الخميس، 27 سبتمبر 2012
د. محمد البرادعى- سنوات الخداع (الحلقة الاولى)
· د. محمد البرادعى
«
سنوات الخداع (الحلقة الاولى)
ساعدونا على أن نساعدكم».
ابتسم الرجل الجالس على الجانب الآخر من المائدة، لكنى لم أقرأ فى تعبيرات وجهه أى سعادة. لقد انبسطت عيناه، وتهدل طرفا فمه. هل كان ذلك حزنا أم إرهاقا؟ لم أتبين ذلك تمامًا.
كنا فى التاسع من فبراير عام 2003. كان قد مضى أكثر من اثنى عشر عامًا منذ أصدر مجلس الأمن أول قراراته بفرض عقوبات على العراق. وبعد شهر أو نحوه سيكون هناك غزو جديد للعراق بقيادة الولايات المتحدة. وكان صدام حسين قد وافق مؤخرًا على عودة مفتشى الأمم المتحدة المختصين بالتفتيش على الأسلحة إلى العراق، بينما كنا («هانز بليكس» وأنا)، نقوم بصفتنا رئيسَى الفريقين الدوليَّيْن، بزيارتنا الثالثة إلى بغداد. وكانت تلك ليلتَنا الأخيرة فيها، حيث دعانا وزير الخارجية العراقى ناجى صبرى، إلى العشاء مع أهم مستشارينا ومجموعة من نظرائهم العراقيين.
كان المطعم الذي دُعينا إليه هو أرقى المطاعم التي لا تزال باقية في المدينة، فقد تآكلت البنية الأساسية لبغداد حتى النخاع، على نحو أظهر ما أدت إليه العقوبات من آثار. ومع ذلك كان العَشاء أنيقا، والقائمون بالخدمة يتسمون باللياقة، ومفرش المائدة الأحمر غاية فى النظافة. وكان العَشاء حافلا بالأسماك المشوية التى يزخر بها نهر دجلة. وكانت أسياخ الكباب متبلة كأحسن ما يكون، وحفلت المائدة بما هو أكثر: النبيذ، وكانت تلك مفاجأة، ذلك أن قرارًا صدر فى سنة 1994 بمنع تناول الكحوليات فى الأماكن العامة فى العراق. لكن العراقيين رأوا استثناء هذه الليلة إكرامًا لضيوفهم القادمين من الخارج.
كان الرجل الجالس على الجانب الآخر من المائدة هو اللواء (الجنرال) عامر حمودى حسن السعدى كبير المستشارين العلميين لصدام حسين، وكانت رتبة «اللواء» هذه فخرية بالأساس. فهو مفاوض مهذب ذو كاريزما واضحة، يحمل درجة الدكتوراه فى الكيمياء الطبيعية ويتحدث الإنجليزية والعربية بنفس الطلاقة، كما أنه يفضّل الملابس المدنية عن الزى العسكرى. ورغم أنه لم يكن عضوًا فى حزب البعث فإنه كان الرجل العلمى الأول فى الحكومة العراقية.
اتجهنا («بليكس» وأنا)، بالحديث فى أثناء العشاء نحو موضوع حَرِج: الحاجة إلى مزيد من التعاون، ومزيد من الوثائق. قلنا لهم إنكم تُصرّون على أنه ليست لديكم أسلحة دمار شامل، وتقولون إنكم لم تعيدوا إحياء برامجكم السابقة فى هذا الصدد، ولكننا لا نستطيع أن نغلق هذا الملف هكذا ببساطة رغم أن سجلاتكم لم تكتمل. يلزمنا مزيد من الأدلة، وكلما أبديتم مزيدًا من الشفافية وقدمتم مزيدًا من الوثائق والأدلة المادية، كلما كان ذلك أفضل للعراق على الساحة الدولية. فما الذى تستطيعون تقديمه غير ما قدمتموه فعلا لسد الفجوة فى المعلومات المقدمة من جانبكم؟ «ساعدونا على أن نساعدكم».
كان الجالس إلى جانب السعدى هو حسام أمين رئيس مجموعة الاتصال العراقية مع الأمم المتحدة. وقد انحنى إلى الأمام مجيبا «دعونا نتحدث بصراحة. فبداية لا نستطيع أن نعطيكم المزيد، لأنه ليس هناك المزيد الذى يمكن أن نعطيه». واتجه بنظره إلى «بليكس» ثم عاد إلىّ. «وثانيا أنتم لا تستطيعون مساعدتنا لأن هذه الحرب ستقع لا محالة، وما من شىء يمكنكم أو يمكننا القيام به سيحول دون وقوعها. وكلانا يعرف ذلك. أيًّا ما كان ما نقوم به، فهذا أمر تم حسمه».
اعتدل فى مقعده، وأومأ السعدى برأسه ولم يقل شيئًا. ظل الحزن باديا فى ابتسامته. وبالرغم من وجهة نظر أمين هذه، فقد رفضتُ الاعتقاد بأن الحرب حتمية، فالوكالة الدولية للطاقة الذرية التى أرأسها، وهى الجهة المسؤولة فى الأمم المتحدة عن التفتيش على الأسلحة النووية، كانت تحرز تقدمًا ملموسًا. كان ذلك يشمل متابعة كل المعلومات التى توافينا بها جهات الاستخبارات، ولكننا لم نتوصل إلى شىء. وفى تقريرى إلى مجلس الأمن، الذى قدمته فى 27 يناير 2003، ذكرت ما يلى «إننا لم نجد حتى اليوم أى دليل على أن العراق قام بإحياء برنامج الأسلحة النووية الخاص به». وقد أثار هذا التصريح نقدًا شديدًا من جانب المسؤولين الغربيين وكبار الإعلاميين الذين أقنعوا أنفسهم بغير ذلك. لكن هؤلاء المنتقدين كانوا يُشيرون إلى ظروف احتمالية مثل: ماذا لو حدث هذا أو ذاك؟ ويعتبرونها أدلة. أما ما قلته أنا فكان هو الحقيقة.
ولم تكن الوكالة بعد فى وضع يسمح لها بإبراء ذمة العراق تمامًا. لكننى ألححت على المجلس أن يسمح لعمليات التفتيش أن تأخذ مسارها حتى النهاية. وقلت «إن بضعة أشهر أخرى ستمثل استثمارًا قيمًا فى سبيل السلام». فإذا كانت مبررات الحرب الاستباقية ضد العراق تعتمد على أن صدام حسين أعاد إحياء برامج أسلحة الدمار الشامل، فأين هو الدليل على ذلك؟ وأين هو التهديد المباشر؟ وإذا كان أمين يقول الحقيقة، وأنه لم يعد لدى العراق المزيد الذى يمكن أن تقدمه، فإن ما يعنيه ذلك بوضوح أنه لم يكن هناك أى تهديد.
