الخميس، 18 سبتمبر 2014

الوثن الثالث - [ فاتحة المـاء ] عادل كامل









الأوثان



الوثن الثالث

[ فاتحة المـاء ]
عادل كامل

 [1]
أجلس عند الأنهار أبحث عن صخرتي: يا ماء خذني إلى وعدك .. البرق أنا والضفاف: خذني مني إليك: لا تنثر الكتمان: يا ماء الفاتحة باب والأسرار انتشاءات: تعال إلىّ .. هذه اليد غيمة وأنا لك المزار .
[2]
        بماء الجرح الصخرة أعلنت فاتحتها: أدخلوني أنا المأوى أنا الامتداد. الأرض أفاقت، لا كتمان في الكتمان. أيتها الأميرة الورقة .. دثر البرد روحي وروحي اضطربت/ اشتاقت وفوق الأسماء دونّت الأسماء . وفوق الأسماء محونا الأسماء.
[3]
        بكتمان الماء تفتتح البذرة أسرارها: اليد فوق اليد، والموجة فوق الرمل: فمن يجّمع القلائد ومن يأتي بالغيمة. روحي انشطرت والقلب غادر عرشه. أيتها الملكة من بدل العرش من دوّن الأسماء ومن ختم بالقنديل احتفال الأمطار؟
[4]
        ويفتتح الليل ذاكرة الغواية: البذرة أفاقت .. والبحر غادر غرقاه. تعال يا من فيّ عدل انشطارات الظلال : لا كلام لدىّ .. أنا فضاء وملائكتي نجوم. يا جند الأنهار ضاعت موجتي.. وفي الأعالي بالقفل كتم الختم الأسرار.
[5]

        أوقد الغيم ذاكرة الورقة: يا بلور ماذا تفعل معنا والفصول تبدلت ، الأرض وزعت ثمارها: والأعالي بالقيامة باحت. وماذا تفعل والنار تشهت حجارتها: كل في مسار: الوحي أوحى والبرق بالبرق طرق الباب: يا نفس خذي المطرقة، المفتاح دار، والخاتم بالكتمان كشف الأسرار.
[6]
        ويوم تُسؤل النفس ما سرها .. ما سر العرش .. الأوثان تغادر ظلالها .. انحناءات ؟ واجمِّع روحي فوق روحي يا فضاء هات لي كلامك كلامي أضلني أضاعني هات لي الحرف هات لي أسمي .. الكف اكتفت بنعمتها وللعشاق باحت: فانٍ أو باطلٍ الجسد عدل مسراه، والفجر كوّن عرشه.
[7]
        يغادرني من أتاني .. يا حجارة هل لك من مثوى .. ويا نفس كفي عني، الماء أعطاني كتمانه .. ويا نفس خذي التراب وسام. القلائد تجمعت .. المأوى جمعنا .. يا نفس هذا هواك .. بالحجارة شيدت الوردة نجمتها، وبي كتمت الكتمان.
[8]
        فوق الأسماء تكتب الأسماء: تعال يا عشق هذا الهواء ينثر عويله .. والجبل عند الضريح يبدل ضريحه. تعال اليّ يا ماء، ويا جند الأنهار أين الذي فيّ وغاب. هو ذا عندي .. ماذا أقول للبحر وفيّ الغريق . خذني إليك أنا العيد: لا موت بعد الموت .. لا موت قبل الموت .. خذني إليك .. أنا الاسم الغائب بين الأسماء.
[9]
        اكتم بالبذرة فضاءات الغواية: يا موجة كم تحرك القلب .. كم تأرجح الدوران؟ والآن لأتتبع خطاك أيها الغريب: النوارس غادرت بحارها .. والغزال في الروح سكين ، فماذا تريد من الفرحان .. الظل امتلك ظله .. والأنوار فوق الأنوار عتمات.. تعال خذ ما أعطيت .. وهل أعطيت؟ أيتها المسافة أين العابر .. ويا أيها العابر أين المسافة .. فيّ الكتمان ابتهال . فخذ الابتهال الصمت وعد .. وهاك الخاتم لا إسرار: من جاء بالطوفان غير الجرح .. الروح مولعة بالروح .. والجسد نزيف .. فإذا ذهبت إليك خذني .. وإذا غادرت خذك اليّ . أنا الواحد: أيها الظل النار رماد فمن ذا بالوفر يوقد الكلام .. وهل من كلام؟
[10]
        أتودع من فيك: يا معبد الماء أنا نذرك: أوروك بابي.. فمن يودع من .. يا جند قلبي رق لسيف أضعه فوق الحجارة: هذا حسامك أيها الوعد: الريح عصفت والفضاء سكينة. فبأي قسوة تنشد النشيد يا من كنت ترفرف فوق الحدائق. أغادرك الذي دار بالدار .. يا خاتم العرش غادر، ويا آثام تقربي: من أحببت غادر، ومن غادر فيّ أقام: لا الوعد بوعد ولا الحقل بحقل. يا نار من صنع الغواية والقلب كف عن القلب، هم في نشوتهم غافلون : يا جند الغابة النور غادر وأنا عنده أمانة. تعال اليّ يا كلام، الكلام لم يصنعه صانع، وهات القلائد التي لم يصغها صائغ: الأرض ياقوت وأنت لن تكون المسافر.
[11]
        بها اكتم لوعتي: بوردة الماء .. هنا الزنبقة تقاسم السكين كلامها .. فمن بالميت أقام ومن بالهوى هوى: روحي كالسكر يتتبعها فجرها، ينظم ما أسلفت ، ويكوّن لها أسوارها.
[12]
        دعوني أقاسم ظلي الجسر بيني وبينه جسر .. تعال يا من أنا عندك، خذني مني إليك، كلانا حرف فمن قسم الكلام إلى كلام، والصوت إلى كتابة.
[13]
        واشتاقت الروح للروح: أيتها الأسئلة أيها البلور من يأتينا بالرطب والأنباء: الفانون يرتبون الموائد  والأوثان تحتفل بالأوثان، وروحي اشتاقت للذنب في الروح.
[14]
        التراب يوقد بذرته: نهارات قلائد، ومواكب أشجار . أين امتد ظل الكوكب؟ أيها الانطفاء تمهل، لا العيد عيد، ولا البرق إنارة: النفس انشرحت تاهت وبظلها أعلنت افتتاح الأصوات: لا أسلحة تولول عند الضريح .. البذرة اضطربت وأنا حبيبي أخذني وغاب .. فمن ذا في عرس الليل يرسم الكلام: أيها الوادي رفقاً بمجراك سيأخذنا: لا التاجٍ بباقٍ ولا الباب .
        الموكب فانٍ .. فتمهل ، الإقامة ليست احتفال .. سأذهب مع الموج إلى الفضاء: لا كلمة خير من كلمة؛ إذا القلب اكتفى بالفراغ. هذه روحي نذر .. وتاهت الروح بالنذر وبالمنذور: يا جند الحصاد رفقاً بالأرض، أنا حمامة وعيدي اضطرب بالأعياد.
[15]
        بأي قفل قفلت الصخرة .. وبأي باب أغُلق الطوفان:  يا بحر بموجك تدارك فلكنا .. رحلة العاشق لم تبدأ: إنا تواً بدأنا العبور .. فبأي غفلة غاب الغائب، والماء لم يلمسنا، ما لامسنا .. والطهر فينا زينة: يا ينابيع أنهارك اليّ مني فمن ذا اختطف جلال اللفظة. والكلام صدى كلامين. لم نر ما بين الليل والنهار حتى انتزعنا الغياب.
[16]
        أيتكلم الكلام كأنه الكلام أم أسكرك الهوى: يا من نفثت فيّ طلع النخلِ، وهن سؤالي .. هذه سفينتنا، هذا عيدنا، وهو ذا الطوفان : لا المرأة بماسكة عاشقها ولا الطيبون للطيبات: هذا جيل مضى عهده .. صدأ القفل .. والباب أضاع البواب.. لا تغرق ابعد من القاع. تعال كأنك لم تأت .. وارحل كأنك لم تغادر.
[17]
        يا أوثان جاء بها الظل والنور: الروح تهاوت وأخرى في مسراها تسير: خاتم الأرض استبدل غير الأرض. أني أجلس أولول عند الأنهار: فك عني بابي ما أنا بالذي أخذه الإنشاد. لا كلام يقال بالشعر ولا الشعر يقال بالكلام: دوّن فوق الجرح جرحي: أخذني الهوى قبل تكشف خيط الليل والنهار .. وكأني فطرت على غير فطرتك معبدي امتلأ بالعباد. يا نفس لمن هذا الخطاب ؟ - : ويا نفس استبدلت الرضا بالرضا، هذا وهنك صنعته البذرة، وعبدك اختتم المعبد بالإطلال.
[18]
        انشد كتماني فضاءات: لا تتبعني يا حبيبي أنا فيك: فلا بالبرق تدلني على متاهتي ..خذني إليك .. ليس لي من النهار إلا آخره .. ليس لي من الليل إلا أوله .. أنا بك العيد. فيا روح ارجعي لا للجنة لا للنار براغب: مثل البروج كل في مسراه والنفس لا توهن في الأعياد.
[19]
        الماء غادر كفي والمطر آتي بالبذرة والنار: يا رماد تصلب، أنت لوحي، فالغابة آخذتها سِنَهُ نوم .. وأنا حبيبي يرتل لي في المهد: زلزلي يا بروج الروح .. ويا نسوة تزّين للعرس، فتاكم أخذه الهوى، وتحت الأسماء لا شكوى .. لا الموتى يتبادلون الأعياد، كل بيده  غصنه ، مثلما سر الأسرار بالكتمان فتح الأقفال: اخرجي ادخلي الجسد هاوية .. يا روح لملمي رماد الجسد، الأمطار أفاقت. والفضاء مع حرسه في انشغال.
[20]
        أضاء السر مفاتيح العتمة: يا بذرة جمعتّنا ويا تاج رصّعناه بالبرق ..  المثّال اضطربت خفاياه، والوثن تقاسم الأضداد. أكلُ هذا للعبور. أيتها المرأة يا يد تمسك بالهوى، يا مدية الشطحات.. تعالي، الريح كنست بقايا الأطلال، والتاج هوى بالتاج .. تعالي يا من كلانا بذرة، نجمع نعمتنا مع البذارين ، ونقاسم كتمان الليل بكتمان الحطابيين.


