالأناشيد يعرف المنشد، ليس بالنشيد للفم شكل الصفحات: أيتها الأطياف تجمعي، الكلمات ليست للمتكلم، والناطق مبتلى بالصمت: يا من الممرات أقامت له العزاء، والخرائب السلوى، يا من البحر أهداه ذاكرة الجبل، والسهل بعض ثمار البينات. يا من التراب نهض فيه حدائق، والمدن مقابر جماعية – هذا هو ذاته يمتلك براءة السلالة، نشوة الدم، وفضائح اليد المهملة.
[29]
زارني العائد من منافي الحلم، زارني القادم بمسودات الأصوات، زارني الذي لم يجدني، أخذني، ثم بدأت الزيارة.
[30]
غادرني تاركاً مخطوطات السحر، منحنيات المدن شبكات النهار، غادرني مثلما لم يأت، الفصول المطرزة بخيوط الأمطار، ومثلما تم ذلك بلا عناية، لم استنجد بخفايا الإقامة.كان الفصل هو الاسم، وكان الاختلاف وحدة، وكانت اليد فوق الرمل تتآخى بالمدافن. قال المتكلم الاسم فعل، وبعودته لم يأت. وبرحيله أضاءت القلائد، هذا هو الرضا بلا مبالاة الأعياد. لم يهن القلب، ولا الوهن أتعبته المشاهدة: كل منا اشتعل بأسواره، الروح البيضاء أبدا لم تتدثر، ولا فصول النعمة اضطربت، كان المشهد بلا أفعال بلا أسماء، والخاتم لم يختتم المشهد، ولا العابر تطيب بما عليها. بينهما كان الخط يتدرج بعيداً عن الضوء والعتمة. لم يكن لكي يكون: حمل معبده قبل أن يكون عابد. وكان العابد بلا جدران.
[31]
ليس شرطاً أن تعيش لكي تكون عندك حكمة: ليس شرطاً أن تذهب للحرب لكي تنتصر: ليس للشرط شروط، المودة فضاءات، والحدائق قد لا تعرف بمن فيها، ولا الممرات بالعابرين. ام هذا لا يعرف إلا بهذا.الولد الطيب بالقبر، والعاشق بأحفاد يخترعون الشروط المضافة.
[32]
في أيام يتطلب أن لا تعلن فيها إلا توقد نوايا اليد أو القلب، ماذا بإمكانك جنيه من بعثرة الإشارات، تحريك الفاعل في سكون الأفعال، وإبدال الفواصل بنقاط حرس: ماذا بإمكانك أن تجني، بالزرع أو بما قبل الحصاد. الحكيم يدرك أن حكمته بلا حكمة، يفتح بابه أم يغلقها، الغرباء هم الدار.
[33]
أكان مثلما يقال: أن نسوّر الغابة لكي تكون غابة، وان نملأ البحر بالغرقى لكي تكون السواحل. أكانت الأفعال اختراع الفاعل، أم كان الفاعل سيد الأفعال: أكان للشرط، مثلما للزرع، بوابات وقبائل: لقد وضعت الحجارة مرضعها وتطيبت للموت .. فلم تكن للقلائد أو الهذيانات المبررات خاتمة للحكاية.
[34]
ولم تكن المبررات كاملة الرشد، أو فاقدة العفة، لم تكن بالجملة كعرش، ولا موؤده.
كقبر فوق قبر، كان الفاعل غير الفاعل، والأفعال بلا شرط الفعل. أما آن لهذه الساعات الخربات من خراب الملوك، أما آن للصمت أن يتجلى بلا نطق، والناطق بلا رنين مفاتيح الليل: أما آن للصفحات أن تكون مخطوطات بلا مداولة، والعملة بلا أسواق.
[35]
هي البذرة خرجت سارية، مثلها مثل الأنعام والدخان: أو لا تبصر شواهدها: فوق مدافنها مدافن، وقطرة الندى كسرتها الأيام. لا السبت بسبت ولا الخاتم لبكارته أسرار: ادخل روحي كأنك مقيم واخرج منها قبل الأوان: لا أنت وضعت الميزان، ولا أنت منحت البهتان للأيام: وليس فيها ما لك فيها، كل لميزانه ميزان: هذه النار أغضبت حجارتها، وباب هذا الكهف أغلق عليها التذكر والنسيان.
[36]
ومحي مدّون الأيام زينتها، لا عهد ولا قرار: فعّم يتساءل من فارقها قبل أن يخط لها الأوثان: يا أيتها البيعات اتنجدينا بولاء بيعة، أخذتنا السواحل مثلما المدن صرنا لها غبار، لهونا بخيوط فضتها، ولعبت هي تبذر الكلام. لا أقول لنا موعد عند صائغها، مشفيها أو معالجها تساوى نذر عاشقها بعشق هاجرها: وما هجرنا وما هجرت، الرياح بعثرت مبعثرات الساعة، ولا ما بعد السبت إلا بيوم من الأيام: هي الأسماء متاهات أسماء، وما الأساور إلا بقايا دخان.
[37]
بأي العهد كان العهد، وبأي البيعات يختتم الوعد: توقدت توقدت حتى توقدت، وقلت ها أنذا لا امسك إلا بهذا الحد، الفجر أسكرني حتى أفقت: أهذا أنا أم أنا هو هذا الدرب: يا من تاقت لمسامعه روحي دعني به امسك: ليس عندي سواه مصاب، قبر لي ولا آخر له، فمن ذا يدلني والكلام حجاب.
[38]
لا تحجب عني حجابي عنك: النور كوننا متاهة، والأعياد لملمتنا رماد: هذه نوافذ القبيلة أغلقت آبارها، جدب القلب بالأخذ أو العطاء: الفصول عندي مرور قوافل، والكواكب تذكارات لتذكارات: ولا ينبغي عليّ بالحكمة الاستدلال على استدلال، وهن العظم، والروح انشطرت: أنر يا نور أنوارنا، عند العتمة أقمنا، قرانا نجوم مطوقات، كحمامات دخلت الموت مكسورات الجناح، أبهذا تزخرف الأيام زخرفها، وينقش بالمرمر انتعاش رفات الأموات.
[39]
الخيط يستدل بآخر حتى اكتمال الدورة: لا ثأر: الوردة آخرها وردة، كقبر، أيتها اليد لا امتدادات عند حواشي النوافذ: المهجورات يحملن العودة لنا يفتحن الماء، والجبل كظيم. يا أيتها الأنامل الموائد أبر. تخرج الروح من قفاها. العاصفة جرجرت أوثانها، آفاق من عليها، السياف بسيف النور، والوهم طّبال لجلالة الجذع. أي رطب للميلاد يتساقط أقل نضجاً من مكتشفات الساعة، وما الساعة، قال عّراف الأعياد ما قامت بعد؛ المتعكزون يرتبون فصولهم القادمة، وأنا بمعالجة عقارات الأسلاك أشكل بيارقي، استنجد بالخيط، أما من راية ثامنة للأيام. ماذا بعد انغلاق الباب ماذا بعد الجمعة ؟ - أيام الزمن تولول، والضجات تختتم بنقطة.
[40]
ابك جمرة شوق .. أم بك اشتياق للجمرة: أيتها الجمرة أي منديل يلملمنا قبل قيام البرق، قبل قطف الثمرة، قبل تسوس مشروعات العمر. قال كاتم أسرارها مضى العبد بالعبد: والجمرة لا تأتي بالجمر .. وما أيامك إلا رسم تلاه رسم، هذه هي الأطلال وقد ولت، يا أيتها الحدائق اكشفي عن برقعك أطيافي اشتاقت وأنا خالٍ من البراءة. اكشفي سترك أيتها المحصنة يا مدينة الدهر. فما الوردة إلا بسرها، ما العهد إلا كل الاماسي والاستراحات أوراق وتائهات، والوهم أزال الوهم: توهج بالانطفآت ولا تتبرقع بالظلال.
[41]
استشيدون، عند مثواها، مثوى بالمرمر يغار منه التراب، مثلما لا أعرف، كيف اجتزنا السلالم وسط المفترقات: ليست هي النيات قد جرجرتنا، لكنا كنا بعضاً منها. فإلى أي سبيل يدعو من يدعو ؟ - : تغار الأشكال من صانعها. ثم جرجرونا بالمؤودات والعهود. وآفاق التائه يمسك بخيط حكمته. فعم الأطياف اضطربت .. هي الإقامة إقامة، وليس من فائض في الدعوات.
[42]
ثم تنبش المخطوطة من ركام الضوء، فك كفن الوردة، فعم يبحث الأعمى، والحجاب رغبات. ويأتون بالذي أتى، ويرحلون في البقاء، كل لدعواه داعٍ، والدار خراب: لم تقل الصخرة انها كتمت نارها، ولم يقل مدّون الأيام انه أفاض بالمدونات: لم يكن رسمها قد درس بعد، كنا جميعاً خلف نار الاستذكارات: الحشد في قعقعة، والحروف القاسيات النطق، نطقت، والبذرة كونت عرشها: فعم تبحث السنوات، وماذا يطلب طالبها: الورقة لشجرتها، والشجرة للنار.
[43]
أي أيها العابر أنت تسير على ظلك، أي أيها المنادي على من تنادي، أي أيها العابر هل أنت بعابر .. أي أيها المنادي هل أنت بمنادٍ؟
الكواكب مثلما الأنوار مثلما أنا وأنت مثلما لا احد مثلما الفضاءات بناءات محكمات مختومات ولا ساعة مضافة لساعة الأيام هي مثلما وردة انشقت مثلما اكتمل القمر مثلما الصاعقة تهافتت إنما هي آيات لآيات كخيوط تتلوها بيد الصائغ ولاء لولاء حتى لا يفقه من يفقه إلا من لا يذكر يفتتح أعياده أكفانه لا الماء النار الأرض الأنعام ولا المراتب أكثر من إجازات يدخل من يدخل إن شاء ويخرج من يخرج إن شاء الحكمة لا تلجم بالحكمة الأمر سياج يتلوه الأعلى ثم الأعلى لا ظاهر للظاهر السحر أمد قيام أمد جلوس حتى آخر الوعد العهد تجمع الغربة الغرباء لباب لا يفتح أو يغلق لممرات حتى آخر مديات الصوت أمد أمد أمد الصوت بنفسه والشمس فصول والآيات مفاتيح لا غير الأفراح بجنات لا خاسر إلا أمر سلام حتى يبعثرها يجمعها يفنيها لا خاسر لا كاسب حتى يحشر هذا الصوت بهذا الصوت اللهم اغفر لجبل هدته الأثقال ولي بأول الإشارات.
