الجمعة، 12 سبتمبر 2014

الأوثان-الوثن الثاني [ فضاءات الغابة ] - عادل كامل

 الأوثان

الوثن الثاني
[ فضاءات الغابة ]




عادل كامل


[1]
بالغابة تفتتح البذرة أزمنتها .. احتفاء الأوراق بالبرق: أيتها الشجرة استمع لصدى روحي فيك: كلام الأرض وعرس الجنادب. إني أغادر إليك بالهجرة. ميتان في ميت .. انه العيد وقد اكتمل الرحم بالأعياد: وثن اثر وثن، وفضاء البرية بالعويل أغوانا، انبتنا فسوانا رماد للاكتمال.
[2]
     من زرع الحقل فوق الكف: من بدل الأحداق بثمار الأرض .. من علم الينبوع الارتداد؟ يا نفسي لا لوعة للغريب مع الغريب .. لا نسيب ولا فضاء .. إني أتنزه مع الريح: هذا ظلي غادرني/ لملمني/ علمني ثم آفاق.
[3]
     اكتم نجمتي كوليد لن يولد .. والأرض جمّعت بحارها: أيا يا خيال انشطر، فما للرمال للرمال وما للروح للروح: معابد القلب للفجر نثرتنا .. أخذت رمادها ونارها .. يا كوخي من أضاءك بالعتمة، وما زال الليل يحتفل بالكلمات.


[4]
     تسقط ثمرة فوق الأوراق: نجمة بلون النذر: الغابة ذبيحة، والنار تصالحت مع الأضداد. إني أفق يمتد بالأسماء  فوق الأسماء، وكل ينتشي بوسامه .. الأتون والراحلون في عيد، والنفس اضطربت بنسغ غابتها: بذرة البّذار أفاقت والرحم أينع بالمودات. الرماد رفع ساريته: أيتها الألوان من علمك الدهشة.. أيها البحر ألا تكف عن السفر. ارجعي أيتها الشجرة راضية بالأناشيد وانغلقي عليّ ففي الليل والنهار ذبيحان يتبادلان الظلال.
[5]
     أية شوكة لامست حافات البياض: أي طحلب راح يتباهى بالمرجان بتصنع: أي يا آلهة الماء، يا أوثاني، من اختطفي وعدني بالإقامة: طيف الزوال لوّن الشفق .. وجذور البرق بعثتني إلى السواقي. أي يا فلك الرحلة أنا لست بالمسافر، فالغربة دار، والبذرة كفن. وأنا بين البيادر والأعالي أقمت أعراس لامبالاتي.


[6]
     الشجرة أفاقت كبوق الحرب: يا للجوز والرمان والتين أقمنا الرحلة .. كل يوهم صاحبه بالرجاء .. ومن كتم كتمانه كشفته المسافات. يا نخلة أما من رطب للتائهة. هذه حنطتي وهذا عسلي والطبول تقرع .. وذهب الحقل عند الصيف أعطاني أسراره : كل يتشهى رماده .. كل يوزع أفراحه .. بينما القلب استوي/ انبسط لأناشيد العابرين .. فأين أنت ِ من ثمار الجنة .. أين أنت من حجارة النار ؟
[7]
     فتح المثوى بالمفتاح قفل الأفراح .. فخرجت البرية وطلع القمر: باطل هذا الغناء : فيا روح هلهلي أينما كنت .. فشوقي جرحني .. والأرض سكين: أيتها الغابة جرحي ينـزف، وكلامي فراغ.
[8]
     الوثن استفاق غابة، فصارت الأرض فضاءات: انه – الكوكب يدور يدور .. خفاياه أعلنت لا مبالاة الحدادْ. ليس من وثن إلا البحر مد سواحله فوق البراري: يا لأغصان الوعد.. يا للجوري الذي تجمّع/ انفرط لملمنا/ فرقنا/ وكتم الأسماء فوق الأسماء. ويا ليتني كنت البذرة في بذرة البذار: يا قلادة القرنفل من صاغك سوّاك نثرك لتكوني نجمة فوق الكف. انخلع أيها الفصل أيها الهذيان أنا الصائغ صمت الأغصان: هذه إذن جذور الريح، لا تاج لدى الأمير، لا مملكة عند الملكة .. فلمن روحي اشتاقت والأرض يباب.
[9]
     في الغيمة تسكن صخرة .. وفي وديان روحي دغل وبلوط وكروم: يا أمطار أسيرك نقطة؛ حيث حبيبي يبكي حبيبه .. فتقدم مني أيها الوثن وبدل الميت بالميت. أنا بي رغبة للإصغاء.. أيتها النائحة قبلي وبعدي من يبدل العاشق بالعاشق .. أنا الراحل في الجذر .. يا بذرة التفاح بي شوق لحبيبي: أتنوح على حبيب لم يكّونه الرحم ؟ لم تحمله يد طهرها الغياب. ها أني في الريح أحمل عويل الصخرة .. أنا الذي بّدل الاسم، إني أنا النائح، أيها الوثن العاشق الذبيح يا لتيك ورقة في شجرة، ويا ليت البذرة أفاقت لتبدل الاسم بالاسم،  فالبحر حمل غرقاه وغلق الباب بالكتمان .. أيها الظل هل ستتجزأ إلى ظلال: يا يد الحاصد أين منجلك .. يا عروس الذكرى أين كتاب الخاتم، ويا روحي لمن أعيرك وأستريح؟
[10]
     وتأتي غيمة تبدل الضريح بالضريح، والنائح بالنائح، إنما الأوثان تتبادل أدوارها: أيها العاشق غادر عرشك، لا أزهار في السفوح، لا بلابل فوق التين، لا أصداء فوق الكف.. يا جرح لا يندمل إلا بالسكين أو النار، أما من .. جمرة تساومك الانطفاء ؟
[11]
     فوق أية ارض صار المحراث يحرث ؟ البذور التقطها الطير، ويد البذّار غابت: العاصفة بعثرت الأسماء، إنما في القلب ضريح باتساع الأرض: لا تحرك الواقف .. لا توقف الذاهب: شوقي إليه أطفأ شوقي أشعله وطهره بالكتمان.
[12]
     أما من يد تأخذ بيدي: حقلي يتغنى بالبرق .. وظلي ينحني فوق الحشائش: يا عروس لا تنوحي .. الأغصان تشابكت.. وروحي سكنت الكتاب: أيها العابر خذ ظلك صوتك قلادتك خاتمك ولا تتركني في رماد الوعد: الكلام يجرجرني كذبيح، والصوت وزعني إلى عشاق: يا رمل الأرض ماذا تفعل للنجمة، والسماء ثمارها معابد ؟
انطفئ انطفئ لكي تتوقد: يا كوخي أفتح بابك، فالغرباء حدائق، والضيوف ينابيع فضة.
أما من يد تعيد لي يدي .. أما من كوكب يستعير هذا الضوء، قلبي بذرة وأنا في المهد .
أما من يد لا تأخذ لا تعطي فاستكين ؟
[13]
     واهن هو الفجر، مثل أدغال، فبماذا تنشد يا صوت: الوردة تسترق السمع، والكروم يوشي بالعابد. لا النهار ارتدى وشاحه ولا الليل آفاق. لا صفة لي إلا صفاتي : لا أعرف أأنا جرحت الغابة أم الروح بالسكين انتشت: لنقم الحاجز، لنهدم الجدار: لا الصوت بسابق الضوء، ولا النور أشهى من العتمة: عيد هو يشيد كوخه بالبراعم، مثلما هم ذاهبون إلى البراري، يا روح ارجعي، فالاستيقاظ آت، بالسكينة روضّي الخفقان، ما من صدى إلا الصوت، وما من كلام إلا الأصداء.
[14]
    أمطرت الأرض مطرها علىّ فانجرحت الأرض: يا نخلة ظللي ظلي: حبيبي نورس بين النوارس: شوكة تعمل في القلب. ضاع أنا الذي بسطت له الأعشاب، فمن ذا يعرف نورسه والغابة احتفال: مجداً للذي فيّ وضاع: عرسه برية وأنا عنده آخر الضيوف أول الماء.
[15]
     ليس ألذ ّ من خمر الصخرة إن أعلنت مباهجها: تين فوق تين .. وابل تتنـزه في الفضاء: القلب حجارة أسكرها النظر، والعرس وعد تربع عرش الرمال: يا لبذرة اليد الكريمة تؤنس الصدى .. وتتوج الصوت. هل سرقوكِ أم سرقوني يا بذرة الجرح أم كلانا راحلان في راحل: دع السؤال فحبيبي عندي اشتياق: اقتربت أبتعد فانا عنده. يا لشوق السكران بليل الغابة  لا صحو بعد صحوي ولا سكر بعد سكري .. ولا الضوء بأسرع من العتمة .. كلانا أخذنا الرب أسكننا البذرة .. وما أدراك ما الروح .. الاسم يمحو الصخرة .. والنائحة ستعلن عيدها، مثلما البّذار سيدفن في روح البذرة.
[16]
     هذه بذرة البذور أعلنت عن غيابها! وبستاني ضاع بين البساتين: تعال يا رماد دثر نطفتك: الماء أنجرح والنجمة أعلنت حدادها: أيها المارون لن اعترض سبيلكم .. أيها الأتون رفقاً لصدى كواكب انطفأت: القلب سفينة رقراقة .. والهوى ممرات فضاء. لا تفرحي يا شجرة الميلاد لا تحزني .. اليد لا تبصر .. ونبع الينابيع فاض بالرمال.
[17]
     مثلي الشجرة ارتوت بيبابها: فعّيد يا عيد الأعياد: العرس حفنة ذبائح، والأوثان تنحني للأوثان. لا تكرر نسلك أيها العاشق الجميل: رائحة الورد توارت .. تكاملت .. ثم عادت تكتب فوق الأرض أسماء غائبيها: الميت لصق الميت زنبقة: يا آخر نسل هذه البيادر أما ارتوت الينابيع؛ أيتها الملائكة تجمعي إنهم يحرقون الحدائق .. وأنت َ يا من تبصر بالفولاذ تذكر أن يد الريح لا تعرف المسرة أو الأحزان. يا يدي من طهرك لتكتبي نشيد هذه الأعراس.
[18]
     أيتها الثمرة الشهية أهذا هو احتفالك: ضريح فوق الكف .. وآخر هو الوعد: أهذا عطاء الباذخ في عتمة ليل الإنسان: أشجار تمحو الأشجار. وبذور تصطاد البذار في آخر المطاف. ألا يا روحي غادريني، إنما خذيني معك، فجسدي صار هواء، وكلماتي تمحو كلماتي، أيها النور ابتعد .. ابتعد فليلي عروس، فجري وثن، ونهاري رماد.
[19]
     من ذا يقول للشجرة: خبئي العاشق بالظل بالجذر والشجرة هواها فاض. أفتحت الثمرة باب الساق أم أغلقته .. وليل اليد بالنجوم تسوّر، انكشفت الذاكرة، الأغصان انحنت، والأمواج تدثر عاشقها بالأمواج. من هذا الممحو الطالع نحو الرمال، اهو أمير .. أم النفس اضطربت بالكلام؟
[20]
     الموجة تأخذ ظلها وتغيب؛ فمن ذا ينادي تدثر .. تدثر.. تدثر بالبرد ؟
[21]
     انشطر الظل فأفاق العاشق .
[22]
     ثمار الوعد فوق الحشائش خلعت ذاكرتها. لمَ يا بّذار بذْرت الفصول، والشفاه مازالت ترقد فوق البرد. يا لمحنة من امتلك غابة .. ويا لشقاء من صار هو الغابات.أجئت تدق الطبل فوق الأسماء، الممحو أمير، والموجة اثر الموجة تشيّد معبدها .. تعال اليّ مع البرق، أنا البرق، تعال النار تتشهانا. هو ذا رمادك يكتب تاريخك ويغادر .. فمن ذا يكتب تاريخي .. من ذا يأخذني إليك وأنت معي ؟
[23]
     من ذا أمر البرق بإيقاد الرماد: البذرة غافية، والروح ثمرة اكتمال: يا مطر لا تسقط فالكروم صاغ عرشي. يا شجرتي .. هذا الوثن النائم لمَ زحزحتم رأسه ! أنار الحارس نهار الكف وختم على القلب بالصمت صولجان النطق.
[24]
     طلبني للوداع: المحراث يدور بقفل الأرض: يا بابي انغلق، العاصفة في الثمرة: هنا: استدر واصنع لنا هيكل الرماد: لوّن الزمردة بالأنثى والنشوة بالطلع. اهو عرس معادن أم سرة حداد يطرق فوق القلب: لمَ جرحتم الجريح / وقال القلب النائم دعوني أكون الاستيقاظ. وقال النائم للقلب غادرتني الروح آخر المطاف .. فلمَ جرحتم الجريح. وقال النائم في النوم انثرني يا برق في البرية .. كوكبي لدىّ انثنى ومن صنع خاتمي أخذه .. فلمَ جرحتم الجريح ؟ وقال النائم للريح: توزعني .. الامتداد بيادر .. وطيور الليل سكنت. فلمَ جرحتم الجريح ؟
[25]
     صار العاشق ورقة، والريح سكاكين: يا برد لا تغادر ذريتك .. المعبد بالنذور امتلأ .. والفضاء بالنرجس تطرز .. لا تغادر يا برد انه عيد الأعياد. فالموت تشهاني قبل الميلاد.
[26]
     أي نبات هذا الذي أضاء لبرهة .. أي نبات هذا الذي انطفأ: أي يا قلب ماذا فعلت بينهما ؟
[27]
     بجلد النمر أم ببنت الموت سنـزينك يا وثن: وردة الروح بلا اسم .. والصخرة فوق الصخرة سراب. بأي الشجيرات نواسيك / من أعطى ومن اخذ، من انار ووزع علينا الليل: خذ ثوبك/ قبرك/  بحرك/  عرسك/  نخلتك/  نجمتك/  خذ ما شئت إلا الصخرة والاسم الذي فوق الأسماء.
[28]
     علمني الصمت ثم تركني أتكلم: من ذا يغوي جند الليل بالإصغاء. علمني الكلام وتركني غابة صمت.
[29]
     بالفجر جرحتْ البرية: يا كلام من صنعك/  حيرك/  سواك/  وزعك ثم محاك: الم تك بالنشوة يا حرف تمتلك الكتمان. ويا بذرة المرأة الم يك وعدك الاستعارة: يا خاتم اليد استدر، ويا نجمة غادري، ويا روح ابحثي عن فضاء.
[30]
     اكتفيت بكوخ فماذا افعل بمملكة: أيها العاشق أيتكلم المرجان، ثمرة التين وسنانة، والطير اسكر الأعشاب. يا معبد اقفل قفلك العابد نائم، يا فصول خذي ثمرتك، فصل العابد في الخاتم، والنائم كف عن الأحلام.
[31]
     بالموت الملكة ختمت كتاب الكلام: لا الليل لا النهار يتبدلان، فالجريح آفاق: تعال خذ المفتاح تعال هات ما عندك من داء: العاشق انحنى، الوثن آفاق. وأنت يا من تبصر في الرمل لا تقطف وردة الميت .. بدموع الرطب اكتب فرحنا .. وبالريح انشد صمتنا، وعلى الرمال اترك خطانا للقادمين.


