الخميس، 12 يوليو 2012

ما أرثيك-الى الكبير الراحل المناضل ( جاسم حسين الصكر )- حامد كعيد الجبوري

ما أرثيك الى الكبير الراحل المناضل ( جاسم حسين الصكر )
ما أرثيك شعدد يا فضيله ... ويا خصال البيك ... ما أرثيك لأن أنت الشهم ... شفت الوطن مهيوب هم شايف وطن يتخله بالتابوت ميت ... يا كبر يحويك ... ما أرثيك عشت حرية عمرك والكبر مخنوك يا كاع التلمك وأنت شامخ طود شندفن يا فكر ... يا خلق ... يا إيثار ... تاريخك علامة والوطن فرحان يتنومس بولده والرجوله البيك ... ما أرثيك حرام المثل ( جاسم ) يركب التابوت ثائر فكره دنيه والمواقف زود صكُر ينخه الصكور وشالت الجثمان ونزل يمشي أعله طوله أبنص المشيعين يسولف عن فرح وأحلام الحديثات وينشد عالصديق الكتلته الونات ويمد نهر المروه ويفكد الخوان ويطب بيت الفقير اليخبز العازات يفخر بالرفاق الما حنت هامات ولا سودت بياض وخانت المشوار ولا تنكر فضل حبل المشانق دين بركاب السجون وعشرة الأحرار يسأل عن وطن ضاع بظلام الليل وأتفرهد لكم ما بين هذا وذاك وأتقسم طوائف للكراسي السود جوع وذبح وآهات مشتعله تنور نعذرها للنسوان من ترضع أكبور وين تريد ( جاسم ) ترحل اليابيد يسموك ( الصكُر ) يا حامل الأضداد وأنت أجمل فراشه والزهور ألوان تحط بيا خميله ويا ورد بالأيد يا ( جاسم ) ... وطن ما يرفض العارات دنيه أمسودنه وأحنه أبحلك عربيد ... وين أتريد مو أنت الربيع اليفضح جويريد ... وين تريد أول ليلة وحشة أشكلت من سألوك منو ربك نبيك قبلتك دينك أني أعرف جوابك ما تضيّع راي كلت الله ربي والوطن مذبوح نبي المصطفه وذاك الوطن مذبوح أمامي هو أمامي والوطن مذبوح قبلتي وديني ديني ... والوطن مذبوح يا ( جاسم ) الطيبين موتتها عازه سم وكواتم صوت ذبح الكزازه تذكر من لمتني (جاسم ) بأبيات لزمت أيدي وكلت بيه حوبه موطنه ضفتها الخاطرك ما مقتنع بيها من زمان ميت والكبر مجهول مدفون العراق وضاعت أخباره مابين السياسي وخنجر الأطماع مذبوح الوطن من يعرف أسراره بيه حوبه العراق وباجر تبين أبكل مجرم لئيم أتبين الشاره ما أرثيك ما هدك مرض لا خفت من الموت ثابت مثل نخله وما تهزك ريح أبيض كلك أبيض ... إلا شعر الراس من حنة ( القاسم ) غيّرت لونه تعيّد كل خميس أبلمة الخوان أبكازينو ( الجنائن ) تفرش الصوبين (موفق ) (وأبو زاهد ) ( وأحمد الناجي ) ( علي هادي ) و ( أبو بشار ) والحلوين ( وعبد اليمه أبو نصار ) ... يحضر من وكت مسئول جمعتنه يعاتب من تعذر ما حضر هاليوم يا آخر خميس الصار بيه توديع تعرف ساعة الميعاد ما ذبلت عيونك لا يبس عودك كمت أبهيبتك وشفافك مبسمات حتى الدمعه ماتت من يمر طاريك ... ما أرثيك أشماخذ جوه أبطك ( جاسم ) ينطروك ( رءوف ) و ( جعفر ) متانيك وصفوف الأموات أمحضرين أعلام شكيت الجفن بيدك رسالة شوك ( بجي الشموع الروح يبنادم بس دمع ما مش صوت ورفة جنح مكسور يبنادم كلبي يرف بسكوت لاهي سنه وسنتين يبنادم ولاهي صحوة موت حسبة عمر عطشان يبنادم والماي حدره يفوت ) من أبعيد ( كوكب ) ما يغني أبعود شّد نايه العتيك أينوح بالأحزان أبكل طور الحزن والناي ما يبجيك ... ما أرثيك ما أرثيك ****** الأسماء المذكورة رفاق وأصدقاء الراحل جاسم حسين الصكر رءوف الطاهر وجعفر هجول صديقان شيوعيان رحلا العام الماضي كوكب حمزه الملحن العراقي المعروف

