قراءات نقدية
السرد الذاتي .... قلق وألم أم مناجاة لإشراك الآخر .
مؤيد داود البصام
(عربة الحصان الميت) كتاب
من مجموعة كتب أصدرها الفنان والناقد عادل كامل ، وهي مجموعة قصصية ، أشتهر عادل بوصفه
ناقداً تشكيلياً له وجهات نظر نقدية في الفن إلى جانب ما أصدره من روايات وقصص قصيرة
، ووجهة نظره النقدية في الفن العراقي تمثل الجهد الأكبر في تصوراته النقدية ، أكثر
من كتاباته في الأدب مقالة او قصة أو رواية .
تضم المجموعة القصصية (عربة
الحصان الميت) ثمانية عشر قصة ، ضمنها قصة غروب وقصص قصيرة جداً ، وتقع المجموعة في
(272) صفحة من القطع المتوسط ، وصدرت عن دار الشؤون الثقافية في بغداد .
الكتابة عن مجموعة قصصية لكاتب
قدم العديد من المؤلفات للمكتبة العراقية والعربية ، ليس من السهولة ، فلابد من تتبع
تجربته الثرة، فهو أحد مثقفي العراق جدية في متابعة الحركة الفنية والثقافية العراقية
، ومن الذين ساهموا في وضع بناء وتطور النقد الفني ومرتكزاته النظرية والعملية ماقبل
ومابعد تجربة الرواد في العراق، بغض النظر عما أذا كنا متفقين او مختلفين في وجهات
النظر معه، فقد عرفت عادل كامل منذ كان طالباً في معهد الفنون الجميلة في منتصف ستينيات
القرن الماضي، ومازلنا نتناقش ونتخاصم ولكل واحد منا رؤاه وافكاره التي نتفق عليها
او نختلف في الفن والادب والاجتماع والسياسة ، وهو ما يجعلنا نأخذ كتاباته بجدية ،
وقراءتها بعناية وتركيز، ففي متون كتاباته وقصصه ورواياته تجد الاشارات الفلسفية عن
الانسان والكون وجوداً او صيرورةً وكينونة ، وفيها رموز من رؤاه المستقاة من دراساته
وقراءاته في الأسطورة والفن ، يضعها في متونه الحكائية الى جانب الاشارات والدلالات
التي تشترك فيها معاناته الشخصية مع معاناة ابناء جيله وآلام وطنه، وكل الذين وقع ويقع
عليهم الهم والحيف والظلم .
السرد بين الواقع والتخييل
مجموعة (عربة الحصان الميت)
القصصية ، تجمع في ثنايا قصصها مناقشات لأكثر من فكر وموضوع ، تناقش الواقع والسمات
الاساسية التي تحكمه، تكشف بواطن الاشخاص، وتعيد تركيب الواقع عبر مخيال ملاصق لأرضية
الواقع من حيث بناؤه ولكن بقوة سرد تحمل دلالاتها الجمالية ، وبلغة سلسة وجمل رقراقة
مملوءة بالحزن والألم والتأمل والدهشة، يستخدم الجمل البرقية ولكن بروية وتأني، فلا
يخلط بين رؤياه الفلسفية وبين الحوادث بواقعيتها او بمخيالها الذي يبتدعه.
تتصدر المجموعة قصة (عربة الحصان الميت) التي أخذت المجموعة اسمها، وتشكل الخمس
من صفحات الكتاب ، ويمكننا القول ، انها قصة طويلة اكثر منها قصة قصيرة ، وقد سبقنا
الكاتب في ذلك ، فلم يضع إلاَّ كلمة (قصص) على ظهر الغلاف ، أي ان التجنيس قابل للقصيرة
والطويلة ، وهو يعي ذلك ، فقد وضع من ضمن المجموعة التسمية التي يريد ، (غروب وقصص
قصيرة جداً)، لنعرف أن الذي نواجهه قد استمل عدته في فهم ما يريد، ويختار السلة التي
يضع بضاعته فيها، عنوان القصة الاولى في المجموعة، (عربة الحصان الميت) كناية عن لا
وجود لموجود كان في الوجود ، مابقى منه كلمات ينثرها " مع ذلك اعتقد ان الحلم
هو الذي يؤسس الواقع " ، ص 43 ، المجموعة .