[44]
هذه وصايا الموتى للميتين وصايا معلنات وأخرى لا تمتحن: يا قلب أين توقد إذا توقفت ورقتك: الرياح لها أثقال جبال من ذا يحملها من ذا ينقلها: وأنت يا صائغ مثواها لا تدع أحدا يرقد لصق احد: دع الفضاء وردة تنشق كآية وامح بعدها كل كلام داخل المتن: هنا يرقد فيّ هذا الذي يرقد هنا لا تدع لي أو لها أثر: هذا مدفن من حملني وحملني أوزار هذه المحن. كانت يمامة وكنت لها الأطواق وكنت لها المطارق وكانت لي الأمل. لا تضع فوقها إلا الفضاء وليكن القبر وردة فالوردة هي سر القمر.
[45]
لا ترى ما أرى، لا ترى في العتمة أنوار، ولا أرى في العتمة مقابر: شغلتني الغفلة بالغفلة. فعّم ابحث والباب يد تدفعني فادفعها. يا من اجهل صوتك أنني اسمع فاخرج من مثواي لمثوى: غاب الذي ابتلاني بخاتمه: وفي غيابه سلوى. لا منجد للروح كلاهما فيّ شريكان لا أحد يمسك بسره.
[46]
ليس من أسباب أكثر .. قال التراب ليس أكثر لأخذ الثقل .. الأفراح المستعادة ليس أكثر من هذا تجمع وريقات المنادي والمنادى حدائق ليس أكثر من إعلان أو السير بجوار شموس آختك برهة أو بعض أجزاء العهد .. هذا الولاء لما فوق أو تحت العظام البيض المنثورة المتجمعة بهذا الصوت ليس أكثر من ثمرة تدور معك بأجزاء الأحلام وألوان المدافن والميلادات المسترجعة بقوة .. لا احد له.. لا احد لك . وإنما أنت له وهو ليس أكثر من لا احد وأنت ليس أكثر من هذا الوجود.
[47]
قلائد الكتاب وأكثر من ذلك الإشارات وأكثر فأكثر الخطوط المتعرجة وشخبطات الهواء فوق رسومات مندرسات نسوة وصبوات وأكثر من ذلك الحروف الممحوة بفرح الأصابع وسكينة النظر من وراء التراب وفي السياق يوم الأعياد تضع لذاتها وتضع يدها فوق الكتاب وأكثر من ذلك لا تحصى أو تتذكر الأرقام لا تتذكر لماذا بالإمكان الرقم أن يعلن عدا برهة التأجيل والتكرار وأكثر من ذلك تراها شاخصة لا ريب باكتمال ما تعده أو تحصيه من جهالات فخمة وأوامر مهملة وسباقات لم تؤخذ بنظر الاعتبار فوائد الخسارة عداك أنت وأكثر عداه هو الذي لا احد له لنأخذ بالفرح المهلك إنقاذ لا مبالاة سيادتك وأكثر من ذلك ولا احد يفهم أي خط بالنور رسمت فوق جميع المندرسات هذا الخط المنتخب للرسم المهلك .
[48]
الأيام النادرات لا تدخل خزانة التلمس، بالمعنى هذا يجلس الحكيم لا يحتكم إلى حكمته ولا النسوة بصيغة المفرد عند عتبات الميلاد وقبل التكون بالمعنى هذا اكتمال اليد بعيداً عن مراقبات الجناة ولا تعرف كثيراً أيهما أدق لمعاناً الماء أو المعادن المستحدثة بالمعنى هذا إنكما الواحد ذاته في دوائر الدخان والجدران والمعارك من ثم إخلاء الصفحات وساحات التراب ولم شمل الأسرة المغبرة والأخرى التي طواها التهافت وتكوم المتكومات بعيداً عن الأفعال والانفعال بالمعنى هذا امتلاك النشوة أو تركها تأخذ آحادها أو مكعباتها من ذاتها لتزداد بهجة اللقاء وسط الأحداق أو عن صرخات غابة نوارس أو بفعل أطلال بالبيانات فتأخذك الرغبة وربما التندر أو التأمل أو التناسل في سياقات بناء احتفال العائد من الأسر أو اجتياز محنة الرجفة بالمعنى هذا طوي أبواب ودروب ومدن وفتح قنوات ثانية جنب التي استهلكها الكساد والتردد واللعنات وبعيداً عن عصور التدوير والمربعات الفسيفسائية والعاب النرد وأعمار المقاهي تجلس الأرواح الشفافة صافية تحت قبة المعنى الأكثر لكل هذه المعاني فلا يتم الطلاق أو الندم. بالمعنى هذا تهديها المفتاح من مشرقها إلى مغربها والعكس يحتمل الصواب وتمنحها للعبادة ركعة لا تعد زائدة في أركان الانتقال.
[49]
قد يكون آفاق حتى استعاد موجوداته قد يكون أكثر بريقاً حيث المسودات لا تلغي بالشطب بعضها البعض الآخر بل تأخذ رهبة الأكوام غير المستعملة وقد يكون الفاعل بكل مسائل الجمع والندم أكثر مسرة مثلما المستعملة وقد يكون مقدراً له التقدير الرفيع فيزدهر عنده التوهج فتأخذ البرية شكل المذياع ويأخذ المدفع علامة النطفة وقد لا يكون ذلك إلا احد توهمات آثار الورق فوق تموجات الرمال وقد يكون الإعلان مباشرة عمل أو هرب أو استعداد أو تحية لأنها جميعا قد تكون الوسط من الرمز أو الناطق بين الطرفين السائبين وقد لا يكون المعلن سوى عنوانات ملغية مثلما جميع المقدرات مرتبة بأبجديات ثانية وثالثة لا معنى لجبروت الأمثال إن تأخذ هيأة الملك أو الشيطان أو الآلة الناطقة أو التخريب الاحتفالي وقد يكون انه لم يفق قط ليمسك بما امسك وإنما مر الأمر ككل فاعلية الجسور الايجابية السلبية وكل ما يقال عن الإلغاء والإعادة والتكرار أو الهلوسات المرتبة الصافية وهي تتباهى بمعمارها وكأنها تستحدث خرائب لا صلة لها بهذا التواصل وقد يكون من باب الفتح أن الأعياد ليست مزودة ولا مركبة وإنما التذكر يذهب ابعد فابعد المدارات ذوي العقول الجبارة بالرغم من الاعتراضات التي صدرت والتي هي قيد شن الهجوم المباغت لعدم احتمال الأهل لمسالك الولد النجيب والبنت التي أضاعت خزائنها سعيا للقبول بمسالك ما فوق العهد وما فوق الوعيد لأن " لا احد " لديها لا يكمن فيها بدافع الإقامة بل هو الجبر كعرس كعيد كأبدية وقد يكون الشك كله مثار يقين يأخذ مداه على نحو انكشاف وردة السماء.
[50]
لم تقل الصخرة لا أحد لي أنا قلت أنا قلت ولم تقل أنا لا احد لي لم تقل أنا قلت ولم تقل النار أنا لا احد لي أنا قلت أنا قلت لا احد لي .. وأنت بلا احد .. أنت قلت أنت بلا احد .. إنما أنت لي لي .. فمن هو لك .. فمن هو لك .. هكذا جاءني صوت من الجبل.
[51]
أبهذا الامتداد آفاق الجرح لكي نزين قامات العاشق: أبهذا الامتداد شرعنا شرائع القرى وسيرنا الكلمات صوب الآفاق: أبهذا الامتداد اتخذت الكف دعوات الخاصة عند العامة والنسوة عند المنفيين والدراويش مع الذئاب: أبهذا الامتداد أعلن الجمع التفرق والنائم دعا بأخبار السلف ما تقدم وما تأخر: أبهذا الامتداد تكومت المراسلات وشطبت اللعنات وأعلنا الحداد: أبهذا الامتداد اتخذت السرايا مناطق الغزو والأمواج رايات التقدم والتفاح لذات التدوين: أبهذا الامتداد نبارك غيمتنا بالأمطار البلورية ونشيّد للجسر ايجابيات العبور والتوقف يا روحي مباركة أيامك ساعاتك مباركة مدافن هذا الأب لهذا الجد لتلك المندثرات سلالات الرمل مباركة بالفتح بالضم وبالكسر وبما بينهما من سكون فالقيامة تفتح دعواها وشهوة الأكتاف الرأس الكف يرون خلاصات النزف وأحلام المجامر ودموع الأغصان وذكرى المطمورين الأجيال المدفونة فوق الأجيال .. أبهذا الامتداد نشيّد أوثان الفاقة ونغلق على الامتداد دوائر الفضاء بالفجر القديم أبهذا الامتداد كله تختتم الكواكب بأرض شائبة الخلاصات.
[52]
قلت رأيت فأخبرت فاخبرنا .. حجبوا فحجبنا .. دفنوا فدفنا .. ولدوا فصرنا لهم الذكرى، ألا قل ماذا رأيت .. ألا قل هل كنت الغابة أم الكف فوق القلائد .. ألا قل أكنت لنا البشر والبرق دلالة إعجاز وكنا ما كنا ثم دارت بنا دورتها اللائي بلا أسماء المدن لنا خرائب المعاني ولمعان المعادن .. ألا قل هل كانت مصادفة الجمع للمتفرقات والوردة والورقة للجمر .. أخبرت فاخبرنا أنا الجسر وكنا له شهود. قاموا فقمنا وضربنا خيامنا وطلبنا بالدفوف وشرعنا شرائعنا ثم محونا أسماءنا ودوّنا في المدن الكبرى ما قلت وأبصرت فما كنت لنا إلا الجسر وما كنا للجسر إلا الشهادة.