قصة قصيرة- حكاية هذا الرجل-عادل كامل

قصة قصيرة حكاية هذا الرجل
لم يكن معروفا في مدينتنا، منذ نقل إليها كموظف حكومي في احد الدوائر المغمورة . قبل ربع قرن، بل حتى اسمه لم يكن معروفا ولهذا لم يحمل أي اثر محدد. وفي الواقع لم يكن الرجل شخصية غريبة . او لافتة للنظر ، فشكله العام لا يثير الفضول او الاستغراب. كان يذهب إلى عمله في الصباح. ويعود قبيل العصر، ولا يغادر بيته. إلا مرة واحدة في الأسبوع. يذهب فيها إلى المقهى. كما انه صار جزءا من أسرار مدينتنا أو تقليدا ً من تقاليدنا.. ولهذا لم تثر حياته الخاصة انتباه السكان. وفي واقع الأمر فإن حياة الرجل كانت تبدو هادئة ، بل تمتاز بالبساطة وعدم إثارة الشكوك. فعلى الرغم من أنه لم يتزوج، ولم تكن له علاقة بالآخرين، فانه لم يكن يثير الأسئلة . فلا احد سمع انه تحدث في قضية. أو جادل، أو تفوه بكلمة نابية. كان يسير من البيت إلى الدائرة في الذهاب كما في الاياب . بهدوء. وبخطوات محسوبة.. وعلى الرغم من الأحداث التي وقعت منذ ربع قرن. فان الرجل لم يتدخل في شؤون المدينة . ولا في احوال الناس. ومثل هذا السلوك . في الواقع، كان من المقرر ان يلفت الانظار، لكن احدا لم يكن ينتبه له، في السلب او في الإيجاب.. لم نره يدخن ..أو يذهب إلى مكان مشبوه. وكان عندما يتعرض الى سؤال، يجد بسهولة. طريقة يختصر بها الاجابة. فلم نره يدخل في حوار طويل، او معقد ، كما ان الابتسامة لم تفارقه بل حتى تلك الابتسامة كانت في حدود المعقول. باختصار انه لم يكن يترك أثرا عند من شاهده، أو عرفه ، أية ذكرى ولم ينكر، أقرب المقربين اليه، في محاولة لفك أسراره. فقد قيل أنه يؤدي واجباته الوظيفية على نحو ممتاز، وانه لم يتعرض الى عقوبة تذكر.. كما لم يرتفع صوته اعلى من أي صوت آخر كان حليق اللحية على الدوام، لايشكو من الامراض ، فلا أحد سمع او عرف أنه راجع المستشفى أو اشتكى من مرض. وأنا شخصيا ضمن عملي الخاص لم أفكر في حل طلسمات الرجل. لا لاني كنت أفكر في تغيير حياته الشخصية ، بل لاني لم أجد مايثير التأمل… أو الاستغراب.. وربما لايستطيع ، كل من عرفه، أن يتكلم أو يصفه بأكثر مما فعلت. أي ان وجوده وعدمه كانا متساويين فلا توجد في حياته المعلنة استثناءات.. لم نعرف انه تفوه بطرفة .. أو روى حكاية.. أو سأل سؤالا غريبا ، كما كان يعيش حياته في عزلة شبه مطلقة ، حتى اعتدنا عليها، بمرور الأيام ، وغدت مألوفة كأشياء أخرى لا تحصى تعد نسيا منسياً. اني ، وبلا أسباب محددة، كنت أشعر بالحزن له.. ولإسباب لاتحصى ، حاولت أن لاأتدخل في سلوكه..وهي حقيقة جعلتني أراه عن بعد. بلا فضول . ولا محاولة للدخول في تفاصيل حياته . كنت شارد الذهن بهؤلاء الغرباء في قراراتهم أو افكارهم الخاصة.. وهي صفة لازمتني منذ الصغر.. ومع ذلك، فقد كنت أكتم، بدقة وعناية ، كل التفاصيل الدقيقة التي تخص أفكاري ومشاعري تجاه الأشياء . ولهذا السبب لم أجد فيه ما يثير التعجب، أو الخيال ، ثم أني بعد ربع قرن من مشاهدتي له، صرت لا أثار أو استفز بسهولة، فأنا مثل لاعب الشطرنج، الذي يسجل نقلته، ثم يقوم بالنقلة بعد تفحص الاحتمالات الأخيرة .. فالجسد لا يحتمل الأخطاء، مثلما النفس غير قادرة على تحمل الصدمات، بإيجاز سردت هذه الملاحظات، بدافع آخر، وفي لمحة بصر. ففي ذات يوم بارد، بعد الغروب، وقع نظري على كتاب في المكتبة المجاورة للمقهى .. لفت نظري بشدة.. أي غلاف الكتاب في الأقل.. فنهضت وتفحصت الكتاب .. كان الرسم الذي غطى الغلاف الأول يعود للسيد "س " .. إنه هو تماما .. وكأن ملامحه لن تتغير.. ولا لون بشرته.. إنه هو تماماً .. وقد كتب في أعلى الصفحة ، بعنوان كبير، بلون أحمر صارخ [ذكرياتي مع أخطر رجل في العالم] لم أكن أصدق ما أرى .. فالسيد "س" لم يكن سوى شجرة في غابة.. فهل يمكن أن يكون ، كما ورد في عنوان الكتاب أخطر رجل في العالم؟ اقتربت منه، ووضعت الكتاب امامه.. حدق فيه لبرهة .. ثم قال بصوت خافت .. ـ " وماذا في الامر؟ " قلت بسرعة : - "انها قصة أخطر رجل في العالم .." - "وماهو الغريب في الامر ..؟" - "إنها قصتك أنت.. ايها السيد العجيب .." أجاب باستغراب : - "قصتي أنا ..؟" وأبتسم بفم مغلق . وكأن شيئا لم يكن ، قلت له: - "نعم .. والغلاف يحمل صورتك .. أنظر .." كانت كلماتي تذهب ادراج الريح .. فلم يثره الكتاب .. ولا الصورة .. ولا العنوان الغريب.. فسألته: - "اذا ً.. أنت تخليت عن الرجل القديم..؟ " لم يجب الا بعد قليل : - "انك، ياسيدي، تتحدث عن أشياء لا أعرفها .." - "ولكن الكتاب يسرد قصتك .." أبتسم مرة ثانية . وبالأسلوب نفسه ، قال: ـ "وماهي علاقتي بهذا كله؟ " ولم يتابع.. وفي الواقع شغلني الكتاب.. فرحت التهم الكلمات إلتهاماً كما يقال .. حتى أنني عندما كنت أريد أن أقول له" أيها الانسان الخارق.. الفذ.." لم اره يجلس امامي .. نهضت .. وسألت عنه.. فقال صاحب المقهى : - " غادر.." - "متى؟" - "منذ ساعة .. تقريبا." عدت الى الجلوس .. وكنت أطالع بسرعة .. غير مصدق اني أتعرف على الشخص ذاته الذي لم يلفت نظرنا طوال ربع قرن.. ولم أنم في تلك الليلة .. وبعد أن فرغت من الكتاب غادرت الدار صباحاً .. ذهبت الى دائرة السيد "س".. وعندما سألت عنه.. قالت موظفة الاستعلامات.. ـ " لقد سافر.. قبل نصف ساعة .." صمت ، أو هكذا كان الانفعال يدفعني : - "الى اين؟" - "لا أحد يعرف!" - "لا أحد يعرف.. كيف؟" فقالت بهدوء : - "هل هو مدين لك ام ..؟" قاطعتها: - "كلا.." ووضعت الكتاب أمامها .. فقالت باستغراب : - "عجيب .. أنه هو نفسه.. السيد.. ولم نكن نعرف ذلك.." قلت بيأس : - "والآن أريد أن أراه .." قالت باستسلام: - "لقد قدم استقالته .. وترك العمل .. ومن دون رجعة .. فهو من الذين لايترددون في التنفيذ ." عندما وصلت الى باب داره، كان الرجل قد غادر مدينتنا ، والى الابد .. أما أنا فكنت أعود إلى هذا الكتاب ، وأتذكر قصة اغرب رجل عاش معنا ، وكان نسياً منسيا! .

