الخميس، 20 مارس 2014

موقف الصحافة العراقية من قضايا الفسـاد-وليد خالد أحمد حسن

موقف الصحافة العراقية من قضايا الفسـاد
وليد خالد أحمد حسن
 تتمتع الصحافة العراقية اليوم بهامش معقول من حرية التعبير والانتقاد ولكنها لم تستغل هذه الحرية كاملة ولم تتحرك في كل المساحة المتاحة لها من حرية الرأي والتناول والنشر ، وربما كان ذلك بفعل قوة الاستمرار ورسوخ بعض القيم القديمة بانتظار حلول قيم جديدة محلها.
فمن الناحية القانونية والعملية تملك الصحافة العراقية هامشاً واسعاً من حرية نشر الأخبار والتعليقات حول قضايا الفساد المستشري في أغلب مفاصل الدولة ، ولكن من الناحية العملية يمكن تقسيم موقف الصحف العراقية تجاه هذا الموضوع الحساس إلى قسمين:-
الأول- صحف ، وهي إيثاراً منها للسلامة لاتكاد تتعامل مع قضايا الفساد إلاّ ضمن الأمور المفروغ منها والعموميات ، ولكنها تتجنب تناول قضايا محددة أو تسمية دوائر أو قطاعات النشاط الخاص أو أشخاص بعينهم . ويمكن تفسير ذلك بأنها غير قادرة على التحقيق والمتابعة للحصول على الأدلة والإثباتات ، وفي الوقت نفسه لاترغب في الاعتماد على الشائعات ، كما أنها تخشى من التورط في قضايا أمام المحاكم أو حتى نزاعات وضغوط على الصعيد الشخصي مما يشكل درساً لهذه الصحف للابتعاد عن هذا الباب المزعج.
الثاني – صحف ، وهي ترحب بنشر قضايا الفساد بل تتنافس في الحصول عليها وإبرازها ، ولكنها لاتقوم بأية تحقيقات صحفية موسعة وجادة للتوصل إلى الحقائق الموضوعية ، وفي أحيان كثيرة لاتكلف نفسها حتى مشقة الاتصال الهاتفي بالمرجع المختص أو الجهة المتهمة لطلب التعليق ، والنتيجة أن تلك الصحف فقدت جانباً كبيراً من مصداقيتها في هذا المجال ، وأصبح ما تنشره من قضايا الفساد يقرأ على أنه مجرد صحافة إثاره تهدف لاجتذاب القرّاء ولاتملك عليها دليلاً.
ومما يسترعي الانتباه ، أن بعض الصحف العراقية التي تتعامل مع قضايا الفساد تحاول مداراة الخطر عن طريق التعميم ، فهي تنشر مثلاً عن أعمال مخالفة للقانون وتنسبها إلى موظف في إحدى الدوائر دون تخصيص أو إلى مدير عام في وزارة ، وهكذا . وهو أسلوب مؤذٍ ، لأنه يوزع التهمة بالتساوي على عدد كبير ممن ينطبق عليهم الوصف ، وفي هذه الحالة يستوي البريء والمذنب ، ويظل الفساد مختفياً وراء الأشخاص الوهميين.
ويؤخذ على الصحف العراقية التي تنشر قضايا الفساد ، أنها قلماً تسعى للحصول على المصادر والوثائق التي تعزز بها مصداقية تحقيقاتها أو تعمتد على الشجاعة المتداولة في الدوائر والمجالس أو تقبل نشر موضوع خطير اعتماداً على إفادة شفهية لموظف مفصول يتطوع بها نكاية بالمدير أو الموظف المسؤول عن فصله دون أن تتساءل عن دوافعه ولاتعطي الجهة المتهمة بالمخالفة فرصة كافية للتعليق والتبرير.
الفساد ظاهرة بشرية موجودة في كل بلدان العالم ، صحيح أن الفساد أكثر استشراء في عراقنا اليوم لغياب أو ضعف الضوابط ووسائل المحاسبة والمساءلة ، ولكنه موجود حتى في أرقى الدول المتقدمة التي تمارس الديمقراطية في أفضل صورها.
لايعيب أي بلد أن يحدث فيه الفساد ولكن ما يعيبه أن يكون الفساد محمياً وأن تغيب المساءلة وأن يستمر المسؤولون والإداريون الفاسدون في إدارة المرافق العامة وصنع القرارات الهامة على الرغم من فسادهم . العيب إذن يكمن في غياب وسائل كشف الفساد واتهامه ومحاكمته ومعاقبته.
والصحافة الحرة لاتضمن منع الفساد ولكنها تساعد في كشفه وتعريته وبالتالي ترفع كلفته وتقلل من الإقبال عليه . وليس من قبيل المصادفة أن مستوى حرية الصحافة في أي بلد يتناسب عكسياً مع مستوى انتشار الفساد فيه وخاصة عند المستويات الإدارية أو السياسية العليا.
إن حق الناس في الحصول على معلومات صحيحة غير منحازة هو أساس الديمقراطية . فإذا كانت هناك مشاكل أو مخاطر أو انحرافات ، فإن الرأي العام يعرف ذلك من صحافته الحرة . فإذا لم تكن الصحافة حرة فإن مصداقيتها تزول ويعتمد الناس بدلاً منها على الإشاعات . وفي هذه الحالة يستوي الفاسد والنزيه لأن الإشاعات مجهولة المصدر وغير مسؤولة وتحتمل الصواب والخطأ وقد تصيب الأبرياء والمذنبين على السواء ، مما يجعل الفاسدين في مأمن.
لكن المشكلة تقع عندما تكون الصحافة نصف حرة أو لها مظهر الحرية ولكنها عملياً مقيدة بقيود منظورة أو غير منظورة ، ذلك أن الشعب المحكوم بنظام فاسد أو واقع تحت نفوذ أجنبي غاشم يسيطر على الصحافة يعرف أن صحافته ليست مصدراً يعتمد عليه في المعلومات . أما الشعب الذي يظن أن صحافته حرة وهي ليست كذلك فيسهل خديعته بمظهر الحرية دون جوهرها.
ويجب أن نعترف بأن الحرية المطلقة للصحافة لاوجود لها ، لأن هناك عوامل كثيرة تأخذها الصحافة بالاعتبار عندما تقرر نشر معلومات مدمرة لجهة ما، مثل الانحياز السياسي أو مصادر الإعلانات أو قوة النفوذ وما يتبعها من تهديد صريح أو مبطن.
قبل 9/نيسان/2003 ، حاول بعض الزملاء الصحفيين أن يأخذ موقفاً من الفساد ولكنهم دفعوا الثمن غالياً . لأن الحديث عن الفساد وقتئذ كان يعتبر بمثابة زعزعة للثقة العامة والإساءة إلى سمعة القيادة الحكيمة الرشيدة ... مع أن الحقيقة على عكس ذلك تماماً ، فكشف الفساد – ماضياً وراهناً- يخلق الطمأنينة العامة ويؤكد أن هناك وسائل متوافرة لمواجهة الفساد في مراحله الأولى وأن المواطن الأمين محمي من الفاسدين.
لايقصد بالفساد قبول مسؤول للرشوة وحسب بل هناك طيف واسع من أعمال الفساد التي تستحق عناية الصحافة لكشفها وإدانتها . ومن أبرز الأمثلة ، العمولة السرية التي قد يقبضها صاحب القرار أو الموظف لتفضيل صنف على آخر عند الشراء والاستجابة للضغوط والوسائط في منح الامتيازات والمنافع وإعفاء البعض من واجباتهم الضريبية أو التساهل معهم خلافاً للقانون والتساهل في المال العام ، والتغاضي عن مخالفي القانون ومحاباة الأقارب والأصحاب.
وليس صحيحاً أن المسؤولين وموظفي الدولة هم وحدهم المعرضون للإغراء وممارسة الفساد ، لأن دخولهم المشروعة محدودة وقدراتهم في اتخاذ القرارات واسعة ، ووسائل الرقابة والمحاسبة والمساءلة ضعيفة ، فهناك فئات أخرى لاتقل تعرضاً للفساد وممارسة له ، وهي تستحق المتابعة والمكافحة ، ومن أبرزهم أغلب مدراء الدوائر والوزراء ورؤساء مجالس إدارة الشركات والصحفيون الذين يؤجرون أقلامهم ورجال الأعمال الذين يقومون بممارسات غير مشروعة ...
للأسف الشديد ، على الرغم من أن الصحافة العراقية اليوم زاخرة بالأخبار والمقالات ... فأنها مازالت تفتقر إلى التحقيق الصحفي المستوفي للشروط ، وذلك لغياب المبدعين في هذا المجال من جهة والعجز عن تخصيص الوقت والكلفة التي يتطلبها تحقيق صحفي جيد يدور حول قضايا الفساد الذي مازال بعيداً كل البعد عن التناول بصورة جادة.
ويميل الرأي العام العراقي إلى تصديق تهم الفساد دون دليل . أي أن المتهم بالفساد يعتبر مداناً شعبياً واجتماعياً حتى تثبت براءته مما يرتب على الصحافة مسؤولية أكبر في عدم توجيه التهم جزافاً . كما يؤخذ على الرأي العام العراقي أنه وإن كان ضد الفساد فإنه ليس ضد الفاسدين بالدرجة الكافية حيث ينظر إلى المسؤول الفاسد بأنه مسؤول قوي وجريء ولايقال عنه أنه سرق أو ارتشى بل يقال أنه استفاد.
والملاحظ أن أكثر صحفنا تلجأ إلى التعميم عندما تكتب عن الفساد بحيث لايعرف القارئ من هو المتهم الحقيقي لأن التي تستخدمها الصحيفة تنطبق على عدد كبير من المؤسسات أو الأشخاص ، وهذا يخدم الفساد ، لأنه يخلط الأوراق ويبقي التهمة معلقة في الهواء.