[53]
أي .. أي .. أيتها المخبأة بلا إنذارات، الأشرعة لن تجتاز الجسد: أي أي أيتها الراقدة، ولا أنا سأعيد قراءة كف الشمس: ربما سأمكث قليلاً لمراقبة ظلي، أو ربما بلا تندر، سأصطحب من الغابة هسيس مرور الأطياف. أنت يا عابرة، متى مرت الأنعام، ألهذا المدى تنجذب الجنادب وطيور الليل لأسحار الجذور. صمت من هذا الذي صار برية .. من جذبنا إليه كقميص مقطع النسيج، لا أكثر من عربات تتبع دخانها، أو أسوار محكمات الوهم. هذا نبضي يتجول منحنياً لمرور لا أحد .. الذي أتانا صنعناه قسراً. هلهلنا للمرآة، دعابات ملحقات بالواجب، ورموز تخترع الطيران. لا أنت ولا أنا إلا حمامات منزوعات الصوت. لا أحد ذاق لذة الهواء. لا احد له ولا احد لي .. ويده رقدت بمعزل عن الأيام، فعلى م َ الغضب.. احدنا يدوّن والآخر سيثلم نهايات الصفحات. مثلما لم يحدث، إلا بالاستثناءات، إن عادت الموجة إلى الساحل.
[54]
أجمعت لتؤدي الحساب، أقسمت لتجمع، أضربت وطرزت ونحت وكتمت وهتفت وزرعت ودفنت ليكتمل الخيط: فتحوا الكلام ففاض النهر .. فتحوا النار فتكون الجبل.. فتحوا الماء فتجمعن النائحات ، فتحوا القبر فكانت ولاية .. فتحوا الكف فكانت قلائد .. فتحوا ثم فتحوا ولم يكن الفتح إلا باب مراسلات . قفلوا الضجة فكان الطوفان . قفلوا الغابة فكان الملك . قفلوا القبر فكان المزار .. قفلوا الخاتم فكان الكتاب .. قفلوا الجرح فكان العاشق .. قفلوا ثم قفلوا ولم يكن القفل إلا فضاء. فماذا بينهما عساك بصانع. القبر وراثة، والنعمة حجابات. الأنعام زينة، والوهم مدونات. فماذا بهما عساك صانع، ما ودعك الذي غاب. ولا أنت له نشيد إقامة.
[55]
ما الذي، بغير الاستثناء، دشن سم المناديل، ما الذي، بغير الاستثناء آفاق. أيتها الشائخات اليد نوارس يتلمسن فضاءات الجلد، والأحفاد يتضرعون بممحوات الشواخص: من أبصر ليستثنى، القلب مزرعة والسواحل مباركات بالمغادرين: المدى أرحب، والأيام بالجراحات يتقدمن الموكب. هناك آتٍ بالأسحار وآخر لأيامه ممحوات. أيتها الصفحات الواهنات أي بيان سيضمد الحلم، الكفاف نعمة، والرأس موازنات للتداول. أيتها الغرف الشائخات بالأوسمة، كم مرة اكتظ السرير بالموتى، والرأس كان منشغلاً بالمراجعات. هذه البرية لا تستثني من الدوار. ولا يد الراحلة من المحبة: الأيام الأسيرات مطوقات بخرز العرّافات، بعظم الهدهد عند تراب الدفن، يضاف لماء الكأس بقايا وعد، يمزج هذا بالكافور وبايجازات السفر والاستفسار، ويدفن بعمر الطوفان ثم تنتزع البذرة من صانعها، لا تبذر إلا مخلوطة بنبات آدم، ليلاً يطاف بالنداء حول المنادى، فجراً عند العتبة تحترق الرغبات، وتقفل الباب بمسك القادم. أيتها المنقرضات بالأسماء لم يثمر حلال السحر إلا بيانات إقامة: النار تشتكي حتى لو أطفأتها بالفضائل، والشجرة عروس في منفاها، كل يشهد وكل شاهد، عروس في منفاها، كل يشهد وكل شاهد، فما الذي يستثنى بالاستثناء. لنجرب كشط حائطها، ما ابهاك أيها المنذور لها، أيام الوهن استطالت، والعظم شاخ، ما ابهاك تدثرك بأنوار عتمتها، واليوم الثامن أول الفصول، والهجرة أول مسافات الدار.
[56]
أعطاك المنفى الزاد فطربت لأسواره: هي الأحجار أدلت بالشهادة، الماء دون، والليل لملم فوانيسه. أعطتك الأيام فأخذت، أخذت منك فما شكوت، قلت هي المعابد تدور دورتها، قارات تجرح يد الكتابة، ومخطوطات تجمع هوامشها، قلت الفجر مجسات والعرس وشاية، والقلائد مكواة تعمل في القلب. وقلت ازدحمت/ تناثرت/ ثم كشطت الشمع الذهبي وغادرت.
[57]
بلذة العتمة وضعت خليط النرجس فوق الخاتم، أدرت الأوراق على هوامش الظل، المربعات بعظم مثلوم، بدم مكتوم، وبضلع مكعب الأساس، وبماء فائق الإنارة، مزجت الساعات بالأيام والنذر بالمنذور، وقلت الم أقل أن الكلام سحر حلال. ثم فتحت باب الماء، ثم كتمت على النار الاستدارة، لونت الأطياف، أبرقت بالأسى للصمت وأعلنت لا زيارة .. لونت الأطياف، وانتظرت: السحر الأسود أعطاك فما اكتفيت، علمت الشجرة الرقص فرقصت، دربت الأفعى الاستقامة فاستقامت، شطرت البذرة فانشطرت، وما اكتفيت بمنفاك، أعلنت التراب فضة، والغبار كواكب، والوعود أضاحي، ثم كان الحاجب والحجاب، المفتاح والباب، والأعياد دارت مبصرات عماها، اصطحبتها بنيشان دخانها، اكتويت بماء أزلها، ثم رسمت فوق الأسماء يد من محاها. أقمت المحو لصق من سواها، ثم أفاقت بك الأقدار لتزين مثواها، لا تشكو من شكواها، وبخاتمها ستعلن زوال عرش الأوثان.
[58]
مؤانسات مكسورات الجناح: فصول مهلهلة الهوامش، والساعة بألف عام كل عام بألف كوكب وكل كوكب فضاء. أتستنجد بمن يبحث عن منجد. هذا الجبل هوى من ثقل البراءة، وهذا الغريق نهض بالأفراح: أتودع كل من آواك وتقيم لمن أقام لك منفاك: الموؤدة لا تكتم إلا ما أعلنت، وأنت بالأعياد كتمت الأعياد: ممرات محكمات البيان، وجواهر الرمل مصنفات مضافات، تحت وفوق الطيب الخاتم دعوة، والعهد فيض استضافات. فعم يُسأل من أجاب، وعمّ الفرحان يبحث عن أفراح: الأخطاء بالأخطاء. وما شك بها، ترك الليل يأخذ وسادته للحراسة، والفجر للصلاة. اليد لليد ألفة. والنار للمدثرات سياحات، أفلا ترى كم أخذت لتهب، وهبت بما وهبت، وأعادت أجنحتها لفضائها قلائد: جنات فوق جنات حتى قيام البذرة، أفلا ترى كم أخذت لتأخذ، أفلا ترجع لها نوارسها والعظام: ضع مع الهدايا الأيام وتتبع ظلك ولا تختتم الكلام إلا بالكلام.
[59]
يتباهى الفصل المنـزوع التاج بحدائق ظله: مثلما القارات المجروحات يدرسن نظام الأموات، أيتها المرة يا ضمادات التندر أما من كلمات مستحدثات للمناقشة، الأسواق الاستوائية خلت إلا من عرافات يشيدن لنا بالسيف تماثيل الوردة: ملكة الشمس استدارت، والماء توارى، السماء أغلقت أبوابها، والأرض خلت من المارة: إنما المكتظات بالتراب ينجبن أيضا، ماعز الكلمات وابل حروب الجر واسماك الإضافة، فتدور المطحنة دورتها، يتناسل الغائب بغيبته، فما ابهاك يا حضور: بالأمس كنت تصطحب جندك واليوم تحرس بوابات الأيام: للغد كنت مبعث الرعد واليوم ترقد في الذاكرة.
[60]
وضعت أساورها بدائل نوايا زمردات: ياقوت وسجادات، أغلاط مكتملات العدة: لا غابة تؤنس الكاهن ولا ممرات للغايات، وضعت أساورها معارف أنوار: أسحار ليل؛ وضعت أساورها معارف أنوار: أسحار ليل؛ اخرج أيها العظم المبين، يا قلب الميت من سبقك للاعتراف: انهاري عمياء، والحرب لم تترك للمعبد إلا لمعان الشاحنات: أجئت من عصر إلى .. يا صلصال عّم تبحث إذا النار ابتعدت، الجنة جنات، واليد بخاتمها انثلامات. يا قبائلي من يجمع عذراء الطلع، الأمة لغة، واللغة تراب؛ أين هو الذي فرط بدويلات الماء، أين من أقام المسلات ؟ : هذا أنا برداء الغيب اجمع بقايا كوخي، ليس بصحبتي إلا أوثاني وبقايا كنوز هذا الماء . أهو الفرات إذا وسوس للفراق، يا ملائكة قلبي خاب مسعاه/ اليد شوارع/ والحرب احتمالات. الأم غابت، والمخلد آفاق: أيتها النياشين لا أقاسمك لمعان الطارق، ولا الخط المائل في مسار تدوين الآثار: يد الغصن أنارت، فمن ذا يدخل دار المعتمات؟ فاض التراب بنبعها، والحرب بما شق وخاط، لملم أكفانه وعاد: يا سلالاتي أنا انحدر من ضوء، فانا لا احمل بقايا نار، أنا نجمة تمسك بها يد نجمة، ولا أخطاء بها إلا الأخطاء. ها هي عندي لها أقفال زاد. الحساب حاسبني وزاد: لا قلب لا تترك قبر الغصن، أنا النار له شكوى، فمن ذا يقلب صفحات أخر ما في هذا الكتاب: كلها حروف مجسدات مكوّمات مكرمات واليد بالأنوار عملت عمل المستحيلات.
[61]
غبت مع الذي غاب، إنما الجسور ضفة، والعبور ارتداد. يا أيامي المكشوفات أما لك من مبشر، أما لك أيها الفتى من سلوان؟ قراك كلام، ومقابرك لوعة. أما لك يا حبيب القلب من سؤال: الحرب هوامش مناديل، والرماد مكونات فواصل، أما لك من شكوى، أنا مع الماء أتسلى، ومع الممحوات جمر نار، أما لك من سؤال: غاب الذي أدلني وغاب، يا قلب من تاه أم هذا كله شكوى سؤال؟
[62]
المدن المكسورة الجناح، هي الأخرى، مثلما الكلمات المبهمة، تتسول. الكلمات المبهمة، هي أيضا ً، تراها تخدش أبصار العميان. هل اهتف عاش الليل. الكلمات تستنجد بنفسها، تتدثر بنوافذ مفتوحة، لكنها لا تتعفن في درجات الحرارة العالية.
