السومريون واللغة السومرية
منشد مطلق
المنشداوي / ماجستير اثار
أولاً- السومريون :-
الاسم – الأصل – الموطن
إن اسم السومريين الذي ظهر في
ألقاب ملوك بلاد وادي الرافدين والتي ظهرت من خلال اللقب ( ملك بلاد سومر وبلاد
أكد ) ، حيث ظهرت هذه التسمية المزدوجة من بعد العهد الجوتي ؛ والعلامات المسمارية
التي يكتب بها اسم سومر ( كي . إين . جي KI.EN.GI ) والتي تعني حرفياً ( أرض . سيد .
القصب )( 1 ) ؛ ويُكتب هذا المصطلح باللغة الأكدية على هيئة ( مات شوميرم mat shumerim ) أي (
بلاد السومريين ) ( 2 ) . وظهرت التسمية الأولى في نصوص تعود لكل من ( إي – أناتوم
) و ( لوجال – زاجيزي ) .
كما
أن هناك آراء قيلت في معنى اسم سومر أي أنه مشتق من أحد أسماء مدينة ( نفر ) التي
كانت مقراً دينياً عند السومريين ، إضافة إلى كونها أول مدينة في الحد الشمالي من
بلاد سومر ؛ فعلى هذا الأساس فإن تسمية السومريين مأخوذة من طبيعة المنطقة التي
استقرَ فيها السومريين آلا وهي منطقة السهل الرسوبي من بلاد وادي الرافدين . أي أن
أسم السومريين تسمية لاحقة للاستيطان ومشتقة من اسم مدينة سومر ولا تحمل مدلولاً
قومياً .
أما
فيما يتعلق بأصل اللغة السومرية وموطنها الأول بقيا مثار نقاشات وآراء متضاربة .
ومن بين الأسباب التي تكمن وراء ذلك أن اللغة السومرية ليست من اللغات الجزرية وهي
فضلاً عن ذلك ، لغة ليست لها ما يشابهها من اللغات المنقرضة أو المتداولة ؛ مما
حمل المستشرقين على تقديم افتراضات متعددة بخصوص الموطن الأصلي للسومريين . فمن
بينها أن السومريين لم يأتوا من جهات بعيدة خارج حدود بلاد وادي الرافدين ، وإنما
كانوا أحد الأقوام الذين عاشوا في جهة ما من بلاد وادي الرافدين في عصور ما قبل
التاريخ ثم في السهل الرسوبي منه ( 3 ).
وبعبارة أخرى فإن السومريين هم من جملة الأقوام المحلية التي كانت تسكن في العراق
منذ أقدم العصور وأنها لم تأتِ من خارج القطر بل أنها نزحت من جهة الشمال إلى
الجنوب واستقرت في القسم الجنوبي من العراق منذ عصور ما قبل التاريخ وامتزجت مع
بقية سكان البلاد وأن اسم السومريين مشتق من اسم البلاد التي استقروا فيها ( بلاد
سومر ) ، شأنهم في ذلك شأن الأكديين والبابليين ( 4 ) . ومهما يكن من أصل
السومريين وطرق مجيئهم إلى القسم الجنوبي من العراق فمما لا ريب فيه إنهم ساهموا
مساهمة فعالة في خلق وازدهار حضارة العراق وأضفوا عليها طابعاً خاصاً مميزاً إلى
درجة إنها نسبت إليهم وعرفت باسمهم ولو أن هناك من الباحثين لا يؤيد هذه التسمية
لأن الحضارات التي قامت في العراق القديم لم تكن من نتاج السومريين فقط بل ساهمت
في تكوينها وتطورها وازدهارها جميع الأقوام التي استقرت في هذا الجزء سواء أكانوا
من السومريين أو الأكديين أو غيرهم إلى درجة يصعب تمييز العناصر الحضارية السومرية
أو الأكدية من غيرها من العناصر الحضارية .
ثانياً- اللغة السومرية :-
هي
لغة الأقوام السومرية التي استقرت في القسم الجنوبي من العراق وبرزت على المسرح
التاريخي والسياسي في حضارة بلاد الرافدين ومع أهمية الأقوام السومرية في تاريخ
العراق القديم ومساهمتها الكبيرة في وضع أسس الحضارة العراقية فإن التعرف إليها
وإلى لغتها لم يتم إلا في فترة متأخرة نسبياً .
