من أجل حفنة من الدولارات
جريدة المستقبل العراقية 3/8/2011
كاظم فنجان الحمامي
فضيحة جديدة تكشف عن قيمة السعر الرسمي لشراء ذمة أكبر الرؤساء العرب, وضمان وقوفه في صف القوات المتحالفة ضد العراق, وتكشف أيضا عن تهافت الرؤساء العرب على الأموال الملطخة بفضلات الإسطبلات الامريكية.
فمن اجل حفنة من الدولارات تتغير المواقف السياسية المدفوعة الثمن عند العرب, ومن اجل حفنة من الدراهم تباع ولاءاتهم في سوق المزايدات الرخيصة, ومن أجل حفنة من الدنانير يُشترى الدعم العسكري, ويجند الإعلام, ويتقافز الرؤساء العرب كما القرود من خندق إلى خندق, ومن جبهة إلى آخري, فيتحولون إلى الاتجاه المعاكس بلمح البصر, بمجرد استلامهم وصولات القبض لثمن ولاءاتهم المنحازة إلى الجهات التي تدفع أكثر.
كانت صحيفة (الفجر) المصرية أول من نشر خبر هذه الفضيحة صباح السادس عشر من تموز الجاري, وانفردت بنشر صورة الشيك الذي حصل عليه الرئيس المخلوع (حسني مبارك) من الشيخ زايد ثمناً لمشاركة مصر في الحرب على العراق, وعرضت الصحيفة صورة الشيك الصادر من بنك أبو ظبي الوطني, وكان يحمل الرقم (758628), مؤرخ في الخامس والعشرين من شهر آب (أغسطس) من علم 1990, ومثبت عليه كود (شفرة) صاحبه (1673), والشيك محرر باللغة الانجليزية بآلة كاتبة, على يمينه عبارة (صالح لمدة 12 شهراً), وفيه أمر بأن يدفعوا لرئيس جمهورية مصر العربية مبلغاً وقدره 120 مليون دولار فقط (يا بلاش), على أن يودع المبلغ في حسابه في مؤسسة (مورغن ترست المصرفية), وعنوانها 23 وول ستريت في نيويورك, ومذيل بعبارة أخرى تقول: (رجاء وضعه في الحساب رقم 65000357), وهو حساب الرئيس حسني.
ويحمل الشيك توقيعين لشخصين أجنبيين لهما حق التوقيع على الشيكات, الأول ربما كان اسمه (كيدلي), وشفرته (111), والثاني اسمه (وليكس), وشفرته (34).
وفي ضوء البيانات الواردة في الشيك, نستطيع أن نستنتج ان مبارك له حسابات مصرفية في البنوك الأجنبية, وان ادعائه في بيانه التلفزيوني, بأنه ليس له حسابات في الخارج هو ادعاء باطل, وان ادعائه بأن ثروته لا تزيد على (فيللا) في شرم الشيخ, وحساب مصرفي فيه ستة ملايين جنيه هو ادعاء كاذب,
يضاف إلي ذلك أن ادعاءه بأن ثروته لا تزيد علي فيللا في شرم الشيخ وحساب بنكي فيه 6 ملايين جنيه هو ادعاء كاذب.
لكن الاستنتاج الأهم هو: مدى استعداد بعض الرؤساء والقادة العرب لقبول الهبات المالية السخية, واستعدادهم للتواطؤ ضد العراق, والتعامل المذل مع صندوق السيرك السياسي العربي, الذي تديره الثعالب الماكرة المكلفة بحشد التأييد العربي والعالمي ضد العراق, والمكلفة بتغطية نفقات العمليات الإرهابية ضد الشعب العراقي الصابر المجاهد.
ختاما نقول إذا كان هذا هو حال رئيس أقوى الأقطار العربية, فما بالك بمواقف رؤساء الأقطار الأخرى التي ماانفكت تكشر أنيابها بوجه العراق وشعبه, وماانفكت تثير الزوابع الاستفزازية ضد مهد الحضارات الإنسانية, ومهبط الرسالات السماوية, ومثوى الأئمة, وقلعة الرجال الأبطال, وقبة العلوم والمعارف ؟؟.
الأربعاء، 3 أغسطس 2011
الاثنين، 1 أغسطس 2011
معوقات الديمقراطية في العالم العربي-عبدالخالق حسين
معوقات الديمقراطية في العالم العربي
عبدالخالق حسين
إن ما يشهده عالمنا العربي من انتفاضات وثورات شعبية، اجتاحت كل من تونس ومصر والأردن واليمن والبحرين وليبيا، وأخيراً سوريا... يشبه إلى حد كبير ما جرى في ثمانينات القرن الماضي في دول أوربا الشرقية (الاشتراكية سابقاً). والغرض من هذه الثورات والانتفاضات واحد في الحالتين، وهو التخلص من الأنظمة المستبدة المتحجرة وإقامة أنظمة ديمقراطية تحترم التعددية وحق الاختلاف والتداول السلمي للسلطة وحقوق الإنسان وحرية التعبير والتفكير، وحرية الفرد، وتشكيل منظمات المجتمع المدني..الخ. وقد نجحت شعوب أوربا الشرقية في نضالها، والآن تتمتع بأنظمة ديمقراطية لا تختلف كثيراً عن تلك التي في أوربا الغربية التي سبقتها في هذا المضمار لمئات السنين. لذلك، نعتقد أنه قد حان الوقت للشعوب العربية أن تلعب ذات الدور، ولا بد من أنها ستنتصر، فالتطور سنة الحياة.
ولكن الديمقراطية ليست بلا ثمن، ولم تتحقق بسرعة وبسهولة وسلاسة في أي بلد في العالم، بل ولدت عبر مخاض عسير وعمليات جراحية قيصرية. فالديمقراطية لا تولد متكاملة ولن تكتمل، بل هي صيرورة تراكمية تبدأ بحقوق بسيطة، بـ 10% ثم 20% وهكذا تنمو مع الزمن وعبر نضال الشعوب ووفق نمو وعيها بحقوقها وتطورها الحضاري. وتاريخ أوربا يؤكد صحة ما نقول.
كذلك، يجب التوكيد على أن الديمقراطية تنشأ في كل بلد بطريقة مختلفة، فظروف دول أوربا الشرقية تختلف عن ظروف البلاد العربية. ففي الأخيرة توجد معوقات كثيرة للديمقراطية لم تكن موجودة في غيرها من البلدان، مثل المنظومة الفكرية، والموروث الاجتماعي culture ، والصراعات بين مكونات شعوبها، الدينية والطائفية والأثنية. كذلك هناك الحركات الإسلامية والسلفية والأصولية الدينية الممانعة للعلمانية ودولة المواطنة التي هي شرط أساس لقيام النظام الديمقراطي الحقيقي. على أية حال ورغم هذه الاختلافات، هناك مقاربة وتشابه أيضاً، فالشعوب الأوربية التي سبقتنا في الديمقراطية، هي الأخرى مرت بصعوبات ومعاناة في مرحلة محاكم التفتيش وعصر النهضة والتنوير، فالانتقال إلى الديمقراطية لم يكن سهلاً ولا سلساً.
لقد ذكرنا في بحث سابق بعنوان (إشكالية الليبرالية في البلاد العربية)، أن الإنسان لا يبحث عن الديمقراطية والليبرالية وحرية التعبير...الخ إلا بعد إشباع حاجاته الأساسية (basic needs) مثل: الغذاء والشراب، للحفاظ على الحياة، وإشباع غريزة الجنس لاستمرارية النوع (species)، وتوفير المأوى للحماية من قسوة الطبيعة، وكذلك الأمان من المخاطر التي تهدد الحياة، كالعدوان، والحيوانات الضارية المفترسة، والأمراض. وعندما تتحقق له ما تقدم، تظهر له حاجات أخرى لتحسين وضعه، مثل التعليم والثقافة والتنمية البشرية، وتأتي بعدها وسائل الرفاهية لإشباع الحاجات الروحية مثل الفنون الجميلة والكماليات المادية. وأخيراً تأتي الديمقراطية والليبرالية وحرية الفرد لإشباع حاجات الإنسان في تأكيد ذاته وإطلاق طاقاته في الإبداع والإنتاج، واستقلال شخصيته وشعوره بأهميته في المجتمع.(1)
لذلك، نرى أن مطالبة الإنسان بالديمقراطية والليبرالية تأتي بعد تحقيق احتياجاته الأساسية. ويبدو أن الشعوب العربية قد اقتربت من هذه المرحلة، لا لأنها حققت الحدود الدنيا من إشباع الاحتياجات الأساسية فحسب، بل ولتنامي الوعي السياسي والاجتماعي لدى الجيل الجديد وذلك بفضل الثورة المعلوماتية والتقنية المتطورة في المواصلات والاتصالات، حيث الاحتكاك المتزايد بين الشعوب بسبب الهجرات الجماعية والسياحة المليونية والانترنت والفضائيات وغيرها من وسائل الاتصال التي حوَّلت العالم إلى قرية كونية صغيرة، ربطت بين مصالح الشعوب الاقتصادية والثقافية في منظومة العولمة وجعلتها متشابكة لا فكاك بينها، وساعدت في تعجيل تطور الوعي لدى الشباب، خاصة وإن 70% من نفوس المنطقة العربية هم دون 31 سنة من العمر، معظمهم من المتعلمين يعانون من مشاكل مشابهة مثل البطالة والأنظمة المستبدة المتحجرة، وتطلعهم إلى حياة أفضل.
فما هي هذه المعوقات؟
المعوقات التي تواجه عملية الانتقال للديمقراطية في العالم العربي كثيرة، نذكر منها ما يلي:
أولاً، منظومة القيم التقليدية الموروثة:
إن الثقافة العربية- الإسلامية السائدة لها جذور عميقة في المجتمعات العربية، وهي ضد الديمقراطية والليبرالية وحرية الفرد وحقوق المرأة. وهذه الظاهرة لم تأت من فراغ، بل هي وليدة الظروف الموضوعية والثقافة الموروثة (culture)، التي تمتد جذورها إلى البداوة في صحراء الجزيرة العربية. فالبداوة، كما وصفها المؤرخ البريطاني المعروف، أرنولد توينبي، بأنها "حضارة متجمدة " أي في سكون وركود، عصية على التطور والتغيير.
ومن أهم سمات الثقافة البدوية، هي العلاقات الأبوية (patriarchism) المتمثلة بسلطة الأب المطلقة في التحكم بأفراد أسرته، وحتى في قتلهم إذا شاء، مروراً بسلطة شيخ القبيلة في قبيلته، وصولاً إلى رئيس الدولة في سلطته المستبدة في حكم الشعب. فالدولة العربية هي صورة مكبرة من القبيلة. وكما تنتقل هذه السلطة وراثياً من شيخ القبيلة إلى أبنائه، كذلك الأمر في انتقال سلطة رئيس الدولة، بغض النظر عن كونه رئيساً أو ملكاً، فالدولة العربية هي امتداد للمشيخة القبلية، فهي سلطة مطلقة، وحتى الأنظمة الملكية في البلاد العربية مازالت ملكية مطلقة في معظمها.
والجدير بالذكر، أنه تم تكريس الاستبداد في البلاد العربية - الإسلامية عن طريق رجال الدين الذين سايروا الحكام المستبدين طلباً للسلامة والرزق، والذي أطلق عليهم عالم الاجتماعي العراقي الراحل الدكتور علي الوردي بـ(وعاظ السلاطين). فهؤلاء اختلقوا الكثير من أقوال أسندوها إلى النبي محمد في طاعة الحاكم حتى ولو كان مستبداً جائراً، فاستغلوا الآية القرآنية: "أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم" وفسروها بأن المقصود بأولي الأمر هو الحاكم حتى ولو كان مستبداً. لذلك انتحلوا أحاديث كثيرة، منها إدعاؤهم أن الرسول الكريم قال: "اسمع وأطع – يقصد الحاكم- وإن جلد ظهرك وأخذ مالك". والتاريخ حافل بالأحداث التي استجاب فيها رجال الدين للخلفاء والسلاطين في إصدار فتاوى لتبرير قرارات الحكام منذ الدولة الأموية وحتى نهاية الدولة العثمانية، حتى ولو كانت مخالفة للدين. وهؤلاء الشيوخ مازالوا يتمتعون بالسلطة الروحية في توجيه المجتمع العربي- الإسلامي كما يشاؤون، ووفق ما يريد منهم الحكام المستبدون. فمعظم فتاوى هؤلاء الوعاظ تتناقض مع الديمقراطية، خصوصاً في مواقفهم من المرأة والفنون الجميلة وحرية التعبير والتفكير وحرية الفرد وحق الاختلاف.
