الاثنين، 23 يوليو 2012

قصة قصيرة-مدينة الصمت-عادل كامل


مدينة الصمت
بعد ان غادر مدينته الضاجة بالأصوات والضوضاء ودخوله مدينة أخرى راح يبحث عن أي مخلوق يبادله الكلام فلم يعثر عن فم يتحرك . كان يشاهد الناس يعملون بهدوء ويسيرون في الشوارع برتابة، لا احد يتكلم مع احد، ولا احد يحدق في احد حتى حسب انه في متحف للدمى أو في معبد مزدحم بالتماثيل . فراعه الأمر وكاد يستسلم لفكرة الرجوع إلى المدينة التي هرب منها لولا انه يعلم علم اليقين العقاب الذي ينتظره بعد ان لعن كل محدثي تلك الأصوات والضجات والثرثرات.. فأستسلم لنـزهات بلا هدف ولا غاية في شوارع المدينة الجديدة يحدق في الناس وفي حركاتهم وفي الصمت المطلق الذي يخيم على اجواء المدينة التي بدت له أول مرة، كمقبرة قديمة أمتزج موتاها بالتراب والرمال وغادرتها الارواح الى المجهول. وقد فشل في العثور على فم يتحرك، أو على صوت بشري أو غير بشري .. فقد كانت المدينة تعمل كلها بعيدا عن الضجات والصراخ .. ولم تجد توسلاته ولا خطاباته في تحريك فم احد . وانشغل يفكر في اسباب ظاهرة غامضة غريبة كهذه الظاهرة التي جعلته يوما بعد آخر، أكثر حيرة وجزعا من عدم استيعابها وحل رموزها وفك أسرارها، كان يسير وحيدا، ببطء، لايصدر صوتا في مشيه، ولايكلم نفسه بصوت مسموع، ومن ناحية ثانية لم يكن وجوده يلفت نظر احد .. الامر الذي دفعه للشعور بفزع لايقل حزنا ولوعة من الضوضاء والضجات التي كانت تسببها له مدينته الاولى . فكر بالهرب الى اية مدينة لايسودها الصمت الازلي ولا الزلازل البشرية المدوخة درجة الجنون .. لكنه ادرك انه لايستطيع أن يغادر هذه المدينة. فكل من يدخلها يمكث فيها الى أبد الآبدين، كما طالع ذلك فوق لوح عند بوابة الخروج. ففطن للأمر وسأل نفسه : اذا ً .. لماذا وجدت هذه البوابة ؟ لم يأت أي صوت يرد على سؤاله، بل قرأ في الحال " إنها وجدت لخروج الموتى .. ولكل من يتكلم " . فصمت . وحذر نفسه بشدة ألا يرتكب إثم الكلام .. محاولا التوغل في علة هذا الصمت ..مثلما كان قد عرف أسباب الزعيق، والزمجرات والصراخ في مدينته الاولى، تلك التي فضل جهنم عليها لو خير بين الحياة والموت . وتساءل في سره عن العمل الذي لابد أن يقوم به ؟ فقرأ فوق لوح زجاجي " أن تعمل بصمت" وتقدم من نافذة وأخذ ورقة صغيرة ترشده الى اداء واجبه لكي لايطرد ميتا من المدينة التي بدت له، ككابوس، صماء وخرساء وجامدة لاتمر بها الريح ولاتمر في سمائها السحب وحتى حركات السكان بدت له كمن يتحرك في مكانه. وكاد يبكي بعد ان يأس من العثور على جواب شاف لولا خشية اصدار صوت .. فقرأ وهو يتوجه الى عمله فوق لوح حجري " وعم الكلام يافتى..؟ " وظهر محيا رجل عجوز تجاوز المائة يحدق فيه بشفقة، فعاد يقرأ في اللوح ذاته " فقد كان الكلام لايكشف الا عيوبي .. فقد تكلمت نصف قرن وما كان باعثي الا الجهل .. اما الان ففي ماذا اتكلم … ماذا أعرف لكي أقول لك اني أعرف. أجل أيها الفتى أنا الان أتستر على جهلي .. وطالما أنا أتعلم فأنا أتعلم.. لكم أنا كنت هزأة وسخرية .. فإذا أردت أن تتلمس طريق مسيرتك فتلمس طريق جهلك بعملك إنك أكثر جهلا مما تعتقد وترى وتسمع وتدون.. أنا ياأيها الفتى أخاف عليك من كلامك. فسكان هذه المدينة، منذ دهر، تعلموا ان ما تعرفه ليس هو مانريد أن نعرفه وليس هو المعرفة التي توجد في المعرفة ." سقطت الدموع من عينيه دون احداث أي ضوضاء تذكر. فقرأ كلام العجوز فوق اللوح الحجري : -" وهكذا سترانا جميعا نشعر بالخجل وذل الادعاء بالمعرفة .. فكل من قال انه عرف هلك بالجهل ..والانسان لم يولد ليعرف، فالوهم زين له ان يمتلك مفتاح العارف وباب المعرفة .." إزداد حزنا وغما .. فقد أراد أن يغادر المدينة عائدا الى مدينته يعلم الناس فيها حكمة الصمت وحكمة التأمل، لكنه قرأ عند باب الخروج :- -" إنها وجدت لخروج الموتى .. ولكل من يتكلم " فسكت شاعرا بحيوية ومجد الحياة وقوتها تسري فيه بنشوة، إنما لم يفلح بتجنب البكاء وجلوس القرفصاء في حديقة عامة . ولكم ود لو كلمته شجرة أو صخرة.. إنما كان يطالع الكلمات فوق لوح يقع في الجانب الآخر من الشارع " وماذا تجنيه من الكلام وأنت على باطل.. أكان الباطل للباطل مرشدا ..، ثم أخذ يقرأ بسرعة الكلمات المتحركة ( هذه المدينة عاشت الويلات وشهدت ماهو أبشع من الحرب والفتن والتفسخ .. فاجتمع الحكماء لوضع حد لهذا الشقاء والاسى .. وبعد المداولات كشفوا عن السر .. السر الذي في كل منا : هذا الوهم بالمعرفة وهذا الغرور بالعلم . فقرر الحكماء إصدار قرار بموجبه تتمت المداولات والمحاورات بالكلمات لا بالكلام .. تعقبها مرحلة الصمت ومعالجة الامور بكلام القلب . فأنا الان أسمعك وأعرف ماذا يدور داخل رأسك المزدحم بالاضطرابات والدوي والزعيق والهوس بالاصوات العالية.. لكنك في الواقع اقدمت على إختيار جادة الصواب. فغادرت جهلك ذاك لتتعلم إنك أكثر جهلا مما تزعم وتعتقد في سرك . فنحن هنا نعرف بعضنا ببعضنا دون حاجة للرجوع الى الكتب، أو الى أجهزة كشف الكذب . فطالما تفكر تفكيرا سليما فلا تجد نفسك بحاجة الى الوهم .. والان تقول في نفسك : اهذا هو كل مافي الامر ؟ سأقول لك نعم وكلا ! فنهاية الضجات تماثل نهاية الصمت … كلاهما في الميزان بوزن واحد إنما ياأيها الفتى لست أنت الذي يمتلك قدرة فهم ذلك، عليك بدءا تلمس حدودك، فكلما كان الصمت مأواك، لن تتحرش بحدود غيرك . فأنت أنت وهو هو وكل منكما في مكان . وكل من أدرك مكانه لم يعد بحاجة الى المكان . والآن اذهب الى عملك، فستدرك ان الصمت ما هو إلا بعض أشكال الكلام الجميل ). سره الكلام حتى غاب عن وعيه وهو يحدث أعلى الأصوات نشوة وفرحا . ولم يفق إلا وهو وسط مدينته الأولى . والناس حوله يدورون .. ويصرخون، ويزعقون : -" تكلم .. تكلم .. أيها المجنون تكلم .." فلم يتكلم . وعندما أدرك بيأس انه لايمكن ان يعود أو يعثر على مدينة الصمت، أغلق فمه ولم يتكلم حتى مات مشيعا بأعلى الأصوات وهي تنثر ذرات صمته في محيط الفضاء الذي كان يحيط بكل الأصوات، آنذاك أدرك لا جدوى الصمت ولا جدوى الكلام فكلاهما في الميزان بوزن واحد.

