الأربعاء، 6 يوليو 2011
القصيــــــــــدة ... / سليمان دغش
القصيــــــــــدة ... / سليمان دغش
أهيِّئُ نَفسي لَها
حينَ أصحو منَ النومِ في حُلْمِها
وحينَ تصحو منْ حُلُمي في نومِها
أُهيئُ صبحي لها
وأبدأُ طقسَ الوضوءِ المُبكِّرِ
بحمّامِ ماءٍ ساخنٍ
وبعضِ الشامبوهاتِ
ولمسةِ عطرٍ فرنسيٍّ
أوزِّعُها باهتمامٍ شديدٍ
على ملامسِ جسمي
وأبدأُ يومي الجديدَ على هَديها
كما كلَِّ يومٍ
بفنجانِ قهوة
وقطعةِ حَلوى
وبعضِ جريدةْ
أهيِّئُ نفسي لها
وأَحمِلُها إلى مشاغِلِ يومي المُمِلِّ
وآوي كعصفورٍ مُتعبٍ
منْ دُوارِ البحارِ
ومنْ أوارِ النهارِ
إلى ظِلِّها
يُحيِّرُني سؤالٌ فلسفيٌّ بسيطٌ
ما الذي يجعلُ الفراشةَ تَنتحرُ
على شبقِ الضوءِ
في ليلها..؟؟
أهيِّئُ نفسي لها
حينَ أعودُ إليَّ ..إليها
مُحَمَّلاً بانكِساراتِ يومي الطويلِ
وَمثقلاً بأًسئلةٍ لا تبحثُ عنْ جوابٍ
تلازمُني كظِلِّي الذي أدمَنتهُ
مثلما أدمَنَني ها هُنا حَنظلهْ ...
أهيِّئُ نفسي لها
أهيِّئُ الليلَ قداساً يسوعيَّ الدلالةِ
أوقدُ لها شمعةً
وأُعدُّ نبيذاً شهيّاً للعشاءِ الأخيرِ
وأسهرُ الليلةَ شمعةً.. شمعةً
ودَمعةً ..دَمعةً
على وقعِ سيمفونيَّةٍ تشرَبُني
على مَهلها
وتفتح ُالليلَ للريحِ والأسئلةْ
أهيِّئُ نفسي لها
حينَ تدخلُ ليلي
وحينَ أدخلُ في ليلِها
وأختمُ ليلي الطويلَ الطويلَ
بها
ولها
حينَ تحضُرُني بلا مَوعدٍ
وتكتُبُني
شهقةًٍ
شهقةً
في القصيدةْ .. !!
( من ديواني الأخير " سماءٌ للعصافير نهارٌ للفراشة " الصادر حديثاً عن دار البراق في تونس
لا تجعلوا المناصب اوكار ارتزاق؟-كفاح محمود كريم
لا تجعلوا المناصب اوكار ارتزاق؟
كفاح محمود كريم
في موروثنا الاجتماعي والقيمي كانت المناصب مواقع يتمنى البعض ان يصلها اما للتشريف او لتحقيق تحصيل حاصل لكفاءته أو موقعا متقدما للخدمة، وفي كل الأحوال كان المنصب لا يفرق كثيرا في ما يتعلق بالامتيازات المادية الا الشيء القليل، اللهم ان كانت هناك هوامش النثرية الخاصة بالمنصب وتلك ايضا تقع تحت طائلة التصفية الحسابية ووصولاتها الموثقة التي تخضع لنظام حسابي دقيق.
ورغم ان كثير من الأنظمة التي حكمت البلاد كانت تصنف كونها مستبدة ودكتاتورية، الا ان المناصب بقت تحافظ على هيبتها الاجتماعية لا بسبب تخصيصاتها المالية ورواتب شاغليها، بل لموقعها وتأثيرها وفي احيان كثيرة كون شاغلها انسان يستحق تلك المكانة ويعمل بجد من اجل وظيفته وهو قد قضى سنوات طويلة حتى أدرك ذلك المكان، حيث يتمتع بمساحة أوسع في الصلاحيات التي تتيح له العمل من اجل الهدف الأسمى.
وضمن هذا المشهد ايضا كان هناك مسؤولين مهمين في الهرم الوظيفي يتجاوزون في استحقاقاتهم المالية درجات قانون الخدمة المعروف ويوضعون في حقل الدرجات الخاصة وفي مقدمتهم رئيس الجمهورية ونائبه وثلة آخرين ممنوحين بعض الصلاحيات من قبل الرئيس وتحديدا في السنوات الأخيرة من حكم الدكتاتور صدام حسين، وهم عادة قلة ضئيلة قياسا بمجاميع الموظفين او مقارنة بما موجود الآن، الا ان السياق العام في كل الدولة كان تحت سقف قانون الخدمة وتسلسلات العمل الوظيفي ودرجاته التي تأتي بشكل تصاعدي مع امتيازات معقولة لكل درجة منها، ولا يمكن أن يرى المراقب بونا شاسعا او كبيرا بين درجتين حتى وإن تباعدا في السلم الوظيفي، الا بما يوازي سنوات الخدمة وتدرجاتها والكفاءة وما يلحق جرائها من تشكرات او عقوبات.
ما حصل بعد سقوط النظام وانهيار الدولة وحتى بعد قيام المؤسسات الدستورية التي افرزتها الانتخابات العامة في 2005م، لم يفرق كثيرا عن تلك الثقافة التي سادت البلاد طيلة ما يقرب من نصف قرن، فهي حقيقة في كثير من أوجهها نتاج تلك الحقبة وتربيتها وآثارها، وفيما يتعلق بالرواتب والمخصصات والنثريات والامتيازات فقد جاءت بما لا شبيه له في العالم اجمع، حيث تجاوزت في معدلاتها كل النسب العالمية في اقصاها بما في ذلك الدول الغنية جدا وذات الفائض النقدي الكبير مثل المانيا واليابان، ابتداء من راتب رئيس الجمهورية ونوابه ورئيس الوزراء ووزرائه ورئيس النواب ونوابه وملحقاتهم وتوابعهم ووكلائهم، حتى تحولت كثير من المناصب الى أوكار للارتزاق والاختلاس والسحت الحرام، حيث اصبح المنصب أشبه بكنز يحصل عليه المتسابقون للفوز بالمال والسلطة والنفوذ، يقابل ذلك عملية تقزم القيم الوطنية العليا أمام التهافت المادي والامتيازات المسرطنة التي يتناحر عليها هؤلاء المتسابقون.
وفي الجانب الآخر لم تظهر أي معدلات للنمو او التطور في كثير من المؤسسات والدوائر التي يشغلها هؤلاء المسؤولين، بل على العكس بدأت الأمور تتردى وتتقهقر بشكل مريع وبالذات فيما يتعلق بالخدمات الأساسية للمواطن، وعلاقة ذلك المسؤول به التي تحولت هي الأخرى تحت هذا السلوك في الوارد المالي والسلطوي الى علاقة رثة اقرب ما تكون الى العبودية والاستبداد، يرافقها بيروقراطية مكثفة وروتين يهدف الى إنشاء منطقة عازلة تماما بين المواطن والمسؤول إلا من عناقيد الطفيليين وأصحاب الوساطات والمرتشين.
وإذا كانت حقبة الدكتاتورية قد افرزت قيادات ومناصب فاسدة وغير مؤهلة، فان حقبة ما بعد الدكتاتورية وإرهاصاتها أفرزت مستوطنات طفيلية من الانتهازيين والوصوليين وأشباه الأميين ممن سرطنتهم الأوضاع الشاذة في البلاد، واستطاعوا في ظل إخفاقات العملية السياسية اختراق كثير من مفاصل الدولة في المال والسلطة والتشريع لتحيلها الى أوكار للارتزاق والفساد والإفساد وتشيع اليأس والإحباط لدى مساحات واسعة من الأهالي.