[21]
        بالحجارة يضاء الموكب: أفق اثر أفق ، ثم يدشن اللفظ جلال الألفاظ: فتح القلب قفله. الماء تآخى، وبوق الحرب استدار، يا من لك الأسماء كل الأسماء خذ بصري أو أعده، خذني أو أرجعني، الكف إنارة، ومن أحب أغلق نوافذي إليه أعطاني الحرف البذرة الموجه وزاد على الحرف بحرف. يا من لك الأسماء كل الأسماء: النار توهجت والجنة انبسطت وأنا لا تكفيني الحجارة ولا الناس وقوداً. منذ المهد الأول حتى آخر إشارة بادلت الوهن بالشقاء .. والجرح بالجرح .. ما أنا براغب لاستراحة: تعال يا نور اعد لي النور: لا اشتياق لا لوعة .. ويا لك الأسماء كل الأسماء خذ الحرف والحرف فما أنا بسائل، وما أنا بسؤال: أنا .. الأنوار اختطفت نوري .. والعتمة أخذت عتمتها مني .. ويا أيتها الأعالي لك القرار.
[22]
        والسؤال يجرجر ظله: يا تراب أما تعبت .. ويا ماء – أما وهنت .. ويا عتمة أما من كفاية .. يا جند ملكتي عندي: لديّ لديها ما أقول : يا تاج ويا ياقوت ويا خاتم سأخرج إلى البرية: سأعرج من الرمل إلى الفضاء: سأغنى عزلتي، الهواء زادي، والنور فوق النور آخر الأسماء.
[23]
        وقودي العتمة وليلي صلاة : أيها النهار إن جئت فتعال معي .. حبيبي في الحقل نرجسة، حبيبي في البحر موجة .. حبيبي كوخه العرش، يا جند إن صادفتم ظله فانا غادرت، وبالكتمان أسراري أسرار. ليغادر معي الذي فيّ: وهنت وما وهن الهوى: فتعال اني اغتسل بحبيب، إنما الأسماء اضطربت، فأية نرجسة سكنت كوخي، أية موجة استنطقها القلب، وأي عرش أخذني وما غادر.
[24]
        أورق الكف، فبأي ماء جاء النطق: يا حراس الضفاف، الساحل سوّرني وحبيبي اختطفه البحر: من ذا يعيد صياغة الشجرة ..؟ هناك الذي أخذني وتركني: برية في روحي تتنـزه وأنا الملم الرمل: لؤلؤة غادرت مكمنها، مثلي، أعياها الامتداد، وروحي لم تتعبها الذاكرة.
        البحر جمّعنا، ختمنا، والنطق وشاية: هذا عصر كتمان المعادن، فلزات تتوحد. أتلك حدود اليد .. أذالك حد السكين؟ يا حبيب الماء أضناني حضورك .. أنت الساكن بذرتنا، لا قفل ولا كتمان لظل تشظا .. الأشجار فتحت بواباتها والعاشق بالبرق جاء بالأنباء : الممحو يجرجر الممحو .. وكلام النسوة اختلط بالغبار: إن تقدمت أو تأخرت مثواك سبقك. فانٍ هو الفناء .. وباطل هو الباطل.
[25]
        غاب الماء وغابت الثمرة: يا حمامة ليل الإنسان وجيز مثل نهاره: اليابسة امتدت والينبوع كتم أسراره. ويا موج ماذا أخذت ماذا أعطيت. انسحب الفلك بالغرقى ونجا الميت من الموت. تباركت الألفاظ، فبالكلام تتسع الرؤيا .. ثم آفاق الوسنان عند الحد، لا هو في الليل لا هو في النهار. وخلع الوهن رداءه، إن غاب أو كان .. العيد احتفل بأوثانه: أتكتم النجمة برقها .. أيغير العاشق مساره: يا نفس تمهلي، فالأعياد تدّون أيامها، والضائع يستدل بالضائع: الباب القديم يفتح مداه، والفضاء إن انغلق انشد نشيده.
[26]
        جاءت غيمة وأعطتني الحرف .. هذا زادك .. ومن الأنهار العليا هبط اليّ الحرف الثاني: عيدان في فضاء. يا للاضطراب: حبيبي أرادهما. يا جند الأعالي أعطت وحبيبي بالماء أعلن سره: كتمان الوردة فتح الباب. كل حروف الكلام صخرة: كل ممرات الروح انغلاق، فلترجع النفس مع الحبيب إلى الأنهار: هو الذي يبارك بالعطاء ابتهال الغياب.
[27]
        هو ذا وعد الينبوع: الماء ينحدر بالبذرة: أيتها الموجة البحر بلا قاع. أنا الغريق بكف الفضاء: أنا القلادة تمسك غابة الحطاب. أيتها المرأة أكل هذا قبل الطوفان .. أم هذا هو الفضاء؟
[28]
        ثم كان الماء: البئر وجرح الأرض: الرمل: يا عاصفة هات نذورك المعبد فك بابه: هو ذا العرس هو ذا العرش النعش: النار: يا قبلة لم تكتمل أسرارها جاء العيد والبرق فوق الكف حدائق: قلادة فصول: ألا أيتها الوردة فككي خاتمك.. أمطرت الحجارة صمتها .. يا ظل توحد حبيبي خبأني أضاعني واخذ يبحث عني: الفلكُ تدور وتدور والبروج ستبقى تحدق بالبروج: أعلى أعلى وتلك هي الحكمة: يا رؤيا بدلتني الرؤيا، أقامت أسوارها فيّ وغابت.
[29]
        لا تبحث عني أنا عندك وديعة. تعال أنا لم أبدل آثامي بالياقوت .. ولم أقم زقورتي لعرش أو نعش .. البروج تأخذها الريح وأخرى تكوّن المسار: أتهتف في البرية تطلب من رفرفت روحك إليه .. أنا عندك قبل أن تكون لا تنفخ في الميت فقد قام.. استوى .. تعال إلى أنا عندك عيد.
[30]
        أكتمْ طلعتك فالبرق انكشف سره. يا جند أنا رأيت الذي رأيت: القمر والكف، والوعد فيّ حجب الكلام. وأجلس عند الأنهار أولول كصخرة أينعت لا هي في القاع لا هي في المجهول: النذر لمن وكلي نذور .. وهطلت حجارة السجيل. فما كف الذي فيّ ينادي، وما كف الكلام. أنا الشاهد اشهد اني لم اشهد القمر الكف وما بعد الطوفان: الغرقى دفنهم القاع والبحر في احتفال .. أنا الأعمى أبصرت رأيت الفصول غواية. أكل هذا استعاره. لا تبدلني يا ليل ولا تضئ يا نهار أنا أبصرت رأيت وكتمت فيّ الشاهد وبقفل الماء أضعت الأسرار.

[31]
        اغضب الليل أم الأرض اضطربت: البحر غادر سواحله والغرقى في احتفال. يا جند حبيبي نجمة في فضاء؛ موجة بين الموج، وضريح محت الريح اسمه .. فمن ذا يمتلك مفتاح الصخرة.. أمن صخرة أمن مفتاح ؟
[32]
        أعطى البحر مفاتيح الفلك وغادر: يا غريق أأنت صنوي أيضا: أينما تذهب تجد المغادرة سبقتك، وقمرك فكك أسراره. تباً لخاتم الماء كتم علينا صحوه .. ويا لنشيد الصخرة يأتيك كسيف جزأ قلائد الفصول. أيها التائه هذه بذرتك ادخلها، هذا زادك خذه، فهنا الكف وليمة ذبائح، وسكين ثلمتها روح السكين.
[33]
من دوّن فوق اللوح: هذا الاسم يمحو الأسماء وهذا الظل لا نور له: الطين تكلم يا جند وأنا شاهدت الغرقى يرقصون. رأيت ربه الماء تخلع تاجها فلمن تبصر واليد أطاحت بالكلام. يا مسلة النار أما من نارٍ أما من مثّال يقفل وثنه ؟ هات لي مسمار الكتابة وهن الجسد والروح ارتعشت فلا السياف بسياف ولا الراحل براحل. من دوّن فوق الموج: هذا العيد يمحو الأعياد وهذا البرق اشاره. لا يا جلد لا تتبدل، القافلة أخذتها سنِةُ نوم، والبذرة عند البذار وشايةً. ماء النبع غادرك لا بيدر لا مؤنسٍ ولا أسفار. أيتها المرأة المعبد فتح أبوابه والعاشق بالقلائد فرحان. أهذا كله طيف أم مطرقة تطرق السندان ؟
[34]
        فتح الماء كتاب النطق: أهذه معصية . قالت عراّفة القلب بالدخان أشعلت رمادها: من ذا تبّدل العابد أم المعبد .. من أيتها النرجسة علمك الغواية .. يا جند أضاعني قفلي وأنا عند الأسوار أسوّر ظلي .. فمن ذا يعثر على كتاب لم يكتب..؟
        وهي سلالم تدور وندور .. اللّوح يدّون يمحو الكلام .. يأخذنا إليه مثل المفتاح بلا باب.
[35]
        فيّ جمرة تولول، نشوة ولدت أو رحلت . وفيّ انتظار فضاءات . تعال نتسلق أغصان حدائقنا .. البرد شيد معبده فينا.
        إن جئت الباب برفق: ادخل .. لا تطرق عندك وأنا الباب . أجلس عند الشجرة سأتيك بغيمة . ماذا فعلت بي نجمتك يا كف ؟ -: ويا جند دعونا .. هو يحلم اني عنده .. وأنا أغادر نفسي إليه .. يا بحر قاعك فينا .. لا تتموج .. فينا الجمر رماد .. وكل نفس للتلاشي تمد يدها .. يا روح اضطربي قد لا نولد قد نولد لكن الموت فوق الكف كتاب.
[36]
        أخذتني الموجة إلى الرمال، والبحر إلى منفاه: شرد البحر. يا جند حبيبي وهبني الصحو وأنا أخذتني طرفة عين حجبتني عنه. أرى القفل ولا أرى الباب. اسمع عويل الأرض لا أرى الامتداد .. وارى الفضاء فيّ فضاءات.
[37]
           لا تعذل الذي رآني فرأيت : شرد الفؤاد إلى التراب. طرفة عين أخذتنا: يا نار أهذا جمرك، أيتها السلالات أهذه خطاياك .. ومثل من أصابه الهول هتفت في المدن أنا رأيت حبيبي الذي احتجب . الماء أبعدنا عن الماء. ما سرك يا غواية .. باليد والياقوت لملمنا البذار ..
        ومن رآنا يرانا والكلام فوق الكف قيود: يا روح توجعي، قبل الطوفان أو عند الغياب، لا نرى إلا الذي رآنا فكتمنا ضياء الأخطاء .
       بصخرة الجسد نجتاز شكوانا ، نذهب للذي فينا ، تأخذنا الغفلة ويحجب عنا الحاجب شكوانا : أسأراك قبل أن أراك .. استراني قبل أن تراني ؟ هدأ الجسد كما سكنت الأرض .. وصارت النار نذر فاغتسلت الروح بذكراها.. يا خمر لم تصنعها يد هات سكرك صحوك اشتقت لذنب .
       فاقلب في آثام الأسماء .. هذا الإنسان صنعته البلية ، فلا هو راءٍ ولا وهنه أخذه إلى الوهن: الباب ينفتح بلا قفل .. وبالكتمان تكشف الأسرار .
[38]
        يا جند العرش لم أر ْ حبيبي الذي أبصرت، يا عرش ألك بوابات وممرات، حبيبي الذي تاه مع النوارس ترك نذره .. وأنا للعرش نذرت نذوري : أين تجد الذي لا يمكن أن تجد. لا أحد هناك . ويمسك حبيبي بكفي للوعد فتعلن قيام القيامة وأنا روحي وهنت. ويا من أعطى خذ أوسمتك، فيّ الجمر يولول ، يا جند العرش العرش فينا ونحن الجند : نور فوق نور وعتمة فوق عتمة . إلا أيتها النفس اما من براكين .. ويخمد في القلب سؤال الليل . يا حبيب اكتمل العيد وآن للمسرات هدم مسراتها . فجاء الصوت كرطب يتساقط من غيمة. إقامتك إقامة . فاجلس عند الأنهار اعلم روحي إلا تنشد .. هل من منشد وهل من نشيد .. ؟
        اني لم آت بالرغبة، ولا النعيم غواية، فأنادي في الذي لا يسمع ، واكلم الذي شرد ذهني معه ، وروحي ، الجمرة فيها تولول . والأرض بالياقوت أثقلتنا وبالنعيم أقمنا الملك ، البروج ارتفعت نياشينها ،  أقمنا القداس وهدمنا بيت القداس ، ذبحنا الصخرة وأنشدنا للأعياد .. احتفلنا بتتويج أميرتنا ملكة وبالتاج جرحنا الأرض ، ومن السيف إلى السيف مجدنا القاتل ، وهلهلنا للقتيل ، شيدنا الأوثان وشيدنا آخر الكلام .
        يا حبيب شاهدت بالمفتاح كتاب التدوين . اقمنا الولائم، عيدت الغابة ، وعلمنا البحر المسرات . هوت الجبال وتناثرت والليل فوق الهامات عدل فسوى دماً انتزع من القلم سر الكتمان وكتمان الكتمان، فينا أشعلت البغضاء ملثما السوسن في البرية .. أعطت الأرض ثمارها للأرض: الميت يجرجر الميت والاسم يمحو الاسم والمسرات بالغفلة تمحو المسرات .
        يا حبيب رآني الذي رآني قبل أن يراني فرأيت الذي رأيت وغبت فماذا لو رأيت الذي رآني ؟
[39]
        إذ استدارت الفصول، جلست وبالنجمة دونّت : يا من أحب إذا رأيتك فقدتك : الكلام إليك محو .. وكل عرس ذنب.. أنا روحي لم تسكنني وكل شوق إليك رماد .. لم ينقسم الصوت فكيف صرنا أضداد. لا تدعوني فالشوق غفلة .. لا تدعوني فالفجر عتمة .. لا تدعوني فالاحتفال مسافة . أنت فيّ بذرة .. أنت فيّ الطريق .. الاسم قبل الأسماء وبعد الأسماء .. أنت ضريحي فلِمَ تربك نظام الأضداد.
[40]
        لا تأخذني ولا تتركني . يا أسئلة انحنت الموجة فوق الموجة وعند الساحل غرقى ينتظرون . لا تتركني ولا تأخذني ، القلب بلا باب والممرات اغتراب . لمن أشكو وأنت فيّ شكوى. إن تركتني سأبحث عنك .. وان أخذتني سأكون أول الغرقى . أيتها السواحل غطي جرحي بالسكين . روحي أضاعت روحي. وشوقي لمن أحب أناشيد .
[41]
        حصاة لصق حصاة جمعتّها ، كنذور ، ورصعت اليد بالبرق ، زينت البحر بنور من نور ، ثمرة ثمرة لوّنت المشهد ، وبالفضة كتبت الاسم . سرقت من اللص فطنته ، من الحكيم سلامه ، من الميت مسرته ، وجئت افتح باب من أحب .. هتف الجند: أما زلت للأميرة تسعى .. أما علمت أن موكبها غادر..
        لملمت أزمنتي في كيس .. ورحلت .. ثم أفقت اثر صوت المفتاح يدور .. من ؟      
        واشتهت البذرة النار .. معاً أيتها الذكرى لنبدأ .. الريح لن تكف عن العويل ، ولا الغريق عن الأنين كل في مسراه ، وهذه خاتمة الوداع .
        ثم ابرق فينا من أبرق . الليل سترنا والذكرى كتمت فينا الأسماء .
[42]
        أتتعجل ما فوق الكف والعراّفة قبل فتح نبوآت الغيب أعلنت: البرية بخطاك اتسعت . أتتعجل قراءة محوك ، أيها المحتفل بعناد الفصول، أم هي امرأة بدلت أشكال الألفة، إذن، هي ورقة بدلت اشكال الموت . وستلملمك الغيمة وتنهض في الفجر تجمع حصادك وتجلس ليلاً عند الانهار تكتب تاريخ البرد: أيها العنيد رأى الرائي رؤيا انك في عيد ؛ رأسك سبقك إلى المنفى ، ومع البوابين يتم الصلح، ثم العتمة أبرقت، فسكنت بذرتك الجرح : هي امرأة إذن بدلت شكل الأشكال، والعرافة ما زالت تحكي، اليد ترتل، والوردة فوق الأطلال تدشن ليلتها الأولى.
[43]
        بالضياء ادخل مملكة البذرة : يا ماء تجانس ، الطوفان جاء بالرمل والطوفان سيأتي بالوردة : روحي مولعة بالروح والامتداد حدائق . أيها الخصب لا أسئلة عندي ولا أبواب . أنا ورقة وشجرتي فضاء ، تعال خذ يدي أيها الذي صنع التاج ، أنا التمثال وأنا ظله .
[44]
خبأني الظل في الظل ودعاني للمغادرة . يا جند اتسوروني منه: هذه الحمامة يدي ، وهذا الدخان داري، يا جند .. الليل أقام مملكته عندي وأنا روحي احتفلت بالاضطراب !
[45]
        وغادرني الذي فيّ : خذ الغابة ودع لي شجرتي . وخبأني الذي فيّ : غادرني : يدي عيد ومثواي ورقة .
[46]
        أجلس عند الليل افتتح النجمة: هو ذا جرحي: الموجة تأتي بالموجة ونوارس الفجر رفرفت: أتشتكى أم تكتم لوعة الحدائق : هذا النهر آخذنا إليه، والروح اشتاقت، نثرت ظلها وأمام العرش أعلنت يقينها: بالنذور تقاسمنا الودائع: الميت غادر، وفي الفضاء أميرنا أضاع ذاكرته.
[47]
الماء قاسمني المودة ، وأنا قاسمت نفسي السلام : تعال يا حبيب الوعد لدينا البذرة تاج ، والخاتم ذكرى : يا جند الماء أين الذي معي كان ، أين الحرف الذي جاء باليد : الليل وزعني، ومن تحبه نفسي يشاطرني الكتمان .