الجمعة، 20 يوليو 2012

ما أحلى هذيج الأيام- خواطر : صابر بن حيران-كاظم فنجان الحمامي


ما أحلى هذيج الأيام خواطر :
صابر بن حيران زمان كانت أسماؤنا أحلى كانت النساء أكثر جمالاً وأنوثة ورائحة الفاصوليا اليابسة أو البامية تتسرب من شبابيك البيوت وكانت ساعة "الجوفيال" في يد شايب البيت أغلى أجهزة البيت سعراً !!وأكثرها حداثة!! وحبات المطر كانت أكثر اكتنازاً بالماء زمان .. حين كانت أخبار الثامنة أخف دماً ومذاق الشمس في وجوهنا أطيب. والطرقات كانت أقل ازدحاماً وبنات المدارس يخبئن أنوثتهن في صفحات دفتر العلوم زمان كانت غمزة "سميرة توفيق" أكثر مشاهد التلفاز جرأة، وكان مجلس النواب حلماً يداعب اليسار المتشدد وكانت أجرة الباص 14 فلساً، وكان الحليب والصمون يأتيك للبيت من الصباح والصحف تنشر جميع أسماء الناجحين بالبكالوريا ودايجست المختار مستعملة تشتريها بـ10 فلوس ودعوات العُرس كان يوزع فيها "منديل" جفيّة ومعه "جكليت" مغلف بسيلفون والجارة تمدّ يدها فجراً من خلف الباب بقوري جاي حار للزبّال فيمسح عرقه ويستظلّ بالجدار زمان.. عندما كانت "الدورة والمأمون" هما آخر الدنيا، و"صندوق السعادة" كان أهم برامج مسابقات التلفاز ولم نكن نعرف بعد ملمع أحذية سوى ابو التمساح كان"الكمون" يوصف علاجاً للمغص، والأولاد يقبلون أيادي الجيران صباح العيد، والجكليت وال "ويهلية" وصينية "الزلابية" في مقدمة أحلام الطلبة المتفوقين وكانت أم القيمر تأتي بالكيمر لبيوتنا كانت جريدة البلاد والأخبار وغيرها مصدر معلوماتنا... ثم جاءت "الراصد" لصاحبها الفكيكي لتكون أشهر الصحف وأجرأها على الإطلاق وكانت صورة المطربة صباح على ظهر المرآة اليدوية المعلقة على الحائط زمان كنا نصحو على صوت فيروز الشادي صباحا!! ونستمع لبرنامج "ابو رزوقي" يعطي نصائح المرور للسائقين ومخالفاتهم الصباحية ويقول له "عيني انت ابو الموسكوفج الزركة لو شوية على كيفك بالسرعه مو أحسن احنا نخاف عليك وعلى سلامة الناس الماشين بالشارع"؟ ومساء كنا نترقب "خيرية حبيب" او "كامل الدباغ" او "عمو مؤيد البدري والتلفزيون يفتح ويغلق شاشته في موعد محدد مثل أي محل أو مطعم كانت لدينا "مدينة للألعاب"هي وجهة أبناء الأثرياء والفقراء على حد سواء العوائل كانت تتهيأ قبل يومين للسفر إلى الشمال وجامعتا بغداد والمستنصرية كانتا كعبة الطلاب في العالم العربي كانت رسائل الغرام تكتب على أوراق تبيعها المكتبات مطرزة ومزينة بالفراشات والورود الملونة!! قبل أن يولد الموبايل زمان كانت جوازات السفر تكتب بخط اليد، ولا تحتاج لرشوة ولا لواسطة للحصول عليه، وكان السفر إلى سوريا وتركيا بالقطار وفيزة أوربا تاخذها وأنت تشرب الشاي امام مبنى السفارة كانت البيوت لا تخلو من صوبة "علاء الدين" ذات البرج الفستقي المتكسر الألوان ومبردات الهلال كانت حلم كل منزل لان "الواتر بمب" أحسن من غيرها من الأنواع كان التلفزيون يعرفنا يوميا بخيرة نماذج المجتمع مصطفى جواد في برنامجه التاريخي وعلي الوردي في برنامجه الاجتماعي ومؤيد البدري ببرنامجه الرياضي ومسلسلات عراقية مشوقة خلدت في الأذهان والقلوب: سليم البصري وحمودي الحارثي في تحت موس الحلاق، وخليل الرفاعي أبو فارس، ومن ثم "الذئب وعيون المدينة" لخليل شوقي وكانت مباريات "آليات الشرطة والجوية والسكك قبل أن يتحول أسمه إلى الزوراء، كانت تجمعنا في ملعب الشعب بين 60 الف متفرج لا يستطيع اي قمر صناعي أن يحدد من هو السني ومن هو الشيعي بينهم وكان "رعد حمودي" أفضل حارس مرمى في كرة القدم! ولم نتخيل انه سيرشح نفسه يوما في الانتخابات كانت الناس تهنئ أو تعزّي بكيس سكّر "أبو خط أحمر" ذو الـ 50 كيلو غرام، والأمهات يحممّن الأولاد في الطشت، و"الصوغة" يحملها الناس لزيارة المرضى حين كان مذاق الأيام أشهى، والبرد يجعل أكفّ التلاميذ حمراء ترتجف فيفرّكونها ببعضها كانت لهجات الناس أحلى، وقلوبهم أكبر، وطموحاتهم أبسط، ومسكينة وساذجة! الموظفون ينامون قبل العاشرة ليصحوا باكرين والزوجة في يوم الجمعة تخبئ كبدة الدجاجة وقوانصها لتقليها للزوج دلالة على تدليله كانت الحياة أكثر فقراً وبرداً وجوعاً لكنها كانت دائماً خضراء! كانت حياتنا أحلى من حياتنا اليوم حيث لا طعم ولا لون ولا رائحة لها، غير طعم البارود، ولون الدم، ورائحة الكراهية والغل والتنافس والتنابز، والتحزب والطائفية المقيتة حياتنا كانت أحلى وأيامنا كانت أجمل والله يستر من الجايات