والعنوان للقصة الذي أخذت
المجموعة اسمها منه ، سيرة ذاتية او مذكرات حصان ، عنوان فيه تورية لوجود ميت ضمن وقائع
الحياة المريرة " هكذا أصبحت أحمل أوزاري بيسر وطيب خاطر ، ثم أنني لم أعد اتشكى
او أتحدث ، لأي سبب من الاسباب عن الجور أو المجاعة أو الأذى " ص 5 ، المجموعة وجع إنساني يتكلم عنه هذا الحصان ، وأي ألم ممزق
الذي ألغى شكواه من الجور والجوع والأذى الذي يلقاه، فماذا بقى ليشكو منه ؟ إنه القدر الضاغط الذي يجبرك على الاستسلام والذي
لم يصنع بيده " الوضع الذي لا ظلام ولا نور فيه ، وعلى الرغم من العقاب الذي نلته
منذ البدء في كوني الحصان الذي رفض أن يكون حصاناً " ص 6 المجموعة ، القصة تعلن
منذ بدايتها ، الرفض الوجودي عبر سرد تسميه إيرين كاكانديز الكاتبة الاسبانية (المناجاة
السردية) وتعتبر " السرد بضمير المخاطب فعل بلاغي " لتجعله
" بما يجعل المناجاة اكثر دلالة واكثر ارباكاً ، انها تحمل خطابين
" فهو يتوجه بخطابه الى المخاطب والرسالة
والمخاطب ، يتبادل فيها المخاطب الأدوار مع المخاطب ، لأن المتلقي في العادة لا يرد
، وهو يرسل بتواصل رسالته ، ومناجاة الحصان على الرغم من ظاهرية الرسالة بالاستسلام
لقدره ، إلاَّ انها استمرار بعدم الاستسلام ، حتى عندما لا تعود ثوريته في زمن الشباب
التي انهكت حياته جرياً وراء سراب " إلاَّ
أنني وأنا في نهاية حياتي ، وبعد أن تهدمت اسناني ، وصرت لا أميز بين الخرافة والواقع
، أو بين الاوهام والحقائق ، لا أريد إلا أن أبقي الحصان بكل صفاته ، ولكن هذا الحلم
غير مستحيلاً " ص 5 المجموعة .
القصة تجرنا الى الفلسفة الوجودية
أزاء الحياة ، ولكنها تبني عمقاً ثورياً من خلال الرفض والتمرد على الرغم من استسلامها
النهائي ، أي أنه يأخذ الجانبين في الفلسفة الوجودية ، القلق المصاحب للألم ذاتياً
، والتمرد لرفض الاستسلام للقدر ، ولكن بطلنا أزاء عبثية الحياة والواقع ، يستسلم لعدم
قدرته على المجابهة ، بعد ان أقتربت نهايته، وهي نهاية افتراضية، لانه منذ البداية
يعلن عن عدم وجوده الواقعي، ولكنه موجود كحقيقة نتعايش احداثها التي يرويها.
والكاتب يضعنا أمام الحقائق
التي رافقتنا منذ الولادة ، هل نحن وجدنا مانريد عندما جئنا للحياة ؟ التحولات والمتغيرات
في حياتنا وواقعنا ، هل هي ما نطمح له ؟ بهذه المزاجية القلقة المتحولة ، بين الرفض
والقبول ، يحيلنا عادل كامل إلى حصان استنفد شبابه وقوته وغروره وبهرجته ، الى حصان
بلغ من العمر عتياً واكتسب تجربة ، جعلته يتبرم وتعوف نفسه كل ماهو موجود ، انه ينقل
لنا الصراعات والاحتدامات في النفس البشرية ، عبر حصانه الميت والذي ترك لنا عربته
، فماذا أراد عادل ؟ هذا هو السؤال الذي سيلازمنا عبر جميع القصص في المجموعة ، إنه
يكتب القصة بمستوى تراجيدي ويزاوجه بالنكتة التي لا يقصد منها الفكاهة وأنما السخرية
السوداء، مع مقدرة رائعة على المزاوجة بين واقع الحصان ومحاكاة النفس البشرية، عبر
جر الأحداث بهذا السرد المنتقى لنقد الواقع الاجتماعي والسياسي والأقتصادي والفكري
ويغوص في الباطن، ليوضح المأساة الاجتماعية للأنسان ، التي تتساوى آلامه فيها مع الحيوان،
عبر رؤى سردية وحوار مكثف (فأن تكون وديعاً او طيباً يعني أن تكون مرشحاً للنبذ والرفض)
ص 8 المجموعة .
هذه المواجهة الصاخبة بين
الانسان كوجود والمجتمع والعالم ، تحيلنا للبحث بأن الفعل متحقق في واقعنا وفي البلدان
المتخلفة في العالم " اعتدت عبوديتي حتى
صرت حراً بها " ص 12 المجموعة .