وكان من المؤكد أن حربًا لا مبرر لها سوف تؤدى إلى انقسام خطير فى العلاقة المتعثرة أصلا بين أولئك الذين يملكون الأسلحة النووية وأولئك الذين لا يملكونها. فكلٌّ من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة يملكان أسلحة نووية، ولم يبدِ منهما أى استعداد للتخلى عنها، ومع ذلك فإنهما يهددان العراق بحجة أنه يسعى للحصول على مثل هذه الأسلحة. وبالنسبة إلى كثيرين فى العالم النامى، وفى المجتمعات العربية والإسلامية بوجه خاص، كان ذلك مدعاة للسخرية ونوعًا من عدم الإنصاف الصارخ. كان صدام حسين يتمتع بشعبية نسبية بين الجمهور العربى لمواقفه تجاه معاملة إسرائيل للفلسطينيين، ولموقفه المتحدى للغرب. لم يكن محبوبًا بين الحكام العرب الذين يميل أكثرهم إلى الغرب، ولا سيما بعد غزو الكويت فى سنة 1990، ولكنهم شعروا مع ذلك بالغضب لمعاملة العراق بهذا القدر من الاستهانة بسيادته. ولو أن حربا وقعت فعلا، ولا سيما إذا كانت بسبب تضخيم الاتهامات بشأن أسلحة الدمار الشامل، فإن الشعور بالغضب عبر العالمَيْن العربى والإسلامى سيتصاعد بشدة.
ومع مرور الأسابيع واحدًا تلو الآخر، ورغم إيمانى الشديد بقيمة ودور عمليات التفتيش، كان شعورى بعدم الارتياح يتزايد. وكانت نبرة خطاب الولايات المتحدة والمملكة المتحدة تتزايد حدة. فقبل أربعة أيام فقط من عَشاء بغداد كان وزير الخارجية الأمريكى كولين باول، قد عرض الأمر على مجلس الأمن، وكان قد أذاع أشرطة لمحادثات هاتفية تم التنصت عليها، وعرض صورًا لمنشآت عراقية صورتْها الأقمار الاصطناعية، وأعلن أن هذه السجلات تدل على «أنماط غريبة من السلوك» من جانب صدام حسين ونظامه، وأنها «سياسة تهرب وخداع». وبالنسبة إلى جماعة المفتشين، كان العرض الذى قدمه باول تجميعا لافتراضات، ووصْفًا لبيانات لم يتم التحقق منها، وتم تفسيرها على أسوأ نحو. لم يكن هناك ما يثبت شيئًا مما يقال. ومع ذلك فإن كثيرًا من المستمعين، ولا سيما غير المتخصصين منهم، رأوا فى حجج «باول» ما يقنعهم.
خلال الأسابيع الستة التالية لم يكن بوسع أى تقدم فى عمليات التفتيش، أو فى الجهود الدبلوماسية، أن يسمح بتجنب الأزمة المحدقة. وأعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن الوثائق الأساسية للاستخبارات التى تدّعى الربط بين صدام حسين ومحاولة شراء اليورانيوم من النيجر مزيّفة. لكن هذا الكشف لم يكن له سوى أثر محدود. وبدلا من إيجاد حل أو مجرد موقف موحد، انتهى مؤتمر قمة عربى طارئ عُقد فى شرم الشيخ بغير نتيجة. كذلك أخفق اقتراح بريطانى قُدّم فى اللحظة الأخيرة فى تجنب العمليات العسكرية.
وفى وقت مبكر من صباح يوم 17 مارس تلقيتُ مكالمة من بعثة الولايات المتحدة فى فيينا تشير علينا بإخراج مفتشينا من بغداد.. كان الغزو على وشك أن يبدأ.
«إذا كان هناك خطر يخيّم على العالم فإنه خطر يتشاطر فيه الجميع، وبالمثل إذا كان هناك أمل يراود أمة واحدة فإن هذا الأمل يجب أن يتشاطر فيه الجميع». كانت تلك كلمات الرئيس الأمريكى دوايت أيزنهاور، فى سنة 1953 فى خطابه عن «الذَّرّة من أجل السلام» الذى أسفر، بعد أربع سنوات، عن إنشاء الوكالة الدولية للطاقة الذرية. كانت الرسالة التى تضمنها ذلك الخطاب رسالة غير عادية، جاءت فى خضم سباق متزايد للتسلح النووى، ووجهت إلى مجتمع دولى لم يكن قد نسى بعد ويلات الحرب العالمية.
ومفهوم أيزنهاور عن الذرة من أجل السلام ذلك المفهوم الذى يدعو إلى التعامل مع ما تحققه العلوم النووية من منافع ومن مخاطر على نحو يتعاون فيه جميع أعضاء المجتمع الدولى هو المبدأ الأساسى الذى ترتكز عليه الدبلوماسية النووية. وهو يكاد يعتبر التزاما عالميًّا بتعزيز التعاون التكنولوجى فى الاستخدامات السلمية للطاقة الذرية، وبالحيلولة دون انتشار الأسلحة النووية، وهو التزام مزدوج ينص عليه النظام الأساسى للوكالة الدولية للطاقة الذرية ومعاهدة 1970 الشهيرة بشأن حظر انتشار الأسلحة النووية.
وباعتبارى محاميًا مصريًّا شابًّا، وأستاذًا للقانون الدولى فى نيويورك فى أوائل الثمانينيات، شعرتُ بتجاوب مع مفهوم الذرة من أجل السلام. وقد التحقتُ بالوكالة الدولية للطاقة الذرية فى سنة 1984 وأصبحت مستشارًا قانونيًّا لها بعد ذلك بثلاث سنوات. وعندما وقعتْ حرب العراق فى 2003 كان قد مضى علىّ فى منصب المدير العام للوكالة خمس سنوات وعقدان تقريبا منذ التحاقى بها. وقد انخرطتُ فى مهام الوكالة فى مجال الدبلوماسية النووية، لذا فإن قيام حرب بسبب اتهامات لم تثبت بشأن أسلحة دمار شامل، وإبعاد الوكالة عن دورها فى مجال الدبلوماسية النووية، وجعْلها مجرد واجهة لإسباغ الشرعية، كان بالنسبة إلىّ تشويهًا فظيعًا لكل ما كنا ندافع عنه. كان ذلك يتعارض مع الجهود التى بذلها لمدة نصف قرن تقريبا علماء وقانونيون ومفتشون وموظفون عموميون مخلصون من جميع قارات العالم.. كنت مذهولا بما أشهد. والفكرة التى لم تترك رأسى هى تأكدى من أنه ما من شىء يكون «بليكس» أو أنا قد شاهدناه يمكن أن يبرر شنَّ مثل هذه الحرب.