[32]
     أهي الجنة تتشهى الغرباء، أهي النار اصطخبت بالعابرين: أي .. يا من في البذرة .. أي .. يا من في الجمرة أيبدل الليل بغير الليل. إني ادعوك لنفسي يا وثن، صبرّني، قلبي اشتاق الىّ .. قلبي اشتاق. أيبدل النهار بغير النهار: ادعوك بدلني اشتاق قلبي اليّ .. والىّ اشتاق المشتاق. فمن ذا بدل الليل بغير الليل ومن ذا بدل النهار بغير النهار والكف ما زالت فوق الكف .. يا خاتم الرمل ترطبت الروح والأرض يباب .. الضوء ملأني عتمة، وأنا صرت رماد.
[33]
     كلام الريح أطفأ كلامي فيا الصمت تدارك .. قال الرمل بالجذر استقام العويل: الذاهبون العائدون قابعون في ثقب إبرة، وقنديل اليد أضاء الطريق. أي يا وعد من نقشك، من صاغك .. أي يا وعد من محاك؟
[34]
     ويوم ارتدت الأرض غير ردائها: طاف عليّ صناعها: يا جنة غادريني .. صار الغبار كلامي لا كلام لدى .
اعرف من يسكن الوردة: الجنة مأوى الفقراء مأوى العشاق: والآن أنا أعطي بذرتي للبذار واسكن الأرض.
[35]
     من ذا يجلس عند الماء ويبكي: يا نخلة أنا ثمرة الجرح. الصخرة قالت: اذهب .. يا ماء أتنحني للماء. أنا كتبت الاسم فوق الاسم، وقلت هذه إشارة، أنا محوت المحو وقلت هذا هو الكلام.
[36]
     لمن النذور ولمن الحناء: حدائقي ارتدت الليل .. والينبوع اضطرب: أين الصخرة الأولى أين صحراء الضحايا: الميت نهض والبرية امتدت والبرق على الأبواب. يا كف التراب أما من عيد آخر. ألا يا غيمتي غادري فالباب دار ، وحمامة روحي اكتمل نضجها ، هذه عروسي عندي ، فتحت لها فيّ مأوى .. فاسكني راضية بالنسيان. الأمراء عادوا والبرية في روحي مزرعة أعراس.
[37]
     من يبدل القلب بالقلب .. من يفتتح خاتمة الليل: يا نشوة المنتشي بالكلام: هذه إسرار الماء: كل الشموس ستترك خلفها الخيط المبهم: الفجر برهة عيد، والفضاء بالكتمان يختتم الابتداء.
[38]
     تعال سوّرني بقلائدك: الرحم فكرة والقصائد غبار. نبأي الكثبان اغمر مثواك وأنت فيّ، فبأي، وليس عندي أشجار، الجنة والحجارة تصطخبان: يا باب الأبواب من يبدل الفكرة: من منح البحر وسام الغرقى .. ومن يأخذني إليه أنا الذي شيدت له الدار، أوقدت قناديل النجمة، زرعت له الأرض أناشيد. كل كلام مداه فضاء ، وكل كلام مداه فرح: يا مفتاح الماء أعندك حكمة: النهار أضاعني والليل كشف الستر: ها هي البادية تنسحب إلىّ ارتعاشة مثل قلب يدور خارج المسار، ويا أنت الذي قلبي له مولع من فصل الظل عن الظل: الحكمة أوثانها لا تحصى. ويدي فوق العرش أضاعت خاتمها. كل آتٍ سيترك اسمه ويرحل: غرباء لصق غرباء، وجمر الكلام نياشين وعود. أشجار الصبير أينعت .. فهل لنا عيد.
 [39]
     من تهدم، المعبد أم العابد: كلاهما ذبيحان: هات سيفك واتبعني . لا دعوة عندي وأنا الغابة ، لا أسوار عندي وأنا الفضاء: يا ارض متى تبدل الأسرار بالإسرار. اصطخبت العتمة، وبذرة الجمر لم تشهد الميلاد.
[40]
     غادرت النار مسكنها، والماء اضطرب: ويوم يبدل الخاتم بالخاتم، والكف رمل، تنهض جمرة الحجارة .. يوم تمحي البيادر بذورها، وتصير الأرض غير الأرض، تأتي عروسي برداء الموت، ثم تصطحب وثنها، شجرة بعمر الأرض متوجة بالبرق. والبحر يحتفل بميلاده : يوم يتنـزه الغرقى بالفلك ، ليلة تخلع الملكة تاجها يتساءل الكاهن أكل هؤلاء الأسلاف يكّونون محوهم: يا عذراء المعبد يوم يغير التراب بتراب، والنفس بنفس، تجتمع العاصفة في ذروة فضاء: معادن الروح سوّرتنا: لا الذهب لا التاج لا نياشين المرأة بوعد. وأنت يا حفار لمَ لم تبدل القبر بقبر: نفسي اشتاقت لوثنها: نوحي يا كف، ارقصي يا آثام .. بالختم الأخير تولد الأختام: رمل وياقوت ورياح نوحد بها الأضداد.
[41]
     وهن الفجر أم وضعت الحجارة أوزارها فوق الحجارة. هو ذا جرح الأرض يفتح بابه: الغابة قامت والأدغال انحنت: هو ذا عيد قطاف الروح: قام الميت لاستكمال الميلاد، وعروس البرية وهبت معابدها ونثرت اسمها فوق الأسماء: يا جند الليل إذا عثرتم على حبيبي فانا عنده، وثن اثر وثن تتهاوى التيجان.
[42]
     الاسم يمحو الاسم والفلك تناثرت: اهو القربان: توزع يا شتاء على الفصول، البرد تاج الغابة، والعرس رماد الأمطار: فقل للقلب الراقد في التفاح لملم الجسد بقاياه للإقامة: من يشتكي من والشكوى ذلّ: ابرق المبرق حجارة: لا شجرة خير من شجرة . المنسيون حشد جند بصفحات بيض، والذين لم يلدهم رحم الأرض أقاموا حفل الاختتام. فبأي الانباء تقاتل، هو بُدل العرش بعرش: يا ملكة وهبت خاتمها أيبدل العيد بعيد، والغابة برماد. أيا نفس ارجعي إلى بذرتك راضية مرضية، فالآثام زمرد، والأخطاء ثمار.

[43]
     الكتمان فضحني .. والنهار سورني، لا فضة تدور حول اليد ولا قلائد عند الينبوع: حبيبي الذي أحب .. عندي.. غادرني معي .. أخذته منه إليه .. وعندي نذور عيد.
بذرت من بذرت لكيّ يكتمل العيد: يا شجرة تعالي نتقاسم برد الحرف: الكلام جمعّني ،
والصمت نثرني، فأين يدي من الأحلام ؟
يا كاتم كتماني تعال اليّ. الوردة انغلقت .. وقفل الباب دار على الباب. تعال اليّ: أنا المفتاح وأنت الباب.
[44]
أضيعنا الضائع أم هذا عرش ابتداء: يا تراب ادلني عليك: سري أضاعني بسري .. وصمت كلامي صار احتفال: من كان عهدي هجرني اليّ .. ومن كنت عهده أضاعني عنده. الباب بلا قفل .. ومن أغواني كف عن النشيد .. يا مدن مسورة بالبراعم .. لضريح حبيبي نذر. دعنا معاً لا قسمة بين ميتين. لا اللاحق بسابق الأول، ولا الأول بمنسي عند بكاء الأشجار: أمطري أمطري تساوى العاشق والأرض. يا برق ابرق برقاً .. فانا اشتقت لصخرة تدلني عليه. يا جند الليل سرقوني فمن يعثر عليّ ليضعني عند حبيبي فهو السارق مثلي وأنا صاحب الملك.
[45]
     وحدني الدغل بظلي: هو ذا فجر تنحدر منه الينابيع: يا نشيد أية رياح دفعتك لبريتي، أية عاصفة أخذت، وأية أمواج وحدت الغريق بالغريق .. صرت معبدي: فمن ذا قلد جيد الفلك هذا العويل. قلبي لؤلؤة: ويا حرس الغابة لا تسوّروني .. بابي استدار، وأنا أعطيت القفل للرياح. ليدخل حبيبي معي أنا الميت .. فالأرض قيامة: ومن ذا يخرج الميت من الميت لتصير النار حجارة: أكل هذا عويل إقامة أم استرخاء فضاء ؟
[46]
     بكتاب الصمت ختمنا سر البذرة: لا تسرق قبري فعند حبيبي نذور .. روحه إن دخلت كوخي تتوقد كفي فاكتب فوق النار تاريخ الحبيب.
[47]
     أي يا غريب أعثرت على الغريب: الأشجار ائتلفت .. والرمل تجمع .. والأعياد عيد فوق سكين. أي يا غريب أضاع الغريب: إذن من أعطاني الكتاب وقال هذا ظلي فلا تخف .. من علمني أن ابقي فرحان أمام الأوثان .. أي يا غريب أنا عثرت عليك .. ثم محوت الأسماء.
[48]
     لا الفجر بآت ولا الليل بلا حدود .. كلاهما يقيمان في الشجرة .. وارى بين الموتى ميت يعطيني ثمرة: عيّد هذه قيامة العابد .. تنحني العاصفة توزع نذورها وتأخذ منا ما أعطت. لا الليل بآتٍ ولا الفجر أطال البقاء: روح من رفرفت حومت غنت: وكوكبان في كوكب .. روح أنارها النور ثم تلاشت/  انتشرت/  تجمعت/  واكتفت بهذا النشيد .