[63]
ليس الحب أو المرارة أو الموت طواعية يدفع باليد للشكوى: إنما القوانين ذاتها تبدو غير وضاءة. لم تقفز اليد إلى مكان آخر للهو، انها مضطربة بلا أسباب. ربما لأن الفقراء كسالى تجاه بناء مزارع أخرى. حسناً بالإمكان استبدال الظلال، والعظام، والمدافن، في الواقع سيتم ذلك تلقائيا، وبالعنف أو بالعبادة، إنما هل من بدائل لا تبصر بدائلها، في الغالب، قد أحكمت هذا الإجراء.
[64]
الكلام ذاته سلاح مزدوج: لا ينحني للشمال نزعاً أو للجنوب رحمة، انه يتشكل كأفعال برية فاقدة الوعي .. تارة يأخذ أشكال النار، وتارة يستجدي فاكهة المرارة. الكلام في محنة، ولا علاقة له بالصائغ .. كذلك اصداء الطبل أخذت استقلالها .. مثلما لا علم يرفرف يعرف انه يقود الجميع إلى الفراغ.
[65]
أحببت أو لم تسقط في هذا الوهم، كنت أود أن أكون اقل ربحاً للخسارات. أحياناً تبدو الجمل الواضحة ذات ولاء للانحناء. هكذا لا اعرف كيف تحلم الأشجار، لكني جيداً لست غاضباً عليها. أريد هكذا أن أدرب نفسي على السلام، أريد هكذا أن أموت.
[66]
مع ذلك هناك سكان العالم تقريباً ضدك، أو في الأقل لا ينسجمون مع كلمة ( ) : ضع أية مفردة شاحبة أو نورانية أو دون سن الرشد. فهناك كلام يقسم إلى مراتب. أنا نفسي اعرف ذلك إنما لا حكمة في الأمر. الغيمة لا تتكلم لكنها ساحرة وأحيانا تتحول إلى جحيم. مع ذلك هناك واحد على الأقل لا يغادرني، يتكلم فاتركه ليتسول سعادات بلا ثمن. أو ربما افعل ذلك بدافع الكسل، هناك مفارقة إننا جميعا سعداء، سعداء كنجوم تتوارى في منديل.
[67]
إذا بالإمكان القول: لا أحد داخل الكلمة، أو تحت غطاء السرير. فلماذا يحدث الشغب. أقول لا أحد داخل البيت ولا داخل الحرف ولا في الشغب نفسه. إذا بالإمكان القول أنني ما أزال على قيد التراب. لي شجرة هادئة الطباع لا ادفع لها الضرائب، وارض سأرقد داخلها بلا اضطراب، وأصابع تتصالح مع البرد. ولي أيضاً أصدقاء موتى سعداء مثلي .. ولي ضحكات، وآمال بلا نياشين. هذا يعني بالإمكان حل اعقد الكثافات، بشرط، أن لا أبدو أكثر جدية وأنا استقبل الراحلين.
[68]
آخر الشوط، تفاحة فوق المائدة، عام 1994 برمته إنذارات صمت. المرأة التي بحلم الولاء هي، مثل عام 1258 أشلاء اصداء، مثلما الدبابات اسطوانات مشخوطات. المرأة لا تعرف أن السباق بدأ تواً، اليوم التاسع كأحد الصواعق. لا تقل انك بالحرية مشدود. الهواء يتكلم، آخر الشوط أول لحظات التكوين والرحم صفحات مطوية. أخبار الحمامات والحمّامات أخبار الفم ثم القدم ونهايات الشوط. أيها العام المدفون مع الأطفال أنا أعالج الدوران بدوران. لا احد لك ولا احد لي ولا احد إلا إننا منسجمان، هذا القبر الذهبي للدراويش .. وهذا الآخر للخوف من البراءة، أما أنا، أما أنا بعد عام 1994 فسأتزوج زوجة رجل آخر، ميت أو سيولد، ثم أني سأموت أو سأولد، تجار الأحلام يقدرون ثمن العقد ، فانا لم اخسر إلا الخسارات.
[69]
هي الأخرى مطرزة بشبابيك الصمت: البادية الجاثمة فوق الوسائد، تلك النائية، المرأة التي من حولها تدور القناديل والشوك: لا بد انها من حولها تدور القناديل والشكوك: لابد انها زورت الأحلام، لأننا لم نعد غربالات أضواء مستعارة. أبدا ً لن تحدث التسويات هكذا .. الجنون لمحة توق .. والمعرفة خواتم مبهمة. لمن نطرز هذا الكفن البديل .. الأوراق المشكوك بتوزيعها، وبطاقات السحر، وانتخابات ملكات جدد لملوك بلا مملكات. لا منج من اكتواء أو اشتعالات الجلد، أو أكثر من ذلك، حيث الروح تتزين بالمندثرات. ليس لدينا مصالحات أو أخطاء، هذه البرية اخترعت الذئب والخيمة: النفط والخمور والفجوات السود.
المرأة وحدها تدثر ليونة الليل، تفتح للقلب عيادات مجانية، تبدل الوثن بوثن، وهو الآخر الحرف المرتعش، غصن اليباب، يتباهى بالاستقامات. ليس لدىّ مخاوف ثانية، سأهب روحي مجانا لمن يخترع لي نافذة، أو نجمة وضاءة حتى نهاية هذا الكلام.
[70]
ما الذي تعلمته إذا .. أترتدي الحكمة اتقاء البرد؟ أم دفع الديون بالشك .. أنت ولدت بدماء منقاة من الربح، ثم عاركك الغرباء، الأيام بما تمتلك من أنامل عذبة. كلا. تعالي إليّ لنكشط جلد الذهب، والعملات المزورة بدافع الصيام. لنخترع أوهاما جادة أكثر لمعاناً .. فلا أنت ولا أنا سننسحب من المرمى .. كل السياقات معادية للنتائج. الخاتم جثة كالياقوت يتفسخ لذات فوق السجادات .. ثم لا غائب ولا حاضر، الطلع بلور. وصلف المرأة القديمة أقوى من الكلام. فأقول تكلم: أيها الولد سآتي الحرب وسنحارب: نموت لندفن بعيداً عن المعبد أو عن موائد المصالحات: الخلود أيتها الشكوك، ليس أكثر دهشة. لك الخلود أيتها الشكوك، فاليقين ليس أكثر دهشة. ثم لا أكثر من هذا كله .. ألا لا مبالاة الهواء وهو يرمم. قلت هي مراتب، فلا تنشطر أو تتجمع: القلب يخفق لبراءته. والحرب لا تغلق إلا باب التذكر. حسناً، كل هذا يماثل مصادفات موت .. إنما أنا فلم افلت نهائياً من الخديعة. أيها المار بهذا القبر أنا هو أنت .. الحبيبة مقدسة بالزنا والنذور .. وهي جديرة بلا شيء .. مثلك ومثلي.. الكلمات لا تذهب إلى النوافذ .. أما الأبواب فلها من يوحدها. مثل هذا لا يقارن بالعقاب أو الجنة، بل بالباب التي ستبقى بهذا شائخة الفتوة. لن أثقل على الورق حتى مرور البراءة. كل كلمة برق، وأنا كلي أوثان.
[71]
أية ملكة مضطربة أنت، وأنت كعقد مدون فوق الماء، وأنت مثل زنابق عارية ووحيدة. أيضاً أنت أيتها الطاعنة بالعزلة تهجرك الكلمات والصواعق تعز من خطاك . وحيدة ومتكاملة دائماً بلا استئذان احد . قد لا ينحني لك الهواء أو ركعة زائدة إنما احدنا صاغ هذا النيشان، لا أنا لك ولا أنت لي إنما لا احد لسوانا. القبر المكتظ بالبيانات لا يستسلم هو الآخر، مثلما أنا وأنت، نشيد آخر كل اللغز. سنغادر معاً أو ندخل صومعة ما وهمية في هذه البرية. سنكتفي بمنديل وبحبة قمح مستعارة من المعادن. سنعيش بلا براءات أو مكرمات أو معجزات أو أي شيء آخر. سنخلع الجلد وندخل العظم ونستيقظ بلا ساعات إنذار أو عياط فائق الثمن. سنشطب الديون ونبدأ بديون استثنائية. أنا وأنت ِ إذا ليس غيرنا بإمكانه ان يخترع اليوم الأول، أو قبله، التداول الدائم للوهم، ثم بعد ذلك، نرحل قبل ان ندوّن اعترافات الشهود.
[72]
تزينت وتعطرت وتباهت ثم دارت الساعات دورتها فخلعت تاجها ونبشت عرشها – وعادت بزينتها وببخورها وبعطورها وبمباهاتها إلى كرسيها وما اكتملت وما وهنت – فدارت فلا الفرحان بالعرس ختمها ولا عند المثوى توقف برقها هي الساعات تكتم كأن لا صائغ إلا ما صاغها، وكأن الأعياد مثل الأقدار لا مؤجلات إلا مؤجلاتها، تعالي إلىّ بزنبقة فانا لا ابحث عن مزار. المراثي اكتملت وما اكتملت، والمرتفعات بفيها اصطخبت؛ من غادرني يلملم ترابه ومن ابحث عنه ولهان: هي النار لا رماد لها وكأن الدخان لا يلد إلا الدخان.
[73]
هاتف هتف: الفصول أينعت مرتفعاتها، والماء للغرقى أعاد باب التذكر. هاتف هتف: القبائل تآخت واليد توحدت باضطرابها. والهاتف هتف: حبيب القلب تزّين، صلى الفجر، وأخذني إليه: أهو ذا البرق، الكف الضائعة مع الحشائش، وآثام النور مع النار، أهو هذا الجسد الذهبي، الأكفان المغطاة بالمناديل، المستور بالرسائل، والأختام المختومة بقفل الفضائح. هاتف كف عن الإبراق " ذهب الذين أحبهم .." ذهب الآتي بنوارس غيبتنا، بالمعاضد والخلاخل والزنامات. ثم أفقت قلت تجلد يا فتى المناحة يا درة الأفراح لا تأخذ الأيام إلا غبارها. الفجر باب، وعظام الموتى تذكارات محبة. هذه هي البيارق – إذا – كخرق فوق سارية البيعة. هاتف كف عن الإبراق وآخر يطبل بالطبل. اقرع أيها الكلام الدورة لم تدر، والراحل عيد على الأبواب. الهاتف يهتف بالشك المبين: كل ما عليها نثار، السلام اصطحب آسراه، والهاتف بخرقه كفّن الأوثان.
