الخميس، 10 أبريل 2014

طحالب.....راسم الخطاط-

طحالب.....راسم الخطاط
من ينقذ هذا العمر..........

النازف بعطر الجرح
من ينقذ وردي.....
من احذية الاف الاوباش؟
بح الصوت
وإذن لاتسمع
بح الصوت
وعين لاتدمع
بح الصوت
وجواب لايرجع
يتناسل هذا الطحلب كل سنين اربع
كبر الطحلب وبلغت من الهم عتيا
كبر الطحلب منتشيا
يرقص فوق جراحي
واصيح.....اصيح
والصوت النازف ....
يذهب ادراج الريح
وأصيح .....اصيح
ان الأوراق الصفراء تطيح.

الأربعاء، 9 أبريل 2014

غالب المسعودي - ومضات

ما هو الأردن ومن هو الأردني ؟ الأردني الكامل والأردني الناقص والمواطنة-بقلم : د. لبيب قمحاوي



ما هو الأردن ومن هو الأردني ؟ الأردني الكامل والأردني الناقص والمواطنة


بقلم : د. لبيب قمحاوي
lkamhawi@cessco.com.jo

          من الذي يحدد من هو الأردني ومن هو غير الأردني من بين المواطنين
الأردنيين ؟ من الذي يملك صلاحية تحديد من هو الأردني الكامل في أردنيته ومن هو
الأردني الناقص في أردنيته ؟ أسئلة سخيفة وغريبة لوضع أسخف وأغرب . أين هو النص
في الدستور الأردني الذي يعترف بوجود درجات من المواطنة الأردنية ؟ إذا كان
هنالك نص دعونا نحتكم إليه . واذا لم يكن هنالك نص دعونا نُحاكِمْ من يتشدق
بهذه المقولات التي تهدد مستقبل البلد والسلم الاجتماعي .
      تصنيف المواطنين طبقاً لأصولهم هي هواية يمارسها بعض الأردنيين وبدعم من
أناس شغلوا مناصب عالية لا يستحقونها , أو استفادوا دون وجه حق , أو عاشوا في
كَنَف الدولة الأمنية وواجبهم يتطلب اجترار ما يردهم من تعليمات .
        نحن لا نتكلم فقط عن أقوال يتشدق بها البعض أو عن ممارسات لا تخلو من
شذوذ سياسي واجتماعي , وإنما أيضاً عن الأساس الأخلاقي الذي يسمح لمواطن أن
يتعامل مع المواطن الآخر بنظرة مبنية على تصنيفات عجيبة مثل الأصول والمنابت
وغير ذلك من الإصطلاحات التي لا تسمعها إلا في الأردن .  الأساس هو المواطنة
الناجزة والمواطنة المتساوية ومن لا يعجبه ذلك فليترك هو هذا البلد لأنه لا
يستحقه . الوطن لمواطنيه كافة دون تمييز, وعلى الحُكْم أن يقف على مسافة
متساوية من الجميع عملاً بالمبدأ الدستوري دون أي محاباة أو مؤامرات أو تهديد
أو ابتزاز . فحياة البشر ومستقبل أبنائهم ليسا لعبة في يد مجموعة من المتنفذين
. وتولي البعض مواقع المسؤولية لا يعطيهم أي حق دستوري أو أخلاقي لتصنيف
المواطنين والتمييز بينهم مستندين إلى قوة المنصب ولا شئ آخر .
        وحتى نضع النقاط على الحروف دعونا نستعرض الأوضاع السائدة عشية وحدة
الضفتين في إطار المملكة الأردنية الهاشمية حتى نضع حداً لمقولة بعض الموتورين
بأن المواطنين الأردنيين من أصل فلسطيني جاؤوا خاليي الوفاض إلى شرق الأردن
وعاشوا عالة عليه . نفتح هذا الملف التعيس الذي لا يستفيد منه أحد سوى أعداء
الأردن ولمرة واحدة فقط وذلك بهدف استخلاص العبر وحتى نقوم بعد ذلك بإغلاقه إلى
الأبد وتكميم أفواه أولئك الموتورين ووضع حد لسُعَارِهم الذي لن يؤدي في
النهاية إلا إلى الخراب والدمار .
        أصبح للسكان القاطنين على الأراضي الواقعة شرق نهر الأردن دولة , لأول
مرة في التاريخ , في عام 1923 على يد الانجليز وبقيادة الهاشميين . فالأراضي
الواقعة شرق نهر الأردن, وطبقاً للمراجع التاريخية , كانت حتى عام  1923 عبارة
عن أجزاء من اقطاعيات أو واجهات عشائرية أو أطراف جغرافية تابعة لسوريا أو مصر
أو الجزيرة العربية أو الدولة العثمانية , ولم تتحول إلى كيان سياسي مكون من
مجموع تلك الاقطاعيات والواجهات العشائرية والأطراف الجغرافية إلا على طاولة
الرسم في وزارة المستعمرات البريطانية , وتم رسمها كإمارة شرق الأردن و إقطاعها
من قبل وزير المستعمرات البريطاني (ونستون تشيرشل) للأمير الهاشمي عبدالله بن
الحسين . هذا ليس رأياً سياسياً أو تحليلياً بل هي حقائق تاريخية لا يمكن
إغفالها أو القفز عليها واعتبارها  لم تكن . ومع مرور الوقت, أصبحت هذه
المجموعات السكانية أكثر تجانساً وشكلت بالتالي نواة طبيعية لما أصبح فيما بعد
الشعب الأردني , وهو في أصوله انعكاس حقيقي لتعددية كانت قائمة دون هوية وطنية
محددة حتى عام 1923 . وهكذا فإن من يحلو له الإدعاء بأنه أردني من مئات السنين
, أو أنه أردني كامل وغيره أردني ناقص , لا يفقه شيئاً من تاريخ هذه الدولة .
      وبعد الهزيمة العربية في فلسطين عام 1948 , صدر عن الحكومة الأردنية
القانون رقم (56) لعام 1949 والذي ينص في مادته الثانية على ما يلي :-
( جميع المقيمين عادة عند نفاذ هذا القانون في شرق الأردن أو في المنطقة
الغربية التي تدار من قبل المملكة الأردنية الهاشمية ممن يحملون الجنسية
الفلسطينية يعتبرون أنهم حازوا الجنسية الأردنية ويتمتعون بجميع ما للأردنيين
من حقوق ويتحملون ما عليهم من واجبات ) .
      إذاً تم إعطاء الفلسطينيين من سكان الضفة الغربية الجنسية الأردنية قبل
قيام الوحدة عام 1950 , وأصبحت جنسيتهم الأردنية بذلك غير مرتبطة بالوحدة بين
الضفتين ونتائج تلك الوحدة .
          في 24 نيسان 1950 تم الإعلان رسمياً عن وحدة الضفة الغربية مع شرقي
الأردن (الضفة الشرقية لاحقاً) تحت إسم المملكة الأردنية الهاشمية المعمول به
منذ عام 1946 . وكان الخطأ الكبير في حينه عدم إعطاء الدولة إسماً جديداً
محايداً مثل الذي اقترحه الملك حسين لاحقاً وهو "المملكة العربية المتحدة",
وذلك حتى لا يتم إعطاء البعض صفة تفضيلية وهمية توحي إليهم خطأً وكأن الدولة هي
لهم وحدهم وليس لمجموع الشعب القاطن فيها . وعلى أي حال فإن الحديث عن ملابسات
تلك الوحده لا يعنينا في هذا المقال بقدر ما يهمنا تحليل الممارسات الرسمية
لهذه الوحدة والتي خلقت عند البعض انطباعات ومواقف خاطئة أدت إلى ما نحن فيه
الآن .
      لقد أدت الممارسات الرسمية للحكم الأردني في الحقبة الممتدة من 1950-
1967 إلى تولد شعور قوي بين أوساط معظم الأردنيين من أصل فلسطيني بأن السياسة
الرسمية للحكم لا تسير في صالح الأراضي الفلسطينية (الضفة الغربية) وأن هنالك
تمييزاً مقصوداً ضد الأرض الفلسطينية وليس ضد المواطنين من أصل فلسطيني .
والتمييز ضد الأرض الفلسطينية أصاب بالضرورة جميع الأردنيين بغض النظر عن
أصولهم . فأي مواطن أردني يريد مثلاً انشاء مصنع أو جامعة في الضفة الغربية كان
يلقى معارضة وعقبات رسمية غير معلنة حتى يقوم بانشاء ذلك المشروع في الضفة
الشرقية . والسياسات لم تقف عند ذلك بل امتدت لتشمل ما هو قائم وموجود من
الكنوز الوطنية الفلسطينية .
      فمثلاً عشية قيام الوحدة عام 1950 أصبحت إذاعة القدس هي الإذاعة الرسمية
للمملكة الأردنية الهاشمية . وفي 1/7/1956 تم افتتاح خدمة الإذاعة من عمان
بواقع ساعة واحدة بث في الصباح وساعتين في المساء . وفي عام 1959 تم تطوير
اذاعة عمان لتصبح هي محطة الإذاعة الرئيسية بواقع عشرين ساعة بث في النهار
وبقوة مائة كيلو واط , في حين تم انقاص ساعات بث إذاعة القدس الى ست ساعات
يومياً , وبنفس قوتها التي انشأت بها قبل عام 1950 (أي قبل الوحدة) وهي عشرين
كيلو واط . إذاً تم انشاء اذاعة عمان على أشلاء اذاعة القدس عوضاً عن المحافظة
على كلا الإذاعتين.