وقد سلّم اللواء عامر السعدى شريكى الحزين فى حفل العشاء، نفسه إلى قوات الائتلاف فى 12 أبريل 2003، بعد أن علم أنه كان ترتيبه الثانى والثلاثين فى قائمة العراقيين المطلوبين، والورقة الرابحة فى أوراق الكوتشينة. وقد طلب إلى قناة «ZDF» الألمانية أن تصور استسلامه. وفى حديثه من خلال الكاميرا قال إنه «ليس لدينا أسلحة دمار شامل والزمن كفيل بإثبات صحة ما أقول». كان واضحًا بالنسبة إلىّ عندئذ أن استنتاجنا الأولىّ بشأن الأسلحة النووية كان صحيحا لأنه لم يكن لدى السعدى فى هذا الوقت أى سبب للكذب.
وخلال السنوات التى انقضت أكدت مصادر عديدة أن المبرر الذى ذُكر للغزو الذى حدث فى مارس 2003، وهو ادعاء الولايات المتحدة والمملكة المتحدة أن برامج صدام لأسلحة الدمار الشامل تمثل خطرًا محدقًا لم يكن له أساس. بل إن المجموعة التى شكّلتها الولايات المتحدة لإجراء مسح فى العراق، وأنفقت عليها فى ما بعد مليارات الدولارات للتحقق من أن المفتشين الدوليين كانوا على حق، أكدت أن العراق لم يُعد العمل ببرامجه لأسلحة الدمار الشامل. كما أن التهديد المزعوم الذى تمثله هذه الأسلحة لم يكن هو الدافع الحقيقى للعدوان الذى قامت به الولايات المتحدة والمملكة المتحدة. وكانت مذكرة «داوننج ستريت» الشهيرة المؤرخة فى يوليو 2002، التى تم تسريبها فى ما بعد، مصدرًا من المصادر التى أفادت أن قرار المضى فى الحرب كان قد اتُخذ حتى من قبل أن تبدأ عمليات التفتيش بكثير.
وليس بمقدورى، حتى يومنا هذا أن أقرأ مثل هذا الكلام دون أن ينصرف ذهنى للتفكير فى الآلاف من الجنود الذين لقوا حتفهم، ومئات الآلاف من العراقيين المدنيين الذين قُتلوا، وملايين المصابين أو النازحين، والأسر التى تفككت والأرواح التى أزهقت، كما أدهش لأنه لم يحدث المزيد من نقد الذات والمزيد من محاسبة النفس من جانب اللاعبين الرئيسيين. والعار الذى جلبته هذه الحرب التى لم يكن لها أى داعٍ يفرض علينا جميعا البحث فى ما جرى من خطأ فى شأن العراق، وكيف يمكن الانتفاع من دروس هذه المأساة فى الأزمات التى قد تقع مستقبلا.
إن التوترات التى يشهدها العالم اليوم حول التطورات النووية، ولا سيما فى ما يتعلق بإيران، تدل على أننا يمكن رغم كل شىء أن نكرر كارثة العراق بما ينطوى عليه ذلك من تداعيات أشد خطورة على أمن العالم، فعندما أنظر إلى التحديات التى لا تزال تواجهنا، فإننى كثيرًا ما أعود إلى مشهد عشائنا فى بغداد فى فبراير 2003، لأنه يجسد الجوانب الأساسية للمأزق الذى نواجهه كمجتمع دولى يبحث عن الأمن الجماعى والدائم: انعدام الثقة بين الثقافات المختلفة، والآثار الضارة لنظام طال أمده يضم مَن يملكون السلاح النووى ومَن لا يملكون، وجنون سياسة شفا الهاوية النووية، وحتمية الفناء إذا لم نستطع أن نتعلم من أخطائنا الماضية. ولمشهد هذا العشاء أهمية كذلك بسبب غياب اللاعبين الأساسيين عنه، أى الولايات المتحدة والمملكة المتحدة اللذين كانت قراراتهما ستحدد النتائج. وقد أصبح غيابهم متكررًا فى السنوات التالية وبوجه خاص بالنسبة إلى إيران، فالولايات المتحدة تلقى بظلالها على المفاوضات عن بُعد، وتبلور نتيجتها، بينما هى ترفض المشاركة المباشرة، برغم أن الدبلوماسية النووية عملية تتطلب الانخراط المباشر فيها، وتتطلب ضبط النفس والتزامًا طويل المدى. إنها لا يمكن أن تتم عن بُعد بواسطة الـ«ريموت كنترول». وإذا كان للحوار أن يقوم بدوره كأداة لتسوية التوترات التى يثيرها الانتشار النووى فإنه لا يمكن أن يقتصر على محادثة بين المفتشين والدولة المتهمة، بل يجب أن تنخرط الولايات المتحدة وحلفاؤها فى المناقشة بصورة صادقة، وأن تتحدث إلى مَن تتصور أنهم خصومها، وأن تبرهن بأكثر من مجرد الكلام على التزامها بحل سلمى للتوترات الكامنة. فجميع الأطراف يجب أن تأتى إلى مائدة المفاوضات.
لم يكن عشاء بغداد الذى أطلق عليه بعض زملائى ساخرين «العشاء الأخير» إلا واحدًا من الأزمات المتعددة التى أخذت فى الظهور فى أوائل عام 2003. كانت كوريا الشمالية قد طردت لتوها مفتشى الوكالة الدولية للطاقة الذرية الذين يراقبون «تجميد» منشآتها النووية، وأعلنت عزمها على الانسحاب من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، كما أننا كنا قد بدأنا اختبار المدى الذى وصل إليه البرنامج النووى الإيرانى، وكنت على وشك القيام، مع عدد من زملائى، بزيارتى الأولى لمنشأة للتخصيب النووى التى يجرى بناؤها بالقرب من «ناتانز» فى إيران. وكانت ليبيا تتهيأ لمفاتحة الولايات المتحدة والمملكة المتحدة فى شأن تفكيك برنامجها لأسلحة الدمار الشامل. وكان أول الملامح العامة لشبكة مبهمة للإمدادات النووية قد أخذ فى الظهور، وهو الذى وجَدْنا من بعد آثارا لنشاطها فى أكثر من ثلاثين دولة.
ولدينا الآن معلومات أكثر، بل أكثر كثيرًا، عن كل هذه الحالات للانتشار الفعلى أو المحتمل للأسلحة النووية. ولا تزال الظروف فى إيران وكوريا الشمالية بوجه خاص غامضة وغير قابلة للتوقع. إننا ما زلنا نفتقر إلى منهج عملى تفاعلى للتعامل مع هذه الحالات أو ما يطرأ من مثلها فى المستقبل. إن ما نحتاج إليه هو الالتزام بالدبلوماسية النووية.