تعد
اللغة السومرية أقدم اللغات العراقية ، بل العالمية من حيث تاريخ التدوين فقد تمكن
الباحثون من تحليل العلامات الصورية البسيطة على ألواح الطين المكتشفة في كل من
الوركاء والعقير وجمدة نصر والتي يرقى بتاريخها إلى أواخر الألف الرابع قبل
الميلاد وتبين بأنها تمثل أول المحاولات في تدوين اللغة السومرية ( 5 ) . وإنها أي
العلامات المنقوشة على هذه الألواح عبارة عن ثلاث علامات صورية بسيطة متكررة عدة
مرات ترمز إلى اسم الإله السومري ( إنليل EN.LIL ) إله الجو والهواء ( 6 ) ، والفعل (
يعيش ، يمنح الحياة )( 7 ) .
تشير الدراسات اللغوية التي تمت إلى اللغة السومرية بأنها لغة منفردة لا تشبه
اللغة الأكدية ( البابلية و الآشورية ) أو غيرها من اللغات التي عُرفت بالعراق
القديم سواء في التراكيب والقواعد اللغوية أم المفردات أو حتى الأصوات . بل أن
اللغة السومرية لا تنتمي إلى أية عائلة من العائلات اللغوية المعروفة حتى الآن ( 8
) ، وقد نتج عن هذا الغموض الذي يكتنف أصل اللغة السومرية وعدم انتمائها إلى أية
من العائلات اللغوية وأن أختلف الباحثون في تحديد أصل السومريين وموطنهم الأول
وظهرت آراء ونظريات عدة حول ذلك وكان اعتماد جل تلك الآراء إلى وجود بعض أوجه
الشبه بين اللغة السومرية وبين بعض اللغات العالمية الأخرى ، غير أن أوجه الشبه في
جميع الحالات لا ترقى إلى درجة القرابة أو الانتماء إلى عائلة لغوية قديمة كانت
فروعها معروفة في المنطقة ثم انقرضت فروع تلك العائلة اللغوية ( 9 ) ومن بعد أصبح
من الممكن تحديد لغة ألواح الوركاء وجمدة نصر باللغة السومرية ( 10 ) ، ( Sumerian language ) وتكتب بالسومرية
" إمي . كو كي . اين . جي . را " وبالأكدية " ليشان شوميرم
" ( Lishan -
shumerim )
( 11 ) .
كانت الكتابة في بدايتها بسيطة وصورية وكانت العلامات الصورية المستخدمة كثيرة
يتجاوز عددها الألفين علامة ثم اختزلت أشكال العلامات الصورية تدريجياً وتغير اتجاه
الكتابة والعلامات ( 12 ) ، وكانت الطريقة المتبعة هي رسم الشيء المادي الذي يراد
التعبير عنه على قطعة من الطين الطري بواسطة قلم مدبب
.
ثالثاً- أهم خصائص اللغة السومرية
:-
1- اللغة السومرية من اللغات التي تتصف
بظاهرة الإلصاق ( 13 ) ، والإلصاق هو القدرة على تكوين ألفاظ ذات معانٍ جديدة بلصق
كلمتين أو أكثر إلى بعضها البعض مثال :- تُصاغ كلمة ( لوجال Lugal ) السومرية وتعني ملك من كلمة ( لو Lu ) بمعنى رجل و ( جال Gal ) بمعنى عظيم فتصبح الرجل العظيم أو الكبير
أي الملك.
2- إن اللغة السومرية لغة غير قابلة
للتصرف كاللغات العربية القديمة . وجذورها بصورة عامة لا تتغير، ومن قواعد اللغة
السومرية الصوتية إسقاط الحرف الصحيح إن هو جاء في نهاية الكلمة ولم تتبعه أداة
نحوية تبدأ بحرف ، أما إذا أعقبته أداة نحوية تبدأ بحرف علة يتكون من الحرف الصحيح
وحرف العلة مقطع صوتي جديد ، مثال :- قصر ملك أور " أي . جال
لوجال أوريم . أك . أك " (Uri(m).ak.ak E.gal
Lugal
) فيكون لفظها على النحو الآتي :- " أي . جال لوجال أوري . ما.
كا " ( E.gal
Lugal Uri.ma.ka ) ( 14 ) .
3- وتتألف الجذور السومرية بصورة عامة من
مقطع واحد وان كانت هناك جذور مؤلفة من أكثر من مقطع واحد . كما أن اللغة السومرية
لا تفرق بين الاسم المذكر والاسم المؤنث فمثلاً :- المقطع " نن " ( Nin ) ، يدل على المذكر والمؤنث ، في حين
أن هناك تفريق واضح بين العاقل مثل البشر ، وغير العاقل مثل الحيوان ، أما العدد فليس
هناك سوى المفرد والجمع وللإشارة إلى الجمع يُضعف الاسم أو تضاف أداة نحوية خاصة
بالجمع " ميش " ( mesh ) ( 15 ) . وتعتمد اللغة السومرية على الحروف الصحيحة وحروف العلة
( 16 ) .