[49]
     بالعاصفة الرمل امتلك سره، وفتحت الصخرة أبواب. البذرة أفاقت، وموكب الملك استدار. يا نفس ما الذي فعله الشوق: أهذا فعل نجمة أم برق ؟ يا لغة تجمعي في جملة في حرف. فأبصر الدغل الكلام يتنـزه. الأمطار تخترع قاراتها: لغة فوق الماء وحروف تجرجر إلى المنفى: الباطل باطل والغناء اخترع نياشين العرش: هذه أميرة النور أضاءت فأوقدت وأطفأت عشاقها وكتبت ومحت فأخرجت الأرض ذرية الرماد الياقوت ووهبت البحر صواري واليد حكمة: يا أميرة تتنـزه منفردة بين العواصف أما آن لك السلام .. النذور نذرت .. والوادي كف عن العويل. جند الليل أخذتهم سنة نوم .. والجذر توارى في الجذر، أما آن لك باسم الطالع فتح باب الروح بمفتاح الإقامة: فعل الموت أينع الكروم .. والغابة بالعطر تزينت: هذا خطاب العرش بالخاتم أقام الملك: ويباب القلب أعطى أهدى وهب فاكتمل الميلاد . . أما آن للروح فتح باب الإقامة .. أما آن لها أن تستريح ؟
[50]
     وقال الماء للكلام خذ ثمار البرق لها خذ حصاد الذهب خذ ما في البحر وما فوق الأرض وخذ لها منك خذ سلامك فالملكة غادرت عرشها: البرية امتدت والقيامة قامت. أتكتم الكلام الذي لا بد أن ينطق. النخلة انحنت للوليد، والسلة تتنـزه فوق الماء. يا عرش الروح أبصر من أوقد قنديل الليل؟
وتأخذ الكف نذورها إلى الفضاء: السلالات تناثرت، الملكة عادت، فمن ذا للمعبد يعيد العابد. لا الجسد يغادر لا الكلام بشافٍ، تزاحمت العتمة فوق العتمة .. والبيدر فوق البيدر.. احتفالات في الينابيع: يا روح أتتشهين المحنة والحاضر غاب .. ومن في الدار أخذ الدار: يا تلال يا أطلال روحي اشتاقت للسلام: وتمحو الريح الكلام، والصخرة بالكتمان أعلنت فاتحتها، فالعاشق في مملكة العشاق غريب.
[51]
     من اختتم الحفل من كشف سر الوردة: لا أشهى من قبلة الأرض وفي المعبد احتشد حشد الأميرات، نسوة الحقل حول التاج، خطفن لذة الاستقامة ؟ وتنهض البذرة بالطوفان، غردي يا شجيرات عرسي يا أشجار البلوط ارقصي يا زنابق ويا لغة جمعيني في حرف: نسوة الوعد فقدن الذاكرة: لا مرعى للغروب لا جنة للقلب. أميرة الحصاد أميرة تبكي البذرة التي ماتت. يا معبد الأوثان لا تطردني من جند الليل. أسلحتي عند العاشق، وأنا عدت من الحرب بكف الأسرار: خذ نياشيني لا ابحث عن تاج فلا تطردني من الحرس الليلي. اللذة فارقتني، وأعالي الروح اشتعلت بالفجر. افتح بمفتاح النخلة كوخي .. فيه خبز وتمر وحبيب ينوح على الحبيب ، مدني خاوية ، والحرب أخذت/ أعطت/  وزعت/ قسمت/  أجزت/  نذرت/  وفاضت بالأسرار فلا تطردني من جند الليل، فانا سأحرس ظلي الذي قام على الأرض. في قلبي الحب برق . وفيّ ظلام ذبائح .. فقل لأميرة الحصاد قل لملكة الأنهار، قل لخاتم دار على الوعد أني سأعود أحمل برقي وابحث عن الصحراء عن مأوى: الفضاء حاصرني .. والرمل نبي، الغزلان صرن ينّشدن: التائه يتتبع التائه.. فمن يعثر عليّ ليسكني الجب .. يا سماء اختتمي بلذتك علىّ آيات الابتداء.
[52]
ارتوت الأرض بالبرق: هل راحل .. هل من آتٍ : ليس للمرأة عدا فضاء الثمرة .. تذهب الغابات والبحر يهاجر.. والغريب يمحو الغريب .. عدا المرأة لها استئذان الإقامة. هل من ارضٍ ارتوت بالبرق. البنّاء شيد حكمة النار .. وبالعرش تفككت مراسيم الدفن، عدا المرأة فلها سر الأسرار، تلد لك الشمس وتتوج القمر .. تسّير الفلك، وليس لها اكتمال.
[53]
     أتنوح الأرض أم العويل صنع لنا هذا المسار. أشاطر السياف أن يأتي إلينا. ذبائح تنتظر، ووثن أفسده المثّال. يا كل من انتظم في نظام: روحي اشتاقت للمنفى. فمن يكفن فنائي بيرق القرنفل، بزهرة لوتس ، بسدر الأسلاف .. ما من صدى للأصوات، والحروف اختلطت على الكلام: الحجارة تبعثرت والقبور نثرت والأوثان هدمت. يا زارع الأوثان تعال الىّ بمنجل، أيها الراعي اعرني قطيعك، ويا مدن سورها الجند من يفك عنك الحصار، وهن السامع، والكلمات وئدت قبل الميلاد.
[54]
     من اختطف من: شهدْ الغواية أم انتشاء الليل: يا غيمة كفي عني ويا نور كفاني النور: حبيبي سكنني، وأنا عنده عيد: أيها الحاصد رفقاً بالساق رفقاً بهواء الحصاد، البحر هدّأ سره، ورحم الموت كف عن الشكوى: القيامة قامت عرساً، وكمن صار الموت ذكرى عنده أفقت لا أفراح لا أحزان: أيها الكلام خذ كلامك وارحل: المجهولون يولدون بالبرق، وبالنجوم تعطر الذبائح، والميت قام .. هذا حبيبي سكنني وأنا عنده دار. يا محارب من قتل من .. يا عاشق من هجر من ؟-: حبيبي لملمني  فانا عنده معبد .. فلمَ الكلام ولمَ الصمت .. امن كلام أمن صمت ؟


[55]
     مثل ثمار لم يصغها صائغ، ختم على الكف خطاب الأعياد: أيا امرأة البرية تعالي بالغابة اسكني وثني، فالعابد أضاع المعبد: والمخلدون في الطرقات يتسولون. لا الملك براضٍ ولا الرعية صماء: ماء النبع كلام فناء ، والمرأة لا تلد إلا حجارة: يا جند الليل أنا السارق أطلقوا النار عليّ، حبيبي فيّ وضاع، فماذا افعل بالنذر المنذور، والموت لم يتعبه الموت: المرمى باتساع الأرض أما من سلام للذي أخذه التيه: ضاع الذي فيّ وأضاع: إني اجلس قدام البرية احرسها، إني انذر روحي لوليد لن يولد، ولكلام لن يقال.
[56]
     ويأتي الطوفان بالنرجس والزنبق .. بالجوري وبثمار لم تصغها يد الغناء: يأتي بفتىً يسعى، وبشيخ كلت حكمته، بفتاة حقول، وامرأة أطفأتها القبائل. أيا طوفان عد بنا عد: حقولك التي أينعت جفت، ثمارك سرقها الغرباء: فتاك أكله الذئب وشيخك كفت عنه الحكمة وبالسم مات، فيا طوفان تعال خذنا إلى ماضيك أو دعنا نحملك على الأكتاف.

[57]
     ظل الغابة آفاق: فرفرف جناح الود فوق الود: نوّر النور قلادة الحبيب .. وبالوردة الصخرة أخذتنا إلى البراري. الحقل بالاسم دوّن كتماننا .. علمنا الحرف، صاغ خطانا: أيا صانع الانباء نبئنا بالنبأ، ما من نار ودخان .. وما دخان له جمرة.. ظل الغابة آفاق: سوّرنا الساحل، وبثمار الحقل صاغ الصائغ منها الأوثان.
[58]
     هل كفت البذرة، اكتملت، وغابت عن ظلها: انشطر الهوى والرأس لؤلؤة هواء. يا غابة لا عمر لها .. الجرح يجرح مرة، وبالاسم يدّون، وترمم، شظايا الكف كهف رذاذ خلف الأصوات لملمتنا، مرة، ونثرتنا حتى اكتمال الفضاء. وللعطر، مرة، ملذات قلادة، مذاق الخاتم بين يدي الوثن، مرة، له، وللبراري المدى تبادل الفصول.
[59]
     أتواسي التائه .؟ يا غيمة بدلي مسار الظلال .. أنا الماء الكروم الصحو أنا المعبد ولي في البراءة مفاتيح وحدائق: حلوة أشواك الحناء بيد العاشق : يا عبد أكفنك بالعرس: كاهني ترك لي الورقة وقال اكتب: يا كاهني الدنيا ليل والكواكب تراقب. وبالصخرة بدلت الأسماء: يا جند الحدائق اكتمل العرش .. من أحب سود وردته وغاب.
[60]
يخرج من مخبوء فيّ .. ارتوى بسلاح دخان الطين: أيها المحارب دع نياشينك: من ذا يستمع إلى عويل كوكب لا وجود له: أنا هذا الصوت: نحن المسافة. خطفك الضوء تارة وها أنت تخطف الليل. دع عنك كلامي: عارٍ هو الصوت؛ من أحب جمعني/  فرقني/  سواني/ قسمني/ علمني ثم محاني وعاد: هو ذا أنا مثله: نجمّع أوسمة الآتين قبل الميلاد: زمردة فوق بساط الآثام: أيها الجمال من روضك يا نهر شاخت ضفافك وما كبر العمر. وبين الموتى سنبلة أينعت قلت لها: أوثان.
[61]
     من لملم من ؟ حدائق الأسرى تسوّر بالياقوت : يا أزمنة تجمعت في حبة قمح: هذا فرحي، فمن سرق مزمار الجبل .. من أغوى الماء بالصمت .. من طرد الجمر .. من جرح الأرض.. كلانا تاه في المسير. أغلق المعُبد بالموسيقى قلب العابد.. يا أيتها المرأة الهواء رحل، والغابة منفردة تشّيع ملكتنا: إلى أمام إلى أمام يا فتيات الحقل ويا رعاة ارقصوا بالصمت ارفعوا جنازة وانقشوا في الذكرى وصايا الرمل.