الديمقراطية هي المناخ الصحي الذي لايعشعش فيه الفساد لأنه غير محمي، ولأن الصحافة الحرة تستطيع أن تكشفه . ولكن حداثة عهدنا بالديمقراطية وتردد صحافتنا في القيام بواجبها في كشف ومحاربة الفساد أو تناولها للموضوع بشكل متسرع وغير مسؤول يجعلها هدفاً سهلاً للفاسدين بدلاً من العكس ، ويقلل من فعاليتها في وضع حد للفساد.

إسماعيل فتاح الترك،-" من ديموزي إلى عصر العولمة ـ مشفرات الموت وأطياف الحرية"-علي الدليمي



كتب

إسماعيل فتاح الترك،
" من ديموزي إلى عصر العولمة ـ  مشفرات الموت وأطياف الحرية"


علي الدليمي


ضمن إصدارات السلسلة الثقافية لدائرة الفنون التشكيلية في وزارة الثقافة، صدر للناقد عادل كامل، كتاب عن النحات الراحل(إسماعيل فتاح الترك)، بعنوان من ديموزي إلى عصر العولمة... مشفرات الموت وأطياف الحرية.
جاء فيه:ـ (إذا كان جواد سليم علامة للحقبة التي كادت تستكمل عصرها الريادي، قبل أن تؤثر موارد(النفط) على التنمية البشرية، بالإيجاب قليلاً، وبالسلب في أكثر الأحيان، فان إسماعيل فتاح، الذي كان أحد علامات جيل ما بعد 1958، أدرك بعمق – ورهافة – أن حرية (الإبداع) تتطلب عودة دائمة إلى مشروعات الإنسان إزاء الغياب.
ويعرج الناقد إلى الدروس الأولى للترك: (استأثرت حياة، وأفكار، وتجارب إسماعيل فتاح، الفنية، بمشروعات جيل مازال يتلقى دروس الرواد، في أكاديمية الفنون الجميلة، بتفكيك أسئلة بدت لنا أنها تنتمي إلى أزمنة خلت، ... كان إسماعيل فتاح، هو الذي وجد فينا، ما يشغله: الحرية إزاء الموت، والبصر إزاء العتمة، والتوقد إزاء الرداءة، فجرجرنا إليه،... إنما ثمة براءة مخبأة لم تدع إسماعيل فتاح إلا إن يصبح مستبداً في مواجهة هذه الإشكالية: طفولة لم تكتمل إلا لأنها لم تدمر، ولم تصبح وثناً، أو صنماً، فراح مع عدد من النحاتين والرسامين والمولعين بالتمرد-يحث خطاه في حفريات أراها- بعد أكثر من أربعين سنة- تجدد ذات النزعة التي اكتشفناها في سومر: خروج ديموزي من الظلمات، لتدشين ما هو في مواجهة تهديدات دائمة بالانجراف إلى المجهول.
ويسلط الناقد عادل كامل، الضوء على الانشغالات الفلسفية للنحات الترك:ـ حيث أكد أنه (منذ وقت مبكر، انشغل إسماعيل فتاح، بمحركات الفن، بصفتها غير مطلقة، لكن هذا لم يوقعه في وهم التعريف للأسلوب أو للهوية، فالمتحرك في رؤيته قاده للانتقال من المألوف أو التقليدي إلى نقيضه، فعندما أقام معرضه الشخصي الأول في بغداد، في أواسط ستينيات القرن الماضي، كانت فاتحة عهد لجيل مغاير للرواد، لعوامل مركبة (عالمياً/عربياً/عراقياً)، كي يمتلك الخطاب الفني زمنه، و(خلقه) كما كان يميز هذا المعنى عن الدافع الأخلاقي،المتداول، فالنص الفني يتوخى تحقيق انشغالات متعددة لدى الفنان، لا بصفته إعلاناً أو علامات تجارية، بل فناً وقد شذب كي تتحقق فيه ذات التدشينات المبكرة في الأعمال الشبيهة بالفن، لدى سكان المغارات، وعند التجمعات السكانية الأولى.
وفي الموت ونقيضه، يرى الناقد:(فإسماعيل فتاح، مكث يحدق في الإشكال التي حولتها سيول البراكين إلى فراغات، وكأنها تذكره بما جرى لسومر،قبل دمارها، عندما دكتها حمم البراكين، وعجلت بغيابها من التأريخ، لكن للموت، بحد ذاته، مشاهد حسية مباشرة، تخاطب الرهافة، الموت قبل الأوان، لأي سبب من الأسباب، وكأنه أنفصل أو عزل عن جدلية الموت والولادة...
ويستشف الناقد في التأثيرات الأولية لتجربة الترك، خصوصاً في أعمال جياكوميتي وهنري مور: ( وإسماعيل فتاح، لم يغفل تأثيراتهما عليه، إلى جانب بيكاسو، وآخرين، في دعائم الحداثة، حتى منتصف القرن الماضي، ولكنه سيدرك أن المهمة الأولى، ولكل فنان، تحتم عليه أن لا يكون ظلاً، فالحرية سمحت له بإعادة قراءة الأزمنة، مثلما سمحت له أن لايكون أسيرها.
ويقارن الناقد تجربة الترك مع تجربة محمد غني: (لم تكن الحرفة تعني، عند إسماعيل متاح، الإتقان، بمعنى المهارات الحرفية، كما لدى محمد غني حكمت، بل كانت تتوخى التحرر، بشكل أو بأخر، على ان هذا الاختلاف يذهب أبعد من السطح، ومن المعالجات الشكلانية، والتكنيكية، نحو تيارات بنائية، وأخرى ترصد عمليات التحلل والانتهاك،...فإذا كان محمد غني حكمت قد مجّد الجسد، كعلامة بلغت ذروتها بالصياغات الجمالية، بدنيويتها، فان إسماعيل فتاح كان يتمثل لغز الحياة كامتداد للموت تارة، وكبذرة عنيدة غير قابلة إلأ أن نشاركها لغزها، برؤية لايمكن عزلها عن محركاتها، على صعيد المجتمعات، أو على صعيد نخبها المعرفية، الفنية، تارة أخرى.
ويعلل الناقد، تمرد جيل الستينيات، في العراق: (ليس لأنه جيل هبط من كوكب آخر، كي يستكمل زمن (الرواد)، بل لأنه أعاد قراءة موته، فهو خليط من التمرد والعواء والمغامرة والثورة والتحدي...ليحدد موقعه في العالم...كان إسماعيل فتاح، نموذجاً تجاوز حدود فعاليات الرسام، والنحات، والمعلم، ليسهم بحضوره في دفع الصخب والتمرد والتجديد نحو ذروته،...ولم يكن يحلم بأكثر من التقدم، في مساحات الحلم، لصياغة كائنات لديها ما يكفي من الإرادة في استثمار خزينها التاريخي...كان إسماعيل فتاح الشاب، قد تربى وتعلم وعاش حياة تكونت من ريادات في الطب والقانون والاجتماع والآداب والفنون...فكانت سنوات دراسته تحرضه على اكتشاف مفاهيم تعددية الرؤى والمناهج والأساليب، وليس الانشغال بالتقنيات أو بالحرفة،... ففي مجسماته المجوفة، انشغال بالفراغ، فالكتلة تحاصر وتتحرر كأنها تحاكي تحولها إلى أثير.
وينهي الناقد عادل كامل، بحثه الطويل في تجربة الفنان الراحل إسماعيل فتاح الترك في، اللا شخصي ـ الشخصي: (فثمة اللا فن، اللا رواية، وموت المؤلف، والانحياز إلى اللا شخصي، واللا ذاتي..الخ، ظهر كتيارات مغايرة لـ : التعبير وللرومانسية وللرهافات، ولكل ما يخص الانحياز إلى الأنا والانتقال كرد فعل مجاور لعصر الآلات وما بعدها...وإذا كان إسماعيل فتاح في سنوات دراسته أكثر ولعاً بالبحث عن التشذيب، كما في الموسيقى من غير أسماء،... فالرهافة ليست مطلقة وليس عامة، مع أنها ليست ذاتية أيضاً، فهي شبيهة بالحرية، ما إن لاتقيد، لا تغدو انعتاقاً، بل صفراً.
الفنان إسماعيل فتاح الترك في سطور:
- ولد في البصرة عام 1934.
- دبلوم في الرسم، معهد الفنون الجميلة، بغداد، الدراسة الصباحية، 1956.
- دبلوم في النحت، معهد الفنون الجميلة، بغداد، الدراسة المسائية، 1958.
- دبلوم في النحت، أكاديمية الفنون الجميلة، روما، 1963.
- دبلوم في السيراميك، أكاديمية سان جاكمو، روما، 1964.
-أقام سلسلة من المعارض الشخصية، في روما، وبغداد، فضلاً عم مشاركاته في جميع المعارض الجماعية التي أقيمت داخل العراق وخارجه.
- حصل على الجائزة الأولى للفنانين العرب، مسابقة سان فيتا، روما، 1962.
- حصل على الجائزة الأولى، للفنانين العرب، في معرض قصر الفنون، روما،1962.
- حصل جائزة النحت الأولى، للفنانين الأجانب، في ايطاليا، حي ماركيتا، 1963.
- أنجز العديد من النصب النحتية، كنصب الشهيد العملاق عام 1983.. والواسطي، والفارابي، وأبو نؤاس.
 - توفي عام 2004.