4- تتألف الجملة السومرية من جزئين
رئيسيين يضم الأول جملة الاسم والثاني جملة الفعل وسوابقه وحشواته وملحقاته ،
وتأتي وحدة الفعل في نهاية الجملة ، وقد أثرت هذه الحقيقة بالذات على الفعل في
اللغة الأكدية فجاء غالباً في نهاية الجملة خلافاً للأسلوب المتبع في بقية اللغات
الجزرية ( كالعربية ) ( 17 ) .
كان
أول استخدام للغة السومرية للتدوين منذ أواخر الألف الرابع قبل الميلاد ، وهو
تاريخ ألواح الوركاء ، إلا أن اللغة السومرية لابد وان كانت في الاستخدام قبل هذا
التاريخ بفترة تتزامن وتاريخ استقرار السومريين في القسم الجنوبي من العراق القديم
وخلال النصف الأول من الألف الثالث قبل الميلاد وحتى قيام الدولة الأكدية ( 2371 ق
.م ) ، كانت اللغة السومرية هي اللغة الرئيسة السائدة على النطاق الشعبي والرسمي
ولغة المكاتبات الرسمية والشخصية والدينية ( 18 ) ، وجاءت آلاف من النصوص السومرية
مدونة خلال تلك الفترة والتي تضمنت مختلف المواضيع فمنها الوثائق الإدارية
والاقتصادية والنصوص الملكية والتأليف الأدبية كالترانيم والمراثي والرقى والصلوات
والشرائع القانونية والقرارات القضائية ( 19 ) . ثم بدأ استخدام اللغة الأكدية إلى
جانب السومرية مع مجيء الأقوام الأكدية بفترة غير معروفة على وجه الدقة ، إلا أن
الانتقال من اللغة السومرية إلى الأكدية بدأ بعد أن تم تأسيس الدولة الأكدية
وأصبحت اللغة الرسمية في البلاد هي اللغة الأكدية إلى جانب السومرية ومن الطبيعي
أن الانتقال إلى اللغة الأكدية حدث بصورة تدريجية فظهرت أولاً مجاميع معينة من
النصوص ، لاسيما تلك الصادرة عن القصر الملكي كالقوانين والنصوص الملكية بصورة
عامة ، مدونة باللغة الأكدية ، وزودت نصوص سومرية بترجمات أكدية بين السطور كالرقي
والتعاويذ وتدريجياً بدأ استخدام اللغة الأكدية يتسع على حساب تقلص استخدام اللغة
السومرية على حقول معينة من الحياة كالإدارة وأنواع معينة من الآداب وغيرها ( 20 )
.
وبظهور سلالة إيسن ولارسا في أعقاب سقوط سلالة أور الثالثة ، ثم قيام سلالة بابل
الأولى وضح التحول اللغوي إلى الأكدية حيث حلت محل السومرية حتى في النصوص الأدبية
وقد زاد في هذا التحول تدفق أقوام جزرية جديدة إلى المنطقة تتكلم لغة شبيهة باللغة
الأكدية هي الأقوام الأمورية . ومع ذلك فإن الانتقال لم يكن كاملاً إلى الأكدية
فقد احتفظوا بالنصوص السومرية على أنها من جملة التقاليد الأدبية الموروثة وحافظ
الكتبة عليها وعلى استنساخها في العصور التالية كما حافظ على ثنائيتهم اللغوية
بحيث أنهم كانوا يكتبون نصوصاً ملكية بأسلوب أور الثالثة حتى عهد آشور – بانيبال
في القرن السابع قبل الميلاد لاعتبارات سياسية أو غيرها وهذا يدل على أنهم ظلوا
يتعلمون المفردات والمصطلحات السومرية وما يقابلها بالأكدية لأكثر من ألف وخمسمائة
سنة حيث أنهم زودوا النصوص السومرية بتوضيحات وتعليقات أكدية ولفظية وهكذا ظلت
اللغة السومرية حية في النصوص العلمية ومقدسة في بعض النصوص الأدبية ، بعد أن كانت
قد اختفت لغة رسمية منذ الثلث الأول من الألف الثاني قبل الميلاد ( 21 ) .
ومن
أجل ذلك نظمت قوائم بالمفردات والمصطلحات السومرية وما يقابلها في اللغة الأكدية
تمثل أقدم المحاولات في تنظيم المعاجم اللغوية ن وظلت بعض النصوص السومرية تكتب أو
تحفظ إلى القرون القليلة الأخيرة قبل التاريخ الميلادي ( 22 )
.