[74]
تباهى بالغصن الوحيد المندرس: عواء الفجر المضاء بتواريخ المراثي: أي من ذا فقدنا لكي نستدرج الصفحات المطوية .. الياس والكافور وبقايا النخلة. ليس من ورق أو أخطاء أو مقابر، جمرة الكف بالخطوط تقاطعت، ثم يتحدثون عن غموض المعنى أو المرأة التي ضاعت بين النساء ويتحدثون عن لوعة بلا مناديل أو أنامل شفافة. ماذا بوسع القلب ان يعلن عدا انه مطوق بالاحتمالات. من ذا سيطرق الباب والمفاتيح مصدأة الصوت. هو ذا إذا يرقد بمعزل عن احتفالاته، مثلي، كأن الدنيا برمتها مواعيد منغلقة، وكأن ألف ألف عام من الوهم أكثر من وردة. هل خسرنا كثيراً بضياع اليد فوق الورق، وإعادة دفن المجلدات الفريدة، أم لابد من استثناءات للحكمة ؟ إننا ندفن المواليد المضطربة .. لان الحرب أخذت شكل الامتناع بل أقول كلا إذ طوقتنا الأعراف. يا روحي أنت وحيدة مثلما الجسد أعمى لا خسائر أكثر من هذا التورد : تباهى الـراحل بالثبات والـرمـل بـزمردات شائخات: أين هو
الـدليل الـذي عثـر علينا، وأين هو الذي أضاء ؟ ليست هذه شكوى أسئلة أو اعتراضات، أنا مع البذرة آثام .. وأفراح في المرمى، ويقولون لماذا ألف ألف عام من الكلام .. أيها الرمل دعك من الورطة: الهواء مكعب الشكل، والفجر تهمة ويتباهى بسره وسحره وبما ترك من غبار: أيها الحكيم أين أضعت الحكمة: أنا بصري استعادة. ألف عام وعام من الوهن ، مقابرنا فضفاضة، نساؤنا متلبسات والحزن بيارق. فهل من نطفة لهذه النطفة دعك من الغرقى أيها الغريق، الفلك برياحها، والوردة فضة سماء، إلا أيها النورس فك عنا هذا الحصار، الميتون بالميلاد، والمفاتيح لغير هذه الأبواب.
[75]
لا تنحدر الممرات مع الياقوت، ولا العاصفة تكف عن الدوران: لكل ثمرة شبابيك مؤجلة، ولكل تائهة يقين: تعالي إلىّ في اليوم لعاشر أو العام العاثر أو بعد انتهاء السلام: سندق الدف ونقرع بالتكرار سخريات المرارة: بلاهات الدخان ونضج الأغصان: أحزان الشجرة واستضافات القمر: تكاملت حتى أينعت، ألا أيتها المقابر علمينا السلوى، بيانات النطق أو مفاتيح البلوى. هي الكواكب قلائد منثورات وهي اليد فوق الأوراق بعض شكوى.
استغادر إذا دخلتْ، استدخل إذا غادرت: أيها الحكيم لماذا لم تترك لنا إلا هذه الحكمة. أنا خجول من نجمة تتبع ظلي، ومن امرأة لم تفق من الرمال. أنا مثلك أتجمع في عظم، لا قبر لي لا زمان. اجلس مثلها، الأيام بعد الأيام، واخرج من يد صائغها قلائد نسيان.
[76]
كل يوهم نفسه بوهم: وكل يوهم وهمه بوهم: هذا ياقوتي فضيحة. هذه مطارق الباب كلمات ممحوات مع الشاهد، الداخل والخارج منسيان: أيها الراحل أتركت ما أخذت: الأموات عندك سجادات، والواقفون ممرات.
[77]
ثم تنهض الروح مترفة ببيارقها: القبائل تجمعت بفرقتها، أيتها الروح أما من مصالحات، أم الوهن اتخذ شكل الوردة. ألا تقترب مني كثيراً لكي لا أودعك، كلانا واحد قبل القسمة. فلا تغادر إذا غادرت أأنت بمغادر. قلبي يتسلى بنعمته، والعدد بظله، وأنا لم أعلن ما كتمت، أكتمت لكي أعلن، الم نقل هات لنا البرهان: ثم عاد المعلن إلى سره.
[78]
هذه الأسماء لا تأخذ شكل حروفها، سنعيد الدفن كلما الميلاد أعلن بهجتها: أيتها الاعتراضات أنا في السرب أخير .. أو أول الماء الذي شيدها، ولا آخر من يغلق لها الباب: ما قدمت لها أيتها المنهكات بالرضاعة والتناسل إلا أغلقت الأبواب بابها. ثم يناديك مناديها. سكر بصحوها، واستيقظ بسكرها. المنهكات يدرّن دورتها، لا ورقة فوق ورقة، والنائحات يكتمن أنوارها، من ستلد منكن مثواي يا أيتها المزفوفات لغبارها. كنت أرى العرش بين يدي فكنت أتمايل طربا، هذا بعض نعيم ثمار الأرض، وهذا بعض خلاصها. لا منجد للمنجد، يا أيتها الجراحات من يلملم هذا الذي في السرب أخير، الحرب دقت دقتها، بكل ميلاد يولد من هو أول ومن هو خاتمها.
[79]
ينطفئ الظل بنوره، ويتوهج النور بالتراب: الغابة برمادها، والفصول بالأعياد. ويا أيتها الأيام من محي ومن كتب: الدورات تجري بدورتها. والوردة باب سماء: كان لها مثلما كتمانات الأغصان. لا أسرار فوق الأسرار: القبر فضيحة أيها الحكيم تعال إلىّ أنا صداك في الورقة: إنا كنا البرعم في غصن في شجرة وفي نار: ولا يأتي من أتى: ولا يغادر إلا من لا يغادرها. الم نقل الوردة هي الباب .
[80]
نسج النور بأصوات المحو شبابيك التذكر، ثم يقولون لي ماذا قلت: لا أنوار لها وقد غابت، هنا، هذا الطيف – هذا المكان مزارها: أعيادها مع الزيتون المؤجل: أثواب عرس وياقوت بعثرته الوصايا. الم اقل ان للظلمة نسيج النور وللباب استئذانات الأدعية. ليس لقلبي اضطرابات الطوق، يا حمامات الغزل لم يصبني الكثير ولا أوهنني الوهن ، أنا الغصن قبل أن تراه الثمرة، وأقول – لا – لأنني أقول – نعم وأقول – نعم – لأنني – أقول – لا اقطع التكوين إلى سلالم ، ثم إلى مجرات ، ثم إلى صفاء الفة : لا الجامعون الجمع جامعون ما معنى، ولا – الجامعون – الجمع، يجمعون بما يطرزه الغد. اليد بما قدر لها، والقلب بما اخفق من الآمال. لا البحر بناءٍ عن سرايا المرور، ولا النجوم منطفئات الحكمة: قبل أن تنطق بما تذكرنا، الميت أعلنها، التراب حديقة، والقلائد منفرطات التجمع، لا تتقدم اليد على اليد، ولا الأسماء تمحو الأسماء: أكاشف علانيتي فماذا تبقى من الأسرار: والراحلون بعض ودائع؛ ويقولون قل ماذا أردت أن تقول: لا مودع لمودع إلا باستقبال، ثم يجادلك من امسك بها، أهذا هو البرهان فنقول لا لدنيا إلا ما لدينا من هذا الدخان.
[81]
بماذا تجادل من جادلك وليس لديك إلا ما تبقى من الدليل: أيها الشك أأنت نافدة مناديل: أم أنت بقايا سبايا أحلام. لا أقدار مقدرات إلا بشبابيك النسيج: الم تقل الرمال تصالحت، والقبائل كفت عن عراك قصائدها، لا الموزون بمضادٍ لمنثوره، ولا العاقل بخير من البركان. ثم يقول قائلها أهذا كل ما في العراك .. يا روحي لا تساوميني على النطق .. أنا الشكوك جعلتني محنة أبواب.
[82]
انقسمت فتجمعت؛ البذرة كلؤلؤة تكون بها البحر، وتزين الجبل بقلائد الثمار: يقولون لي ما سر أناشيدك وأنت أقمت الصلح مع التراب. ما دعواك بالياقوت والرطب المتساقط فوق المرضعات، ما خطبك لا يثنيك الليل حتى لو زلزلت العتمة زلزالها .. فأقول يا أيتها الأيام من أخذ ما جمع .. الخاتم بظلال الذكرى .. والبيعة للريح بطلان: هذه السماء زمردات وقلائد فما انفرط البيدر إلا للحصاد. وما غادر المغادر إلا للبرهان: لا اقلب الساعات ولا اعشق ما عشقوا .. لي مسلات مدوّنات، المحو يأتي بالدعة، والزوال بالاستئناف.
[83]
وهل آن للبنفسج ان ينسلخ والنساج يقيم الدفن فوق أطراف الأصابع: الكلام اكتفى بالإشارات فماذا عن عين النبع، عن نسوة لا يذبحن المناحة بعراك حول مصائر الزوج الجديد: عن حرب الأشجار ألا أيتها النفس من يشغل هذا الفراغ ألا دعوني أغيب بمن حضر أو غاب: الميتون يحتفلون بالأحداق الطرية .. وجنائز الفاكهة فاضت بالعطور .. لقد آليت على الكلام إلا نشخط فوق هوامشه شخوطات زائدات: هذا جيل يخرج من الرمان هدايا أعراف: ينهش اللحم ويملأ الصحف احتفالات: يجرجر أكياسه من مغربها إلى مشرقها، من مشرقها حتى انغلاق الباب. ولا يكتفي من عليها بندى الرحمة، أو يتذكر الأقطار والأمصار: ألا أيها الليل كم أوهمت السائر والواقف. تسليت بسلوانا، أوقدت فينا ذكرى من سيلد ومن زال بالزوال. أكل هذا الياقوت وكرم الضيافة بعض إغراءات: أناشيدك أيتها المجهولة بقليل من المجهول، بقليل من سم شافٍ، بنذر لا ينذر مباهاة، أم أنا ذا هو فعل أفعال المجهولات: لا تساومني أيها الفجر على نهايتك، ستدور، مثلي، ومثلها، دوّن اكتمال: كل قاع هو رأس أفعى، والأكفان باختلاف أشكالها لا تغير الأبدان. هي غفلة في الموت مثلما كانت للغابة الثمار. والمثوى سيبقى يتنقل من كون إلى أكوان.