    مطار القدس شاهد نفس مصير اذاعة القدس . فحتى عام 1962 كان مطار القدس
يستقبل مائة وعشرين ألف مسافر وخمسة آلاف رحلة جوية في العام مقارنة بمطار عمان
الذي كان يستقبل واحداً وأربعين ألف مسافر والفين وثمانمائة رحلة جوية في العام
. وفي عام 1964 , كان مطار القدس يستقبل ثلاثين رحلة جوية لطائرات أجنبية في
الأسبوع في حين كان مطار عمان يستقبل إحدى عشرة رحلة لطائرات أجنبية . وبالرغم
من ذلك , فإن كافة جهود الحكم الأردني كانت منصبة على تطوير وتوسعة مطار عمان
بدون وجود خطط مماثلة لمطار القدس. وقد وصلت هذه السياسة مداها خلال الفترة
1965-1967 حين كان مطار القدس شبه مغلق تحت حجة عدم قدرتة على استقبال الطائرات
الكبيره .
      وخلال الفترة 1951-1967 قامت الحكومة الأردنية بشق ما مجموعه 789 كيلو
متراً من الطرق الإسفلتية الجديدة في الضفة الشرقية مقابل 92 كيلو متراً من
الطرق الإسفلتية الجديدة في الضفة الغربية .
      وخلال الفترة 1951-1967 , تم بناء 18 مستشفى حكومي في الضفة الشرقية
معظمها تم بناؤه بعد عام 1950 , في حين كان في الضفة الغربية عشرة مستشفيات
حكومية تم بناء معظمها قبل عام 1950 خلال الحكم العثماني والانتداب البريطاني .
ونفس الشئ ينطبق على الصحافة الفلسطينية بجذورها التاريخية والتي تم تقليصها
وتقزيمها ومن ثم صدرت قرارات حكومية بإلغاء جريدتي فلسطين والدفاع وهما صحيفتين
تاريخيتين وانشاء صحف حكومية مثل صحيفتي الرأي والدستور . اذاً الحقيقة هي أن
الفلسطينيين دخلوا دولة الوحدة بكنوز وطنية هامة ودرجة عالية من التقدم بالرغم
من المآسي التي لحقت بهم جراء انشاء الكيان الصهيوني على جزء كبير من أراضي
فلسطين , والحقيقة الأخرى هي أن الدولة الأردنية بنيت على أشلاء المؤسسات
الفلسطينيه القائمة في الضفة الغربية منذ ما قبل وحدة الضفتين , وبأموال دولة
الوحدة وبسواعد أبناء الأردن جميعاً .
      وبالرغم من التوتر السياسي والمصاعب التي سادت في العلاقة بين الحكم
الأردني والمواطنين, فإن عملية الانصهار والدمج الاجتماعي بين الناس كانت تسير
بنعومة وهدوء ولم يُنَغص الحياة العامة الا الشعور العام لدى معظم المواطنين
بوجود نوايا سيئة خفية وغير معلنة من قبل الحكم الأردني تجاه القضية الفلسطينية
مما خلق جواً عاماً من الشك والتوتر لدى معظم المواطنين من تبعات تلك النوايا ,
وجعلت الحكم الأردني في مزاج حاد تجاه التحركات الجماهيرية في الضفة الغربية
خصوصاً وفي الأردن عموماً والتي عكست نفسها في سياسة القبضة الحديدية الأمنية
للسلطة الأردنية على الضفة الغربية وعلى أي تحرك سياسي جماهيري في الضفة
الشرقية .
          وفي 5 حزيران 1967 , خسر الحكم الأردني الحرب مع اسرائيل وتم احتلال
كامل أراضي الضفة الغربية . وبغض النظر عما جرى قبل ذلك وبعد ذلك , فإن مسوؤلية
الهزيمة وتبعات تلك الهزيمة تعود على القيادة التي خسرت الحرب .  ولا يجوز ولا
يحق لأحد أن يَدّعي بأن ما جرى لم يكن , وأن الأردنيين من أصل فلسطيني قد خسروا
حقوقهم وما لهم بخسارة الضفة الغربية مع أن الإدارة التي خسرت الحرب هي الإدارة
الأردنية , والإدارة التي فكت الارتباط فيما بعد هي الإدارة الأردنية وهي تتحمل
بالتالي مسؤوليات وتبعات قراراتها وليس المواطنين .  وإذا ادعى الحكم الأردني
أن فك الارتباط  قد جاء بناءً على طلب منظمة التحريرالفلسطينية , فما علاقة
الأردنيين من أصل فلسطيني بذلك ؟
        يهدف هذا الاستعراض التاريخي الموجز جداً الى وضع حد للمقولات المريضة
التي تحاول تزوير التاريخ والعبث في الواقع وتهدد المستقبل . كما يهدف للوصول
الى نقطة الحسم في هذا الموضوع وهي المواطنة .
    فالمواطنة هي حق كما هي واجب . ولا يجوز أن يكون المواطن مواطناً فقط
عندما يتعلق الأمر بواجبات المواطنة مثل دفع الضرائب والإستهلاكات ورسوم
الجمارك والمياه والكهرباء وأقساط التعليم , ويكون غريباً ودخيلاً عندما يتعلق
الأمر بحقوق المواطنة ! والغريب أن بعض الموتورين يتهمون من يطالب بحقوق
المواطنة بأنهم من المنادين بالتوطين والوطن البديل  إلى غير ذلك من تعبيرات
استفزازية فارغة لا معنى لها سوى الابتزاز والتخوين والتخويف ومحاولة ارغام
المواطنين على الصمت . إن من حق أي مواطن أن يطالب بحقوقه . فالمواطنة هي حق
وواجب ومسؤولية أساسها المساواة بين جميع المواطنين. وحتى نضع النقاط على
الحروف نسأل أولئك الموتورين لماذا يطالب المواطن بالتوطين إذا كان هو في الأصل
مواطناً ؟ أما إذا كان المقصود المقيمين في الأردن من غير الأردنيين , فما
علاقة المواطنين الأردنيين بهم , ولماذا يتم ابتزازهم في مواطنتهم  والتعدي على
حقوقهم ظلماً وبهتانا ؟ إنها نفس المعادلة العجيبة واللادستورية التي تدعو الى
تخصيص مغانم الدولة الأردنية للجزء المتنفذ من الشعب , ومغارمها للجزء الآخر .
    حديثنا هذا ليس عن "الحقوق المنقوصة" ولا يتعلق بها كما يحلو لبعض
الموتورين أن يَدﱠعوا . فالموضوع ليس اقليمياً ضيقاً محصوراً بالأردنيين من أصل
فلسطيني , ولكنه موضوع يصيب المواطنين الأردنيين بشكل عام . وإذا أردنا أن
نتحدث عن "الحقوق المنقوصة" وأن نضع النقاط على الحروف , فإن مواطني معان
والطفيلة هم أكثر ابناء الشعب الأردني معاناة من "الحقوق المنقوصة" . "فالحقوق
المنقوصة" هي أحد الآثار الجانبية للفساد السياسي والمالي والتطورات السلبية
التي لحقت بالنظام السياسي الأردني نتيجة استفحال دور وسلطة الأجهزه الأمنية .
فالتمتع بالحقوق السياسية بدون الحقوق الإقتصادية والتنموية كما هو الحال في
محافظات الجنوب هي " حقوق منقوصة " .  والتمتع بالحقوق الاقتصادية والاستثمارية
دون الحقوق السياسية هي أيضاً "حقوق منقوصة" .
          الأصل في الحقوق هو المساواة في تطبيقها بين المواطنين وكذلك بين
المحافظات سواء أكانت تلك الحقوق سياسية أو اقتصادية أو تنموية أو استثمارية أو
ثقافية دون أي تحديد أو محددات . وأي خلل في تطبيقها هو بمثابة إخلال في تطبيق
المبدأ الدستوري الذي ينص على تساوي المواطنين في الحقوق والواجبات.
        نحن لا نتكلم هنا عن خلل في الدستور أو في القوانين بقدر ما نتكلم عن
خلل في تطبيق المبادئ الدستورية التي تحكم التشريعات والقوانين الناظمة للحياة
في أوجهها المختلفة . نحن نتكلم عن نوايا سيئة أساسها الحفاظ على المكاسب
السياسية والمنصبية والوظيفية والفساد المستند الى غياب الشفافية والمساءلة
نتيجة لغياب دولة القانون والتعددية السياسية والاجتماعية لصالح الدولة الأمنية
.
      إن أي مسوؤل أردني يخالف مبادئ الدستور الأردني يجب أن يُعزل من منصبه
وأن يُحاكم وأن يُمنع من تولي أي منصب عام في المستقبل . وإذا كان الحكم
الهاشمي قد نجح في تحويل مجموعات سكانية إلى شعب , فإننا يجب أن لا نسمح لأي
مجموعة من المتنفذين أن يعيدوا عقارب الساعة إلى الوراء ويحولوا الشعب الأردني
إلى مجموعات سكانية متناحرة . إن هذا هو الخطر الحقيقي على مستقبل الأردن .
وإذا كان هناك من يدافع عن أمن الأردن واستقراره فعليه أن يبدأ من هذه النقطة
وأن يضع حداً لتلك الفئة من الموتورين التي تسعى إلى الحفاظ على مكاسبها بأي
ثمن حتى ولو أدى ذلك إلى تدمير الأردن .