خطاب الجسد في التشكيل العراقي المعاصر-أطياف وطقوس وبشر- د. شوقي الموسوي

تشكيل

خطاب الجسد في التشكيل العراقي المعاصر
أطياف وطقوس وبشر
                                                                    د. شوقي الموسوي

     احتلت علامة الجسد في العصور الشرقية القديمة ، مكانة متميزة ، حاضرة في الفن والحياة ، فأغلب الاشكال الآدمية المنفذة – الجسد الانثوي على وجه الخصوص -  في فنون الفخار او النحت آنذاك ، كانت بمثابة خطاب بصري  مُحمل بالرمزية ، خاضع للتأويل والجدلية .. فالاجساد قد تحولت من شكلها الواقعي الطبيعي الى الايقوني ومنه الى اشكال رمزية مجردة الى حدٍ ما ؛ على اعتبار ان مفهوم الجسد كوجود متعدد الدلالات  قد تمرحل من الايقنة والنمذجة الى الترميز والتجريد ، وفق عمليات التسطيح والتركيب التي يتجاوز بها الجسد حدوده الطبيعية (الموضوعية) الى الثقافية وصولاً الى الجوهرية ؛ بوصف ان الجسد حاول في كل مرة ان يترجم الوعي الثقافي ، لتحقيق الآثر المعرفي على ذهن التلقي ، ليصبح في النهاية الرمز المقدس الاول والاسمى في عالم الصورة قديماً وحديثاً .
جغرافية التعبير والتجنيس :  
     أصبح خطاب الجسد في الفكر الحديث يحتل موقعاً مركزياً باعتباره  كياناً متعدد الدلالات تتراوح ابعاده الدلالية بين الواقعية والرمزية والتعبيرية وصولاً الى التجريدية ، ضم قيم ووظائف يكون محورها تعاببر الجسد التي أصبحت فيما بعد بمثابة رسائل اتصالية تتجاوز حدودها الطبيعية المباشرة لصالح مضامينها الخصبة . وفي حدود  تاريخنا التشكيلي المعاصر في العراق ، نجد هنالك الكثير من النتاجات الفنية في النحت والرسم والخزف والعمارة قد شهدت  مع الفنانين ( جواد سليم فائق حسن أكرم شكري عطا صبري..) تنوعاً في الطروحات الفنية ، المحتفلة بالثقافات المتجاورة والتي تحيد بذاتية الفنان بعدم الاكتفاء بتحليل الواقع العياني وإعادة صياغته ، وإنما البدء بإنتاج تكوينات خاضعة للتأويل منفتحة على الآخر ،تتجدد بتجدد فعل القراءة في رحلة البحث عن الأعماق .
التراث والمعاصرة :
     فالفنان جواد سليم  نجدهُ قد استعان بدلالات الخط ـ المنحني على وجه الخصوص ـ والذي يؤلف مع العناصر الأخرى ، تكوينات دائرية ممتلئة بطاقات حركية كامنة فيها ، ذي أبعاد ذهنية متمفصلة بالبنية الزمانية للمشهد الفني ..، كما في رائعته النحتية نصب الحرية    .. عندما  كثـّف فيها العديد من العلامات والرموز الفلكلورية والحضارية وفق بناء درامي رصين .
ثقافة تمارس طقوس :
     ونلاحظ ان الثقافة منذُ خمسينيات القرن الماضي  قد مارست طقوسها في الفن بعد ان حاولت إلى حدٍ ما ، لحظة  ارتباط الثقافة بالكتابة ، القضاء على خرافة الأشباح ، فمن خلال العلم والعمل الفكري المتواصل ، يعمق الفنان العراقي كيانه الروحي بالثقافة ، ليتسامى بالوجود إلى مناطق المثال ، لتمتد العلاقة الجدلية ما بين الجسد كمقولة والفن كثقافة ، إلى جوهر الحضارة كما في اعمال الفنانين العراقيين (فائق حسن– شاكر حسن ال سعيد – سعد شاكر – جميل حمودي – حافظ الدروبي – كاظم حيدر – ليلى العطار ..) ، التي  ارتكزت على  طروحات الفكر الفلسفي والجمالي والتي تـُحيل صورة الجسد إلى لغة تسبح في فضاء ممتليء بالعلامات والإحالات المقدسة .
      بعيداً عن الايقنة (القشور) :   
    ان التراث هو صورة الروح والجوهر وهو المعنى الكامن خلف المجهول ..، وهو الطيف المتجسد بالروح ، والتي يُحاول من خلالها الفنان العراقي أن يمنح أشكاله المعاصرة بعداً حضارياً ، اسطورياً  كما في نتاجات الفنانين (محمد غني حكمت - خالد الجادر- اسماعيل فتاح الترك..) ، ليتجهوا الفنانين نحو أسرار الرموز والإحالات المشفـّرة بالممارسات الإيمائية للجسد ... حيث اتجه الفن العراقي منذ ستينيات القرن الماضي باتجاه المفاهيم والأفكار ، بعيداً عن الأقنعة الجاهزة ..، وخاصةً عندما انتبه الفنان إلى التراث الممتليء بالإشارات المثالية المعمقة كما في تكوينات الفنان " شاكر حسن آل سعيد " الذي توصل من خلال بحثه عن الاصالة إلى دراسة البيئة والتراث من خلال الجدران واللقى الاثارية في العراق ..، فضلاً عن الفنان فائق حسن والفنان حافظ الدروبي وتكويناتهم الجسدية القريبة من الواقعية والمحملة بخطاب الثقافة .. فضلاً عن ألاجساد الانثوية في رسوم الفنان إسماعيل الشيخلي والفنان محمد عارف التي نجدها مهتمة بشكل واضح في موضوعة الجسد الانثوي ومفرداتهم (الوجه المدور – العيون الواسعة – الازياء ذات السواد ..) وغيرهم من الفنانين أمثال (نوري الراوي - ضياء العزاوي – صالح الجميعي .. )  الذين جسّدوا رؤاهم التأملية في أسلوب معاصر ؛ كون الجسد قد تمسك بالانساق والعلاقات التكوينية في الفن المعاصر المحتفلة بالمضامين على حساب الايقون .
جيل الاحتفال بالمرموز :       
      مرورا بسبعينيات القرن العشرين .. تواجدت العديد من التجارب التشكيلية التي تناولت موضوعة الجسد كدلالة حضارية اسطورية رمزية فضلا عن الدلالة الايقونية ..منذ رسومات الفنانين (محمد مهر الدين - عادل كامل – عامر العبيدي- علاء بشير ..) ، عندما إشتغلوا على موضوعة الجسد الانثوي اللذين أحالوه الى رمز اسطوري ممتليء بمناخات وطقوس روحانية ذات طابع مثيولوجي ، يكاد يكون مثالي  نحو محاكاة الجوهر بعيداً عن آليات السرد المباشر ، للتزوّد بالمعنى المخفي (الطيف) القابع وراء المرئي في مناطق الصمت . 
موت المؤلف ورحلة البحث عن الهوية:
         ومرورا بتجارب فناني الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي نجد خطاب الجسد قد اختلف لكون الفنان العراقي قد استلهم من طروحات الحداثة وما بعد الحداثة الفكرية ، تطبيقات – خاصة التفكيكية ونظرية التلقي – أثارت مشكلة (( موت الإنسان )) ، التي شكلت – التطبيقات – تدمير للمراكز الثابتة والايديولوجيات الوضعية وبؤر المعاني المرتبطة بها ..؛ ولكون التفكيكيين – أمثال دريدا - قد ابتغوا من ذلك ، تأسيس خطاب جديد يقوم على أنقاظ خطاب الحداثة ؛ اذ يكون موت الإنسان المُعلن هنا ، موت شكل إنسان وليس الإنسان ، وخاصة في تجارب الفنانين العراقيين نهايات القرن الماضي (فاخر محمد- هناء مال الله- ماهر السامرائي- عبدالسادة عبد الصاحب - عاصم عبد الامير – حسام عبد المحسن – سلام عمر – ضياء الخزاعي – عامر خليل – كريم سيفو – شنيار عبدالله - أوانيس بدراوس..) التي احتفلت بالشكل المفتوح واللعب الحر والى الأدائية الفردية والغياب ، فضلاً عن سيادة الدال والأثر وعدم ثبات المعنى ، فلا شيء تحت  القشرة سوى القشرة ولا شيء تحت التجربة سوى التجربة .