الاثنين، 16 يوليو 2012

بين الخواتم ضاع حبيبي-د. غالب المسعودي

بين الخواتم ضاع حبيبي
الى الولد الخجول المفتون بحب عراقه هو ................وانا بلا عكاز اتشبث فوق الماء لكسر المعنى العقه نصا ..ينتهي وجدا والصمت اعلى مراحل صياح الانبياء وليأذن مردوخ بدخول المعبد كي احتضن النجوم.................. بين النجوم.....ضاع حبيبي.........! النص: ان كان الهوى قدر اسميتك قدري اودعته القلب خوفا من النظر فكان شطحا داعبته الاوهام ضاعت به صوري افعمته المسك فغم بالطيب بعد شميم شاغف .............فغر.............. ناديتها الاه ردت لي الاصداء بين نعير وناعر اقفلت لي القلب والقلب خافق سفر يحضن روح الروح برد مسيح ان جاز الحمى..............يسر بيني وبينه شجن والشح يشحط القلب وان كان المقام.............. شاخص..........لم............. يزر.......!

الخميس، 12 يوليو 2012

ما أرثيك-الى الكبير الراحل المناضل ( جاسم حسين الصكر )- حامد كعيد الجبوري

ما أرثيك الى الكبير الراحل المناضل ( جاسم حسين الصكر )
ما أرثيك شعدد يا فضيله ... ويا خصال البيك ... ما أرثيك لأن أنت الشهم ... شفت الوطن مهيوب هم شايف وطن يتخله بالتابوت ميت ... يا كبر يحويك ... ما أرثيك عشت حرية عمرك والكبر مخنوك يا كاع التلمك وأنت شامخ طود شندفن يا فكر ... يا خلق ... يا إيثار ... تاريخك علامة والوطن فرحان يتنومس بولده والرجوله البيك ... ما أرثيك حرام المثل ( جاسم ) يركب التابوت ثائر فكره دنيه والمواقف زود صكُر ينخه الصكور وشالت الجثمان ونزل يمشي أعله طوله أبنص المشيعين يسولف عن فرح وأحلام الحديثات وينشد عالصديق الكتلته الونات ويمد نهر المروه ويفكد الخوان ويطب بيت الفقير اليخبز العازات يفخر بالرفاق الما حنت هامات ولا سودت بياض وخانت المشوار ولا تنكر فضل حبل المشانق دين بركاب السجون وعشرة الأحرار يسأل عن وطن ضاع بظلام الليل وأتفرهد لكم ما بين هذا وذاك وأتقسم طوائف للكراسي السود جوع وذبح وآهات مشتعله تنور نعذرها للنسوان من ترضع أكبور وين تريد ( جاسم ) ترحل اليابيد يسموك ( الصكُر ) يا حامل الأضداد وأنت أجمل فراشه والزهور ألوان تحط بيا خميله ويا ورد بالأيد يا ( جاسم ) ... وطن ما يرفض العارات دنيه أمسودنه وأحنه أبحلك عربيد ... وين أتريد مو أنت الربيع اليفضح جويريد ... وين تريد أول ليلة وحشة أشكلت من سألوك منو ربك نبيك قبلتك دينك أني أعرف جوابك ما تضيّع راي كلت الله ربي والوطن مذبوح نبي المصطفه وذاك الوطن مذبوح أمامي هو أمامي والوطن مذبوح قبلتي وديني ديني ... والوطن مذبوح يا ( جاسم ) الطيبين موتتها عازه سم وكواتم صوت ذبح الكزازه تذكر من لمتني (جاسم ) بأبيات لزمت أيدي وكلت بيه حوبه موطنه ضفتها الخاطرك ما مقتنع بيها من زمان ميت والكبر مجهول مدفون العراق وضاعت أخباره مابين السياسي وخنجر الأطماع مذبوح الوطن من يعرف أسراره بيه حوبه العراق وباجر تبين أبكل مجرم لئيم أتبين الشاره ما أرثيك ما هدك مرض لا خفت من الموت ثابت مثل نخله وما تهزك ريح أبيض كلك أبيض ... إلا شعر الراس من حنة ( القاسم ) غيّرت لونه تعيّد كل خميس أبلمة الخوان أبكازينو ( الجنائن ) تفرش الصوبين (موفق ) (وأبو زاهد ) ( وأحمد الناجي ) ( علي هادي ) و ( أبو بشار ) والحلوين ( وعبد اليمه أبو نصار ) ... يحضر من وكت مسئول جمعتنه يعاتب من تعذر ما حضر هاليوم يا آخر خميس الصار بيه توديع تعرف ساعة الميعاد ما ذبلت عيونك لا يبس عودك كمت أبهيبتك وشفافك مبسمات حتى الدمعه ماتت من يمر طاريك ... ما أرثيك أشماخذ جوه أبطك ( جاسم ) ينطروك ( رءوف ) و ( جعفر ) متانيك وصفوف الأموات أمحضرين أعلام شكيت الجفن بيدك رسالة شوك ( بجي الشموع الروح يبنادم بس دمع ما مش صوت ورفة جنح مكسور يبنادم كلبي يرف بسكوت لاهي سنه وسنتين يبنادم ولاهي صحوة موت حسبة عمر عطشان يبنادم والماي حدره يفوت ) من أبعيد ( كوكب ) ما يغني أبعود شّد نايه العتيك أينوح بالأحزان أبكل طور الحزن والناي ما يبجيك ... ما أرثيك ما أرثيك ****** الأسماء المذكورة رفاق وأصدقاء الراحل جاسم حسين الصكر رءوف الطاهر وجعفر هجول صديقان شيوعيان رحلا العام الماضي كوكب حمزه الملحن العراقي المعروف