[48]
من جاء بالنورس من جاء بالعهد : اليد فكت بذرتها ، والعيد نذر : أيها الامتداد .. تذكرت اني أتذكر: الأنهار تقاسمت، والغابة بالوعد انغلقت ، والخاتم دارَ .
        هو ذا المعبد بالموجة إشارة: النافذة بالظل جاءت، والشقيق بالشقيق أودى: فمن أنت يا بذرة: النار اشتهت الحصاد وأنا في الرحم إشارة.
[49]
لا تكتم عليّ الكتمان إن لوعتي ورقة: يا غابة ظلي عليّ ظلي: النور دثرنا، والبرد كشفنا، وأنا عنده وسنان.
        يا جند افتحوا أبواب الحقل، هذا حبيبي فيّ وعاد، وهذا أنا عنده أمانة.
[50]
بالنذور أعيد صياغة النذر: هنا لا أوثان لدىّ .. البذرة اكتملت والعيد فتح نوافذ الأشجار، يا قلب لا غالب لا مغلوب: حبيبي فيّ وعاد فماذا تكتب فوق الموجة .. وماذا بالدخان توقد : الليل يجرجر الليل ونهارات الغابة أغصان. الماء تكوّن، والكلام استقام. تعال اليّ أنا مفتاحك أنا الدار. تعال افتح داري وغادر.
[51]
        أنطفأ البرق فأينعت البرية. هذه الأرض تناثرت، والبحر تدثر بالكتمان. واليد أغلقت الغابة بالنذور. ادخلي يا شجرة الغيمة كلام. فعند أي الجسور أتوقف، وعند أي الأنهار أبصر؛ الراحل مرضعته أضاعته، والنخلة رطبها سراب: يا صحراء لملمي البرق فالروح توزعت، والكف فوق الكف تراب.
[52]
        ابعد من ورقة، هناك، في ظل الأشجار: البهجة تفك كلامها، والماء، ابعد ابعد، يكتمل بالحشد، الفتى بعمر التراب، والنشيد لوعة صخرة: لا أعراس لا أضرحة لا ميلاد لا موت  يا برق اكتملت فيه الدوائر: كل يحمل أفراحه ويدخل، والخارج بالأنوار يفتتح ينابيعه. هذه مسرة هواء .. لا الباطل بفانٍ، والفناء بباطل: بين الحروف فضاءات، وكل الفضاءات نداء.

[53]
        فوق الظل همسات: أنداء برق أم الأمواج توحدت: يا بذرة مدت يدها للغيوم خطانا سبقتنا خطانا تتعقبنا خطانا نحن. أيها الحبيب لم َ لم ْ تلد بعد: أيها الحبيب شيعناك أيها الحبيب أنت فينا إقامة : فينا بلور ما كان نورك أقوى من العتمة، ويا عتمة لم الشكوى من البحر. لنوزع هدايا الرمال، خطانا فينا امتداد، والفضاء بين البرق والأعياد انشطار.
[54]
        بهدوء العاصفة تكتشف الممرات: فلنّجمع حصاد الأسماء ونهب الوثن نياشينه: مملكة اليد فاضت بالظلام، والقلب قسمه النور. لمن الخطاب والنفس أثقلها النذر. لا البذرة بشجرة ولا الجذر بنار: ممرات أعلى تدور والملكة توجت أعشابها .. هذه بروج الأميرة وتلك بوادي أخليت للغرباء: حبيبي في أية زنبقة تسكن والوادي ازدحم بالغبار، والقلب غادر جدرانه. أيها التائه أأدلك إلى النعيم: غادرني أني غادرت، تعال معي اني ذهبت إلىّ: هو ذا الرضا: بالحجارة طهرنا النوايا، بالموج غسلنا جرح المودات، قلبي اصطفاني صاغني وأضاعني بالأفراح. واترك المفتاح بالقفل يكتم سر الباب. هذه غابتي وهذا أنا أتوّج الليل بالمسرات .
[55]
        يا قيامة حبيبي لم يولد لك .. لم يولد لي .. حبيبي فيّ وأنا نفسي محوت الأسماء.
[56]
        لا تفرح بظل الوعد: الريح بدلت مسارها، والماء أطربه الصحو أسكرته التراتيل. للأعالي قلبي سبقني، والوهن فوق الوهن وشاية. فهدأ صوتك أو أوقد حجارتك، أنا إليك اشتياق. هو ذا دليلي، الأعياد تمحو فاتحتها .. وآخر الأسماء صخرة تتشهى النار.
[57]
        أنطفأ الظل في الصخرة فأفاق الاشتياق: الكهف تكشف عن عيد؛ وعويل السيف فوق الأعشاب جناية: تأتي اليّ أضيع .. تغادرني أغيب .. فيا حرف أما آن لك الاستقامة.. أما آن للكلام أن يستريح.