الثلاثاء، 5 يوليو 2011
شيء عن تجربتي التشكيلية مع مختارات من معارض سابقة-د.غالب المسعودي
شيء عن تجربتي التشكيلية
د.غالب المسعودي
أن يتحدث الفنان عن تجربته فيه شيء من الصعوبة لأن التجربة هي التي تتحدث عنه و ما من شك أن الفن من أولى الوسائل التي أفصح بها الانسان عن نفسه ،و يأخذ العمل الفني من المبدع بعد أن يمتليء خياله و وجدانه و تفيض نفسه بمشاعر و أحاسيس لا يملك الا أن يكشفها و يكون أسيرها و بهذا ينتزع من وجوده كنه ما يحس ، و منذ عصر الاسطورة ظل الفن يستلهم بيئته الموضوعية و المعرفية و تتحدث تجربتي عن استلهامي التراث الاسطوري لحضارة وادي الرافدين حيث أن الاسطورة تأريخ يصلح لكل زمان ومكان من حيث انها عالمية الابعاد محلية التكوين وكون الاسطورة شكل فهي قابلة لأن تكون شكلا آخر ،انا أرحل مع السومريين في عمق التأريخ البعيد و لا أنسى اني في القرن الواحد و العشرين منحازا لهاجس الحاضر و المستقبل متنقلا من خلال الغوص في الذات راكبا صهوة الروح امارس أحلامي و أوهامي على المساحة المتاحه لي _فضاء اللوحة _و يشكل التهميش الذي فرضته قوى الظلام عائقا امام الابداع العراقي ناسية أن العراقيين في كل تأريخهم هم كالنخيل شامخين في وجه البائسين لذا لجأت الى استخدام خامات و الوان أصنعها لنفسي معتمدا على ما متاح في السوق المحلية و ملبيا متطلبات الديمومة و المقاومة العالية للظروف المناخية و عوامل الزمن ،لم أستعمل الريشة في أعمالي كي أكون أكثر قربا في عملي ..وكي لاننسى أن التسطيح وصل الى كافة مرافق الحياة الثقافية حتى الى ريشة الفنان ،و المطلع على تأريخ الحضارات الكبيرة يرى انها استثمرت ما متاح في بيئتها لتصنع اسطورتها و ليس أدل من ذلك استخدام الطين لتدوين روائع الاعمال لحضارة وادي الرافدين و التي ظلت منارا ينير الدرب لحضارات العالم كافة و أننا وريثي هذه الحضارة الرائعة العريقة .. اذ أن الجمال يشرق في النفس كشعاع ضوء بين الآكام.
د.غالب المسعودي
طبيب أسنان اختصاصي بجراحة الوجه و الفكين
عضو نقابة الفنانين
عضو جمعية التشكيليين العراقيين
مشارك في جميع المعارض الوطنية منذ عام 1999
أقام ثلاثة معارض شخصية خلال الفترة المنصرمة
أصدر مجموعتين شعريتين
ترجمت مختارات من أعماله الشعرية الى اللغة الانكليزية قام بترجمتها الشاعر حامد الشمري
له كتابات تنظيرية في مجال الفن التشكيلي منشورة في الصحافة العراقية
معرض مشترك في قاعة أفـق - آيار 2003بغداد .
معرض مشترك في جمعية الفنانين التشكيليين العراقيين - تموز2004سوريا.
معرض الحرية الاول نقابة الفنانين - بابل 2003
معرض في ذكرى شهداء الحركة الوطنية العراقية 2004- نقابة فناني بابل .
معرض الربيع الاول 2004 نقابة الفنانين - بابل .
معرض مهرجان متحف الشارقه الاول2005
د.غالب المسعودي
أن يتحدث الفنان عن تجربته فيه شيء من الصعوبة لأن التجربة هي التي تتحدث عنه و ما من شك أن الفن من أولى الوسائل التي أفصح بها الانسان عن نفسه ،و يأخذ العمل الفني من المبدع بعد أن يمتليء خياله و وجدانه و تفيض نفسه بمشاعر و أحاسيس لا يملك الا أن يكشفها و يكون أسيرها و بهذا ينتزع من وجوده كنه ما يحس ، و منذ عصر الاسطورة ظل الفن يستلهم بيئته الموضوعية و المعرفية و تتحدث تجربتي عن استلهامي التراث الاسطوري لحضارة وادي الرافدين حيث أن الاسطورة تأريخ يصلح لكل زمان ومكان من حيث انها عالمية الابعاد محلية التكوين وكون الاسطورة شكل فهي قابلة لأن تكون شكلا آخر ،انا أرحل مع السومريين في عمق التأريخ البعيد و لا أنسى اني في القرن الواحد و العشرين منحازا لهاجس الحاضر و المستقبل متنقلا من خلال الغوص في الذات راكبا صهوة الروح امارس أحلامي و أوهامي على المساحة المتاحه لي _فضاء اللوحة _و يشكل التهميش الذي فرضته قوى الظلام عائقا امام الابداع العراقي ناسية أن العراقيين في كل تأريخهم هم كالنخيل شامخين في وجه البائسين لذا لجأت الى استخدام خامات و الوان أصنعها لنفسي معتمدا على ما متاح في السوق المحلية و ملبيا متطلبات الديمومة و المقاومة العالية للظروف المناخية و عوامل الزمن ،لم أستعمل الريشة في أعمالي كي أكون أكثر قربا في عملي ..وكي لاننسى أن التسطيح وصل الى كافة مرافق الحياة الثقافية حتى الى ريشة الفنان ،و المطلع على تأريخ الحضارات الكبيرة يرى انها استثمرت ما متاح في بيئتها لتصنع اسطورتها و ليس أدل من ذلك استخدام الطين لتدوين روائع الاعمال لحضارة وادي الرافدين و التي ظلت منارا ينير الدرب لحضارات العالم كافة و أننا وريثي هذه الحضارة الرائعة العريقة .. اذ أن الجمال يشرق في النفس كشعاع ضوء بين الآكام.
د.غالب المسعودي
طبيب أسنان اختصاصي بجراحة الوجه و الفكين
عضو نقابة الفنانين
عضو جمعية التشكيليين العراقيين
مشارك في جميع المعارض الوطنية منذ عام 1999
أقام ثلاثة معارض شخصية خلال الفترة المنصرمة
أصدر مجموعتين شعريتين
ترجمت مختارات من أعماله الشعرية الى اللغة الانكليزية قام بترجمتها الشاعر حامد الشمري
له كتابات تنظيرية في مجال الفن التشكيلي منشورة في الصحافة العراقية
معرض مشترك في قاعة أفـق - آيار 2003بغداد .
معرض مشترك في جمعية الفنانين التشكيليين العراقيين - تموز2004سوريا.
معرض الحرية الاول نقابة الفنانين - بابل 2003
معرض في ذكرى شهداء الحركة الوطنية العراقية 2004- نقابة فناني بابل .
معرض الربيع الاول 2004 نقابة الفنانين - بابل .
معرض مهرجان متحف الشارقه الاول2005
الأحد، 3 يوليو 2011
التغيير بلا وصاية-د. جابر حبيب جابر
التغيير بلا وصاية
د. جابر حبيب جابر
"
لثماني سنوات كان العراق يتصدر أجندات الأخبار العربية، ويخضع لتغطية مكثفة ومتابعات متواصلة بحيث بات الشأن العراقي، كما كان الشأن الفلسطيني واللبناني قبله، موضوعا يجذب الكثيرين للكتابة فيه والتعليق عليه بل والمضي لتقديم النصائح بشأنه حتى من قبل أشخاص لم تطأ أقدامهم أرضه يوما وربما لم يقرأوا كتابا واحدا عنه. يدخل ذلك في إطار ما يمكن تسميته بلعنة المناطق الرخوة، حيث يؤدي غياب نظام سياسي قوي وقادر على الدخول في منظومة التسويات الإقليمية إلى تحوله إلى مجال للصراع وبالتالي ساحة مفتوحة للنقد وللتنظير وربما للشماتة. من المؤسف أن قليلين حاولوا النظر بتمعن وحيادية للتجربة العراقية ولإشكاليات الوضع العراقي، لربما كان ذلك قد وفر مشقة تكرار الكثير من المشاهد والأحداث التي نشهدها الآن في دول عربية أخرى.
