الجمعة، 16 مايو 2014

شعرة معاوية وصخرة سيزيف- *أدونيس

شعرة معاوية وصخرة سيزيف


*أدونيس
ثقافات
- 1 -
شاركت الولايات المتّحدة والدّول الأوروبية في صنع «الربيع العربي»، لكن، وهذا ما تؤكّده التجربة، لأسبابٍ كثيرة تهمّها مباشرةً. بين أكثرها دلالةً، الأسباب التالية:
1 - أن يظلّ العرب كما هم، مأسورين، سياسيّاً وثقافيّاً، في لعبة السّلطة، وفي ميدانها المباشر.
2 - أن يزدادوا بُعداً عن القضايا الكبرى: المشاركة الخلاّقة في بناء العالم الحديث، حقوق الإنسان وحريّاته ومن ضمنها حقّ التغيُّر والتقدُّم، حقوق الاستقلال والسيادة.
3- تعميق النّظرة الغربيّة السائدة إلى العرب؛ فهي ترى أنّ العرَب ليسوا إلاّ «ركاماً» من البشر، وإلاّ «سوقاً استهلاكيّة»، وإلاّ «فضاءً استراتيجيّاً». ثرواتهم نفسها لا يعرفون كيف يستخدمونها، مدنيّاً وثقافيّاً وحضاريّاً؛ وهي في المحصِّلة «مُلْكٌ ضخمٌ فاشلٌ». وحيث يُنتَظَر منهم أن يفعلوا شيئاً أو أن يقولوا شيئاً يؤكِّد حضورَهم وفاعليّتهم، وأشير هنا، خصوصاً إلى فلسطين، يصمتون وينكفئون. ولئن كان صحيحاً أنّ «الخروج من أوروبّا هو خروجٌ من التاريخ» كما يقول الرئيس الفرنسيّ فرانسوا هولاّند، لمناسبة الاحتفال بعيد النّصر، فإنّ من الصحيح أيضاً أنّ محاولات إدخال العرب في التاريخ الغربيّ، على الطريقة الأميركية - الأوروبيّة، ليست دخولاً في التاريخ.
- 2 -
نادراً ما خرجتُ حزيناً ومُرهَقاً، من زيارة مُتحف، كما خرجتُ من زيارة المُتحَف الخاصّ بالهنود الحمر - (الأصحّ : ببقاياهم) في مانهاتان بنيويورك.
شعبٌ انقرض (الأصحّ : قُرِض)، وحُشِرَت آثارُه بين الجدران. تستطيع أن تتحدّث مع هذه الآثار كمثل ما كان الشاعر العربيّ يتحدّث مع الأطلال في صحرائه الشاعرة. وهي هنا آثارٌ فنّيّة تبدِعها يدٌ تتخيّل، ومخَيِّلةٌ تعملُ كأنّها يدٌ ثانية.
ترى الإنسانَ في أشيائه التي ابتكرها - لكي يُحسِن الحياة ويُحسِن فهمَ العالَم. أشياء ساحرة فريدة، بدءاً من أبسط أدوات الحياة اليوميّة، وانتهاءً بالأعمال الفنّيّة: مباهج الواقع، ومباهج التخيّل.
- 3 -
أدّت التجربة التّاريخيّة، ببُعدَيْها: الاستعبادي، اللاإنسانيّ، من جهة، والحياتيّ العمليّ، من جهةٍ ثانية، إلى نشوء مدى ثقافيّ وحضاريّ تمثّل في ما سُمّيَ «الولايات المتّحدة الأميركيّة». وهذه تحتضن الآن شعباً غنيّاً في ثقافته، وغنيّاً في تنوّعه وتعدّده، ومؤثّراً في العالم كلّه.