ولكن رغم هذه المعوقات، فإن الشعوب العربية ليست بمعزل عما يجري في العالم، فهي في حالة تماس مع العالم المتحضر المتجدد دوماً، وفي عملية الأخذ والعطاء، تؤثر وتتأثر بالحضارة الإنسانية التي ساهم العرب في بنائها بقسط وافر في مرحلة من مراحل التاريخ. فالثقافة العربية الراهنة هي مزيج من البداوة والحضارة الحديثة ولو بنسب مختلفة، ولكن الانتفاضات الشعبية الأخيرة أثبتت أن الشعوب العربية قد بلغت مرحلة تغليب كفة الحضارة على البداوة دون أن تتخلص من البداوة كلياً.
ثانياً، الإسلام السياسي
لعل هذا العامل يعد من أخطر المعوقات أمام الديمقراطية في العالم العربي. إن صعود مد الإسلام السياسي والتشدد الديني المتمثل في حزب الإخوان المسلمين وفروعه في البلاد العربية تحت مختلف الأسماء مثل: حماس في غزة والجزائر، والنهضة في تونس، والتحرير في دول أخرى... الخ، يشكل عائقاً كبيراً أمام الديمقراطية. والجدير بالذكر أن عقيدة الإخوان المسلمين مشتقة من العقيدة الوهابية المتشددة التي تؤمن بإلغاء الآخر وممارسة العنف باسم الجهاد في سبيل الله ضد من يخالفهم ويعارضهم في تحقيق غاياتهم النهائية وهي إقامة دولة الخلافة الإسلامية وتطبيق مبدأ (الحاكمية لله) على المدى البعيد. وانتعشت الأحزاب الإسلامية بانتعاش الثروات النفطية في الدول الخليجية، التي صرفت عشرات المليارات من الدولارات في دعم الإسلام السياسي، ونشر تعاليم العقيدة الوهابية المتشددة في البلاد العربية والعالم، مستفيدة من التطور السريع الذي حصل في تكنولوجية الاتصال والمواصلات في نشر التطرف الديني بين الشباب المسلم وعلى نطاق واسع، مستغلة ظروفهم المعيشية الصعبة، التي فشلت الأنظمة المستبدة في حلها، فرفعوا شعارهم "الإسلام هو الحل". إضافة إلى هجرة العمالة العربية المليونية من البلاد العربية الفقيرة إلى الدول الخليجية النفطية الغنية التي تعتنق الوهابية المتشددة، فعند عودتهم إلى بلدانهم نقلوا معهم التطرف الديني والحجاب والنقاب.
والمفارقة هنا، أن الأنظمة العربية المستبدة شكلت تحالفا غير معلن مع المؤسسات الدينية في اضطهاد أحزاب المعارضة العلمانية وشرائح المثقفين الديمقراطيين الليبراليين، ووضعت أمامها العراقيل لمنعها من نشر الأفكار التنويرية، بينما فسحت المجال أمام الإسلام السياسي لاستخدام المساجد والمدارس الدينية ووسائل الإعلام، بل وحتى الشوارع والساحات، لنشر تعاليمهم ومبادئهم السياسية والتطرف الديني، وتضييق الخناق على التنويريين واضطهادهم وتشريدهم، بل وحتى قتلهم.
وخطورة الإخوان المسلمين، خاصة في مصر، تكمن في كونه تنظيم عريق عمره 80 سنة وهو من أكثر الأحزاب السياسية خبرة ومالاً وتنظيماً ومعرفة بالمجتمع ومشاكله، ويعرف كيف يعزف على الوتر الديني الحساس لاستثمار مشاعر الناس الدينية لأغراضه السياسية، ويتكيف مع الأوضاع حسب الحاجة. فجماعة الإخوان يتحدثون بلسانين، وحسب ذهنية الجمهور الذي يخاطبونه. ففي بداية ثورة الشعب المصري في 25 يناير 2011، اتخذوا موقف المحايد ولم يشاركوا فيها إلا بعد تأكدهم من نجاحها، وعندها ساهموا فيها وبتحفظ شديد، فلم يرفعوا شعاراتهم المألوفة مثل (الإسلام هو الحل، والرسول قائدنا، والقرآن دستورنا)، بل ركبوا موجة المطالبة بتغيير النظام، وتحدثوا كثيراً عن الديمقراطية وحقوق الإنسان والحداثة وتأييدهم لها. ومن ثم دعوا الداعية الإسلامي، الشيخ يوسف القرضاوي، من قطر ليقيم فيهم الصلاة في ميدان التحرير في القاهرة، كمحاولة منهم لاختطاف الثورة من الشباب المصري، أصحابها الشرعيين الذين دفعوا أكثر من 800 شهيد وآلاف الجرحى.
ولما تم تعديل الدستور المصري والذي ما زال يحظر تأسيس الأحزاب على أسس دينية في المادة الخامسة التي تنص على أنه "لا تجوز مباشرة أي نشاط سياسي أو قيام أحزاب سياسية على أية مرجعية دينية أو أساس ديني"، أعلنت جماعة الإخوان المسلمين عن تأسيسها لحزب سياسي باسم «الحرية والعدالة»، وادعوا أن "الحزب سيكون مستقلا تماما عن الجماعة في كل شيء"(2). وهذا يكشف لنا مدى قدرة جماعة الإخوان على التكيف والمناورة والمراوغة وفق الظروف بمجرد التلاعب بالألفاظ ليتلاءم مع الدستور، ولو شكلياً. لكن في الواقع أن هذا الحزب "المدني" ولد من رحم جماعة الإخوان المسلمين، ويمتثل لأوامرها، الجماعة التي لم تغير أهدافها ولا حتى شعارها الذي يتضمن السيفين المتقاطعين، وتحتهما كلمة "وأعدوا"، في إشارة للآية القرآنية "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم"، أي الدعوة للعنف لإرهاب خصومهم السياسيين. فالجماعة لم تأخذ في الحسبان الظروف التاريخية قبل أكثر من 1400 سنة التي نزلت فيها هذه الآية، بل يريدون تطبيقها في ظروفنا الحالية في القرن الحادي والعشرين، وخارج سياقها التاريخي.
ولكن، في الوقت الذي يتحدث فيه الإخوان عن الديمقراطية و تأسيسهم "حزب مدني" باسم: (حزب الحرية والعدالة)، خرج علينا السيد وجدي غنيم، أحد قيادي الجماعة، ليقول لنا حقيقة موقفهم من الديمقراطية، دون لف أو دوران، في لقاء تلفزيوني أكد فيه تكفير الديمقراطية وأن الحكم لله وليس للشعب.(3)
ما نود تأكيده هنا، هو أن الإسلام السياسي في مصر، أو أي بلد عربي آخر، يشكل خطورة بالغة على الديمقراطية. إلا إنه في نفس الوقت لا ندعو إلى حظر الأحزاب ذات التوجهات الدينية، لأنها ستتخذ من هذا الحظر ذريعة لاستخدام العنف كما حصل في الجزائر عام 1992 بعد أن ألغت الحكومة الجزائرية نتائج الانتخابات البرلمانية التي أظهرت في شوطها الأول فوز المرشحين الإسلاميين، لا لأن الشعب الجزائري كان ميالاً إلى الإسلاميين، ولكن كتصويت احتجاج ضد تفشي الفساد الإداري وفشل الحكومة العلمانية العسكرية لحل المشاكل الاقتصادية المتفاقمة.
كذلك، نعتقد أن غالبية الناخبين العرب، ونتيجة للكوارث التي حصلت في بلدانهم بسبب العنف من قبل منظمة القاعدة الإرهابية، غيرت مواقفها من الأحزاب الإسلامية، إذ اكتشفوا مخاطر التصويت لمرشحي الإسلام السياسي، وعلى سبيل المثال لا الحصر، ففي الانتخابات البرلمانية الأخيرة في الأردن والكويت والجزائر، انحسرت نسبة الإسلاميين كثيراً إلى حد أنهم لم يشكلوا أي ثقل برلماني. كذلك الحال في الانتخابات التشريعية الباكستانية الأخيرة، حيث لم يحصل المرشحون الإسلاميون على أكثر من 11% من مجموع الأصوات. أما في مصر، فأغلب استطلاعات الرأي تشير إلى احتمال حصول لإسلاميين في الانتخابات القادمة على ما بين 20% إلى 25% من الأصوات.
ثالثاً، الصراعات والفتن الدينية والطائفية:
لا شك أن هذه الصراعات تهدد الديمقراطية في البلاد العربية، فهي عبارة عن ألغام موقوتة، ففي مصر مثلاً هناك فتن دينية بين الإسلاميين السلفيين وبين الأقباط المسيحيين، وكانت آخرها، (لحد كتابة هذه السطور)، الصدامات الدامية في حي «إمبابة» الشهير، الأمر الذي جعل وزير العدل المصري المستشار عبد العزيز الجندي، يقول «الأمة المصرية في خطر». وقد سبقتها صراعات دامية كثيرة خلال الثلاثين سنة الماضية بين أتباع الديانتين في مصر. كما وتصاعدت بعد ثورة 25 يناير نشاطات السلفيين الذين فرضوا سيطرتهم على بعض المساجد بالقوة، إضافة إلى تدميرهم لمراقد بعض الأولياء الصالحين.
كذلك موقف الحكومات العربية المزدوج من الانتفاضات في بعض البلاد العربية، وعلى سبيل المثال، ففي الوقت الذي دعمت فيه الجامعة العربية انتفاضة الشعب الليبي ضد نظام القذافي، وأيدت حلف الناتو لفرض الحظر الجوي على ليبيا، وهو موقف سليم، وقفت الجهات العربية ذاتها ضد انتفاضة الشعبي البحريني ووصفتها بالطائفية، وأيدت إرسال قوات من الدول الخليجية لقمعها. والجدير بالذكر أن مشايخ الوهابية أصدرت فتاوى لدعم حكم البعث الصدامي في العراق قبل 2003، واعتبرت الإطاحة به عدواناً على السنة العرب، وهو ليس كذلك، ولكنها في أيامنا هذه أصدرت هذه المشايخ ذاتها فتاوى ضد حكم البعث السوري واعتبرته كافراً لأن رئيسه من الطائفة العلوية، علماً بأن النظامين البعثيين، العراقي والسوري، شقيقان يتبنيان ذات الأيديولوجية.(4).
رابعاً، غياب منظمات المجتمع المدني:
تلعب منظمات المجتمع المدني دوراً مهماً في دعم الديمقراطية وذلك، بقيامها بدور الوسيط بين السلطة والشعب، وهي إلى جانب الصحافة وأحزاب المعارضة تقوم بمراقبة السلطة وتحاسبها على أخطائها. ولكن المشكلة هنا، أن الأنظمة المستبدة إما أن تقوم بإلغاء منظمات المجتمع المدني، أو تهيمن عليها هيمنة كاملة وتجعلها تابعة لأحزابها الحاكمة، وبذلك فهي تفقد أهميتها في هذه المرحلة، لأنها تصبح مجرد شبكات تجسس على الشعب، وتابعة لأجهزة السلطة الأمنية القمعية. لذلك، يجب العمل على تأسيس منظمات المجتمع المدني (NGO) خارج هيمنة السلطة، وفتح دورات تثقيفية مكثفة لرفع وعي الشعب وقادة هذه المنظمات بواجباتها وطريقة إدارتها ودورها في النظام الديمقراطي.
خامساً، تفشي الأمية والجهل
من المؤسف أن الأمية الأبجدية متفشية بنسبة عالية في البلاد العربية، إذ تبلغ نحو 40% بين الذكور، و60% بين الإناث، ناهيك عن النقص المريع في المعرفة، أي الأمية الثقافية. (راجع تقرير الأمم المتحدة لعاميْ 2002 و 2003 عن «التنمية البشرية في العالم العربي»). وهذه المشكلة تشكل عقبة أمام الديمقراطية، فالديمقراطية لا تعني الانتخابات فحسب، بل وحرية التعبير والتفكير والتنظيم والتظاهر وحق الاختلاف، ووعي المواطن بحقوقه على الدولة، وواجباته إزاءها، واحترامه للقوانين. لذلك، يمكن أن يستغل أعداء الديمقراطية تفشي الأمية والجهل بين شريحة واسعة من الناس، لبث الإشاعات بينهم، وتضليلهم ضد مصالحهم وتوجيههم ضد الديمقراطية والشعب، كما حصل في فتنة أمبابة الأخيرة في مصر، على سبيل المثال.