[58]
        ويتوقف الماء عند الماء: من شيّد هذه الغابة .. وكوخ من كان بين الأطلال. أيها الحبيب لديك الخيط لملم به الأشلاء. أضاعني فرحي وجمعتني موجة فوق الأمواج. أنا الرمل في حبة رمل. أنا سارية الغرقى .. فنار القاع. تعال اليّ بعطر لا تأخذ الريح فانا الريح تعال اليّ بريح الغابة أنا الغابة تعال تزّين بالورد اخلع رداء الليل فالميت يمحو الموت . يا نخلة القلب توقد بالصمت، وأناشيد العاشق كلمات لم تصنعها الكلمات .. فيا أيتها النفس المفاتيح نجوم، والبحر وثن، وأنا بينهما تجرحني لوعة، يوقفني البرق، وأغيب في كل الاقامات.
[59]
        بينما استضاء العاشق، أنكوى، وبينهما غاب: دليل الأرض فتح نافذة الجرح، والأعالي، فوق الكف، أناشيد سلام. يا صوت لِمَ تركتني كأني الصوت، ويا صدى لِمَ أغلقت الباب .
[60]
        دثر الليل خفاياه بالفجر، وكتم البحر أزمنته بالبحر، وأنا بالحب اخترعت الأضداد: لا حكمة ابلغ من الإصغاء، فتعال علمني سر الكتمان وشيّد لي مسلة: كل كلام دخان، واليد فوق اليد محنة. يا أنت الذي تولول فيّ أنا غادرت، هذا الظل اختطفه البرق، وكوخ الحكيم تناثر إلى كلام، تعال لملم أيامك في كيس: الأرض ضاقت، والفلك غادرت، والقلب عند القلب نسيان.
[61]
        أمحوتني لتراني، ثم اخترعت لي الكلام .. ثم أوقدت فيّ الحجارة استنارة .. ثم فتحت لي قفل الرمال. ماذا فعلت تعال أفعالي غادرتني .. الخيط بين الواحد أضاعني فكتمت الكتمان.. وصارت الروح إلى منفاها تجرجرني. يا مدينة أهذا جرحك أم جرحي .. فانا تاه عليّ التائه .. الواحد انقسم .. ثم أخذت الأسماء تمحو الأسماء.
[62]
        اكلم نفسي أم نفسي تكلمني : بهذا الافتتاح وضعت الخاتمة ابتدائي: هو الماء خاطبني أم أنا خاطبت الماء : الحجارة نقشت ذاكرتها فما الباطل إلا فضاء .. وما العيد إلا غواية .. يا شجرة الدخان انفرط العقد ، ويا أيتها المكورة استدار الاحتفال. روحي رفرفت نزفت فوق روحي، وبالذي لا اسم له كتبنا محونا وصنعنا الأوثان. فلمن إن البلوى امتدت اعرض حالٍ لوثتها البراءات . خذيني يا نفس فيّ كوكب توهج انطفأ خذيني لنذري فمعبدي بيدر وأنا ثمرة آثام.
[63]
        ولك العهد قلادة نجوم. أيتها الأرض خطابي ورقة كتمت صداها فأواها ليلها وبمفتاح الجرح ذريتنا خلعتنا: لا شكوى لا صلح .. الميتان ميت في بذرة. ألا أيتها الروح ابرقي فينا فالحجارة كفت عنا، والأعالي في العرش قفلت كتمانها. ألا أيها الدخان من علمك السجود .. ويا برية القلب من هذا الحبيب بين الأعشاب: أضاعوا الكلام بالكلام .. والضوضاء بالضوضاء.
[64]
        ما أنا عابد لك يا شجرة: أغواني الدخان فأسكرني .. تاه فيّ التائه .. ثم آفاقت الشجرة: فانٍ صوتكِ .. باطل زهوك يا عيد .. فانا الذي رآني آخذني .. وبالغياب أقام لي مهرجان الغياب.
 
[65]
        لا تفرح الروح لخبز تصنعه اليد. يا جند إن رأيتم حبيبي في الحقل ليوزع قمحه .. أنا أخذني النور نثرني وجمعني عنده: ما من باب مغلق وما من باب يدور: يا للوعتي أعياني فرح البذّار، وأشقاني ليل النهار .. فان جئت خذني نذرك أنا.. أنا الورقة هناك عندك أنا اليد فوق اليد أنا صوتك في البرية في الرمل. تعال لنتقاسم الماء الفرح قلادة، فلا تغلق عليّ عتمتي. لك في الأعالي ظل نخلة .. وسأجلس حيث الأنهار تجمّعنا: أنا دليلك أنا الدخان.
[66]
        تائه بين تائهين ، ضائع بين ضائعين : لا أيها الفضاء لا تلمس جرح البرية .. ويا أرض ما شئنك بالفضاءات . لي عهد مع الحدائق ،ولي نذر مع النذور / مدن تحت مدن وأشلاء ذبائح.. غوايات الأصوات .. وألوان أبرقت فينا عتمات: الروح اضطربت والقلب استدار . فلمن تنشد والراحل ختم بالحجارة كتمان الأسرار .
        غفلة أخذتنا منا فلا نذر لها ولا عهد علينا: هذه هي الأطلال: وثن ينحني وآخر يبوح بالكلام . أيها العبد أأقفلك المعبد .. ويا نفس من ذا علمك الكلام. أما من وهن للهداية أم السيف يتشهى الأشجار. حبيبي أنا ثمرة بين شجرتين .. أنا شجرة انشطرت إلى وثنين.
[67]
        أبالمدية تسوى جراح الوردة: أيتها المطرقة اطرقي .. سيلملم الماء سلالات الفصول: أيها المبهم ليس من مدية ولا جرح هناك: الحدائق أفزعها البرد .. واليد فوق اليد سلام، أيتها اللامبالاة من جمّد الصوت في الصخرة .. ومن علم الكلام أن يخفي الكلام ؟
[68]
علمني المسرات، اخبرني بالأخبار، هداني للنشيد، ثم محاني ومحا سره: يا حبيبي من أجلسك في الياقوت، وصاغ لك الفضة، يدي على العهد تراب، والوهن دَّب في الوهن .. أيتها المرضعة هذا الميت وليد لم يولد، ويا أيها الحفار أزح نور العتمة عن هذا الحرف: الصخرة ستنطق والماء سيعلن الاحتفال.

 [69]
العهد أضاعني أم أنا أضعت العهد: يا رسل الغابة ماذا قالت الغابة ؟ - : هذا ليلي يوحدني وهذا نهاري يقاسمني الانشطار. فأجلسُ عند التلال أرعى نجومي وقطارات المدن تهاجر بالغرباء وبالمنفيين. كل الأرض امتداد والفضاء تخلى عن الفضاء: من ذا يتكلم في المتكلم وماذا قالت ألصخرة: سفن الموتى تصلى ناراً، والعاشق عند التلال دوّن موتاه: انهض أيها المبهم توحدت الأصابع، وبالصدى تعلن آخر الأصداء.
[70]
        أثمرةُ وتكتمها .. الموت جمّع العشاق – والحرب لم تقفل قفلها – أيها الراحل إنا سبقنا الدوى، فالماء سقى الغابة، والنار استكملت العاب السلالات: أين أنت يا ثمرتي والحدائق فينا رماد.
[71]
        أبالموت يندمل الخيال ؟ - : ها أني اجلس في القيامة  غابات بلا دموع .. مارة يتنـزهون بلا .. بلا استئذان . أبالموت تجمّع الذاكرة : الفلك غضبت والأرض همدت الأعالي بيضاء. من ذا يحصد هذا الكلام .. وهل من كلام ؟!
[72]
        الوردة جمعّت أسرارها وآفاقت: فجر وقارة تولول عند الأنهار: الآف الأيام مرت وعويل حبيبي يرفرف فوق الأمواج. تعال اليّ فانا أسرني الشوق قفل البراءة والباب حجارة. أيا أيتها النفس من اتعب من .. ويا أيها التراب كيف جمعتنا في قطرة ماء.
[73]
        وهن الكلام وما وهنت الروح: أيتها الملكة تعالي بلا ياقوت .. قلادتكِ نجوم جمعّت، خاتمك الأمواج ، وقرطك نخلة برية ، تعالي العاشق عندك، ماء قدس الماء، وسماء توحدت في سماء.
[74]
        أبالمعول يهّدم معبد الماء أم بالبرق تُدوّن الرمال اصداء المعاول ؟ -: تعال شاطرني غيابي البحر انقلب والقاع تكلم : لا أبصُر من أبصر ولا يبصرني من أبصرْ: نور وحدته الانثلامات، وعتمة خضعت لقمتها .. الروح لا تتصالح : لا حبيب في الغابة ولا انهار في الحقول .. فاكتمي يا صخرة الدفن هلاهل التنصيب ، تساوى من عليها ، والبرق كف عن الترديد.
[75]
        ليس بين الثمار ثمرتي، ليس بين الأمواج موجتي، ليس بين الجمر جمرتي، فمن ذا بالنطق ينطق، ومن ذا أقام للرمل أوثانها، هُدّم عرش النطفة، هباء مطرزات الأشجار، فالراحل، فالراحل أخذ برقة، والآتي اكتفى بالافتتاح .
[76]
        الماء يصغي لعويل الأوثان؛ يا نور الكتمان العتمة جرجرتنا، الريح جرحتنا، النور أخذنا، والحبيب فينا يوُقد الدخان. تعال يا من أريد ولا أريد لا املك إلا ما أخذت. تعال خذ: حكمتي حفنة تراب .. وكلامي لوعة .. القاع يولول خارجه .. تعال خذ ما لا املك .. تعال يا من أريد ولا أريد لا املك .. تعال يا من أريد ولا أريد لا املك إلا ما تركت: تعال خذ ما لا املك.
[77]
        أ بالأضداد نتوحد أم بها نجمّع الأضداد: ضدان ضد ضد، وبالتماثل تنبثق الأضداد: يا نطق أهذه استقامة .. أم غفلتنا أخذتنا لفضاء الأعياد.
        لا تتشهى الروح السؤال ولا القلب. وعد الخاتم قفل.. وبنور الأنوار كتمت البذرة البذار.