الثلاثاء، 8 أبريل 2014

أحمد القبانجي - الدين وسعادة الانسان !

صورة نادرة لزعماء الربيع الأوربي-كاظم فنجان الحمامي

 Apr 7 at 11:16 PM
صورة نادرة لزعماء الربيع الأوربي


كاظم فنجان الحمامي

لنبتعد قليلا عن ثورات الربيع العربي وزعمائها المجهولين, الذين خرجوا علينا من أرصفة الساحات والميادين, ليؤججوا براكين فوضى عارمة اجتاحت العواصم العربية الجمهورية, واستثنت العواصم الملكية والأميرية, ولنذهب في رحلة خاطفة إلى الماضي القريب, نخترق فيها حواجز الزمن إلى الوراء, فنزور فيها ميدان التحرير وسط العاصمة البلجيكية بروكسل, في المكان الذي أينعت فيه أشجار الحدائق الأوربية, وتعطرت بشذى أزهار ربيعها العلمي, وأشرقت صباحاتها الجميلة على المنصة, التي وقف فوقها نخبة من رواد علوم الفيزياء والكيمياء, حاملين بأيديهم مشاعل الرقي والإبداع والتفوق, ومسجلين أولى خطوات الانقلاب العلمي في مؤتمر عقدوه هناك للمرة الخامسة على نفقة رجل الأعمال البلجيكي (أهرنفست سولفاي) للمدة من 24 إلى 27 تشرين الثاني (أكتوبر) عام 1927, فالتقطوا لهم هذه الصورة التذكارية الرائعة, ثم تسلح أحفادهم بتقنيات التصوير الرقمي, وادخلوا عليها الألوان الطبيعية الزاهية, وفاءً وعرفاناً للرعيل الأول الذي أنار لهم الطريق في مسيرة الازدهار والتقدم. .
كان الوطن العربي منشغلا وقتذاك بتكفير كل من يتجرأ على التمرد على السياقات الفكرية التقليدية الموروثة, فكفروا الشيخ (علي عبد الرزاق) عام 1925, وكفروا من بعده عميد الأدب العربي الدكتور (طه حسين), في الوقت الذي سارت فيه أوربا نحو تفعيل مقومات الثورة العلمية والصناعية, التي بدأت بنبوغ (ماكس بلانك), باكتشافه الكوانتم عام 1900, والكوانتم لفظة لاتينية تعني (الكم), ثم جاء ألبرت أينشتاين ليعلن في نيسان (أبريل) عام 1911 انه توقف عن التساؤل عما إذا كان للطاقة كوانتم من عدمه, معبرا عن قناعته المطلقة بالكم الذي تحمله الطاقة. .
في تلك الحقبة كان العلماء في حيرة من تعريف طبيعة الطاقة الضوئية, هل هي جسيمية أم موجية ؟, حتى جاء اليوم الذي نشر فيه آينشتاين خلاصة أبحاثه في الرابع والعشرين من نيسان (أبريل) عام 1924, والتي قال فيها: إن النظريتين الموجية والجسيمية صادقتان, ويتعين علينا القبول بهذا التناقض, ولم تمض بضعة أيام حتى تسلم آينشتاين رسالة علمية من الأمير (لوي دي بروي) تتضمن نتائج دراساته المختبرية عن العلاقة بين المادة والضوء كجزء من المتطلبات الجامعية المترتبة على نيله درجة الدكتوراه في الفيزياء. .
قال الأمير (بروي) في رسالته: إن الالكترونات لها خاصية مزدوجة, فهي جسيمات وموجات في آن واحد, ولكن لا يمكن رؤيتهما معاً, فتشكلت لجنة رباعية لمناقشتها, بيد أنها قررت الاستئناس بآراء آينشتاين, وهكذا وصلت إليه الرسالة في طرد بريدي, فجاء جواب آينشتاين على النحو الآتي: لقد أزاح الأمير طرفا مهما من الحاجز الكبير, وبهذا الجواب المختصر نال الأمير درجة الدكتوراه, وانضم إلى علماء الفيزياء النووية, وكان من ضمن المدعوين لمؤتمر سولفاي الخامس, وسنأتي على تسمية العلماء الظاهرين في الصورة التذكارية, التي ضمت (29) عالما في ثورة الربيع الأوربي, من بينهم العالم النمساوي المتألق (بول أهرنفست), وكان بعمر (34) سنة, ويعمل أستاذا للفيزياء النظرية بجامعة ليدن بهولندا, ويعد من المؤازرين لآينشتاين, ومن المؤمنين بنظرية الكم (الكوانتم), لكنه انحاز في اليوم الأول للمؤتمر ليقف ضد صديقه آينشتاين, ويدعم أفكار عالم الفيزياء الكلاسيكية الدنمركي (نيلز بور), فحزن آينشتاين, وتألم لموقفه المتذبذب وقال له: من يضحك أخيراً سيضحك كثيراً. .
كان من بين المشاركين في الربيع الأوربي سبعة عشر عالماً من الحائزين على جائزة نوبل, ولهذا قيل عنه انه ربيع العقول, التي صنعت العصر الذهبي للفيزياء الحديثة, ومهدت الطريق للصناعات الالكترونية الباهرة. .
كان (نيلز بور) على قناعة تامة بوجود عالمين: عالم كبير, وعالم صغير, العالم الأول هو الذي نعيش فيه, والذي يخضع لمنطق (العلية), بمعنى إن لكل علة معلول, والمعلول في هذه الحالة حتمي الحدوث, وليس احتمالي الحدوث, أما العالم الصغير فهو عالم الكوانتم, التي لا تخضع لمنطق (العلية) بسبب حركتها العشوائية غير المنتظمة, ويصعب التكهن بتصرفاتها على حد قول (نيلز بور), و(هيزنبرغ), الذين أطلقوا على تأويلهم هذا اصطلاح (تأويل كوبنهاكن), فقال لهم آينشتاين: (((لقد خلق الله الكون كله بنظام حسابي ثابت مستقر منضبط, لا يخضع للعشوائية ولا الاحتمالية, فالله جل شأنه لا يلعب النرد, وان نفي العلية يعني الفوضى, وان تأويلكم هذا سيحدث زلزالا مدمرا في العلوم والمفاهيم والنظريات القديمة والحديثة, وان عجزكم عن فهم خصائص الجزيئات الصغيرة في الذرة يعبر عن قصور عقولكم عن فهم عوالمها وألغازها))). .
لقد استدل العلماء بالدليل القاطع على إن التوازنات الدقيقة لأصغر الأجسام في الكون تعكس صورة التصميم الدقيق لكل المخلوقات المادية والحيوانية, ومن غير المعقول إن يحدث ذلك كله بالمصادفة, فالذرة الصغير ومكوناتها المتناهية في الصغر هي الدليل على إتقان الخلق اتقاناً يدل على إن الخالق المبدع يتصف بصفات الكمال. .
لقد رسم زعماء الربيع الأوربي ملامح الطريق الصحيح نحو ارتقاء سلم المجد والتفوق, ونحو بناء القواعد الصناعية العملاقة, ونحو صياغة المناهج التربوية الصحيحة, والاعتماد عليها في إعداد الأجيال القادمة. .
دعونا الآن نستعرض أسماء العلماء الظاهرين في الصورة, ونبدأ بالصف الأول من اليسار بالعالم (لانغمور إيرفنغ Langmuir Irving) ويحمل الرقم (1), وهو عالم كيميائي أمريكي من مواليد 1881, حصل على جائزة نوبل عام 1932 في كيمياء السطوح, ويعود له الفضل باختراع المصباح ذي الشريط التنغستوني المملوء بالغاز الخامل, وهو أول من استعمل الهيدروجين الذري في اللحام, وله نظرية ذرية مسجلة باسمه بالاشتراك مع العالم (لويس Lewis), وابتكر طريقة لتصوير الفيروسات بواسطة الطبقة وحيدة الجزيئات, وكانت وفاته عام 1957. .