وهي سلسلة من الظلم والأضطهاد
على مر العصور والاماكن ، انها الحقيقة التي تشكل تكوين الانسان في بلدان العالم الثالث
في واقعه المرير والمؤلم ، فكل الاحلام والطموحات تتكسر أمام جبروت وطغيان التخلف والعنجهية
وسلطة القهر والجهل، وعبودية راس المال المضافة للسلطة القهرية، أية اشكالية وجودية
عندما يضحى الاستسلام هو الحل في مبنى الحياة العام للأنسان الذي بدأ رافضاً متمرداً، " انتهى الامر
بي مستسلماً ومستجيباً لجر عربتي بعيداً عن القيل والقال " ص 15 المجموعة .
أن الرؤية التي يتحدث بها
حصان عادل، تختلف عن رؤية حصان (جورج اورويل) وهي بالتأكيد ليست إطاعة حصان عنترة ابن
شداد لسيده عندما ما عاد يستطيع تحمل ماهو اكبر منه :
فازور من وقع القنا بلبانه وشك إليَّ بعبرة وتحمحم
لوكان يدري ما المحاورة ما اشتكى ولو علم الكلام مكلمي
أنها تمثل المأساة التي تشكل
الاساس الذي يكون ويبني حياة الإنسان الشرقي في واقعه المرير والمؤلم ، فكل الاحلام
والطموحات تتكسر أمام جبروت وطغيان التخلف والعنجهية وسلطة القهر والجهل " أخترت
في اعماقي تراكمات الوهم ، وكل المبهمات عديمة الجدوى ، أفكر لكي لا أفكر " ص 17 المجموعة .
وهي نفس المفارقة التعارضية
مع الديكارتية (أفكر اذاً انا موجود) بإحالة الفكرة إلى العدمية بفعل الواقع ، القصة
من بدايتها إلى نهايتها حوارها فلسفي وجودي ، وتضع نفسها في أختبار قوة تكنيكها السردي
لتجعل المتلقي يتوازى مع المناجاة ويتواصل بموسيقى سردية ، تتحدث عن حياته ومأساته
، بلغة تلفها السخرية وتنحو نحو الشعرية على الرغم من عمقها الفلسفي، لإنها تتحدث عن مشكلة الإنسان الرئيسية وبالذات إنسان
هذه المنطقة ، ضمن فهم وجودي يقول فيه ابو الوجودية كيركغور (الفرد هو الحقيقة الاساسية
، وليس بوصفه ذاتاً عاقلة ، وانما الفرد بوصفه ذاتاً قلقة)، الذي ينشأ ليكدح ثم يهرم
وتخر قواه ليترك للموت او يقتل مهما عمل كحال الحصان عندما تنتهي مرحلة إستغلاله .
إختار عادل أكثر الحيوانات
قوة وانسجاماً مع الإنسان ، فهو يحمل صفات القوة والكبرياء والأنفة ، واستنطقه متوجعاً
، ولكنه إستمر في وقفته أبياً حتى سقط سقطته الاخيرة حاملاً معه عزته وآلامه ، إنها
التفسير الوجودي لحال الإنسان التي يقول فيها د. هشام غصيب " انها بلا شك تعبر
عن الوضع الانساني بصورة من الصور ، وعن الرعب الذي نعيشه بوصفنا أفراداً وحيدين في
النهاية " ، مقابلة خاصة في مجلة أوراق اردنية ، العدد 30 .
وهو ما يخبرنا عنه عادل كامل في نهاية القصة ليعلن
لنا عن نهاية حصانه، " للحق كنت أريد
ان لا إولد ، ولكني ولدت عنوة ، ولم أختر نهايتي الا بما يماثل ذلك الميلاد ، وها انا
قلت كلمتي ، ميت أمضى حياته مجروراً الى الموت " ص 50 المجموعة .
قصة (عربة حصان ميت) تستعيد
ألق الفلسفة الوجودية ، ولكنها في الواقع قصة الانسان الشرقي وأغلب مثقفي الشرق ، حينما
تصبح أمنياته ومطالبه وأحلامه ، صراخا ً في علب فارغة ، أرتوى منها ذوو الرؤوس الفارغة
ورميت على قارعة الطريق ، أنها قصة الاسترجاعات للوصول إلى كنه الذات ، وبث قلقها وآلامها
عبر رؤى فلسفية ، نحتت على ضوء الواقع ، بحث عن معرفة وجودها ، ضمن عكس الأنا الدكارتية
(أنا افكر اذاً انا موجود) فهو يبقي وجوده المعنوي ، ليبقي الوجود المندحر (الموت)
ويدوي سؤاله ، " فلماذا كنت عبداً ، وقد كانت رؤيتي باتساع هذا الكون " ص
31 المجموعة .