سادساً، اضطهاد المرأة:
المرأة تشكل 50% من المجتمع، ولكنها مضطهدة في البلاد العربية وحقوقها مهدورة، فهي توضع في مرتبة دون مرتبة الرجل بكثير نتيجة للمنظومة الفكرية والعادات والتقاليد الموروثة البالية، والتي يحاول البعض إسباغ القداسة عليها بدعمها بالدين والشريعة الإسلامية والاقتداء بالسلف الصالح...الخ. وبذلك، فهناك شل لطاقات 50% من الشعب ومنعها من المشاركة في عملية البناء، وهذا عامل معوق للديمقراطية وتقدم المجتمع سياسياً وحضارياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً. فالمستوى الحضاري لأي مجتمع يقاس، إلى جانب معايير أخرى، بمكانة المرأة ونشاطها في مختلف المجالات.
سابعاً، أزمة أحزاب المعارضة
إن معظم أحزاب المعارضة تشكل الوجه الآخر للسلطات المستبدة في البلدان العربية، فهذه الأحزاب تطالب بالديمقراطية طالما هي في المعارضة، ولكن ما أن تستسلم الحكم حتى وتتنكر للديمقراطية وتواصل الاستبداد. كذلك، معظم هذه الأحزاب عبارة عن مِلكية "للقائد المؤسس" ولعائلته. وهذه الخاصية لم تسلم منها حتى الأحزاب الشيوعية في البلاد العربية، وعلى سبيل المثال لا الحصر عندما توفى زعيم الحزب الشيوعي السوري، خالد بكداش، انتقلت الزعامة إلى زوجته السيدة وصال فرحة، بمثل ما انتقلت زعامة حزب البعث السوري الحاكم بعد وفاة زعيمه حافظ الأسد، إلى نجله بشار الأسد.
وهذا التوريث في زعامة الحزب، أو الدولة، هو امتداد لتوارث زعامة العشيرة والقبيلة في أنظمة العلاقات الأبوية التي أشرنا إليها آنفاً. لذلك، فإن الشعوب العربية أمام محنة كما توضحها مقولة عن أزمة الديمقراطية في البلاد العربية مفادها: (أن الحكام المستبدين لا يمكن أن يدربوا شعوبهم على الديمقراطية، والشعوب المحكومة بالاستبداد لا يمكنها أن تنجب قادة ديمقراطيين، وهكذا نجد هذه الشعوب أمام حلقة مفرغة ومحنة حقيقية).
ثامناً، الصراعات بين قوى الثورة وتشرذمها
معظم الذين قاموا بالانتفاضات والثورات الشعبية الأخيرة في البلاد العربية هم من الشباب، أو ما أطلق عليهم بجيل الانترنت والفيسبوك والتويتر. وهؤلاء يشكلون نسبة كبيرة من الشعب، يريدون نظاماً ديمقراطياً يضمن لهم حياة حرة وكريمة، ومعظمهم غير مؤدلجين، ولكن مشكلتهم الكبرى أنهم غير منظمين في أحزاب أيضاً، أي أنهم لا ينتمون إلى أي حزب سياسي ويفتقرون إلى زعامة كارزماتية تقودهم وتوحدهم وتبلور أفكارهم في تنظيم سياسي ليحقق لهم أهدافهم المشتركة في بناء النظام الديمقراطي ودولة المؤسسات. لذلك، أرى أن تشرذم الطاقات الشبابية ليس في صالح الثورة الديمقراطية الوليدة، وأن الحل يكمن في تطوع مفكرين ديمقراطيين، وليبراليين، لبذل جهود كبيرة في توحيد هؤلاء الشباب وتنظيمهم في حزب أو أحزاب لسد الطريق على الأحزاب الإسلاموية التي تتمتع بوحدة التنظيم والخبرة والقدرة على المناورة واختطاف الثورة من أصحابها الشرعيين.
مشكلة أخرى في هذا السياق، أن قوى الثورة غير متجانسة، وتضم مكونات مختلفة ومتصارعة سياسياً وأيديولوجياً وقبلياً، لذلك هناك خطر نشوب الصراعات الدموية بين هذه القوى عندما يتم القضاء على العدو المشترك. وعلى سبيل المثال، مقتل اللواء عبد الفتاح يونس، قائد قوات المعارضة الليبية، والذي انشق عن نظام القذافي وانضم للثورة، وفي طريقه إلى بنغازي للرد على أسئلة حول عدم تحقيق المعارضة لأي تقدم في الميدان، تم اغتياله واثنين من مساعديه من قبل حمايته وفي ظروف غامضة. ويعتقد بعض المراقبين أن السبب هو المنافسة بين قادة الثورة، مما يشي إلى انقسامات قبلية وغير قبلية داخل المعارضة، إذ هناك تقارير تفيد أن جماعات الثورة الليبية غير متجانسة، والشيء الذي أبقاهم متحدين لحد الآن هو عداءهم وبغضهم للدكتاتور الليبي معمر القذافي وأعوانه، فما أن يسقط حتى وستنفجر الصراعات الدموية بين قوى الثورة نفسها، كما حصل في الصومال. ونفس الكلام ينطبق على الانتفاضات في اليمن وسوريا.
تاسعاً، الانفجار السكاني
وهذا العامل لا يقل خطورة عن الإسلام السياسي في تعويق الانتقال إلى الديمقراطية. الملاحظ أن عدد السكان في البلدان العربية يتضاعف كل ربع قرن، ففي أوائل القرن العشرين كان تعداد نفوس البلاد العربية في حدود 28 مليون نسمة، قفز هذا الرقم إلى ما يقارب 350 مليون نسمة اليوم، أي ازداد نحو 12 ضعفاً عما كان عليه أوائل القرن العشرين، وهو أعلى معدل إنجاب في العالم حسب دراسات عالمية موثقة. يقابل ذلك التردي في خصوبة التربة وازدياد الملوحة وشحة المياه واتساع التصحر والأزمة الخانقة في السكن.
إن معظم البلاد العربية غير قادرة على إنتاج ما تحتاجه شعوبها من غذاء، وتعاني من الأزمات الاقتصادية. وهناك علاقة وثيقة بين الاكتفاء الاقتصادي والاستقرار السياسي والتنمية البشرية والسلم الاجتماعي ونجاح النظام الديمقراطي. والإخلال بأي من هذه العوامل يخل بالعوامل الأخرى. هذه الشروط، لا يمكن تحقيقها إلا بإيجاد حل جذري لمشكلة الانفجار السكاني الذي يمثل بحد ذاته الدمار الشامل.
كذلك، من المؤكد أن الانفجار السكاني مع تردي الوضع الاقتصادي، يعمل على تفجير الألغام الخامدة في المجتمعات وذلك بإشعال الصراعات الدموية بين مكونات الشعب الواحد، الدينية والمذهبية والاثنية.
والحل الذي نقترحه هو تبني برنامج صارم لتنظيم الأسرة، وشن حملة تثقيفية واسعة لإقناع الناس بجدوى تحديد النسل، إذ من الصعوبة على أية حكومة، ديمقراطية أو مستبدة، توفير ملايين الوظائف سنوياً لملايين الخريجين وغيرهم من العاطلين عن العمل، ولذلك سيصاب الشباب بخيبة أمل في تحقيق الطموحات التي علقوها على ثورتهم.(5)
عاشراً، أتباع النظام المستبد
العقبة الأخرى التي تواجه الديمقراطية هي أن النظام المستبد الجائر اعتمد في حكمه لفترة طويلة على سياسة "فرق تسد" وخلق شريحة واسعة من المنتفعين، أحاط نفسه بهم، وأغدق عليهم بالمناصب والمسؤوليات والمال والجاه والامتيازات الأخرى، وربط مصيرهم به، إذ يعرف هؤلاء أنهم صاروا مكروهين ومنبوذين من قبل الشعب، واستمرارية امتيازاتهم وسلامتهم تتطلب الدفاع المستميت عن النظام المستبد، ولي نعمتهم، وإذا ما سقط فسيتعرضون للإبادة!. وقد لاحظنا ذلك في العراق خلال حكم البعث الصدامي، ودفاع فلوله عنه، ومن ثم إعلان حرب الإرهاب على عراق ما بعد صدام بذريعة "المقاومة الوطنية الشريفة" ضد الاحتلال و"حكومة المحاصصة الطائفية والفساد".
وما يؤكد قولنا أعلاه هو ما نلاحظه بعد كل مظاهرة شعبية احتجاجية ضد الأنظمة المستبدة في سوريا واليمن وليبيا، حيث تخرج عشرات الألوف في تظاهرات مؤيدة لتلك الأنظمة. فالرئيس اليمني، علي عبدالله صالح مازال راقداً في مستشفي سعودي، ولكن مع ذلك استطاع أتباعه التمسك بالسلطة بالقبضة الحديدية، أما ليبيا فإنها انقسمت إلى دولتين، واحدة في الغرب عاصمتها طرابلس بيد القذافي وعائلته وأتباعه، وأخرى في الشرق وعاصمتها بنغازي بيد الثوار. وهذا الانقسام يهدد بحرب أهلية، لذلك من المحتمل أن يتكرر السيناريو الصومالي في اليمن، وليبيا، وسوريا والبحرين.
الخلاصة والاستنتاج
تعاني الشعوب العربية من افتقارها للتقاليد الديمقراطية، ومن عدم وجود مؤسسات المجتمع المدني، وتفشي الفساد الإداري، والوساطات والمحسوبية في دوائر الدولة، إضافة إلى الإسلام السياسي والانفجار السكاني، والأزمة الاقتصادية والبطالة، والانقسامات الدينية، والمذهبية، والقبلية، والاختلافات السياسية والأيديولوجية. وهذه العوامل وغيرها كثير، تشكل عراقيل في طريق الانتقال من حكم الاستبداد إلى النظام الديمقراطي. وهذه الصعوبات تزداد مع درجة قسوة حكم الاستبداد المنهار ومدته. فالانتقال إلى الديمقراطية ليس سهلاً ولا سلساً، ولكن في نهاية المطاف لا بد وأن تنتصر الديمقراطية، إذ هكذا بدأت العملية في الشعوب الغربية التي سبقتنا في هذا المضمار، حيث بدأت بمصاعب جمة، ولكنها مع الزمن تغلبت عليها، إلى أن أصبحت الديمقراطية تقليداً وجزءً لا يتجزأ من ثقافاتها، والشعوب العربية ليست استثناءاً.
إن ما يجري في العالم العربي الآن هو ليس تحقيق الديمقراطية، بل بداية عملية شاقة وطويلة للانتقال إلى الديمقراطية. فالمهم أن رحلة الألف ميل قد بدأت بثورات الشباب المطالبين بالتغيير، وإقامة أنظمة ديمقراطية، ولا بد لها أن تنتصر.
عبدالخالق حسين
إن ما يشهده عالمنا العربي من انتفاضات وثورات شعبية، اجتاحت كل من تونس ومصر والأردن واليمن والبحرين وليبيا، وأخيراً سوريا... يشبه إلى حد كبير ما جرى في ثمانينات القرن الماضي في دول أوربا الشرقية (الاشتراكية سابقاً). والغرض من هذه الثورات والانتفاضات واحد في الحالتين، وهو التخلص من الأنظمة المستبدة المتحجرة وإقامة أنظمة ديمقراطية تحترم التعددية وحق الاختلاف والتداول السلمي للسلطة وحقوق الإنسان وحرية التعبير والتفكير، وحرية الفرد، وتشكيل منظمات المجتمع المدني..الخ. وقد نجحت شعوب أوربا الشرقية في نضالها، والآن تتمتع بأنظمة ديمقراطية لا تختلف كثيراً عن تلك التي في أوربا الغربية التي سبقتها في هذا المضمار لمئات السنين. لذلك، نعتقد أنه قد حان الوقت للشعوب العربية أن تلعب ذات الدور، ولا بد من أنها ستنتصر، فالتطور سنة الحياة.
ولكن الديمقراطية ليست بلا ثمن، ولم تتحقق بسرعة وبسهولة وسلاسة في أي بلد في العالم، بل ولدت عبر مخاض عسير وعمليات جراحية قيصرية. فالديمقراطية لا تولد متكاملة ولن تكتمل، بل هي صيرورة تراكمية تبدأ بحقوق بسيطة، بـ 10% ثم 20% وهكذا تنمو مع الزمن وعبر نضال الشعوب ووفق نمو وعيها بحقوقها وتطورها الحضاري. وتاريخ أوربا يؤكد صحة ما نقول.
كذلك، يجب التوكيد على أن الديمقراطية تنشأ في كل بلد بطريقة مختلفة، فظروف دول أوربا الشرقية تختلف عن ظروف البلاد العربية. ففي الأخيرة توجد معوقات كثيرة للديمقراطية لم تكن موجودة في غيرها من البلدان، مثل المنظومة الفكرية، والموروث الاجتماعي culture ، والصراعات بين مكونات شعوبها، الدينية والطائفية والأثنية. كذلك هناك الحركات الإسلامية والسلفية والأصولية الدينية الممانعة للعلمانية ودولة المواطنة التي هي شرط أساس لقيام النظام الديمقراطي الحقيقي. على أية حال ورغم هذه الاختلافات، هناك مقاربة وتشابه أيضاً، فالشعوب الأوربية التي سبقتنا في الديمقراطية، هي الأخرى مرت بصعوبات ومعاناة في مرحلة محاكم التفتيش وعصر النهضة والتنوير، فالانتقال إلى الديمقراطية لم يكن سهلاً ولا سلساً.