تقويض المراكز وبؤر المعاني :    
     من خلال محاولات الفنان العراقي المعاصر – الثمانيني – في جعل الدال استدعاء للأشكال كدوال عائمة ومنزلقة - على حد تعبير (لاكان) – جعلت المتلقي القاريء ، يلتجيء في كل قراءة إلى مخزونه اللاشعوري ، بحثاً عن حالات تقبل التأويل ، أي تمكنه من ان يفهم الخطاب البدائي المفتوح ، من دون الاستعانة بالمؤرخ ، لينتج من خلالها تحرير الدال لإحداث الاثر في ذاته، بعيداً عما يُريده الآخر ... ووصولاً الى الفنانين التسعينيين (كاظم نوير- عبدالكريم السعدون- شداد عبد القهار- مكي عمران – محمد الكناني - زينب عبد الكريم- عبد الامير علوان – سيروان باران - شوقي الموسوي- هايدي الاوسي – عبد الكريم السعدون– فاضل نعمة– محمد علي جحالي - طه وهيب –عاتكة الخزرجي ..) الذين حاولوا خرق قوانين الجسد (اللعبة التصويرية) ، عن طريق تقويض المراكز الدلالية وبؤر المعاني ، من خلال تسطير لمجموعة من آليات الإدراك الحدسي التي يرتضيها اللعب ، والقاضية بإحالة الدال إلى دوال ، مع تغييب مقصود للمدلول ، مما يؤدي إلى تعدد القراءات وتشظي الدلالة ، فضلاُ عن انتشار المعنى للتأويل في ككل قراءة .
تعرية الجسد :
     صور الفنان التسعيني (حسني أبو المعالي - سيروان باران – نادية محمد – فادية محمد..) في أكثر نماذجهم أجساد متداخلة ومتقابلة . بعضها بلارأس . تتواجد على مساحة بيضاء دائرية تقف عليها الاجساد كانها في رقصة ما. من أجل الوصول إلى منطقة بينية ، تربط بيننا وبين طفولتنا البكرية ، لتأسيس خطاب وزمن جديدين ، متداخلين مع أزمنة  البكر تحتفل بعمليات التعرية والتسطيح والتحديث لاجساده الانثوية على وجه الخصوص ، مثلما تتعرى عشتار لحظة نزولها الى مملكة العالم السفلي في الفكر العراقي القديم .هنا استذكر مقولة الفنان الرائع استاذنا " شاكر حسن آل سعيد " عندما قال : ان التعرّي او التعرية بمثابة حفريات آثارية  ، تزيل المظاهر المتراكمة للطبقات الآثارية ، من أجل الكشف عن الهوية  حيث شكلت الاجساد الانثوية سمة متسيدة في أغلب أعماله الاخيرة ، مرتفعاً بها على المظاهر الطبيعية الى مستويات العاطفة لتسجيل احدى مظاهر السعادة والامل والوطن .
الجسد خطاب الذاكرة :
    صور الفنان التسعيني (عبد الكريم السعدون –اسعد الصغير – محمد الكناني - صفاء السعدون - عاتكة الخزرجي ..) مشاهد عديدة لاجساد  بلارؤوس تحلق في فضاءات العمل الفني . فقد حاولوا الفنانين ان يتأملوا الجسد وعلاقته بالخطاب الفني داخل الزمن الجديد ، المُقترح ، وفق العلاقة الجدلية بين المُعلن والمخفي ، الظاهر والباطن (( وجود باطن يُغلف الباطن )) ليُذكرنا بتأملات "ميرلو بونتي " الحدسية التي تشتغل في العلاقة بين الكلمة والصوت ، عندما أكد بوجود صمت يُغلف الكلمة بعد أن لاحظ ان الكلمة قد غلفت الصمت ..؛ على اعتبار إن التسعيني لا يُريد أن يُقدم الجسد كثقافة بوصفه قناعاً خالياً من المضامين الروحية ، المؤجلة بسبب غياب المعايير ، والأخلاقيات البعيدة عن آبار الصدق القديم ؟!! بل بوصفه خطابا ذاتياً، يتخذ من الذهني انطلاقة جمالية ، لبناء خطاب العصر الجديد ، عصر الحروب ، بعد ان عانت في الأمس أسطورة اسمها الصمت !!.
   الجسد وواقعية التعبير :
    رسم بعض الفنانين التسعينيين  خطواتهم الاولى لرؤيتهم التصويرية في الفن ، متخذين من الواقعية النقدية ، انطلاقة أبدية نحو الوجود ، جاعلين موضوع الجسد له صلة بالأفكار الجديدة ، المُستلهمة من مرآة الواقع المعاصر.. فأعمال الرسام " عبد الأمير علوان والرسام ماجد شاليار، نجدها تصور العالم الواقعي (الجسد) ، كمرايا للزمن ، على وفق رؤية بانورامية شاملة للخطاب الواحد ، تنتج تكوينات وجودية متشحة بألوان الأرض والسماء والإنسان ، تبعث فينا شعوراً  بالحياة .. على اعتبار ان الرسم  طريقة للوجود على حد تعبير بولوك وثانيا للتعبير عن عمق افكاره ورؤيته الفنية وفق المكان المتخيل وليس المكان الموضوعي ؛كونه يصب اهتمامه في مطابقة تخيلاته وليس مطابقة الاصول .
    رنين وحياة وجسد :                                                          
      تستحضر تجارب الفن العراقي الثمانيني والتسعيني طقوساً من الحضارة  بأسلوب بانورامي ..؛ إذ نجد هنالك تحاوراً وتجاور ما بين المرئي واللامرئي يُنشط ذاكرة البكر ، للإفصاح عن الجوهر .. هذه التجارب بشكل عام وفي رسوم الفنانين (مكي عمران –محمد علي جحالي – كريم الوالي ..) بشكل خاص ، تستعين إلى حدٍ ما بآليات التشكيل الحداثوي المُناهض للايقون ، من أجل إخصاب عملية التلقي التي تستنطق المسكوت عنه (الطيف) داخل العملية النقدية ، فقد اشتغل على بنية الأساطير كمنقب في حضارة الذاكرة والهوية ، لتجعل مفرداته (( الجسد الأسطوري – النخلة – الأقنعة – الزقورة ...))  للتركيز على النسق كرغبة بالتمعن فيما وراء النتاج الفني ، بغية فهم ما يشكل ذلك النتاج من أطياف (اللامرئي) .
بمثابة خاتمة :
ان خطاب مابعد الحرب قد ساق تجارب الجيل التسعيني ، بفعل قناعاته الأخلاقية والتصويرية ، إلى اتخاذ موقف  جمالي ، يبحث عن حقيقة الجسد بعيداً عن القشور ، باتجاه الأعماق ؛ كونه قد تمرد على الواقع الذي اعتبره مظهراً  مزيفاً ، يخفي حقائقه وراء أقنعته المؤدلجة بالظلام ، ليصبح التعبير في النهاية كالموسيقى التي تخفي خفاياها عبر العصور . ان خطاب الجسد لدى الفنان العراقي المعاصر ، قد أصبح بمثابة نقطة تحول وارتكاز رياضي في الفن المعاصر، تجعل من ألذات والخيال وجوداً حقيقياً يمتلك جوهر المرئيات قبل الولوج في تمظهراتها الجزئية ...؛ لان فكرة المرئي – على حد تعبير غوغان – هي التي تجعل الجسد ملائماً للرسم والذاكرة لاتحتفظ بكل التفاصيل الجزئية ، بل ما يُثير الروح والقلب فقط .