استكمال سرد الألم الانساني
أذا قرأنا قصص المجموعة مابعد
قصة (عربة الحصان الميت) لا نخرج من دائرة البحث لاستكمال ايجاد الخلل او الخطأ في
(الوضع البشري) اذا استعرنا العبارة من رواية أندريه مالرو ، فأين يكمن الخلل ، اننا
ولدنا دون رغبتنا كما خرج فيها حصان عادل نهاية القصة ؟ أم أننا ولدنا في المكان والزمان
الذي لانرغب بهما ؟ هل اخترنا أصدقاءنا وزوجاتنا والجيران والوظيفة ، وكل مايمت لحياتنا
؟ هل اخترنا حكامنا ، أم هم الذين اختارونا ليحكمونا ؟ اين الصح وأين الخطأ ؟ سلسلة
الأسئلة والاستفهامات ، نجدها في كل قصة من قصص المجموعة ، فقصة (القصة التي لم تبدأ
بعد) يتحدث عن كاتب رمز لاسمه (ل) رحل عن هذه الدنيا ، ولكنه ظل شاغل الناس ، في القصة
عالم غريب يسخر من نفسه ، يهمش من يريد ويقصي من يريد ، أنه عالم واقعه أغرب من مخياله
، فكل مايحلم به الكاتب في حياته يتحقق بعد موته ، ويصاغ مجده بدون وجوده ، وتذكرنا
برواية (يوسف السباعي) حينما يصرخ بطل الرواية (لا أريد تمثالاً ولا احتفالاً عندما
أموت ، أريد الآن أن اجد جهدي قبل أن أرحل) .
في قصة (ليلة التمثال) الوحشة
والمعاناة امام هول مايحدث في الحياة ، ويقول بطل قصة (البروفسور الذي نطق) والتي تتماثل
في المعاناة مع قصة ليلة التمثال " شعرت بالعذاب القديم ، عذاب المخلوقات التي
تتنفس التلوث وتموت في الحروب وتعاني من المجاعات ، وتهددها الشيخوخة " ص 118
المجموعة .
أن مجموعة (عربة الحصان الميت)
القصصية ، تتكلم بلسان شخصيات أنتقيت بعناية لامتلاكها حساً شاعرياً واحساساً انسانياً
عالياً ، الى جانب اختياره لشخصيات مركبة تعاني من مؤثرات معاناة الآخرين عليها ، على
ضوء تجربتها الشخصية .
الأنا والآخر ووعي الكتابة
أذا اختار ضمير الانا المباشر
للسرد والمناجاة السردية في قصة (عربة الحصان الميت) فإنه يختار في قصص اخرى الضمير
الغائب ليتوارى خلفه ، فهو يسرد سيرة او مذكرات لانسان واحد ، يعبر في كل قصة عن ناحية
من نواحي معاناته ومحاكاته للمخلوقات ، كتبت ثلاث قصص بضمير الانا (السارد) ، (عربة
الحصان الميت ، عصفور في الرأس ، أنا قتلت الامبراطور) أما بقية قصص المجموعة ومن ضمنها
القصص القصيرة جداً ، فقد كتبت بضمير الغائب ، فهو يكتب القصة بوعي لما يريد أن يخاطب
الآخر به على الرغم من اللغة الشاعرية والوجدانية ، والجمل الفلسفية بسيطة وواضحة في
تناول مفاهيمها الحياتية ، إنه يخاطب بصورة مباشرة برموز واضحة الدلالة ، ولكن بفنية
سردية عالية وبقوة تكنيك السرد ، تحمل في طياتها التشويق والدهشة ، ويجعل المتلقي مجبراً
على التواصل والمتابعة ، أن هذا الكم من الأحساس بالظلم والحيف والأجحاف الذي يحمله
أبطاله ، هو جزء من الهم الشخصي لمعاناة طال امدها ، وهو يرى العالم الذي حلم بتغييره
ينهار من حوله ، بعد أن كان مؤمناً أنه واحد من عشرات في مقدمة الركب ممن سينقذون العالم
والانسان، " كانت ترغب أن تقتلع ماضيها كله وتسير صافية كضوء في مساره المجهول
، لا وعي ولا كدمات ولا أمة يحاصرها الغبار " ص151 المجموعة .