ولما طرأت على اللغة السومرية من تغييرات عبر العصور التي مرت بها واختلاف اللغة
المدونة حسب الفترات الزمنية التي تعود إليها النصوص المكتشفة ، وأن كان الاختلاف
بسيطاً ، فيمكن تمييز عدد من المراحل التي مرت بها اللغة السومرية استناداً إلى
النصوص المكتشفة وهي كالآتي :-
1 ) النصوص البدائية 3000-
2600 ق . م Archaic
texts
تعود إليها النصوص المكتشفة في مدينة الوركاء والتي تؤرخ بحدود
(
3000 ق . م ) ، ويعود إلى هذه المرحلة أيضاً أخرى متأخرة عنها نسبياً ( 2600 ق. م
) ، عثر عليها في مواقع عديدة مثل جمدة نصر والعقير وشروباك وكيش ، ومعظم نصوص هذه
المرحلة مقتضبة وذات طابع اقتصادي ( 23 ) .
2 ) النصوص السومرية القديمة 2500 – 2350
ق.م Old
Sumerian
تشمل نصوص هذه المرحلة الكتابات التاريخية لسلالة لجش الأولى وبعضها نصوص طويلة مثل
مسلة العقبان للأمير السومري ( إي – أناتم ) وكذلك كتابات ( إنتمينا ) ، التي تسلط
الأضواء على الأوضاع السياسية في سومر في عصر فجر السلالات . ويقع ضمن هذه
المجموعة من الكتابات ، نص الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية ( لاورو – إنمكينا )
، آخر ملوك سلالة لجش الأولى ، كما تعود لهذه المرحلة بضعة آلاف من النصوص
الإدارية . أما النصوص الأدبية كالأساطير والملاحم فهي قليلة جداً في هذا العصر إذ
لم يتجاوز عدد التآليف الأدبية التي تم تشخيصها إلى حد الآن عن ثلاث ( 24 ) .
3 ) نصوص العصرين السرجوني والجوتي 2350- 2140 ق.م Sargonic and Gutian
أصبحت اللغة الأكدية في هذه المرحلة لغة البلاد الرسمية أما في العصر الجوتي الذي
تلا العصر الأكدي ، فإن أهم ما وصلنا من وثائق يكاد ينحصر في الكتابات
السومرية لأمراء سلالة لجش الثانية التي عاصرت الجزء الأخير من حكم الجوتيين ،
فضلاً عن المخاريط الطينية التي تسجل منجزات عمرانية لعدد من أمراء هذه السلالة
فإن أهم وثائق لجش الثانية الاسطوانتان العائدتان لجودية واللتان سجل عليها بأسلوب
أدبي رفيع وصفاً لمراحل بناء معبد الإله ننجرسو ، يُضاف إلى ذلك عدد من الكتابات
المنقوشة على تماثيل هذا الأمير . وتُعد نصوص جودية على الاسطوانتين من أطول
النصوص السومرية التي وصلتنا إلى حد الآن ، كما أن لها أهمية خاصة في دراسة قواعد
اللغة السومرية في عصرها الكلاسيكي ( 25 ) .
4 ) نصوص سلالة أور الثالثة Ur
Third dynasty of
وصل إلينا من عصر سلالة أور الثالثة مجموعة كبيرة من الوثائق الإدارية والاقتصادية
والقضائية . وتمثل الوثائق الأخيرة مجموعة الأحكام القضائية التي أصدرتها المحاكم
السومرية في مختلف القضايا المتنازع عليها ، وهي لذلك ذات فائدة كبيرة لدراسة المجتمع
السومري في هذا العصر . وضمت المتاحف العالمية مجموعة من المراسلات التي تم
تبادلها بين بعض الملوك وحكام المدن ، وتُعد الرسائل التي تعود للملك أبي – سين (
26 ) ، على قدر كبير من الأهمية لأنها تسلط الأضواء على الأسباب الكامنة وراء سقوط
هذه السلالة ( 27 ) .