ولئن كان هذا الشعب قد أفاد نظريّاً من تجارب «الاكتشاف» ومن «الاستعمار» و «الإبادة»، فإنّ سياسات الأنظمة التي تعاقبت على قيادته، ظلّت مرتبطة، بشكل أو آخر، قليلاً أو كثيراً، بأصول الثقافة الاستعماريّة. ونادراً ما وقفَت هذه السياسات في تاريخها كلّه، إلى جانب حقوق الإنسان، وحريّات الشعوب، وسيادتها على نفسها ومصيرها، باستقلال كامل. وهي ممارسَةٌ يعرفها العالم غرباً وشرقاً - في أميركا الجنوبيّة، الجارة الشّقيقة، وفي القارّة الأفريقيّة، وفي الشرق الأقصى، وأخيراً في «القارّة» العربيّة. وهي الآن، في هذه القارّة تساند الطّغاة والمغتصبين والمرتزقة وأعداء الحرّيّة والديموقراطيّة. تساند بشكلٍ خاصّ ونوعٍ خاصّ، عدواناً على شعبٍ بكامله، أرضاً وهويّةً وثقافة، وأعني الشعب الفلسطينيّ، وهو العدوان الأكثر ظلماً في التاريخ الكوْنيّ الحديث: ليس ظلم استتباعٍ فحسب، وإنّما هو ظلمُ اقتلاع. وها هم العرب، اليوم، يتقلّبون من جديدٍ بين «رماد» السّلطنة العثمانيّة، و«جَمرِ» السياسة الأميركيّة - ( بين شعرة «معاوية» وصخرة سيزيف)، يتقلّبون - إلى أن يَحين موعدُ دخولهم إلى متحفٍ آخر، ينضاف إلى متحف «الهنود الحُمر».
- 4 -
كلاّ أيها الشعبُ الأميركيّ، ليس في رأس السياسة الأميركيّة شعرة واحدة للحكمة -
لا شعرة معاوية،
ولا شعرة ابراهام لنكولن،
ربما عليك أنت أيضاً أن تتهيّأ من جديد لكي ترفع صخرة سيزيف.
- 5 -
رأسي مليءٌ بالدروب، ولا يريد جسمي أن يتفرّغ لقراءتها. يفضّل أن يقيم حفلة راقصة لكي يحتفي بما يأتي. بين ما يأتي ذاكرةٌ تحبّ النسيان.
- 6 -
عجَباً للذاكرة العربيّة الحديثة:
بيتٌ عتيقٌ ضخم.
لا تتدلّى من سقفه، من زواياه وجدرانه،
من نوافذه وأبوابه،
إلاّ العناكبُ وخيوطُها.
- 7 -
جاء العصرُ لزيارتنا نحن العرب، حاملاً هدايا لا تُحصى:
بينها سيوفٌ قاطعة، ورؤوسٌ مقطوعة، وأعناقٌ تُهَيّأُ للقطع.
- 8 -
إنها سياستُنا العربية:
محيطٌ تبدو فيه العاصفة كأنّها هي نفسُها السّفينة.
إنّها السّلطةُ العربيّة:
إناءٌ مثقوبٌ
يسيل منه الدّم دون انقطاع.
- 9 -
هنا في نيويورك،
أستيقظ في ظلّ الهيئة الوارفة، هيئة الأمم،
وأرى العالم يحترق - بها، منها، فيها،
هيئةٌ لا تتنفّسُ إلاّ دخانَ الحرائق.
الخرائطُ نارٌ
والثّقافة حَطَبٌ وأفران.