يأتي بعده في الصف الأول من اليسار العالم (ماكس بلانك  Max Plank), ويحمل الرقم (2), وهو عالم ألماني من مواليد 1858 يعود له الفضل الأكبر في تأسيس نظرية الكم, ويعد من أشهر علماء القرن العشرين, وكانت وفاته عام 1947. .
تأتي بعده العالمة البولندية الأصل (مدام كوري Marie Sklodovska), وتحمل الرقم (3), وهي من مواليد 1867, عالمة في الفيزياء والكيمياء, اكتسبت الجنسية الفرنسية بعد زواجها من العالم (بيير كوري), تعد من رواد فيزياء الإشعاع, وأول من حصل على جائزة نوبل مرتين, مرة في الفيزياء ومرة في الكيمياء, وهي المرأة الأولى التي تحصل على هذه الجائزة, والأولى التي تحصل عليها في مجالين مختلفين, وكانت وفاتها رحمها الله عام 1934. .
يأتي بعدها العالم الهولندي (هندريك أنتون لورنتس Hendrek Antoon Lorentz), ويحمل الرقم (4), وهو من مواليد 1853, حصل على جائزة نوبل في الفيزياء عام 1902 مع (بيتر زيمان), وهو أول من وضع معادلات التحويل التي اعتمد عليها آينشتاين في وصف الفراغ والزمن, وله اكتشافات كثيرة في المجال الكهرومغناطيسي, وكانت وفاته عام 1928. .
اما الشخص الخامس في التسلسل, والذي يجلس في المقدمة, ويتوسط الجميع, فهو الفيزيائي الألماني الفذ, والموسيقي المبدع, والرياضي اللامع, (ألبرت آينشتاين Albert Einstein), المولود في ألمانيا عام 1879, وهو أبو النظرية النسبية, حاز عام 1921 على جائزة نوبل في الفيزياء, وله بحوث كثيرة في ميكانيكا الكم, وتكافؤ المادة والطاقة, عرفه الناس بذكائه المفرط, حتى أصبحت كلمة (آينشتاين) مرادفة للعبقرية, كانت وفاته رحمه الله في أمريكا عام 1955. .
ويجلس إلى يساره العالم الفيزيائي (بيير لانغفن Pierre Langevin), ويحمل الرقم (6), ولد في فرنسا عام 1872, كان من خيرة العلماء الذين درسوا الموجات الصوتية, ويعود له الفضل باختراع أجهزة السونار. كانت وفاته في فرنسا عام 1946. .
يأتي بعده العالم الفيزيائي السويسري (تشارلس يوجين جاي Charles Eugene Guye), ويحمل الرقم (7), ولد عام 1866, كان ألبرت آينشتاين من الذين تتلمذوا على يده, تخصص في الفيزياء الذرية, وله فيها أكثر من 200 ورقة بحثية, ذاع صيته بين الناس بعد أن اثبت مختبريا بأنه لا وجود للصدفة في خلق الطبيعة, وان الله وحده هو الخالق المبدع المدبر, كانت وفاته عام 1942. .
يأتي بعده العالم الاسكتلندي (تشارلس توماس ريس ويلسون C.T.R. Wilson) ويحمل الرقم (8), ولد عام 1869, وحصل على جائزة نوبل في الفيزياء عام 1927 لاختراعه الغرفة الغيمية, وكانت وفاته عام 1959. .
اما الجالس في طرف الصورة ويحمل الرقم (9) فهو العالم الفيزيائي الانجليزي البارع (أوين وليانز ريتشاردسون Owen W. Richardson), ولد عام 1879, وكانت وفاته عام 1959, وحصل على جائزة نوبل في الفيزياء عام  1928 لنجاحه في صياغة قانون الانبعاث الحراري. .
ثم نتعرف على الجالسين في الصف الثاني, ونبدأ من اليسار بالتسلسل رقم (10), وهو العالم (بيتر ديبي Peter Debye), المولود في هولندا عام 1884, والحاصل على جائزة نوبل في الكيمياء عام 1936, وكانت وفاته في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1966. .
ثم يأتي بعده العالم الدنماركي الكبير (مارتن كنودسن Martin Knodson), ويحمل الرقم (11), ولد عام 1871, ويعود له الفضل في صياغة ما يسمى برقم كنودسن, ويرمز له (Kn), وهو رقم لا بعدي يعرف على انه يمثل نسبة المجال الوسطي الحر للجزيئات إلى طول فيزيائي معين في الأوساط المائعة, وكانت وفاته عام 1949. .
ويجلس إلى جانبه العالم الاسترالي (وليم لورنس براغ W. Lawrence Bragg), ويحمل الرقم (12), وهو مولود عام 1890, وحاصل على جائزة نوبل في الفيزياء عام 1915 بالاشتراك مع (وليم هنري براغ), وكانت وفاته عام 1971. .
يأتي بعده العالم الفيزيائي الهولندي (هانز كرامرز Hans Kramers), ويحمل الرقم (13), وهو من مواليد عام 1894, وكانت وفاته عام 1952. .
ويجلس إلى جانبه العالم الانجليزي الشاب (Pual Direc), ويحمل الرقم (14) خلف آينشتاين تماماُ, وهو أصغر المشاركين سناً, ولد عام 1902, وكان عمره (25) عاما عندما شارك في المؤتمر, حصل على جائزة نوبل عام 1933 بالاشتراك مع العالم (إروين شرودنغر), لوضعه صياغات جديدة لنظرية الكم, وكانت وفاته في فلوريدا عام 1984. .
يليه عالم الفيزياء الأمريكي (آرثر كومبتون Arthur Compton), ويحمل الرقم (15), وهو من مواليد 1892, حصل على جائزة نوبل في الفيزياء عام 1927 عن اكتشافه تأثير كومبتون, وكانت وفاته عام 1962. .
يليه العالم الفرنسي الكبير (الأمير لوي دي بروي Louise de Broglie), ويحمل الرقم (16), ولد عام 1892, وتخصص في الفيزياء وبرع فيها, وكان من المقربين لآينشتاين, حصل عام 1929 على جائزة نوبل في الفيزياء, وتولى منصب سكرتير الأكاديمية الفرنسية للعلوم, ساهم في تطوير نظرية الكم, واخترع المجهر الالكتروني, وكانت وفاته عام 1987. .
يأتي بعده العالم الألماني (ماكس بورن Max Born), ويحمل الرقم (17), ولد عام 1882, وحصل على جائزة نوبل في الفيزياء عام 1954 عن ميكانيكا الكم, كانت وفاته عام 1970. .
ثم يأتي بعده غريم آينشتاين وهو العالم (نيلز بور Niels Bohr), ويحمل الرقم (18), وهو من المنادين بقبول الطبيعة الاحتمالية في تفسير نظرية الكم, وكانت وفاته عام 1962. .