[84]
هل أغلقت المدينة وردتها أم لملمتنا الأعشاب رهائن: أيها الباب انغلق ودع من يدخل يتجول فالفضاءات مشحونة بانكسارات لم الشمل. وستدخل العزلة عامها المضاف: الكون كلما اتسع ضاق، والقلب ممر أعمى، إنما أيضاً بالإمكان أن تكون القلائد أدلة وشهادات. لا ترفع الحجر خشية ان تقع فالحبيب كالضوء يتعرض للانحناءات. أقلت انه الأسود لون زنابق الحرب .. أقلت انك طالما عشقت فأنت الغائب والغياب.. أم قلت هذه سجادتها وتلك مطرزاتها .. أم قلت هذه هي الفصول وقد تقلبت .. أم قلت انك قط ما أبصرتها.كلانا أيها النذر ضاقت بنا المتشابهات. الشبابيك ومفاتيح الساعة وانغلاق أول الليل. كلانا الأول، وكلانا الأخير .. وكلانا العرافة التي بطلسماتها استدلت المتاهة: ألا لا تدع ما أتى منسيا، فقد غمرنا بتذكارات النسيان: لا بيرق يرفرف فوق الغريق وان رفرف .. ولا عابد للوثن وان عبد .. إنما ليس الأمر كما مع نجمة انطفأت وما زالت تخط عشقها مخطوطات للاستذكار.
[85]
أتفتت الرجاء لكي نوقد الأحلام معابر للمعابر أم هي المقابر قناطر شاخت بحديثي الولادة: الناس يحسبون اليد تهاوت: أزار وقد دار بظله. ألا أيها الماسك بها اصنع لنا من بخورها شمعدان نجاة أم هي يا أيتها النائحات الطبالات محض فرية: قلبي باب وردة فادخل أيها النائي اعزف لنا ثم رتب عرش المغادرات. فسنغادرها بالإشارات ولا يقين أقوى من مقبرة فسيحة، من ضياء تآخت فيه النداءات .. انك إذا أكثر استئناساً للتهافت .. لها في جمر المجامر وتوقدات الغصن. إذا لا رحى ولا مطاحن إنما هي العاب بهلوان .. فاكتمل نصف الجرح وتشافى انتصاف النهار. أيتها الخرازة أخرزي لي واكتبي أو دعيني، اشخطي فوق شخطي ثم ناوليني مبخرة فأدق بها شيطان النار استئذاناً لاكتمال الأسود مثلما موعدنا الفرات أو اليقين أو العودة ولا نراه وهو يدفف بالدف إيذانا ً أو يخرج الحكمة على شكل مزامير أو يبعثر الذكرى فوق الجثمان. عذراً أيها الحبيب أكان لنا حبيب؟
[86]
إذا هي مرتفعات وإشارات لمراثي: لمن امسك بالمفتاح وقد غادرت بطيبها : لذات الفجر المدمى والأسير والمدفون بالخرائط : يده مع الشمال وجثمانه في الجنوب . هذا إذا الذي خط قبل التواء طرق الماء آلهة للحمامات وأخرى لجمع الضرائب وثالثة تأتي بالبطلان ورابعة تأخذنا تنفينا تهبنا بذرة النسيان كأن الفضائح يا أيتها الجدران سوى منمنمات هدايا هو ذا ما حصل ويأتي الخامس بنسخ ويستنسخ فلا سواه يا أيتها المرأة أو سواك لنا عندما نتباهى بما لا يحصى من جراحات فوق الوردة: إذا أنت أو أنا محض الحرف الآخر لسلطة الكلام: ثم بعد أو بدافع الاستدراك أو قبلهما تكون اليد أول المراثي إنما لا أنا ولا أنت سينتظر قليلاً أو كثيراً كل هذا الذي تركته المرتفعات أو كيف صرنا نشيد بالرماد تواريخ شيخوختنا العذراء.
[87]
ليست هي الطرائف التي ترقد فوق الوسائد أو ليست هي البراءات أو الوشايات ترقد فوق الأرائك إنما ليس من أسباب لكل هذا الشك أو اليقين. ثم مع ذلك نتباهى بياقوت الغصن ، نرمز للبراءة ادعاءات الحشائش ، وللفجر ذكريات العرس. ولا مغزى آخر للولائم أو بعثرة النوايا عدا ان اليقين لا يرتهن بيقين. إنما طالما هناك بيارق للتطهر وأخرى للتندر وثالثة للمسير ورابعة للعودة وخامسة للذكرى وسادسة للمتاحف وسابعة للشكوك وثامنة للبيعة وتاسعة للمزايدات وعاشرة لغسل الذنوب .. فانا أو أنت لسنا إلا البرهان الفائض على الحاجة.
[88]
ولكي يأخذ الوضوح منتهاه في شجرة الأنساب لأب من سجاح أو عزة .. لابد من آمال أو سكينة .. لابد من رابعة أو شبعاد .. لابد من تماضر أو هند .. ولابد من غزال أو ست الملوك .. لابد من شجرة الدر أو الخيزران .. لابد.
هي إذا شجرة انساب بلا انقطاعات إنما الكلام مدفون من غير سره. لابد منهن وساطة لفتى بالتذكر الأسماء تمحى، لابد من واحدة لكل حرف ولابد منهن جميعا من المهد إلى اللحد. النسوة اللائي تجمعن وجمعن وتبادلن إشارات الرمل وهمهمات الليل .. لابد إذا من هذا كله: ملكات قديسات ملعونات مصونات ومخبولات ومخرزات نثرن الكتمان وبايعن كأن الكوكب دار وكأن المدافن ظللت أعداد بيارقها أيا أيتها القلوب الشائخات من ذا يبرق في المنايا كل هذا الميلاد. وكأن القيامة قامت فتقول هات ثم تقول ماذا أخذت ماذا تركت أيا أيتها الأيام أهكذا تجري المبايعات والمزايدات ومحو ما في المخطوطات وإعلان ما لا في المجونات: هذا هو اسمي فوق الماء فان شئت خذ الماء ولا تترك اسمي في القاع؛ فلقد تساوت مرتفعاتها بالمنخفضات، والبحر بسارية المرتفعات.
[89]
أخذت المسافة معها أبوابها والقلب امسك بالمستترات: هل غادرت العاصفة، بالخزائن والنعيم، وأحكمت قفل التطلع ؟ : لم تكن معنا تذاكر سفر، أقواس لاصطياد البعض. لم يكن إلا الوثن، مرتفعاً أمام الغاز الأفق، أو شبكات مهارة، ثم بيارق احتفالات العشب، وكانت المراثي مرثيات يرثى لها، الدفانون القدماء يرتدون قبعات السهرة؛ والفجر مثار ريبة: والسهم لم يأخذ مستقره الأخير، ولا سيدات الدار ثوابتهن العقيدة: كل المجسات إذ تشابكت. ومثلما يستتر البحر .. تتهيج المرتفعات: وليس هذا بالقدر لكي تكتب أو لا تكتب .. إنما بعض المسرات كانت اقل بهتانا من سواها وجميع النذور كادت، تفيض من حاجتها.
[90]
وقرأنا قلب الميت صفحات متكسرات الموج، تلك هي الوديان مثار لذات الغائب .. واليد مباحة بعلانيتها. وقرأنا قلب الميت فقال أني ابن الميت حرب ابن الميت جورية ابن الميت سواحل ابن الميت باب ابن الميت مدن ابن الميت طوفان ابن الميت نار ابن الميت حتى آخر الأنساب فقال الميت القلب بما فيه والصحراء مباحة لسكان القبائل: هات خيمتك بنت الأفاعي بنت الذئاب بنت الإبل بنت الموءودات اللائي دفن وقضين وعدن يتمرقصن يتشاتمن ثم تكف اليد عن الكلام وتطوى وسائد الدسائس. وقرأنا قلب الميت أني لم أر ولم اسمع فما أنا إلا بالمفتاح ما أنا إلا بالجسر وعلى الأثقال تنزهت حومت كبيانات جمعت في مناديل الثمار. أيهما إذا يا قلب الميت اخترع الفعل اخترع الفاعل. وقرأنا قلب الميت كلمات تتكوم تشطب بعضها وتشطب كلمات وحروف تخترع النبض الذابل كأن المباركات حبلن بقلب نابض فيما خلف وأما القلب الميت أسماء وانساب غطاها طوفان الأصداء وطوفان الرمل وطوفان الوعد وطوفان العشق وطوفان الموتى وطوفان آخر سيولد من رحم هذا الطوفان ولكن بقلب ميت. وهو ذا سر الأسرار إذ الميت يولد بسره وبسره تنهض القبائل بالرايات وبالمدفونين قبل وبعد الدفن وبكل من لم تر مشيمته النور ولا بصره الياقوت الأفخاذ والمحلات وسكان هضاب الروح وعشائر التآخي تعزي النجمة بقلبها الأبنوسي ويمشي تلطم تلطم كالأرض تنشق تنشق فيرتفع صدى الرؤوس تلو الرؤوس لان النجمة لم تكفن ولم تمت ولم يكن لها إلا هذا الممر التابع لسواه والأخر حيث القلب نواة والحكاية عزاء والموت تتابع.
هات المفتاح ها أنذا في الماء أكوّن المسافة.