[78]
        وتركت الغفلة أعياد الحدائق في الفضاء: تعال حبيبي قبل/ بعد البرق: لا للماء عمر لا للأرض: لا للنهار تاريخ لا للرماد. تعال نلوث خطانا بالبراءات: غابتنا سبقتنا/ غابتنا تتبعنا.. أنا عندك نذر وأنا تائه بين النذور.
[79]
        جمعنا الحصاد جمعنا الليل وجمعتنا الحروب: بأي اسم جئت بأي رداء غادرت ؟ -: البرق بالثرى دوّن إشاراته، والجرح آفاق أناشيد. أنت، يا أنت الجالس عند العهد تولول أفراح الروح وتكتم النجمة لا أعياد لديها, واليد فوق اليد تراب، تعال غني كفجر وغادر إن شئت .. تعال أنا غادرت وكلانا امتداد غياب. والكاتم كتماني لملمني إليك هدايا. يا عاشق أهذا عشق، ويا نفس أبهذه السكينة تدشنين الإياب.
[80]
        عثر الضائع على سره: ها أنت تطهر الماء بالماء: تكتم الحرف تخترع الحجر .. وتقيم للرمال هذه الأوثان. بأي الأبواب جرُجرت إلى المعبد: الصخرة فوق الصخرة ظل. الأطلال بمفاتيح الإقامة كتمت عهودها. يا قلادة من ذا صاغ  بهاء تلاشيك. أما شخت يا ماء وأسماء الغرقى تنثر الأسماء. والبحر إذا استيقظ أو نام يدور فوق الجميع.
[81]
        أهي برهة امتدت بين نبض القلب وتلاشي التراب .. أم الدهر تكور في ثمرة: ما في السماء وما فوق الأرض، ما بينهما سنةُ ندم لبذرة لم يأت بها البذّار، وان ولدت فستكتب بالريح قصتنا.
        لِمَ جئت بي وجرحت القلب. أستغادر .. أجئت بمفتاح/ بقفل . يا ابن البرية تلك حدود الظل ، لا تتململ ، كوكبك يدور، مثل سوّرة في بحر، الفلك لها مداها، وللاسم سر. ماء النبع اخترع حكايانا: أضاع الاسم فصار المحو .
[82]
        أهذا كله لمحة برق .. تكوّنت تكورت ودارت، ولد الراحل قبل الرحيل، والمثوى إلى جانب المثوى امتداد .. أهذا كله لمحة برق أم اضطراب كواكب. الظل استدار، والأنوار استقامت. شاخ المحارب والحرب في البدء: النار تشهت حجارتها. وابن الغابة بالجدران دوّن أسراره. وما هي بالكتمان، العاشق سكين ، والليل في مسراه ، الأعياد شيّدت معابدها، والحبيب صاغ الكتاب ، القلائد ذكرى والموت سنة ندم.
        أكل هذا لمحة اكتمال: يلملم الفناء باطله ولا تكتمل الثمرة بالاكتمال.
[83]
        أنا الكاتم الخفايا من يكتمني: يسّورني بنوره عن عتمتي ومن عتمتي عن نوره ؟ - : كلانا اشتياق: الروح انثلمت والخاتم ضاع: كلانا بالماء تطهرنا وبالبراءات جُرجنا: لمن الشكوى والغياب عيد. لمن الأعياد والنذر فضاء وتراب.
[84]
        وكأن الماء فوق الماء دوَّن الغياب .. وكأن الوهن استفاق. خذ زادك أنا الغيمة في روحي نقشت وثنها . خذ ظلي عتمتي لملمت آمالي فنطق الناطق بالرمال: الريح إن أخذت أعطت، إن أعطت أخذت وأنا مثل النار أما من حجارة أما من ناس ؟    -:وتدق دقات الاحتضار فيعترف المعترف أن لا آثام لوثت الآثام .. أثمة آتمام؟ وترن الأصداء بالأصداء. هذه القوافل لمن وهذه الإبل من راعيها: المصلوب غنى فاطرب فرقد البرق .. والموتى يتنـزهون كحروف في فنجان. يا أنت أرحلت لكي تنبؤنا بالنار: قبل العهد وبعد العهد عهد . لا جسر بين عدمين: كل يحمل ظله، العيد قيامة، والبلوى امتحان.
[85]
        أعلنت الحجارة أعيادها لا ذرية لها لا امتداد: أنا لوعتي عندي هلاهل حصاد. أبهذا الختم يخُتم الوثن. لا مسرات للمبصر فالذي رآنا قاسمنا النور قاسمنا الدخان.
        محض برق شيّد هذا البرق: اضطربت الروح وسكنت. وجاءت الغابة بالذرية ونطق الماء . كلانا ضريح فوق ضريح ، لا الذي سيولد بأمير لا الذي رحل برمل. أسماء تمحو الأسماء .. لا النار بسابقة رمادها، ولا السر بعد السر بكتمان.
[86]
        أي دار هذا الذي ختم بالدخان علينا أعيادنا: وأي حبيب لوعنا بالاستئذان: أين هي المصبات إذن، يا روح أتغار الثكلى. والحدائق طوقتنا بهمسات العراّفات، الحبيب دشن صخرتنا: يا نفس تشهى الماء الجرح. أيها الينبوع صبراً، كلانا رماد غيمة: الذي بالأعياد طرزنا، والذي أعاد لنا نذورنا أوثان.
[87]
        لا تتعجل الرحيل، لا تتعجل الإقامة: الخاتم طوقنا، الفضاء ختمنا، وبقفل الأسرار اكتملت البذرة. هو ذا الماء يروي كتمانه، والنفس بلوعتها خبأت أسرارها.
[88]
        لملمت الريح رفات البذرة. كم أنشدت يا معبد ويا ماء كم تموجت .. ويا ميت كم صحوت لِمَ صحوت ؟ -: من الآثم يا ليل يا رمل يا بحر وأنت بالبرق أبرقت وباليد فتحت العهد .. يا صاحب الجذر ويا حرس الليل لا أبصر ما أبصر .. الذي رآني آخذني اليّ اعارني إبصاره وأعادني إليه.
[89]
     كف النهر عن الكتمان أم الكتمان أخذني إليه. اضطربت الروح وانصهرت ظلالها .. قالت الروح لا ظلال عندي والنور مدى . يا مسافة هنا الجرح هنا الموقد . هو الواحد إذن بينما تُدثر المدن بالمدن . بالفصول تخفي الشجرة يبابها والنسل تتكاثر الجنادب: الدغل ملأ الغابة والملكة تخلت عن ياقوتها . فتأتي الموجة بالأمواج وبالمسافة تتوحد المسافات.

[90]
        أميرتنا استعارت نداءات التراب: يا قلب لا تسّود مأواك.. اليد حمامة، والجرح سكين، تخل يا حرف عني: لم يرحل النقاش ولم تلد الجمرة .. وكأنا – يا أميرة الماء – ولدنا قبل النداء: يا جند اكتملت الدورة، انشطر الماء، تبعثر البدر، يا جند إنا هنا سلوانا بلوى لبعض. فخذ التراث للعاشق هبات. الحرف مسافة، والفصول احتفالات وأنا روحي سكنتْ سكنتْ مأواها، لا صخب لا ريح لا خسران لا أعياد. بالوهن اجمّع مسراتي انثرها فما ملكت اليد إلا وردة، برهة برق بين فضائين. وغادرت القلائد البحر، فأعلنت البذرة كتمانها، فتحت بالقفل وكفت عن الاستئذان.
[91]
        أنهضت الأرض أم هذه جراح ورقة. يا غابة لا منادٍ لا منادى. القفل سبق الاستدارة سبق النار. وبالأنباء الفلك تدوِّن أيام من رأى. لا خطيئة في سلالة الجذر. الجمالُ مدّية: اطرقي يا مطرقة الواقعة وقعت، والغرقى أمراء ملكتنا أعلنت عرسها: هذا عيد فبأي المطرزات تلوح للمسافات . برق ابرق وعهد توارى: الملكة اكتملت وعلى العرش أقامت، ولنور أوثانها سجدت، وبغفلة نهض البوق تجمع واشتبكت الأبصار ، كل ينادي هذا ولدي هذا حبيبي هذا لم يولد هذا لم يجرح ، كل منادٍ نادى، والحرب هي الحرب .. موتى قدماء اشتبكوا ، رسل جاءوا بالكتاب ، واصطخب فلك الغرقى بأميرات الماء، جند الرمل بيارقه جعجعت    بالجبال والوديان نثرت ظلها، السهول تكورت فتصدع الجدار. الأسوار ما حمت ما صدت نار، استوى كل من عليها، فتاج الملكة غبار والعرش دخان.
[92]
        هو الذي بالوردة أضاء الامتداد: يا صدر انشرح للذي ما أبقى، أعطى ثم أعطى، نذر وهب فسوى: تاه البصر تاه المبصر: هذا نذرك لا تمسس نشوة الغياب: أخذتنا الغفلة فشاخ الوعد .. أبصرت الصخرة فآفاق القاع .
        وببوقها أعلنت الأعياد: لا تمسس ثكلى هي لم تولد. دع الماء عند الماء. النسل تراب والذرية قبائل. قط لم يأخذ الموت إلا ما أعطى، أعطى ثم أعطى، الموت بذرة، وبينهما قلائد. قط لم يأخذ ما أعطى، اكتمل الموت، يا أميرة الماء هذه مفاتيحك، هذا التاج، المناحات سلوى، والعويل أعراس. فبأي النورين تنار العتمة: هو ذا الجسر هو ذا العابر: لملم يا طير جناح الود وغادر .. وعدك عند الوعد .. الفانون أناشيد.. والعهود كتاب قبائل.
[93]
        أ بالباطل كتب الماء عهده، ودوَّنت الأسماء، أم الروح أخذتها نشوتها ثم أفاقت، كلانا غفلة، يا وردة جرحك فيّ سماوات، وما شاخ العبد المعبد شاخ، انفرط الصوت، تفرق البحر، والمثوى شرع بابه لكل حبيب.
[94]
        دنسنا الماء يا صخرة طهرينا أنا الواحد من قسمنا. ودنستنا النار غير مجدٍ عويل الغابة أنا الواحد من قسمنا. ولوثنا الكلام لا نشيد بسلوى ولا خلاص بالمنشدين أنا الواحد من ذا قسمنا ومن ذا سوانا وثنين.
[95]
        أين تذهب الطريدة والبحر مقفل بالبراءات: أهي نشوة سواحل؟ -: تعال اليّ اعرني كوخك ظلك سأعيد ما أعطيت – وما أعطيت؟ - وبالحكمة أغادر. البرق جرَح الوردة .. فلا تتعجل يدك الأفعال: يا حرف اقفل قفلك .. زمن الصمت وجيز مثل الكلام.
[96]
        ولن يبّدل الميت بالميت ولا الاسم بالأسماء .. الفلك لها مسار، مثلما العتمة تضاء بالجدران، لكل مسارٍ: الغيمة نطقت خفاياها، وآدم بالإنسان كتم الإنسان. تعال يا من له روحي أعطت اجلس عند المفترق: أنت له وأنا لك مزار. اطرقي اطرقي يا مطرقة ويا بوق أما كللت النداء: ميتان افترقا.. وبين الغرقى غريق يبصر: تلوث الماء، تفككت الريح، واليد فوق اليد حجارة، ابرق البرق فاختفى الفضاء يا لوعة توحدت الأضداد تفرقت تجمعت وتناثرت والقلب بالقلب كتم الكتمان. لا أقول تعال دارك فيّ، اسمك اسمي، لا ظلال بين الظلال، الأعالي آخذت ما آخذت وتركتنا للظلال: هذا كوخي وتلك كنوزي، ثم جمّعنا المدى، قسمنا، قلادة انفرطت وأبصار اشتبكت فما ولدت الصخرة وما كانت قبائل: دار المفتاح فأغلق المأوى: أتطلبون من الحرف براءة: -: يا كلام الشكوى ذل .. يا كلام أما تعلمت الكلام ؟
[97]
        أ ببوق الحجارة تنادي: الريح نثرت والقبائل توزعت والروح انشطرت؟ أ ببوق الحجارة تجمّعُ قلادة انفرطت؟ يا جند أهاجر مع روحي أينما غابت .. يا روح المسافة اضطراب. فأين هي المسافات أين هي العتمة؟ أُجمّع نذور من لم ينذر .. وأوزع هبات من لم يهب. الماء شيّد عرشه، محاني، وبلمحة برق ، لم يبرّقْ علمني كاشفني الأسرار . أجلس أولول مثل نار، ابكي مثل ماء، أنادي: من لوث هذا من جرح الجرح .. وأغادر. يا ظل أنا نورك، يا نور أنا الكهف، لا خسران لا مجد لا حدائق، حبيبي عندي: القلادة معبد وجسده فضاء .. حبيبي جاء بي وغادرني .. وينهض الليل بالعويل: لا مسافة بين المسافات: خذ الحرف خذ الكلام .. اشتبك البصر بالبصر .. فدّونا آثام البراءات، ودوّنت البراءات غفلتنا . يا حبيبي لي أنا لك ، ولك أنا لي ، حروف عند حروف مثل عابد عند عابد والدنيا ليل : تعال خذ ما لم تعط: تعال خذ ما لا أملك .. وتتلوث الحكمة بالحكمة . هذه البرية وثن، وها نحن لها أوثان.
[98]
        هو ذا الافتتاح: النوارس هاجرت، والأعياد أضاءت الأعياد. لا تأخذ ما أخذت .. لا تنشد ما أنشدت. الأيام نداولها وتداولنا لحساب. يا نفس لا شكوى يا نفس لا جنات ويا نفس لا مأوى. وغادرني الذي جاء بي. الذكرى تمحو الذكرى. وآخر الأناشيد نشيد: يا روح ارجعي عندك الجسور عندك القفل عندك الآمال: لا جنة فوق الجنات ولا نار فوق النيران: الماء لوث سره ، والقبائل توزعت: يا صخرة من صاغ المفتاح ومن أضاعه: القلب كتم مودته والروح لما أفاقت غابت: المسار مفتاح. يا حبيبي إنا كلانا القفل والرماد.
[99]
        دوّنت أسماء الغرقى فوق الأسماء: أين تراب الوعد أين ياقوت الكلام ؟ يا روح كلانا في نزهة؛ هذه جنات اليد، وتلك خاتمة الافتتاح، الكلام – يا أرض – جرح خيال. سُنِةُ غفلة. والميتون للميتين والموتى للميتات. يا من لم أره انجد وهني، أنا الوثن وما أنا كنت إلا هذه الأوثان.
[100]
        وأنا غادرت هل غادرت ؟ -: هذا كوخ الماء وتلك ينابيع النار: يا ورقة الجذر فضاء، العهد بساط، والمسافات وحدة. اطرقي اطرقي يا مطرقة ويا بوق لا جند لا خنادق لا ملكات: فضاء الأعالي توحد، اخذ ما أعطى، وبالكتمان كتم الكتمان. يا منشد أغلق باب نشيدي ويا منشدة تعالي خذي النشيد: نهض الميت، أنهض الكلام: إنا كلانا واحد، فمن قسم الكلام؟ -: سلالات القبائل توزعت فينا .. الماء سوّرنا، يا آثام توحدي ، كوكبنا يغرق. ويا جند العاشق العاشق أبصرنا، فمن ذا قسم الكلام ؟
        أضاء الموكب رماد الغرقى: الباب دارت .. وأمير الأسماء لملم بقاياه. أهي سِنُةُ ندم أم غفلة براءات. تساوى النداء واحتفل المنادي: أمطرت فظهر الفجر، اضطربت قاع الشكوى: يا حرفي يا جذري مر أمامي الذئب والحبيب، يا حبيبي يا ذئبي أين الحرف ومن ذا اختطف يد الجذور؟ -: المدن تتكوم فوق الأعشاب، والصائغ صاغ الصمت . يا حكيم أصابني ظل الوهن بالوهن. هذا من طلبته نفسي، جمعني وجمع نفسه .. كلانا وداع. جمّع أعياده في فصل فرط قلائده، ارتدى آثامنا. كان يرى ما لم نر. وكان الصدى لغياب الأصداء: لا صوت لا شكوى فالمحارب يتنـزه في غيمة وأمير أمراء الأوثان ملأه شغف الاستئناف. لا منافذ. هذه حكاية بدأت بقلادة، وبخاتم دار .. بشقٍ شق في التراب أوراق لوعته .. ساح في برية الماء وصاهر آثام البلابل، البذرة هلهلت وسكنت .. هو ذا البذَار عند ينابيع الذنب بلا أقدام: ومحي العيد الأعياد .. تكون الموج وجاءت أميرة رقصت بذرت وللبرية تاجها عرشها أغنامها وعصاها وهبت. أميرتنا أدلتنا فأضاعتنا، حكمتها أنا نجلس عند الأنهار، ننشد صمتنا: وتساوى الليل فوق القلب بخفايا النهار. لا يخفق الحجر ولا الروح وهنت. مُدِّون الكتاب تبدل والأسماء محت الأسماء، أشجار تراصت كحرب وضعت أوزارها قبل الاشتعال. جمر توحد برماده. اصداء كواكب أنشدت وغادرت، وما كان للأعياد قرار .. انقلب القاع وقيل هذا امتحان. سيد الشجر جرجرته غوايته، فلملم كتابه ودّون فوق الأحجار: لا اسم لهذا المسمى، الريح أعطت فأخذت وتساوى الليل مع النهار.. ميزان الاستقامة أوزانه اضطربت .. وحكيم الحكماء بادلنا علمنا واخذ ما أعطى ثم غادرنا. أمير وجمرة في بذرة . نار وتاج فوق كف . حروف انتزعت بعضها بعضاً فصار الكتاب .. جاء الغريب بعد الغريب، معابد وأطلال، كل يلهو وما اكتمل الكتاب ، سور مسطرات كموتى غرقى يرفرفون كالأعياد. لا باب يدور ولا يد تحمل سر الأبواب. الزمن أعطى نثر وجمّع خطاياه: لا مذنب لا مذنبةً فالطيبون للطيبات. فهجر الحكيم حكمته وجلس عند الأنهار. امسك حكمته وبالمعول هدّم الأوثان: تساوى الجرح توحدت السكين. أرسلت البرية الذئب ونهضت المدن من المدن . الفولاذ أغلق باب النشوة. المسرات انكسرت قبل المسرات .. لا آثام تدوم والبراءات براءات: لا شكوى لا غرقى فالبحر توحد .. وتدور اليد : الأرض استيقظت . هو ذا عند فضاء الماء، أعطى سره، وما بينهما كان الكتمان.