أما الذين يقفون في الصف الثالث, فهم من اليسار: العالم الفيزيائي السويسري (أوغست بيكر Augeste Piccard), ويحمل الرقم (19), ولد عام 1884, وهو أول من اكتشف طبقة الستراتوسفير في الغلاف الجوي, وصمم أول غواصة لسبر الأعماق السحيقة في البحار والمحيطات, توفي هذا العالم الكبير عام 1962, وخلف وراءه كل مفيد للبشرية من اختراعاته المتنوعة كالمناطيد والغواصات, والمعادلات الفيزيائية التي أنارت الطريق للأجيال القادمة. .
اما العالم الذي يحمل الرقم (20) فهو الكيميائي الفرنسي (إيميل هنريوت Emile Henriot), ولد عام 1885, وهو من تلاميذ مدام كوري, ويعود له الفضل في تطوير المجهر الالكتروني, وكانت وفاته عام 1961. .
ثم يقف إلى جانبه العالم النمساوي (بول اهرنفست Paul Ehrenfest), الذي يحمل الرقم (21), ولد عام 1880, وتوفى عام 1933, لكنه وعلى الرغم من صغر سنه كان من أشهر علماء الفيزياء في عصره. .
ويقف إلى جانبه العالم البلجيكي (إدوارد هيرزن Edouard Herzen), الذي يحمل الرقم (22), وهو من مواليد عام 1877, تخصص في الكيمياء الفيزياوية, وهو حفيد الكاتب الروسي  (الكسندر هيرزن), تبوأ أرقى المناصب العلمية عام 1921, وتوفي عام 1933. .
ويقف إلى جانبه عالم الرياضيات البلجيكي (ثيوفيل دي دوندور Theophile de Donder), ويحمل الرقم (23), ولد عام 1872, اشتق عام 1923 بعض الصيغ الرياضية للتفاعلات الكيماوية, وتوفي عام 1957. .
ويقف إلى جانبه عالم الفيزياء النمساوي (إروين شرودنغر Erwin Shrodenger), ويحمل الرقم (24), ولد 1887 وتوفي عام 1961, وهو معروف بإسهاماته في ميكانيكا الكم, وبخاصة معادلة (شرودنغر), التي حاز من أجلها على جائزة نوبل في الفيزياء عام 1933, اشتهر بوضع صيغ رياضية لوصف سلوك الالكترونات في تركيبة الذرة. .
ويقف إلى جانبه العالم البلجيكي (يوليوس إيميل فيرشافلت Jules Emile Vershafelt), ويحمل الرقم (25), ولد عام 1870, وتوفي عام 1955, وكان من أشهر علماء الفيزياء في عصره. .
ثم يأتي من بعده العالم النمساوي (فولفغانغ باولي Wolfgang Pauli), ويحمل الرقم (26), ولد عام 1900, وتوفي عام 1958, لكنه كان من أشهر علماء الفيزياء, وحاز على جائزة نوبل في الفيزياء عام 1945, واسهم إسهاما فاعلا في تطوير نظرية الكم. .
ويقف إلى جانبه العالم الألماني (فيرنر هليزنبيرغ Werner Heisenberg), ويحمل الرقم (27), ولد عام 1901, وتوفي عام 1976, حاز على جائزة نوبل في الفيزياء عام 1932, واكتشف أهم مبادئ الفيزياء الحديثة, وهو مبدأ عدم التأكد, أو عدم اليقين, الذي أعلنه عام 1927. وانصبت اهتماماته المختبرية على دراسة سلوك أشعة غاما. .
ويقف إلى جانبه العالم البريطاني (رالف هاورد فاولر Ralph Howard), ويحمل الرقم (28), ولد عام 1889, وتوفي عام 1944, وكان بارعا في الفيزياء والفلك. .
ويقف في الطرف الأخير من الصف الثالث العالم الفرنسي الكبير (ليون نيكولاس بريلوين Leon Brillouin), الذي يحمل الرقم (29), ولد عام 1889, وانتقل إلى رحمة الله عام 1969, ينحدر من عائلة توارثت علم الفيزياء جيل بعد جيل, وكان من أشهر الفيزيائيين في منتصف القرن الماضي. .
لقد حصل المشاركون في الربيع الأوربي على أكثر من سبعة عشر جائزة نوبل, وعشرات الجوائز العلمية والأوسمة الرفيعة, وتركوا للأجيال اللاحقة كنوزا علمية زاخرة بالمفاهيم العلمية الجديدة, التي منحتهم القدرة على النهوض بالمراحل المستقبلية المثقلة بالمهمات الصعبة. .
كان أكبر المشاركين في انتفاضة الربيع الأوربي العالم الهولندي (هندريك أنتون لورنتس), الذي انتقل إلى جوار ربه بعد عام واحد (1928) من انعقاد المؤتمر, أما اصغر المشاركين في الربيع فهو العالم الانجليزي الشاب (Pual Direc), وكان آخر الراحلين منهم, إذ وافته المنية عام 1984, بعد ثماني عقود حافلة بالانجازات العلمية الباهرة, نال على أثرها جائزة نوبل بالفيزياء. .
كانوا قدوة حسنة قادوا أحفاد القارة العجوز نحو المجد, وكانوا نخبة منتخبة من العلماء الأعلام شيدوا الأسس الرصينة لقيام النهضة الصناعية الحديثة, التي منحتهم القوة في مواجهة أصعب التحديات, لم يشغلوا أنفسهم مثلنا بالمهاترات والصراعات الطائفية العقيمة, ولم يتفننوا بصناعة الموت, ولم يغرقوا في مستنقعات الحقد والكراهية. كرسوا حياتهم كلها من اجل تحقيق المنافع العامة لأوطانهم, وافنوا أعمارها في ميادين الإبداع والتفوق. كان لهم الفضل الكبير على كل القارات بما تركوه من تراث علمي وضعوه في خدمة الجنس البشري. .
بعد هذه الانجازات الرائعة والقفزات العلمية الهائلة يأتيك احد المتحجرين من المنظمات المتطرفة الغارقة في الجهل والتخلف ليهمس في إذنك, ويخبرك إن هؤلاء الذين خدموا الإنسانية سيذهبون كلهم إلى النار, لأنهم............؟؟؟؟؟؟؟؟؟. .
كان هذا ملخصا للربيع الأوربي, الذي نهض به علماء تركوا بصماتهم على صفحات المقررات الدراسية لمدارس ومعاهد وكليات البلدان والمدن والقصبات في كوكب الأرض, ومن المفارقات العجيبة إن بعض الذين شاركوا (مع أو ضد) ثورات (الربيع العربي) كانوا من رجال الأمن وأصحاب السوابق, ولديهم سجلات ملوثة بدماء الأبرياء في أقبية مديريات الأمن وأجهزة المخابرات والاستخبارات ومراكز الشرطة. .
وهذا هو الفارق الكبير بين الرجال الذين شيدوا المستقبل وبين الرجال الذين شيدوا المعتقل. .