قصة قصيرة- حكاية هذا الرجل-عادل كامل

قصة قصيرة حكاية هذا الرجل
لم يكن معروفا في مدينتنا، منذ نقل إليها كموظف حكومي في احد الدوائر المغمورة . قبل ربع قرن، بل حتى اسمه لم يكن معروفا ولهذا لم يحمل أي اثر محدد. وفي الواقع لم يكن الرجل شخصية غريبة . او لافتة للنظر ، فشكله العام لا يثير الفضول او الاستغراب. كان يذهب إلى عمله في الصباح. ويعود قبيل العصر، ولا يغادر بيته. إلا مرة واحدة في الأسبوع. يذهب فيها إلى المقهى. كما انه صار جزءا من أسرار مدينتنا أو تقليدا ً من تقاليدنا.. ولهذا لم تثر حياته الخاصة انتباه السكان. وفي واقع الأمر فإن حياة الرجل كانت تبدو هادئة ، بل تمتاز بالبساطة وعدم إثارة الشكوك. فعلى الرغم من أنه لم يتزوج، ولم تكن له علاقة بالآخرين، فانه لم يكن يثير الأسئلة . فلا احد سمع انه تحدث في قضية. أو جادل، أو تفوه بكلمة نابية. كان يسير من البيت إلى الدائرة في الذهاب كما في الاياب . بهدوء. وبخطوات محسوبة.. وعلى الرغم من الأحداث التي وقعت منذ ربع قرن. فان الرجل لم يتدخل في شؤون المدينة . ولا في احوال الناس. ومثل هذا السلوك . في الواقع، كان من المقرر ان يلفت الانظار، لكن احدا لم يكن ينتبه له، في السلب او في الإيجاب.. لم نره يدخن ..أو يذهب إلى مكان مشبوه. وكان عندما يتعرض الى سؤال، يجد بسهولة. طريقة يختصر بها الاجابة. فلم نره يدخل في حوار طويل، او معقد ، كما ان الابتسامة لم تفارقه بل حتى تلك الابتسامة كانت في حدود المعقول. باختصار انه لم يكن يترك أثرا عند من شاهده، أو عرفه ، أية ذكرى ولم ينكر، أقرب المقربين اليه، في محاولة لفك أسراره. فقد قيل أنه يؤدي واجباته الوظيفية على نحو ممتاز، وانه لم يتعرض الى عقوبة تذكر.. كما لم يرتفع صوته اعلى من أي صوت آخر كان حليق اللحية على الدوام، لايشكو من الامراض ، فلا أحد سمع او عرف أنه راجع المستشفى أو اشتكى من مرض. وأنا شخصيا ضمن عملي الخاص لم أفكر في حل طلسمات الرجل. لا لاني كنت أفكر في تغيير حياته الشخصية ، بل لاني لم أجد مايثير التأمل… أو الاستغراب.. وربما لايستطيع ، كل من عرفه، أن يتكلم أو يصفه بأكثر مما فعلت. أي ان وجوده وعدمه كانا متساويين فلا توجد في حياته المعلنة استثناءات.. لم نعرف انه تفوه بطرفة .. أو روى حكاية.. أو سأل سؤالا غريبا ، كما كان يعيش حياته في عزلة شبه مطلقة ، حتى اعتدنا عليها، بمرور الأيام ، وغدت مألوفة كأشياء أخرى لا تحصى تعد نسيا منسياً. اني ، وبلا أسباب محددة، كنت أشعر بالحزن له.. ولإسباب لاتحصى ، حاولت أن لاأتدخل في سلوكه..وهي حقيقة جعلتني أراه عن بعد. بلا فضول . ولا محاولة للدخول في تفاصيل حياته . كنت شارد الذهن بهؤلاء الغرباء في قراراتهم أو افكارهم الخاصة.. وهي صفة لازمتني منذ الصغر.. ومع ذلك، فقد كنت أكتم، بدقة وعناية ، كل التفاصيل الدقيقة التي تخص أفكاري ومشاعري تجاه الأشياء . ولهذا السبب لم أجد فيه ما يثير التعجب، أو الخيال ، ثم أني بعد ربع قرن من مشاهدتي له، صرت لا أثار أو استفز بسهولة، فأنا مثل لاعب الشطرنج، الذي يسجل نقلته، ثم يقوم بالنقلة بعد تفحص الاحتمالات الأخيرة .. فالجسد لا يحتمل الأخطاء، مثلما النفس غير قادرة على تحمل الصدمات، بإيجاز سردت هذه الملاحظات، بدافع آخر، وفي لمحة بصر. ففي ذات يوم بارد، بعد الغروب، وقع نظري على كتاب في المكتبة المجاورة للمقهى .. لفت نظري بشدة.. أي غلاف الكتاب في الأقل.. فنهضت وتفحصت الكتاب .. كان الرسم الذي غطى الغلاف الأول يعود للسيد "س " .. إنه هو تماما .. وكأن ملامحه لن تتغير.. ولا لون بشرته.. إنه هو تماماً .. وقد كتب في أعلى الصفحة ، بعنوان كبير، بلون أحمر صارخ [ذكرياتي مع أخطر رجل في العالم] لم أكن أصدق ما أرى .. فالسيد "س" لم يكن سوى شجرة في غابة.. فهل يمكن أن يكون ، كما ورد في عنوان الكتاب أخطر رجل في العالم؟ اقتربت منه، ووضعت الكتاب امامه.. حدق فيه لبرهة .. ثم قال بصوت خافت .. ـ " وماذا في الامر؟ " قلت بسرعة : - "انها قصة أخطر رجل في العالم .." - "وماهو الغريب في الامر ..؟" - "إنها قصتك أنت.. ايها السيد العجيب .." أجاب باستغراب : - "قصتي أنا ..؟" وأبتسم بفم مغلق . وكأن شيئا لم يكن ، قلت له: - "نعم .. والغلاف يحمل صورتك .. أنظر .." كانت كلماتي تذهب ادراج الريح .. فلم يثره الكتاب .. ولا الصورة .. ولا العنوان الغريب.. فسألته: - "اذا ً.. أنت تخليت عن الرجل القديم..؟ " لم يجب الا بعد قليل : - "انك، ياسيدي، تتحدث عن أشياء لا أعرفها .." - "ولكن الكتاب يسرد قصتك .." أبتسم مرة ثانية . وبالأسلوب نفسه ، قال: ـ "وماهي علاقتي بهذا كله؟ " ولم يتابع.. وفي الواقع شغلني الكتاب.. فرحت التهم الكلمات إلتهاماً كما يقال .. حتى أنني عندما كنت أريد أن أقول له" أيها الانسان الخارق.. الفذ.." لم اره يجلس امامي .. نهضت .. وسألت عنه.. فقال صاحب المقهى : - " غادر.." - "متى؟" - "منذ ساعة .. تقريبا." عدت الى الجلوس .. وكنت أطالع بسرعة .. غير مصدق اني أتعرف على الشخص ذاته الذي لم يلفت نظرنا طوال ربع قرن.. ولم أنم في تلك الليلة .. وبعد أن فرغت من الكتاب غادرت الدار صباحاً .. ذهبت الى دائرة السيد "س".. وعندما سألت عنه.. قالت موظفة الاستعلامات.. ـ " لقد سافر.. قبل نصف ساعة .." صمت ، أو هكذا كان الانفعال يدفعني : - "الى اين؟" - "لا أحد يعرف!" - "لا أحد يعرف.. كيف؟" فقالت بهدوء : - "هل هو مدين لك ام ..؟" قاطعتها: - "كلا.." ووضعت الكتاب أمامها .. فقالت باستغراب : - "عجيب .. أنه هو نفسه.. السيد.. ولم نكن نعرف ذلك.." قلت بيأس : - "والآن أريد أن أراه .." قالت باستسلام: - "لقد قدم استقالته .. وترك العمل .. ومن دون رجعة .. فهو من الذين لايترددون في التنفيذ ." عندما وصلت الى باب داره، كان الرجل قد غادر مدينتنا ، والى الابد .. أما أنا فكنت أعود إلى هذا الكتاب ، وأتذكر قصة اغرب رجل عاش معنا ، وكان نسياً منسيا! .

الاثنين، 9 يوليو 2012

( لوين تريد )-الى صديقي الذي يبحث عن وطن آخر .- راسم الخطاط


بلحظات الضعف ، والانكسار ، والإحباط ، تتأرجح موازين الثبات بين الصمود والهروب ، بين الحلم والحقيقة ، بين العسل والمر ، وهاهو صديقي الشاعر المبدع ( راسم الخطاط ) يوجه لي قاضيةً بحلبة الوطن فماذا أرد عليه ؟ ، لا أدري !!! . حامد كعيد الجبوري ----- ( لوين تريد ) الى صديقي الذي يبحث عن وطن آخر .
لوين تريد يبو حجي الحلو ومزعّل التغريد لوين تريد يا واهس قصيدة تعيش ويّ الريح مثل طفله ... وشعرها أتهده يوم العيد لوين تريد ... لوين تريد من فرط المحبه ...يطيح دمع العين وضلوع الصدر ما حبست التنهيد لوين تريد مو تدري السنين وخلصت طشار تدور عالفرح تالي العمر شيفيد مو ندري السنين أمذيرات هواي مثل ... لمة فخاتي وحوم وسط البيد لوين تريد إذا جرح ... العمر ملجوم يمته أيهيد لوين تريد مو صافن عمرنه أباب دنيه الآه مثل شجره وعليها أمسير جويريد لوين تريد مو حتى الحلم زاعلنه من أزمان لأن رمده العيون ... وكل حلمها بعيد لوين تريد مو بعدك ... مثل عصفور عمري ...أبابه ألف عربيد لوين تريد يا أول أسم في مهرجان الروح ضد ليل السياسة وبالعراق تشيد مثل الله الوطن ... تختار غيره شلون شجابك للشّرِك ضل أدعوا للتوحيد إذا سئلوا ( حسن )1 شيكول عن جفاك شيكله الحفيدك جده ليش بعيد عيدية حفيدك وين لو جه العيد وين تريد وين تريد ------ 1 : حسن أصغر أولاد حامد كعيد الجبوري