                                             [30/1/1993

خمسة نصوص للشاعرة الإيرانية آيدا عميدي-ترجمة: مريم حيدري*


خمسة نصوص للشاعرة الإيرانية آيدا عميدي



ترجمة: مريم حيدري*
ثقافات



1


ثمة أحد ما كان هنا
جلب لي باقة أزهار
فكّر بي وهو يشتريها
ورآني أضعها في المزهرية
ثم علت وجهه ابتسامةٌ
ثمة أحد ما كان هنا
وقد ذبل مع الأزهار.

2
أغلقتَ الأبواب كلّها
وأسدلتَ الستائر
المجيب الآلي يتحدث نيابة عنك
لكنني ما زلت هناك
في فم امرأة تقبّلها
وإن نظرت نحوها
فسأخرج من عينيها
أشعلُ سيجارتك
ويتسع الظلام.

3

كنت أريد أن أغادر خيالك
وأضرب العِرقَ الذي يسير مسرعا نحو قلبك
أضرب
وأقطع كلّ شيء
بسكينٍ شحذتَها لي بيدك
لكنني
واقفة هنا
واقفةٌ وأرمق يدي حائرةً
يدي التي احترقت
تحت أمطارِ قُبلِك
ولا أستطيع
لا أستطيع
لا أستطيع
أن أجد كلماتي الخافقة
بين رمادها.

4

الكلمات جرحتني
في هذه الغرفة الصغيرة
غير أني لا أستطيع أن أكتب الشعر
أعدْني إلى بحري في الجنوب
إلى جرح لا نهاية له
الجرح الذي جاب جسدي كلّه
ويريد الآن
أن يهجرني للأبد.

5


ها قد رحلتَ أنت
وساعة الحائط لم تعد تتحرك
العقارب تدور في قلبي
وتشقّ لحمي ودمي
والوقت
الوقت
الوقت
ليس شيئا بإمكاني أن أوقفه.

غالب المسعودي - ألجذور ألثقافية للعنف وألأرهاب

رسمية محيبس - سياحة

السبت، 13 سبتمبر 2014

وهكذا ضاعت استحقاقات شمهودة-كاظم فنجان الحمامي

وهكذا ضاعت استحقاقات شمهودة

كاظم فنجان الحمامي

هذه هي الحلقة الأخيرة من حلقات العتاب، التي حملت عنوان (البصرة شمهودة العراق)، والتي سيطويها النسيان، ولن تضيف شيئاً لخارطة التهميش التي ظلت تتجاهل البصرة وتستبعدها منذ عام 2003 وحتى هذه الساعة، ثم ما فائدة العتاب بعدما فقدت البصرة استحقاقاتها كلها بفضل بركات الديمقراطية المزعومة، وبفضل برامج التكنوقراط التي اختارت أثنين من الوزراء من قرية نائية من قرى صلاح الدين، وعلى وجه التحديد من قرية (الحجاج). اختارتهم من شارع واحد، ومن عشيرة واحدة، ومن رقعة صغيرة لا تزيد مساحتها على مساحة ساحة الرمل في الزبير.
وزيران من أسرة واحدة، هما وزير البيئة ووزير الدولة لشؤون المحافظات، وتم تنصيب ابن خالتهما: الطبيب (رائد إبراهيم) محافظاً لصلاح الدين. قرية صغيرة واحدة خرج منها وزراء ونواب وسفراء وقناصل وقادة.
بينما البصرة التي تزيد مساحتها على مساحة دولة (قطر) بعشر مرات، وأكبر من مساحة مملكة البحرين بخمسين مرة، وتساوي أربعة أضعاف مساحة الكويت، وفيها أكبر وأقدم موانئ الشرق، وأوسع المنافذ البرية المتصلة بثلاث دول من دول الجوار، وفيها من الكفاءات والطاقات ما يفوق الكفاءات الموازية لها في أكثر من دولة عربية، لكنها لم ولن تنال استحقاقها، ولن تستطيع أن توصل صوتها، ولن يسمعها أحد.
هل تذكرون كيف سقط العراق كله بيد الأمريكان في الأيام التي ظلت فيها البصرة تذود بالدفاع عن حدودنا البرية والبحرية، ولم تسقط أسوار البصرة حتى آخر نفس. هل تذكرون كيف كانت مدينة أم قصر تقاتل وحدها بصمت، ولم تتراجع حتى اليوم الذي سقطت فيه مدينة زاخو في أقصى الشمال. هذه هي البصرة وهذا هو وجهها الحقيقي.
في البصرة قصبات مساحتها أكبر من مساحة بعض دول الجوار، ومواردها النفطية والزراعية والمينائية أكبر من موارد الأقطار الاسكندينافية، وفي البصرة رجال ظلوا يحملون شعلة الوطنية، ويحلقون في فضاءات العفة والنزاهة والاستقامة، لكنهم متهمون دائماً، ومهمشون دائماً، ومُستبعدون دائماً، لأنهم ليسوا على المرام.
المضحك المبكي أن البصرة التي يدافع أبناؤها الآن عن شمال العراق ليس عندها شهيد واحد من شهداء مجزرة (سبايكر)، أتدرون لماذا ؟. لأنهم لا يمتلكون تأشيرات الانخراط بدورات الضباط والطيارين أسوة بأبناء المحافظات الوسطى والشمالية.
تصوروا. حتى (سبايكر) حرموا أبنائنا منها حتى لا يمنحونهم فرصة واحدة لنيل شرف الاستشهاد. لكننا سنواصل الجهاد والبناء بطريقنا الخاصة، وكنا أول من لبى نداء الجهاد لحماية الموصل وصلاح الدين من الغارات الهمجية، وسنحمي عرضنا وأرضنا بطريقتنا البصراوية المعهودة، التي لا تعرف الطائفية، ولن تؤمن بها، والتي لا تعرف التواطؤ ولا التخاذل ولا الانبطاح، ولا تجيد الرقص فوق حبال السيرك السياسي.
نحن باختصار لا نعرف الذل ولا نعرف التزلف. وسنعيش هكذا بكرامتنا تحت سقف هذه المدينة الفيحاء وفي ربوعها وبين بساتينها الوارفة الظلال، لا فوارق تفصلنا عن بعضنا البعض، وسنبقى موحدين منسجمين متوافقين بكل أطيافنا وألواننا. سنة وشيعة وصابئة ومسيحيون وعرب وأكراد. تجمعنا الروح الوطنية الشفافة في هذه المدينة العريقة التي حملت اسم (أم العراق)، والتي ظلت تحمل صولجان العلوم والفنون والآداب حتى يومنا هذا. وستظل توقد فنارات الانتماء للعراق العظيم حتى قيام الساعة.