تمثل العصر النووى الأول فى سباق نحو امتلاك القنبلة الذرية. كان ذلك سباقًا بين عدد قليل نسبيًّا من البلدان التى إما أنها كانت تمتلك التقدم التكنولوجى اللازم لذلك، وإما أنها كانت قادرة على أن تحصل سرًّا على العلوم التى تسمح لها بصنع سلاح نووى. وكانت ذروة هذا السباق، أى تدمير هيروشيما ونجازاكى، هى التى جعلت من الولايات المتحدة الفائزة فى هذا السباق. لكن المتسابقين الآخرين لم يتخلوا عن مساعيهم، فخلال بضع سنوات تمكنت أربع دول أخرى من الحصول على القنبلة الذرية.
إن ما نسميه الحرب الباردة كان بمثابة العصر النووى الثانى. فبينما امتلكت عدة دول أسلحة نووية، وواصلت غيرها السعى للحصول على التكنولوجيا النووية، فإن هذا العصر تميز بوجود عملاقين: الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتى، اللذين كانا يجمعان عشرات الألوف من الرؤوس النووية، فى ظل فلسفة عُرفت بـ«MAD»، أى التدمير المتبادل المؤكد، كما عُرفت باسم مُقنّع هو «الردع النووى».
وبزغ فجر العصر النووى الثالث، العصر الحالى، عقب تفتت الاتحاد السوفييتى. وقد أخفقت الجماعة السياسية، فى ظل فراغ القوى الذى أعقب ذلك، فى الاستفادة من الفرص المتاحة من أجل نزع السلاح النووى. ونتيجة لذلك تزايد عدد الدول التى بدأت تبحث عن برنامج سرى.. إن لم يكن للحصول على السلاح النووى، فعلى الأقل على دورة كاملة للوقود النووى التى تجعلها قادرة على إنتاج سلاح نووى بسرعة إذا تطلب وضعها الأمنى ذلك.
والخطر الأول فى الوقت الراهن ليس سيناريو «MAD» (التدمير المتبادل المؤكد)، أى الإفراغ المتبادل للترسانات النووية الذى يمكن أن يؤدى إلى تدمير المراكز الكبرى للرأسمالية والشيوعية معًا، بل التهديد الناجم عن أعمال حربية ذرية غير متماثلة، أى حصول جماعات متطرفة أو دولة مارقة يرأسها ديكتاتور عدوانى النزعة على أسلحة نووية واستخدامها، أو استخدام سلاح نووى من جانب دولة كبرى ضد دولة غير نووية.
هذا وضع غير مستقر بطبيعته، كما أن التطورات التى شهدتها الأعوام الأخيرة ضاعفت من حالة عدم الاستقرار تلك. فقد شهدنا عدوانا، حيث لم يكن هناك تهديد محدق (فى العراق)، وتكاسلا وترددًا، حيث ظهر خطر حقيقى (فى كوريا الشمالية)، وجمودًا طال أمده مقرونا بالشتائم والمواقف العلنية بدلا من الحوار الحقيقى (فى حالة إيران). وفى هذا السياق اكتشفنا شبكة نووية غير مشروعة ومزدهرة على استعداد لتزويد الغير ببرامج نووية خفية. وفى الوقت نفسه استمرت بعض الدول فى الاعتماد على الأسلحة النووية مما يشكل حافزا مستمرًّا لغيرها على اكتسابها.
وتعنى حالة عدم الاستقرار هذه أننا فى نهايات العصر النووى الثالث، وأننا بطريقة أو بأخرى أمام مطلع تغيير كبير. فإذا لم نفعل شيئًا، إبقاء على الوضع الراهن لمن يملكون ومَن لا يملكون الإمكانيات النووية، فإنه من المرجح أن يتخذ التغيير شكل تدافع حقيقى نحو الانتشار، وربما -وهو الأسوأ بكثير- يتخذ شكل سلسلة من الاستخدامات المتبادلة للأسلحة النووية. والمؤشرات قد ظهرت فعلا فى شكل ردود فعل الدول المجاورة كلما ظهر أن هناك تهديدًا نوويًّا سواء كان حقيقيًّا أم محتملا. إن تزايد عدد دول الشرق الأوسط التى أصبحت تتحدث عن التكنولوجيا والخبرة النووية أو بدأت فى الحصول عليها إنما هو مجرد مثال على ذلك. كما أن ما يقوله عدد من كبار المسؤولين اليابانيين حول بدء المناقشات بشأن برنامج للتسلح النووى ردًّا على التجربة الأولى لكوريا الشمالية لسلاحها النووى، إنما هو مثال آخر.
ومع ذلك فهناك بديل آخر، وهو أن نغير المسار وأن نتبع نهجًا مغايرًا: حل مسألة عدم التماثل من خلال تقدم حقيقى نحو نزع السلاح النووى فى العالم، فالمسارات التى يمكن أن تؤدى بنا إلى مستقبل أكثر أمنًا تتمثل فى إبرام معاهدة جديدة بين عمالقة السلاح النووى لتخفيضه، يتبعها إنشاء منتدى تبدأ فيه الدول التى تملك الأسلحة النووية فى الاضطلاع بمسؤولياتها بشأن ضرورة نزع سلاحها النووى. وإذا كنا نستطيع أن نتعلم من دروس الماضى القريب، وأن نواجه الخطر الحقيقى الذى ينتظرنا، فقد نتمكن من تفادى الفناء المتبادل، وأن نضمن أن يتسم فجر العصر النووى الرابع بحلٍّ للتوترات النووية، وبالتخلص من السلاح النووى، وبسلام دائم
الأربعاء، 26 سبتمبر 2012
هذه الصوره تجمع اشهر واعظم علماء القرن التاسع عشر والقرن العشرين
الذين تجمعوا في الاجتماع الاول والاخير سنة 1927 في مؤتمر سولفاي
طبعا عميدهم كاعد بالنص الاخ انشتاين
Solvay Conference 1927
السطر الاول : Irving Langmuir, Max Planck, Marie Curie, Hendrik Lorentz, Albert Einstein, Pierre Langevin, Charles Eugene Guye, C. T. R. Wilson, Owen W. Richardson
السطر الثاني : Peter Debye, Martin Knudson, W. Lawrence Bragg, Hans Kramer, Paul Dirac, Arthur Compton, Louis de Broglie, Max Born, Niels Bohr
السطر الثالث : Auguste Piccard, Émile Henriot, Paul Ehrenfest, Edouard Herzen, Théophile de Donder, Erwin Schrodinger, Jules-Emile Vershaffelt, Wolfgang Pauli, Werner Heisenberg, Ralph Howard Fowler, Leon Brillouin.