يكفي أن تلبس هذه الهيئةُ وجوهاً وأقنعةً مُستَعارةً،
يكفي أن تُقلِّب جسمَها بين نارين، وبين شِواءين، وبين فكّين،
يكفي صمْتاً على امتهان الكائن العظيم: الإنسان،
كلاّ، لم تعُد الأرضُ تتّسع للمجازر.
وأنتِ، يا شمسُ يا شمس،
كلّ يومٍ يُسلَخ جلدُ الأرض،
ألَن تقولي لطوفان ضوئكِ
أن يطهِّر العالم؟
- 10 -
ما هذا الغرب الذي يرفض أن يعرف الشرق،
إلاّ كما يعرف الذئب فريستَه؟
ما هذا الشرق الذي لا يعرف الغرب َ
إلاّ كما تعرفُ الفراشةُ النّار؟
- 11 -
ماذا يفعل الشعب، والكراسي التي تتصارع لكي تحكم أكثرُ عدداً من أفراده؟
- 12 -
تلك القافلة العربيّة الطّويلة التي ينتظرها القرن الحادي والعشرون،
ماذا يمكنني أن أفعل لكي أجعلها تتجرّأ، وتعبر القرون العثمانية؟
وما هذا العصر:
الموتى فيه جنودٌ
والأشلاءُ رايات.
وما هؤلاء البشر الذين ينهمكون في بناء معسكرات اعتقالٍ، احتفاءً بالأزمنة الآتية؟
- 13 -
لو أنّ للوردة يداً،
هل كانت تمدُّها لتصافح الماء ؟
- 14 -
لكن، لكن،
أتجنّب الحِدادَ على ما مَضَى
وأمسِك بيد الفجر لكي يدلّني
على شمسه الثانية التي تتهيّأ للشروق.
- 15 -
كلُّ دروبي التي كانت تتّجه نحو السماء،
حَرَفَتْها خطواتي في اتّجاهاتٍ أخرى.
منذ أن أعَدَّ القتلُ آلاته الباذخة،
وأخذ يجتاحُ الحدودَ،
أخذَ اللصوصُ يبتكرون الأعيادَ
والأناشيدَ الوطنيّة.
العبوديّةُ في أوج ربيعِها:
ترسم الفضّةُ خرائطَ جديدةً للإبادات
- 16 -
يبدو أنّ طريقي لا تزال تبدأ في التّيه،
يبدو أنّ قدميَّ لا تزالان تضطربان في فِخاخ المعنى.
- 17 -
يُصنَعُ للتاريخ كرسيٌّ نقّالٌ من طرازٍ متقدّمٍ وخاصّ.
- 18 -
نعم سأغيّر تكوينَ الطرُق التي أسلكها
سيكون صعودُها سلالمَ
وسوف يكون هبوطها أجنحة.
وأعرف أنّ الشوارعَ ليست آفاقاً، لكنّها ليست أنفاقاً.
الشوارعُ بيوتٌ في أشكال براميل،
تتدحرج مليئةً برمل الأسماء.
- 19 -
شوارعُ نيويورك: معاركُ مفتوحةٌ بين أبناء البشر. معاركُ متواصِلة - تنافساً حيناً. تنافِياً، حيناً آخر. أمشي، تسبق خطواتي أفكارٌ تتنقّل أمامي كمثل عرباتٍ مثقَلةٍ بأشياء متناقضة، لكن دون تنافرٍ.
نارٌ في يدٍ،
ماءٌ في اليد الثّانية: سلامُ النّقيضين.
- 20 -
لكن لماذا لم أكتب حتّى الآن، عن تلك الزّهرة التي وُلِدت من دمِ أدونيس: شقيقة النُّعمان؟
وماذا يمكن أن يُكتبَ عنها - هي القصيدةُ الأولى؟
_______
*الحياة