[62]
     وكانت قبل الطوفان أميرة .. بلون الغيمة نقش لها النقاش الذكرى: أقامت الأرض لها المعابد .. بهدوء لون الفيروز انحنت المياه لها: بلون الحقل بعد الطوفان فتحت الأرض لها الباب: يا نفسي عودي اصطخب العمر .. لم تجد الأميرة أميرها: يا نفس اصعدي الجسد وهن والروح لوعها الضياء. فشيدت بالوردة قبر من أحبت وبالغابة أثمرت صمت الكلام.
[63]
     لعربتها تهبط إليها الأعالي طرقات: ملكة الماء عادت .. ملكة الصخرة خلعت حدادها. بحشد الحصى هتفت الأعشاب: عيّد أيها التائه .. عيّد يا كوخٍ بظل النفس، حبيبي عاد .. ليس هو بالثمرة، هو ظل قفل، وبالغرقى دار الباب.
[64]
     بالصمت تخترع لغات البحر: عاشقان في كفن: يا مدن تتكوم فوق المدن .. وأجساد تحشى بالأجساد، انشق الجرح بلا دخان .. لا عاشق لعاشق .. وبالصفر تخترع الأرقام.. فيا نفس من لوعك من أرضاك من ملأك بالثمار. ارجعي الأرض جناح حمامة .. ويا حبيب الشجرة، الروح أثقلها الضوء .. وهن فوق وهن .. الجسد غادر .. والكف يباب: يا حبيب الماء، لديك الولد، القمر، فاذهب بالفلك إلى الجنة، حبيب النور صار تراب: ها هي البذرة وها هو البذّار .. كوثن يمسك بوثن نحو معبد الأوثان.
[65]
     من يشفي جرح السكين إذا الوردة أفاقت: بين الرمل بذرة .. وبين ضريحين ضريح، غريق جميل آفاق .. وبالسكين الوردة تكتب .. بالعتمة لنور الماس اشتقت: أي بريق هذا يا حجارة .. من أغوى من .. ومن بالمدية أباح للروح اكتمال الفصول: يا للهجرة .. هل من هجرة ؟
[66]
     باح السر بسره والكتمان توج تاج الملكة: أي يا من تقطف بأي روح ذهبت إلى الحرب: هذا حبيبي اختطف نفسه مني، لا سيف لا وردة عدا بذرة بذّار ميت: هذا رداء عروسي كبحر ملأ البرية بالبرية. يا كلام تعدل: يا قنديل هب لنا العتمة: النور وشاية، ومن اصطحبته إلى الوديان توارى: يا عزلة الحكيم تطهري بالعزلة .. لا عيدُ إذ الهجرة عيد .. لا غياب إذا الغياب غياب.
[67]
     والغابة لمتنا/ جمعتنا فكانت بذرة: لا بذّار في الأرض عدا البذرة: روح رفرفت ومضت، والاسم فوق الاسم كالصخرة لا جذر لها إنما أعماقها الأرض: لا اسم لك لا مكان إنما بتاج القرنفل أعدت نظام المسرات .. إن غادرت أنت معي .. وبروح الطوفان يصاغ الخاتم .. تطهر الكف .. وتتجمع اللغة في حرف.
[68]
     لا لوعة عند التائه .. البئر يكتم السر ويبوح بالماء: تعال يا حبيبي الغائب فيّ، ميت في ميتين: صخب الحرف تناثر.. توزع كماسة: هل من سؤال يا حجارة .. يا أشهى النساء النار ارتدت ثوب عرسها .. وبعربتها رسمت خرائط المودات: نخرج بالعتمة نبارك نور الأنوار: الميت يأتي بالنورس.. والحي بالتاج: العقد انفرط والغابة بسرها وهبت الثمار: سأذهب إلى الذي فيّ: أناشدك .. أناشدك بنشيدي لا لوعة عند التائه والبئر يكتم سره بالماء.
[69]
     أهذه جنة أم انثلامات : دع العيد يقفل بالقفل جرح الغيمة: البرية بحر وكف: مدن تنتظر الطوفان. أهذا جاء بفعل البرق: ضوضاء الصخرة وعويل الأوثان. يا نفسي اخلعي الرداء، الجلد تزّين .. والعقد انفرط .. وقلادة النوارس هاجرت.
أيا كاتم كلامي دع الأرض تتنـزه، إني اشتقت إليه فقد أخذني وغادر. يا كل الرمل الماء، أخذتني سنة نوم، لا أحلام إلا في الأحلام .. والميت أدرى بقرع طبول الميلاد .. الملكة باعت أساورها .. وبأسئلة الغرقى، أغُلقت الباب.
[70]
     ما الذي تقوله الورقة للورقة: أنكتم ما كتمناه ؟ البذرة اكتملت فاشتاقت والأرض بالميلاد يباب: المسرات تساوت توازنت وكل لحد بعد لحد هو احتفال: انشطر الواحد ليتوحد: هو ذا فجر نهار العتمة .. فيا نار أما من مزيد .. أعطت فأخذت.. أما يكتفي الكلام بالكلام .. أخذت فوهبت.. أما تكتفي الأوثان بهذا الوثن الجميل ؟
[71]
     ما الذي توحد ما الذي تفرق: في الرمل أعراس وفي البذرة منافي: قل للماء أني أتفرق أتوحد وفي صمتي احتفال: يا غابة ترقد فوق الكف .. أي فصل هذا بين الفصول: الملكة بحاشيتها اصطحبت ظلها .. وبالحجارة تصاغ الحكمة: من هذا الجميل بين الموتى: من هذا الممحو. ويكتم البرق في الذرية شعائر الوداع: القبائل تخاصمت تصالحت وفوق البرية تفرقت..
وهن على وهن يصير العاشق مثوى وتصير الظلال مزار: أيها القبر الذي جمعنا لا تفرق كلام الأشجار: انها تهمس همساً: أيخاف الباب أم الخوف يخاف الخوف: ظلام كلام في الغابة .. فالباب عارٍ والمفتاح رياح: ومن أحبُ لا يعلمُ أأضاعني أم ادلني، مثله، لا اعرف أأنا الأرض أم الأرض أنا. أيا نفس دعي الغيمة تذهب. انشدي وانشدي، لا تمسكي بالصوت .. لا تربكي نظام الفجر، كل راحلٍ ليرحل .. كل آت ليتقدم .. في البذرة احتفال وفي الرمل جنائز: يا ياقوت الوعد ويا قلادة العبادة، الوثن يتتبع خطاه، والصدى لا يكتم صوته.
[72]



     ما الذي شغل البذرة: المعبد أم الفضاء. بكتمان البرق ازدهرت الغابات .. احتفلت الفصول .. بكتمان اليد كف القلب عن العويل. أراض يا تراب عن رضاك. تتنـزه مخيلتي فاستدل بصداها: لا أمطار ولا يباب. الغفلة غفت وعفت وسكنت ثم باحت بغفلتها: كلام لغة: أين كنت إذن عندما فاض القلب بالحدائق: تركك الجدار وصرت مثل نبي يتعثر قدام المحرقة: تقدمي يا نار يد الأعالي سلام. فمن شغل البذرة حتى وهن الخيال: يا حبيبي فرقنا القبر فرقنا الميلاد فرقنا الصحب فرقنا العيد فرقنا الماء فرقنا الهواء. يا جند الليل حبيبي فيّ وتلك شكوى: يا صخرة روحي أنت لون البرق قبل البرق فمن ذا يدلني على غفلتي: حبيبي فيّ وضاع، وبغفلته اجتمعنا نقشنا فوق الصخرة كتماننا بيادر وأعناب، حبيبي أخذني وتركني ابحث عنه. زنابق رماد.


[73]
     استفاق البحر فوجد فلكه غادرت: أين تذهب يا ملاح والعاشق في غفلته أضاع العاشق، يا جند الكتمان من يعيد للصخرة صحوها .. وأنت إذا أفقت .. وأنت إذا مت وبعثت ورحلت وافقت ماذا للغفلة بقائل: هل الرمل علمك الرضا، والينبوع الميلاد: لا أعياد بين الأصابع، الوثن عن النطق كف، والكلام للسياف استقام.
[74]
     استقول ادخل لا ظل ولا نور. استقول اخرج لا أقمار لا شموس. أم إنها نشوة أسئلة جرحت فرحلت أفاقت وغفت وفي غفلتها رأت واكتملت ضاعت وتكونت وغادرت عرش رضاها: استقول لا باب هناك لا بوّاب لا أحد في البرية لا أحد في الجب. القفل هو السؤال، والعاشق بغفلته اخترع الكلام.
[75]
     حبيبي معطر باللوز، بثمار البرية صاغ قلائده: بخاتمه عيدنا: حبيبي برق فوق برق: لا اسم له لا ساحل هو حبيبي فيّ اكتملت جنته .. علمني الغفلة وهاجر معي: لمن تبوح بالمسرات وأنت بلا باب. حبيبي غفوته أخذتنا إلى الفضاء: جنته فاضت .. وبلا مبالاة الإقامة توحدنا: هو ذا عيد الموتى.. فاشتبكت الذاكرة، تطهر عند أعالي الأنهار، حبيبي هجر معبده وهو يدعوني إليه: يا مرّتل رتل سكن الجرح والقلب آفاق ، واليد فوق اليد متاهة.
[76]
     في لَيلَك كتمت السر أم بغفلة الأنوار: الوثن تنـزه بأضداده، والبذّار وهب النور: الغريق آفاق والفلك رحلت.. فلمن هذا الوداع : أيتها النفس – الوثن – ارجعي الباب لم تغلق. والجرح كتمان: ها هي فصولنا تتجمع في فصل: ميتان في ثمرة. أيا أيتها النفس لن أغير مسارك .. فحبيبي فيّ أقام: أيام الإنسان لا تعد، تدور وتدور، أيها الذي معنا، أيها الذي غاب، لك المفتاح: أيام الإنسان لا تعد، تدور وتدور: يا من سكن أعالي الروح من شيّد معبدنا، وعّطره بالنسيان: الصائغ صاغ كتابنا، يا نور وهنت أعماقي والخاتم ما زال بذرة. فإذا عثرتم عليّ اتركوا قربي صخرة: واتركوا الأعياد تجرجر الأعياد.

[77]
     ولك الاذن بالدخول .. أقم .. النطق مرمى والإنسان سارية. ولك الاذن بالغياب: غادر .. البذرة اكتملت. ولك أن تأخذني تطردني تزرعني تنفيني .. ولك الحق أن لا  امتلك الحق: أقم. غربتنا امتداد .. غادر؛ غيابنا براري .. فأين أنت يا من يتكلم في قاع النور: أناديك بالكتمان حتى أغلق السر الباب بالوردة : أهذا قبري وذاك مثواك: يا وحدة الفضاء جمعي هذا وذاك في حرف: لا الفضاء كلام ولا الصفر جمعنا. فالبذرة وهنت والغابة أعياد.
[78]
     يقسمني الذي وحدني. فأتجمع في خاتم: هذه الطبول لمن تقرع: أذاهبون إلى الحرب والموت عرس: لا حكمة فوق الكف. فالقلب صاف كجمرة فوق جمرة: لا نداء .. هم حشد غرباء والمنفى حدائق. اقطفْ أية ثمرة وقسمها .. أنت ستعثر على ظلك أنت تهت .. وستعود بالأصوات لا تكتم سرك.
[79]
     أهذا صوتي في المرآة يفكك روحي ينثرها والى الينابيع يقيم، يا نخلة أما من حجارة لديك: بي رغبة لرطب من رماد. حبيبي في الحقل يجمع بقايا بحار .. ويأتيني بغريق. يا برق اخطف احدنا .. دعنا في الفضاء ندور: دعني عنده كقفل في قفل .. ويا نفس خذيني إليك .. مرآة المفتاح نوافذ .. فمن ذا يقول للاسم من كتبك، وللحروف من خطك، وللأصوات من جمعّك: نفسي اشتاقت بين الموتى إلى الحبيب. وموتى اشتاق إلى الموت.
[80]
     انتزع الخاتم من البحر كتاب الأضداد : أكلهم غرقى: من أنت لكي تخاصم هذا العاشق: يا بذرة أضيعك الضائع أم هي الغواية: استدر يا قلب تعلم الاستقامة .. فالغرقى سيأتون بالبحر.. والموتى بالاحتفال.
[81]
     الوثن أقام ولائمه للغرباء، والبرية تتنـزه. أيها التائه لا تبحث عن زاد: حبيبك بالكتمان أهداك هداياه: صمت الصامت كلام: الم ْ تكْ تلك هي حدود النار .. يا  أيها العاشق نذرك انك أفقت/  غفوت وانك كنت النذر المنذور .. فيا  كانت نفسك ترجع راضية كي تسكن خاتمها وتغلق بالباب بالإسرار: تلك حدود الغابة فهل يا نفس من مزيد ؟
[82]
  ذبيحان في وردة: اليد لا تأخذ ظلها إن أعطت .. السماء اكتفت بنشوتها والبرية وسنانة: الغرقى يعودون إلى الأهل: كل يحمل  كتابه وسارية الرماد سبقت عطاء النار: ها هو حبيبي بين الغرقى: البرعم مع الفجر توحد .. مع من .؟ وكلانا، لا العابد لا المعبد، شارة ارض. أوهن الكلام ؟ -: أيها الماشي في الريح حذار أن تخدش حد السيف .. إني أراه ككوكب ولا أراه ككوكب: يا لصلح الغرقى .. بالنشوة الاحتفال اختتم الابتداء.
[83]
     تعال دوّن الكلام فوق الكلام. غادر كأنك لم تأت: يا جند الغابة دعوني: المبصر يبصر في المرآة. أهذا خاتمها .. أتلك قلادتها .. فأين هي الروح .. تعال بدل كلامي .. خذ ثمار الجنة.. وافتح لك ممرات .. طريقي التوى .. وجنوني استقام: حبيبي بين الأحبة ضاع .. يا جند الماء دعوني – مثله – اكتم كتماني وبالصخرة أدوّن غبار الأسرار .