لقد ذكرنا في بحث سابق بعنوان (إشكالية الليبرالية في البلاد العربية)، أن الإنسان لا يبحث عن الديمقراطية والليبرالية وحرية التعبير...الخ إلا بعد إشباع حاجاته الأساسية (basic needs) مثل: الغذاء والشراب، للحفاظ على الحياة، وإشباع غريزة الجنس لاستمرارية النوع (species)، وتوفير المأوى للحماية من قسوة الطبيعة، وكذلك الأمان من المخاطر التي تهدد الحياة، كالعدوان، والحيوانات الضارية المفترسة، والأمراض. وعندما تتحقق له ما تقدم، تظهر له حاجات أخرى لتحسين وضعه، مثل التعليم والثقافة والتنمية البشرية، وتأتي بعدها وسائل الرفاهية لإشباع الحاجات الروحية مثل الفنون الجميلة والكماليات المادية. وأخيراً تأتي الديمقراطية والليبرالية وحرية الفرد لإشباع حاجات الإنسان في تأكيد ذاته وإطلاق طاقاته في الإبداع والإنتاج، واستقلال شخصيته وشعوره بأهميته في المجتمع.(1)
لذلك، نرى أن مطالبة الإنسان بالديمقراطية والليبرالية تأتي بعد تحقيق احتياجاته الأساسية. ويبدو أن الشعوب العربية قد اقتربت من هذه المرحلة، لا لأنها حققت الحدود الدنيا من إشباع الاحتياجات الأساسية فحسب، بل ولتنامي الوعي السياسي والاجتماعي لدى الجيل الجديد وذلك بفضل الثورة المعلوماتية والتقنية المتطورة في المواصلات والاتصالات، حيث الاحتكاك المتزايد بين الشعوب بسبب الهجرات الجماعية والسياحة المليونية والانترنت والفضائيات وغيرها من وسائل الاتصال التي حوَّلت العالم إلى قرية كونية صغيرة، ربطت بين مصالح الشعوب الاقتصادية والثقافية في منظومة العولمة وجعلتها متشابكة لا فكاك بينها، وساعدت في تعجيل تطور الوعي لدى الشباب، خاصة وإن 70% من نفوس المنطقة العربية هم دون 31 سنة من العمر، معظمهم من المتعلمين يعانون من مشاكل مشابهة مثل البطالة والأنظمة المستبدة المتحجرة، وتطلعهم إلى حياة أفضل.
فما هي هذه المعوقات؟
المعوقات التي تواجه عملية الانتقال للديمقراطية في العالم العربي كثيرة، نذكر منها ما يلي:
أولاً، منظومة القيم التقليدية الموروثة:
إن الثقافة العربية- الإسلامية السائدة لها جذور عميقة في المجتمعات العربية، وهي ضد الديمقراطية والليبرالية وحرية الفرد وحقوق المرأة. وهذه الظاهرة لم تأت من فراغ، بل هي وليدة الظروف الموضوعية والثقافة الموروثة (culture)، التي تمتد جذورها إلى البداوة في صحراء الجزيرة العربية. فالبداوة، كما وصفها المؤرخ البريطاني المعروف، أرنولد توينبي، بأنها "حضارة متجمدة " أي في سكون وركود، عصية على التطور والتغيير.
ومن أهم سمات الثقافة البدوية، هي العلاقات الأبوية (patriarchism) المتمثلة بسلطة الأب المطلقة في التحكم بأفراد أسرته، وحتى في قتلهم إذا شاء، مروراً بسلطة شيخ القبيلة في قبيلته، وصولاً إلى رئيس الدولة في سلطته المستبدة في حكم الشعب. فالدولة العربية هي صورة مكبرة من القبيلة. وكما تنتقل هذه السلطة وراثياً من شيخ القبيلة إلى أبنائه، كذلك الأمر في انتقال سلطة رئيس الدولة، بغض النظر عن كونه رئيساً أو ملكاً، فالدولة العربية هي امتداد للمشيخة القبلية، فهي سلطة مطلقة، وحتى الأنظمة الملكية في البلاد العربية مازالت ملكية مطلقة في معظمها.
والجدير بالذكر، أنه تم تكريس الاستبداد في البلاد العربية - الإسلامية عن طريق رجال الدين الذين سايروا الحكام المستبدين طلباً للسلامة والرزق، والذي أطلق عليهم عالم الاجتماعي العراقي الراحل الدكتور علي الوردي بـ(وعاظ السلاطين). فهؤلاء اختلقوا الكثير من أقوال أسندوها إلى النبي محمد في طاعة الحاكم حتى ولو كان مستبداً جائراً، فاستغلوا الآية القرآنية: "أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم" وفسروها بأن المقصود بأولي الأمر هو الحاكم حتى ولو كان مستبداً. لذلك انتحلوا أحاديث كثيرة، منها إدعاؤهم أن الرسول الكريم قال: "اسمع وأطع – يقصد الحاكم- وإن جلد ظهرك وأخذ مالك". والتاريخ حافل بالأحداث التي استجاب فيها رجال الدين للخلفاء والسلاطين في إصدار فتاوى لتبرير قرارات الحكام منذ الدولة الأموية وحتى نهاية الدولة العثمانية، حتى ولو كانت مخالفة للدين. وهؤلاء الشيوخ مازالوا يتمتعون بالسلطة الروحية في توجيه المجتمع العربي- الإسلامي كما يشاؤون، ووفق ما يريد منهم الحكام المستبدون. فمعظم فتاوى هؤلاء الوعاظ تتناقض مع الديمقراطية، خصوصاً في مواقفهم من المرأة والفنون الجميلة وحرية التعبير والتفكير وحرية الفرد وحق الاختلاف.
ولكن رغم هذه المعوقات، فإن الشعوب العربية ليست بمعزل عما يجري في العالم، فهي في حالة تماس مع العالم المتحضر المتجدد دوماً، وفي عملية الأخذ والعطاء، تؤثر وتتأثر بالحضارة الإنسانية التي ساهم العرب في بنائها بقسط وافر في مرحلة من مراحل التاريخ. فالثقافة العربية الراهنة هي مزيج من البداوة والحضارة الحديثة ولو بنسب مختلفة، ولكن الانتفاضات الشعبية الأخيرة أثبتت أن الشعوب العربية قد بلغت مرحلة تغليب كفة الحضارة على البداوة دون أن تتخلص من البداوة كلياً.
ثانياً، الإسلام السياسي
لعل هذا العامل يعد من أخطر المعوقات أمام الديمقراطية في العالم العربي. إن صعود مد الإسلام السياسي والتشدد الديني المتمثل في حزب الإخوان المسلمين وفروعه في البلاد العربية تحت مختلف الأسماء مثل: حماس في غزة والجزائر، والنهضة في تونس، والتحرير في دول أخرى... الخ، يشكل عائقاً كبيراً أمام الديمقراطية. والجدير بالذكر أن عقيدة الإخوان المسلمين مشتقة من العقيدة الوهابية المتشددة التي تؤمن بإلغاء الآخر وممارسة العنف باسم الجهاد في سبيل الله ضد من يخالفهم ويعارضهم في تحقيق غاياتهم النهائية وهي إقامة دولة الخلافة الإسلامية وتطبيق مبدأ (الحاكمية لله) على المدى البعيد. وانتعشت الأحزاب الإسلامية بانتعاش الثروات النفطية في الدول الخليجية، التي صرفت عشرات المليارات من الدولارات في دعم الإسلام السياسي، ونشر تعاليم العقيدة الوهابية المتشددة في البلاد العربية والعالم، مستفيدة من التطور السريع الذي حصل في تكنولوجية الاتصال والمواصلات في نشر التطرف الديني بين الشباب المسلم وعلى نطاق واسع، مستغلة ظروفهم المعيشية الصعبة، التي فشلت الأنظمة المستبدة في حلها، فرفعوا شعارهم "الإسلام هو الحل". إضافة إلى هجرة العمالة العربية المليونية من البلاد العربية الفقيرة إلى الدول الخليجية النفطية الغنية التي تعتنق الوهابية المتشددة، فعند عودتهم إلى بلدانهم نقلوا معهم التطرف الديني والحجاب والنقاب.
والمفارقة هنا، أن الأنظمة العربية المستبدة شكلت تحالفا غير معلن مع المؤسسات الدينية في اضطهاد أحزاب المعارضة العلمانية وشرائح المثقفين الديمقراطيين الليبراليين، ووضعت أمامها العراقيل لمنعها من نشر الأفكار التنويرية، بينما فسحت المجال أمام الإسلام السياسي لاستخدام المساجد والمدارس الدينية ووسائل الإعلام، بل وحتى الشوارع والساحات، لنشر تعاليمهم ومبادئهم السياسية والتطرف الديني، وتضييق الخناق على التنويريين واضطهادهم وتشريدهم، بل وحتى قتلهم.
وخطورة الإخوان المسلمين، خاصة في مصر، تكمن في كونه تنظيم عريق عمره 80 سنة وهو من أكثر الأحزاب السياسية خبرة ومالاً وتنظيماً ومعرفة بالمجتمع ومشاكله، ويعرف كيف يعزف على الوتر الديني الحساس لاستثمار مشاعر الناس الدينية لأغراضه السياسية، ويتكيف مع الأوضاع حسب الحاجة. فجماعة الإخوان يتحدثون بلسانين، وحسب ذهنية الجمهور الذي يخاطبونه. ففي بداية ثورة الشعب المصري في 25 يناير 2011، اتخذوا موقف المحايد ولم يشاركوا فيها إلا بعد تأكدهم من نجاحها، وعندها ساهموا فيها وبتحفظ شديد، فلم يرفعوا شعاراتهم المألوفة مثل (الإسلام هو الحل، والرسول قائدنا، والقرآن دستورنا)، بل ركبوا موجة المطالبة بتغيير النظام، وتحدثوا كثيراً عن الديمقراطية وحقوق الإنسان والحداثة وتأييدهم لها. ومن ثم دعوا الداعية الإسلامي، الشيخ يوسف القرضاوي، من قطر ليقيم فيهم الصلاة في ميدان التحرير في القاهرة، كمحاولة منهم لاختطاف الثورة من الشباب المصري، أصحابها الشرعيين الذين دفعوا أكثر من 800 شهيد وآلاف الجرحى.
ولما تم تعديل الدستور المصري والذي ما زال يحظر تأسيس الأحزاب على أسس دينية في المادة الخامسة التي تنص على أنه "لا تجوز مباشرة أي نشاط سياسي أو قيام أحزاب سياسية على أية مرجعية دينية أو أساس ديني"، أعلنت جماعة الإخوان المسلمين عن تأسيسها لحزب سياسي باسم «الحرية والعدالة»، وادعوا أن "الحزب سيكون مستقلا تماما عن الجماعة في كل شيء"(2). وهذا يكشف لنا مدى قدرة جماعة الإخوان على التكيف والمناورة والمراوغة وفق الظروف بمجرد التلاعب بالألفاظ ليتلاءم مع الدستور، ولو شكلياً. لكن في الواقع أن هذا الحزب "المدني" ولد من رحم جماعة الإخوان المسلمين، ويمتثل لأوامرها، الجماعة التي لم تغير أهدافها ولا حتى شعارها الذي يتضمن السيفين المتقاطعين، وتحتهما كلمة "وأعدوا"، في إشارة للآية القرآنية "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم"، أي الدعوة للعنف لإرهاب خصومهم السياسيين. فالجماعة لم تأخذ في الحسبان الظروف التاريخية قبل أكثر من 1400 سنة التي نزلت فيها هذه الآية، بل يريدون تطبيقها في ظروفنا الحالية في القرن الحادي والعشرين، وخارج سياقها التاريخي.
ولكن، في الوقت الذي يتحدث فيه الإخوان عن الديمقراطية و تأسيسهم "حزب مدني" باسم: (حزب الحرية والعدالة)، خرج علينا السيد وجدي غنيم، أحد قيادي الجماعة، ليقول لنا حقيقة موقفهم من الديمقراطية، دون لف أو دوران، في لقاء تلفزيوني أكد فيه تكفير الديمقراطية وأن الحكم لله وليس للشعب.(3)
ما نود تأكيده هنا، هو أن الإسلام السياسي في مصر، أو أي بلد عربي آخر، يشكل خطورة بالغة على الديمقراطية. إلا إنه في نفس الوقت لا ندعو إلى حظر الأحزاب ذات التوجهات الدينية، لأنها ستتخذ من هذا الحظر ذريعة لاستخدام العنف كما حصل في الجزائر عام 1992 بعد أن ألغت الحكومة الجزائرية نتائج الانتخابات البرلمانية التي أظهرت في شوطها الأول فوز المرشحين الإسلاميين، لا لأن الشعب الجزائري كان ميالاً إلى الإسلاميين، ولكن كتصويت احتجاج ضد تفشي الفساد الإداري وفشل الحكومة العلمانية العسكرية لحل المشاكل الاقتصادية المتفاقمة.