الاثنين، 9 يوليو 2012

( لوين تريد )-الى صديقي الذي يبحث عن وطن آخر .- راسم الخطاط


بلحظات الضعف ، والانكسار ، والإحباط ، تتأرجح موازين الثبات بين الصمود والهروب ، بين الحلم والحقيقة ، بين العسل والمر ، وهاهو صديقي الشاعر المبدع ( راسم الخطاط ) يوجه لي قاضيةً بحلبة الوطن فماذا أرد عليه ؟ ، لا أدري !!! . حامد كعيد الجبوري ----- ( لوين تريد ) الى صديقي الذي يبحث عن وطن آخر .
لوين تريد يبو حجي الحلو ومزعّل التغريد لوين تريد يا واهس قصيدة تعيش ويّ الريح مثل طفله ... وشعرها أتهده يوم العيد لوين تريد ... لوين تريد من فرط المحبه ...يطيح دمع العين وضلوع الصدر ما حبست التنهيد لوين تريد مو تدري السنين وخلصت طشار تدور عالفرح تالي العمر شيفيد مو ندري السنين أمذيرات هواي مثل ... لمة فخاتي وحوم وسط البيد لوين تريد إذا جرح ... العمر ملجوم يمته أيهيد لوين تريد مو صافن عمرنه أباب دنيه الآه مثل شجره وعليها أمسير جويريد لوين تريد مو حتى الحلم زاعلنه من أزمان لأن رمده العيون ... وكل حلمها بعيد لوين تريد مو بعدك ... مثل عصفور عمري ...أبابه ألف عربيد لوين تريد يا أول أسم في مهرجان الروح ضد ليل السياسة وبالعراق تشيد مثل الله الوطن ... تختار غيره شلون شجابك للشّرِك ضل أدعوا للتوحيد إذا سئلوا ( حسن )1 شيكول عن جفاك شيكله الحفيدك جده ليش بعيد عيدية حفيدك وين لو جه العيد وين تريد وين تريد ------ 1 : حسن أصغر أولاد حامد كعيد الجبوري

السبت، 7 يوليو 2012

( دجلة الخير )-الى الزعيم الشهيد عبد الكريم قاسم-حامد كعيد الجبوري


موال ( دجلة الخير ) الى الزعيم الشهيد عبد الكريم قاسم
يا دجلة الخير طيبج من ضفافج دار أخت الجنان وحوَت ياقوت فُضة ودار عونه النزَل ساحلِج لو سكن بيج أبدار جوهرة تاج الوطن رَب العرش قاسم عبد الكريم أنجبت أبحب الشعب قاسم ما يوم أكل خبزته ويّ الشعب قاسم نسجوا أبحبه عجب نُص الكمر خلتَه ما حابه أخت وأخو كل الشعب خلته بالغدر دار الزمن اليومك تظل خلته مالكو لوله أله بس هاي أله لولَه بعيونه نام الوطن وبالطيب أله لوله يتفاخر أعله المجد المجد الأصل لوأله كَرْمُوه أبن الشعب منطقها بعده لحَد أبطول السنين المضن وبسيف ثاره لحد خميت كل الوطن لا دار أله ولا لحد الخيرعكبه أنجفه أشتات صرنه وشُعب يبجيه دم الوطن وكلب اليحبه شَعب يهتف كبل غدرتَه ويصيح يحيا الشعب ميعوف حبه الشعب لو ألف عام الدار