[84]
     أجميل مثل جنة: تعال اليّ تعال لكي لا أراك. رملة تشطر رملة .. تلك هي الحكمة . أيها المطوق بالنرجس والجوري، بالياقوت وبالفيروز .. بنياشين الوعد .. تعال اليّ: أقم للذكرى ذكرى فالغابة فضاء .. القلب تنـزه .. ومن ظل الأعالي وهبته الظلال نشوانة روحي، في النار وفي الصخرة .. هذا حبيبي أسكنني قرية .. زرع لي الفضة أعطاني نذره .. فتح لي في الحرث كلام .. أغلق لذته فصرنا .. التائه والتائهة .. غرباء نواسي الغرباء. فادخل معبدنا. بالصمت أعلن إقامتك .. بالنورس بارك سواحلك .. وبالقلب لا تخش العثرات: هذا عيد الأعياد .. فافرح؛ الآثام ذكرى: مدن تتكوم فوق مدن، والأسماء تمحو الأسماء: تعال أقم هذا هو فرح البذرة، هذا هو الملكْ : عاشقان في ثمرة .. وسيوف لا تشهر إلا لسلام: تلك حدود الروح فلا .. أيها الميت ولا أيتها الميتة .. تتجادلان.
[85]
     هو العرش آفاق أم الأرض أخذتها سنة نوم: هل أودع الذي وهبني الرضى .. هل اقطف وردة السكينة .. اكتمل الفصل والغريب للغريب دار: كل كروم الحقل أينعت .. والقلب كف عن النداء .. تعال أضرحتي مزار .. لدىّ القمح والمرعى فسيح . اضطرابي اصطحب الرمل وغادر .. تعال معي لا نبحث عن نور. العتمة ازدهرت وارض اليباب أينعت، الملكة بالحاشية دخلت مملكتها، والعيد للعبد رفيق: ذبائح لا موتى لا أعراس: هذا عيد الأعياد .. الميت والميتة في ثمرة: البذرة انشقت فتوزعت وبالفجر قدمنا النذور: القيامة نهضت والأرض تزينت: يا أوثان العابد دعا العابد لنخلته، ظله لا يؤذي، وصوته ثمار.
[86]
     من أطفأ عروس النار ..؟ كفي برية ونجومي غزلان : اهو ذا الصحو .. اهو ذا الهوى : يا من شيّدت لها المزار شيد لي الوثن: اشتاق الطاعن بالسن لفتوته وأنا اشتقت إلى الموت. من أطفأ برق الماء ؟ -: حبيبي أخذني .. الفضاء مأوانا والبرية نداء .. فاسترني بحجارتك لا جسد لهذه الروح: نوري توهج فأعلن الإقامة: ها أنذا باللامبالاة أعلن احتفالات القيامة.
[87]
     أتغادرني عند الحاجة .. أتكف عني لأني طلبتك: القلب لك إصغاء والروح عندك براءة: ها هي طرقات النبع تختتم فاتحتها: لا النهار بسابق .. ولا الليل سيمضي عنوة : انه اكتمال العيد .. من نطفة البرق حتى بكاء الحجارة: المعبد يشيد فوق المعبد .. والوليد يأتي بعد الوليد: كلانا بالقفل قفلنا: العتمة لصق الجدار تأن .. والنسوة النائحات خيالهن تشظا . ابكي يا سيدة الرمل أنا التائه في نزهاتي أمير .. وفي كوخي احتفالي قصير. لغير النور لا اطلب .. لغير الأعالي لا اسجد .. وثني شاخ، والكف فوق التراب نشيد.
[88]
     الخاتم شجرة برق فمن ذا ترك الريح تولول في العراء : لي نذر لحبيبي أن عاد معي اليّ: هذه أشجاره فوق الياقوت: هذا مزاره وميلاده فوق الكف: لا تغادرني غادرنا اسمك كل الأسماء. ما مر عيد إلا وأنت بابه، من يطرق نافذتي .. إذن .. والليل قلدني نياشينه يا ظلام المعنى .. تكشف .. حبيبي لم يغب وأنا صرت جميع الموتى: هذا ثوب العهد بلون النوارس، وهذا أنا أهب العشاق السلوى: من يوصل صوت العابد للمعبد .. يا ارض كفي عني، أنا لم اشته الثمرة .. وما كان وقود النار يؤرقني: أنا فيّ الصفاء اضطرب: قلب بالصخرة يخفق. فجاء الحبيب أوقد غابتنا وعلمنا لذات الطهر: لك الحمد على بلواك يا قلب .. لك الحمد الروح أفاقت. وأجرجر عتمتي من نور إلى نور .. طرقاتي وعرة والوعد غادرني إلى الوعد. من ذا يعيد السؤال بالسؤال .. ومن ذا جرح الليل. يا قلب من أعطاك غصن الحكمة من هداك سواك والى المحنة قادك. حمداً لك الحمد في الأعالي. وهن الحرف والنور أجرجره من عتمة إلى عتمة: هذا عرس أم منفى ؟ لا الماء بفاتح أسراره ولا البذرة تكتم علينا بالكتمان سلوانا: إنّا نتنـزه في الغربة، كلانا، جريح لصق جريح، فمن ذا يعيد للعين كحل الليل، بريق الذاكرة. حبيبي بلون الموت وأنا عند الأنهار ابكي. ضريحان في ضريح والكف باتساع الأرض فمن يدوّن بلوانا. رفقاً بجرح الحبيب. وبالعاشق رفقاً كلانا سرقنا الهوى . .. كلانا سرقنا الماء: بذرتان في جمرة، وجمرتان في بذرة .. كلانا لا أحد .. كلانا الجميع.
[89]
     وودعني إليه .. أي ماذا جنت البذرة: الم يك البذار لها باب. الم تكن قلادتنا مسرة ، ونوافذنا فضاءات. ها أنت تصطحبها إليك: فيا آثام تطهري بالآثام: حقلي شائك .. وجراحي معابر .. لن أتململ سأدخل الحجارة .. سأوقد الرماد.. ومن ضريح لضريح سأوزع نذوري .. فالقلب عنيد.. واليد لا تبدل بيد .. يا أنت الثابت، مثلك، لن أبدل القلب بقلب، فالبروح اكتملت والحقل تشهى النار.
[90]
     بكتمان عاصفة عصفت روحي .. زلزلت .. وعند الأنهار جلست تودع من جاءت به:    توقف أيها المنحدر: أشغلتك الأرض .. يا حبيبي عندي لك التقوى زاد فلا تبدل العرش بعرش: هذه بريتي أقم بها فلا تبدل الهضبة بهضبة والناس بناس: القيامة قامت والأرض تناثرت فلا تبدل القبر بقبر .. اشتاقت روحي للمتاهات تعال معي الرحلة لم تبدأ بعد .. فكل كلام غير كلام العشق فناء .. لا باطل فوق الكف .. نجمة سطعت تزينت تجملت رقصت ثم دارت بنار المدار. لا تأسف إنا لم نولد قبل الفجر: ليل الإنسان جميل .. وما بعد الليل مزارات يقين.
[91]
     ويوم تؤخذ الشمس بجريرة الانطفاء تقول الساعة أما عقارب تدور .. يوم لا أسماء تبدل، كل في مثواه قابع، تأتيك القصائد بالحجارة والكتمان، فبأي عرش تنطق يوم يجرجر العرش كذبيح، لا تاج لا عرس لا بحر: ينهض العشاق الشهداء السكارى في أعمدة ذرات وحولهم الدوائر تدور. يوم تقول النفس ما لم تقل، وترتعش الروح يوم تباهت. يا نفس الدخان بلا نار، والعشق بلا عشاق، فبأي صفحات تدثر اضطراب اليوم الموعود، وبأي كلام تختتم الكلام.
[92]
     وتأخذ البرية منا ما أعطت: ثمرة ثمرة . فخذي مني وهني: عقارب الغابة دارت وتدور، بالكتمان والأنباء، وستبدل اليد بالفضاء، والمدن بحدائق، والبحار بذكرى .. يوم الكلام غير الكلام، والحبيب غير الحبيب .. فبأي نشيد تنشد، وبأي عقد تزين بحرك : يوم العيد غير العيد والمعبد غير المعبد والذكرى غير الذكرى. فبأي خاتم تخطب ود الريح: يوم تتيه الزوبعة، والأرض تفتح أسرارها .. فبأي القناديل تضيء آلهة المنفيين: إلا اترك لي جلدي وكفي: بحسام البرق الملم من فيّ وامضي: جئت بكتمان الذبائح .. وللفضاء بإسرار الأشجار أعود.


[93]
     لا كلام لدىّ الفجر لوعني: خمسون عجافاً أينعت وثنها: خمسون فوق الكف أزهرت خاتمها: أيتها الشجرة أما من سبيل غير البذرة. بي شوق للهواء، لبراري يخطفن الصدى، بي لوعة لملكة بلا تاج، لجرح لا ينـزف شكوى .. بي عذاب كجبل فوق جبل .. خمسون زحفت كجيش نحو هاويته .. النصر يجرجر النصر نحو الختام . وعندي نوايا ملاك.. قلبي صافٍ عدا الأرض مسته بلوثة .. وعند الحكمة اني لا أتسول إلا الحكمة. تعال يا من لا وجود له قلدني صليبك. هذا تاجي وهذه قلادتي. اقرأ لي آيات الشمس. خمسون لا اعرف ما كان قبلها. فجأة ابرق البرق مسني الضوء، صرت موجة أتمايل بين الفتيان، شرد الغصن وتاه الجذر .. صرت أتمايل بكف الرمل .. ثم جاء في الليل الطارق افتح أنا صنوك.. وشرد الظل .. صار التائه يخشى التائه .. وصار الغريب غريب.. خمسون تكوّمت في بؤرة .. وجاء البرق .. ماذا فعل الغصن يا ماء الأعالي ماذا فعلت الروح. لا كلام لدىّ العمر غاب وأنا ما زلت في المهد.