كذلك، نعتقد أن غالبية الناخبين العرب، ونتيجة للكوارث التي حصلت في بلدانهم بسبب العنف من قبل منظمة القاعدة الإرهابية، غيرت مواقفها من الأحزاب الإسلامية، إذ اكتشفوا مخاطر التصويت لمرشحي الإسلام السياسي، وعلى سبيل المثال لا الحصر، ففي الانتخابات البرلمانية الأخيرة في الأردن والكويت والجزائر، انحسرت نسبة الإسلاميين كثيراً إلى حد أنهم لم يشكلوا أي ثقل برلماني. كذلك الحال في الانتخابات التشريعية الباكستانية الأخيرة، حيث لم يحصل المرشحون الإسلاميون على أكثر من 11% من مجموع الأصوات. أما في مصر، فأغلب استطلاعات الرأي تشير إلى احتمال حصول لإسلاميين في الانتخابات القادمة على ما بين 20% إلى 25% من الأصوات.
ثالثاً، الصراعات والفتن الدينية والطائفية:
لا شك أن هذه الصراعات تهدد الديمقراطية في البلاد العربية، فهي عبارة عن ألغام موقوتة، ففي مصر مثلاً هناك فتن دينية بين الإسلاميين السلفيين وبين الأقباط المسيحيين، وكانت آخرها، (لحد كتابة هذه السطور)، الصدامات الدامية في حي «إمبابة» الشهير، الأمر الذي جعل وزير العدل المصري المستشار عبد العزيز الجندي، يقول «الأمة المصرية في خطر». وقد سبقتها صراعات دامية كثيرة خلال الثلاثين سنة الماضية بين أتباع الديانتين في مصر. كما وتصاعدت بعد ثورة 25 يناير نشاطات السلفيين الذين فرضوا سيطرتهم على بعض المساجد بالقوة، إضافة إلى تدميرهم لمراقد بعض الأولياء الصالحين.
كذلك موقف الحكومات العربية المزدوج من الانتفاضات في بعض البلاد العربية، وعلى سبيل المثال، ففي الوقت الذي دعمت فيه الجامعة العربية انتفاضة الشعب الليبي ضد نظام القذافي، وأيدت حلف الناتو لفرض الحظر الجوي على ليبيا، وهو موقف سليم، وقفت الجهات العربية ذاتها ضد انتفاضة الشعبي البحريني ووصفتها بالطائفية، وأيدت إرسال قوات من الدول الخليجية لقمعها. والجدير بالذكر أن مشايخ الوهابية أصدرت فتاوى لدعم حكم البعث الصدامي في العراق قبل 2003، واعتبرت الإطاحة به عدواناً على السنة العرب، وهو ليس كذلك، ولكنها في أيامنا هذه أصدرت هذه المشايخ ذاتها فتاوى ضد حكم البعث السوري واعتبرته كافراً لأن رئيسه من الطائفة العلوية، علماً بأن النظامين البعثيين، العراقي والسوري، شقيقان يتبنيان ذات الأيديولوجية.(4).
رابعاً، غياب منظمات المجتمع المدني:
تلعب منظمات المجتمع المدني دوراً مهماً في دعم الديمقراطية وذلك، بقيامها بدور الوسيط بين السلطة والشعب، وهي إلى جانب الصحافة وأحزاب المعارضة تقوم بمراقبة السلطة وتحاسبها على أخطائها. ولكن المشكلة هنا، أن الأنظمة المستبدة إما أن تقوم بإلغاء منظمات المجتمع المدني، أو تهيمن عليها هيمنة كاملة وتجعلها تابعة لأحزابها الحاكمة، وبذلك فهي تفقد أهميتها في هذه المرحلة، لأنها تصبح مجرد شبكات تجسس على الشعب، وتابعة لأجهزة السلطة الأمنية القمعية. لذلك، يجب العمل على تأسيس منظمات المجتمع المدني (NGO) خارج هيمنة السلطة، وفتح دورات تثقيفية مكثفة لرفع وعي الشعب وقادة هذه المنظمات بواجباتها وطريقة إدارتها ودورها في النظام الديمقراطي.
خامساً، تفشي الأمية والجهل
من المؤسف أن الأمية الأبجدية متفشية بنسبة عالية في البلاد العربية، إذ تبلغ نحو 40% بين الذكور، و60% بين الإناث، ناهيك عن النقص المريع في المعرفة، أي الأمية الثقافية. (راجع تقرير الأمم المتحدة لعاميْ 2002 و 2003 عن «التنمية البشرية في العالم العربي»). وهذه المشكلة تشكل عقبة أمام الديمقراطية، فالديمقراطية لا تعني الانتخابات فحسب، بل وحرية التعبير والتفكير والتنظيم والتظاهر وحق الاختلاف، ووعي المواطن بحقوقه على الدولة، وواجباته إزاءها، واحترامه للقوانين. لذلك، يمكن أن يستغل أعداء الديمقراطية تفشي الأمية والجهل بين شريحة واسعة من الناس، لبث الإشاعات بينهم، وتضليلهم ضد مصالحهم وتوجيههم ضد الديمقراطية والشعب، كما حصل في فتنة أمبابة الأخيرة في مصر، على سبيل المثال.
سادساً، اضطهاد المرأة:
المرأة تشكل 50% من المجتمع، ولكنها مضطهدة في البلاد العربية وحقوقها مهدورة، فهي توضع في مرتبة دون مرتبة الرجل بكثير نتيجة للمنظومة الفكرية والعادات والتقاليد الموروثة البالية، والتي يحاول البعض إسباغ القداسة عليها بدعمها بالدين والشريعة الإسلامية والاقتداء بالسلف الصالح...الخ. وبذلك، فهناك شل لطاقات 50% من الشعب ومنعها من المشاركة في عملية البناء، وهذا عامل معوق للديمقراطية وتقدم المجتمع سياسياً وحضارياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً. فالمستوى الحضاري لأي مجتمع يقاس، إلى جانب معايير أخرى، بمكانة المرأة ونشاطها في مختلف المجالات.
سابعاً، أزمة أحزاب المعارضة
إن معظم أحزاب المعارضة تشكل الوجه الآخر للسلطات المستبدة في البلدان العربية، فهذه الأحزاب تطالب بالديمقراطية طالما هي في المعارضة، ولكن ما أن تستسلم الحكم حتى وتتنكر للديمقراطية وتواصل الاستبداد. كذلك، معظم هذه الأحزاب عبارة عن مِلكية "للقائد المؤسس" ولعائلته. وهذه الخاصية لم تسلم منها حتى الأحزاب الشيوعية في البلاد العربية، وعلى سبيل المثال لا الحصر عندما توفى زعيم الحزب الشيوعي السوري، خالد بكداش، انتقلت الزعامة إلى زوجته السيدة وصال فرحة، بمثل ما انتقلت زعامة حزب البعث السوري الحاكم بعد وفاة زعيمه حافظ الأسد، إلى نجله بشار الأسد.
وهذا التوريث في زعامة الحزب، أو الدولة، هو امتداد لتوارث زعامة العشيرة والقبيلة في أنظمة العلاقات الأبوية التي أشرنا إليها آنفاً. لذلك، فإن الشعوب العربية أمام محنة كما توضحها مقولة عن أزمة الديمقراطية في البلاد العربية مفادها: (أن الحكام المستبدين لا يمكن أن يدربوا شعوبهم على الديمقراطية، والشعوب المحكومة بالاستبداد لا يمكنها أن تنجب قادة ديمقراطيين، وهكذا نجد هذه الشعوب أمام حلقة مفرغة ومحنة حقيقية).
ثامناً، الصراعات بين قوى الثورة وتشرذمها
معظم الذين قاموا بالانتفاضات والثورات الشعبية الأخيرة في البلاد العربية هم من الشباب، أو ما أطلق عليهم بجيل الانترنت والفيسبوك والتويتر. وهؤلاء يشكلون نسبة كبيرة من الشعب، يريدون نظاماً ديمقراطياً يضمن لهم حياة حرة وكريمة، ومعظمهم غير مؤدلجين، ولكن مشكلتهم الكبرى أنهم غير منظمين في أحزاب أيضاً، أي أنهم لا ينتمون إلى أي حزب سياسي ويفتقرون إلى زعامة كارزماتية تقودهم وتوحدهم وتبلور أفكارهم في تنظيم سياسي ليحقق لهم أهدافهم المشتركة في بناء النظام الديمقراطي ودولة المؤسسات. لذلك، أرى أن تشرذم الطاقات الشبابية ليس في صالح الثورة الديمقراطية الوليدة، وأن الحل يكمن في تطوع مفكرين ديمقراطيين، وليبراليين، لبذل جهود كبيرة في توحيد هؤلاء الشباب وتنظيمهم في حزب أو أحزاب لسد الطريق على الأحزاب الإسلاموية التي تتمتع بوحدة التنظيم والخبرة والقدرة على المناورة واختطاف الثورة من أصحابها الشرعيين.
مشكلة أخرى في هذا السياق، أن قوى الثورة غير متجانسة، وتضم مكونات مختلفة ومتصارعة سياسياً وأيديولوجياً وقبلياً، لذلك هناك خطر نشوب الصراعات الدموية بين هذه القوى عندما يتم القضاء على العدو المشترك. وعلى سبيل المثال، مقتل اللواء عبد الفتاح يونس، قائد قوات المعارضة الليبية، والذي انشق عن نظام القذافي وانضم للثورة، وفي طريقه إلى بنغازي للرد على أسئلة حول عدم تحقيق المعارضة لأي تقدم في الميدان، تم اغتياله واثنين من مساعديه من قبل حمايته وفي ظروف غامضة. ويعتقد بعض المراقبين أن السبب هو المنافسة بين قادة الثورة، مما يشي إلى انقسامات قبلية وغير قبلية داخل المعارضة، إذ هناك تقارير تفيد أن جماعات الثورة الليبية غير متجانسة، والشيء الذي أبقاهم متحدين لحد الآن هو عداءهم وبغضهم للدكتاتور الليبي معمر القذافي وأعوانه، فما أن يسقط حتى وستنفجر الصراعات الدموية بين قوى الثورة نفسها، كما حصل في الصومال. ونفس الكلام ينطبق على الانتفاضات في اليمن وسوريا.
تاسعاً، الانفجار السكاني
وهذا العامل لا يقل خطورة عن الإسلام السياسي في تعويق الانتقال إلى الديمقراطية. الملاحظ أن عدد السكان في البلدان العربية يتضاعف كل ربع قرن، ففي أوائل القرن العشرين كان تعداد نفوس البلاد العربية في حدود 28 مليون نسمة، قفز هذا الرقم إلى ما يقارب 350 مليون نسمة اليوم، أي ازداد نحو 12 ضعفاً عما كان عليه أوائل القرن العشرين، وهو أعلى معدل إنجاب في العالم حسب دراسات عالمية موثقة. يقابل ذلك التردي في خصوبة التربة وازدياد الملوحة وشحة المياه واتساع التصحر والأزمة الخانقة في السكن.
إن معظم البلاد العربية غير قادرة على إنتاج ما تحتاجه شعوبها من غذاء، وتعاني من الأزمات الاقتصادية. وهناك علاقة وثيقة بين الاكتفاء الاقتصادي والاستقرار السياسي والتنمية البشرية والسلم الاجتماعي ونجاح النظام الديمقراطي. والإخلال بأي من هذه العوامل يخل بالعوامل الأخرى. هذه الشروط، لا يمكن تحقيقها إلا بإيجاد حل جذري لمشكلة الانفجار السكاني الذي يمثل بحد ذاته الدمار الشامل.
كذلك، من المؤكد أن الانفجار السكاني مع تردي الوضع الاقتصادي، يعمل على تفجير الألغام الخامدة في المجتمعات وذلك بإشعال الصراعات الدموية بين مكونات الشعب الواحد، الدينية والمذهبية والاثنية.