الخميس، 5 يوليو 2012

قصة قصيرة-الشيخ والمدينة-عادل كامل


قصة قصيرة الشيخ والمدينة
(1) ليس لأنه لم يغادر مدينته منذ ولد فيها، قبل أكثر من نصف قرن، وإنما لأنه، وهو يقلب في صفحات الكلام، لم يعد يجد فارقا بين الدنيا خارج حدود مدينته أو داخلها؛ فقد كان الشيخ، وهذا ما عرف به منذ زمن بعيد ، قد حل ضيفا على هذا الزمن، الامر الذي جعله لا يجادل في الصواب أو الأغلاط، ولا يحزن أو يفرح لشؤون الأيام، حتى قيل انه كان متصوفا أو زاهدا أو تقيا، ولم يكن الشيخ يهمه من هذا الامر هذا شيئا.. بل كان يبتسم ابتسامة متوازنة مع ما ترد عليه من أفكار وأحوال ، وهو ذا يواجه أمر اخلاء المدينة، بسبب شائعات الأعداء وإنذار نشوب الحرب، بابتسامة وكلمات موجزة .. فقال انه سيحافظ على خريطة المدينة.. ويحرسها من الظلام. وقال أن الموت خارج المدينة لايختلف عنه في داخلها.. ثم انه – دار بخلده – لم يعد يأبه بمثل هذه القضايا ، أو ينبش اسئلتها القديمة . (2) وكان وحيدا يصغي لصمت الشوارع وسكون الريح وهو يستذكر تاريخ مدينته وكم تولع بها منذ فتوته ، وبعد ذلك، راح لايميز بين حياته وحياة كل جزء من اجزائها ، حتى انه حسب الحياة خارجها محض عدم، وان القدر اختار المدينة له وانه هو الذي اختار هذا القدر.. وكان يشعر ببعض الالم وهو يستعيد مشاهد الناس وقد اصابهم الفزع والارتباك، ابناءه وأحفاده والاهل جميعا غادروا بعربة كبيرة ، وهو لايعترض على ذلك ، لانه كان لايريد لاحد ان يعترض عليه ، كانت مشاهد القوافل المهاجرة تمر من امامه مثلما في فلم، تمر سريعة، خاطفة ، لتترك مثل هذه الاسترجاعات البصرية . بيد أنه سرعان ما عاد يوازن بين فناء الاشياء في كل مكان وفي المكان الذي يقف فيه وعليه. فهو لايشعر بشقاء الزوالات أو يترجى شيئا ما كبيرا لما سيأتي.. وقد إعتاد ، مع نفسه على الاقل، الا يفضّل كفه أمر على أمر، ولايعني هذا أنها متساوية تماما، إلا في حدود أنها وقعت وأنتهى زمنها. أبتسم للاشيء .. ودفع بجسده النحيل متجولا وحيدا يحدق في الابواب نصف المشرعة والمغلقة وفي الاشجار شاما رائحة حياة كانت تعج بها المدينة قبل يوم وقبل ساعات فقط.. صخب وضجة المدينة الذي كان يترك عنده، في باديء الامر، ارتباكا، ثم، أحساسا بالاطمئنان المستحيل . وقد حسم الشيخ مشاكله عندما كف عن طلب أي شيء ، أو إنتظار أحد او لا احد..حسم امره وكأنه يعيش ماضيه المكون في الاتي من السنين والايام.. ذلك كله جعله يميل لكفة الفرح دون اعلانه او المباهاة بالمسرات.. فالاحتفالات التي طالما اقامها في داخله لم يعلنها ولم تكن مثار غرور او كبرياء، فقد كان مستسلماً لجريان النهر، هذا الذي ، قال في نفسه، توقف الآن. (3) إنها لكارثة أو غمامة بلا لون لو تحولت المدينة الى أعمدة وهياكل خربة، لا لاي سبب الا لان الحياة غدت مستحيلة بعيدا عن لعنة الدمار وقلب الموازين.. وكاد يعثر على بارقة أمل للذي سيقع ، إنما أدرك أن الذي سيقع قد وقع وليس عليه إلا ان يقوم بالدور ذاته الذي قام به في زمنه القديم، أن احدا لم يصدقه لكلامه ! وهو عمليا لم يكن ليفكر باقناع احد او بالدفاع عن تصوراته.. انما وجد نفسه مستسلما للذة لا علاقة لها باحد.. بل ولا علاقة لها به شخصيا.. كما قال، وهو يتوقف أمام النهر يرسل نظراته الى الضفة الاخرى.. مدينة بلا ضجة ولا أصوات ولا عراك ولا عويل.. ليس سوى الأشجار وبعض الكلاب تتجول غير مكترثة لأمر الإخلاء ، كانت الشمس تغادر بأشعتها الحمراء وقد حجبت الغيوم بعضها.. وبدأت المدينة تغرق وتتلون بألوان الليل .. ثم سرعان ما انتشر الظلام في كل مكان باستثناء النجوم ترسل لمعان بريقها الفضي المنعكس فوق أمواج النهر. جلس الشيخ تحت شجرة كبيرة يسترجع تاريخ مدينته ، المهددة بحسب ما قالوا ، بالدمار والزوال .. وهو الذي أمن عميقا ان القدر يخفي ما هو أبعد من أي تفسير أو تدبير.. ولم يغف طوال الليل ، ذلك بسبب إنشغاله بلا شيء، بلا هذا اللاشيء المقدس الذي جعله لايتمسك بشيء من الاشياء ، ويعثر على موازنات خاصة به، دفعته لمثل هذا الاختيار .. ولم يخف فزعه لسماع صوت طائرة ، إنما ، بعد لحظات ، عادت اليه السكينة ، فثمة أفكار طالما راودته وهو لا يرى ، لا في مدينته ولا في المدن الاخرى، لا في الارض ولا في أي مكان آخر، الا حركة ماضية متداخلة تكتم سرها داخلها تخص فناء الاشياء وتحولاتها. لم يفزع للمشهد المبهم هذا.. ذلك لانه غدا كالقانون عنده.. انما اختفى الصوت، مع بدء الفجر، فصلى.. وشرب من ماء النهر.. وحزن قليلاً.. بسبب الوحدة او ، ربما ، لان المدينة مكثت يوما اخر يضاف لزمنها الذي سيزول في يوم من الايام.. يوم آخر.. اذن.. كذلك دار بخاطره .. يضاف لهذا اللاشيء العجيب الذي جعل عجلة الحياة تدور وتدور، دون ان يدرك احد، ان هذه العجلة ، ستدور بمن يمسك بها. إنها تماثل جهنم وهي بانتظار المزيد.. ثم أرسل نظره الى الجهات.. كلها لا أحد.. فالحياة الصاخبة أخلت مكانها لهذا الصمت.. هذا الصمت الذي راح يتوغل في اعماقه ، مفجراً خواطر غامضة لم تمر به من قبل .. فقد نهض، وعزم ان يذهب ويزور المقبرة.. ويذهب الى قبر والده وجده والاسلاف .. هناك، ولا يعرف أية قوة غريبة سحرية كانت تدفعه، ليسير كأنه في واجب ، غير مكترث للمدينة ولا للخطر الذي تتعرض له، حيث كان لايفكر الا بالوصول الى هناك.. رفع رأسه قليلا وكاد يفزع لامتداد المقبرة شرقا باتجاه الصحراء، الامتداد مع الافق اللانهائي لولا انه استدار باتجاه مقبرة العائلة، سار ببطء وهو يستدل هجرة سكان المدينة بموتهم ودفنهم كل في مكانه المخصص له في الارض الرملية الفسيحة. وتخيل المدينة وقد انتزعت من مكانها ولم تعد الا خرائب تمر بها الريح وتنعق فيها البوم.. تقدم بتكاسل شاعراً باقصى درجات العزلة.. وعبثا كان قد أمضى حياته من أجل اللاشيء الذي طالما سحره وقدسه في الاخير…اللاشيء الذي هو كل الاشياء، ذلك الذي أعاد له التوازن بين أهدافه، ووسائله، بين الباطل والباطل وهو يرى المستقبل برمته محض ماض مؤجل في الذهن بينما هو أخذ مكانه في الزمن القديم.. وتوقف عند مقبرة العائلة، ليسترجع انفاسه، ويسبح بحمد الله أن المدينة مازالت قائمة، وانها لم تتعرض للدمار، إنما ماذا يعني ذلك وأنا الآن وحيد مع الموتى مثلما كنت وحيداً مع الأحياء؟ وجلس عند قبر والده ، وحدق ، من وراء القبر، حيث يرقد جده، والأسلاف ، فهنا، قال في نفسي، تجمدت الحياة مثلما ستأخذ مكاننا معهم: لكنه لم يسترسل ، فقد سبق له وحسم الامر وما عاد الموت مصدر فزع أو مثار مشاعر عابرة،إنما كان، دون إرادة منه، يفكر في المدينة ومصيرها ، ومصائر سكانها وهم يتنقلون من مكان الى آخر. تذكر تلك الساعات العصيبة حيث كانت القوافل تغادر المدينة ، والناس في اقصى درجات الفوضى والارتباك بحثا عن وسيلة نقل تنقلهم بعيدا عن خطر الفناء.. وتهديدات الاعداء بنسف المدينة وتخريبها . تذكر انه لم يغادر المدينة ولن يغادرها.. أما الآن، وهو يمسك بتراب الارض المخصص له، كما يعلم ، فقد أنشغل بسؤال أربكه قليلاً: هل أنقل عظامكم ياأيها الاهل.. ياابي وياجدي ويا أسلافي وأغادر.. هاربا من الارض التي خرجت منها، الى البعيد.. ام اترك عظامي تستقر الى جانبكم .. هنا.. لنبدأ في حوار طويل من الصمت الذي لانعرف شيئا ما محددا عنه..؟ وقال : أأغادر بكم ام استقر الى جانبكم ، في عزلتي؟ كان الشيخ يستعيد ذكرى تعود الى زمن موغل قديم حيث كان الناس، عند الكوارث، يهرعون الى مقابرهم ، فيحملون عظام الصالحين ويهربون بها لكي لاتمسها مخالب الكارثة، ثم بعد ذلك، بعد زوال البلية والمحنة، يعودون بها، ويعيدونها حيث مكانها الاول. قال بصوت مشوش ، انما انا سأذهب بكم حيث الاعداء ينتشرون في كل مكان.. فالى اين .. سأذهب ..بكم؟ ورفع حفنة من التراب وهو، بلا شعور منه، بدأ يحفر حفرته المخصصة له في مقبرة العائلة : اذن.. دار بخاطره، سأحفر لي مستقرا واستقر.. فاذا جاء الموت.. فلن تدكدكني اقدام الاعداء.. متخيلا المدينة محض خرائب واعمدة واطلال وريح صرصر تمر بها واصوات مبهمة تتركها الفصول لتندرس في الاخير الاشياء كلها وتتساوى كأنها هي الاخرى مثل مقبرة توحدت فيها الاجساد بالرمل وتلاشت الامال والمسرات ومسحت آثار الاسماء من الاسماء والتاريخ تم محوه. تخيل ذلك المشهد.. والسكان يتوزعون في بقاع الارض يتنقلون من مكان الى آخر بعد أن اضطروا لترك مساكنهم وديارهم وحتى مقابرهم. وفزع للصورة .. وتساءل بألم دفين ما إذا كانوا قد حملوا ماضيهم معهم أم ، هو الاخر تركوه؟ أي ماض.. وأي مستقبل كانوا ينشدون؟ وقال أنهم سيدفنون موزعين في اماكن متباعدة لا جامع يجمعها. لكنه قال أن الارض لم تعد كبيرة.. فمثلما ، في يوم ما ، ستتحول الى قرية كبيرة ، فأن المقبرة هي الاخرى، واحدة وسيرقد فيها الجميع. ولم ترق له الفكرة .. فقد كان يفكر بنقل عظام ذويه، ويحملها ويغادر المدينة.. الى أي مكان ، يخلو من شبح الموت والعزلة ، ورعب الصمت الذي راح يحرك خياله باضطراب. قال انها المرة الاولى التي يكون فيها وحيدا في المدينة، والاولى التي يكون فيها في هذا المكان..متصورا ان سكان المدينة قد هلكوا جميعا.. فما الفارق بين غيابهم في الهجرةاو في الموت. وبدأ يحفر، مسرعا تارة .. وبلا مبالاة تارة اخرى. فأنا اعرف اني ساصبح هزأة لو حملتكم في كيس وهاجرت بكم.. ماذا سأقول لسكان هذا العصر..؟ الناس يفكرون بالحياة وأنا لا أفكر إلا بشيء آخر أكاد اجهله تمام الجهل .. ثم الى أين سأذهب . المجهول.. في كل مكان.. هو المجهول.. ومثل هذا الامر كان قد حسم قبل أن أولد، وبعد أن أكون في عداد الراحلين. وحفر.. كأنه لايريد ان يرى زوال مدينته امام ناظريه، حيث هو الوحيد الذي سيتعرض للهلاك ، بعد أن غادر السكان الى البعيد.. وراح يتحدث، ساخرا، مع نفسه، موجها كلامه الى والده والاجداد: انها لعبة طريفة أذن .. يهربون مع موتهم ، والى الموت.. مثلما هربتم انتم الى ارضكم.. فما هو الفارق في الاخير، ايها الاجداد.. ما الفارق بين من سيموت ومن مات ومن سيولد ليموت ومن يموت دون ولادة؟ ما الفارق بين وهم ووهم آخر.. اليس كل ما تحت الصفر صفر .. وكل مابعد الواحد واحد؟ آه. ذلك لانه لم يبح بافكاره لاحد. وها هي مناسبة لن تتكرر تتيح له الكلام: اليكم.. اليكم ايها الاجداد .. الواحد بعد الآخر.. الواحد الذي ترك للآخر ثقل هذا الموت المخيم علينا اليوم .. وهو ذا المصير. كان كل منكم يذهب الى الموت تاركا ذنوبه للآخر، كوصية ازلية ، كوصية سرعان ما تتحول الى اسطورة بلهاء نحملها معنا في الصمت وفي الكلام. وصية ان ندفن مع انفسنا وصايانا ولا نترك منها الا ما هو ثقيل مزر مكدر بلا فائدة ولا نفع.. ثم سمع اصوات إنفجارات .. فرفع رأسه بتثاقل، وحدق في اماكن مختلفة.آنذاك توقف عن الحفر.. محاولا أن يتخلص من الحفرة التي حفرها بيده.. محاولا أن يتخلص من الحفرة التي حفرها بيده، بلا جدوى.. وعاد يستمع الى الدوي يهز الارض : إنهم يطلقون النار على الموتى . وقال : كان علي أن أحمل عظامكم وأهرب ..أذا ً .. وقال: ولكنها كانت ثقيلة وأنا لا طاقة لي على عمل ذلك. الا انه، وهو مشغول الفكر، أيقن أن أجداده، في مثل هذه ا لاوقات العصيبة ، وفي مثل هذه الكوارث، ما كانوا يغادرون المدينة، وراح ، بين الحياة والموت، يستمع الى أصواتهم ونداءاتهم وهمسهم الآتي من البعيد ممتزجا باصوات الانفجارات وبازيز مرور الطائرات المرتفعة عاليا عاليا في اعالي السماء. كان يعرف انه لايستطيع ان يسقط طائرة واحدة منها، الا انه لا يعرف بالضبط ما الذي كان يفزعهم ، هذا الفزع كله، ليطلقوا النار على لا أحد: علينا نحن الموتى ‍! وسخر متمتماً بصمته وهو يردد : على المنتصر أن يسير في جنازته، حاملا عظامه معه الى المجهول. 1991