ربنا مسنا الضر وأنت أرحم الراحمين

البصرة شمهودة العراق الجزء الرابع -كاظم فنجان الحمامي

البصرة شمهودة العراق
الجزء الرابع

كاظم فنجان الحمامي

دعونا نتكلم الآن عن أفضل أبناء البصرة الذين لا يضاهيهم أحد من حيث الخبرة والكفاءة والمهارة في المضمار النفطي، ولا يضاهيهم أحد من حيث سجلاتهم النفطية الميدانية المؤطرة بالانجازات الكبيرة.
هل تعرف الحكومة العراقية المهندس الكبير (فاروق عبد العزيز القاسم)، الذي تعزا له الاكتشافات النفطية الهائلة في بحر الشمال، ويعود له الفضل في تأسيس شركة النفط الوطنية النرويجية (Statoil)، وهو الذي أطلق عام 1996 فكرة إيداع إيرادات النفط النرويجية في صندوق توفير خاص يضمن حصة كل مواطن نرويجي، وهو الذي اقترح على الحكومة النرويجية اعتماد ضوابط ثابتة صاغها بنفسه لضبط مسار التعاملات النرويجية المحدود مع الشركات النفطية الأجنبية، فكان له ما أراد، وصادق عليها البرلمان وصارت من التشريعات النافدة في النرويج. وأصبح هو المدير العام لإدارة الموارد النفطية في عموم الرقعة الجغرافية للنرويج، للمدة من نيسان (أبريل) 1973 إلى كانون الأول (ديسمبر) 1990، وهو الذي وضع الأسس الصحيحة لاستثمار النفط في حقل (ترول Troll)، ونجح في إنقاذ هذا الحقل من الضياع.
وهل تعرف الحكومة العراقية كبير خبراء النفط، ابن البصرة البار الأستاذ (فاضل علي عثمان البدران)، الذي كان من أنجح مدراء شركة التسويق النفطي في التسعينيات، ويعد من أفضل المتحدثين عن البنى الارتكازية لصناعة النفط في العراق، وكان من أقوى الذين بينوا سلبيات انعدام وجود الخبراء النفطيين، الذين ينبغي أن تناط بهم مهمات البت في المشاريع المرتبطة بالصناعات النفطية أو بالسياسات النفطية. وهو من المطالبين بوجود إستراتيجية نفطية وسياسة نفطية رشيدة تحقق الأهداف المنشودة وتحافظ على المصلحة العليا للعراق، وتخدم شعبنا في حاضره ومستقبله.
وهل تتذكر الحكومة كبير المهندسين (علي حسين محمد عجام) الرجل البابلي المولد والبصراوي الهوى، والذي غادر عوالمه البحرية ليشغل وظيفة معاون مدير عام شركة ناقلات النفط العراقية، ثم أصبح مديراً عاماً لشركة المشاريع النفطية، ومديراً عاماً لشركة توزيع المنتوجات النفطية والغاز، وشارك في العديد من المشاريع والمفاوضات النفطية الدولية، لكنه يغرد الآن خارج السرب النفطي.
وهل تعرف الحكومة العراقية (سعد الله عبد الله فتحي) المصلاوي الولادة البصراوي الهوى، والذي عمل في معظم القطاعات النفطية العراقية، وانتدب للعمل في سكرتارية أوبك في فيينا، وهو الآن يعمل في الخليج العربي بصفة خبير ومستشار لما يتمتع به من خلفية علمية ومهنية وتشغيلية لا يُستهان بها في هذا الاختصاص النادر.
وهل تجاهلت الحكومة العراقية ابن البصرة الأستاذ (جبار علي حسين اللعيبي)، الرجل الذي وقف بوجه العاصفة في أحلك الظروف، فكان من أكفأ اللاعبين في الميادين النفطية، قرأنا وسمعنا عنه الكثير في الصحف الأجنبية والعربية، وتحدث هو عن نفسه بصراحته المعهودة في كتابه الموسوم (تحديات في الزمن الصعب)، لكننا لم نعد نسمع شيئاً عنه وعن انجازاته الجديدة منذ أن غادر مكانه في الإدارة العليا لشركة نفط الجنوب.
حملت مذكرات هذا الرجل سجلا حافلا بالمنجزات الميدانية الرائعة. نذكر منها: تطوير حقل (مجنون) وتحقيق طاقة (100) ألف برميل يوميا, تطوير حقل (غرب القرنة) وتحقيق طاقة (350) ألف برميل يوميا, تطوير حقل (حلفاية) وتحقيق طاقة (30) ألف برميل يوميا, التطوير الإضافي لحقل (اللحيس), وتحقيق طاقة (75) ألف برميل يوميا, تطوير مكمن (العطاء الثالث) في حقل الزبير, وتحقيق طاقة (180) ألف برميل يوميا, تطوير حقل (إرطاوي) وتحقيق طاقة (50) ألف برميل يوميا, تطوير حقل (الطوبة) وتحقيق طاقة (20) ألف برميل يوميا, تطوير مكامن مشارف الرميلة الجنوبية, التطوير الجزئي لمكمن (السجيل الأعلى), وتحقيق طاقة (40) برميل يوميا, التطوير الإضافي لحقل (بن عمر), وتحقيق طاقة (40) ألف برميل يوميا, تطوير حقل الناصرية, وتحقيق طاقة (20) ألف برميل يوميا, تطوير حقل (نور ميسان), وتحقيق طاقة (15) ألف برميل يوميا, بناء المحطات النفطية في الحقول الحدودية, عند (الرطﮜـة), و(صفوان) المحاذية للحدود الكويتية, ومحطات (الفكة)، و(أبو غراب) في ميسان بمحاذاة الحدود الإيرانية, والاهتمام بحقول (الناصرية) وتطويرها.
ألا يصلح أحد هؤلاء لحمل حقيبة وزارة النفط في التشكيلة العراقية الحالية ؟. أم أنهم ليسوا على المرام ؟. هذا السؤال نوجهه إلى أصحاب الحل والعقد في البصرة.
وللعتاب بقية

--

الجمعة، 12 سبتمبر 2014

حول تجربة الفنان وسام زكو التشكيلية-ماضي حسن




حول تجربة الفنان وسام زكو التشكيلية

ماضي حسن


منطلقات تأسيسية:                                          
في أعمال الفنان وسام زكو المنفذة بالأسلوب التجريدي والتي يغلب عليها سمة سيادة العمل بمناخ لوني عام لكل عمل مبنية على أسس لوحدات ترميزية اختارها طرفين : هدف أسلوبي لغرض الفرز (التمييز) عن سيادة الموجة ، والهدف الثاني موضعي يحقق القيمة التي يختارها أو الفكر ألربطي بين الاصالة (التراث) والحداثوية.. كالمثلث الذي بات من المفردات الرئيسة لبناء عناصره التكوينية الإنشائية بالتداخل أو التقاطع بالاحتواء (الجزء الكبير للصغير) لو التفرد (السيادة) او الهيمنة والذي يتمظهر فيه الشكل بمساعدة اللون المضاد للمناخ العام عن طريق وضع مسحة لونية على حدود الشكل.
ان مفردة المثلث لدى الفنان وسام زكو قد تمنح المتلقي تفسيرات عدة ففي جانب مدلولاته الرمزية في التفسير العام ،المعروف: ان المثلث هو رمز الى الاستقرار، ولكنه من جانب اخر يرمز الى سلم المجد وتحقيق الطموح وتحدي الصعاب وهو يرمز الى الشموخ، والعظمة، والريبة ،للوصول الى القمة التي تجعل من الفرد محط انظار واستقطاب للاتجاهات البصرية، زوايا الرؤى ، والقمة تعني تحمل المسؤولية والثقة بالنفس والجرأة، ومن جانب اخر قد تعني الاستبداد في الامور..ولكن للفنان نزعة ربطية اخرى مع التاريخ كصرح من صروح الزقورات في البناء المعماري وبالرغم من ادخال بعض المرموزات الاخرى التي تأخذ اشكال دوائر يستند على ارضية للعمل يجعل من الفراغ المتبقي فضاءا معاكسا للتكوين عن طريق اختلاف اللون ،ارى في الاعمال التي يختفي التكوين تحت ضبابية المناخ العام للعمل عن طريق اختفاء تقليل الحدة الفاصلة للتلوين المحيطة له هو ابلغ جمالية من  غير ذلك بالعمل التجريبي في هذه الخصوص الذي لا يتحمل الفواصل الشديدة النزعة ولكن في المدارس التجريدية قد يستوجب ذلك التضاد كالحركة (الفوقية) مثلا، والتي تخلق عملية (الجلاء والعتمة) أي سيادة الحس الخالص في الفنون التصويرية لدى مؤسسها الفنان (كأزمير مالفيتش) لذلك فالفن التجريدي قد تطلبت منابعه طقوس والية في الاشتغال في تحقيق الأهداف ، فهنالك بالمقابل، عكس التفوقية أعمال قريبة من الزخرفة التجريبية، مساحات وسطوح لونية متضادة، او متداخلة خضعت أعمالهم إلى التجريد وتتشكل بطريقة تادية التقنيات على سطح اللوحة من عجائن ومواد اخرى كي تخلق مساحات متباينة في الملمس تحقق الانسجام بعد التأمل والإعادة والانتظار من المصادفات العفوية وهذا الأمر يتطلب المراقبة الحاذقة لنتائج للعمل، والفنان وسام يسعى في المنحى ذاته.
التقنيات:-
لقد تعامل الفنان وسام مع مجريات الواقع الموضوعي لسطح اللوحة ومعطيات او مقتضيات ضوابطها التقليدية فالتعامل مع سطح القماش بطريقة الحذر قد تفضي الى الالتزام بالسياق التقليدي الذي يعطي نتائج مسبوقة       سلكها اغلب الفنانين في الفن التجريدي والذي اقتضى الاستحسان بنتائج بناء ملمسين او اكثر مختلفين عن سطح بواسطة تحريك السكين شمالا ويمينا بالعجائن الطيعة الحركة على السطح القماش تتخللها او تحيطها فراغات لونية ذات بقع متداخلة بطريقة الترطيب السائل والمتداخل والذي يشكل سحابات متهرئة تنجم عن فعل المصادفات التي لا تخلو من المراقبة الحاكمة.
والفنان وسام زكو اتجه بذات الموجه التي استحسنت تلك النتائج التي تميل الى صنع مناخ عام اشبه بالرمال المتحركة الاطيان الحمراء المحاذية لحافات المياه والتي تكونت صيرورتها الشكلية بعد حين فترسبت في قاعها نتوءات وبروزات طيعية ، ان الرؤية البصرية للسياق العام الذي ولد خطابا عاما ومشتركا في الفن الحديث قد يرى مستحسنا لدى الاذواق العامة كموجة مهيمنة على التقيد الفرضي (المألوف) حتى اضحى من النادر عند الفنانين التجريديين استخدام الفرشاة في هذا النوع عموما، رغم ان الفن التجريدي على انواع كما ذكرت آنفا فالفنان موندريان استخدم حسابات في البناء الفكري  للاشكال وبالرغم من التلاعب بالتداخلات المختلفة للاشكال الهندسي كالمربع والاستطالات العمودية وخاصة في تطوره اللاحق وكذلك عند (جين هليون) والذي يقتضي بناء قياسات هندسية محسوبة ادخل عليها منحنيات    .
ان تلك الاشكال شكلت تضادات في اللون اسود وابيض بشكل حاد، ذابت فيما بعد الفواصل القصدية تحت موجة الحركة اللونية الهيلامية الزاحفة والتي اصبحت اشبه بالزخرفة المائعة المتداخلة الاطراف او الوسائل الملونة المضادة من الخامة كالماء والزيت لذلك ارى ان عملية الابتكار التقني للسطح قد فرضته محددات نتائج سائدة فالمغامرة الابتكارية هنا تكمن بادخال تنوعات مفردات خامات البكر على نحو مثير كي تمنح العمل نتائج مفاجئة وبذات الاتجاه السائد ولدت نتائج الاشارات اللونية والموازنات الاخرى لاعمال وسام زكو من رحم التقنيات الانفة الذكر، والتعامل لتقبل هذه الجولات تبغي من المؤثر (الفنان) على صعيد التجريب دينامية منفتحة تتقبل ادخال تلاعب باعادة هيكلية البناء الاولي، مع الابقاء بذات التلقائية الغير مفتعلة، لذلك ومن الجدير بالذكر ان هذا النوع من التجارب تعتمد بالدرجة الاولى على اللون كقيمة اساسية لتحيل الاشكال والنتوءات على السطح الى وظيفة جمالية، وهذا الامر تبناه بعض الفنانين اللذين اتخذوا اللون اساسا للتشكيل في العصر الحديث كالمصور الفرنسي (ادوارد مانيه) .
اذ استخدم الالوان بقوتها الاصلية وبشدة الضوء كاملة فيها على خلاف رواد المذهب التأثيري في الفن فقد مضوا يتفنون بتجزئة الالوان المتممة وبتعقب الاحساسات البصرية الناتجة من انعكاسات الضوء.
 ونحن بصدد المنحى الذي اتخذه الفنان وسام زكو في مجال اللون ان اتخذ منه شكلا سائدا للوحة لكن ليس بحدوده المطلق الذي يلقي مرموزاته الشكلية كالمثلث والصليب والدائرة مثلا، غير ان استخدام المساحات الظلية احيانا هنا وهناك وخاصة في التقاطعات القطرية لمحاور الاشكال قد افسدت الترابط التلقائي الناجم من استخدام الالوان التي تشكل المناخ العام للعمل لا سيما ونحن في مجال عمل تجريدي.
ان الدخول في غياهب سفر الاتجاه التجريدي له اهدافه ومحدداته السامية فالعزوف عن شروط الضوابط الاكاديمية للعمل قد يصطدم ب طقوس قوانينها التجريدية عند الفنان ،ولذلك فالعمل التجريدي من هذا النوع يفتقد الى صفة المرونة الزائدة التي تتقبل بعض المحكمات الواقعية مثلا، عكس السريالية التي يقوم عماد قوامها على الاسس الواقعية، الا ان الفنان من جهة اخرى حقق نتائج جيدة في اعماله المائية والتي تسمو بشفافية ذات حس جمالي رائع تميل مساحات اشكاله الى بساطة التفاصيل، وهي اقرب الى الفن الانطباعي،وفي هذا الخصوص ارى ان الفنان قد ترك ليده الحرية في مجال منظومة الاشتغال الانسيابية اتجاه حركة الفرشاة لمتطلبات نوعية سطح الورق الذي استخدمه وبهذا قد استطاع الفنان ان يمنح رؤيته الغيبية ابعاد خارجة من  الاثقال بالتنظيم الذهني أي ابعد من الانطباع الحسي الظاهري،وبهذا الاسلوب ظهرت عملية تنظيم الاحاسيس بشكل باطني يشبع ذات الفنان التلقائية. وبذلك فهي لم تخلو من العمليات التناغمية المنسجمة ان في اعمال الفنان وسام المائية حرية وافلات من ضوابط الموجة التي القت بظلالها على اعماله الزيتية كغيره من الفنانين الاخرين ،غير ان الاستجابة المزعومة من سطح الورق قد تكون بخيل في مجال معطياته المبتكرة على صعيد التقنيات المتشعبة فطبيعة المادة المرنة تحكمه ابعاد لا تسمح بالتلاعب او المواد التي تنفصل عن السطح في حالة الكثافة او غرائبيتها عن قوانين التفاعل الكيميائي.
اننا لا نريد ان نصدر هنا احكاما نقدية مغلقة على مخاض تجارب الفنان التقنية فانا أقر انها تفسيرات لظواهر اعمال تحت ايدينا آنيا، وهو يكون تأسيس لمخاض تجارب اخرى من التقنيات المختلفة المحتكمة .