[91]
بك إذا ستمتد خطانا – إليها. وبها، عندك أقمنا كل هذه المعابر. هذه المطرزات الشفاهية ومؤانسات البدع وشكوى شحة الموارد: أكان الفقر احد أسباب اندثار الماء؟ ومن ذا – إلا بك – احتمل هذا الجبل بالأثقال .. ومن ذا – إلا بك – احتمل رعشة اليقين . " غادر بما ترك .. ثم جاءنا بالفضاء …" ومن ذا – إلا بك – احتمل مرور السفن بالساعات المهجورات ، بالشاذ في اصطفاء ترتيب الزفاف، بالنسوة المهاجرات حسب الدورة، والمكعبات، والعاب الرماد، إذا – منك إليها كانت هي الفواصل، ما ستتركه اليد وما سيأتي به الراحل. إنما هذا كله افتراض رجفة غصن. بللنا صوت النطق، وسرية النطفة، وعلانية الوديان. إنما – في البعيد البعيد – أخذتنا خطاك أسرى تدشننا الرايات والهالات والهلاكات أيضاً. ثم لا أبهى منها – من هذا الوعد– إلا ما فيك: حنين مصاغ باللوعة، وكتمانات ذات شرائع قبلية: يا أيتها اللامسمات أو ذات الأسماء كلها، الأيام الساعات النسوة ليس بهذا سعينا، ليس لأحد استدرنا بقسوة القوس، أو كونا وساطات التوقف؛ هي هي إذا المرتفعات المخلوعات الأضلاع، الطوفان الراقد مع الرمل والأسلحة مع المنتصرين. هؤلاء، انظري، بعض فصول الرغبة والنويا: طلسمات الرمح فوق كبد الضحية: الثأر، أو النبوة المزورة لسيدة الرمال، أو تلك الغزال بعينيها صاغت متاهات ثابتة، أو بالخيزران وهو يعيد للحكم نظام الأبوة والأحفاد. ثم هي المناحات بعض خطوط متشابكة، استقبالات ووداعات واحتفالات متقنة التدابير. إنما بك إذا تتجدد الفضاءات، وإنما بك أيضاً تأخذ الأناشيد أشكال المحاور، ومدن باهضة الترهل، غير خاضعة للشك. بك إذا قد نتلمس الأطياف كوعد، ونغادر.
[92]
إذا ليس للبذرة أكثر من هذا: العواء الخفي للوردة .. أو مصالحات الماء. إذا ليس للصخرة أكثر من هذا: بهاء المعادن وبقايا أطلال .. مدن تنمو بالزنابق الهالكة: ارتفاعات باهتة للأصداء وأشياء لا تسمى بالأسماء . إنما هو الأكثر بهاءً، وسط مستعمرات الياقوت ومبايعات المعادن، إنما كلاهما للفكاهة باب: إذا هي المرتفعات زاهية بالظل، بمدافن الذهب والرايات .. لا أكثر من كلام يردده قلب الميت، في نهاية الفصول.
[93]
هذا العيد، ككل عيد، يغطي حشد المدافن؟ والزمن بلا لذة ينثر غباره فوق المودعين. هذا العيد للولد أو البنت أو الفصول أو الأحجار أو الكلمات. بلا أخطاء .. ما .. يكون قد حصل: وتكاملت البذرة على نحو ما، واستقر المدفون مع الدخان، والملك بالهتافين.
تكامل العيد الذي نبش مراثيه وتربع على العرش.
[94]
أيستدل التائه بالمتاهة أم هذا هو اليقين: أيتها الممرات بادلتنا الفصول وردتها، المرتفعات مراثي رايات: ثم قسمت ما بينهما، الأدوار تمويهات، والبذرة نار. وكم غاب الغائب ليأتينا بحكمته: وكم طال البقاء مختتماً الحشد بكثير من النسيان. وتحت النافذة تتربع ملكة، زنبقة، لا إغراء ولا اغواء، ويغرينا الناطق وتغرينا الناطقة انها ليست سوى الأنعام: الشبابيك وقد زينت بالأغصان، والميتون خلعوا مناديل الأسفار: ويظل الباب يحتجب الأبواب، وتظل النوافذ بالنوافذ تحتجب الزوار: من يعيد لي يد الدخان، من يرجع لي نطق الميت: ألا أيها المفتاح در دورتك أو دعني لا أطيل الأحزان: هذه مدن تتكاثر بالدفن: يخرج الميت من بين ضلوعها، نقلده القلائد، نخيط له هالة الفرسان، ثم بالمتاهات نعيد حكاية الطوفان.
[95]
خاطبتني فأصغيت: اكتمل الغصن، واكتملت بضلوعه منسيات الأيام .. ثم يطلع الياقوت من الجرح .. ما أبهجهم في كل دوره: هم الأمراء أو هم الفقراء أو هم العشاق: مات أبهجهم في كل دورة كمدينة ترقد في الأحلام، وكسرير تطمر فوقه الأسمال أو الأوثان. ثم تستيقظ الساعات النائمات، كملكات متنسكات: أيها القديم كضريح خالٍ، لا خلاف بيننا، كلانا مزاره مثقل بالضوء، كلانا كوخه خالٍ من الأحزان.
[96]
لكي تعمل بأقصى طاقتك عليك أن لا تعمل: دع المفاتيح مع الليل في مشهد الذبائح: ليس من مبررات لاستمالة الظل؛ هذا النور توهج فاستعلت الأصابع، وهذه المدينة ضاقت بموتاها. يا وردة نائمة مع قلبي أما آن أوان السكينة، فروحي ستخرج عارية بأسلحة الورد، وأنت َ أو أنت ِ المتتبعة بعثرة النياشين أما آن لك استمالة الرمال: كلها أوراق تتكدس للعثور على ورقة، أو ربما، لبعثرة جسد على شكل كتاب ليس ثمة اعتراض على شيء آخر، أو أخير: مادام الغريق غادر الموج بتذكارات البيارق .. آه ما دام الباب أغلق الأبواب وفتح لنا بهذا الدخول الأبواب.
[97]
يأخذ الياقوت شكل الرمل، والزمرد يقين الدخان، فتكون الأصداء أكثر ألفة، والأمطار اقل إيذاء. إذاً هي ليست إلا مؤانسات لم تؤجل تماماً، وثمة يضاف لهذا انهيار الهواء: أعط وخذ بالوهم ثبات الأوهام: أعط وخذ الإشارات تواريخ مشطوبة ومثبتة ليس إلا .. إنما أيضاً هناك استدارة الماء، الخبز المستحيل، واليد المطرزة بالأضاحي، لا ذاكرة لقلب الحكيم، ولا أصداء داخل الأصداء.
[98]
ليس ثمة كلام آخر يتنافى مع القداس: اليد مطوقة بالشفافية، والكوخ محض مفتاح كبير، مجهول ومستعار، ليس الكوخ أو المفتاح يسأل ذلك، لا أحد فالتراب يخترع حكايات المرضعات، وليس أمام أو خلف الباب إلا استعادات مؤجلة تقريباً، إنما التذكر مهنة، إنما التذكر محنة، فمن ذا يشدد الطرق على الباب على التراب: يا يد العرافة بأي بهاء تم اختراع الأعياد: ذلك السائح وتلك الأميرة، وذلك المتلعثم وتلك سليطة الأحلام، من ذا يا يد العرافة اخترع المسمار فوق الصلصال، سك الثمن الأول، أو ربما الأخير، لزمرد الدوران. إنما قد لا تكون هناك أسئلة أو مزارات، فقط قطارات تبدأ بالصفر وتتراكم. هكذا نصل إلى الدوران، كالفرح المستحيل، ونرتدي أثواب العيد، نثرثر بالأخطاء بلا مبالاة القلائد، أو بدافع ان النظرات لا تلتقي إلا توهجا. إنما هناك اختراع الفائض من الذنوب، غير المشطوب، الأناشيد وهي تقلق وضاءة: الفائضة عن كل الحاجات، المباركة بالرقم اللانهائي، وحسب الرمل والكواكب، يستعيد الصفر عرشه، إنما بالكاد يعترف المبصر بما مر، لكن النبؤات تخترع الدكاكين، أيضاً، كأن السيول ستلامس المرتفع، لتكون المراثي قد غادرت السهول، فيسأل السائل لم الواحد، ولم الجمع، إنما لنبدأ باليد التي أعطت، واليد الباسلة في أقاصي الجواب .. لأن الهواء يأتي بالصدى ونخاع العظام المتيبسة، هكذا ينبض قلب الميت بالبركة، تدور المتاهة، ويزدهر المزار: الأعالي تأخذ شكل الثمرة، والماء لون الحوار، لكن للطرائف لذات صيف وتبدلات، كالعذراء التي تاهت وكادت بالكاد ان تلد الآخر، على ان النثر يستيقظ، بمعلومات الميت، ويشيد منفاه الجميل.
[99]
وهكذا يأخذ الماء لون القفل، والميت شكل الإقامة: فعّم تتساءل النار وعّم تتساءل النذور: الم تأخذ الحكاية دورتها؟ بالفم المغلق أو المستعاد دارت رحى الغريق: أبصر فتنكر، ومن لم يصغ صاغ للأطياف نوادر التكهن. ثم يأتي من يبعثرها، يشق للذبائح رايات الأقواس، منذ آدم، والأشجار تكتم لذة الجمر، والموج يتخذ هيبة الوثن. ثم نقيم القداس على من أقام القداس: ونعدل المتن بجمل طوال، نشطب زوال الاسم وندون ، ما شاء للمدوّن ان يدوّن فالأمر لم يعد يصاغ بالعلن أو بالكتمان. ستكون اليد تضاريس الجبل، والعين مكرمات المكان، إنما لا احد يصغي جيداً، أو أكثر من ذلك، لصخرة استحالة دخان: المبحرون ببوصلات مبهمة يستأنسون رمال السواحل؛ أي بحر هذا تكوّن في البرية، أية مدن تتدثر بمسامير الطوفان: أكثر أو اقل من هذا ستصنع أيها النباش، المتحكم بالنوافذ ، المستهلك للنذور بالنذور: أكثر أو اقل من هذا ستدفن أيها الدفان .. وأنت يا صاحب المحو، كيف ستجمع الدخان بالدخان: أم سـتأخذ الحكاية شكل الفك أو تقوس الدولفين، أو بدعة شجرة وحيدة في الوديان. يا للقوس الذي يزين غيبة الحبيبة، أسيأخذ الانتظار شكل القوافل. تجلد أيها الميت، ستحدد لك نجمتك يوم لا زوال ولا كتمان.