5 ) نصوص العهد البابلي القديم 2000
– 1595 ق.م
Old
Babylonian
وهي
المرحلة التي أعقبت سلالة أور الثالثة وانتهت بسقوط سلالة بابل في حدود ( 1595 ق.م
) ، ومعروف أن اللغة السومرية أخذت بالزوال بعد سقوط سلالة أور الثالثة لتحل محلها
البابلية التي أصبحت اللغة الرسمية ولغة التخاطب اليومي في البلاد وعلى الرغم من
سيادة اللغة البابلية على هذا الجزء ، فقد تم في هذا العصر تدوين واستنساخ نصوص
كثيرة باللغة السومرية والتي يمكن تصنيفها إلى صنفين أساسيين ، الأول وهو الكتابات
التذكارية لملوك سلالتي إيسن ولارسا ، أما كتابات ملوك سلالة بابل الأولى فإن
القسم الأعظم منها دون بالبابلية وقليل منها بالسومرية ، أما الصنف الثاني فإنه
يشتمل على النصوص الأدبية كالملاحم والأساطير والصلوات والتعاويذ والمناظرات
والأمثال ومجموعة من الرسائل الرسمية والشخصية. والراجح أن هذه النصوص الأدبية
دونت خلال القرنين الفاصلين بين حكم ريم – سن ملك لارسا ، وحكم أمي – صدوقا ملك
بابل ( 1646 – 1626 ق.م ) ( 28 ) . ولابد من التنويه هنا بدور المدرسة البابلية
والنساخ البابليين في حفظ التراث السومري في هذا العصر عن طريق استنساخ الوثائق
السومرية القديمة ( 29 ) .
6 ) نصوص ما بعد العهد البابلي
القديم Post old Babylonian
بقيت النصوص السومرية متداولة في نطاق المراكز الثقافية والدينية بعد سقوط بابل
عام ( 539 ق. م ) إلى مرحلة متأخرة حتى العهد السلوقي ( القرن الثاني الميلادي ) ،
وتشمل نصوص هذه المرحلة على التعاويذ والأمثال وعلى الأناشيد والمناحات ( 30 ) .
وفي السومرية لهجتان أساسيتان الأولى وهي الفصحى ( إمي – جر ) " eme –gir " ( حرفياً : اللسان الأميري أو
اللسان الضخم ) ، والثانية وتعرف في السومرية بمصطلح ( إمي – سال ) " eme – sal " ( حرفياً : لسان النسوة ) ، ومن
الباحثين من يعد المقطع ( سال ) " sal " مـرادف لـلـكـلـمـة الأكـدية ( راقو ) " Raqqu " بـمـعـنـى ( رقَ ، لانَ ) فيكون
المعنى ( اللسان الرقيق ) في حين يرى آخرون أن الـكـلـمـة تعني ( اللسان المائل أو
المنحرف ) أي ( اللسان الغريب أو الشاذ ) .
وعلى أية حال فإن أقدم النصوص المدونة باللهجة الثانية أي لهجة " eme – sal " ( 31 ) ، وهي أناشيد دينية كتبت
في العصر البابلي القديم ( 32 ) ، وجدير بالذكر أن هذه الأناشيد تُعد الضرب
الأدبي السومري الوحيد الذي أستمر في الوجود بعد هذا العصر فقد وصلت نماذج منه
دونت في العصر الآشوري الحديث ، كما يعود تاريخ بعضها إلى أزمان متأخرة كالعصر
السلوقي . فضلاً عن الأناشيد الدينية فقد كتبت تآليف أدبية أخرى بهذه اللهجة .
ومما تجدر الإشارة إليه بخصوص لهجة " eme – sal " ، إنها تستعمل في النصوص الأدبية عندما يأتي الكلام
على لسان البشر أو الآلهة ( 33 ) . وقد لاحظ بعض الباحثين أيضاً أن الفرق بين لهجة
" eme – gir " و " eme – sal " في اللغة السومرية هي ذاتها
التي تميز لغة الرجال عن لغة النساء في حضارات أخرى في مجال التغييرات الحاصلة في
اللفظ والمفردات ولكن ليس في القواعد ( 34 ) .
رابعاً- المرحل التطورية :-
لم
يقتصر السومريون على اختراعهم أسلوب الكتابة بل طوروها وجعلوا منها أداة نافعة
للتدوين ونقل الأفكار ومرت هذه الكتابة بمراحل هي كالآتي :-
1 ) المرحلة
الصورية
Pictographic
لقد
بدأ الخط المسماري بهيئة صورية قوامها علامات تمثل الأشياء المراد تدوينها ، أي أن
كل صورة تمثل كلمة ( 35 ) ، فمثلاً عبر الكاتب العراقي القديم عن كلمة سمكة برسم
صورة لها كما عبر الكاتب عن كلمة قدم برسم صورة للقدم ، ولكن إذا أراد الكاتب
التعبير عن إنسان رسم صورة موجزة وهكذا .
وتعتبر هذه المرحلة من أقدم المراحل في تاريخ الكتابة وقد وصلتنا نماذج منها من
الطبقة الرابعة من الوركاء ومدونة بهذا النوع وتتضمن نصوصاً اقتصادية وجداول
بأسماء المواد التي كانت كافية لتؤدي الغرض المطلوب وعُثر أيضاً على لوح من الحجر
عليه كتابة صورية يضم نصاً اقتصادياً من مدينة كيش ( تل الأحيمر ) ( 36 ) .