[94]
     حبيبي مثلي كنوزه فضاء: بضع نجوم فوق الكف وأخرى تحرس ثمار الغابة: هل بالحكمة يحيا العاشق. تعال اليّ روحي اضطربت، تعال وغادر .. لا تأخذ معبدك ولا العابد تأخذ .. تعال اترك عندي الرمال .. تعال أزل عني الذكرى.
[95]
هو ذا مثلي كفه، عهده استقامة .. هو ذا مثلي لم يبّدل الخاتم بخاتم .. ولا الأعالي بالتراب: روحه رقراقة كبلور فوق بلور..قلائده مودعة عند الفجر وخاتمة ضاع .. مثلي .. هو .. اضطرب كتمانه .. فيما الفضاء جمعنا عند البرد، وفي النار شيد لنا مأوىً، لا تبحث عن غرقى .. ابحث عن آمالٍ لا تنفرط فوق الرمل .. عن آمال تبذر بذرتها في الروح وتنهض. لا تبحث عن قصر، يكفينا جناح حمامة .. وأسفار العشاق تراب.. ابحث عن من يجمعنا في ظل، مثوانا بذرة، وآمالنا فضاء .
[96]
     الذي وهبك الغابة أعطاني الدغل .. البرية لك فضاء وأنا امتدادي بحر، فتعال ننشد .. للبراري .. ونرتل: جناح حمامة رفرف فوق الجرح: الذي وهبك النور أعطاني المتاهة. يا لؤلؤة روحي من وحد ظلينا في ظل. من جرح الجريح. اني خاتم الأرض أدور بك حولك اني آخر الغرقى اني نهاية الفجر. لنوزع النذور وندوّن فوق الريح صمت احتفال آخر الليل.
[97]
     بالقلب أضع خاتمي والكلام جريح. افتتح الماء مسرات غريق. اكتم الصوت وامضي بنشيدي إلى النشيد.
[98]
     أهذا حبيب أم ذكرى أطلال، اعري النياشين وللروح انشد. سأمسك بالمعول وابدأ: جرح الأرض بحر .. وستدور تدور النفس تدور كأن التيه أخذنا إلى الفضاء نذرنا وكأن الحبيب جمّع عشاقه وجاء إلينا بثوب الموت: هذه ثمرتنا أيها الدخان. يا آخر أوثان الوردة: اتحد المنسي بالذاكرة .. وآفاق الجمر .. لا شكوى .. امتد العمر وعاد .. أكان فضاء .. أكانت غابة ؟
[99]
     وزعتنا الريح للريح .. والبذّار للأرض أهدانا: يا برق خذ نطفتك إنا وحدنا الظل. وعند الأنهار للذاهبين للعائدين .. نغني. بكتمان نخلة احترقت، بآثام نجمة انخلعت، وبسلوى ملائكة ضاعت، ننشد نشيد هذا العيد .
[100]
     أنهى الصائغ صياغة نقشه. وثنه اكتمل: تعال يا أمير هو ذا ظل التائه: جنتان في جنة .. الروح اشتبكت .. والاضطراب نبأنا بالبرق .. تعال أبصر المبصر آفاق .. القيامة عيدك .. والحجارة فكت حدادها: لون القلب فالكف سماء .. والمرجان فوق المرجان سلوى، فبأي كلام سنختتم الكلام: المهد عند الأنهار يتنـزه .. : ولد نبيُ المعبد وهذا عرشه .. يا جند العاشق الليل مضى .. والعاشق صار ظلالاً للعاشق .. بالكتمان تكتب خاتمتنا: البذرة هي الأرض .. هي الأعالي، وثمار الجنة لا تحرس إلا الجنة. فتعال اليّ خذني سأتتبعك في الغياب.
[ 20/ 12/ 1992]


الأربعاء، 10 سبتمبر 2014

البصرة شمهودة العراق الجزء الثالث - كاظم فنجان الحمامي

البصرة شمهودة العراق
الجزء الثالث
 
كاظم فنجان الحمامي
قبل بضعة أشهر ظهر في التلفزيون نائب من خارج البصرة يقول: (أن البصرة ليس فيها كفاءات)، وربما تسبب هذا النائب أو غيره في نسف واقعها العلمي والفني والأدبي والثقافي، وأفرغها تماماً من محتواها التاريخي والحضاري، وشطب سجلاتها كلها، فهي في نظره فارغة تماماً من العلماء والشيوخ والقادة والزعماء والأدباء والمبدعين.
والحقيقة أن هؤلاء لم يدركوا بعد أن للبصرة وقع خاص في قلوب العرب والمسلمين، وكانت تجمع مع الكوفة في كلمة واحدة: (البصرتين)، أو (العراقين)، أو (المصرين)، وكانت من أعظم أمصار العالم الإسلامي من دون منازع. 
نشأت البصرة في رحم الحضارة السومرية منذ أقدم العصور، لكنها سجلت اسمها في وثائق الفتح الإسلامي في العام 635 من الميلاد. فهي في الآرامية (بصرياتا)، وتعني الأرض ذات الحصى. ولهذا الاسم معان أخرى في الكلدانية. فكلمة (بصر) تعني الجزر الضعيف. و(بصريا) تعني القنوات والجداول المائية. و(باصرا) تعني مجموعة أكواخ القصب والبردي. وجميع مدلولات هذه المفردات اللغوية تتوافق وتنسجم تماما مع واقع وظروف البيئة البصرية في الماضي والحاضر.
كان ميناء (أبولوجوس)، ويعني (الاُبُلّة) من أكبر جسور العالم القديم، فهو ملتقى المسالك البحرية والبرية القادمة من آسيا وأفريقيا وأوربا. وبانوراما الحضارات الإنسانية الضاربة في عمق التاريخ. ومسرح السلالات السومرية والآشورية والبابلية والكلدانية. وأيقونة القوميات السامية. ومحراب الديانات المندائية والعبرية والنصرانية. وقلعة العروبة والإسلام. وقبة العلم والمعرفة. ومنبع المدارس الفكرية واللغوية. وأم المرافئ العربية القديمة ؟؟.
لقد أنجبت البصرة الخليل بن أحمد الفراهيدي, وعمرو أبو عثمان الجاحظ, وعمرو بن عثمان بن قنبر (سيبويه), ويعقوب أبو يوسف الكندي, والحسن بن الهيثم, والحسن البصري, والمازني, والأصمعي, والحريري, والمبرد, والصولي, والسدوسي, ومحمد بن سيرين, والعلاف, والعطوي, والمفجّع, والأخفش, والماوردي، وواصل بن عطاء، واللاحقي, وعمارة بن عقيل, وأبو الأسود الدؤلي, ومالك بن دينار, والفرّاء.
وأنجبت البصرة بدر شاكر السياب وأحمد مطر ومحمود البريكان وكاظم الحجاج وحسين عبد اللطيف, ومحمد رضا المظفر ومحمود عبد الوهاب ومحمد خضير وفيصل السامر وذياب فهد الطائي وإحسان وفيق ووفاء عبد الرزاق وعطا السعيدي وأبو عراق وعبد الحسين الحلفي وفوزي السعد وأبو سرحان وداود الغنام وعلي العضب، وطاهر سلمان، وعيسى عبد الملك، وجاسم المطير، وجاسم العايف.
أما الذين يحملون شهادات الدكتوراه في هذه المدينة فيفوق تعدادهم تعداد أقرانهم في عموم أقطار الخليج العربي، حتى أن رئيس الجمهورية نفسه (الدكتور فؤاد معصوم) كان من العاملين في جامعة البصرة، وظل في ضيافتها مدة تزيد على عشرة أعوام.
البصرة تنتج من الصحف اليومية والأسبوعية والنشرات الثقافية ما يزيد على ما تنتجه مطابع المحافظات العراقية كافة، إذا استثنينا منها العاصمة بغداد، وأن أطباء البصرة من الرجال والنساء حققوا حتى الآن ما لم يحققه أشهر أطباء العرب، وأنهم يعملون الآن في أرقى الجامعات والمستشفيات العالمية، وأن الوسام الأولمبي الوحيد الذي أحرزه العراق كان على يد الرباع البصري عبد الواحد عزيز رحمه الله. وأن زبرج سبتي كان أفضل أبطال العالم بالملاكمة، وان فالح ناجي كان أفضل أبطال آسيا في سباق 800 متر، وان أجمل الأغاني والمعزوفات والأناشيد العراقية لحنها وكتبها أبناء البصرة من الشعراء والملحنين المبدعين من أمثال طارق الشبلي ومجيد العلي وياسين صالح العبود وطارق شعبان ووليد لويس وكاظم كزار وطالب غالي وحميد البصري ويوسف النصّار وناصر هاشم وجبار البصري وعماد مجيد العلي وعبد الرحمن أبو العوف.
وأن روائع الأعمال الفنية والتشكيلية العراقية نفذها أبناء البصرة، وفي طليعتهم: فيصل لعيبي وعجيل مزهر وجاسم الفضل وصالح كريم وقيس عبد الرزاق وخالد مبارك وعبد الكريم الدوسري وليلى لعيبي وشاكر حمد وجبار عبد الرضا ومهدي الحلفي وعيسى عبد الله وعبد الملك عاشور ونداء كاظم ومفيد حيدر الشيخ وأسعد لعيبي منصور.
وللعتاب بقية
 

البصرة شمهودة العراق الجزء الثاني كاظم فنجان الحمامي-


فارس حميد أمانة - التطرف .. العنف .. والارهاب في العراق .. جذور ونتائج

البصرة شمهودة العراق- كاظم فنجان الحمامي


قراءة في كتاب " مئة يوم ويوم " للكاتبة النرويجية هوسنا برشتاد-أحمد الحلي

قراءة في كتاب " مئة يوم ويوم " للكاتبة النرويجية  هوسنا برشتاد
الوقوف على شفير الهاوية
أحمد الحلي
حين تقع عينك و تمسك يدك كتاباً جيداً وتشرع في قراءته ، فإنك تود لو أن رحلتك معه لا تنتهي ، ومن أجل ذلك ، فأنت لا تملك بديلاً سوى أن تمسك بتلابيب بعض التفاصيل  والوقائع ، تتوقف عندها ، تتأملها ثم تودعها خزانة مدخراتك المعرفية .
الحال هنا ينطبق مع كتاب "مئة يوم ويوم في بغداد" للصحافية النرويجية المتمرّسة هوسنا زبرشتاد ، التي وبحسب عنونة كتابها المهم هذا بوسعنا أن نستقرئ أنها تحاول محاكاة عنوان أهم كتاب تم تأليفه في بغداد إبّان العصر العباسي ، الا وهو كتاب  " ألف ليلة وليلة" ،  الذي طالما خلب ألباب المستشرقين والأدباء والكتاب الأوربيين والعالميين عبر العصور ...
وكما يتبدى لنا فإن الكاتبة ، وقبل أن تحط  رحالها ببغداد في رحلة محفوفة بالمخاطر ، فإنه كان لديها تصور كاف وواف عن المكان والمدينة التي اختارت أن تحط رحالها  فيها ، في لحظة تأريخية مفصلية مأزومة جداً في تأريخ البلاد والمنطقة  ، فهي قد هضمت وقائع التأريخ  القريب والبعيد وتمثلت خلاصاته ، كان لديها تصور وإحاطة وافية لطبيعة المهمة التي ندبت نفسها للقيام بها عن جدارة وتمكن ، فكانت ترسل تقاريرها الحارة الطازجة  إلى مصادرها في كبرى العواصم العالمية ، وكانت تحس بعظم المسؤولية المهنية والأخلاقية الملقاة على عاتقها  تجاه متلقيها ... لاسيما وأنها عملت في السابق كمراسلة في عدد من المناطق الساخنة في العالم
من شأن هذا الكتاب الحيوي ، أن يقدم لنا دروساً بليغة عن الدور الخطير الذي يتوجب أن يضطلع به الصحافي  ، وهو دورٌ شبه غائب لدينا قياساً لما يجري في دول العالم المتحضر .
لعل أبرز سمات  تتضح لنا ونحن نغذ السير في منعرجات هذا الكتاب ، هو هذا الإصرار الكبير والعناد والصبر وروح المغامرة  التي تصل إلى حدود المجازفة في  كثيرٍ من الأحيان التي تتمتع به الكاتبة في سعيها الحثيث للوصول إلى الحقيقة وامتلاك ناصيتها بعيداً عن التأثيرات الجانبية المقحمة  .
الكتاب هو عبارة عن سلسلة  تقارير قدمت لنا فيها ما يشبه السيرة الروائية  لها ولأبطالها من مسؤولين حزبيين ومتزلفين يحيطون بهم ، وكذلك أناس عاديين غالباً ما يكونون هم الضحية لمجريات الأحداث الدراماتيكية التي تدور من حولهم ولا طاقة لهم بتوجيهها وجهةً أخرى  .
حدثني صديقي مترجم الكتاب الباحث صلاح السعيد عن كيفية عثوره على الكتاب وكيف أن الصدفة أو ضربة الحظ  وحدها هي التي أتاحت له  أن يحصل عليه ، حيث كان في رحلة  استجمام إلى ولاية أريزونا  بالولايات المتحدة في العام 2010وبينما هو يتجول في إحدى المكتبات هناك وقعت عيناه على عنوان لأحد الكتب جذبه بشدة ، فأخذ يتصفح فيه ، فوجد أن مادته دسمة وطازجة  لا سيما وأنه يتحدث عن بغداد ، فسأل مديرة المكتبة  إن كان بوسعه أن يستعير الكتاب ، وبالفعل يتاح له ذلك ، وأتم قراءته في يومين ، ليعود إلى مديرة المكتبة ليسألها ثانية إن كان يستطيع استنساخ الكتاب ، فتقول له ؛ ولم  تتجشم كل هذا العناء ، فالكتاب موجود ومتوافر في غالبية المكتبات  ، وبوسعك أن تشتريه .
وأخيراً أصبح الكتاب بين يديه بوصفه ملكاً شخصياً له ،
وأسعده ذلك كثيراً .