اني الي مدوخني شغله وحده هذوله يروحون للجنه لو للنار
ان شاء الله بالجنة لان اكثرهم خدموا البشرية باختراعاتهم
تقرير عن مهرجان التضامن مع العراق
تقرير عن مهرجان التضامن مع العراق
أقامت جمعية المستقلين العراقيين في ألمانيا يومي الرابع عشر والخامس عشر من ايلول 2012 مهرجانا وطنيا في برلين تحت شعارات " التسامح والمحبة والأخاء في عراق موحد " .. " لا للكراهية والأحقاد والمتاجرة بالخوف من الآخر , نعم لترسيخ مباديء السلم والوحدة والبناء وصدق الأنتماء والولاء للشعب والوطن ".
تحت تلك الشعارات الوطنية الأنسانية , اقامت جمعيتنا مهرجاناً تضامنياً مع العراق , كان الأول في تاريخ الجالية العراقية في المانيا , حيث اعتدنا فيما سبق ان يتضامن البعض مع احزابهم وطوائفهم وقومياتهم ويحتفلوا في مناسباتهم الأجتماعية والدينية والثقافية والسياسية , لكن جمعية المستقلين العراقيين , ارتأت ان التضامن مع العراق يعني التضامن مع الجميع . لقد زخرت ايام المهرجان بفعاليات ناجت الوطن وتغزلت به وتطلعت قلوب المشاركين الى غد افضل له وللمواطن.
بعد كلمة الترحيب بالضيوف , وقف الجميع دقيقة واحدة مع قراءة الفاتحة على ارواح شهداء الشعب العراقي , تبعها النشيد الوطني ثم كلمتي الجمعية باللغتين الألمانية والعربية.
القي ممثل دولة القانون في اوربا الشيخ مهند الساعدي كلمة ترحيبية .. ثم كلمة المجلس الأعلى القاها السيد حميد كاظم حسين بعدها تليت تحية الثناء والترحيب والتضامن التي بعثها سماحة السيد عمار الحكيم , ثم الكلمة التضامنية لممثل الأخوة المسيحيين القاها الأستاذ ليث يوسف شكور.
ولقد شاركنا في المهرجان ايضا السيد عبد الوهاب الياسري الامين العام للجمعيات الاسلامية في ألمانيا وشخصيات عراقية وألمانية .
وعلى الرغم من الدعوات والمهاتفات المتكررة, لم يحضر ممثلي المنظمات والأحزاب الكوردية واليسارية , ولم يحضر كذلك سفير جمهورية العراق في ألمانيا السيد حسين الخطيب الذي اناب عنه السيد كمال محمد أحمد مع وفد من منتسبي السفارة في برلين . وحضر ايضا الملحق التجاري العراقي في برلين السيد كاظم مجيد.
تم عرض فلم النخيل ( مجزرة النخيل ) للفنان الأستاذ احسان الجيزاني , شاهدنا فيه موت النخيل واقفاً وبعضه مسجياً على تراب الوطن , لوحة حزينة لشاهد على تاريخ المجزرة .
الزميل احسان الجزاني , كما عرفناه , حريصاً على نقل تفاصيل الحدث من موقعه شاهداً ومصوراً , وتلك جرأة وشجاعة تميز بها الزميل احسان , نشكره قبل ان نحسده عليها.
كان هذا في اليوم الأول للمهرجان الذي لم يخلو من فعاليات اضافية ولقاءات تعارف لتعزيز العلاقات بين المشاركين , حيث اختتم بقراءة التحايا والأعتذارات عن الحضور لبعض المسؤولين وممثلي منظمات المجتمع المدني في الداخل والخارج .
في اليوم التالي 15 / 09 / 2012 , ابتدأ المهرجان في الساعة السادسة مساءً وكانت فقرته الأولى محور تناول حاجة العراق الى توظيف الطاقات الأعلامية في الخارج لدعم العراق في مواجهة الهجوم الأعلامي المأجور الذي يستهدف تشويه الحالة العراقية بالتركيز على السلبيات وتضخيمها وضخ الأشاعات والأكاذيب وحملات التسقيط ليجعل الأبواب مفتوحة امام الدعوات لترجع العراق الى ازمنة جمهوريات الموت والخراب البعثية , جمعية المستقلين العراقيين وعبر مهرجانها ورغم تواضع امكانياتها ’ تصدت لتلك التشويهات والنوايا والأفعال الشريرة , تبعه محور الحوار المباشر بين جمهور الجالية وممثلي بعض اطراف العملية السياسية , فكانت الصراحة وكان الصدق , اللذان اعطيا الحوار نكهة قبول الآخر في اجواء من الشفافية والنفس الديمقراطي. لقد أبدى الحاضرون اهتماما بالغا بالموضوعات المطروحة وطالبوا بالمزيد من النقاش رغم مضاعفة الوقت المخصص لذلك مما يعكس رغبة الجالية في التواصل مع الوطن والتعمق في فهم واقعه الحالي وسماع وجهة نظر الاطراف السياسية من مجريات الامور ومستقبل الوطن .
تخللت محاور النقاش فعاليات اجتماعية وثقافية واستراحة عشاء كانت فرصة للتعارف وتبادل الذكريات والأيميلات تعزيزاً للعلاقات الأخوية بين بنات وابناء الجالية العراقية .
كان ضمن برنامج المهرجان في يومه الثاني عرض فلم ( الأهوار ) الذي يتناول الجريمة غير المسبوقة في تاريخ الجرائم الكونية ـ تجفيف البيئة التاريخية في جنوب العراق, الفلم للفنان احسان الجيزاني ايضاً , سمعنا وقرأنا عنه وشاهدنا فصولا منه على بعض الفضائيات , وبسبب عطل فني حرمنا من مشاهدة الفلم الذي كنا على شوق لمشاهدته .
تأسف الجميع مع فيض من الأعتذار للباحث المتخصص في علم الأجتماع الدكتور حامد السهيل عضو الهيئة الادارية بسبب عدم تمكنه من القاء محاضرته حول ( علاقة المواطن بوطنه ) التي خص بها
مهرجان التضامن بسبب ضيق الوقت , نأمل ان نستمع اليها في مهرجان قادم وحبذا لو يكون في الداخل ــ وفي بغداد الحبيبة بالذات ــ
أنتهت فعاليات المهرجان ولكن ترسخت في الذاكرة ساعات كرست للوطن االغالي وترددت رغبة الجميع بالمزيد من هذه اللقاءات التي تجمع بنات وأبناء الجالية من مختلف الاماكن ليلتقون في احتفالية وطنية يعيشون اوقاتها وكأنهم على ارض العراق الحبيب .