لقد كانت ميزة الوضع العراقي أنه البلد العربي الوحيد الذي جرت فيه عملية إسقاط النظام لأول مرة في التاريخ العربي على مرأى من كاميرات التلفزيون التي نقلت الحدث بشكل مباشر، وربما كانت هنالك مرارة كبيرة في أن التغيير قد جرى على يد قوات احتلال أجنبية، لكن من اللافت اليوم أننا بتنا نرى بعض ممن انتقد ما سماه بالاستعانة بالأجنبي وبالتعاطي مع نتائج الاحتلال يفعل الشيء نفسه، كما نرى مع بعض الإخوة الليبيين اليوم الذين لا يرون غضاضة من الاحتماء بطائرات الناتو للتخلص من الديكتاتورية المقيتة، وفي كل بلد عربي حصلت به احتجاجات سمعنا «المحتجين» يستصرخون «المجتمع الدولي» للتدخل أو لسحب شرعية النظام القائم. والكل يعرف جيدا أن المقصود من عبارة «المجتمع الدولي» هي الولايات المتحدة وأوروبا بشكل خاص. ليس ذلك دفاعا عن التدخل العسكري الذي حصل في العراق والذي يستحق النقد الكثير (لا سيما عندما اختار أن يتحول إلى «احتلال» وعندما لم تظلله شرعية دولية كافية) ولكنه محاولة لرصد كيف تتغير المواقف من الضد إلى الضد عندما يتعلق الأمر «بنا» لا «بغيرنا».
ظلت المروية السائدة في الإعلام العربي عن العراق أن كل شيء يجري على نحو سيئ وأن هنالك حربا مستمرة بين الاحتلال والمقاومة، بين السنة والشيعة، بين العرب والأكراد والتركمان، وصل الأمر لدى البعض أنه استسهل تقديم الديكتاتور السابق بوصفه شهيدا وبطلا اغتيل بمحاكمة «غير عادلة» وهو الذي لم يعط أيا من ضحاياه، بمن في ذلك أصدقاؤه وأقاربه الذين غضب عليهم، فرصة المحاكمة أو الدفاع عن الذات.
لقد كان العراق موضوعا شيقا للبعض في منطقة عرفت بركود مياهها، فكل شيء في الشرق الأوسط كان يوحي بالجمود. القادة هم أنفسهم لم يتغيروا منذ عشرات السنين، السياسات هي نفسها، والأنظمة لا يطال التغيير فيها أحيانا حتى الوزراء الذين يبقى بعضهم دهرا طويلا في منصبه. أما في العراق فقد تغير كل شيء فجأة، وكان على الإعلام أن يخلق روايته عن التغيير، ولأن «التغيير» ليس أمرا محمودا في منطقتنا، كان لا بد وأن يتم تصوير ما يحصل في العراق على أنه سيئ بكل جوانبه وأسوأ من الماضي. كثير من العراقيين يصعقون بالسؤال المجازي الذي يواجههم في بلدان عربية: ألم يكن صدام أفضل لكم. هكذا ببساطة تم وضع العراقيين بين خيارين، إما صدام أو الفوضى، هكذا تم إقناع المشاهدين والمستمعين الذين تحول بعضهم اليوم إلى ثوار ومنتفضين بأن العراقيين لا يستحقون خيارا ثالثا. ترى ماذا سيكون ردهم إن ذهب عراقيا نحوهم وقال لهم ديكتاتوركم الحالي أو السابق أفضل لكم؟؟
لا أحد يمكنه الادعاء بأن ما شهده العراق لم يكن كارثيا، كان كذلك ومنذ زمن طويل، الكارثة الكبرى التي حلت بالعراق بدأت منذ أن أصبحت السلطة بيد القتلة، والكارثة الأكبر منها بدأت حينما صار بعض «المثقفين» ينظرون إلى هؤلاء القتلة بوصفهم زعماء وطنيين. ألا نتذكر كم كتابا عربيا وضع تمجيدا بصدام، وبعض الكتاب هم معارضون للديكتاتوريات في بلدانهم؟!. مسلسل الكوارث استمر منذ ذلك الوقت ولم يكن وليد 2003، وكان بإمكاننا جميعا أن نستفيد من دروس تلك الكوارث ومن الإخفاقات الكبيرة التي واجهها مشروع بناء الدولة في العراق بعد نهاية الديكتاتورية، لكن للأسف، لم نشهد سوى القليل جدا من النقاش العقلاني والكثير جدا من الصراخ واللامعنى.
العراق اليوم ليس الخبر الأول، فالمنطقة كلها تغلي، ومشاهد 2003 طغت عليها اليوم مشاهد المنتفضين في تونس واحتجاجات ساحة التحرير القاهرية والانتفاضة اليمنية والحرب الليبية والحراك الشعبي السوري، بات على الجميع أن يرى على الأرض وأمام منزله ما الذي يعنيه تغيير النظام في منطقتنا وكم هو مكلف ومربك ومعقد تأسيس نظام جديد بعد عصر الدول البوليسية وحكم أجهزة الأمن. كثيرون بدأوا مراجعة قواميسهم السابقة وتفصيلها على قياس التحدي الجديد، ولم يعد سهلا قط إطلاق الأحكام والتعبير عن بعد وعبر الأقمار الاصطناعية عن «الرفض والشجب والتنديد».
كما قلت في مقالة سابقة إننا اليوم في الزمن الرمادي، ليس هنالك معيار جاهز للصواب والخطأ، وخارطة طريق واحدة للتغيير، ورواية واحدة لطبيعته، المعيار الوحيد الذي يستحق أخذه بالاعتبار هو الوقوف إلى جانب الشعوب الثائرة، أيا كان البلد الذي تنطلق منه وبغض النظر عن المآل الذي ستنتهي إليه. فليس أسوأ في منطقتنا من ذلك الجمود الذي أطبق على كل شيء لزمن طويل. لا أحد يتوقع فردوسا بعد التغيير، تلك أهم خلاصات التجربة العراقية، سيكون مخاضا طويلا وعسيرا وربما مؤلما ومكلفا جدا، وقد تحصل ارتدادات وينشأ تذمر ويظهر أناس يعلنون حنينهم للزمن السابق، فهنالك ضغوط تجعل الإنسان يفقد ذاكرته البعيدة ويصبح موقفه وحديثه شرطا انعكاسيا للحظته الراهنة.
ولكن من يدعي التجانس مع نفسه، ويزعم رفضه للانتقائية، لا بد وأن يقبل بحق كل شعب في انتزاع حريته من دون ممارسة أي وصاية، لا سيما من أولئك الذين لا يعرفون عن ما يحصل سوى ما يرونه عبر شاشات التلفزيون، فهذه الأخيرة ليست بحاملة اليقين. ما نحتاج إليه في هذه اللحظة أن نفهم ما يحصل برؤية موضوعية وعقلانية تشخص المشكلات القائمة والتحديات القادمة والاستعداد لزمن حافل بالتغيير ومتحرر من جمود الماضي، وقبل كل شيء أن نترك للشعوب نفسها رواية قصتها ففي الكثير من الأحيان هي أرشد ممن يدعون إرشادها.
حكايات ولدي الشاطر-عادل كامل
حكايات ولدي الشاطر
عادل كامل
إشارة
في العام 2005، وأنا أراجع بعض النصوص التي كتبتها، في مطلع الثمانينيات من القرن الماضي، إلى ( الأطفال) وجدت هذا النص المنشور في عدد من المجلات، ومنها مجلتي والمزمار الصادرة عن دار ثقافة الأطفال ببغداد، النص الذي كتب في سياق رصد العلاقة بين عالم ( الكبار) والعالم الذي مازال يتشكل بدوافع الحلم ومساحات الخيال المتحركة .. وجدت ، باستثناء الحكاية الأخيرة، التي كتبت بعد تحول ( الولد الشاطر) إلى عالم الكبارــ أي بعد عشرين سنة ــ إن أسئلة البراءة لا تمتلك ديناميتها وصدقها، أو دهشتها فحسب، وإنما جمالياتها في الارتقاء بوظائف الموجودات في وجودنا .. فهل استطعت، بصفتي أشتغل في حقل الفنون الجميلة، والكتابة الأدبية والنقدية، أن أعالج تلك الفجوة بين أسئلة ( البراءة) وما بعدها.. الفجوة التي انجذبت إليها،لا لاستعادتها، أو تأملها فقط ، وإنما لإقامة فيها : فكم ( نحن ــ أنا ) بحاجة إلى البراءة كي تبقى أحلامنا تمتلك طراوتها، ونبضها الذي لا يتعرض للإرباك أو التوقف. !