السبت، 15 مارس 2014

My philosophy for a happy life: Sam Berns at TEDxMidAtlantic 2013

قتال من أجل فردة نعال-كاظم فنجان الحمامي


قتال من أجل فردة نعال


كاظم فنجان الحمامي

مرة أخرى تتفجر المعارك العشائرية الطاحنة بين القبائل العراقية لأسباب تافهة لا تخطر على بال الهنود الحمر, ولا على بال قبائل البالوبا, تارة تتفجر بسبب مصرع بقرة في حادث مروري غير مقصود على الطريق السريع, فتنطلق المدافع الرشاشة حزناً وألماً على فراق البقرة النافقة, ويتساقط القتلى بالعشرات, وتارة تتفجر المعارك بسبب الخلاف على نوعية علبة سجائر, أو بسبب فقدان (حمامة) من أقفاص أحد المطيرجية, فترتفع الرايات, وتتعالى الأصوات, وتصدح الحناجر بالأهازيج الحماسية المحرضة على سفك الدماء, وتتكرر الصولات والغارات.
أما أكثر المعارك غرابة, فهي المعركة المخزية, التي دارت رحاها جنوب العراق في ثمانينات القرن الماضي بين عشيرتين متجاورتين بسبب ضياع فردة نعال في حفلة زفاف.
ربما لا تصدقون أن عشرات الأرواح البريئة راحت, في يوم من الأيام, ضحية لضياع فردة نعال واحدة من النوع الرخيص, فاندلعت المجازر العشوائية الدامية, واستمرت لأسابيع وأيام, ولم تنطفئ جذوتها إلا بعد تدخل كتائب الفيلق الثالث بقوتها الضاربة.
نحن الآن في الأشهر الربيعية من عام 2014, ولم تتغير توجهات الصراع العشائري بصورتها المؤسفة, لكنها على العكس تماماً, فقد تجددت هذه الأيام في مناطق متفرقة باشتباكات عنيفة, استعملت فيها الهاونات والقاذفات والرشاشات الثقيلة والرمانات اليدوية, حتى قيل أنها خرجت عن مسارات الحكمة والتعقل, خصوصا بعد قيام مجاميع عشائرية مسلحة بقطع الطرق وقراءة هويات ركاب السيارات بحثاً عن أفراد من القبيلة الخصم لغرض قتلهم والتمثيل بجثثهم.
لسنا هنا بصدد استعراض الوقائع الدامية, التي ارتكبتها عشائرنا, لكننا نوجه أصابع الاتهامات إلى الدولة العراقية, التي دأبت منذ عام 1920 وحتى يومنا هذا على تشجيع هذه العشائر, وتعزيز قوتها, وذلك من خلال تبنيها لسلسلة من الإجراءات الارتجالية والأساليب المغلوطة والممارسات الخاطئة, تمثلت بمنح تراخيص حيازة الأسلحة الثقيلة, وتكريم أبناء العشائر بكميات هائلة من الأسلحة والذخيرة الحية, وعدم التعامل بجدية في التحري عن مصادر التسليح والتسلح, وتفضيل رؤساء القبائل والعشائر والأفخاذ على أصحاب الكفاءات العلمية العليا, والتغاضي عن تجاوزاتهم وانتهاكاتهم العشائرية المتواصلة, وترجيح الأعراف العشائرية المزاجية على الأحكام القضائية الشرعية, فتوزعت عندنا الحقوق بين حق الدولة (الحق العام) وحق العشيرة, ما يعني خضوع المجتمع العراقي برمته لنظام (السمكة الكبيرة تأكل السمكة الصغيرة), ويا أهل يثرب لا مقام لكم بها.
والأنكى من ذلك كله أن المرشحين للانتخابات المحلية والبرلمانية يلجئون في مواسم الانتخابات إلى نيل التأييد والدعم والمؤازرة من العشائر القوية, ما يعني خضوع تشكيلة الدولة بصيغتها (الديمقراطية) المستقبلية لإرادة العشائر المستبدة, وهذا يفسر حجم الفوائد الجمة, التي جنتها عشائر بعض الوزراء, وتفوقها على العشائر التي لم تنجب وزيراً بعد. من هنا انحرفت مؤشرات الولاء لشجرة النسب, واتسعت دائرة المنافع القبلية تحت شعار: (الشجرة التي لا تفيء على أهلها تستحق القطع). أما نحن أبناء الملحة, الذين لا نمتلك شجيرة واحدة نستظل بظلها, فلا مكان لنا في هذه الغابة, التي صارت تعج اليوم بالكواسر الممعنة في القبلية, والمؤمنة بمسوغات المناصرة العشائرية, التي صدح بها (المازني) بأرجوزته الداعية للتعصب القبلي والجهل والاعوجاج, بقوله:
وَلِي فَرَسٌ لِلْحِلْمِ بِالْحِلْمِ مُلْجَمٌ
وَلِي فَرَسٌ لِلْجَهْلِ بِالْجَهْلِ مُسْرَجُ
فَمَنْ شَاءَ تَقْوِيمِي فَإِنِّي مُقَوَّمٌ
وَمَنْ شَاءَ تَعْوِيجِي فَإِنِّي مُعَوَّجُ
وَمَا كُنْتُ أَرْضَى الْجَهْلَ خِدْنًا وَلَا أَخًا
ولَكِنَّنِي أَرْضَى بِهِ حِينَ أُحْوَجُ
والله يستر من الجايات