الشاعر راسم الخطاط-قصيدة بعنوان متسول

متَــسَوّل
من يعطي هذا الوطن
المتسوّل على ابواب النوّاب؟
من يمنحه طرفة عين؟
فما زال يمد يديه يريد الصدقات
وطن ٌ يحتضرُ او قل مات
تبا للوطنِ ولتحيا السلطات
من يفتي ان الوطن امام؟
سيطيح بكل الظّلام
شعب يستجدي عطف النواب
وطن ملغومٌ بالأحزاب
من يرحم هذا الوطن ....
الشعبُ...
الجرح النازف
وضمير السلطات خراب
وطن تنهشه ذئاب
ونعيـــــــــــــــــــق النٌوٌاب غراب

فارس حميد أمانة - أحلام

الاثنين، 7 أبريل 2014

قصص قصيرة جداً-عادل كامل

قصص قصيرة جداً


عادل كامل


مقدمة:
قال الجنيد:
     " فقد حكي عن الجنيد انه رأى رجلا ً مصلوبا ً وقد قطعت يداه ورجلاه ولسانه. وعندما استفسر عن سبب ذلك قيل له كان ديدنه السرقة فقطعت يده في السرقة الأولى والأخرى في الثانية، فثابر على السرقة برجليه فقطعتا على التوالي، فاخذ يسرق بلسانه فقطع لسانه، واستمر بالسرقة إلى ان آل به القضاء إلى القتل! آنذاك اقترب منه وقّبله، فقيل له:
ـ تقبل جسد لص مصلوب؟ّ!
ـ إنما أفعل ذلك لثباته!"
وقال الجنيد أيضا ً: " الصادق يتقلب في اليوم أربعين مرة والمرائي يثبت على حالة واحدة أربعين سنة!"
وقال ألنفرّي: " كل جزيئة في الكون موقف"
وقال محي الدين بن عربي: "لا يؤاخذ الجاهل بجهل، فإن جهله له وجه في العلم" وقال أيضا ً:" لا يصح الترادف في العالم، لأن الترادف تكرار وليس في الوجود تكرار"
وقال أبو علي الدقاق: " الإرادة لوعة في الفؤاد، ولدغة في القلب، وغرام في الضمير، وانزعاج في الباطن، ونيران تتأجج في القلوب"



[7]  سعادة/1
 ـ لِم َ، حتى مع نفسك، لا تتكلم؟
ـ وما حاجتي للكلام، وأنا كلما تقدمت في المسافة، أراها تدعوني إليها.
[8] سعادة/2
ـ ما الهدف الذي تسعى إليه ؟
ـ لست أنا من يخبرك به. أنا، يا صديقي لم تعد الكلمات تصل  ذروتها، إلا واراها  تأخذني إلى البعيد. فأنا لم اعد ابحث عن السعادة كي أجدها، ولم اتركها كي تتوارى، فانا سعيد بأنني ذاهب إليها، مثلما هي معي أبدا ً..!
ـ لكن لا احد يعرف ذلك؟
ـ أذهب وأسأل السعادة: من أنت؟ أنا لا اعرف إجابتها، طبعا ً، أنا اعرف أنني غير آسف على ما مضى، ما دمت كلما توغلت في الدرب، أجده يدعوني إليه.
[9] سعادة/3
ـ أخبرني، هل عثرت على ما تريد ..؟
ـ تقصد، هل متُ..؟
ـ بل أراك غير مكترث حتى لموتك.
ـ لأنه وحده يمتلك الإجابة التي لم انشغل بها.
ـ بماذا انشغلت إذا ً ..؟
ـ لم انشغل بالحياة، كما تظن، أكثر من انشغالي بهذا الذي لم يدعني اكف عنه: فانا أينما ذهبت أجد أنني تقدمت خطوة، وكلما تقدمت خطوة، أرى إنها تكمل المسافة التي لا أنا ـ ولا أنت ـ باستطاعته ان يضع خاتمة لها.
[10] سعادة/4
ـ هل حقا ً الأقوى وحده المنتصر..؟
ـ لا..
ـ هل هو الخاسر..؟
ـ أنا لم اقل ذلك..
ـ من المنتصر، في نهاية المطاف، إذا ً..؟
ـ مادام الطريق ابعد من سالكيه، فلا خاسر، ولا منتصر، لأن الطريق هو، يا صديقي إن لم تره، رآك، وإن لم يحصل ذلك، فأنت تكون خسرتك حياتك، وخسرت خسائرك أيضا ً، وما نصرك إلا هو الجنازة التي عليك ان تمشي فيها.
[11] سعادة/ 5
ـ ألا يخفق قلبك لأحد ..؟
ـ ألا يكفي انه لم يتوقف عن الخفقان!
[12] ألوان
   لم يعثر على جدار له لون مختلف عن الآخر، فالسماء، هي الأخرى، رآها مثل الأزقة، والأشجار، والناس، لها اللون ذاته: ومضات تملأ الفضاء. فارتبك، ولم يصدق، فسأل احد المارة:
ـ هل حقا ً لا يوجد إلا هذا اللون المشع بهذه الومضات البلورية، في مدينتكم البيضاء..؟
   ابتسم الآخر، وسأله:
ـ من أين جئت..؟
ـ من بلاد الشمس.
ـ آ ...ه، ما أسعدك!
ـ عن أية سعادة تتحدث..؟
ـ عن السعادة التي تركتها وجئت تبحث عن سواها!
وأضاف الآخر:
ـ حدق جيدا ً...، لأنك سترى ما لا يحصى من الألوان، أمامك، وخلفك، وفوقك، وتحت بصرك، إن أحصيتها، فلا نهاية لعددها.
    لم يخبره انه أمضى سنوات طويلة في بلاد الشمس، حتى غدا، كلما نظر، لا يرى إلا الرمال، والتراب، والرماد، والآن ـ قال للآخر بصوت خفيض ـ: على أن أرى اللون الذي توجد فيه الألوان كافة، قبل ان افقد بصري، كي أعود ولا أرى إلا الرمال والتراب والرماد..!
[13] رحلة
      بانتظار الطائرة التي ستعيده إلى المدينة التي قدم منها، كان يتابع، بشرود، هبوط الطائرات، وإقلاعها، ليقول لنفسه: ليس لدي ّ ما آسف عليه، عدا إنها كانت رحلة وجيزة. 

الأحد، 6 أبريل 2014

الغضنفري يلتحق بقافلة رجال الشمس- د. سيّار الجميل


Today
at 10:53 PM


الغضنفري يلتحق
بقافلة رجال الشمس

د. سيّار الجميل


غادرنا دون رجعة
، اثر اغتيال غادر اثيم ، الصديق العزيز ابن الموصل الحدباء الاعلامي العراقي المتميز
الاستاذ واثق الغضنفري ، اذ استشهد مقتولا بالرصاص قرب جامعة الموصل عصر يوم 27 آذار
/ مارس 2014 ، ليلحق بقافلة الراحلين العراقيين الابرار الذين سبقوه الى دار الخلود
. لقد قتل غيلة وغدرا من دون أي ذنب اقترفه ، ولا أي جرم قام به سوى تميزّه كمثقف وكاتب
اعلامي هادئ صبور حليم متواضع ، خدم مدينته وبلاده على مدى سنوات وهو يعّرف بتراث اهله
العراقيين ومجتمعهم وقيمهم وشيمهم ، وقد نشر العديد من المقالات في الصحف .. وكان ملتصقا
ببيئته ومدينته ام الربيعين ، يتنّقل بين ازقتها ، ويعّرف العالم ببيوتاتها وتواريخها
ومعمارها واهلها القدماء ، اذ كان يقّدم برامجه الوثائقية والتسجيلية والميدانية من
كل من قناتي الموصلية وسما الموصل . ولقد اجاد كثيرا في نقل الصورة التعبيرية عن التراث
اذ كنت ولم ازل اعده من الاعلاميين العراقيين القلائل الذين امتازوا بالتصاقهم بمحلياتهم
وبيئاتهم ، فكان مثقفا عضويا له قوة

ارتباطه بمجتمعه
الذي نجح في توصيف جوانب حية من اصالته وقوة ابداعاته ومواريثه الخصبة .


يقول الاخ لقمان
الشيخ في مقال له بعنوان " قناة الموصلية الفضائية كادت أن تكون الضحية ..!!
" : " وبرامج أتابعها واسعد بها عن تاريخ وذكريات يسجلها ويقدمها السيد واثق
ممدوح الغضنفري الذي يتطرق إلى أحداث وعادات يمثلها المجتمع الموصلي , بلهجة مدينتنا
الذي هي طابع خاص بنا.. وكان ألمي وأسفي على فقدان كادر شاب , كان يصعد بنجاح وتفوق
في طريقة عرضه ولقاءه مع جمهور الموصل الذي أحبه واعتز بتفوقه , هو الشاب ( مازن البغدادي
) الذي اغتالته يد آثمة , لا سبب آو ذنب ارتكبه , سوى عداء الإرهاب لكل مظهر وعمل يغاير
سلوكه لتقدم و نجاح أي شكل " !