البناء التكويني:-
في معرض حديثي عن مدلولات العمل لتشكيلي للفنان وسام زكو ذكرت ان مفردة  المثلث هي السائدة في اغلب الاعمال الزيتية تحديدا وما يهمنا هنا النتائج العلائقية لبنية هذه المفردة او المفردات الاخرى على السياق العام لمتطلبات لبناء الاخراج النهائي للعمل ومن المسلمات الاساسية في العرف النقدي او على الاقل الذوقي العام ،ان الاشارات التشكيلية التي تنبعث من اللوحة هي مثابة لغة حسية بصرية حصريا حروفها العناصر في لون وخط وفضاء وملمس، اما لمستها فهي الاشكال التكوينية الرمزية او المشهد الاصلي للموضوع، اما الايضاح اللغوي (بالاستعارة) أي النطق البصري فهي الحذاقة التأسيسية للبناء التشكيلي للعمل والمتمثلة بالحركة والوحدة والايقاع والتوازن وما الى ذلك... لذلك ومن هذا المنطلق ببديهيات الامور فأن مفردة العنصر قد تفقد ايقاعها الجمالي في حالة الاجترار المقيت ان تكرر بالاعلان عن هدف الفكرة المزعومة.. عند (وسام زكو) قد انتبه لعلاج ذلك الموقف ببناء مفردات مربعة ومستطيلة مختلفة الالوان كي تشكل عملية توازن  داخلي من خلال معاكسة الحركة والشكل واللون الا ان المساحات الداكنة المحاذية للوحدة الرئيسية (المثلث) قد اربكت عملية التوازن قليلا.. وعموما فأن امتداد المساحات الداكنة بشكل دافق الى ضبابيات مختلطة من الالوان قد منح العمل معالجات نسبية كما ان النقاط القصدية الدقيقة قد منحت العمل عمقا فضائيا يسحب المتلقي لمزيد من التأمل مما ساعد على انجاح المعالجات التي اقتضت الاشارات التي ذكرتها آنفا، والحداثة عموما هي امتحان وتجريب انها ضرب من الاضافة والاختزال والرفض فهي قائمة على اساس التفكيك ثم الاعادة في صيغة البناء الجديد، لذلك فالعمل الاكاديمي اذا كان الخلل يكمن في النسب والاداء اللوني فان الحداثة تعتمد على اسس الفن التشكيلي المتمرس.. والذي يقتضي اثر سياق الايقاع الرتيب الى الايقاع الحر، زيادة على الاختلاف مع القواعد العامة لهذه الاسس من بؤرة مركزية لوحدة الشكل والسيادة بالمفهوم الكلاسيكي او التوازن الشكلي كاعمال روفائيل مثلا عندما يضع طفلين ملائكة على جانبي (مريم العذراء) لتشكيل توازن شكلي...ان التحرر من هذه الاسس لا يعني العزوف عنها كليا فالانسان لديه عين تبحث عن التوازن والحركة والايقاع والوحدة بشكل فطري.. ان هذه المشكلة قد وقع بها كثير من الفنانين الشباب الذين اختاروا التجريد لتحقيق ضالتهم في هذا المجال، وعموما فان الفنان وسام زكو قد حضي بنتائج تشكل مشروع لاعمال لاحقة يحدد مسارها هو دون تنبيه فالنتائج تأتي من مناخات المنطلقات العملية الجادة او تولد التوثبات والانعطافات المفاجئة من مطبخ المشغل المنتج عمليا.. وفي اعمال اخرى للفنان مسحة لونية عامة تختفي تحت اجوائها الرموز التكوينية فهي اشبه ببقايا اطلال تشظت تحت اجنحة الظلام ..وعموما هي بناءات تكوينية لا نزعم انها محسوبة بذات الدلالة التي اشرنا لها ،ولذلك فالفن التجريدي بهذا الاسلوب تحديدا تخضع مفاهيم تفسيراته الى ادراك تذوقي اكثر مما هو ادراك معرفي –مشهدي- محدد واذا كان الفن السيريالي مثلا يبقي المتلقي مشغولا ومشدودا للبحث عن مكنونات المشاهد المبهمة والتي نثير الفضول في ارجاء المشاهد اصولها وتطابقها الذاتي مع مقاصد الفنان، فان في الفن التجريدي يبقى المتلقي يحلق في محصلة انعكاسها الجمالي، الذي لا يكلفه العناء للتأويل والاحالات الرمزية غير المباشرة والرمز عند وسام زكو يطرح نفسه بشكل مباشر دون عناء او تحريف لغزي فالصليب ذات دلالة عند العراقيين معنا يرتبط بالعمق التاربخي قبل استخدامه كرمز ديني عند المسيحيين، غير ان هذه الطروحات الرمزية تختفي حدتها تحت عفوية المناخ التقني للعمل الفني.

الاهداف:-
تكاد توصلنا منظومة البناء الشكلي والجوهري للعمل من خلال الحديث السالف الذكر عن المداخلات البنائية لصروح العمل من عناصر، لون ،شكل، مساحة، فضاء والتي تبث في داخلها دفق معرفي حيوي، او الذي يقتضي ذلك ليدب الحياة فيها من حركة وموازنة ووحدة ،اقول يوصلنا ذلك بالنتيجة الى حقائق غائية مفادها المصداقية في التعبير المجرد،فاللون عند الفنان ذا دلالة خاصة عند الفنان توائم رموزه الموضوعة، وبالرغم من توزيع اللون بشكل يحقق عملية توازن لا شكلي، وكذلك منح العمل في مجالات اخرى عمقا فضائيا للعمل رغم محدداته التجريدية اقول رغم ذلك فأن يعمد الى وضع الالوان الحارة في اسفل اللوحة وعلى جنباتها كي تحقق عملية الثقل الذي يوائم الهدف الرمزي للعمل، كما ان الالوان الداكنة التي تميل الى اللون النيلي يمنح العمل ثقلا يعمق ارتكاز المثلث الهرمي في اللوحة مما يمنحها صفة شامخة وهيبة شكل الزقورة او الشبح الجبلي ،ولذلك فالتطابق بين التوزيع اللوني ومنظومة البناء التكويني للعمل تحتاج الى سيطرة حاكمة عندما يمضي الفنان بمنح عمله هوية هادفة تنطبق مع مدلولاتها الفكرية ، أما الألوان الفاتحة والصفراء التي شكلت صفة العمق للشكل الرمزي منحها بعدا منظوريا يضيف بعدا اطول لقمة المثلث وفي السياق ذاته فان رمز الصليب قد تكرر باتجاهات حقق عملية التوازن والانسجام بين مدلولاته الرمزية من جهة وبين موضعه التكويني في العمل الفني، وقد يتحول احيانا الى ايقاع غير (استاتيكي  ) في الاتجاة وشفافية اللون، وعلى العموم فان القاعدة هنا غير ثابتة في التوزيع اللوني والشكلي لاغراض الموازنة والانسجام والحركة .
وخلاصة القول إنني أتلمس في أعمال الفنان وسام زكو دفق حركي تجريبي تتصارع التكوينات للبحث عن الاستقرار ثم الدينامية مرة أخرى، وفي سياق مناخ يلغي الارتباكات المبررة نحو التماس مفاجآت جديدة ناجمة عن فعل التجريد، والمقترن بدافعية الحس الجمالي الملتزم بالصدق الذاتي.