والحل الذي نقترحه هو تبني برنامج صارم لتنظيم الأسرة، وشن حملة تثقيفية واسعة لإقناع الناس بجدوى تحديد النسل، إذ من الصعوبة على أية حكومة، ديمقراطية أو مستبدة، توفير ملايين الوظائف سنوياً لملايين الخريجين وغيرهم من العاطلين عن العمل، ولذلك سيصاب الشباب بخيبة أمل في تحقيق الطموحات التي علقوها على ثورتهم.(5)
عاشراً، أتباع النظام المستبد
العقبة الأخرى التي تواجه الديمقراطية هي أن النظام المستبد الجائر اعتمد في حكمه لفترة طويلة على سياسة "فرق تسد" وخلق شريحة واسعة من المنتفعين، أحاط نفسه بهم، وأغدق عليهم بالمناصب والمسؤوليات والمال والجاه والامتيازات الأخرى، وربط مصيرهم به، إذ يعرف هؤلاء أنهم صاروا مكروهين ومنبوذين من قبل الشعب، واستمرارية امتيازاتهم وسلامتهم تتطلب الدفاع المستميت عن النظام المستبد، ولي نعمتهم، وإذا ما سقط فسيتعرضون للإبادة!. وقد لاحظنا ذلك في العراق خلال حكم البعث الصدامي، ودفاع فلوله عنه، ومن ثم إعلان حرب الإرهاب على عراق ما بعد صدام بذريعة "المقاومة الوطنية الشريفة" ضد الاحتلال و"حكومة المحاصصة الطائفية والفساد".
وما يؤكد قولنا أعلاه هو ما نلاحظه بعد كل مظاهرة شعبية احتجاجية ضد الأنظمة المستبدة في سوريا واليمن وليبيا، حيث تخرج عشرات الألوف في تظاهرات مؤيدة لتلك الأنظمة. فالرئيس اليمني، علي عبدالله صالح مازال راقداً في مستشفي سعودي، ولكن مع ذلك استطاع أتباعه التمسك بالسلطة بالقبضة الحديدية، أما ليبيا فإنها انقسمت إلى دولتين، واحدة في الغرب عاصمتها طرابلس بيد القذافي وعائلته وأتباعه، وأخرى في الشرق وعاصمتها بنغازي بيد الثوار. وهذا الانقسام يهدد بحرب أهلية، لذلك من المحتمل أن يتكرر السيناريو الصومالي في اليمن، وليبيا، وسوريا والبحرين.
الخلاصة والاستنتاج
تعاني الشعوب العربية من افتقارها للتقاليد الديمقراطية، ومن عدم وجود مؤسسات المجتمع المدني، وتفشي الفساد الإداري، والوساطات والمحسوبية في دوائر الدولة، إضافة إلى الإسلام السياسي والانفجار السكاني، والأزمة الاقتصادية والبطالة، والانقسامات الدينية، والمذهبية، والقبلية، والاختلافات السياسية والأيديولوجية. وهذه العوامل وغيرها كثير، تشكل عراقيل في طريق الانتقال من حكم الاستبداد إلى النظام الديمقراطي. وهذه الصعوبات تزداد مع درجة قسوة حكم الاستبداد المنهار ومدته. فالانتقال إلى الديمقراطية ليس سهلاً ولا سلساً، ولكن في نهاية المطاف لا بد وأن تنتصر الديمقراطية، إذ هكذا بدأت العملية في الشعوب الغربية التي سبقتنا في هذا المضمار، حيث بدأت بمصاعب جمة، ولكنها مع الزمن تغلبت عليها، إلى أن أصبحت الديمقراطية تقليداً وجزءً لا يتجزأ من ثقافاتها، والشعوب العربية ليست استثناءاً.
إن ما يجري في العالم العربي الآن هو ليس تحقيق الديمقراطية، بل بداية عملية شاقة وطويلة للانتقال إلى الديمقراطية. فالمهم أن رحلة الألف ميل قد بدأت بثورات الشباب المطالبين بالتغيير، وإقامة أنظمة ديمقراطية، ولا بد لها أن تنتصر.
الجمعة، 29 يوليو 2011
رسالة الزعيم نيلسون مانديلا إلى ثوار تونس ومصر..عن مجموعة حمورابي
رسالة الزعيم نيلسون مانديلا إلى ثوار تونس ومصر..استحضروا قول
نبيكم:اذهبوا فأنتم الطلقاء
إخوتي في تونس ومصر
أعتذر أولا عن الخوض في شؤونكم الخاصة، وسامحوني إن كنت دسست أنفي فيما
لا ينبغي التقحم فيه.
لكني أحسست أن واجب النصح أولا.
والوفاء ثانيا لما أوليتمونا إياه من مساندة أيام قراع الفصل العنصري
يحتمان علي رد الجميل وإن بإبداء رأي محّصته التجارب وعجمتْه الأيامُ
وأنضجته السجون.
أحبتي ثوار العرب.
لا زلت أذكر ذلك اليوم بوضوح. كان يوما مشمسا من أيام كيب تاون. خرجت من
السجن بعد أن سلخت بين جدرانه عشرة آلاف عام.
خرجت إلى الدنيا بعد وُورِيتُ عنها سبعا وعشرين حِجةً لأني حلمت أن أرى
بلادي خالية من الظلم والقهر والاستبداد
ورغم أن اللحظة أمام سجن فكتور فستر كانت كثيفة على المستوى الشخصي إذ
سأرى وجوه أطفالي وأمهم بعد كل هذا الزمن، إلا أن السؤال الذي ملأ جوانحي
حينها هو:
كيف سنتعامل مع إرث الظلم لنقيم مكانه عدلا؟
أكاد أحس أن هذا السؤال هو ما يقلقكم اليوم. لقد خرجتم لتوكم من سجنكم الكبير
وهو سؤال قد تحُدّد الإجابة عليه طبيعة الاتجاه الذي ستنتهي إليه ثوراتك م.
إن إقامة العدل أصعب بكثير من هدم الظلم.
فالهدم فعل سلبي والبناء فعل إيجابي.
أو على لغة أحد مفكريكم – حسن الترابي- فإن إحقاق الحق أصعب بكثير من إبطال الباطل
أنا لا أتحدث العربية للأسف، لكن ما أفهمه من الترجمات التي تصلني عن
تفاصيل الجدل السياسي اليومي في مصر وتونس تشي بأن معظم الوقت هناك مهدر
في سب وشتم كل من كانت له صلة تعاون مع النظامين البائدين وكأن الثورة لا
يمكن أن تكتمل إلا بالتشفي والإقصاء، كما يبدو لي أن الاتجاه العام عندكم
يميل إلى استثناء وتبكيت كل من كانت له صلة قريبة أو بعيدة بالأنظمة
السابقة.
ذاك أمر خاطئ في نظري.
أنا أتفهم الأسى الذي يعتصر قلوبكم وأعرف أن مرارات الظلم ماثلة، إلا
أنني أرى أن استهداف هذا القطاع الواسع من مجتمعكم قد يسبب للثورة متاعب
خطيرة، فمؤيدو النظام السابق كانوا يسيطرون على المال العام وعلى مفاصل
الأمن والدولة وعلاقات البلد مع الخارج. فاستهدافهم قد يدفعهم إلى أن
يكون إجهاض الثورة أهم هدف لهم في هذه المرحلة التي تتميز عادة بالهشاشة
الأمينة وغياب التوازن. أنتم في غنى عن ذلك، أحبتي.
إن أنصار النظام السابق ممسك ون بمعظم المؤسسات الاقتصادية التي قد يشكل
استهدافها أو غيابها أو تحييدها كارثة اقتصادية أو عدم توازن أنتم في غنى
عنه الآن
عليكم أن تتذكروا أن أتباع النظام السابق في النهاية مواطنون ينتمون لهذا
البلد، فاحتواؤهم ومسامحتهم هي أكبر هدية للبلاد في هذه المرحلة، ثم إنه
لا يمكن جمعهم ورميهم في البحر أو تحييدهم نهائيا ثم إن لهم الحق في
التعبير عن أنفسهم وهو حق ينبغي أن يكون احترامه من أبجديات ما بعد
الثورة.
أعلم أن مما يزعجكم أن تروا ذات الوجوه التي كانت تنافق للنظام السابق
تتحدث اليوم ممجدة الثورة، لكن الأسلم أن لا تواجهوهم بالتبكيت إذا مجدوا
الثورة، بل شجعوهم على ذلك حتى تحيدوهم وثقوا أن المجتمع في النهاية لن
ينتخب إلا من ساهم في ميلاد حريته
إن النظر إلى المستقبل والتعامل معه بواقعية أهم بكثير من الوقوف عند
تفاصيل الماضي المرير.
أذكر جيدا أني عندما خرجت من السجن كان أكبر تحد واجهني هو أن قطاعا
واسعا من السود كانوا يريدون أن يحاكموا كل من كانت له صلة بالنظام
السابق،
لكنني وقفت دون ذلك وبرهنت الأيام أن هذا كان الخيار الأم ثل ولولاه
لانجرفت جنوب إفريقيا إما إلى الحرب الأهلية أو إلى الديكتاتورية من
جديد. لذلك شكلت “لجنة الحقيقة والمصالحة” التي جلس فيها المعتدي
والمعتدى عليه وتصارحا وسامح كل منهما الآخر.
إنها سياسة مرة لكنها ناجعة
أرى أنكم بهذه الطريقة– وأنتم أدرى في النهاية- سترسلون رسائل اطمئنان
إلى المجتمع الملتف حول الديكتاتوريات الأخرى أن لا خوف على مستقبلهم في
ظل الديمقراطية والثورة، مما قد يجعل الكثير من المنتفعين يميلون إلى
التغيير، كما قد تحجمون خوف وهلع الدكتاتوريات القائمه من طبيعة وحجم ما
ينتظرها.
تخيلوا أننا في جنوب إفريقيا ركزنا –كما تمنى الكثيرون- على السخرية من
البيض وتبكيتهم واستثنائهم وتقليم أظافرهم؟ لو حصل ذلك لما كانت قصة جنوب
إفريقيا واحدة من أروع القصص النجاح الإنساني اليوم.
أتمنى أن تستحضروا قولة نبيكم: “اذهبوا فأنتم الطلقاء”
نلسون روهلالا ماندلا
هوانتون –جوهانزبيرغ
إيمان أكرم البياتي تحصد المركز الثالث في ملتقى القصة القصيرة القطري الأول في صلاح الدين
إيمان أكرم البياتي تحصد المركز الثالث في ملتقى القصة القصيرة القطري الأول في صلاح الدين
حصلت القاصة العراقية الشابة إيمان أكرم البياتي على المركز الثالث في مسابقة القصة القصيرة في ملتقى القصة القصيرة الأول الذي انعقد في محافظة صلاح الدين في قصر الثقافة والفنون في تكريت يوم الـ 25 من شهر تموز 2011 بحضور عدد من الشخصيات الهامة والكتاب والمثقفين العراقيين، وقد شارك في المسابقة 27 قاصا عراقياً من مختلف المحافظات العراقية.
وبذلك تكون الجائزة هي الثانية لإيمان البياتي خلال شهر واحد بعد أن حصلت في 2 تموز على الجائزة الأولى في مسابقة القصة القصيرة التي نظمتها شبكة أنباء العراق في بغداد.
يذكر أن للقاصة مجموعة قصصية مطبوعة تحمل أسم (سمراء بغداد) صدرت مطلع العام 2011 عن دار فضاءات الأردنية للنشر والتوزيع.
التمييز والتمييز العنصري في العراق-عماد رسن
التمييز والتمييز العنصري في العراق
إن مشاكل العراق ثقافية أكثر منها سياسية. دعوني في البدأ احدد ماذا أعني بالثقافية. أقصد بالثقافية, حسب مايعرفه علماء الاجتماع والانثروبولوجيا, هو كل الموروث الثقافي الذي يتقاسمه شعب ما, ويتفق عليه إلى حد كبير, ويضم التراث الديني والعادات والتقاليد والقيم والمعايير الخلقية والمواقف تجاه كل شيء. بالنسبة للتراث الديني هو يضم كل ماهو مكتوب وغير مكتوب من أفكار ورموز وتشريعات وقيم ترسخت لتصبح سلوك يومي لدى الأفراد. أما العادات والتقاليد فهي الأعراف والفلكلور التي تتداولها المجموعات من خلال قوانين عرفية أو أمثلة شعبية تنعكس على سلوكيات هؤلاء الأفراد.
كل هذا الخزين يشكل وعي الأفراد فيعطيهم أخلاقهم وسلوكياتهم اليومية من خلال تشكيل طريقة تفكيرهم. أضافة إلى ذلك يرتب لهم المواضيع حسب الأهمية والأولوية في تقييماتهم ومواقفهم تجاه أنفسهم, تجاه الآخر, تجاه العلم, تجاه القانون, تجاه الدين وتجاه كل شيء يكون شغل شاغل لتلك الشعوب. يمكن إختصار الثقافة بأنها تعطي الفرد أخلاقه وتحدد سلوكياته وتصنع له طريقة تفكيره. حسب العلماء هناك أتجاهين في تعريف الثقافة, فمنهم من يقول إنها جوهرية أساسية ولايمكن تغييرها, ومنهم من يقول إنها بنائية تخضع لعوامل الزمن في التغيير أو التحول نحو الأفضل أو الأسوء. لكن هذا ليس في صللب موضوعنا.