الاثنين، 25 يونيو 2012

بنت الرافدين تطلق العمل للعيادة الاستشارية القانونية للعنف الاسري.

حيدر محمود شاكر منظمة بنت الرافدين العنف ضد المرأة جملة لم تغادر قاموس منظمة بنت الرافدين منذ تأسيسها في عام 2005 ولحد ألان، فهي مازالت تجاهد لتحقيق رؤيتها لمستقبل المرأة البابلية بشكل خاص والعراقية بشكل عام، فخلال هذا العام أعلنت بنت الرافدين أن هذه السنة، هي سنة الحماية القانونية للمرأة البابلية، وأول حصاد كان لها في هذا المضمار هو افتتاحها للعيادة الاستشارية القانونية بالتعاون مع كلية القانون جامعة بابل يوم السبت 23/6/2012 الساعة الخامسة عصرا على قاعة شهرزاد. وقد صرح د.هادي الكعبي عميد كلية القانون في جامعة بابل: (هدفنا من العيادة أن نجسر الهوة بين الجامعة والمجتمع كما ان هدفها هو خدمة المجتمع، وقد خضنا عدة نقاشات في كلية القانون لاجل تفعيل هذه المبادرة وق أبدى الكثير من أساتذة القانون استعدادهم للعمل في العيادة بشكل طوعي مرحبين بالفكرة). كما تحدثت السيدة علياء الأنصاري المدير التنفيذي لمنظمة بنت الرافدين عن هذه المبادرة قائلة: (عندما اتصلت بنا كلية القانون في جامعة بابل لاجل الشراكة التي تمثلت بفتح عيادة استشارية تخصصية قانونية تهتم بالعنف الاسري، أدركنا ان جزءا كبيرا من طموحنا في الحد من ظاهرة العنف ضد المرأة، أخذ يتجلى بشكل حقيقي وواقع من خلال هذه العيادة. حيث سنتمكن من تقديم المساندة والعون القانوني لمن يحتاجه). وقد أعلنت الأنصاري عن استقبال حالات العنف من الرجل ايضا بأعتباره جزء مهم في تكوين الاسرة السليمة حيث ان المهم لدى المنظمة هو الحفاظ على الاسرة وتماسكها في ظل حماية حقوق المرأة وسلامة أمنها الجسدي والنفسي. والجدير بالذكر ان منظمة بنت الرافدين قامت بدراسة ميدانية لقياس نسبة العنف في محافظ بابل،وقد أظهرت النتائج ان نسبة النساء المعنفات في بابل 86.8% وعن مصادر العنف هذا فقد أظهرت الدراسة ان نسبة العنف من الاهل والذي يشكل المصدر الاول للعنف بلغ 52% ثم جاء بالمرتبة الثانية المجتمع بنسبة 47.95% ثم يليه الزوج 28.6%. ومنظمة بنت الرافدين مازالت مستمرة بالعمل على تشريع قانون اسناد لحماية المرأة من العنف في محافظة بابل وهو الان في مرحلة كتابة مسودة القانون.

( اليوم عيد -حامد كعيد الجبوري


( اليوم عيد ) اليوم عيد... اليوم ألبس كل عمر ...عمري الجديد اليوم أجي أمحمل ترافه وأصعد ويّاك السمه أيدي بيدك تلعب وترسم كمر اليوم أجيب النجمه ترجيه الحبيبي اليوم ما ألبس حزن ثوبك حرير ... أمطرز أبمي النده ويمطر عشك بيدي أمشط ليل صبري وأغزل خيوط الفرح وأغسل همومي وعطش كل السنين وأهمس أبأذنك هلاهل يا كمر ... يا عالي ردلي شوف كذلة تلبس عيون السنابل ويركص البيدر غرام اليوم أطش الروح بيد الله عتب إني رايد ... كل حلاتك ... كل حلاتك ... ...واشرب أشفافك عنب اليوم طعم الفرح هيل أركض أركض ...أركض أركض ما تصل روحك تعب اليوم طول السهر ليل ليل ما يخلص سوالف وتلعب أنهودك رطب طاير أجناحين شوكي وانثر الضحكات بدروب الهوه اليوم أشوفك تلعب بروحي تراتيل ونشيد اليوم كلبي بيك ..يكبر ....يكبر وينزل بنفسج وينزرع حضنك بريد اليوم عيد... وقبلة خدودك ضريح بين اليوم عيد ...وغير عيدك ما أريد ...غير كلبك ما أريد وما أريد