الخميس، 15 مايو 2014

بانتظار من يبكي علينا-كاظم فنجان الحمامي

 May 14 at 11:32 PM
بانتظار من يبكي علينا

كاظم فنجان الحمامي

مصيبتنا نحن العرب أن ملوكنا وأمرائنا ورؤسائنا الذين حذفتهم علينا رياح التقلبات المفاجأة, توحدوا كلهم باستغلال فرص الالتصاق بكراسي الحكم, من دون أن يفكروا بالتنحي والتنازل لمن هو أكفأ وأخلص وأقوى منهم, وكأنهم اتفقوا على استثمار الشق الانتهازي في البيت الشعري القائل:
إذا هَبَّتْ رياحُكَ فاغتنمها فَعُقبى كُلِّ خافقةٍ سُكُونُ
فتمسكوا بامتيازاتهم الملكية والأميرية والرئاسية رغم أنف كل من قال عنهم أنهم استبدوا وظلموا وطغوا وخرجوا عن المعهود وعن السائد وعن المنطق, وتصرفوا وكأنهم يملكون هذه البلدان الخاضعة لسلطان الملك الأوحد, والأمير الأسعد, والرئيس الأمجد, والقائد الفذ.
فالعقلية العربية المتحجرة, والبيئة القبلية المتخلفة, وقواعد الممارسات السياسية المعمول بها في بلداننا, وغياب قواعد احترام المعارض, ورفض قبول الرأي الآخر, وطغيان حب السلطة، وترجيح المنافع القبلية والحزبية والشخصية على المصالح الوطنية، هي السرطانات الخبيثة التي أبتلينا بها منذ قرون.
قبل بضعة أيام تحدثنا عن رئيس الوزراء اللاتيفي الشاب (فالديس دومروفسكيس), الذي تنحى عن منصبه على خلفية انهيار مجمع تسويقي في قلب العاصمة (ريغا)، وتحدثنا أيضاً عن رئيس الوزراء الكوري الجنوبي (شونغ هونغ وون)، الذي استقال من منصبة على أثر الأساليب البطيئة، التي تعاملت بها فرق الإنقاذ مع ضحايا العبّارة الغارقة، الذين زاد تعدادهم على ثلاثمائة شخص بين غريق ومفقود.
جاءت استقالة الزعيم الكوري في غمرة سخط متعاظم من ذوي الضحايا، الذي اعترضوا على بطئ إجراءات فرق البحث والإنقاذ، فاستقال مساء اليوم الذي غرقت فيه السفينة المقلوبة. قال في كلمته الحزينة: (قررت الاستقالة الآن كي لا أكون عبئاً على بلدي)، وكانت المفاجأة عندما تقدم نحوه والد أحد الضحايا ليصفعه على وجهه، من دون أن يتفادى رئيس الوزراء تلك الصفعة المؤلمة، ثم انحنى أمام الأب الغاضب، مبدياً استعداده لتلقي المزيد من الصفعات، ومعلناً حزنه ومواساته لأسر الضحايا والمفقودين. من غرائب المفارقات العجيبة أن زورقاً سياحياً محملاً بالطلاب غرق قبل بضعة أسابيع في شط العرب, وراح ضحيته تسعة طلاب. لم يبك على فقدانهم  أحد, ولم يستقيل أي مسؤول من منصبه.
وقبل أربعة أعوام كنا نتابع وقائع الكارثة التشيلية, التي هددت حياة عمال منجم (سان خوسيه)، وكيف قطع الرئيس التشيلي (سبياستيان بانييرا) زيارته المتوقعة إلى الإكوادور، ليهرع مباشرة إلى موقع الحادث، ويخيم مع فرق الإنقاذ. لم يكن من السهل التعرف عليه وسط المسعفين، الذين توحدوا في ملابسهم وقلوبهم وألوانهم، وامتزجت دموعهم ومشاعرهم الصادقة لتلبية نداء الواجب. لم يصطحب معه أفواج حمايته على طريقة جماعتنا، ولم يرتد الدروع الواقية، ولم يبرح مكانه. بل ظل مرابطا هناك حتى انفراج الأزمة وخروج المحتجزين سالمين من أعماق المنجم المنهار.
كم نحن بحاجة إلى زعماء بهذه المواصفات الإنسانية، وكم تمنينا أن ننتدبهم للعمل عندنا بعد إحالتهم إلى التقاعد. من يدري ؟، لعلهم يرأفون بنا، ويحسنون التعامل معنا.
لقد أبكتنا مواقفهم الوطنية في تشيلي وكوريا ولاتفيا، لكننا اكتشفنا إننا كنا نبكي علينا، ونتألم على ما آلت إليه أوضاعنا المزرية، وما مر بنا من أزمات وويلات ونكبات، وما رافقها من هموم وأحزان وآلام، ونبكي على أطفالنا الذين مزقتهم العبوات الناسفة، وأغرقتهم الفيضانات الجارفة، وشردتهم الغارات القاصفة، فلم يبك علينا احد، وكأننا شخصيات كارتونية خُلقت لكي تغرق وتموت وتذوب في بحار المصائب والأزمات.
والله يستر من الجايات