قبل يومين دار نقاش بيني وبين أحد الأخوان في أمور السياسة والفساد وسرقة أموال الدولة. تحول النقاش إلى وضع المجموعات والمناطق التي تعيش فيها تلك المجموعات. أحتدم النقاش وأفرز صاحبي بما في جوفه حين قال لي (ان نصف أهالي مدينة الثورة "مدينة الصدر حاليا ً" هم من الحرامية والسراق). حينها عرفت من أي منطقة هو في بغداد, وقلت له ماذنب أجيال تعيش على الفقر هاربة من ظلم وتسلط الإقطاع في جنوب العراق إلى ظلم وتسلط الحكومات المتعاقبة التي كانت تسرق أموال الشعب العراقي. غضبت, ولكن ورغم غضبي لم أستغرب من كلامه وعذرته على مايقوله, فهذا الشيء شائع في العراق وخاصة من قبل مناطق محددة تجاه مناطق أخرى. وأعتقد ليس في العراق فحسب بل أغلب الدول العربية.
إذن هو التمييز على أساس المنطقة والعرق والدين والطائفة, أضافة للتمييز على مستوى الجنس والعمر والوزن واللون والطول والتعليم وحدث ولاحرج. فلازلنا كشعوب عربية, والعراق بالتحديد, نتميز بأكثر أنواع التمييز بدائية وهو التمييز على أساس العرق والدين الذي تجاوزته ثقافات وشعوب كثيرة.
لم يكن التمييز في العراق جديدا ً فهو قديم ومترسخ في المؤسسات الدينية والثقافية والسياسية. فالعشائر العراقية تميز الشخص على أساس الحسب والنسب ولاتقبل ببعض الأشخاص كطالبي زواج أذا كانوا من من مناطق أو عشائر أو مهن معينة وذلك لأنها تنظر اليهم نظرة دونية. أما تمييز أصحاب البشرة السوداء فهو واضح ولايحتاج لدليل, كذلك التمييز ضد الغجر بعتبارهم قوم منبوذين لاأصل لهم يمتهنون مهن غير شريفة. أما قضية عرب وأكراد فحدث ولاحرج. فالعربي يطلق النكات التي تسخر من الكردي ورد عليه الكرد ي بنكات مثلها. ولا يزوج الشخص أذا كان كرديا ً من الكثير من العوائل والعشائر ووصلت إلى أن أحد المراجع القدماء أدعى أن أصل الكرد من الجن فلايجوز تزويجهم. وفي طريقي للسليمانية تعرفت على أحد الركاب الذي كان شابا ً متنورا ً فقال لي أن أخيه البروفسور في الطب رفض طلبه من الزواج بعربية لأنه كان يحمل شعورا ً قوميا ً. فأي نخب يحمل وطننا بين طياته. بالتأكيد هذا لاينطبق على الكل فهناك من هو متزوج من كردية والعكس أيضا ً, لكنه في نفس الوقت التمييز شيء شائع في العراق. وفي أحيان كثيرة يتباها به الفرد بلا خجل.
في السياسية كان النظام السابق يحتكر السلطة في عشائر محددة ومناطق محددة أيضا ً. وكانت النظرة إلى أهل الجنوب نظرة دونية لأنهم كما يُقال (شروكية). وكلمة شروكية تُطلق أيضا ً على أهالي تكريت وسامراء من قبل أهالي الموصل في الشمال من تلك المناطق. وفي نهاياته أختصرها النظام السابق في عشيرة واحدة ومنطقة واحدة, وأصبح العراق كله في نظره شروكية. أما الآن فتُختصر المناصب السيادية على أبناء الفرات الأوسط من شيعة العراق. فأنظر للوزارات ورئاسات الأحزاب والبرلمان ورئاسة الوزراء وهكذا دواليك. فلازال يُنظر إلى أبناء الجنوب العراق وبعض مناطق بغداد نظرة دونية. بل يصل الأمر إلى تقسيم الحوزات. فهناك الحوزة الناطقة كما يسمونها التي تمثل غالبية أهالي الجنوب وترتبط بالطبقة الفقيرة العاملة, وهناك الحوزة الصامتة كما يسمونها وهي ترتبط بالكثير من البرجوازيين والتجار والطبقة الغنية الأسترقراطية. وكان هذا واضحا ً في المواقف المعلنة وغير المعلنة من قبل النخب العراقية وفي جميع المستويات وذلك في المعارك التي دارت في النجف بين القوات الأمريكية و جيش المهدي.
لقد مر العراق في الكثير من المشاكل التي رسخت هذا التمييز من الماضي حتى الوقت الحاضر وساهمت الحكومات المتعاقبة في ترسيخ وزيادة هذا التمييز, كما فعل النظام السابق في تمييز الضباط وإعطائهم أمتازات جعلت منهم أغنياء, وكما قام بتدمير الطبقة الوسطى من نسيج المجتمع العراقي أيضا ً من خلال أهمال الكفائات وتحويل العراق إلى طبقة أغنياء وفقراء. أما الحكومات الحالية بعد السقوط التي تميز بين شيعي وسني في توزيع الوظائف وتقسيم المناصب السياسية. وأصبح هناك عراقيوا الخارج والداخل, والمهجرين والحواسم الذين يسكنون العشوائيات. وزاد هذا التمييز لترتكز الثروة في أيادي ثلة قليلة من السراق جاعلة منهم أغنياء يجولون في سياراتهم الفارهة شوارع بغداد ويصطافون في الدول الغربية وغيرها, تاركين المواطن العراقي يرزح تحت خط الفقر ويعم بين صفوفهم الجهل والأمية. فإذا سرق تكالبوا عليه وقدموه للمحاكمة بتهمة سرقة أموال الشعب. وهم يلبسون الأربطة ويحملون الشهادات ويسرقون بشكل قانوني كرواتب ضخمة أو بشكل غير قانوني من خلال صفقات مشبوهة.
أذن, مشكلة العراق ليست سياسية فحسب, بل هي ثقافية راسخة في جذورنا وسلوكنا وأخلاقياتنا. وهذا يتطلب مجهود وعمل ثقافي يتحمل عبئه المثقفون والعلماء العراقيون وليس السياسيون فحسب. بل يتحمله بشكل كبير رجال الدين الذين يخطبون ولهم سطوة هذه الأيام. فلابد من مشروع جاد يقوده مثقفون عراقييون يدعو للمساوات بين أفراد الشعب العراقي على أساس العرق والجنس والمنطقة. لابد للمثقفين العراقيين من وقفة واضحة وتنسيق مشترك من خلال الجامعات مراكز البحوث ووسائل الأعلام وباقي الطرق كالكتابة والفن وباقي صنوف الثقافة لصياغة ثقافة جديدة يعيش فيها الضعيف بلا تمييز. فالكثير من المشاكل التي نعيشها الآن يرجع أصلها للتميز والنظرة الدونية لللآخر. يقول القرآن الكريم (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى, وجعلناكم شعوب وقبائل لتعارفوا, إن أكرمكم عند الله أتقاكم, إن الله عليم خبير).
عماد رسن
التمييز والتمييز العنصري في العراق
الثلاثاء، 26 يوليو 2011
محمد مهدي الجواهري -اختيار المهندس جاسم الشمري
محمد مهدي الجواهري ولد في ( 26 يوليو 1899)وتوفي في ( 1 يناير 1997) شاعر العرب الأكبر(متنبي العصر)، وهو من العراق ولد في النجف، كان أبوه عبد الحسين عالماً من علماء النجف، أراد لابنه أن يكون عالماً دينيا، لذلك ألبسه عباءة العلماء وعمامتهم وهو في سن العاشرة. ترجع اصول الجواهري إلى عائلة عربية نجفية عريقة، نزلت النجف الأشرف منذ القرن الحادي عشر الهجري، وكان أفرادها يلقبون ب"النجفي" واكتسبت لقبها الحالي "الجواهري" نسبة إلى كتاب فقهي قيم ألفه أحد أجداد الأسرة وهو الشيخ محمد حسن النجفي، وأسماه "جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام " ويضم44 مجلداً، لقب بعده ب"صاحب الجواهر"،ولقبت أسرته ب"آل الجواهري" ومنه جاء لقب الجواهري. قرأ القرآن وهو في سن مبكرة ثم أرسله والده إلى مُدرّسين كبار ليعلموه الكتابة والقراءة والنحو والصرف والبلاغة والفقه. وخطط له والده وآخرون أن يحفظ في كل يوم خطبة من نهج البلاغة وقصيدة من ديوان أبو الطيب المتنبي.
نظم الشعر في سن مبكرة وأظهر ميلاً منذ الطفولة إلى الأدب فأخذ يقرأ في كتاب البيان والتبيين ومقدمة ابن خلدون ودواوين الشعر ، كان في أول حياته يرتدي لباس رجال الدين، واشترك في ثورة العشرين عام 1920 ضد السلطات البريطانية.
صدر له ديوان "بين الشعور والعاطفة" عام (1928). وكانت مجموعته الشعرية الأولى قد أعدت منذ عام (1924) لتُنشر تحت عنوان "خواطر الشعر في الحب والوطن والمديح". ثم اشتغل مدة قصيرة في بلاط الملك فيصل الأول عندما تُوج ملكاً على العراق وكان لا يزال يرتدي العمامة، ثم ترك العمامة كما ترك الاشتغال في البلاط الفيصلي وراح يعمل بالصحافة بعد أن غادر النجف إلى بغداد، فأصدر مجموعة من الصحف منها جريدة (الفرات) وجريدة (الانقلاب) ثم جريدة (الرأي العام) وانتخب عدة مرات رئيساً لاتحاد الأدباء العراقيين.
استقال من البلاط سنة 1930، ليصدر جريدته (الفرات) ثم ألغت الحكومة امتيازها وحاول أن يعيد إصدارها ولكن بدون جدوى، فبقي بدون عمل إلى أن عُيِّنَ معلماً في أواخر سنة 1931 في مدرسة المأمونية، ثم نقل إلى ديوان الوزارة رئيساً لديوان التحرير، ومن ثم نقل إلى ثانوية البصرة، لينقل بعدها لإحدى مدارس الحلة. في أواخر عام 1936 أصدر جريدة (الانقلاب) إثر الانقلاب العسكري الذي قاده بكر صدقي لكنه سرعان مابدأ برفض التوجهات الياسية للانقلاب فحكم عليه بالسجن ثلاثة أشهر وبإيقاف الجريدة عن الصدور شهراً.
بعد سقوط حكومة الانقلاب غير اسم الجريدة إلى (الرأي العام)، ولم يتح لها مواصلة الصدور، فعطلت أكثر من مرة بسبب ما كان يكتب فيها من مقالات ناقدة للسياسات المتعاقبة. كان موقفه من حركة مايس 1941 سلبياً لتعاطفها مع ألمانيا النازية، وللتخلص من الضغوط التي واجهها لتغيير موقفه، غادر العراق مع من غادر إلى إيران، ثم عاد إلى العراق في العام نفسه ليستأنف إصدار جريدته (الرأي العام). أنتخب نائباً في مجلس النواب العراقي نهاية عام1947 ولكنه استقال من عضويته فيه في نهاية كانون الثاني 1948 احتجاجاً على معاهدة بورتسموث مع بريطانيا العظمى، واستنكاراً للقمع الدموي للوثبة الشعبية التي اندلعت ضد المعاهدة واستطاعت إسقاطها. بعد تقديمه الاستقالة علم بإصابة أخيه الأصغر بطلق ناري في مظاهرة الجسر الشهيرة، الذي توفى بعد عدة أيام متأثراً بجراحه، فرثاه في قصيدتين "أخي جعفر" و"يوم الشهيد"،اللتان تعتبران من قمم الشعر الوطني التحريضي.
شارك في عام 1949 في مؤتمر " أنصار السلام" العالمي، الذي انعقد في بولونيا، وكان الشخصية العربية الوحيدة الممثلة فيه، بعد اعتذار الدكتور طه حسين عن المشاركة.
شارك في تأبين العقيد عدنان المالكي في دمشق عام 1956 وألقى قصيدته الشهيرة، التي كان مطلعها:"خلفت خاشية الخنوع ورائي وجئت أقبس جمرة الشهداء"ومنح في إثرها اللجوء السياسي في سوريا. عاد إلى العراق في صيف عام 1957 حيث استدعي حال عودته ألى مديرية التحقيقات الجنائية حيث وجهت له تهمة المشاركة في التخطيط لمؤامرة لقلب النظام الحاكم في العراق، فرد عليهم مستهزءاً: ولماذا اشترك مع الآخرين وأنا استطيع قلب النظام بلساني وشعري" وأطلق سراحه بعد ساعات.
