مقهى ( أبو سراج الحلية )
وداعا صديقي ( طه الربيعي )
حامد كعيد الجبوري
نهاية عقد الستينات من القرن الماضي كنا مجموعة أصدقاء نلتقي بكازينو حلية يؤمها اليسار العراقي تسمى ( مقهى أبو سراج ) ، وهذه المقهى تقع على - شط الحلة - نهر الفرات مباشرة ، أرائك متعددة للمثقفين ، وأخرى لهواة ( الدومينو ) ولعبة النرد ( الطاولي ) و لهواة ( الشطرنج ) ، وأخرى لهواة لعبة ( البلياردو ) والمنضدة ، وأرائك أخرى لقراء الجرائد ، من خلال هذه المقهى تعرفنا على وجوه ثقافية وفنية وسياسية كثيرة ، ولا يمر أسبوع دون أن نحتفي بصديق قادم من محافظة أخرى ، ومن خلال المقهى توطدت علاقتنا بأسماء أدبية وفنية وثقافية كثيرة ، ومن الأسماء التي كانت تزور هذه المقهى الشاعر الشعبي شاكر السماوي ، وأخيه ناظم السماوي ، وأخيه سعدي السماوي ، والملحن المرحوم كمال السيد ملحن رائعة ( مشيت وياه للمكير ) ، والشاعر كاظم الرويعي ، والشاعر عريان السيد خلف ، و( عبد الرحمن أطيمش ) ، والقائمة تطول ، كنا نواظب الجلوس بهذا المقهى صباحا ومساءا ، بعيد المساء تتوزع مجاميع الأصدقاء بين نادي المعلمين ، ونادي الموظفين ، ونادي العمال ، ونادي الزراعيين ، ونادي الضباط ، نشأت ألفة ومحبة وربما رفقة بين الكثير من أصدقائنا الحليين ، وبدأت مسألة ( الكروبات ) تتبلور جلية بين هذه المجاميع التي تربطها وشيجة الصداقة والأخوة ، مجاميع الفنانون ، مجاميع الشعراء الشعبيون ، مجاميع شعراء وأدباء اللغة الفصحى ، المجاميع الفنية ، غناء ، تمثيل ، رسم ، موسيقى ، بين كل هذه المجاميع قاسم مشترك وهو الصديق الراحل ( طه فرحان الربيعي ) ، طه الربيعي أحب العربية وتخرج من جامعتها وأكمل دراسته ونال شهادة ( الماجستير ) ، وطه الربيعي له رأي ويد بكل جانب من الجوانب المعرفية لذا كان يلتقي مع الجميع ثقافيا وفنيا وسياسيا ، له طريقته بالكتابة ، فأن أرخ أجاد ، وأن نقد بنى ، وأن تفوه جلب لحديثه الشيق قلوب وسمع الآخرون ، آذار عام 1974 م أحتفل الحزب الشيوعي العراقي بعيده الأربعين لتأسيسه ، وساهم في هذا ( الكرنفال ) عدد من شعراء الحزب ومنهم الشاعر شاكر السماوي ، عريان السيد خلف ، علي بيعي ، وشعراء آخرون ، ونذكر الكراس الذي صدر تحت عنوان ( أغاني للوطن والناس ) ، كنت حينها عسكريا وأردت دخول تلك الاحتفالية ، قبل دخولي وأنا أرتدي ملابسي العسكرية شاهدني شاكر السماوي وطه فرحان الربيعي ، قالا لي أين ذاهب وأنت برتبتك العسكرية ؟ ، قلت الى الاحتفالية ، قالا لي هذا جنون ؟ ، أجبت أليست هي الجبهة الوطنية ، قالا سوية أية جبهة وطنية هذه ، غادر المكان حالا وسنوافيك بعد الاحتفال الى مقاهي كورنيش دجلة ، أجبتهما سأخلع ملابسي العسكرية وأشتري قميصا مدنيا وأدخل للمهرجان ، قالا هذا قريب الى الممكن ولا تجلس مع أي شاعر من أصدقائنا ، طه فرحان الربيعي يحضر لكل النشاطات الثقافية الشعبية وغيرها ، له علاقات حميمة مع الكثير من الوطنيين الذين هاجروا أو هجروا ، ومع الباقين ، كتب مواضيع نقدية كثيرة ملأت صحيفة طريق الشعب وجريدة الصباح ، طه الربيعي ذلك المدرس الجاد بعمله ، تلاميذه أصدقائه ، المدرسون أخوة وأصدقاء ، علاقاته متوازنة مع الجميع ، أحيل على التقاعد عام 2010 م ، أدمن رفقة أصدقائه القدامى والجدد ، وجد لنفسه ولنا أيضا مقهى بسيط بسوق ( الهرج ) ، كتب لصفحتي – أدب شعبي - التي أعدها بجريدة الفيحاء الحلية الكثير من المواضيع والرؤى النقدية البناءة ، يكنونه أصدقائه للطرفة والتندر ( طه السني ) ، قال لمدير تربية بابل مازحا ( أستاذ بعد لتسموني طه السني ) ، قال مدير تربيته لماذا يا ( طه ) ؟ ، أجابه ( أستاذ هاي السنه بعاشور طبخت للحسين وعلكت على بيتي رايه بعد شسوي ) ، أجابه مدير التربية مازحا أيضا ( والله يا طه لو تتطبر هم أنسميك طه السني ) ، اليوم 4 / 1 / 2012 م فقدنا صديقا صادقا وأمينا ووطنيا لم يهادن النظام السابق ، وبقي وفيا لفكره ومعتقده ، رحمك الله صديقي أبي ( سرور ) ، وبفقدك فقدنا مسرتنا الأخوية الطويلة ، هيأ لنا بآخرتك أيها الراحل اللذيذ العزيز مقهى نلتقي بها مع أحبتنا وأصدقائنا الراحلين ، للإضاءة ............فقط .