فارس حميد أمانة - ارهاصات انتخابية .. الدولة العلمانية أم الدينية ؟

الأربعاء، 14 مايو 2014

د. بلقيس الدوسكي- يا هاجسي






كن معي في كل المواسم






د. بلقيس الدوسكي




يا هاجسي
يا نفخة عطر تجولت في كياني
سأحبس آخر كلمة للعتاب
لأنك أمير فمي
ولأنك سيد قلبي
طف بي في حقول الصباحات
واغرس في أعماقي
بذور الفرح الآتي
حلق بي إلى ابعد الفضاءات
واسمعني آخر أغانيك العذبة
فما أحلى أغنيات عيونك
في هدأة الليل
لا تتركني على ساحل الأمنيات
أملأ مساحة العمر بالورود
ودع عصافير حقلك الأخضر
تلعب معي في أرجوحة العشاق
فيا هاجسي
كن معي في كل المواسم.

* اللوحة فخار لعادل كامل


الثلاثاء، 13 مايو 2014

تخطيطات غالب المسعودي

قصص قصيرة جدا ً-عادل كامل: إلى أعظم شعراء العراق الملا عبود الكرخي.

قصص قصيرة جدا ً


عادل كامل


إلى أعظم شعراء العراق الملا عبود الكرخي.


[1] في كوكب آخر
ـ سيدي، تم تنفيذ المهمة بنجاح.
  ولم يخبر قائده، من غير خسائر، بل طلب منه ان يطلع على الوثائق.
  فقال القائد:
ـ لا أرى سوى مساحة منبسطة وخالية حتى من الأنقاض والرماد!
ـ تم محو الجميع، من غير ترك اثر.
    عندما عاد إلى بيته، استقبلته عائلته، كما في كل مرة، بمرح، وانشراح. ولكنه ما ان راح يشاهد الصور التي تعرضها شاشة التلفاز، ورأى الأرض المنبسطة، تمتد ...، بعيدا ً، حتى أحس أنها أصبحت تجاور أسوار بيته، في المدينة. لم يكترث، فقد أغلق شاشة التلفاز، وقال لأفراد عائلته:
ـ حدث هذا في كوكب آخر!

[2] محو
ـ أنا لم اطلب منك ان تقضي عليهم وتمحوهم ...
أجاب مندهشا ً:
ـ ماذا طلبت منا إذا ً...؟
ـ طلبت منكم، بأسلحتكم النظيفة، بعثرتهم، وتفكيكهم، وليس محوهم.
وأضاف متمتما ً بصوت مسموع:
ـ فمن سيزرع ...، ومن سيؤدي الخدمات، ومن سيهتف بحياتنا، ويعمر إمبراطوريتنا...؟
وأغلق فمه من غير ان ينطق:
ـ ومن سيتضرع إلينا!