قبل وخلال وبعد
قسمت الكاتبة كتابها إلى ثلاثة فصول تنم عن إحاطة وهي (قبل) و(خلال) والفصل الأخير القصير ( بعد) ، وواضح أن هذه المسميات  المقصود منها  وقائع الغزو الأمريكي للعراق .
جاء في التمهيد التعريفي ؛ " من يناير حتى نهاية عام 2003 ، عملت هوسنا زيرشتاد في بغداد كمراسلة للإعلام الألماني والهولندي والاسكندنافي ، من خلال تقاريرها اليومية وتغطيتها التلفزيونية الحية ، كانت تنقل الأحداث في العراق قبل وخلال وبعد هجوم القوات الأمريكية والبريطانية  ، كانت دائماً تبحث عن قصة أقل وضوحاً بكثير من  الاجتياح العسكري  الأمريكي  ، " لقد قامت زيرشتاد بإحياء العالم الذي يكمن وراء العناوين الرئيسية ، هذا العالم المفجع الذي يعيشه الشعب العراقي مجبراً في ذلك الوقت " .
وفي مقدمة الكاتبة نقرأ ؛ " ما الذي يمكن عمله كصحفي عندما يقول الجميع الشئ نفسه ؟ هل أن الكل يعنون ما يقولون ، وهل أن أحداً منهم يعني تماماً ما يقول ؟"
"لقد حاولت أن أخترق المجال بين الصمت الكامن والثغرات الصماء للحصول على الحقيقة ، إن الأجهزة المعقدة والمهيئة للإساءات قد تأثر بها الصحفيون أيضاً ، وكانت أحياناً تتخذ شكلاً مباشراً لما نكتبه ".
ثم تقول ؛ " تقاريري من بغداد كانت هي تقاريري ، تأتي مباشرة من تجربتي ، لكنها لم تكن دقيقة دائماً ، لربما الأحداث تفسّر بشكل متناقض من قبل المراسلين الآخرين ، فالصحفي المصري لربما يرى الحرب في العراق من زاوية أخرى والأمريكي لربما يقيّم الموقف بطريقة مغايرة ، ويمكن أن يحمل ذلك العقلاني من اللوموند ثوابت خاصة به " .