[1]
غناء
كان ينظر إلى الغيوم البيض، عندما سألني :
ـ سأغني .. بابا .. أتسمح لي بذلك ؟
سألته :
ـ لمنْ تُغني ؟
ـ لتلك الغيمة البيضاء ..
ـ لماذا ؟
أجاب بهدوء :
ـ في كل يوم ٍ، عندما تمر ٌ، تغني لي ..!
[2]
نزهة
ـ " هيا " وقال ولدي :
ـ " نذهب إلى النهر "
فذهبنا معا ً. وجلسنا نتأمل الأمواج، وأشعة الشمس الذهبية.. أنا كنت اصطاد وهو ينظر إلى ماء النهر الجاري .. سألني :
ـ ماذا تفعل ؟
ـ أصطاد .
فقال بحزن :
ـ لا .. لا يا والدي .. دع أصدقائي يتنزهون في النهر !
[3]
صداقة
كان يسقي شجرة صغيرة، خضراء، ويحدق فيها بحنان. سألته :
ـ لماذا تفعل ذلك ؟
ـ أريدها أن تكبر، لتصبح صديقتي !
[4]
برد .. وجليد
لماذا يلوثون البرد ؟ تساءل ولدي، وهو يستمع إلى أخبار اعتداء جديد على أرضنا. لكني قلت له :
ـ إلا ترى ان الجليد يغطي ارض قريتنا ؟
ـ نعم .. ماذا تقصد ؟
ـ ان الجليد يحمي أرضنا من قذائف الأعداء .
لكنه تساءل، مرة ثانية :
ـ لماذا يلوثون الجليد ؟
[5]
حب
كان ينظر إلى السماء الملبدة بالغيوم عندما سألته :
ـ أي شيء تحب : السماء أم الغيوم ؟
أجاب حالا ً :
ـ الغيوم !
ـ لماذا ؟
ـ لأنها تأتي بالمطر !
[6]
ضجر
كنا نتنزهة بمحاذاة النهر، عندما قفز إلى الماء، واختفى تحت الأمواج الزرق.. ثم عاد إلي ّ ومعه سمكة جميلة:
ـ أين كنت ؟
ـ في النهر!
ـ وماذا كنت تنفعل ؟
ـ ضجرت !
ـ وهذه السمكة ؟
ـ ضجرت من النهر !
ـ والآن ؟
في تلك اللحظة رأيته يودع سمكته وهو يحدثها :
ـ عودي إلى وطنك .. فكل منا له وطنه الجميل !
[7 ]
نجوم حزينة
كان ينظر إلى النجوم المتناثرة في سماء الشتاء، عندما سألني :
ـ بابا ..أرى النجوم حزينة ..!
ـ كيف عرفت ذلك ؟
ـ إنها متناثرة مثل جثث قتلى في ميدان الحرب ..!
قلت له :
ـ لكنها تضيء السماء .. والأرض ..؟
قال : من شدة حزنها تفعل ذلك ..!
[8]
مستقبل
بعد ان عدت متعبا ً من العمل، إلى البيت، كنت أحوّم فوق فضاء القرية حالما ً بغفوة بين بشاتين الخيل .. لكن ولدي جعلني أفيق.. حدقت فيه طويلا ً .. ثم سألته :
ـ عندما تكبر.. هل ستصبح طيارا ً ..؟
أجاب :
ـ كلا.
ـ هل تصبح بحارا ً ..؟
ـ كلا ً .
ـ ستكون مقاتلا.. ؟
ـ كلا .. كلا .. كلا .
فسألته وأنا مازلت في الحلم :
ـ ماذا ستصبح إذا ً ؟
ـ شمسا ً تنير السماء والبحر والأرض !
[9]
غناء
ـ يا والدي .. ماذا تفعل عندما تتعب ؟
ـ أرقد .
بعد صمت قصير سألته :
ـ وأنت ماذا تفعل ؟
ـ قبل ان اتعب .. أغني للشهداء !
[10]
سعادة
صحت مندهشا، وأنا انظر سعيدا ً إلى أشعة الشمس.. قائلا لولدي :
ـ الآن .. سأكتب قصيدة جميلة..
ـ لماذا ؟
ـ لأنني لم أرْ، منذ زمان، أشعة الشمس الذهبية تملأ القلب نشوة سعيدة ..
فأجابني بهدوء:
ـ لكني يوميا ً أراها !
[11]
أزهار
سألني وأنا اذهب إلى الحرب :
ـ عندما تذهب إلى الحرب.. لماذا لا تأخذني معك ..؟
قلت له :
ـ ومن يحرس الحديقة ؟
ـ الأزهار تجيد الدفاع عن نفسها !
[12]
حلم
جلست وحيدا ً أحدق في محيا ولدي ..عندما سألته :
ـ إذا كبرت .. هل ستذهب إلى المدينة ؟
أجاب حالا ً:
ـ كلا .
ـ لماذا ؟
ـ لأن قريتنا ستصبح مدينة كبيرة !
[13]
كوكب آخر
فجأة وجدت نفسي في كوكب آخر.. وعلى نحو غامض شاهدت ولدي يلهو بالذرات الترابية الفضية ويتحدث معها :
ـ ماذا تفعل هنا ؟
سألته .. ثم سالت نفسي : ماذا يفعل هذا الولد الشاطر في هذا الكوكب البعيد ؟
قال :
ـ أبتاه .. لماذا جئت ؟
لم اجب. وعندما استيقظت لحظتها رأيت ولدي ينظر إلى الكواكب البعيدة..
ـ أرجوك .. ماذا تفعل في هذه الساعة المتأخرة من الليل ؟
ـ أحلم !
ـ غريب .. ماذا تقول ..؟
ـ أحلم .
ثم عدت إلى النوم، بعد ان اختفى.. ومرة ثانية كنت في كوكب آخر.
[14]
موقد
سألني ولدي، والشتاء شديد البرودة:
ـ لماذا لا تبتسم ؟
فسألته :
ـ لماذا لا تروي لي طرفة..
قال :
ـ بابا أنت رجل حزين ..!
ـ كلا .. من قال ذلك ؟
ـ لأنك إذا فرحت تموت !
آنذاك نهضت ووضعت حطبا ً في الموقد .. ورحت اتامل اللهب المتصاعد من خشب البلوط .. وفي تلك اللحظة ذاتها فكرت ان احمي ولدي من الجنون.
[15]
الحديقة
سألني: لماذا لا نزرع النباتات المفيدة في بيتنا ؟
قلت : هذا جيد .
قال : لماذا لا نزرع الحديقة إذا ً ..؟
قلت : عندما تكون لنا حديقة في بيتنا يا ولدي الشاطر .
فقال حالا ً :
ـ أليس العراق هو هذا البيت ؟
[16]
بلبل
فتح ولدي باب القفص، واخرج البلبل منه.. لكن الطائر الذي حوّم قليلا ً، عاد إلى القفص حالاً.. وهكذا .. كان يعود البلبل إلى قفصه، في كل مرة.. أغلقت باب القفص .. نظر ولدي إلي ّ قائلا ً:
ـ لماذا فعلت ذلك يا ولدي ؟!
آنذاك نهضت وحطمت القفص !
[17]
عيد ميلاد
في عيد ميلاده الأخير، أوقدت الشموع الخمس له.. تساءل :
ـ لماذا تفعلون ذلك لي ؟
ـ لأنك كبرْت عاما ٍ.. أيها الولد الشاطر ..
بكى ..
ـ لماذا تبكي ..؟
أجاب :
ـ بل أنا أسالكم : من قال أني أريد ان أصير مثلكم ؟!
[18]
بلا عنوان !
سألني : أتستطيع ان تمشي فوق الماء؟
قلت : أستطيع ان امشي فوق النار !
قال: لا .. يا بابا ..
قلت : لماذا ؟
قال: عليك ان تعود إلى النوم ..
قلت: ماذا تقصد ؟
قال: من لا يمشي فوق الماء لا يمشي فوق النار !
[19]
فقدان
سالت ولدي وهو يقلبُ الدفتر الذي الصق فيه مجموعة من أوراق الأشجار :
ـ ستحتفظ بها مدة طويلة .. أليس كذلك ؟
صمت وقال فجأة :
ـ لكنها فقدت سعادتها الخضراء !