الهيئة الادارية
جمعية المستقلين العراقيين في ألمانيا
25 أيلول 2012
الاثنين، 24 سبتمبر 2012
رحيل حارس الوادي العريق
Sunday, 23 September 2012, 21:18
رحيل حارس الوادي العريق
أبو الصوف بهنام بن ناصر بن النعمان الآشوري في ذمة الخلود
جريدة المستقبل العراق
كاظم فنجان الحمامي
شاءت
الأقدار أن يرحل علماء العراق وأدباؤه ومبدعوه مضطرين إلى محطات الغربة
والاغتراب, واشتركت التقلبات السياسية, والظروف الأمنية القلقة, والتنافرات
الطائفية والحزبية, والعوامل القسرية الأخرى في وأدهم بخناجر التسقيط
والتشريد والتشويه والتحريض, فكان التهجير خارج أرض الوطن الأم من حصة
الذين ظلوا منهم على قيد الحياة, بقصد تفريغ العراق من نجومه المتلألئة في
فضاءات العلوم والفنون والآداب, وهكذا رحل عنا في العام الماضي
عالم الآثار المبدع المتألق (دوني جورج), الذي طاردته غربان الشر لتغتاله
في الغربة بعد أن عقد العزم على استعادة الأختام البابلية المسروقة من
المتحف الوطني العراقي, ثم التحق به أستاذه وأستاذنا كلنا في العلوم
الآشورية والسومرية والأكادية والبابلية والكلدانية, رحل أبو الصوف بهنام
بن ناصر بن نعمان الموصلي الآشوري, رحل المؤرخ وعالم الآثار الكبير, رحل
الحارس الأمين على مقتنيات الوادي العريق, كان لكتابه الفريد (ظلال الوادي
العريق) الفضل الكبير في تنوير عقول الناس بعراقة وادي الرافدين, فاخترناه
عنواناً لهذه المقالة التي نرثي فيها
مصيرنا المجهول, وننعى فيها رحيله إلى مثواه الأخير في ديار الغربة. .
ولد في الموصل عام 1931
في الدار التي تحمل الرقم (10\207) لعائلة مسيحية احترفت البناء والتعمير.
أرضعته امرأة مسلمة (أم إبراهيم) في زمن التواد والتلاحم, قبل أن تنبت
بذور الطائفية فوق روابي العراق بأكثر من نصف قرن, ونشأ في نينوى العتيقة,
وعلى وجه التحديد في الطرف الجنوبي (قلعة الموصل) محلة باب النبي على بعد
بضعة أمتار من جامع (النبي جرجيس). تضم القلعة باقة من البيوت التراثية
المتعانقة مع التاريخ والتراث
والحضارة, حيث تحيط بها الكنائس والمساجد القديمة, فانصبت اهتماماته منذ
طفولته المبكرة في البحث عن خبايا هذه البيئة الغارقة في القدم. .
اقتادته
مغامراته الصغيرة ذات يوم إلى (تل قوينجق), وتل (النبي يونس), فعبر الجسر
الحديدي (جسر غازي) مع رفاقه الصغار إلى الضفة الشرقية من النهر, وتسلق تل
قوينجق مسحورا بعظمة الآثار, التي سجلت انتصارات أجداده الآشوريين, فعشق
المكان والتصق به, وتكررت زياراته للمواقع الأثرية الأخرى في الرحلات
المدرسية الربيعية, فكان مهووسا بتماثيل الملوك والآلهة مندهشا من عظمة
الثيران المجنحة بأرجلها الخماسية. .
كان
يسأل أمه دائما عن هذه التماثيل, ويسألها عن سر الثيران المجنحة, فكانت
تقول له: إن الله غضب على أهل نينوى قبل عشرات القرون, فمسخهم ثيراننا مجنحة, ومسخ بعضهم أصناماً من حجر حتى يكونوا عبرة لغيرهم, فلم يقتنع بما كانت تقوله له من أساطير لا تخلو من الخرافة الشعبية. .
تعلم
في مدارس الموصل الابتدائية, وكان يعشق التاريخ الإسلامي, ومن المتفوقين
على أقرانه المسلمين في مادة التاريخ الإسلامي, وكان من الماهرين في
السباحة الحرة, ومن المتميزين في ممارسة الألعاب الرياضية, وبخاصة رياضة
بناء الأجسام, ولطالما عبر نهر دجلة معتمدا على بنيته القوية في العوم
والسباحة حتى في المواسم الباردة. .
أنهى
الابتدائية في الموصل, وواصل دراسته المتوسطة في ربوع الحدباء, وفي يوم من
الأيام, وقع بيده كتاب الأديب المصري محمد فريد أبو حديد عن أساطير
اليونان والرومان, فقرأ مقطفات من الأوديسا والإلياذة وملحمة طروادة, وتأثر
بها وأحبها, وهام في أجوائها المشبعة بالحكايات الطريفة والمواقف الغريبة,
فانتمى منذ صباه إلى العصور القديمة, وارتبط بالماضي البعيد ارتباطا
عميقا. .
سافر
بعد إكماله المرحلة الإعدادية إلى بغداد عام 1951, فحمل معه أوراقه وتوجه
إلى باب المعظم, حيث تقع كلية الآداب والعلوم, فقرأ إعلانا عن افتتاح قسم
التاريخ والآثار, والتقى الطلاب المستجدين (طارق مظلوم), و(كاظم الجنابي),
فقاده (طارق) إلى اللجنة المشكلة لقبول الطلاب في القسم الجديد, وكانت
مؤلفة من الدكتور طه باقر, والدكتور أحمد صالح العلي, والأستاذ سلمان
القيسي, فاعترض الدكتور طه باقر على قبوله بسبب درجاته العالية التي تؤهله
للأقسام العلمية العليا, بيد أن التلميذ الجديد أصر على دخول القسم
التاريخي, فقبله الدكتور طه, ورحب به كثيراً بعد أن عرف برغبته التاريخية
الصادقة. .
كان
المؤرخ والفنان (طارق مظلوم) رحمه الله, من أقرب زملائه في الكلية, وكان
الطلاب يطلقون عليهما (جلجامش) وزميله (أنكيدو), كانت ملامح بهنام
ومواصفاته البدنية والجمالية قريبة الشبه بجلجامش, بينما كانت ملامح زميله
طارق أقرب ما تكون لأنكيدو. .
تخرج
الراحل بهنام أبو الصوف في كلية الآداب, جامعة بغداد عام 1955, وحصل منها
على البكالوريوس في الآثار والحضارة, وتوسعت آفاقه المعرفية بأتونابشتم,
ونبوخذنصر, وسنحاريب, وآشور بانيبال, ونارام سن, ولكش, والوركاء,
وخورسيباط, والثور السماوي, والوحش خمبابا, وبوابة (أدد), و(نركال),
و(شمش), وأدرك فلسفة أن تكون الرموز والتماثيل القديمة بجسم ثور, وأجنحة
نسر, ورأس إنسان, فالثور رمز القوة والبطش, والأجنحة ترمز للخفة والحركة,
ورأس الإنسان
يرمز للحكمة والعقل. .