كان من المؤيدين المتحمسين لثورة 14 تموز 1958 وقيام الجمهورية العراقية ولقب ب"شاعر الجمهورية" وكان في السنتين الأوليتين من عمر الجمهورية من المقربين لرئيس الوزراء عبد الكريم قاسم، ولكن إنقلبت هذه العلاقة فيما بعد إلى تصادم وقطيعة، واجه الجواهري خلالها مضايقات مختلفة، فغادر العراق عام 1961 إلى لبنان ومن هناك استقر في براغ سبع سنوات، وصدر له فيها في عام 1965ديوان جديد سمّاه " بريد الغربة ".
كان من أبرز المؤسسين لاتحاد الأدباء العراقيين ونقابة الصحفيين العراقيين، بعد قيام الجمهورية وانتخب أول رئيس لكل منهما. وقف ضد انقلاب 8 شباط 1963، وترأس "حركة الدفاع عن الشعب العراقي" المناهضة له. وأصدرت سلطات الانقلاب قراراً بسحب الجنسية العراقية منه، ومصادرة أمواله المنقولة وغير المنقولة، هو وأولاده(ولم يكن، لا هو ولا أولاده، يملكون منها شيئاً).
عاد إلى العراق في نهاية عام 1968 بدعوة رسمية من الحكومة العراقية، بعد أن أعادت له الجنسية العراقية، وخصصت له الحكومة، بعد عودته، راتباً تقاعدياً قدره 150 ديناراً في الشهر، في عام 1973 رأس الوفد العراقي إلى مؤتمر الأدباء التاسع الذي عقد في تونس. تنقل بين سوريا ،مصر، المغرب، والأردن، ولكنه استقر في دمشق ب سوريا ونزل في ضيافة الرئيس الراحل حافظ الأسد. كرمه الرئيس الراحل «حافظ الأسد» بمنحه أعلى وسام في البلاد، وقصيدة الشاعر الجواهري (دمشق جبهة المجد» يعتبر ذروة من ذرا شعره ومن أفضل قصائده
غادر العراق لآخر مرة، ودون عودة، في أوائل عام 1980. تجول في عدة دول ولكن كانت اقامته الدائمة في دمشق التي امضى فيها بقية حياته حتى توفى عن عمر قارب المئة سنه، في سوريا وجد الاستقرار والتكريم، ومن قصائده الرائعة قصيدة عن دمشق وامتدح فيها الرئس حافظ الاسد، (سلاما ايها الاسد..سلمت وتسلم البلد). (شاعر العرب الأكبر)، اللقب الذي استحقه بجدارة في وقت مبكر في حياته الشعرية، وارتضاه له العرب اينما كان واينما كان شعره، رغم أن الساحة العربية كانت مليئة بالشعراء الكبار في عصره. فقد حصل على هذا اللقب عن جدارة تامة واجماع مطلق ويؤكد السيد فالح الحجية الكيلاني الشاعر العراقي.في كتابه الموجز في الشعر العربي -شعراء معاصرون(ان الجواهري لهو متنبي العصر الحديث لتشابه أسلوبه بأسلوبه وقو ة قصيده ومتانة شعره)
لهذا طبع شعر الجواهري في ذهن الناشئة من كل جيل مفاهيم وقيما شعرية إنسانية لا تزول. اما التجديد في شعره فجاء مكللا بكل قيود الفن الرفيع من وزن وقافية ولغة وأسلوب وموسيقى وجمال وأداء.
اخر لقاء تلفزيوني مع الشاعر الكبير الراحل كان في تلفزيون الشارقة عام1992، أثناءزيارته لدولة الإمارات العربية لاستلام جائزة سلطان العويس في الإنجاز الأدبي والثقافي،والتي استحدثت لكي تكون لائقة برموز الأدب والثقافة العربية وكان الجواهري أول الحائزين عليها. وفي هذا اللقاء قرأ لأول مرة قصيدته في رثاء زوجته أمونه... وقد حاوره المذبع سفيان جبر في برنامج [ لقاء الأسبوع] وقد بث اللقاء عشرات المرات وعلى مدى سنوات. توفي الجواهري في إحدى مشافي العاصمة السورية دمشق سنة 1997 عن عمر يناهز الثامنة والتسعين، ونظم له تشييع رسمي وشعبي مهيب، شارك فيه أغلب أركان القيادة السورية، ودفن في مقبرة الغرباء في السيدة زينب في ضواحي دمشق، تغطيه خارطة العراق المنحوتة على حجر الكرانيت، وكلمات:"يرقد هنا بعيداً عن دجلة الخير.."
أقيمت تكريماً له احتفالية ضخمة في إقليم كوردستان العراق عام 2000 بمناسبة الذكرى المئوية لميلاده وتم وضع نصبين عملاقين له في مدينتي أربيل والسليمانية نفذهما النحات العراقي المغترب في سويسرا سليم عبد الله.
موسوعة
وكيبيديا
الإنسان إنسان حتى لو كان من افريقيا-عماد رسن
الإنسان إنسان حتى لو كان من افريقيا
2011-07-25
عماد رسن
يقال في علم الانثربولوجيا أن موطن الإنسان الأول كان في افريقيا, ومن ثم أنتقل قبل خمسة وثمانون الف سنة إلى القارتين الاوربية والآسيوية عبر الشرق الأوسط في أول هجرة جماعية كبيرة. فكلما أقترب الإنسان من الأجواء الباردة صارت بشرته أكثر بياضا ً حيث يبدأ يفقد اللون الأسود الذي كان يحمية من أشعة الشمس الضارة التي قد تصيبه بأمراض سرطانية. ويقال أيضا ً بأن الكثير من الأدوات التي طورها الإنسان البدائي كانت في أفريقيا قبل أكثر من مئتي ألف سنة قبل أن ينتقل إلى القارات الأخرى. أما افريقيا اليوم فهي تعيش الفقر والجوع والجهل الذي يخيم عليها, وبالخصوص موجة الجفاف الأخيرة التي تضرب شرق القارة في المنطقة المحصورة بين كينيا والصومال. يقول الخبراء بأن هذه الكارثة هي الأسوء منذ ستين عاما ً, حيث تهدد نصف مليون طفل بالموت مالم تقدم لهم المساعدات العاجلة. يمشي الآلاف سعيا ً للوصول لآبار المياه من أجل أطفالهم وماشيتهم أياما ً عديدة ويموت في الطريق من يموت ليصبح طعاما ً للطيور الجائعة. أما العالم فأنه ينظر بعين العطف ويده الطويلة لاتصل لجيبه الذي يمكن أن يحل المشكلة.
لقد كانت أفريقيا مصدرا ً لموارد الدول الصناعية وقبلها مصدرا ً مهما ً لجلب العبيد نحو أوربا وأمريكا وشبه الجزيرة العربية. وإلى الآن يعامل الافارقة على انهم بشر من الدرجة الثانية في الكثير من الدول وأولها الدول العربية التي تستغلهم أسوء إستغلال وبالخصوص الخادمات الواتي يجلبن على شكل عمالة أجنبية. فالنظرة لهم نظرة دونية حيث يفرقون عن باقي البشر في التعامل بعيدا ً عن التعامل الإنساني الذي أوصت به الشرائع السماوية والاديان والفلسفات الأخلاقية المختلفة. حتى التعامل مع الكوارث الإنسانية يكون بشكل إنحيازي فيلاحظ المرء الفرق الواضح في المساعدات المقدمة لليابان في التسونامي الأخير ومايحدث من كارثة إنسانية في شرق افريقيا. شيء جميل أن تقدم المساعدات لليابان من كثير من الدول فاليابان بلد سباق في تقديم المساعدات لدول العالم المحتاجة, ولكن أن يتم الكيل بمكيالين تجاه بشر من نفس النوع مع إختلاف اللون فهذه كارثة أخلاقية.
لقد قدمت الدول الغنية, الغربية بالخصوص, مساعدات من أجل معالجة الوضع هناك ولكن لم يسمع أحد عن تقديم دول عربية لمساعدات إنسانية. بالرغم من أن بعض الدول العربية قدمت المساعدات لليابان كالعراق ولبنان. إن أقل من مليارين تكفي لإنقاذ حياة نصف مليون إنسان من تلك المجاعة الرهيبة, وإلى الآن لم يوفر سوى نصف المبلغ لذلك حسب تقارير الأمم المتحدة. إن هذا المبلغ ليس بالكبير للكثير من الدول الغنية التي تمتص دماء الدول الفقيرة من خلال إستغلال مواردها الطبيعية أو من خلال إستغلال حصصها في طرح ثاني أوكسيد الكاربون في الجو من أجل زيادة الإنتاج. حتى أن هذا المبلغ غير كثير على الكثير من الدول العربية التي تشتري الأسلحة بمليارات الدولارات. المشكلة هي أن الدول تدور حيث تدور مصالحها وبعض الدول, العربية منها طبعا ً, تدور في إطار ديني وطائفي بحت حين يكون الموضوع موضوع مساعدات إنسانية. إن الدائرة الأوسع هي الدائرة الإنسانية والتي يجب أن تكون منطلقا ً لتقديم المساعدات من قبل الكثير من الدول ومنها الدول العربية.
لكن ومن جانب آخر, لابد أن لايستغل الوضع في تلك الأماكن الفقيرة من أجل التأثير على المحتاجين هناك لتغيير ديانتهم. فالكثير من المنظمات الإنسانية خلفها اجندات دينية أو طائفية أو سياسية مستغلة الوضع الحرج الذي يعيشه هؤلاء الناس الجياع. يقول قسم كبير من الباحثين أن الإستعمار الغربي كانت خلفه عقلية مسيحية تبشيرية من خلال تواطئ الكنيسة الكاثوليكية مع المشروع الإستعماري الغربي قبل أكثر من مئتي عام في أفريقيا. أما الآن فهناك صراع محموم بين حملات تنصير مسيحية ومجموعات تسعى لإسلمة مجموعات في أفريقيا من خلال تقديم المساعدات الإنسانية أو التعليم أو بناء المدرس والجوامع لها.
إن تقديم المساعدات لابد أن لايقتصر في توفير المال لشراء الطعام بل يتم من خلال توفير سبل التعليم ونشر الوعي الصحي والمساعدة في بناء البنى التحتية فذلك يقطع الطريق بلا شك أمام الإستغلال الذي تمارسة بعض المنظمات تحت المسميات الإنسانية. لابد أن يكون الدافع الإنساني هو المحرك في تقديم المساعدات وإنقاذ تلك المجموعات من الهلاك فالإنسان إنسان إينما حل وكان إن كان في اليابان أو افريقيا. إن أي تجاهل لهكذا كوارث هو وصمة عار في جبين الدول التي تملك المال ولاتقدم المساعدات, بل هي وصمة عار في جبين البشرية جمعاء أن يموت بشر من الجوع وتفرش موائد يتخم بها الأثرياء في الكثير من الأماكن في العالم لا لشيء سوى لأن أولئك البشر من لون آخر
الاثنين، 25 يوليو 2011
تذكرة... / سليمان دغش-اللوحة غالب المسعودي
تذكرة... / سليمان دغش
بِلا تَذْكرهْ...
أَعودُ إِلَيْك ِ
أُعَبِّئُ صَدْرِيَ بالياسَمين ِ
وَتَغفو عَلى ساعِدي قُبَّرهْ
بِلا تَذْكرهْ
أَعودُ إِليْك ِ
أَنا شَهْوَةٌ لا تَنامُ
أَنا عَطَشُ الكَرْمِ للدّيَمة ِ المُمْطِرَهْ
فَلا تَحْرميني
حَنانَ الرَّوابي...
وَكوني ليَ
الأَرْضَ
والرَّوْضَ
كوني ليَ المَقْبَرَهْ
بِلا تَذْكرَهْ
أَعودُ إِلَيْك ِ
أَنا لَوْعَةُ الياسَمين ِ
جَوى النَّازِحين
وَفاءُ
الحَمائِم ِ
للقَنْطَرَهْ
حَمَلْتُ لَك ِ البَدْرَ
فانتَظِريني
أَعودُ مَع الليْلَة ِ المُقْمِرَهْ
بِلا تَذْكرَهْ
أَعودُ إِلَيْك ِ
وَحينً تُسَدُّ بِوَجهي الجُسورُ
اعذُريني
دِمائي
تَصيرُ
هِيَ
التَّذْكَرَهْ
( من ديوان : " هويتي الأرض " إصدار مؤسسة الأسوار-عكا )
السبت، 23 يوليو 2011
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)