[20]
لا تفعل ذلك
سأل ولدي الوردة البيضاء التي قطفها من الحقل:
ـ لِمَ أنتِ حزينة ؟
ـ لست حزينة.
ـ لكنك ذابلة ؟
ـ نعم ْ.
ـ ماذا افعل لك ِ حتى تعودي إلى سعادتك ؟
ـ أن ْ لا تقطف شقيقاتي من الحقل !
[21]
أحلام
وسألني ذات مرة: لماذا لا تموت؟
لم اجب .. وكدت أغادر البيت .. إلا أني سألته، بعد أن هدأ غضبي الداخلي:
ـ لماذا ؟
قال : أود أن تروي لي ماذا يحدث هناك ؟
صحت حالا ٍ: يا ولد .. لقد كبرت !
قال حالا ً: لا .. يا بابا .. هذه هي أحلامي..وأنا أود أن اعرف أحلامك ؟
[22]
أزهار الحديقة
سألني وأنا أحدق في أزهار الحديقة:
ـ لماذا تنظر إليها هكذا ؟
قلت: لأن الأزهار تحب الصمت.
قال حالا ً: لا .. بابا.. لأنها تتكلم بصوت هاديء..!
[23]
حلم
رسم ولدي ذئبا وحملا ً وأسدا ً وشاة ونمرا ً وأرنب إلى جانبها دب ابيض وغزال وطيور مختلفة ..
فسألته :
ـ ماذا ترسم ؟
ـ أرسم حلما ً رايته ليلة أمس .
صمت قليلا ً ثم سألني :
ـ لكنني عندما ذهبت إلى حديقة الحيوانات رأيت الجميع داخل الأقفاص .. لماذا ؟
ـ حتى لا يفترس احدها الآخر .
فأجاب مدهوشا ً:
ـ لكنها حيوانات لطيفة..أنظر إليها، إنها تغني أغنية جميلة!
[24]
الصديق
زارني أصدقاء قدماء، ومعارف..مساء احد الأيام . وكانوا يتحدثون عن أشياء كثيرة فيما كنت اعتكف منزويا مع نفسي.. في تلك اللحظات قفز ولدي نحوي هامسا ً:
ـ لقد مر من أمام البيت .. ولم يدخل .
ـ من ؟
قال وهو يحدق في ّ:
ـ الم ْ تره ؟ قلت لك من ؟ قال:
ـ انظر .. انهض .. إلا تراه .. انه ..
نهضت ..ونظرت : كان احد أصدقائي الشهداء..آنذاك غادرت البيت تاركا الأصدقاء والمعارف يشاهدون فلما ً حربيا ً.
[25]
نوافذ
رغم أني كنت مرهقاً، فلم أرقد حتى الصباح. كان ولدي يعيد قراءة دروسه.. ويعيد كتابة واجباته .. وفي الفجر سألني :
ـ مع من كنت تتحدث ؟
ـ معهم.
وساد الصمت بيننا فترة أخرى من الزمن، لكني سألته :
ـ لماذا كنت تفتح النوافذ .. والدنيا برد ؟
ـ كي يدخل أصدقاؤك الشهداء، الذين كنت تتحدث معهم، طوال الليل .
[26]
عناق
بعد أن عدت من الحرب..مؤخرا ً .. استقبلني ولدي مبتهجا ً.. وعانقني .. وبعد الاستراحة سألني، وهو ينظر إلى قرص الشمس الذهبي :
ـ بابا .. هل تضيء أشعة الشمس ارض الأعداء..؟
قلت له :
ـ نعم .
فقال بصوت حزين :
ـ لماذا إذ تتقاتلون..؟!
[27]
استمتاع
قال ذات مرة :
ـ تعال نذهب إلى الشمس ..
ـ إنها بعيدة ..
وقلت له :
ـ هيا ادخل إلى البيت ..الهواء شديد البرودة ..
فقال:
ـ بابا .. دعني استقبل أشعة الشمس ..فإن كنا لا نستطيع الذهاب إليها فلماذا لا نستقبلها في بيتنا ؟!
[28]
خجل
في طريقي، مع ولدي إلى المدرسة، طلبت منه أن يغني .. فقال:
ـ الشارع يخجل مني.. !
[29]
حزن
قال : يقولون انك رجل حزين !
قلت : نعم .
فقال ضاحكاً: لكنك تعلمني الفرح يوميا ً..
قلن : ذاك هو سر حزني !!
[30]
أشجار
في ليلة باردة جداً، كنت أتأمل النار، وذلك اللهب المتصاعد منها عندما دخل ولدي وجلس بالقرب مني. كنت احسب ان ولدي الشاطر سيتأمل ، مثلي، جمرات النار، والصوت المنبعث من احتراق الخشب.. وما يوحي به الشتاء من أسرار لذيذة.. إلا انه سألني فجأة :
ـ بابا .. لماذا نحرق الأشجار المسكينة.. ؟
ـ لأن الدنيا باردة جدا ً .
فقال بصوت عال ٍ:
ـ لا ..بل لأن الأشجار لا تستطيع الهرب !
[31]
بكاء
بعد ان زار حديقة الحيوانات، مع طلبة صفه، وعاد إلى المنزل، سألني:
ـ هل تتكلم الحيوانات ؟
ـ لا ..
فقال :
ـ بل كانت تتكلم .. وكنت أتكلم معها ..
ـ ماذا كانت تقول ..؟
ـ كانت تبكي بصمت عميق !
[32]
أصدقائي
ذات مرة ذهبنا إلى الصيد .. في الصحراء .ز معا ً.. لكنه كان، كلما اكتشفت صيداً، يمنعني من إطلاق النار،أو يشوش الهدف علي ّ.
صحت به :
ـ ماذا تفعل ؟
حدق في ّ، قائلاًن بحزن:
ـ هؤلاء هم أصدقائي.. لماذا تطلق النار عليهم .. يا والدي الطيب ؟
[33]
وصية
ذات مرة مرضت، وشعرت باني سأموت في اليوم القادم.. فقلت له :
ـ يا ولدي اعتن بالحديقة .. والطيور.. وبقطتنا الجميلة.. وبالكلب الرائع .. و.. و..
ـ نعم .. سأفعل ذلك .. لكنني سأعتني بالكتب التي جمعتها لنا..
ثم رفع صوته :
ـ علي ّ ان اعتني بك أولا ً .. يا والدي العزيز !
[34]
أحلام
سألته عن آخر حلم مازال يتذكره .. قال :
ـ إنها كثيرة .
ـ وأخرها ..؟
ـ ذهبت إلى قاع البحر .. فجر احد الأيام الجميلة. كنت أتجول بين الأعشاب والمحار.. فجأة سمعت سمكة ذهبية تقول لي : أيها الولد الشاطر لماذا لا تبقى معي في البحر .. فأنت ولد لطيف ؟
أجبتها : أقترح عليك ان تعيشي معي في الغابة .. حيث الأزهار الملونة تملأ الأرض .. فقالت بحزن : لا أستطيع ان أغادر البحر . قلت : وأنا لا أستطيع ان أعيش تحت الماء! قالت السمكة الذهبية : لكن حاول ان تتذكر صداقتي لك . قلت لها : في الأحلام !
[35]
ذنوب
ذات مرة طلب مني ان نذهب إلى النهر للاستحمام .. فذهبنا .. وأمام الأمواج الفضية سألني :
ـ هل تستطيع ان تمشي فوق الماء ؟
قلت :
ـ لا ..لا أستطيع ان امشي فوق الماء ..!
فقال وهو يحدق في وجهي :
ـ ما أثقل ذنوبك يا بابا ..!!
[36]
رجاء
ذات مرة طلب ولدي مني :
ـ أرجوك ألاّ تكبر.. ألاّ تصبح مثل جدي العجوز ..!
ـ ولكني .. لماذا ؟
ـ كي أبقى، أنا، في هذا العمر !
[37]
قمر
سألني : لماذا لا تحب القمر ؟
قلت : ومن قال أني لا أحبه ؟
قال: لكنه لا يأتي ويجلس معنا في الحديقة !
[38]
ليل
قال لي : الشمس تنام في الليل ..
قلت له : إنها تنام في الليل ؟؟
فقال : لا .. نحن الذين ننام في الليل ..!