أنه يغوص الى الاعماق في استكشاف
حياة شخوصه ، ويعلن همومهم بمناجاة ذاتية تبرز الشخصية ككيان يريد أن يخلق كيانه المنفرد،
لا أن يخلق له كما يوضحه مثال د. هشام غصيب، " بمعنى أنك لاتستطيع أن تختزل الفرد الى ماهو اكثر
جذرية ويقينية منه ، لذلك احتج كيركفور ابو الوجودية على هيغل ، الذي عد الفرد ألعوبة
في يد قوانين التاريخ " ، المصدر السابق ، ففي قصة (الملكة لاما) لم يكن الانهيار
من الخارج ، بل جعله من الداخل " كانت تردد منذ نصف قرن أن تلف الاسنان يعني دمار
الحكم وأنهيار الامبراطورية " ص 99 المجموعة .
أن قصص عادل اضافة الى المسحة
الشاعرية التي تتراقص بين السطور ، فهي خطاب مباشر بهذه اللغة الشعرية والتكنيك السردي
القوي ، والحوار المدروس في تحديد الهدف وطرح
الافكار ، بالرغم من المناورات التي يقوم بها لأخفاء دلالة المعنى، وتغليف مايريد أن
يصرح به عبر رموز ودلالات ، محاولة للتستر على ثورية الخطاب ضد الأنظمة الحاكمة والتسلط
والرعب الذي يخضع له الفرد في المنطقة من جهات وأنساق السلطة الحاكمة ، وكذلك في بنية
المؤسسة التعليمية (المدرسة) ورؤساء العمل الوظيفي ، ومايتحمله الفرد من أضطهاد في
الشارع ، وكل انواع الاضطهادات التي يتعرض لها الانسان ، من قبل المجتمع المتخلف ،
وسلطة وسيطرة المتخلفين من الحكام ، وتلاعب الجهلة واصحاب المصالح بمقادير ومصائر البشر
، " لا ضوضاء أشباح ولا رقصات هستيرية لبشر أضاعوا أقدامهم في مسالك الاحلام والرغبات
، كانت تود اعادة قانون وجودها " ص 101 المجموعة .
في قصصه كشف للزيف والمخاتلة
التي تلف الحياة من اعلاها الى اسفلها ، وتعرية للذين يستحوذون على السلطة والقوة والمال
، وتسليط اصابع الاتهام المباشر من قبل أبطاله من قاع المجتمع الى أعلى قمة الهرم فيه
" كنت أشم رائحة الخيانة ، كانت الديدان منذ زمان بعيد تعبث بهذا الجسد
" ص 108 المجموعة .
القصص واحدها يكمل الآخر بسرد
موجهِ لكل الذين يعانون والذين يجعلون الآخرين يعانون ، للذين يمسكون السلطة ، كأداة
ترفيه وسعادة لهم وتعذيب واضطهاد للآخرين ، وإلى الذين تنسيهم نشوة الربح السريع فيدركون
بعد حين ، وبعد أن يدب الفساد في داخلهم ، أنهم كانوا على خطأ ، ولكنهم لم يتساءلوا
عندما كانوا يقبضون على السلطة والمال والقوة ، ما الذي يجعل الآخر ينجح أذا كنت إنا
أجيد اللعبة ؟ وينسى أنه يحكم الآخرين بصفة النزاهة وما يدعيه شيء إلهي منزل،
" هكذا هزمت جسدها وتحدثت طويلاً الى أمتها كجسد صاف منقى لم يمسسه الألم ولافساد
الازمنة " ص 100 المجموعة .
قصة (الملكة لاما) قصة كل
الحكام الذين يحكمون بالقدسية الألهية، مخضعين الشعب لنزواتهم وآرائهم الذاتية المبنية على احكام مسبقة ، مسيرة كل حاكم
يطغى ويسير في تبختر نشوان على عذابات شعبه ، ولكنه ما أن ينظر الى الاعماق حتى يجد
السوس قد اكل داخله ، وحان وقت رحيله واستبداله بانتهازي آخر ليكشف اخطاءه التي لم
يرها وهو ينظر بخيلاء الى هؤلاء المساكين يتراكضون شمالاً وجنوباً في ملعبه "
رقصة هذا الوهم الذي استنزف العمر كله .... والذي كاد أن يستنزف الخيال ... آنذاك سأغلق
الباب الآخر .... بانتظار قبضات جدد ستحطم
المفتاح " ص 109 المجموعة .
أن مجموعة (عربة الحصان الميت)
القصصية ، تحمل في مجموع قصصها كشفا ً لاعماق النفس البشرية في قوتها وفي ضعفها ، ونجوى
لاصوات لم تسمع، تصرخ من داخل اعماقها وهي تتساءل ، لماذا نتحمل الظلم ما دمنا لم نصنعه
؟ .
* كاتب وفنان تشكيلي عراقي