2 ) المرحلة الرمزية
Logogram / Ideogram
اهتدى الكاتب العراقي إلى
ابتكار الطريقة الرمزية لكي يتمكن بواسطتها من تدوين الأفكار والأشياء المعنوية
وذلك برسم صورة لها بهيئة مختصرة ، فأصبحت العلامات لا تعبر عن الشيء الذي تصوره
فقط بل تعبر عن أفكار ذات صلة بما تمثله تلك العلامة أو بعبارة أخرى استخدم الكاتب
قيماً جديدة لعلامات كانت قائمة سابقاً ، مصدرها أفكار تتعلق بالمعنى الأصلي للشيء
ذاته ( 37 ) ، فمثلا أصبحت صورة القدم لا تستخدم لتدوين القدم أو الرجل بل اتخذت
لها معانٍ جديدة مستمدة من معناها الأصلي مثل ( ذهبَ ، وقفَ ، مشى ، قامَ ، أتى )
، وصارت صورة الشمس تُعبر أيضاً عن المعاني المشتقة منها كالضوء والحرارة والليل
والنهار ، وبالمثل أصبحت علامة المحراث تُعبر عن معانٍ أخرى مثل الفعل ( حَرَثَ )
وكذلك تُعبر عن كل فلاح ( 38 ) . كما قاموا بدمج علامتين أو أكثر فمثلاً إذا أراد
الكاتب التعبير عن الفعل ( أكَلَ ) رسم صورة الفم وبداخله قطعة من الخبز ، وإذا
أراد التعبير عن الفعل ( شربَ ) رسم صورة الفم وبداخله صورة الماء وبجمع المرحلتين
الرمزية والصورية صار بالإمكان التعبير عن معاني وجمل كثيرة ولكن بقيت الكتابة
ناقصة بسبب استحالة التعبير بهذه الطريقة عن مختلف شؤون الحياة ( 39 ) . فدعتهم
الحاجة لتلافي هذا النقص باستخدام العلامات بهيئة مقاطع لكتابة الكلمات والجمل
المختلفة وهذه المرحلة هي :
3 ) المرحلة الصوتية
Phonetic
تمثل هذه المرحلة آخر مراحل التطور التي توصل إليها النساخ العراقي في استخدام
الخط المسماري لأنهم لم يصلوا إلى الطور الهجائي ( Alphabetic ) أي استخدم الحروف الهجائية والمقصود
بالمرحلة الصوتية هو إعطاء أصوات للعلامات تتناسب ولغتهم مجردة عن مدلولاتها
الصورية والرمزية ( 40 ) ، وهذه المرحلة ظهرت في الطبقة الثالثة من عصر الوركاء إذ
كُشف في هذه الطبقة على نص مسماري استخدم فيه المصطلح السومري ( ti ) لكي يدل على كلمة ( سهم ) كما استخدم
لفظ أو صوت العلامة لأداء معنى كلمة ( حياة ) ومن هنا يتضح إن لكل من العلامتين (
سهم وحياة ) لفظاً متطابقاً بالرغم من اختلاف معانيها ( 41 ) .
وبهذه الطريقة استطاعوا السومريون كتابة الأسماء والأشياء على هيئة مقاطع صوتية
فمثلاً إذا أرادوا أن يكتبوا اسم ( حسين ) كتبوه بهيئة مقطعية ( خو – سي – إين )
"hu – se –
en "
فالعلامة " خو hu " تعني سمكة والعلامة " سي se " تعني قرن والعلامة " إين en " تعني سيد وهذا يعني أنهم أخذوا
لفظ أو صوت العلامة بغض النظر عن معانيها في كتابة الاسم .
ومما ساعد على نشوء التطور المقطعي الصوتي هو أن العلامات من حيث قيمتها الصوتية
كانت تضم نوعين من العلامات المتعددة الألفاظ بعضها ذو معنى وبعضها الآخر مجرد
مقاطع صوتية ليس لها أي مدلول ، ونذكر على سبيل المثال أن العلامة الدالة على الفم
لها ألفاظ ومعانٍ متعددة فتقرأ " كا Ka " وتعني ( فم ) وتقرأ " إنيم Inim " وتعني ( كلمة ) وكثير من
العلامات المقطعية كان لها عدة أصوات أي أن المقطع كان يقرأ قراءتين أو أكثر
فالمقطع " آ a " يقرأ
" آ a " ويقرأ
" أبلو ablu " الأبن
البكر( 42 ) .