الاثنين، 10 مارس 2014

ما العمل ؟ عندما تصبح العَمَالةُ وجهة نظر والأهداف صغيرة والهزائم كبيرة- بقلم د. لبيب قمحاوي



ما العمل ؟ عندما تصبح العَمَالةُ وجهة نظر والأهداف صغيرة والهزائم كبيرة



  بقلم د. لبيب قمحاوي                

lkamhawi@cessco.com.jo



     "خوفي أن يأتي يوم تُصْبِحُ فيه العَمَالَةُ وجهة نظر" , جملة خطيرة قالها كمال ناصر في عام 1972 اقتربت في مدلولاتها من النبوءة لما نحن فيه الآن .

       ترى ما الذي يجعل شخصاً قيادياً مُؤسّساً في حركة فتح أن يطلق ذلك التحذير/ النبوءة في تلك المرحلة المبكرة من انطلاقة الثورة الفلسطينية ؟ هل كان ذلك استيعاباً مبكراً لعوامل القوة والهزيمة داخل المجتمع الفلسطيني ؟ أم كان فهماً حقيقياً وإطلاعاً نادراً على مكنونات تفكير حركة فتح والأهداف غير المعلنة لقيادتها المُؤَسِسَة ؟ أم كانت شكاً في نوايا ووطنية بعض القيادات الفلسطينية؟ أم كانت جملة عابرة تحولت مع الزمن إلى حقيقه مُرﱠة مؤلمة ؟  

       لا شك أن هنالك العديد من الحقائق المرﱠة والتحديات المستحيلة التي تعصف الآن بضمير المواطن العربي وتتحدى ارادته , في الوقت الذي يعاني فيه من تناقص مضطرد في قدرته على استيعاب طبيعة التطورات والتحديات التي تجتاح وطننا العربي , ناهيك عن قدرته على استشراف المستقبل .

      الحقيقة الأساس والأهم هي أننا لا نستطيع أن نحسم خيارات الكفاح والنضال من منطلق الهزيمة أو خيارات السلام من منطلق التنازل والاستسلام . فهزيمة الذات قد تكون أقسى الهزائم وأكثرها خطورة على مستقبل الأمة . فهي تنبع من داخلنا دون أن نكون قادرين على رؤيتها , وتجلياتها تأخذ أشكالاً مختلفة . وقد يكون أخطر تلك التجليات هو ما يجري الآن من محاولات لإغلاق ملف القضية الفلسطينية بتعاون عربي وفلسطيني من خلال مفاوضات "الإطار" التي يقودها وزير الخارجية الأمريكي جون كيري . وهذه المفاوضات تستند إلى واقع الضعف الشديد والتشتت الذي تعيشه دول المنطقة بإستثناء اسرائيل , وكذلك حالة الإنكفاء وهزيمة الذات التي أصابت الشعوب العربية, وحالة الاستسلام الفلسطيني الناتج عن تراجع مستوى الالتزام الوطني للقيادة الفلسطينية وتآكل إرادتها الوطنية منذ اتفاقات أوسلو . وهكذا , فإن أخلاق الهزيمة وثقافة التنازل والاستسلام قد ابتدأت تصبغ السلوك العربي وتسيطر على منظومة الأهداف التي نسعى إليها والتي تَقَلّصَ سقفها وتواضع الى الحد الذي أصبحت فيه مدعاة لسخرية الأعداء وشفقة الأصدقاء.

      إذا كان هذا هو واقع الحال باختصار, فما العمل ؟ ماذا علينا أن نفعل ؟ وماذا علينا أن لا نفعل ؟

        منطق الأمور يفترض أن الواقع العربي والفلسطيني الحالي يتطلب الابتعاد عن أي مفاوضات سلام مع إسرائيل كونها تستند إلى الضعف والتشتت العربي والتنازلات الفلسطينية . فالمضي في مسلسل المفاوضات بهدف التوصل إلى اتفاقية إطار مُصَاغَة بلغة مطاطة سوف يؤدي بالنتيجة إلى إغلاق ملف القضية الفلسطينية عوضاً عن حلها , كون الجهة التي سوف تفسر اللغة المطاطة في النهاية هي الطرف الأقوى وليس الطرف الأضعف. وبلغة أخرى التفسير سوف تقوم به اسرائيل , في حين أن التنازلات سوف يقدمها الفلسطينيون لوحدهم .

       هذا بالإضافة إلى أن امريكا لا تفاوض في الحقيقة إلا الإسرائيليين . فالمعلومات الواردة من دوائر المفاوضين تؤكد على أن الجهة المُرْسِلَةُ هي اسرائيل وباقي الأطراف وهم الفلسطينيون والأردنيون مستقبلون . أمريكا تفاوض الإسرائيليين على حجم الخسائر الفلسطينية ولا شىء آخر. المطروح الآن للتفاوض هو حجم الخسائر الفلسطينية والتي تعني حقيقة حجم المكاسب الإسرائيلية . والأردنيون يساهمون من خلال وجودهم في تليين الموقف الفلسطيني , وهم بذلك لا يساهمون إلا بالقدر الذي يُضفي حضورهم لبعض الجلسات سراباً خادعاً بأن هنالك فعلاً مفاوضات حقيقية متعددة الأطراف . هذا مع العلم أن الهدف الحقيقي للحكومة الأردنية من المشاركة في المفاوضات هو مراقبة الفلسطينيين وبرنامجهم التفاوضي على أساس أن العدو الحقيقي للمصالح الأردنية هم الفلسطينيون وليس الإسرائيليون ! ومن هنا الإصرار الأردني المتواصل على رفض وجود قنوات اتصال فلسطينية – إسرائيلية جانبية والإيحاء المتواصل بأن الإتفاق الفلسطيني – الإسرائيلي قد يأتي على حساب المصالح الأردنية.

        الأمريكيون يتصرفون على أساس أن الفلسطينيين والأردنيين في الجيب والجهة الوحيدة التي تقول نعم أو لا هم الإسرائيليون . صحيح أن الفلسطينيين قد يعترضون على هذا, أو يطالبون بذاك , ولكنهم لا يفاوضون وهنالك فرق كبير بين الاعتراض والتفاوض . وما دام هذا هو واقع الحال , وهو فعلاً واقع الحال , فأي مصلحة للفلسطينيين في الاستمرار في هذه العملية شبه التفاوضية والبائسة .

        إن رفض مبدأ المفاوضات يجب أن يرافقه رؤيا جديدة بديلة تضع الفلسطينيين في مسار ايجابي رافض للتنازل حتى ولو كان ذلك المسار يفتقر في الوقت الحالي إلى القوة اللازمة  لدعمه , عوضاً عن وضعهم في مسار سلبي استسلامي ينطلق من واقع الضعف والتشتت . أما معالم هذه الرؤيا الفلسطينية الجديدة فهي تتكون من خمسة محاور سبق وإن تم التعرض لبعضها.