[39]
اسماك
وطلب مني ذات مرة :
ـ أريد أن تأتي لي بحوت !
ـ انه كبير جدا ً .
ـ ويسكن البحر .
ـ أجل !
لكنه سألني :
ـ حسنا ً .. لماذا تأتي لنا بالأسماك الصغيرة فقط ؟!
[40]
حوار
ـ لماذا يموت الإنسان ؟
قلت له : لأنه تعِب من الحياة .
قال : لا .. لأنه يريد أن يحلم !
[41]
عذاب
سألني وهو يحدق في الجمر :
ـ هل تتعذب النار عندما تتوهج ؟
ـ لا أعرف .. ولكن لماذا هذا السؤال؟
فكر بعض الوقت ثم قال :
ـ أنا أفكر في الأشجار التي قطعـت..!
[42]
طيور
بعد أن أكملت رسم لوحة جديدة فيها مجموعة من الطيور .. سألني :
ـ لماذا رسمت هذه الطيور داخل هذه اللوحة؟
قلت : لنتأملها..
فقال حالا ً: لا .. بابا ... دعها تعود إلى الغابة !
[43]
غناء
ونحن نتجول بمحاذاة النهر، سألني :
ـ بابا .. ما الذي تسمعه ؟
نظرت في محياه قائلا ً:
ـ اسمع الريح تداعب الأمواج .
فقال :
ـ لا أقصد هذا .. أقصد ماذا تسمع ؟
لم اجب .. فقال :
ـ أنا أسمع الأسماك تغني .. وهي تهرب كلما رأتنا نقترب من النهر !
[44]
صراخ
قال لي : عندما تتكلم يا بابا لا تصرخ ..!
ـ ومتى تكلمت .. ؟
ـ أمس .. وأنت تحلم !
[45]
لماذا؟
سألني : لماذا يذهبون إلى الكواكب البعيدة ..؟
قلت : لدراسة العالم البعيد .
فقال معترضا ً:
ـ لا .. إنهم هاربون من دراسة أرضنا..!
[46]
صوت
ـ بابا لماذا تنظر إلى الصخور كثيرا ً ؟
ـ أصغي لصوتها.
ـ وهل تتكلم الصخور ..؟
ـ نعم .. لكنها لا تؤذي أحدا ً!
[47]
واأسفاه
ذات مرة رفض أن ينام، وذهب إلى الحديقة. فسألته :
ـ ماذا تفعل في هذا الليل ؟
قال بهدوء:
ـ أتعلم من أحلام أشجارنا النائمة..!
سألته:
ـ وهل تحلم الأشجار ؟
قال حالاً:
ـ واأسفاه ..يا والدي .. لقد كبرت مبكراً !
[48]
أسئلة
عندما بلغ ولدي السابعة من عمره، لم يعد يوجه الأسئلة لي .. فسألته:
ـ لماذا لم تعد تسألني ؟
قال:
ـ ألان ..يا بابا.. أفكرّ في الإجابات !
[49]
استمتاع
ذات مرة رآني، على غير عهده بي، مسرورا ً جدا ً، فسألني ك
ـ أراك سعيدا ً جدا ً يا بابا ؟
ـ إنني ..الآن.. تعلمت لغة الغيوم ..!
فقال بأسف :
ـ لكنني يوميا ً استمتع بنشيدها !
[50]
[ بعد عشرين سنة ]
بعد انتصاف الليل، وأنا استعد للنوم، رأيت ولدي يقف أمام النافذة، يتأمل النجوم في السماء .. سألته :
ـ ماذا تفعل .. وماذا اكتشفت ؟
أجاب، وهو مازال يحدق في الفضاء:
ـ أتذكر انك حدثتني، ذات يوم، عن جسيمات الضوء.. وكيف.. كلما اتسعت المسافات، بينها، تبقى الجسيمات تبحث عن ظلام تبدده .. حتى لم اعد أر ظلاما ً في هذه المساحات الشاسعة ..
ـ وآلان ..؟
ـ ها أنا بدأت أرى حبيبات الزمن..أمامي..
تساءلت مندهشاً :
ـ ماذا ؟
أجاب بصوت خفيض:
ـ الزمن، كالضوء، كلاهما يخفي أسراره ولا يعلن عنها. إنهما ،معا ً، إن مرا ولم نمسك بهما، كأننا كنا بلا وجود !
كأنني كنت لا امتلك إجابة، ولا أسئلة.. وأنا أعيد تحليل عبارته.. ولكنه قال لي بهدوء:
ـ مازلت اكرر كلمتك القديمة: ليس السر هو الذي نجهل ما فيه.. وإنما ـ هو ـ الذي يبقى يجذبنا إليه ..!!
آنذاك كنت اكرر في نفسي : لا اعرف من يدوّن كلمات الآخر. لكنه قال، وكأنه سمعني:
ـ كلانا، يا والدي العزيز، نصنع الكلام، لكي يتكامل حضورنا.. فالكلام، مثل الضوء والزمن: حلقات تتجانس فيها الإقامة : انه عمرنا الجميل!
بغداد ـ الغزالية
1980ــ 2005
[1]
أحلام
كنا نتجول في الغابة، المجاورة لقريتنا، وكان ولدي يغني بصوت خفيض، عندما سألته :
ــ لم أسمعك تغني قبل هذا اليوم ؟
فقال مبتسما ً:
ــ تعلمت ذلك من الأشجار وليس من البلابل !
قلت بتعجب :
ــ ماذا تقول ؟
ــ لقد تعلمت الغناء من الإصغاء إلى أحلام الأشجار النائمة!
[2]
حوار
وأنا أحدثه عن كوكب بعيد تم اكتشافه مؤخرا ً، سألني :
ــ هل توجد في هذا الكوكب الجديد ، كما في الأرض، غابات، وبحارا، وبشرا ؟
ــ لا أحد يعرف .
فسألني :
ــ لماذا لا نذهب إليه ونعرف الحقيقة ؟
قلت :
ــ هو الذي سيأتي إلينا..!
فقال :
ــ لا اعتقد أن هذا هو السبب.. بل لأنك قلت لي : ألا تكفينا غابات وبحار الأرض..!
[3]
مشاركة
قبل أن يذهب إلى النوم، رآني ارسم مجموعة من الطيور .. فطلب مني أن لا أطفأ المصباح، فقلت له ــ لماذا؟
قال :
ــ كي تراني الطيور وتشاركني أحلامي ..!
[4]
هل يتكلم الماء؟
ــ هل يتكلم الماء ؟
سألني ولدي وهو يداعب أمواج النهر.. فقلت :
ــ لا .
فقال :
ــ بل يتكلم عندما يجد من يصغي إليه ..!
عادل كامل
إشارة
في العام 2005، وأنا أراجع بعض النصوص التي كتبتها، في مطلع الثمانينيات من القرن الماضي، إلى ( الأطفال) وجدت هذا النص المنشور في عدد من المجلات، ومنها مجلتي والمزمار الصادرة عن دار ثقافة الأطفال ببغداد، النص الذي كتب في سياق رصد العلاقة بين عالم ( الكبار) والعالم الذي مازال يتشكل بدوافع الحلم ومساحات الخيال المتحركة .. وجدت ، باستثناء الحكاية الأخيرة، التي كتبت بعد تحول ( الولد الشاطر) إلى عالم الكبارــ أي بعد عشرين سنة ــ إن أسئلة البراءة لا تمتلك ديناميتها وصدقها، أو دهشتها فحسب، وإنما جمالياتها في الارتقاء بوظائف الموجودات في وجودنا .. فهل استطعت، بصفتي أشتغل في حقل الفنون الجميلة، والكتابة الأدبية والنقدية، أن أعالج تلك الفجوة بين أسئلة ( البراءة) وما بعدها.. الفجوة التي انجذبت إليها،لا لاستعادتها، أو تأملها فقط ، وإنما لإقامة فيها : فكم ( نحن ــ أنا ) بحاجة إلى البراءة كي تبقى أحلامنا تمتلك طراوتها، ونبضها الذي لا يتعرض للإرباك أو التوقف. !
[1]
غناء
كان ينظر إلى الغيوم البيض، عندما سألني :
ـ سأغني .. بابا .. أتسمح لي بذلك ؟
سألته :
ـ لمنْ تُغني ؟
ـ لتلك الغيمة البيضاء ..