أكمل
دراسته العليا في جامعة كمبرج بانجلترا, فحصل في خريف 1966 على درجة
الدكتوراه في الآثار ونواة الحضارة وعلم الإنسان, وكانت رسالة الدكتوراه عن
الفخاريات السومرية. .
عمل
بعد التخرج لسنوات عديدة في التنقيب الميداني عن الآثار في عدد من مواقع
العراق الأثرية وسط البلاد وشمالها, وكان مشرفا علمياً على تنقيبات إنقاذية
واسعة في حوض سد حمرين (منطقة ديالى), ومواقع أخرى على ضفاف نهر دجلة. .
كشف
الدكتور بهنام عن حضارة جديدة من مطلع العصر الحجري الجديد في وسط العراق,
وكان لاكتشافه الكبير الأثر الواضح على تصحيح معلوماتنا الموغلة في القدم.
.
سجل
الدكتور بهنام (تل الصوان) باسمه, باعتباره أول من باشر بالتنقيب الميداني
تحت أقدام التل اللغز, فاكتشف في المرحلة الأولى للتنقيب نحو (350) قبراً
للأطفال المدفونين هناك, وهو أول من رفض تعريف السومريين على إنهم موجات
بدائية غامضة, وأول من تصدى للشائعات التي أطلقتها هوليوود على إن عام 2012
هو نهاية العالم, بفيلمها العبثي (2012), فقال: إن كل الطوفانات والزحوف
الجليدية والزلازل لن تعيق الأرض عن حركتها المنتظمة, وليس هناك ما يدعو
للخوف من أكذوبة الانقلاب الهائل لمحور الأرض, فللكون رب يحميه. .
حاضر
لسنوات عديدة في مادة جذور الحضارة والآثار والتاريخ في عدد من الجامعات
العراقية, وفي معهد التاريخ العربي للدراسات العليا, اشرف خلالها على عدد
من الرسائل الجامعية لنيل شهادة الماجستير والدكتوراه, وشارك في العديد من
المؤتمرات الآثارية والندوات والحلقات الدراسية داخل العراق وخارجه,
واستدعته المنظمات العالمية والجامعات الدولية لإلقاء سلسلة من المحاضرات
عن الميزوبوتاميا وعن نتائج تنقيباته, ونشر مئات البحوث
والدراسات والتقارير العلمية تناولت أعماله الميدانية, ودراساته
الاستقصائية, وله ثلاثة كتب مطبوعة, هي: (فخاريات عصر الوركاء) باللغة
الانجليزية, و(ظلال الوادي العريق) باللغة العربية, و(العراق: وحدة الأرض
والحضارة والإنسان) باللغة العربية. .
شغل
المؤرخ الكبير بهنام أبو الصوف عددا من المواقع العلمية والإدارية في هيئة
الآثار والتراث, منها: باحث علمي, ومدير التحريات وحماية المواقع الأثرية,
ومدير عام الآثار, ومدير المتحف في المنطقة الشمالية. .
أحيل
إلى التقاعد في أواخر الثمانينات, لكنه واصل مسيرته العلمية والتنقيبية
داخل العراق وخارجه, ثم غادر العراق عام 2003 , ورحل مع عائلته ليستقر في
الأردن, لكنه لم ينقطع عن دراساته وأبحاثه الخاصة, فسخر وقته كله لتدوين
أفكاره التاريخية, والتواصل مع المراكز والمنظمات العلمية العالمية. .
انتقل
هذا الرجل العملاق إلى جوار ربه يوم الأربعاء 19/9/2012 , وشيعته في
الأردن يوم أمس السبت 22/9/2012 كوكبة من رجال العلم والسياسة في موكب
جنائزي مهيب, بعد أن رفعت الصلاة على روحه الطاهرة في كنيسة العذراء
الناصرة في الصوفية, ونقل جثمانه إلى المقبرة المسيحية. .
لقد فقد العراق برحيل الدكتور بهنام أبو الصوف باحثاً وعالماً ومؤرخاً فذا, وفقد الوادي العريق أكبر حراسه وأوسعهم علماً. .
آمن
أبو الصوف إيماناً عميقاً بالإرث الحضاري العراقي, وانتبه إلى ما فيه من
كنوز غنية بالعلوم والفنون والمعارف, وما فيه من نفحات تاريخية معبرة عن
سمات الشخصية العراقية المتحضرة في بعديها الوطني والإنساني, فلم يتخلف عن
واجبه العلمي والأدبي والأخلاقي, حتى وافته المنية ليقف بقامته الفارعة في
صف الذين ساروا قبله على النهج الحضاري لبلاد الرافدين, ابتداءً من العالم
الكبير أحمد سوسة رحمه الله إلى أخر أحفاد بانيبال, ولا نظن إن
العراق سينسى ذكراهم العطرة, وستبقى مواقعهم العلمية المشرفة متلألئة
دائما وأبدا فوق ناصية المجد والتفوق. .
رحم
الله الدكتور بهنام أبو الصوف, وجعله مشعلاً وضاءً للمدافعين عن حقوق
العراق التاريخية والحضارية, ونسأل الله أن يتغمد الفقيد بواسع رحمته, وأن
يلهم أهله وأولاده وعشيرته الصبر والسلوان. . . .
وإنا لله وإنا إليه راجعون
|
عاجل :
عاجل : أقدمت أجهزت امانة بغداد في تمام الساعة
الخامسة من مساء اليوم (الاثنين 17\9\2012) في تهشيم مناظد عرض الكتب بدون سابق انذار
مما سبب اضرار بليغه لنا نحن (المكاريد ) علما ان شارع المتنبي للسابلة فقط ,,
طيور الظلام تهاجم الثقافة .... استخدموا
الشفلات برفقة العسكر المدججين بالاسلحة الرشاشة والهراوات
?Photo:
لا سابق انذار ولا شيء ولا أعرف ماهي الحكمة من تهديم (بسطيات) القرطاسية والكتب في
شارع المتنبي !. على كل حال سنقرأ نعدكم بذلك :)?
بدون سابق انذار ولا شيء
لا أعرف ماهي الحكمة من تهديم (بسطيات) القرطاسية
والكتب في شارع المتنبي !.
فريد : هذه(بسطيتي)الصغيرة كنت ارى سائق الشفل
يهدمها امام عيني..لكني لاأعرف ماهو الخطر اللذي ستلحقه هذه البسطية في الحكومة
جانب اخر من الاضرار التي لحقتها (أمانة بغدادنا
!!!!) بمن يساهم في نشر ثقافة القراءة !!!