[3] شفافية
    وأنا أغادر سيارة التاكسي، وبعد حوار جرى خلال الطريق، قلت للسائق:
ـ لا تحزن ...، فانا لم ابلغ بعد لا درجة الخروف، ولا درجة الحمار، ولا درجة الكلب!
ـ ماذا تقصد ...، وأنت رجل تبدو حكيما ً، ووقورا ً، وعاقلا ً...؟
ـ اخبرني: هل رأيت خروفا ً يفترس آخر، وهل رأيت حمارا ً اعتدى على حمار، وأذاه، أو أوشى به، أو شهر به من غير دليل....، وهل رأيت كلبا ً مزق بمخالبه وأنيابه رفيقه الاخر...؟
قال السائق:
ـ أنا رأيت الكلاب التي افترست أصحابها!
ـ تلك كلاب  الزمن الشفاف، وأنا كنت أتحدث عن الكلاب التي كانت مهمتها حراسة قطيع الراعي، كي تحافظ عليها، من الذئاب.
فقال الآخر:
ـ كي يرسلها الراعي إلى المسلخ!
[4] تمويه
    كان الجنرال يجلس بمحاذاة السيدة المشرفة على التصوير الخارجي، ونظام المعلومات، والأرشفة، وهو يراقب المزرعة التي تم تحريرها من المتغطرسين، سكان الكهوف والمستنقعات والبرية، ولكنه شاهد حركة غريبة لفتت نظره، تجري في إحدى الزرائب، فاستدعى مساعده، وسأله:
ـ ماذا يجري...؟
أجاب المساعد بصوت هاديء:
ـ سيدي، بعض العجول المخصية، تنز على بعض الأبقار العقيمات....، وهذا كل ما في الأمر!
ـ وما فائدة هذه الفعالية، وهذه المشاهد، والعالم الديمقراطي يراقبها ..؟
ـ سيدي، كي لا تبدو أفعالنا، وكأنها تتقاطع مع القوانين الدولية، ولا مع العدالة، ولا مع الضمير العالمي، فقد سمحنا لهذا الاحتفال ان يبلغ ذروته!

[5] رصاصة الرحمة
قال للجلاد:
ـ أقتلني ...، من غير ان أتضرع إليك، فأنت تسليت بي حد انك سلبت مني حقي بالموت!
ـ وهل هناك آخر أتسلى به...؟
   كاد يفطس من الضحك، فسأله الجلاد باستغراب:
ـ أنا أعذبك وأنت تضحك...، وكنت قبل قليل تطلب مني ان أقتلك...؟
ـ لأنك، يا حضرة الجلاد، سمحت لي ان أرى من يراقبك وهو يتسلى بك!
ـ من هذا ....؟
ـ الذي أستأجرك....، وحرمك حتى من رصاصة الرحمة !

[6] وسام الزوال
   سأل أمير أمراء الإمبراطورية العظمى حاشيته من كبار المستشارين:
ـ ما الجديد في هذه المسرحية...، التي تعرضونها علينا اليوم...؟
ـ الجديد انك اليوم، يا صاحب العظمة، انك تستطيع ان تستبدل أطرافك إن تعرضت للتلف، وتستبدل قلبك إن تعرض للعجز، وتستبدل حواسك إن تعرضت للعطب بأخرى، كي يمتد العمر بك، جيلا ً بعد جيل، وولاية بعد ولاية..!
ـ وهل سأحصل على الخلود...؟
ـ يا فخامة الإمبراطور المعظم، ما فائدة العودة إلى نبش الأسئلة العتيقة، وقد دفناها بعيدا ً عن الأنظار، الأسئلة التي عفى عليها الزمن، فأنت اليوم تستطيع ان تستبدل كيانك برمته، عند الضرورة!
ـ إذا ً....، لا أريد ان تكون لي ذاكرة بعد هذا اليوم..!
   ساد مجلس الخبراء المكون من الوزراء، والقادة، والحكماء، والأثرياء، والشعراء، والنبلاء، والعلماء، والماجدات، وكتاب القصص، والروايات، الصمت، ولم يخبره أيا ً منهم، بما كان دار في رأس فخامته:  وهل كانت لي ذاكرة في يوم من الأيام...؟! ثم أمر بمنح الجميع: وسام الزوال!