المحور الأول :-   إعتبارالمفاوضات المستندة الى واقع الضعف والتشتت الفلسطيني خطراً على المصالح والآمال الفلسطينية وبالتالي رفضها كونها تهدف إلى استجداء الموافقة الإسرائيلية على حلول شكلية وليس الوصول إلى سلام عادل متكافئ يستجيب للحقوق والثوابت الفلسطينية , وبالتالي اعتبار أي قيادة أو جهة أو تنظيم يسعى إلى مثل تلك المفاوضات معادياً لآمال وتطلعات ومصالح الشعب الفلسطيني .

المحور الثاني :-   إعلان الفلسطينيين عن رفض مبدأ تقسيم فلسطين التاريخية إلى دولتين ,     فالدولة المخصصة للفلسطينيين , فيما لو تحققت , سوف تكون شبه دولة , منزوعة السلاح والسيادة الفعلية , ومنزوعة الدسم بشكل عام , وعباره عن  أشلاء هنا وهناك مقدرٌ لها أن تعيش إلى الأبد في ظل الدولة الأكبر والأقوى وهي اسرائيل . منطق الأمور إذاً يفترض أن لا يطالب الفلسطينيون أو يوافقوا على تقسيم فلسطين التاريخية إلى دولتين . فذلك لو تم فإنه يعني الموافقة الضمنية الفلسطينية على أن اسرائيل سوف تبقى قائمة إلى الأبد وأن فلسطين , بالتالي, سوف تبقى مقسمة إلى الأبد . وهذا أمر يصب في مصلحة الإسرائيليين . هل الحل يكمن في تقسيم فلسطين الطبيعية بيننا وبين الإسرائيليين بنسبة مجحفة لا تسمح للفلسطينيين إلا بأقل من 25% من الأرض في أحسن الأحوال حتى وإن وافق الإسرائيليون . الموضوع ليس موضوع نسب مئوية بقدر ما هو خيار استراتيجي . هل يريد الفلسطينيون تقسيم فلسطين بينهم وبين الإسرائيليين إلى الأبد ؟ أم أنهم يريدون استرجاع الوطن المغتصب السليب بأية وسيلة ومهما طال الزمن ؟          

المحور الثالث :-  المطالبة بدولة ديمقراطية علمانية واحدة على أرض فلسطين التاريخية          الموحدة , بغض النظر عن مُسمى تلك الدولة في المرحلة الأولى , يتمتع  فيها كافة المواطنين بحقوق مدنية وسياسية ودستورية كاملة ومتساوية في النص والممارسة , تحكمها حكومة ديمقراطية برلمانية ينتخبها المواطنون بشكل دوري . وعلى أية حال ونظراً لأهمية هذا الموضوع وضرورة الحد من التطورات السلبية المتلاحقة التي تعيشها القضية الفلسطينية , فإن فتح باب الحوار بين الفلسطينيين حول هذا المحور يعتبر أمراً هاماً ومجدياً ومطلوباً . وكل من يرفض ذلك عليه أن يتقدم بأسبابه وتبريراته . صحيح أن أغلبية الإسرائيليين والفكر الصهيوني المطالب بدولة يهودية نقية, هم ضد ذلك , والمعظم يعرف لماذا . ولكن لماذا يكون أي فلسطيني ضد ذلك ؟

 المحور الرابع :-  إعلان الفلسطينيين من طرف واحد بأن الأحتلال لم يعد قائماً وأن الفلسطينيين يعيشون على أرضهم وفي وطنهم فلسطين . إن هذا الطرح قد يتضمن كماً كبيراً من التساؤلات والاستفسارات والتحفظات المشروعة والتي قد لا يمكن الحصول على إجابات عن معظمها. ولكن تبقى الحقيقة أن هذا الإعلان يهدف إلى تحويل العلاقة بين الفلسطينيين واسرائيل من علاقة احتلال إلى علاقة تمييز عنصري يرفضها العالم ولا يقبل باستمرارها . هذا مع أن طبيعة العلاقة بين الفلسطينيين واسرائيل هي في واقعها علاقة تمييز عنصري كون الاحتلال الإسرائيلي احلالي يهدف إلى احلال الإسرائيليين مكان الفلسطينيين وتجريدهم من حقوقهم الأساسية تمهيداً للاستيلاء على أرضهم بعد أن تم احتلالها .

        وهكذا , فإذا كان من غير الممكن حالياً استرجاع الوطن المحتل بالوسائل العسكرية , فعلى الفلسطينيين العمل على منع تقسيمه أولاً , والنضال من أجل قيام دولة واحدة ديمقراطية  بهدف تحويل النضال من أجل التحرير إلى نضال ضد سياسة التمييز العنصرية وكل أشكال التمييز الأخرى . وإذا كان الإسرائيليون لن يقبلوا هذا الطرح وهو أمر متوقع , فعليهم أن يتقدموا بحلول بديلة و مقبولة فلسطينياً لمشكلة تتفاقم يوماً بعد يوم . فالفلسطينيون لن يغادروا فلسطين لأي سبب وتحت أي مسمى . والاستيطان الإسرائيلي , وهو غير قانوني وغير مشروع, سوف يفاقم الأمور أكثر وأكثر ويخلطها بشكل يجعل إمكانية فصل السكان على أسس دينية أو عرقية شبه مستحيل .

       قد يجادل البعض بأن لا جديد في هذا الطرح وأن موضوع الدولة الديمقراطية العلمانية الواحدة في فلسطين قد طرح في بدايات العمل السياسي للثورة الفلسطينية (حل الدولة الواحدة مقابل حل الدولتين ) . هذا واضح , وإن كان ذلك لا يعني ولا يجب أن يعني أن هذا الطرح غير صحيح . فالمهم والجديد أن هذا الطرح الآن مبني على أنقاض فكرة "الدولتين" التي يجب أن يصبح نفيها ورفضها بشكل كامل وقاطع جزءاً من برنامج العمل الوطني الفلسطيني الجديد . وهذا الطرح قد يخلق بدوره حالة من الفزع في الأوساط الإسرائيلية والصهيونية المطالبة بنقاء الدولة العبرية باعتبارها دولة لليهود فقط . إن المطالبة الفلسطينية بدولة واحدة ديمقراطية علمانية على أرض فلسطين الموحدة هي الرد الفلسطيني الصحيح والمؤثر على المطالبة الصهيونية بالاعتراف بيهودية الدولة العبرية وهو شعار عنصري حتى النخاع .

المحور الخامس :-   إعلان حل السلطة الفلسطينيه والمؤسسات التابعة لها حيث أن تبني هذا البرنامج وخلق إجماع وطني فلسطيني حوله سيؤدي حتماً إلى وجوب إنهاء دور تلك السلطة والتي تقوم حالياً , بالإضافة إلى واجبها الأول كمؤسسة تشغيل للفلسطينيين , بواجب تبييض صفحة الاحتلال في عملية مشابهة بالضبط لعملية تبييض الأموال القذرة وجعلها شرعية ومشروعة . إن ما تقوم به مؤسسات السلطة الفلسطينية حالياً لم يساهم على الإطلاق في إزالة الاحتلال , بل على العكس خلق وهم الاستقلال لدى بعض الناس من جهة , وجعل الاحتلال يختبئ خلفها من جهة أخرى . وهذا جعل مطلب إزالة الاحتلال ينحسر من أولى الأولويات إلى ثاني الأولويات بعد هدف المحافظة على بقاء السلطة الفلسطينية ومؤسساتها وبالطبع رموزها. وبموت ياسر عرفات اختفى الرمز التاريخي بثقله وما له وما عليه , وانتهت القيادة بأيدي البعض من بواقي القيادة الفلسطينية التاريخية , وتقلصت مطالب هؤلاء لتناسب حجمهم السياسي وطموحاتهم الذاتية , وأصبحت التنازلات الفلسطينية تتوالى مثل تساقط أوراق الشجر في يوم خريفي عاصف . وتولد لدى الأسرائيليين قناعة قوية وموقف واضح بعدم ضرورة تَوَصُل أي مفاوضات مع الفلسطينيين إلى أي نتيجة لأن القيادة الفلسطينية في مسارها العجيب منذ اتفاقات أوسلو قد أعطت انطباعاً لجميع الأطراف بأن التنازلات الفلسطينية قادمة سواء تنازل الإسرائيليين عن شيء أم لم يتنازلوا . وضع عجيب لم يُفْرَض على السلطة الفلسطينية إلا بالقدر الذي وضعت تلك السلطة نفسها فيه .    