على خطى  المس بيل
منذ بداية الفصل الأول من الكتاب يتضح لنا مدى تأثر الكاتبة النرويجية بالمستشرقة الانكليزية الشهيرة جيرترود بل المعروفة  تأريخياً  أيضاً باسم المس بيل ، حيث نراها وقد اصطحبت معها كتابها "مذكرات عراقية" ..
نود أن نثبت في أدناه  باقتضاب  بعض المعلومات التي حصلنا عليها عن شخصية المس بيل المثيرة ؛
جيرترود بيل (بالإنجليزية: Gertrude Bell) ‏(14 يوليو 1868 - 12 يوليو 1926) باحثة ومستكشفة وعالمة آثار بريطانية عملت في العراق مستشارة للمندوب السامي البريطاني بيرسي كوكس في العشرينيات من القرن الماضي اسمها الكامل جيرترود بيل جاءت إلى العراق عام 1914 ولعبت دورا بالغ الأهمية في ترتيب أوضاعه بعد الحرب العالمية الأولى، فقد كانت بسعة علاقاتها ومعارفها وخبراتها بالعراق أهم عون للمندوب السامي البريطاني في هندسة مستقبل العراق, يعرفها العراقيون القدماء بلقب الخاتون, يعتبرها بعض المحدثين بأنها جاسوسة وهي في الواقع موظفة بريطانية خدمت بلدها بريطانيا بكل جد وإخلاص.
اقترحت هي وتوماس إدوارد لورنس قيام مجلس تأسيسي للدولة العراقية بهدف تنصيب الأمير فيصل بن الحسين ملك على العراق, ولها الفضل في تأسيس المتحف العراقي وظل المتحف حافظاً لاهم الاثار التي وجدتها والاثار العراقية البابلية القديمة والمخطوطات والتحف حتى عام 2003 في ظل تدهور الأوضاع اثناء حرب العراق فقد تم سرقة وتخريب الكثير من الاثار وقد أعيد البعض منها خلال الفترة ما بعد عام2006 .
كانت ذات شخصية مؤثرة شاركت مجالس سيدات مجتمع ذلك الوقت وكانت تنتقد أسلوب التحدث الجماعي للنسوة, كما كانت معروفة على المستوى الشعبي وهناك قصة لها مع أحد قطاع الطرق(ابن عبدكه) قاطع الطريق، الذي اشتهر في مناطق شمال بغداد، عند بداية القرن العشرين، وحدث ان استولى على القطار الصاعد من بغداد، والتقى فيه بـ "مس بيل" المسؤولة الانكليزية المعروفة، التي كانت تستقل القطار، وحين عرفها اكرمها، وعاملها بحفاوه، فتوسطت له، واسقطت عنه الملاحقات القانونية، ووظفته في الدولة. وقد زارت منطقة حائل في السعودية أوردت مشاهداتها عنها في مذكراتها.
توفيت المس بيل في العام 1926 ببغداد بسبب تناولها جرعة كبيرة من الدواء وحضر مراسم دفنها الملك فيصل الأول ودفنت في إحدى مقابر المسحيين بالقرب من ساحة الطيران  .
كان كتاب " مذكرات عراقية" ضالتها وتسليتها في غربتها بحثاً عن الحقيقة  في مثل هذه البيئة النائية جداً عن بيئتها ، ولكنها نزعة  حب المعرفة والاستزادة  هي التي تدفع بالإنسان قدماً نحو المزيد الاستكشاف  والتحري ...
نرى كاتبتنا تقول : " مضيت أدور في عالم جيرترودبل الساحر ، ففي بواكير القرن العشرين سافرت المس بيل لوحدها مع مهربين ولصوص في الصحراء  التي تقع مباشرة خارج نافذتي ، كانت أقوى امرأة في الامبراطورية البريطانية ومستشارة  للملوك ورؤساء الوزارات " .
وتقول ؛ " كانت جرترود بل المرأة  الوحيدة التي دعاها ونستون تشرشل إلى مؤتمر القاهرة عام 1921 ، المؤتمر الذي تقرر فيه مستقبل بلاد ما بين النهرين ، وكانت أيضاً ضمن عدد من الرحّالة الذين جابوا الشرق الأوسط ووصفوا حياة المرأة فيه ، وتنقل عنها قولها في مذكراتها  : " ها هنّ هناك ، تلك النساء المتلفّعات  بقماشٍ هندي ومثقلات بالحلي والجواهر ، يخدمهن العبيد والجواري ، وليس هناك شئٌ يشي بوجود أوربا  أو أوربيين عداي  أنا ، كنت أمثل وصمة عار بينهن ، بعض النساء في بيت الشيخلي كنّ رائعات الجمال ، كانت النساء يمررن من يد إلى يد والمنتصر من يأخذ إحداهن بسطوتها وجمالها ، فتأمّل ذلك ."
 وكانت المس بيل كتبت قد  أيضاً عن حريم ( حايل) بالحجاز في العام 1914 ، وقد أخبرها الخصي سعيد توّاً بأنها الآن أسيرة ولا يمكنها المغادرة ، وخصص لها بيتاً صغيراً في قسم الحريم حيث بقيت هناك لبعض الوقت إلى أن أطلق سراحها ، وهي تقول عن تجربتها تلك ؛ " جلست في حديقة البيت على سجادة ، مثل شكل الرسوم الفارسية في الكتب المصورة ، العبيد والخصيان يخدموننا ويقدمون الشاي والقهوة والفاكهة ، وبعد ذلك أخذنا نتمشى في الحديقة ، أخذ الأولاد يخبروننا بأسماء الأشجار باهتمام ، ثم جلسنا ثانية وشربنا المزيد من الشاي والقهوة ، إن ما يثير الغضب حقاً هو أن تجلس يوماً بعد يوم بين جدران طينية عالية ، إني أشكر السماء لأن أعصابي لم تكن مشدودة ليلة واحدة من بين سبع ليالٍ قضيتها في الأسر " .
بعد طول انتظار أطلقوا سراحها بقرار من الأمير ، " أتت جمالي بعد أن تهيّأ سعيد الأسود حاملاً حقيبة من الذهب وتصريح بالذهاب إلى أي مكان أشاء " .
بعد إجراءات وصعوبات كثيرة تواجهها كاتبتنا النرويجية ، من أجل الحصول على الموافقات الرسمية لمزاولة عملها  الصحفي في العراق في تلك الأوقات العصيبة ، يتم تخصيص أحد الأشخاص بصفة مرافق لها  ، ومعلوم أن مثل هؤلاء الأشخاص يتم اختيارهم بعناية شديدة من قبل مديرية المخابرات العراقية  مع الأخذ بنظر الاعتبار أن على عاتقها تقع مسؤولية الإنفاق على هذا المرافق .
يقول لها المسؤول عن مكتب عدي ؛ " هذا هو تكليف ، أكثر الرجال خبرة ، أعطيتك الأفضل لأنك لا زلتِ شابة " .
وبعد أن يصبحا معاً ، يبادرها  تكليف بالقول  ؛
- ما الذي تهتمين به ؟ وتعلّق هي ؛ كان هذا سؤاله الأول ، كان عليّ أن أختار واحدة من الاهتمامات  التي تبرر قدومي إلى العراق ومن ثم بقائي ، لربما مقابلة مع صدام حسين ، لم يُتح لي الوقت بأن أفكر قبل أن يُكمل :
- هل تهتمين بالثقافة ؟ اذن علينا أن نطلب زيارة بابل ، هل أنتِ مهتمة بالفن ، اذن علينا طلب زيارة مركز صدام للفنون ، أو متحف الفن المعاصر ، أو متحف التأريخ ، متحف الآثار ، نصب الثورة ، هل نبدأ من بابل غداً ؟
لم أكن في مزاج يسمح لي بهذه الجولات ، كنت أريد التحدث مع الناس ، أن أعرف كيف يعيشون ، لقد أصبح من الواضح أن تقديم الطلب هو ما عليّ فعله حتى بالنسبة لأتفه الأمور ، لزيارة مدرسة مستشفى أو معهد ، حتى لزيارة عائلة على الواحد أن يقدم طلباً يذكر فيه الاسم والعنوان .
تذهب هي وتكليف في اليوم التالي إلى مدينة بابل الآثارية ، تطلع على بعض المعالم هناك ، كان تكليف ثرثاراً ، قال مقهقهاً ؛
- أريني بابل الأمريكية ، كانوا لاشئ في الوقت الذي كنا فيه نحكم العالم ، إنهم مدّعون تأريخياً  ، لا يبنون بل يهدمون ، من الضروري أن تكتبي عن بابل ، بيّني للعالم من نحن !
في يومٍ آخر يذهبان معاً إلى مركز صدام للفنون ، " حيث تلتقي بأحد الفنانين واسمه خالد  ، الذي يخبرها كيف أصبح أحد فناني صدام الرسميين ، يقول ؛ " عندما كنت طالباً في أكاديمية الفنون تم الاعلان عن مسابقة فوتوغرافية لرسم الرئيس  ، ولكن الخيار كان متاحاً للأفكار الفنية ، فزت بالمسابقة " .
تقول له  ؛ ألم تشعر بالملل كونك ترسم الموضوع نفسه دائماً ؟
- أوه ، كلا ، فالرئيس مصدر إلهام متواصل .
يقترح عليها مرافقها أن يذهبا إلى نصب الثورة ، أو زيارة المتحف الذي يضم مقتنيات صدام من الهدايا ، وهناك الآلاف من الهدايا من جميع زعماء العالم ، أو" ما رأيك بزيارة جامع أم المعارك ، هناك مصحف داخل الجامع كتب بدم صدام نفسه ، وبستمائة وخمسين صفحة ، وعلى مدى سنتين صرف رئيسنا ثماني وعشرين لتراً من الدم كي يُكتب هذا الكتاب " .
تتطرق الكاتبة إلى الرقابة الصارمة والتضييق التي تمارسها  مخابرات النظام على الصحفيين  الأجانب العاملين في العراق ، في أحد الأيام صدر الأمر إلى ريمي من صحيفة اللوموند باللحاق بأول طائرة مغادرة إلى الخارج ، فالسفارة العراقية في باريس أرسلت بعض المقالات بالفاكس إلى مقرّبين من عدي ، في واحدة من المقالات أشار ريمي إلى ملاحظات أبداها رجل في الشارع  ؛ " دع القنابل تسقط ، حتى نتخلص في النهاية من الديكتاتور " . تم استدعاء ريمي ومثل أمام عدي نفسه الذي يصرخ بوجهه ؛ " لا يمكن لأي واحد  في العراق أن يقول مثل هذا الكلام ، أنت صنعته " .
أحد النقاد الأدبيين ، وأطلقت  الصحفية عليه اسم عصام ، عبّر عن ثقته بأن المقاومة لدخول الجيش الأمريكي إلى بغداد ستكون ضعيفة ، "الكثير من المواطنين ربما سيكونون مسلحين ، ولكن قليلين منهم مهيئون للقتال من أجل صدام ، الناس يكرهونه ، العراق أصبح بلداً لمرضى الشيزوفرينيا والجبناء ، البلد الذي يخاف فيه الناس من أصدقائهم ومن عوائلهم  بل وحتى أطفالهم " .
وفيما يشبه النبوءة و الإرهاص بما ستؤول إليه الأمور لاحقاً ، يقول لها أحد بائعي الكتب ؛ " نحن الذين بقينا نموت ببطء ، نعيش في كابوس أخرس ، نحتاج إلى زلزال ، كل شئ يجب أن يُقتلع من جذوره ، لكنّ ذلك سيكلف غالياً ، أنا عربي ومواطن عراقي وأكره الأمريكان وهيمنتهم على العالم ، لكني  لا أجد سبيلاً آخر للعراق ، دع الشياطين الأمريكان يأتون وينجزون مهمتهم ، ولكن ذلك يمكن أن يتحول إلى حرب أهلية مرعبة ، العرب ضد الأكراد ، المسلمين ضد المسيحيين الشيعة ضد السنة وبالعكس ، لن يعود الوضع إلى ما كان عليه مطلقاً " .
في أحد المفاصل ، وبينما الوضع في العراق يزداد سوءاً جراء ابتداء هجوم القوات الأمريكية يتم إبعادها إلى عمّان على متن  أقرب طائرة ، وهناك تبذل مجهودات مضنية من أجل العودة لاستئناف عملها ، وتستخدم حيلة ، حيث تنضم إلى مجموعة الدروع البشرية  الذين كانوا يتطوعون للذهاب إلى العراق  .
وتتكلم عن تجربتها ؛ " أما بشأن الدروع البشرية الذين تطوعوا من جنسيات مختلفة للوقوف بوجه الهجوم الأمريكي  ، خمسة عشر من الدروع البشرية كان يتوقع بقاؤهم في محطة بغداد للكهرباء ، البعض منهم أخذ بالانسحاب  من الحملة ، الشاب الفرنسي (آسدن) أخذته الدهشة عندما زار عائلة عراقية ، حيث قال له رب العائلة ؛
- أوقفوا هذا الهراء ، نحن نريد الحرب ، نريد القنابل ، حتى نتخلص من الدكتاتور .
أحد هؤلاء الدروع أبدى تخوفه ؛ " لقد بدأت أحس بالندم ، لربما سيقوم العراقيون بتقييدنا إلى أهداف ستراتيجية " .
في الفصل  الثاني من الكتاب ، والذي يقع تحت عنوان (خلال) ، يتم استبدال مرافقها بمرافقة اسمها عالية ، وهي شابة على قدر من الجمال والأناقة  ، تقول لها إن  وزارة الداخلية دعت المواطنين إلى فتح محلاتهم ، التظاهر بأننا شعب لا يُهزم حيث سنقف بصلابة إلى آخر مدى من الصراع ، ثم توجّه إليها السؤال بعد أن رأت قلقها  ؛
- "هل أنتِ خائفة ؟ يجب أن لا تخافي  ، مهما سيحدث أنا هنا معك ، سوف أعتني بك ، قبضت عالية على يدي ، أنتِ أختي ، إذا هاجمك أي واحد سوف أحميك بجسمي ، يمكن أن أخبئك في بيتي إذا أصبح الأمر خطيراً ، وعلى أية حال فمصيرنا بيد الرب ، أنتِ اختي العزيزة وأنا أختك السمراء ، شقراء وسمراء ، الضياء والظلام " .
أكاذيب الصحّاف المفضوحة
وأثناء ذلك تضطر لسماع هرطقات  وزير الإعلام محمد سعيد الصحاف ، الذي يؤكد أن العدو أصبح ضعيفاً وخائراً ، نحن منتصرون في كل الجبهات  .
في أحد الأيام ظهر صدام على شاشة التلفزيون ، كانت الرسالة التي وجهها  هي أن الأمريكان على وشك السقوط في الفخ أو الكمّاشة ، الكثير صدّق هذه الكلمات لا سيما وأن عاصفة  رملية شديدة هبّت في ذلك المساء ، مما اضطر القوات الأمريكية إلى التوقف عن التقدم باتجاه بغداد ، .
وأثناء تأزم الموقف ، أعلن الصحاف أن العراق من الآن سيستعمل أسلحة غير تقليدية ؟
تساءلنا ؛ هل يقصد أسلحة دمار شامل ، كيمياوي أو ذري ؟
في ذلك المساء فجّر أول انتحاري عراقي نفسه ، قاد سيارته التاكسي في طريق مغلق خاص بالأمريكان خارج النجف وقام بتفجير السيارة ونفسه معاً ، قيل إنه قتل أربعة من الأمريكان ، في اليوم التالي تم إخبارنا بأن هذا هو السلاح غير التقليدي العراقي ، الانتحاريون !
وأثناء تحاورهما معاً تبدي عالية رأيها ؛" ماذا يفعل الأمريكان اذن ؟ يقتلون النساء والأطفال الأبرياء ، أليس ذلك إرهاباً ؟ لربما يكون الأمريكان متفوقين علينا بالسلاح ، لكننا متفوقون عليهم أخلاقياً وحضارياً ، وعلى أية حال فإن الله معنا ".
 وتحتدم الأمور  ، تصبح القوات الأمريكية على مشارف بغداد ، يأمرها المسؤول الإعلامي في مكتب عدي بالمغادرة هي وعدد قليل  متبقٍ من الصحفيين الأجانب ، ولكنها تستشعر أن نهاية النظام قد اقتربت ، فتقول لها مرافقتها عالية ؛ " مهما حصل ، بإمكانك البقاء اختفي وراء ظهري ، وعندما يأتي الأمريكان سأختفي وراء ظهرك " .
أثناء ذلك يصر وزير الإعلام على الظهور أمامهم في مؤتمر صحفي يتم بثه على الفضائيات ، ويتحدث عن النهب الذي  يقوم به الجنود البريطانيون   قائلاً ؛
- في البصرة سرقوا حتى حليب الأطفال الرضّع ، سرقوا باودر الحليب من المخازن ، كانت هناك ابتسامات خفية في كل القاعة ، فتسأل مرافقتها عالية ؛
- هل تعتقدين حقاً أن الجنود البريطانيين سرقوا مخازن حليب الأطفال ؟
تجيب هذه ؛ بالطبع ، تقول لها ؛ ولكن ، ما الذي سيفعلونه بكل هذا الحليب ؟
- يستعملونه مع الشاي !
لا يلبث الصحاف أن يظهر علينا كرة ثانية ، قائلاً " أعتذر لكوني قد أيقظتكم مبكراً هذا الصباح مع صوت الإطلاقات ، ولكني أريدكم أن تعلموا بأننا أجبرنا العدو على التقهقر ويمكنكم أن ترتاحوا " .
على الجانب الآخر من النهر ، كانت  دبابات الأمريكان قد أخذت مواقعها خارج القصر الجمهوري ، " سوف تكون قبورهم جميعاً في بغداد "  يردف الصحاف  ، لقد أحكمنا الخناق حول الجيش الأمريكي ، تصوروا أن الجنود الأمريكيين محبوسون داخل دباباتهم . سوف نلقنهم درساً ، درساً  تأريخياً . أنا لا أستطيع  أن أفهم لماذا أرسلوا جنودهم إلى هنا لكي ينتحروا ، عندما قالوا إنهم استولوا على القصور الرئاسية فإنهم يكذبون ، إنهم يخدعونكم " .
رد عليه مراسل الـ bbc قائلاً ؛
- ولكن ، انظر إلى الجانب الآخر من النهر ، تلك هي الدبابات الأمريكية .
يروي لها  لورنزو ، وهو أحد زملائها من الصحفيين ، أنه كان يوم أمس  في  مدينة صدام ، قص عليها كيف احتضنه الناس هو والأمريكان ، في البداية كان الجميع يصفّقون ، ثم انتبهوا بأن أيديهم يمكن استعمالها  لغرض آخر ، انفجر النهب ، كانوا ينتزعون كل شئ  يجدونه .
بعد سقوط صدام يتاح لها أن تطلع على العديد من الحكايات ،  التي كانت ترغب بشدة في سماعها من أفواه الناس مباشرة ودون رقيب .
مجموعة من الأصدقاء يعرفون الكثير عن الذين سُجنوا  أو اختفوا خلال حكم صدام ، أحدهم وهو مهندس حاسبات أخبرها بقصة صديق  له في المدرسة أطلق نكته عن صدام حسين خلال فرصة الدرس ، " في اليوم التالي لم يأت إلى المدرسة ، وكذلك في اليوم الذي يليه ، بعد أسبوع ذهبنا إلى بيتهم لنسأل عنه ، فوجدنا أن العائلة كلها غير موجودة ، جاءت المخابرات في مساء ذلك اليوم وأخذوهم جميعاً ، لم يعودوا مطلقاً ، يقول ياسر  الذي ما يزال يتذكر تلك النكتة المميتة ؛
- في أحد الأيام يقرر صدام بأن أي واحد يريد مغادرة العراق سيُسمح له بذلك ومن دون رسوم باهظة  ، طوابير طويلة  كانت تقف أمام دائرة الجوازات ، سمع الرئيس بذلك وقرر أن يأتي بنفسه ويرى ، تنكّر ببدلة قديمة ووضع لحية مستعارة ، وقف في الطابور وعندما وصل إلى المقدمة ، طلب أن يمنحوه جوازاً ، بعد ذلك  خلع لحيته فتعرّف عليه كل من كان هناك ، قال ؛ أريد أن أسافر أيضاً ، وأصدر له الموظف المدني جوازاً ، عندما استدار وجد أن الطابور الطويل جداً قد اختفى .
- أين ذهب كل هؤلاء الذين كانوا خلفي في الطابور ؟
- سيدي ، عندما رأوا بأنك ستغادر قرروا البقاء قال الرجل الوحيد الذي كان واقفاً .
ختاماً ليس بوسعنا سوى أن نثني على  هذا الكتاب الذي وثّقت في الصحافية  بطريقة روائية طازجة لمجريات الأحداث في مفصل مهم من تأريخ العراق ، كما أننا نشيد ونمتدح المجهود الكبير الذي بذله الباحث والمترجم صلاح السعيد في إخراج هذه التحفة الأدبية  ، وبوسعنا أن نؤكد أنه وعبر هذا الكتاب تحديداً صنع مأثرته الأكثر أهمية  في ميدان الترجمة ....
بقي أن نشير أن الكتاب هو من إصدارات المركز الثقافي للطباعة والنشر في الحلة بإدارة صديقنا  الشاعر المثابر ولاء الصواف ...