الجمعة، 22 يونيو 2012

كم باباً فتحت؟- عبدالله المغلوث

كم باباً فتحت؟ دون أن أقصد تسببت في جريمة بأمريكا. فلم أفتح الباب لسيدة كبيرة في السن كانت تسير خلفي وأنا أهم بالخروج من باب مجمع تجاري. ارتطمت السيدة بالباب وتعثرت وتبعثرت أغراضها على الأرض دون أن تصاب بأي أذى. لكن خلال محاولتي مساعدتها في جمع أشلاء أكياسها سألني رجل أمن أن أرافقه إلى مكتب الإدارة في المجمع بصوت عال كالذي ينادي به اللصوص. وفور أن دخلت المكتب دار بيننا الحوار التالي، والذي بدأه بسؤال فظ: "هل لديك مشاعر؟". أجبته باقتضاب: "بالتأكيد". فرد ووجهه يفيض غضبا: "لماذا إذاً لم تفتح الباب للسيدة التي وراءك؟". رددت عليه قائلا: "لم أرها. فلا أملك عينين في مؤخرة رأسي". فقال وهو يبحث عن قارورة الماء التي أمامه ليطفئ النار التي تشتعل في أعماقه إثر إجابتي التي لم ترق له: "عندما تقود سيارتك يتوجب عليك أن تراقب من هو أمامك ومن خلفك وعن شمالك ويمينك. فمن الأحرى أن تكون أكثر حرصا عندما تقود قدميك في المرة المقبلة". شكرته على النصيحة، فأخلى سبيلي معتذرا عن قسوته، مؤكدا أن تصرفه نابع من واجبه تجاه أي شخص يبدر منه سلوكا يراه غير مناسب.خرجت من مكتبه وأنا أهطل عرقا رغم أن درجة الحرارة كانت تحت الصفر وقتئذ في ولاية يوتاه بغرب أمريكا. كان درسا مهما تعلمته في سنتي الأولى في أمريكا عام 2000. فأصبحت منذ ذلك الحين أفتح الأبواب لمن أمامي وخلفي وعن يميني وشمالي. ومن فرط حرصي أمسكه لمن يلوح طيفه من بعيد في مشهد كوميدي تسيل على إثره الضحكات. فتح الأبواب في المجمعات التجارية والمستشفيات والجامعات يعد سلوكا حضاريا ويعكس ثقافة تجيدها دول العالم الأول مما جعلها تقطن الصدارة، فيما نقبع في المؤخرة. لا أقصد فقط الأبواب الفعلية التي نعبرها في أماكننا العامة بل أيضا الأبواب الافتراضية التي تقطننا وتشغلنا. في يقظتنا وأحلامنا. باب الوظيفة وباب الترقية وباب الفرصة. هذه الأبواب التي يملك بعضنامفاتيحها ومقابضها بيد أنها للأسف لا تفتح إلا لمن نحب ونهوى. لمن له منزلة في نفوسنا وقلوبنا، مما أدى إلى ارتطام وسقوط الكثير من الموهوبين، ممن لا حول لهم ولا قوة، أمام هذه الأبواب، متأثرين بجراحهم ومعاناتهم. فأبوابنا موصدة ومغلقة إلا أمام قلة قليلة لهم الحظوة والشفاعة وربما ليس لديهم أدنى الإمكانات للحصول على وظيفة معينة أو فرصة تتطلب مواصفات ومعايير محددة. في حفل تخرج صديقي من جامعة مانشستر ببريطانيا العام الماضي تأثرت بكلمة الخريجين التي ارتجلها طالب سوداني حصل على درجة الدكتوراه في الهندسة. سحرتني كلمته القصيرة التي قال فيها: "لن أفسد فرحتكم بكلمة طويلة مملة. سأختزلها في جملتين. دكتور جون فرانك، شكرا لأنك فتحت باب مكتبك وعقلك لي. هذا الباب هو الذي جعلني أصعد هذه المنصة اليوم وأزرع حقول الفرح في صدر جدتي مريم". قطعا، لا يرتبط السوداني صلاح كامل وأستاذه جون فرانك بوشائج قرابة وروابط دم. لكن الأخير آمن بمشروع طالبه فشرع له أبواب طالما اصطدم بها في وطنه وعدد من الدول العربية. يقول صلاح وهو يدفع عربة جدته التي جاءت إلى بريطانيا خصيصا لتتقاسم مع حفيدها الوحيد فرحته بالحصول على الشهادة الكبيرة: "الدكتور فرانك الوحيد الذي أصغى إلي. طفت دولا عربية كثيرة وجامعات عديدة ولم أجد أذنا صاغية". إن مجتمعاتنا العربية تحفل بالأنانية وحب الذات. فتكاتفنا وتعاوننا وفتح الأبواب لبعضنا البعض سيثمر نجاحا غفيرا. يقول المفكر الفرنسي، لاروشفوكو: "الأنانية كريح الصحراء.. إنها تجفف كل شيء". ثمة حل واحد يقودنا لإفشاء الإبداع وإشاعة النجاح وهو نكران الذات وإعلاء محبة الإنسان عاليا وتطبيقه في كل معاملاتنا. وليبدأ كل واحد منا بسؤال نفسه قبل أن يخلد إلى النوم: "كم بابا فتحت اليوم". إجاباتنا ستحدد إلى أين نتجه. فماذا ننتظر من مجتمعات مغلقة لا تفتح الأبواب... لاشك أنها تركض وراء السراب؟