ماذا فعل اصحاب هذة الممتلكات البسيطة ؟
جانب من الاغارة على مناظد باعة الكتب في
شارع المتنبي مساء اليوم الاثنين 17\9 من قبل أمانه بغداد برفقة اجهزة الامن
بعض الآراء من الأصدقاء حول غزوة أمانة بغداد
:
* عبد الحسين: سيبقى شارع المتنبي شارع اليسار
العراقي وستنتهي كل محاولات اعداء اليسار بالفشل وسيشع من هذا المكان كل الافكار التي
تنير الدرب وتدفع ظلام القوى المتخلفه امامها بعيدا ليس من شارع المتنبي بل من العراق
كله
* ماجد: اتمنى ان يكون هذا الحدث نقطة تحول
نوعية لدى المثقفين كافة للوقوف بوحة الظلمات وارباب الخرافات والاساطير
* نبيل : لعنهم الله هؤلاء كفروا بالثقافة
, ومن يسترزق عليها مغرضين جهلة قتلوا فرحتنا .. باسم القانون ينتهكون المقدسات ..
ويفعل ما يشاء... قائدهم اللعين ورئيس مجلسهم الجاهل وامينهم السارق
* مثنى : امر لايمكن السكوت عنه ,,انهم يعرفون
ان شارع المتنبي وكتبه ورواده خطر بالغ على عروشهم النتنة,,لو كان المتنبي كبسطيات
النجف والروزخونيات من الكتب والملالي والسبح والمحابس لشيدوا وعمروا المكان
* حسين : يابا الامانة عيني ، اوووووووووف
ما اكدر اكتب غير لو تموتون هذا الشارع ما يموت ...؟
* كريم : لِمَ لا يُكسّرونَ مناضد الارهاب
والفساد قبلَ ان يكسروا مناضد الكتب..اليس هذا امراً يثير التساءل والريبة؟؟عجيب امر
هذه الامانة
* علي : هم طيور الظلام التي لاتريد للناس
ان تتنور بالعلم والمعرفة والثقافة، يردون ان نعيش في عقلية العطور الوسطى..
* جنان : لقد اصبح العراق حاضنة للفكر االمتخلف
للاسف لا تعليق نلزم الصمت على هذه الانتهاكات الاجرامية بحق مثقفي العراق ..
* مازن : ايعقل ان يكونوا بهذه السذاجة؟؟
هم اصلا يعانون من فقدان احترام المثقف لهم وثقته بهم.. بدل ان يقوموا بما يرمم الاجواء
المشوبة بالا ثقة يقدمون على هكذا فعل!! هذا دليل على مستوى التفكير السطحي لمن امر
بهذا القرار..
* أبو لينا : { هذولة همج رعاع والله العتب
موعليهم العتب على المسؤول الامانة ولا الشرطه الارعن اللي اعتده على تاج راسهم هذوله
شمعت البلد وبلايايهم ماكو قيمةللوطن على العموم اكرر قولي ::::: سوف تبقون والمسيئين
سوف تلعنهم الاجيال تبا لكل من اساء للوطن ولاولاد وطني ولشريحة المثقفين } ....؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
* أبو ليلى : اخوتي رواد المتنبي ستكون ايدينا
هي الجنابر لحمل وعرض الكتب .. !
* زينة : جريمتهم انهم يبيعون فكر . وذنبهم
انهم مصممون على ان بغداد ستبقى رغم قساوة الزمن مدينة الثقافه وان العراق اول حضاره
..
*
--
.
الأحد، 23 سبتمبر 2012
في بابل-الإتحاد العام للشعراء الشعبيين يعقد مؤتمره الانتخابي الرابع-حامد كعيد الجبوري
في بابل
الإتحاد العام للشعراء الشعبيين يعقد مؤتمره الانتخابي الرابع
حامد كعيد الجبوري
مساء السبت
22 / 9 / 2012 م عقد الإتحاد العام للشعراء الشعبيين في بابل مؤتمره الانتخابي
الرابع ، دورة الشاعر الكبير ( الحاج زاير الدويج ) ، ورحب الشاعر حامد كعيد الجبوري
رئيس الإتحاد بضيوفه ، وبعد قراءة التقرير الإداري والمالي أعلن حل الهيئة
الإدارية السابقة ، وأنيطت مهمة إدارة الفعاليات الانتخابية بالشاعر الكبير ( جبار
الكواز ) رئيس إتحاد أدباء وكتاب بابل ، والسيدين المحاميين ( خالد علي عودة ) ،
والمحامي ( صباح اليوسف ) ، وبعد اكتمال النصاب للهيئة العامة والبالغ عددها ( 120 ) شاعر حضر منهم لأداء
الانتخاب ( 96 ) ستة وتسعون شاعرا ، وقد رشح للهيئة الادارية الجديدة ( 12 ) أثنا
عشر شاعرا يتنافسون على سبعة مقاعد للهيئة الادارية ، وبممارسة ديمقراطية شفافة أجريت الانتخابات وفرزت
الأصوات ، وحصل كل من الشاعرين ( سليم حاجم الجبوري ) ، والشاعر ( ميثم
الرماحي ) على ( 41) صوتا لكل منهما ، وبعد أجراء القرعة بينهما فاز
الشاعر ميثم الرماحي بعضوية الهيئة الادارية ،
وشكلت الهيئة الادارية الجديدة بتوافق أراء المنتخبون الفائزون وكما يلي :
1 : الشاعر حامد كعيد الجبوري ( 72 ) صوت رئيسا للإتحاد
2 : الشاعر عبد الرزاق كامل أبو قمر ( 50 ) صوت نائبا
للرئيس
3 : الشاعر محمد علي محي الدين ( 52 ) صوت أمينا للسر
4 : الشاعر طه التميمي ( 48 ) صوتا أمينا للشئون
الثقافية
5 : الشاعر صلاح
عواد ( 58 ) صوت أمينا للصندوق
6 : الشاعر مصطفى الأعرجي ( 57 ) متابعة منتديات الاتحاد
7 : الشاعر ميثم عبس الرماحي ( 41 ) صوت الشؤون الادارية
وفاز بمقعدي الاحتياط كل من الشاعرين ( سليم حاجم
الجبوري ) والشاعر ( محمد الشمري ) الذي حصل على ( 32 ) صوتا ، ومن جانبه صرح
السيد عباس رضا الموسوي رئيس اتحاد الشعراء الشعبيين في العراق بقناعته المطلقة
وفرحته بهذه الفعالية الديمقراطية الجديدة
، آملا من الهيئة الادارية المنتخبة بذل قصارى الجهود من أجل المشروع الوطني
الثقافي العراقي .
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)