السبت، 7 يوليو 2012

( دجلة الخير )-الى الزعيم الشهيد عبد الكريم قاسم-حامد كعيد الجبوري


موال ( دجلة الخير ) الى الزعيم الشهيد عبد الكريم قاسم
يا دجلة الخير طيبج من ضفافج دار أخت الجنان وحوَت ياقوت فُضة ودار عونه النزَل ساحلِج لو سكن بيج أبدار جوهرة تاج الوطن رَب العرش قاسم عبد الكريم أنجبت أبحب الشعب قاسم ما يوم أكل خبزته ويّ الشعب قاسم نسجوا أبحبه عجب نُص الكمر خلتَه ما حابه أخت وأخو كل الشعب خلته بالغدر دار الزمن اليومك تظل خلته مالكو لوله أله بس هاي أله لولَه بعيونه نام الوطن وبالطيب أله لوله يتفاخر أعله المجد المجد الأصل لوأله كَرْمُوه أبن الشعب منطقها بعده لحَد أبطول السنين المضن وبسيف ثاره لحد خميت كل الوطن لا دار أله ولا لحد الخيرعكبه أنجفه أشتات صرنه وشُعب يبجيه دم الوطن وكلب اليحبه شَعب يهتف كبل غدرتَه ويصيح يحيا الشعب ميعوف حبه الشعب لو ألف عام الدار