ـ لماذا ؟
أجاب بهدوء :
ـ في كل يوم ٍ، عندما تمر ٌ، تغني لي ..!
[2]
نزهة
ـ " هيا " وقال ولدي :
ـ " نذهب إلى النهر "
فذهبنا معا ً. وجلسنا نتأمل الأمواج، وأشعة الشمس الذهبية.. أنا كنت اصطاد وهو ينظر إلى ماء النهر الجاري .. سألني :
ـ ماذا تفعل ؟
ـ أصطاد .
فقال بحزن :
ـ لا .. لا يا والدي .. دع أصدقائي يتنزهون في النهر !
[3]
صداقة
كان يسقي شجرة صغيرة، خضراء، ويحدق فيها بحنان. سألته :
ـ لماذا تفعل ذلك ؟
ـ أريدها أن تكبر، لتصبح صديقتي !
[4]
برد .. وجليد
لماذا يلوثون البرد ؟ تساءل ولدي، وهو يستمع إلى أخبار اعتداء جديد على أرضنا. لكني قلت له :
ـ إلا ترى ان الجليد يغطي ارض قريتنا ؟
ـ نعم .. ماذا تقصد ؟
ـ ان الجليد يحمي أرضنا من قذائف الأعداء .
لكنه تساءل، مرة ثانية :
ـ لماذا يلوثون الجليد ؟
[5]
حب
كان ينظر إلى السماء الملبدة بالغيوم عندما سألته :
ـ أي شيء تحب : السماء أم الغيوم ؟
أجاب حالا ً :
ـ الغيوم !
ـ لماذا ؟
ـ لأنها تأتي بالمطر !
[6]
ضجر
كنا نتنزهة بمحاذاة النهر، عندما قفز إلى الماء، واختفى تحت الأمواج الزرق.. ثم عاد إلي ّ ومعه سمكة جميلة:
ـ أين كنت ؟
ـ في النهر!
ـ وماذا كنت تنفعل ؟
ـ ضجرت !
ـ وهذه السمكة ؟
ـ ضجرت من النهر !
ـ والآن ؟
في تلك اللحظة رأيته يودع سمكته وهو يحدثها :
ـ عودي إلى وطنك .. فكل منا له وطنه الجميل !
[7 ]
نجوم حزينة
كان ينظر إلى النجوم المتناثرة في سماء الشتاء، عندما سألني :
ـ بابا ..أرى النجوم حزينة ..!
ـ كيف عرفت ذلك ؟
ـ إنها متناثرة مثل جثث قتلى في ميدان الحرب ..!
قلت له :
ـ لكنها تضيء السماء .. والأرض ..؟
قال : من شدة حزنها تفعل ذلك ..!
[8]
مستقبل
بعد ان عدت متعبا ً من العمل، إلى البيت، كنت أحوّم فوق فضاء القرية حالما ً بغفوة بين بشاتين الخيل .. لكن ولدي جعلني أفيق.. حدقت فيه طويلا ً .. ثم سألته :
ـ عندما تكبر.. هل ستصبح طيارا ً ..؟
أجاب :
ـ كلا.
ـ هل تصبح بحارا ً ..؟
ـ كلا ً .
ـ ستكون مقاتلا.. ؟
ـ كلا .. كلا .. كلا .
فسألته وأنا مازلت في الحلم :
ـ ماذا ستصبح إذا ً ؟
ـ شمسا ً تنير السماء والبحر والأرض !
[9]
غناء
ـ يا والدي .. ماذا تفعل عندما تتعب ؟
ـ أرقد .
بعد صمت قصير سألته :
ـ وأنت ماذا تفعل ؟
ـ قبل ان اتعب .. أغني للشهداء !
[10]
سعادة
صحت مندهشا، وأنا انظر سعيدا ً إلى أشعة الشمس.. قائلا لولدي :
ـ الآن .. سأكتب قصيدة جميلة..
ـ لماذا ؟
ـ لأنني لم أرْ، منذ زمان، أشعة الشمس الذهبية تملأ القلب نشوة سعيدة ..
فأجابني بهدوء:
ـ لكني يوميا ً أراها !
[11]
أزهار
سألني وأنا اذهب إلى الحرب :
ـ عندما تذهب إلى الحرب.. لماذا لا تأخذني معك ..؟
قلت له :
ـ ومن يحرس الحديقة ؟
ـ الأزهار تجيد الدفاع عن نفسها !
[12]
حلم
جلست وحيدا ً أحدق في محيا ولدي ..عندما سألته :
ـ إذا كبرت .. هل ستذهب إلى المدينة ؟
أجاب حالا ً:
ـ كلا .
ـ لماذا ؟
ـ لأن قريتنا ستصبح مدينة كبيرة !
[13]
كوكب آخر
فجأة وجدت نفسي في كوكب آخر.. وعلى نحو غامض شاهدت ولدي يلهو بالذرات الترابية الفضية ويتحدث معها :
ـ ماذا تفعل هنا ؟
سألته .. ثم سالت نفسي : ماذا يفعل هذا الولد الشاطر في هذا الكوكب البعيد ؟
قال :
ـ أبتاه .. لماذا جئت ؟
لم اجب. وعندما استيقظت لحظتها رأيت ولدي ينظر إلى الكواكب البعيدة..
ـ أرجوك .. ماذا تفعل في هذه الساعة المتأخرة من الليل ؟
ـ أحلم !
ـ غريب .. ماذا تقول ..؟
ـ أحلم .
ثم عدت إلى النوم، بعد ان اختفى.. ومرة ثانية كنت في كوكب آخر.
[14]
موقد
سألني ولدي، والشتاء شديد البرودة:
ـ لماذا لا تبتسم ؟
فسألته :
ـ لماذا لا تروي لي طرفة..
قال :
ـ بابا أنت رجل حزين ..!
ـ كلا .. من قال ذلك ؟
ـ لأنك إذا فرحت تموت !
آنذاك نهضت ووضعت حطبا ً في الموقد .. ورحت اتامل اللهب المتصاعد من خشب البلوط .. وفي تلك اللحظة ذاتها فكرت ان احمي ولدي من الجنون.
[15]
الحديقة
سألني: لماذا لا نزرع النباتات المفيدة في بيتنا ؟
قلت : هذا جيد .
قال : لماذا لا نزرع الحديقة إذا ً ..؟
قلت : عندما تكون لنا حديقة في بيتنا يا ولدي الشاطر .
فقال حالا ً :
ـ أليس العراق هو هذا البيت ؟
[16]
بلبل
فتح ولدي باب القفص، واخرج البلبل منه.. لكن الطائر الذي حوّم قليلا ً، عاد إلى القفص حالاً.. وهكذا .. كان يعود البلبل إلى قفصه، في كل مرة.. أغلقت باب القفص .. نظر ولدي إلي ّ قائلا ً:
ـ لماذا فعلت ذلك يا ولدي ؟!
آنذاك نهضت وحطمت القفص !
[17]
عيد ميلاد
في عيد ميلاده الأخير، أوقدت الشموع الخمس له.. تساءل :
ـ لماذا تفعلون ذلك لي ؟
ـ لأنك كبرْت عاما ٍ.. أيها الولد الشاطر ..
بكى ..
ـ لماذا تبكي ..؟
أجاب :
ـ بل أنا أسالكم : من قال أني أريد ان أصير مثلكم ؟!
[18]
بلا عنوان !
سألني : أتستطيع ان تمشي فوق الماء؟
قلت : أستطيع ان امشي فوق النار !
قال: لا .. يا بابا ..
قلت : لماذا ؟
قال: عليك ان تعود إلى النوم ..
قلت: ماذا تقصد ؟
قال: من لا يمشي فوق الماء لا يمشي فوق النار !
[19]
فقدان
سالت ولدي وهو يقلبُ الدفتر الذي الصق فيه مجموعة من أوراق الأشجار :
ـ ستحتفظ بها مدة طويلة .. أليس كذلك ؟
صمت وقال فجأة :
ـ لكنها فقدت سعادتها الخضراء !
[20]
لا تفعل ذلك
سأل ولدي الوردة البيضاء التي قطفها من الحقل:
ـ لِمَ أنتِ حزينة ؟
ـ لست حزينة.