          إن حل السلطة الفلسطينية ومؤسساتها واختفائها عن الوجود سوف يؤدي إلى إرغام الإسرائيليين على ممارسة دورهم ومسؤولياتهم كسلطة احتلال مباشرةً وعلناً وأمام المجتمع الدولي عوضاً عن الاحتماء خلف السلطة الفلسطينية ومؤسساتها والإدعاء بأن الاحتلال هو قيمة مضافة وليس واقعاً سلبياً نظراً لعدم قدرة السلطة الفلسطينية على ضبط الأمور في المناطق الخاضعة لنفوذها , أو هكذا تدعي إسرائيل .    

        وفي الختام , فإن هذا برنامج عمل مقترح ومفتوح للنقاش البَنّاء والتعديل والتغيير بما يسمح بإعطاء الفلسطينيين بارقة أمل بأن هنالك بديل أو بدائل لما نحن فيه من نهج مبني على التنازلات والاستسلام لإرادة القوي بعد أن نجحت السلطة الفلسطينية في تحويل القضية الفلسطينيه من قضية تحرير إلى مشكلة دفع الرواتب لموظفيها في نهاية كل شهر .                             

حلة الله-وداعا أهلنا شهداء مجزرة الحلة صباح يوم 9 / 3 / 2014-حامد كعيد الجبوري

حلة الله
وداعا أهلنا شهداء مجزرة الحلة صباح يوم 9 / 3 / 2014 م
******
لا أم لا أبو لا خوه لا خيات
كرابه ما الج  بس الهظيمه
تعلمتي الحزن من هزة الكاروك
ترضعين الصبر سم وحريمه
على مر الزمن  ما مرج العيد ؟
توابيت الزمن تكطر ظليمه
محد مسح راسج والكلوب حجار
 تحفرلج كبر أيد اللئيمه   
خاويتي الجثث بالواحد وتسعين
 المنيه اتصيرلج خل ونديمه
الموت أشكد صلف يتخير الشبان
 ولا أنمدت ألج أيد الرحيمه   
يا ( حله ) أشعجب من فوكج يعبرون
 السياسة السوت أبولدج وليمه
كرت عينكم موت ويخلف موت
 عاشور ولطم غيمه أعله غيمه
غبره وجوهكم يهل الكراسي السود
بالخضراء محمي والشعب هيمه  
يا ( حلة ) الكرم عندج بلايه حدود
 حتى بموت ويلادج كريمه
يا أم الترافه والنهر والطيب
 يتيمه ومن بجه الحال اليتيمه
**********
حامد كعيد الجبوري



الجمعة، 7 مارس 2014

أجمل قراءة لقصيدة المتنبي أرق على أرق عبدالمجيد مجذوب لوحات فنية عالمية

شعوب “مخ مافي” !!-محمد بتاع البلادي


شعوب “مخ مافي” !!

محمد بتاع البلادي


في العام 2007 أطلقت الهند (الدولة النووية التي لا يعرف عنها البعض إلا أنها مصدر الحلّاقِين و أرز بسمتي) أول مركباتها نحو الفضاء.. و اللافت أن المركبة الفضائية والصاروخ بل وحتى العلماء والباحثين وعمال الشاي والقهوة في قاعدة (اندرا براديش) كلهم هنود 100% .. أي أنها عملية (هنودة) على وزن (سَعْوَدة) مكتملة الجوانب، وليس كما نفعل نحن العرب عندما نذهب (بفلوسنا) إلى قاعدة (بايكونور) في كازاخستان، أو إلى قاعدة (غويانا الفرنسية) لتناول المرطبات و الاستمتاع بالفرجة على إطلاق قمرنا الصناعي الذي ليس له من العروبة إلا اسمه، والأدهى أنه لا يضيف للعالم إلا المزيد من (الكليـبّات) التافهة وقنوات الشات والدردشة الرخيصة..
الهند التي يتلذذ بعضنا بالتقليل من شأنها حين يُضرَب بها المثل في كثرة الكلام، والتي بدأت برنامجها الفضائي في العام 1963 حين أسست لجنة الهند للأبحاث الفضائية (INSCOSPAR) ستبقي مركباتها في الفضاء لعامين كاملين، تجري خلالهما تجارب وأبحاثاً غير مسبوقة تدرس فيها طبقات الجو، وسيبحث علماؤها عن مصادر طاقة فضائية بديلة للبترول العربي بالإضافة إلى آلاف الأبحاث التي ستفيد كل البشرية دون استثناء.
وفي حين سنكون نحن السعوديين منشغلين خلال العشر سنوات القادمة باجترار قضايانا المزمنة (قيادة المرأة للسيارة، الصراع الفكري السعودي المعروف، تصريف مياه السيول، عدم تأهل المنتخب لكأس العالم 2020) فإن الهنود – الذين يصورهم البعض بأنهم شعب محدود الفهم (مخ ما في) - سينشغلون في ذات السنوات العشر بإطلاق 12 رحلة فضائية في كل عام، أي ما مجموعه 120 رحلة، وستكون بلادهم من أكثر الدول تقديماً لخدمة إطلاق الأقمار الصناعية، بعد أن نجحت عام 2008 في إطلاق عشرة أقمار صناعية بصاروخ واحد.. كما سيتمكنون وكما هو معلن من إطلاق أول رحلة مأهولة إلى الفضاء بحلول 2016.
مَنْ يعرفُ اهتمامَ الهند بالعلم والعلماء لا يستغرب تحقيقَها كل هذا التقدم المذهل.. فالدكتور أبو بكر عبد الكلام أحد أبرز علماء الهند أصبح الرئيس الحادي عشر للدولة منذ العام 2002 وحتى 2007 تقديراً لدوره العلمي في البرنامج النووي والصاروخي الهندي.. الأمر الذي دفع عالماً عربياً كبيراً كفاروق الباز للقول: حين كبرت وعرفت حقيقة الهند تمنيت أن أكون هندياً.. وقد جمع عبد الكلام الكثير من تصوراته في كتابه (الهند 2020) والذي وضع فيه مخططاً لتطوير الهند وتحويلها إلى قوة عظمى تقوم على المعرفة بحلول العام  2020. إذا كان (عبد الكلام) و الساسة الهنود قد نجحوا في تحويل بلادهم من واحدة من أكثر بقاع الأرض فقراً و ازدحاماً وجهلاً و خرافة إلى دولة حديثة تنافس على الصدارة في علوم الفضاء وتقنية الأقمار الصناعية رغم شح الموارد.. فإن المفهوم العربي لعلوم الفضاء والأقمار الصناعية لا يزال يراوح بين إنشاء قنوات الردح والشتائم التي تفرق أكثر مما تجمع، وقنوات (الشخلعة) التي لا تقدم إلا التافه والهابط من البرامج والأغاني والمسلسلات الرخيصة.. وكلها لم تزد العرب إلا غرقاً في بحور الجهل والغفلة والإخفاق والعنصرية البغيضة.

هل عرفتم الآن من هو الذي.. مخ ما في؟


--