الخميس، 5 يوليو 2012

قصة قصيرة-الشيخ والمدينة-عادل كامل


قصة قصيرة الشيخ والمدينة
(1) ليس لأنه لم يغادر مدينته منذ ولد فيها، قبل أكثر من نصف قرن، وإنما لأنه، وهو يقلب في صفحات الكلام، لم يعد يجد فارقا بين الدنيا خارج حدود مدينته أو داخلها؛ فقد كان الشيخ، وهذا ما عرف به منذ زمن بعيد ، قد حل ضيفا على هذا الزمن، الامر الذي جعله لا يجادل في الصواب أو الأغلاط، ولا يحزن أو يفرح لشؤون الأيام، حتى قيل انه كان متصوفا أو زاهدا أو تقيا، ولم يكن الشيخ يهمه من هذا الامر هذا شيئا.. بل كان يبتسم ابتسامة متوازنة مع ما ترد عليه من أفكار وأحوال ، وهو ذا يواجه أمر اخلاء المدينة، بسبب شائعات الأعداء وإنذار نشوب الحرب، بابتسامة وكلمات موجزة .. فقال انه سيحافظ على خريطة المدينة.. ويحرسها من الظلام. وقال أن الموت خارج المدينة لايختلف عنه في داخلها.. ثم انه – دار بخلده – لم يعد يأبه بمثل هذه القضايا ، أو ينبش اسئلتها القديمة . (2) وكان وحيدا يصغي لصمت الشوارع وسكون الريح وهو يستذكر تاريخ مدينته وكم تولع بها منذ فتوته ، وبعد ذلك، راح لايميز بين حياته وحياة كل جزء من اجزائها ، حتى انه حسب الحياة خارجها محض عدم، وان القدر اختار المدينة له وانه هو الذي اختار هذا القدر.. وكان يشعر ببعض الالم وهو يستعيد مشاهد الناس وقد اصابهم الفزع والارتباك، ابناءه وأحفاده والاهل جميعا غادروا بعربة كبيرة ، وهو لايعترض على ذلك ، لانه كان لايريد لاحد ان يعترض عليه ، كانت مشاهد القوافل المهاجرة تمر من امامه مثلما في فلم، تمر سريعة، خاطفة ، لتترك مثل هذه الاسترجاعات البصرية . بيد أنه سرعان ما عاد يوازن بين فناء الاشياء في كل مكان وفي المكان الذي يقف فيه وعليه. فهو لايشعر بشقاء الزوالات أو يترجى شيئا ما كبيرا لما سيأتي.. وقد إعتاد ، مع نفسه على الاقل، الا يفضّل كفه أمر على أمر، ولايعني هذا أنها متساوية تماما، إلا في حدود أنها وقعت وأنتهى زمنها. أبتسم للاشيء .. ودفع بجسده النحيل متجولا وحيدا يحدق في الابواب نصف المشرعة والمغلقة وفي الاشجار شاما رائحة حياة كانت تعج بها المدينة قبل يوم وقبل ساعات فقط.. صخب وضجة المدينة الذي كان يترك عنده، في باديء الامر، ارتباكا، ثم، أحساسا بالاطمئنان المستحيل . وقد حسم الشيخ مشاكله عندما كف عن طلب أي شيء ، أو إنتظار أحد او لا احد..حسم امره وكأنه يعيش ماضيه المكون في الاتي من السنين والايام.. ذلك كله جعله يميل لكفة الفرح دون اعلانه او المباهاة بالمسرات.. فالاحتفالات التي طالما اقامها في داخله لم يعلنها ولم تكن مثار غرور او كبرياء، فقد كان مستسلماً لجريان النهر، هذا الذي ، قال في نفسه، توقف الآن. (3) إنها لكارثة أو غمامة بلا لون لو تحولت المدينة الى أعمدة وهياكل خربة، لا لاي سبب الا لان الحياة غدت مستحيلة بعيدا عن لعنة الدمار وقلب الموازين.. وكاد يعثر على بارقة أمل للذي سيقع ، إنما أدرك أن الذي سيقع قد وقع وليس عليه إلا ان يقوم بالدور ذاته الذي قام به في زمنه القديم، أن احدا لم يصدقه لكلامه ! وهو عمليا لم يكن ليفكر باقناع احد او بالدفاع عن تصوراته.. انما وجد نفسه مستسلما للذة لا علاقة لها باحد.. بل ولا علاقة لها به شخصيا.. كما قال، وهو يتوقف أمام النهر يرسل نظراته الى الضفة الاخرى.. مدينة بلا ضجة ولا أصوات ولا عراك ولا عويل.. ليس سوى الأشجار وبعض الكلاب تتجول غير مكترثة لأمر الإخلاء ، كانت الشمس تغادر بأشعتها الحمراء وقد حجبت الغيوم بعضها.. وبدأت المدينة تغرق وتتلون بألوان الليل .. ثم سرعان ما انتشر الظلام في كل مكان باستثناء النجوم ترسل لمعان بريقها الفضي المنعكس فوق أمواج النهر. جلس الشيخ تحت شجرة كبيرة يسترجع تاريخ مدينته ، المهددة بحسب ما قالوا ، بالدمار والزوال .. وهو الذي أمن عميقا ان القدر يخفي ما هو أبعد من أي تفسير أو تدبير.. ولم يغف طوال الليل ، ذلك بسبب إنشغاله بلا شيء، بلا هذا اللاشيء المقدس الذي جعله لايتمسك بشيء من الاشياء ، ويعثر على موازنات خاصة به، دفعته لمثل هذا الاختيار .. ولم يخف فزعه لسماع صوت طائرة ، إنما ، بعد لحظات ، عادت اليه السكينة ، فثمة أفكار طالما راودته وهو لا يرى ، لا في مدينته ولا في المدن الاخرى، لا في الارض ولا في أي مكان آخر، الا حركة ماضية متداخلة تكتم سرها داخلها تخص فناء الاشياء وتحولاتها. لم يفزع للمشهد المبهم هذا.. ذلك لانه غدا كالقانون عنده.. انما اختفى الصوت، مع بدء الفجر، فصلى.. وشرب من ماء النهر.. وحزن قليلاً.. بسبب الوحدة او ، ربما ، لان المدينة مكثت يوما اخر يضاف لزمنها الذي سيزول في يوم من الايام.. يوم آخر.. اذن.. كذلك دار بخاطره .. يضاف لهذا اللاشيء العجيب الذي جعل عجلة الحياة تدور وتدور، دون ان يدرك احد، ان هذه العجلة ، ستدور بمن يمسك بها. إنها تماثل جهنم وهي بانتظار المزيد.. ثم أرسل نظره الى الجهات.. كلها لا أحد.. فالحياة الصاخبة أخلت مكانها لهذا الصمت.. هذا الصمت الذي راح يتوغل في اعماقه ، مفجراً خواطر غامضة لم تمر به من قبل .. فقد نهض، وعزم ان يذهب ويزور المقبرة.. ويذهب الى قبر والده وجده والاسلاف .. هناك، ولا يعرف أية قوة غريبة سحرية كانت تدفعه، ليسير كأنه في واجب ، غير مكترث للمدينة ولا للخطر الذي تتعرض له، حيث كان لايفكر الا بالوصول الى هناك.. رفع رأسه قليلا وكاد يفزع لامتداد المقبرة شرقا باتجاه الصحراء، الامتداد مع الافق اللانهائي لولا انه استدار باتجاه مقبرة العائلة، سار ببطء وهو يستدل هجرة سكان المدينة بموتهم ودفنهم كل في مكانه المخصص له في الارض الرملية الفسيحة. وتخيل المدينة وقد انتزعت من مكانها ولم تعد الا خرائب تمر بها الريح وتنعق فيها البوم.. تقدم بتكاسل شاعراً باقصى درجات العزلة.. وعبثا كان قد أمضى حياته من أجل اللاشيء الذي طالما سحره وقدسه في الاخير…اللاشيء الذي هو كل الاشياء، ذلك الذي أعاد له التوازن بين أهدافه، ووسائله، بين الباطل والباطل وهو يرى المستقبل برمته محض ماض مؤجل في الذهن بينما هو أخذ مكانه في الزمن القديم.. وتوقف عند مقبرة العائلة، ليسترجع انفاسه، ويسبح بحمد الله أن المدينة مازالت قائمة، وانها لم تتعرض للدمار، إنما ماذا يعني ذلك وأنا الآن وحيد مع الموتى مثلما كنت وحيداً مع الأحياء؟ وجلس عند قبر والده ، وحدق ، من وراء القبر، حيث يرقد جده، والأسلاف ، فهنا، قال في نفسي، تجمدت الحياة مثلما ستأخذ مكاننا معهم: لكنه لم يسترسل ، فقد سبق له وحسم الامر وما عاد الموت مصدر فزع أو مثار مشاعر عابرة،إنما كان، دون إرادة منه، يفكر في المدينة ومصيرها ، ومصائر سكانها وهم يتنقلون من مكان الى آخر. تذكر تلك الساعات العصيبة حيث كانت القوافل تغادر المدينة ، والناس في اقصى درجات الفوضى والارتباك بحثا عن وسيلة نقل تنقلهم بعيدا عن خطر الفناء.. وتهديدات الاعداء بنسف المدينة وتخريبها . تذكر انه لم يغادر المدينة ولن يغادرها.. أما الآن، وهو يمسك بتراب الارض المخصص له، كما يعلم ، فقد أنشغل بسؤال أربكه قليلاً: هل أنقل عظامكم ياأيها الاهل.. ياابي وياجدي ويا أسلافي وأغادر.. هاربا من الارض التي خرجت منها، الى البعيد.. ام اترك عظامي تستقر الى جانبكم .. هنا.. لنبدأ في حوار طويل من الصمت الذي لانعرف شيئا ما محددا عنه..؟ وقال : أأغادر بكم ام استقر الى جانبكم ، في عزلتي؟ كان الشيخ يستعيد ذكرى تعود الى زمن موغل قديم حيث كان الناس، عند الكوارث، يهرعون الى مقابرهم ، فيحملون عظام الصالحين ويهربون بها لكي لاتمسها مخالب الكارثة، ثم بعد ذلك، بعد زوال البلية والمحنة، يعودون بها، ويعيدونها حيث مكانها الاول. قال بصوت مشوش ، انما انا سأذهب بكم حيث الاعداء ينتشرون في كل مكان.. فالى اين .. سأذهب ..بكم؟ ورفع حفنة من التراب وهو، بلا شعور منه، بدأ يحفر حفرته المخصصة له في مقبرة العائلة : اذن.. دار بخاطره، سأحفر لي مستقرا واستقر.. فاذا جاء الموت.. فلن تدكدكني اقدام الاعداء.. متخيلا المدينة محض خرائب واعمدة واطلال وريح صرصر تمر بها واصوات مبهمة تتركها الفصول لتندرس في الاخير الاشياء كلها وتتساوى كأنها هي الاخرى مثل مقبرة توحدت فيها الاجساد بالرمل وتلاشت الامال والمسرات ومسحت آثار الاسماء من الاسماء والتاريخ تم محوه. تخيل ذلك المشهد.. والسكان يتوزعون في بقاع الارض يتنقلون من مكان الى آخر بعد أن اضطروا لترك مساكنهم وديارهم وحتى مقابرهم. وفزع للصورة .. وتساءل بألم دفين ما إذا كانوا قد حملوا ماضيهم معهم أم ، هو الاخر تركوه؟ أي ماض.. وأي مستقبل كانوا ينشدون؟ وقال أنهم سيدفنون موزعين في اماكن متباعدة لا جامع يجمعها. لكنه قال أن الارض لم تعد كبيرة.. فمثلما ، في يوم ما ، ستتحول الى قرية كبيرة ، فأن المقبرة هي الاخرى، واحدة وسيرقد فيها الجميع. ولم ترق له الفكرة .. فقد كان يفكر بنقل عظام ذويه، ويحملها ويغادر المدينة.. الى أي مكان ، يخلو من شبح الموت والعزلة ، ورعب الصمت الذي راح يحرك خياله باضطراب. قال انها المرة الاولى التي يكون فيها وحيدا في المدينة، والاولى التي يكون فيها في هذا المكان..متصورا ان سكان المدينة قد هلكوا جميعا.. فما الفارق بين غيابهم في الهجرةاو في الموت. وبدأ يحفر، مسرعا تارة .. وبلا مبالاة تارة اخرى. فأنا اعرف اني ساصبح هزأة لو حملتكم في كيس وهاجرت بكم.. ماذا سأقول لسكان هذا العصر..؟ الناس يفكرون بالحياة وأنا لا أفكر إلا بشيء آخر أكاد اجهله تمام الجهل .. ثم الى أين سأذهب . المجهول.. في كل مكان.. هو المجهول.. ومثل هذا الامر كان قد حسم قبل أن أولد، وبعد أن أكون في عداد الراحلين. وحفر.. كأنه لايريد ان يرى زوال مدينته امام ناظريه، حيث هو الوحيد الذي سيتعرض للهلاك ، بعد أن غادر السكان الى البعيد.. وراح يتحدث، ساخرا، مع نفسه، موجها كلامه الى والده والاجداد: انها لعبة طريفة أذن .. يهربون مع موتهم ، والى الموت.. مثلما هربتم انتم الى ارضكم.. فما هو الفارق في الاخير، ايها الاجداد.. ما الفارق بين من سيموت ومن مات ومن سيولد ليموت ومن يموت دون ولادة؟ ما الفارق بين وهم ووهم آخر.. اليس كل ما تحت الصفر صفر .. وكل مابعد الواحد واحد؟ آه. ذلك لانه لم يبح بافكاره لاحد. وها هي مناسبة لن تتكرر تتيح له الكلام: اليكم.. اليكم ايها الاجداد .. الواحد بعد الآخر.. الواحد الذي ترك للآخر ثقل هذا الموت المخيم علينا اليوم .. وهو ذا المصير. كان كل منكم يذهب الى الموت تاركا ذنوبه للآخر، كوصية ازلية ، كوصية سرعان ما تتحول الى اسطورة بلهاء نحملها معنا في الصمت وفي الكلام. وصية ان ندفن مع انفسنا وصايانا ولا نترك منها الا ما هو ثقيل مزر مكدر بلا فائدة ولا نفع.. ثم سمع اصوات إنفجارات .. فرفع رأسه بتثاقل، وحدق في اماكن مختلفة.آنذاك توقف عن الحفر.. محاولا أن يتخلص من الحفرة التي حفرها بيده.. محاولا أن يتخلص من الحفرة التي حفرها بيده، بلا جدوى.. وعاد يستمع الى الدوي يهز الارض : إنهم يطلقون النار على الموتى . وقال : كان علي أن أحمل عظامكم وأهرب ..أذا ً .. وقال: ولكنها كانت ثقيلة وأنا لا طاقة لي على عمل ذلك. الا انه، وهو مشغول الفكر، أيقن أن أجداده، في مثل هذه ا لاوقات العصيبة ، وفي مثل هذه الكوارث، ما كانوا يغادرون المدينة، وراح ، بين الحياة والموت، يستمع الى أصواتهم ونداءاتهم وهمسهم الآتي من البعيد ممتزجا باصوات الانفجارات وبازيز مرور الطائرات المرتفعة عاليا عاليا في اعالي السماء. كان يعرف انه لايستطيع ان يسقط طائرة واحدة منها، الا انه لا يعرف بالضبط ما الذي كان يفزعهم ، هذا الفزع كله، ليطلقوا النار على لا أحد: علينا نحن الموتى ‍! وسخر متمتماً بصمته وهو يردد : على المنتصر أن يسير في جنازته، حاملا عظامه معه الى المجهول. 1991