واثق ممدوح الغضنفري
ولد بالموصل عام 1962 ، وهو سليل اسرة موصلية قديمة معروفة ، ويقول المؤرخ ازهر العبيدي
في موسوعته عن عوائل الموصل قائلا عن اسرة الغضنفري : " الغضنفري : نسبة إلى لقب
" غضنفر " الذي أطلقه العثمانيون على أحد أجدادهم لشجاعته . ويقال انّه من
ألقاب جدّهم مالك الأشتر النخعي الذي يرجعون في أصلهم إليه . عرف أبناء هذه الأسرة
بشغلهم المناصب الإدارية المهمة منهم إبراهيم كمال احمد الوزير في العهد الملكي واللواء
ياسين حسن نائب قائد القوات العراقية في حرب فلسطين 1948 .. " وغيرهم من الرجال
المعروفين .


لقد نشأ الفقيد
في مدينة الموصل ودرس في مدارسها الابتدائية والثانوية ، وحصل على غرار اترابه في جامعة
الموصل على شهادة الباكالوريوس في الادب الإنكليزي عام 1983م ، ولم يكتف بها ، بل ثابر
لاحقا ، وحصل على شهادة الباكالوريوس في القانون عام 2000م. وعانى واثق على غرار ابناء
جيله من السنوات العجاف ، أي سنوات الحروب والحصار ، وقد عرف بين اصدقائه بأمانته ،
وصراحته ، وطيب روحه ، وسرعة بديهيته ، وحسن معشره ، وخفة ظله .. وقد عرف في السنوات
الاخيرة بتقديمه برامجه التلفزيونية الناجحة التي نالت اعجاب الناس ، اذ خصصها في التعريف
بتراث الموصل وتقديمه لها باللهجة الموصلية المحببة التي تمتاز يخصوصيتها ، وقد نجح
في ايصال رسالته باسلوب سهل المذاق وببساطة الالقاء ، وسحر المحتوى .. فضلا عن امانته
في نقل النصوص ، اذ كان يؤدي الامانات الى اهلها ، فان اخذ من كتاب يذكر صاحبه ، وان
ساعده مؤلف او مؤرخ او اديب او أي مثقف .. فهو لا ينسى ذكره ابدا على عكس غيره من الاعلاميين
الذين يستنسخون موادا وينسبونها الى انفسهم وهم يلقونها على الناس !


عرفت الفقيد منذ
سنين ، وكان دائم الصلة بي تلفونيا ، فعرفت فيه الوفاء والاخلاص والتواضع وكل الطيبة
.. وقد حدثني في المرة الاخيرة قبل قرابة اسبوعين وكان يكلمني تلفونيا بصحبة الاخ الاستاذ
محمد الجليلي ، وطلب مني تزويده ببعض المعلومات التاريخية عن الموصل ابان القرن الثامن
عشر على عهد انتصارها العظيم على جيوش نادرشاه الغازية اثر الحصار التاريخي الذي فرضته
عام 1743 ، وطلب تزويده بصور وبعض الخرائط القديمة للموصل على وجه السرعة كي يبدأ تصوير
برنامج من حلقات تحت اسم " رجال الشمس " يستعيد من خلاله ذكرى الايام الخالدة
للموصل في انتصارها على اجتياح جيوش نادرشاه العراق ، وكان ذلك البرنامج حلم واثق منذ
زمن طويل .. فأرسلتها له ، ولقد طلبت منه امانة ، وبشكل شخصي ، ان يحترس ، واوصيته
ان يأخذ حذره من الاثمين .. فأجابني – رحمه الله - " لنا الله ... " قلت
له : حرسك الله ، فشكرني وكانت اخر كلماته لي انه سيعمل على احياء روح البطولة في استعادته
ذكرى انتصار الموصل ضد نادرشاه ، وحثّني على اعادة اصدار طبعات اخرى من كتابي عن ذلك
الحصار الرهيب والذي كنت قد نشرته قبل خمس وعشرين سنة !


علينا ان نتساءل
: لماذا قتلوا واثق الغضنفري اذن ؟ ومن كان وراء تصفيته ؟ ومن ذا الذي له مصلحة ليس
في القضاء عليه حسب ، بل في استئصال كلّ مثقف جاد ، او اعلامي متميز ؟ ولماذا لحق واثق
بقافلة الراحلين من رجال الشمس ؟ ربما يقول البعض ، بأن حاله حال الاخرين من الضحايا
العراقيين الذين قضوا وتمت تصفيتهم منذ اكثر من عشر سنوات .. وربما يخاف البعض عن اعلان
موقفه خشية الحالة المأزومة التي يمر بها العراق . ولكن اغتيال واثق ما هو الا هدف
قصد الى تحقيقه اولئك الذين ارادوا كتم صوته الى الابد ومن اجل اغتيال الحلم الذي يحمله
واثق .. لا شيء آخر ، فهم يدركون ادراكا حقيقيا ، ان تأثير استعادة ذكرى رجال الشمس
وتداعياته سيكون كبيرا على كل العراقيين .. لقد رحل واثق قبل اوانه ، وقبل ان يحقق
حلمه ، ولا ادري ان كان قد بدأ بتسجيل اية حلقة من حلقات " رجال الشمس "
! ؟ اكثر من عشر سنوات والعراق يخسر خيرة ابنائه ورجاله ونسوته من دون أي علاج .. اكثر
من عشر سنوات ، ومشروع القتل والتهجير والاقصاء والاغتيالات والقمع يجري تحت مسمع ومشهد
حكومة عاجزة ، والبعض يتهمها بالضلوع او السكوت على ما يجري ..


ان قتل واثق بمثل
هذه الطريقة ضمن الطرق المتعددة المستخدمة في قتل العراقيين وراءها اسباب ربما سياسية
، لم يشعر بها الفقيد ، او طائفية لم يعر أي اهتمام لها ، وربما جهوية وتاريخية ، فلقد
ازداد خصوم اهل الموصل هذه الايام نظرا للدور البطولي الذي وقفته الموصل ضد الغزاة
على امتداد زمن طويل . ولقد عانى اهل الموصل كثيرا منذ الايام الاولى بعد الاحتلال
الامريكي ، وما زالوا يعانون من فقدان الامن ومن هيمنة العصابات ومن سوء تعامل افراد
الجيش مع الناس في الشوارع والاسواق وعلى الجسور وعند البوابات وفي المحال والمحلات
وفي الاحياء وكل المؤسسات .. وتعيش كل من المدينة واطرافها في كل المحافظة حالة يرثى
لها من الاهتراءات وكل الانقسامات .. ولم تلح في الافق اية بوادر استقرار . ولا أي
تقدم على مستوى الخدمات . ولقد عاشت الموصل على امتداد التاريخ الاسلامي ، وهي لا تعرف
أي معنى للطائفية ، ولكنها اقحمت في مجاله اثر عام 2003 من دون مبرر .


وأخيرا ، عتبنا
كبير جدا على وسائل الاعلام العراقية المختلفة والتي لم تهتم ابدا بالمصرع المأساوي
للشهيد واثق مقارنة باهتمامها بغيره .. وكأنه ليس زميلا اعلاميا عراقيا فقده العراق
بعد ان كان قد خدمه بكل حرص وامانة واخلاص ، ودفع حياته ثمنا لحرية شعبه ورقي ابنائه
ما هذا التصّرف ؟ ما هذه الازدواجية ؟ وهل هو مجرد اهمال ، ام انه تجاهل عن قصد ؟ اننا
اذ نؤبن الصديق الشهيد واثق الغضنفري ورحيله عنا ظلما وعدوانا .. فإننا نعلن عن تنديدنا
الصارخ بقتل هذا الرجل وقتل كل ابناء العراق ، ونطالب بالتحقيق في قتله والوصول الى
القتلة لمعرفة من يكونوا ومن يستتر من ورائهم للقضاء ليس على الغضنفري ، بل لإسكات
صوته ، ومحوه بإغلاق الابواب على رجال الشمس .. ولكن صوته سوف لن يموت ابدا ، وسيحمل
الراية غيره من رجال الشمس الذين ستلدهم ام الربيعين آجلا ام عاجلا .. رحم الله الفقيد
الشهيد ، واعان عائلته الكريمة واولاده الصغار ، واسكنه فسيح جنانه وانا لله وانا اليه
راجعون
]
--