أما
النوع الثاني فهي العلامات المختلفة صورة والمتفقة صوتاً وتُعرف ( أحادي الصوت ) ،
على سبيل المثال توجد عشرون علامة ذات أشكال مختلفة في القيمة الصوتية " دو Du " ولما كان للعلامة المسمارية
الواحدة قراءات عديدة وكل قراءة تدل على معنى خاص لذلك أصبح لعدد كبير من العلامات
المسمارية قراءات متشابهة ولتمييز الفرق بين العلامات ذات القراءات المتشابهة وضع
علماء الدراسات المسمارية أسلوباً خاصاً وهو إعطاء العلامات المتشابهة أرقاماً
للدلالة على تسلسلها بالنسبة للقراءة فمثلاً أن العلامة " آو u " أعطيت لها الأرقام ( 1 ، 2 ، 3
، 4 ، 5 ) وهكذا ( 43 ) . وبالنظر لصعوبة الكتابة المسمارية واحتوائها على هذا
العدد الضخم من العلامات أضطر الكتبة القدماء إلى استخدام بعض الوسائل التوضيحية
للاستعانة بها في مهمة تعلم الكتابة وقراءة النصوص فاستخدموا ( العلامات الدالة )
وهي علامات ورد البعض منها قبل الكلمات والبعض الآخر بعد الكلمات لتعيين المراد
منها دون أن تقرأ في سياق الكلام وأهم هذه العلامات هي التي تسبق أسماء الآلهة
والبلدان والشعوب وأسماء الأعلام من ذكور وإناث وأسماء الأنهار ( 44 ) . أما
العلامات الدالة اللاحقة فتستخدم للدلالة على أسماء المدن والمناطق وأسماء أنواع
الأسماك والطيور وأسماء الخضروات وتوجد أيضاً علامات تدل على الجمع ( 45 ) ، كما
استخدم الكاتب ( المتمم اللفظي ) وكان الغرض منه تحديد اللفظ الذي أرادَ تدوينه من
قراءة العلامة وبمعنى آخر إنه استخدم النهايات الصوتية وغيرها من وسائل الإيضاح .
بالإضافة إلى ما أسلفنا من مراحل التطور التي مرت بها الكتابة فقد حدثت تغييرات
أخرى في شكلها فأخذت العلامات تفقد شكلها الصوري وذلك بسبب استخدام الكتبة قلماً
من القصب مثلث الرأس فبعد الشبه بين أشكالها وأشكال الأشياء التي كانت تمثلها
فأصبحت العلامات تشبه المسامير ومن هنا جاءت التسمية بالكتابة المسمارية ( cuneiform ) ( 46 ) .
الـــمــراجــع : -
1- طه باقر ، مقدمة في تاريخ
الحضارات القديمة ، ج 1 ، بغداد – 1973 ، ص 58.
2- إن من أهم المدن في بلاد
سومر ونفر و الوركاء و لارسا و إيسن وأدب وشروباك ولجش واوما وأور واريدو ، حول
ذلك ينظر :
عامر سليمان وأحمد مالك
الفتيان ، محاضرات في التاريخ القديم ، بغداد – 1985 ، ص 25 .
3- طه باقر ، المرجع السابق ،
ص 26 .
4- عامر سليمان وأحمد مالك
الفتيان ، المرجع السابق ، ص ص 75 – 76 .
5- عامر سليمان ، "
التراث اللغوي " ، حضارة العراق ، ج 1 ، بغداد – 1985 ، ص 278 .
6- المعنى الحرفي للعلامة
الأولى تقرأ في السومرية ( أين = EN بمعنى سيد ) في حين تعني العلامة ( ليل LIL ) هواء أو جو فيكون معنى العلامتين سيد
الهواء ، يُنظر : عامر سليمان ، اللغة الأكدية " الآشورية والبابلية
" تاريخها وتدوينها وقواعدها ، الموصل – 1991 ، ص 27
.
7- وتلفظ بالسومرية "
تي Ti " وتعني سهم ،
ومن معانيها يُعطي الحياة ، يُنظر :
عامر
سليمان ، اللغة الأكدية ، المرجع نفسه ، ص 28 .
8- فاضل عبد الواحد علي ، من
ألواح سومر إلى التوراة ، بغداد – 1989 ، ص 39.
9- طه باقر ، مقدمة في تاريخ
الحضارات القديمة ، المرجع السابق ، ص 60 .
10- هاري ساكز ، عظمة بابل ،
ترجمة عامر سليمان ، الموصل – 1979 ، ص 62 .
11- فوزي رشيد ، قواعد اللغة
السومرية ، بغداد – 1972 ، ص 27 .