24/4/2014

الأحد، 11 مايو 2014

لوحات وشعر

سعاد حسن العتابي - عشق الروح

الأربلة والغربلة وما بينهما-كاظم فنجان الحمامي


الأربلة والغربلة وما بينهما





كاظم فنجان الحمامي



الأربلة: ظاهرة سياسية لم يسمع بها العراقيون من قبل، لكنهم يعيشون الآن تفاصيل مداراتها التنافسية المتنافرة والمتجاذبة. ربما أكون أول من استعمل الاصطلاح الجديد، الذي سيأخذ طريقه إلى الانتشار على الصعيد المحلي والإقليمي. فقد صارت أربيل قبلة للسياسيين العراقيين من كافة الكتل والمنظمات والتشكيلات، وصارت هي المحرك الرئيس لفرز نتائج الغربلة النهائية لمحاصيل بيادر التحالفات والتآلفات، فما أن انتهت الانتخابات بجولتها التنافسية المفتوحة حتى هرعت الكيانات المتآخية والمتخاصمة والمتفاهمة والمتناحرة والمتشاجرة والمتشاحنة، فشدَّوا رحالهم جواً وبراً وزحفاً نحو قلعة (هولير), ليعقدوا اجتماعاتهم السرية على موائد (لبن أربيل). عسى أن يُغزِّر لَبنهم، وتجتمع كلمتهم على حب العراق، فيتفق الفرقاء السياسيون على نبذ الطائفية، التي جلبت لنا الهم والغم، ويتوحد وطننا من شماله إلى جنوبه على الخير والمحبة والسلام والوئام.

نحن الآن بانتظار نتائج الغربلة، التي ستحملها لنا مؤتمرات الأربلة، بيد أن المثير للدهشة أنهم توحدوا في التوجه نحو أربيل قبل ظهور نتائج الانتخابات، وقبل البدء بإعلان تشكيل الحكومة القادمة، والأنكى من ذلك كله أنهم باشروا بالتنسيق مع المؤيدين لهم, والتفاوض مع المعترضين عليهم، ومشاغلة خصومهم في محاولات حثيثة للتشويش على بعضهم البعض، وغلق الأبواب المفتوحة بوجه الكيانات التي تقف على الطرف الآخر. وبالتالي فأن حلبات النقاشات العقيمة ستظل متأرجحة بين الشد والجذب، وبين التقارب والتباعد، ما يوحي بأننا سننتظر طويلاً، وربما يطول انتظارنا حتى نهاية الشهر التاسع.

أما الرابح الأقوى، والمستفيد الأكبر في هذا التهافت السياسي على السلطة، فهي القوى الكردية، التي استثمرت قتال الأخوة الأعداء من أجل تعزيز قوتها، فحققت المزيد من المكاسب على حساب التنازلات السخية، التي ستقدمها لها الكتل المغامرة والكيانات المقامرة، وستبقى أسواق المزيدات السياسية مفتوحة على مصاريعها في أربيل لمن يضحي بنا خلف كواليس السيرك السياسي.

أي مستقبل غامض هذا الذي ينتظرنا خلف تلك الكواليس والدهاليز والأوكار الغامضة ؟، وهل لتأخر نتائج الانتخابات، التي لم تظهر حتى الآن, علاقة بمؤتمرات الأربلة ؟. أم أن متطلبات الغربلة هي التي فرضت التريث في إعلان النتائج ؟.  

من نافلة القول نذكر أن فنادق أربيل فتحت أبوابها منذ أسابيع للقوى الأجنبية والعربية الراغبة في خوض مزايدات الغربلة والأربلة, أو لإثارة القلقلة والتحريض على البلبلة. أما نحن أولاد الخايبة فمن المتوقع أن نفقد بوصلتنا بين دوامات الغربلة والأربلة والقلقلة والبلبلة، وربما نضطر لتقديم المزيد من التضحيات والتنازلات حتى يتبين لنا الخيط الأسود من الخيط الأبيض.

والله يستر من الجايات