[100]
ليس من نوارس فوق الثمرة: الليل استفاق بمعادن مغلقة والمرتفعات تنحدر باتجاه الغيوم: ليس ثمة نوارس أمام الأحداق: لقد كسب الرمل الامتداد جوائز الفصول وآثام الابن القاتل: ليس ثمة مبررات للدفاع أو المهادنة : الطوفان فززنا بالأسطورة .. الوعد في مناديل الملكة .. والباطل أزهار برية برؤوس مزدهرة: أي وعد بالوحدة نثرنا إلى لؤلؤ، أغوانا بالجسور: أيها الطائر بأي قلب ميت خاطبت الأشجار، بأي صكوك غفران أضعت الغفران، بأي أناشيد أنشدت لكي تصمت. ليس ثمة نوارس في الكلمات، ولا في طاحونة الاحتمالات: ثمة كما يعتقد، ان الفجر هرب غير آبه بوصاياه. ومهما سنبحث أو نعثر أو نضيع أو نكتشف فالنوارس استحالت إلى هياكل ونجوم، والمعبد إلى نذور مموهة، كذلك ليس للأمراء أو العشاق أو المجانين أو الشحاذين أكثر من مرتفعات ومراثي: الأخير يكمن في البدء، البدء في النهاية. إذا كل منا استنجد ببرهة زنبق ، بوادٍ خالٍ من موتاه : من أبنوس وعاج وفضيات مغطاة برسائل لم ترسل: مثل الموتى ليسو بحاجة إلى المدائح، أو للأماسي المغناة، أيتها القريبة إليّ مثل غياب، ما من رهان بلا نية ، وما من مستقر بلا ضجات : سننشد حتى ينفصل عنا النشيد ، وسنزرع البرية بعويل من ذهب، أيتها المرتفعات، هو ذا لذي كان، مثلما المراثي ستزيحها الأوثان، ومثلما القلائد ستبقى مخطوطات مكومات بالآمال.
30/ 3/ 1994
الجمعة، 7 نوفمبر 2014
ثلاثية محمد سامي (بحيرةُ البجع)-إيمان أكرم البياتي
ثلاثية محمد سامي (بحيرةُ البجع)
إيمان أكرم البياتي
حكايةُ فرشاة تتقنُ الرقصَ على أنغامِ تشايكوفسكي
بحيرةُ البجع تلكَ المقطوعة الساحرة التي خلدتها أنامل الموسيقار الروسي تشايكوفسكي، لا يختلفُ اثنان على أنها واحدة من أجمل المقطوعات الموسيقية العالمية على مرِ التاريخ، موسيقى تداعبُ الحواس الخمس وتحلقُ راقصة بالروح في الفضاء اللا منتهي وهي تصوّر قصة الحب العظيمة التي تجمعُ بطليها وسط الكثير من الخطوط الدرامية الأخرى المتمازجة مع بعض بإتقان، فكانت تستحقُ أن يُعملَ عنها أكثر من فيلمٍ سينمائي وكتابٍ مطبوع والعديدِ من البحوث.
وبعد سنواتٍ طويلة من عشقي لتلكَ المقطوعة وولعي بقصةِ الأميرة الفاتنة والمسحورة على هيئة بجعة والأمير الوسيم الذي يقعُ في غرامها دون كل نساء الأرض، وجدتُ نفسي أفتتن بعملٍ جديد يحاكي القصة لكن هذه المرة ليس في هيئة فلمٍ روائي سينمائي أو فلمٍ كارتوني وإنما عبر ثلاثِ لوحاتٍ قدمها التشكيلي العراقي الشاب محمد سامي لمحبي الفن في العالم ومحبي المقطوعة الخالدة بشكل خاص مطلع العام 2010.
بحيرةُ البجع في ثلاث لوحات تحملُ على التوالي أسماء (التاريخ، الموسيقى،الرقصة)تدعو إلى الكثير من التأمل والتفكير، لا أبالغُ إن أخبرتكم أني قضيتُ في تأملها عدة أيام وحتى اللحظة كلما يقعُ عليها بصري يقعُ معها سحرُ فرشاة محمد سامي على عيني، فأجدُ نفسي مشدودةً إلى العملِ بكل حواسي، فلم تشاهد عيني يوماً لوحة قد تحكي قصة عدة مشاهد درامية في خطوطها مرة واحدة وتنافس بجدارة أي فلم أعد للغرض ذاته كما فعلت ثلاثية بحيرة البجع مع الموسيقى التي تحملُ الاسم ذاته!.
في اللوحة الأولى والتي تحملُ أسم التاريخ history Theنجد بجعة تتوسط اللوحة، ترفعُ رأسها بكل شموخ إلى الأعلى وكأنها ترقصُ مع نسمات الليل وتغازل نجوم السماء بدلال وتعلنُ للجميع أنها أميرة رغم كل شيء.
مع لوحة التاريخ The history تقرأ تأريخ البحيرة وتأريخ الأميرة المسحورة، ومع أن بجعة محمد سامي في لوحة التأريخ لا ترتدي تاجاً كما ألفناه سابقاً في الحكايات إلا أنها أميرة متوجة بجمالها ورشاقتها وبهاء ألوانها، والساحرُ في اللوحة بالدرجة الأساس تمايلُ البجعة الأنثوي الأخاذ وأجنحتها البيضاء التي بدت كفستان طاهر البياض شديد الصفاء، ثم الألوان الأخرى التي تحيط بها والتي للأسف لا أجد لها أسماءً!، وهذه الصفة ليست جديدةً على لوحات محمد فمن شاهدَ أعماله خلال العامين الأخيرين سيتوه إن حاولَ البحث عن أسماءٍ للألوان التي يرى، فالرجلُ يجيدُ ببراعة مزج الألوان، ألواناً لا نرى مثلها كثيراً ولا نعرفُ لها أسماءً أو أوصافاً فالأزرق ليس ازرقاً نقياً والأخضر ليس بأخضرٍ صافي وإنما اللونان انصاعا لأوامر محمد فلبسا حلية جديدة تبهرُ العين، كما يخضعُ الممثلون دون نقاش لأوامر المخرج السيد الأول في العمل السينمائي!، ولا يمكنني أن أنسى اللون الأسود الذي تتميز به أغلب لوحاته والذي يجيد استخدامه ببراعة المحترفين.
Swan Lake (The history)
وفي لوحة The music أو الموسيقى نجدُ بجعتهُ ترقصُ من جديد لكنها هذه المرة مختلفةً تماماً عما عرفناه في لوحةThe history السابقة، فهي مختلفة في هيئتها ورقصتها فالبجعةُ هنا امرأة بجعة أو بجعة امرأة حيث نصفها العلوي امرأة فاتنة ونصفها السفلي بجعة!
استغرقتُ الكثيرَ من الوقت في تأمل هذه اللوحة وفي كل مرة أجدُ نفسي أصفقُ لإحساس الفرشاة وأجزم أن من سيشاركني رؤيتها سيفعل المثل لاحقاً، فذراعا الأميرة هما ذراعان وجناحان في الآن ذاته والجزء البجعي منها أشبه ما يكون بفستان عروس أبيض حتى أنه اختلطَ عليَّ هل ما أرى فستاناً أم ريشَ بجعة؟ أم ربما محمد يصوّر هنا لحظة التغير الجسدي التي تعانيها أميرة القصة لحظة تحولها من بجعة إلى امرأة كل ليلة مع غياب الشمس ومن امرأة إلى بجعة مع أول النهار، أياً كان قصده فهو قدمَ لنا لوحةً فائقةَ الجمال وبديعةً في الألوان والتي تدرجتْ بين الأسود الغامض والفيروزي والأبيض والرمادي، ولابد أن اذكر أن الخطوط الدخانية حول ذراع الأميرة الأيمن أو جناحها الأيمن منحتْ اللوحة إحساس الموسيقى فلقد كانتْ أشبه بالنوتات الموسيقية المتطايرة حول الأميرة الحزينة الراقصة.
Swan Lake (The music)
في اللوحة الثالثة والأخيرة الرقصة أو The dance نجدُ الأميرة ترقصُ كما لو كانت راقصة باليه، فيتخيلُ إلينا سريعاً أننا داخل القصر الكبير حيث تتزاحمُ الأجساد المتراقصة وتحتشدُ لتتمايل على أنغام تشايكوفسكي ونكادُ تسمعُ ذلكَ الجزء الذي تتصاعدُ فيه الموسيقى لأوج عظمتها مع هذه اللوحة.
كل شيء يرقص في اللوحة، الأرجل والأذرع وتتمايل الفساتين برشاقة وخفه وكأنها ريشات بجعة تركتْ في الهواء، الأميرُ يراقصُ الأميرة المسحورة، يملئ جسده أغلبُ الجزء السفلي من اللوحة وتشغلُ هي الجزء العلوي وكأنها تطير، فمع أنها امرأة وليست بجعة إلا أنها تظهرُ وكأنها تحلقُ والأميرُ يمسكها من خصرها وكأنه يحاولُ إحاطتها خوفاً من فقدانها فهي أميرة أحلامه التي انتظرها طويلاً، أما الألوان فهي ذاتها التي حرص محمد على استخدامها في لوحتيهِ السابقتين مع إضافةِ لون مهم آخر وهو اللون البنفسجي في الجزء الأيمن السفلي وكأنه يشيرُ إلى حلم بطلي الرقصة.
قد يتساءلُ أحد لما لم يختار محمد سامي مشهداً آخر بعد ليرسمه بعد الرقصة؟ فالحكاية لم تنتهي بعد؟ فأجيبُ بان الرقصة الأخيرة هي المشهد الأهم في العمل الموسيقي ككل، فكلنا يذكرُ كيف أنها تتصاعد كثيراً في إيقاعها وتتصاعدُ معها دقاتُ قلوب الحاضرين وأنفاس المتابعين في كل مرة والحالُ ذاته هنا في اللوحة حيث أختصرَ محمد عدة مشاهد في لوحة واحدة وأجادَ إيصال الإحساس عبر حركة الأمير والأميرة وتمايل أجسادهم وما يحيطهم من ألوانٍ يصورُ بعضها ذكريات الحبيبين ويصور الباقي مستقبلهما معاً.
Swan Lake (The dance)
ومن الجدير بالذكر أن أبعاد كل لوحة من اللوحات الثلاث هو 80*80 سم
---------
•• محمد سامي: تشكيلي عراقي تولد 1984، له عدة مشاركات داخلية وخارجية وعدة معارض،
حائز على الجائزة الأولى لبيت العرب/ الجامعة العربية - مصر عام 1999 والجائزة الأولى في مسابقة جنوب سيناء/ مصر 1999 والجائزة الأولى في مسابقة منظمة"نساء من أجل نساء العالم" أيلول العام 2006، مقيم حالياً في السويد.
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)