12- عامر سليمان وأحمد مالك
الفتيان ، محاضرات في التاريخ القديم ، المرجع السابق ، ص 64 .
13- عامر سليمان وأحمد مالك
الفتيان ، المرجع نفسه ، ص 74 .
14- طه باقر ، مقدمة في تاريخ
الحضارات القديمة ، المرجع السابق ، ص ص 59 – 60 .
15- عامر سليمان ، حضارة
العراق ، المرجع السابق ، ص 281 .
16- فاضل عبد الواحد علي ، من
ألواح سومر إلى التوراة ، المرجع السابق ، ص 49 .
17- طه باقر ، مقدمة في تاريخ
الحضارات القديمة ، المرجع السابق ، ص 59 .
18- عامر سليمان ، اللغة الأكدية
، المرجع السابق ، ص 33 .
19- حول هذه النصوص ، يراجع :
عامر سليمان ، القانون في العراق القديم ، الموصل – 1977 .
20- عامر سليمان ، اللغة
الأكدية ، المرجع السابق ، ص 34 .
21- عامر سليمان ، حضارة
العراق ، المرجع السابق ، ص 282 .
22- دونت هذه النصوص بحقلين
متقابلين أهم المفردات والمصطلحات السومرية التي وردت وإلى جانبها ما يقابلها
باللغة الأكدية ، ولهذه المعاجم أهمية كبيرة فهي توضح معاني كثير من المفردات
والمصطلحات السومرية التي استخدمت في النصوص المسمارية ، حول تفصيل ذلك يراجع :-
عامر سليمان ، القانون في العراق القديم ، المرجع السابق ، ص ص 115 – 117 .
23- فاضل عبد الواحد علي ، من
ألواح سومر إلى التوراة ، المرجع السابق ، ص 42 .
24- عامر سليمان ، حضارة
العراق ، المرجع السابق ، ص 283 .
25- جين بوترو وآخرون ، الشرق
الأدنى الحضارات المبكرة ، ترجمة عامر سليمان ، الموصل – 1986 ، ص 127 .
26- هو آخر ملوك سلالة أور
الثالثة ( 2028- 2004 ق.م ) حيث سقطت بعدها هذه السلالة على يد الأموريين حول هذه
السلالة يُراجع : طه باقر ، مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة ، المرجع السابق ، ص
ص 378 – 399 .
27- فاضل عبد الواحد علي ، من
ألواح سومر إلى التوراة ، ص 43 .
28- طه باقر ، مقدمة في تاريخ
الحضارات القديمة ، المرجع السابق ، ص ص 413 – 414 ، 432 .
29- عامر سليمان ، اللغة
الأكدية ، المرجع السابق ، ص 35 .
30- عامر سليمان ، حضارة
العراق ، المرجع السابق ، ص 283 .
31- فاضل عبد الواحد علي ، من ألواح
سومر ، المرجع السابق ، ص 40 .
32- بهيجة خليل إسماعيل ،
" الكتابة " ، حضارة العراق ، ج 1 ، بغداد – 1985 ، ص 228 .
33- يُطلق عليه باللغة الأكدية
مصطلح لغة العراك ( ليشان صليت ) " lishan siliti " . ، يُنظر :
عامر سليمان ، حضارة العراق ، المرجع السابق ، ص 284 .
34- فاضل عبد الواحد علي ، من
ألواح سومر إلى التوراة ، ص 41 .
35- عامر سليمان وأحمد مالك
الفتيان ، محاضرات في التاريخ القديم ، المرجع السابق ، ص 64 .
36- بهيجة خليل إسماعيل ،
حضارة العراق ، المرجع السابق ، ص 223 .
37- جين بوترو وآخرون ، الشرق
الأدنى الحضارات المبكرة ، المرجع السابق ، ص 54 .
38- بهيجة خليل إسماعيل ،
حضارة العراق ، المرجع السابق ، ص ص 123 – 124 .
39- بهيجة خليل إسماعيل ،
المرجع نفسه .
40- عامر سليمان وأحمد مالك
الفتيان ، محاضرات في التاريخ القديم ، المرجع السابق ، ص 64 .
41- بهيجة خليل إسماعيل ،
حضارة العراق ، المرجع السابق ، ص 224 .
42- بهيجة خليل إسماعيل ،
المرجع نفسه ، ص 225 .
43- بهيجة خليل إسماعيل ،
المرجع نفسه .
44- طه باقر ، مقدمة في تاريخ
الحضارات القديمة ، المرجع السابق ، ص 241 .
45- بهيجة خليل إسماعيل ،
المرجع السابق ، ص 226 .
46- بهيجة خليل إسماعيل ، المرجع السابق ، 228 .