قصص قصيرة جداً-عادل كامل

قصص قصيرة جداً


عادل كامل


مقدمة:
قال الجنيد:
     " فقد حكي عن الجنيد انه رأى رجلا ً مصلوبا ً وقد قطعت يداه ورجلاه ولسانه. وعندما استفسر عن سبب ذلك قيل له كان ديدنه السرقة فقطعت يده في السرقة الأولى والأخرى في الثانية، فثابر على السرقة برجليه فقطعتا على التوالي، فاخذ يسرق بلسانه فقطع لسانه، واستمر بالسرقة إلى ان آل به القضاء إلى القتل! آنذاك اقترب منه وقّبله، فقيل له:
ـ تقبل جسد لص مصلوب؟ّ!
ـ إنما أفعل ذلك لثباته!"
وقال الجنيد أيضا ً: " الصادق يتقلب في اليوم أربعين مرة والمرائي يثبت على حالة واحدة أربعين سنة!"
وقال ألنفرّي: " كل جزيئة في الكون موقف"
وقال محي الدين بن عربي: "لا يؤاخذ الجاهل بجهل، فإن جهله له وجه في العلم" وقال أيضا ً:" لا يصح الترادف في العالم، لأن الترادف تكرار وليس في الوجود تكرار"
وقال أبو علي الدقاق: " الإرادة لوعة في الفؤاد، ولدغة في القلب، وغرام في الضمير، وانزعاج في الباطن، ونيران تتأجج في القلوب"







 [1] وشاية
     انج بجلدك. ولكنه، بعد تخيَل ما سيحدث له، تسمر. صرخ الراعي: أمش. فعاد يستمع إلى صوت زميله في القطيع: إن غادرت أكلتك الذئاب، وإذا نجوت منها فستعيدك الكلاب إلينا، كي تنتظر موسم جز الصوف، من ثم الذهاب إلى المسلخ. إنج بجلدك. ليجد انه كلما تقدم مع القطيع، اقترب من النهاية.
   فقال الكاتب يخاطب ذاته: ما ـ هو ـ مصير هذه الكلمات. أجاب بلامبالاة: لا احد يسمعك، ولا احد يريد ان يصغي إليك، ومصير كلماتك كمصير خروفك، إن مكث، أو غادر، فقد وجد كي يهلك.
    رفع رأسه وشاهد ـ عبر الشاشة ـ المجازر البشرية: إن صمتوا تموت الكلمات في قلوبهم، وإن تكلموا، تسفك دمائهم في الشوارع. فترك أصابعه تدّون: عليك ان لا تدع المدية تعمل في قلبك، بل دعها تعمل في قلب الجزار.
   سمع الآخر يهمس في آذنه: ها أنت تحرض على العصيان، وتدعوا إلى العنف!
ـ أنا، أنا اصف ما رأيت، ولكن من أخبرك؟
ـ كلماتك أوشت بك.

[2] المدينة البيضاء
   عندما دخل إلى المدينة البيضاء، لم يجد القدرة على النطق، كانت نظراته شاردة، يبحث عن آخر يرشده. فاقترب احد المارة منه وسأله: هل تبحث عن مكان، أو عن احد ما ..؟
   لم يخبره انه فر من العاصفة التي ضربت مدينته، وحولت النهار إلى ليل، وانه لا يعرف ما الذي حل بها، ولم يجد الشجاعة كي يخبره كيف بدأت الريح باقتلاع الأشجار، وهدم المنازل، وكيف خربت المدينة، وتم احتلالها من الغرباء، واللصوص، والقتلة.
     أعاد رجل المدينة البيضاء السؤال عليه: هل ترغب بمساعدة..؟
  لم ينطق، لأنه كان يود ان يحذره من اقتراب العاصفة، وما ستحدثه في المدينة البيضاء، ابتسم الآخر، وقال: علمت، يا سيدي، ما دار بخلدك.
  مازالت الكلمات غائبة عنه، وعندما بحث عن فمه، لم يجده. كان البياض يمتد من الصفر إلى المطلق، ومن المطلق إلى الصفر، إنما أراد ان يخبر رجل المدينة البيضاء انه.....، يود ان يحدثه عما رأى، وشاهد، في مدينته، ويحذره من اقتراب العاصفة. فقال الآخر: قرأت ما دار بخاطرك، يا سيدي، فلا تأسف ان الحكمة لم تأت إلا بعد فوات الأوان، بل ـ ولا تأسف ـ حتى إن جاءت قبل أوانها، بل ولا تأسف حتى لو لم تأت أبدا ً، إنما دع عنك الأسف، وأنت تفكر كيف لا تدع العتمة تتسلل إلى البياض، بعد ان أدركت انك كلما تقدمت في المسافة ضاق الطريق، وكلما اشتد المصاب اقترب الفرج. رباه هذا ما كانوا يقولونه لنا. فقال الآخر: لا تموت المدن إلا عندما لا تجد من يحمل سرها، وإذا كان البياض بهرك، في مدنيتنا، وأعاد لك رشدك، فعد إلى مدينتك واخبر سكانها بما رأيت، لأن الثبات هو باب الحكمة، ولغزها.
[3] مساحات
   نظر إلى أصابعه، وهي تترك، فوق الورقة، بقعا ً شبيهة بكائنات مجهرية، ثم بدت له كسرب طيور، سود، تعبر من اليمين إلى اليسار، ومن حافة الورقة إلى الفضاء ...،فاستعاد، في لمحة، كيف كان يهرول، في ذات يوم، في حلقة دائرية، في مدرسة القرية، وكيف توارى المشهد، وغاب.
     رفع رأسه قليلا ً وشاهد أشعة الشمس تأتي من وراء الغيوم وتسقط فوق الورقة، ليرى الكلمات تحولت إلى كائنات بيضاء لها أجنحة وهي تحّوم في فضاء الغرفة ..
 عندما نظر إلى أصابعه، مرة ثانية، رآها تغيب، فكف عن الكتابة، ومن غير مقاومة، ترك جسده يرحل، غير آسف، انه لم يترك إلا مساحة بيضاء خالية من السواد.
[4] صوت
    وهو شارد الذهن يتأمل جدران المدينة البيضاء، وأزقتها، رفع بصره عاليا ً، والى الجهات كافة، مصغيا ً إلى صوت امرأة تستجدي. لم يجد لديه ما يلبي طلبها، آنذاك كاد البياض يتوارى، لولا  انه سمع الصوت مرة ثانية: أنا لم اطلب منك إلا ان ترى المشهد كاملا ً.
[5] حلم
  تذكر كلمات صديقه، وهو يصل إلى المدينة النائية، انه سوف لا يرى مدينة، ولن يرى أزقة، ولن يرى كائنات بشرية، بل سيستعيد ذكرى تمنحه كل ذلك الذي، في يوم ما، كان يحلم ألا يفقده، ويغيب.
   إنما ابرق إلى صديقه برسالة موجزة يخبره فيها انه لم يستعد حلمه القديم، بل ان الحلم هو الذي لا يعرف من منهما كان جعله يأخذه إلى البعيد.

[6] مودة
   عندما رفع رأسه قليلا ً، أصغى إلى أصوات خفيضة لها لون الفجر، لم ينشغل بالبحث عن الكلمات، وهو يشهد عقد قران ولده، بل دار بخلده، انه اجتاز مسافات طويلة كي لا يتحدث عن الأبواب التي أوصدها، ومكث أسيرها، بل ان يختتم حياته بمقدمات ظن انه لن يراها. كان لا يريد ان يتحدث عن ضوضاء مدينته وصخبها، لأنه وجد انه يمتلك قدرة استعادة مشاهد لا يعرف أهي قادمة من البعيد، أم أنها ذاهبة إليه. فقال لهما همسا ً، انه اذا لم ير سوى الجدران، في حياته، فهذا ليس المشهد، وانه لم يأت للحديث عن هذا، إنما ـ أضاف بمرح ـ كأن الغيوم وحدها تعرف كيف تعيد للأرض أسرارها. إنما علي ّ ان أقول: آن لكما سبر أغوار مسافاتها النائية.