ـ لكنك ذابلة ؟
ـ نعم ْ.
ـ ماذا افعل لك ِ حتى تعودي إلى سعادتك ؟
ـ أن ْ لا تقطف شقيقاتي من الحقل !
[21]
أحلام
وسألني ذات مرة: لماذا لا تموت؟
لم اجب .. وكدت أغادر البيت .. إلا أني سألته، بعد أن هدأ غضبي الداخلي:
ـ لماذا ؟
قال : أود أن تروي لي ماذا يحدث هناك ؟
صحت حالا ٍ: يا ولد .. لقد كبرت !
قال حالا ً: لا .. يا بابا .. هذه هي أحلامي..وأنا أود أن اعرف أحلامك ؟
[22]
أزهار الحديقة
سألني وأنا أحدق في أزهار الحديقة:
ـ لماذا تنظر إليها هكذا ؟
قلت: لأن الأزهار تحب الصمت.
قال حالا ً: لا .. بابا.. لأنها تتكلم بصوت هاديء..!
[23]
حلم
رسم ولدي ذئبا وحملا ً وأسدا ً وشاة ونمرا ً وأرنب إلى جانبها دب ابيض وغزال وطيور مختلفة ..
فسألته :
ـ ماذا ترسم ؟
ـ أرسم حلما ً رايته ليلة أمس .
صمت قليلا ً ثم سألني :
ـ لكنني عندما ذهبت إلى حديقة الحيوانات رأيت الجميع داخل الأقفاص .. لماذا ؟
ـ حتى لا يفترس احدها الآخر .
فأجاب مدهوشا ً:
ـ لكنها حيوانات لطيفة..أنظر إليها، إنها تغني أغنية جميلة!
[24]
الصديق
زارني أصدقاء قدماء، ومعارف..مساء احد الأيام . وكانوا يتحدثون عن أشياء كثيرة فيما كنت اعتكف منزويا مع نفسي.. في تلك اللحظات قفز ولدي نحوي هامسا ً:
ـ لقد مر من أمام البيت .. ولم يدخل .
ـ من ؟
قال وهو يحدق في ّ:
ـ الم ْ تره ؟ قلت لك من ؟ قال:
ـ انظر .. انهض .. إلا تراه .. انه ..
نهضت ..ونظرت : كان احد أصدقائي الشهداء..آنذاك غادرت البيت تاركا الأصدقاء والمعارف يشاهدون فلما ً حربيا ً.
[25]
نوافذ
رغم أني كنت مرهقاً، فلم أرقد حتى الصباح. كان ولدي يعيد قراءة دروسه.. ويعيد كتابة واجباته .. وفي الفجر سألني :
ـ مع من كنت تتحدث ؟
ـ معهم.
وساد الصمت بيننا فترة أخرى من الزمن، لكني سألته :
ـ لماذا كنت تفتح النوافذ .. والدنيا برد ؟
ـ كي يدخل أصدقاؤك الشهداء، الذين كنت تتحدث معهم، طوال الليل .
[26]
عناق
بعد أن عدت من الحرب..مؤخرا ً .. استقبلني ولدي مبتهجا ً.. وعانقني .. وبعد الاستراحة سألني، وهو ينظر إلى قرص الشمس الذهبي :
ـ بابا .. هل تضيء أشعة الشمس ارض الأعداء..؟
قلت له :
ـ نعم .
فقال بصوت حزين :
ـ لماذا إذ تتقاتلون..؟!
[27]
استمتاع
قال ذات مرة :
ـ تعال نذهب إلى الشمس ..
ـ إنها بعيدة ..
وقلت له :
ـ هيا ادخل إلى البيت ..الهواء شديد البرودة ..
فقال:
ـ بابا .. دعني استقبل أشعة الشمس ..فإن كنا لا نستطيع الذهاب إليها فلماذا لا نستقبلها في بيتنا ؟!
[28]
خجل
في طريقي، مع ولدي إلى المدرسة، طلبت منه أن يغني .. فقال:
ـ الشارع يخجل مني.. !
[29]
حزن
قال : يقولون انك رجل حزين !
قلت : نعم .
فقال ضاحكاً: لكنك تعلمني الفرح يوميا ً..
قلن : ذاك هو سر حزني !!
[30]
أشجار
في ليلة باردة جداً، كنت أتأمل النار، وذلك اللهب المتصاعد منها عندما دخل ولدي وجلس بالقرب مني. كنت احسب ان ولدي الشاطر سيتأمل ، مثلي، جمرات النار، والصوت المنبعث من احتراق الخشب.. وما يوحي به الشتاء من أسرار لذيذة.. إلا انه سألني فجأة :
ـ بابا .. لماذا نحرق الأشجار المسكينة.. ؟
ـ لأن الدنيا باردة جدا ً .
فقال بصوت عال ٍ:
ـ لا ..بل لأن الأشجار لا تستطيع الهرب !
[31]
بكاء
بعد ان زار حديقة الحيوانات، مع طلبة صفه، وعاد إلى المنزل، سألني:
ـ هل تتكلم الحيوانات ؟
ـ لا ..
فقال :
ـ بل كانت تتكلم .. وكنت أتكلم معها ..
ـ ماذا كانت تقول ..؟
ـ كانت تبكي بصمت عميق !
[32]
أصدقائي
ذات مرة ذهبنا إلى الصيد .. في الصحراء .ز معا ً.. لكنه كان، كلما اكتشفت صيداً، يمنعني من إطلاق النار،أو يشوش الهدف علي ّ.
صحت به :
ـ ماذا تفعل ؟
حدق في ّ، قائلاًن بحزن:
ـ هؤلاء هم أصدقائي.. لماذا تطلق النار عليهم .. يا والدي الطيب ؟
[33]
وصية
ذات مرة مرضت، وشعرت باني سأموت في اليوم القادم.. فقلت له :
ـ يا ولدي اعتن بالحديقة .. والطيور.. وبقطتنا الجميلة.. وبالكلب الرائع .. و.. و..
ـ نعم .. سأفعل ذلك .. لكنني سأعتني بالكتب التي جمعتها لنا..
ثم رفع صوته :
ـ علي ّ ان اعتني بك أولا ً .. يا والدي العزيز !
[34]
أحلام
سألته عن آخر حلم مازال يتذكره .. قال :
ـ إنها كثيرة .
ـ وأخرها ..؟
ـ ذهبت إلى قاع البحر .. فجر احد الأيام الجميلة. كنت أتجول بين الأعشاب والمحار.. فجأة سمعت سمكة ذهبية تقول لي : أيها الولد الشاطر لماذا لا تبقى معي في البحر .. فأنت ولد لطيف ؟
أجبتها : أقترح عليك ان تعيشي معي في الغابة .. حيث الأزهار الملونة تملأ الأرض .. فقالت بحزن : لا أستطيع ان أغادر البحر . قلت : وأنا لا أستطيع ان أعيش تحت الماء! قالت السمكة الذهبية : لكن حاول ان تتذكر صداقتي لك . قلت لها : في الأحلام !
[35]
ذنوب
ذات مرة طلب مني ان نذهب إلى النهر للاستحمام .. فذهبنا .. وأمام الأمواج الفضية سألني :
ـ هل تستطيع ان تمشي فوق الماء ؟
قلت :
ـ لا ..لا أستطيع ان امشي فوق الماء ..!
فقال وهو يحدق في وجهي :
ـ ما أثقل ذنوبك يا بابا ..!!
[36]
رجاء
ذات مرة طلب ولدي مني :
ـ أرجوك ألاّ تكبر.. ألاّ تصبح مثل جدي العجوز ..!
ـ ولكني .. لماذا ؟
ـ كي أبقى، أنا، في هذا العمر !
[37]
قمر
سألني : لماذا لا تحب القمر ؟
قلت : ومن قال أني لا أحبه ؟
قال: لكنه لا يأتي ويجلس معنا في الحديقة !
[38]
ليل
قال لي : الشمس تنام في الليل ..
قلت له : إنها تنام في الليل ؟؟
فقال : لا .. نحن الذين ننام في الليل ..!
[39]
اسماك
وطلب مني ذات مرة :
ـ أريد أن تأتي لي بحوت !
ـ انه كبير جدا ً .
ـ ويسكن البحر .
ـ أجل !
لكنه سألني :
ـ حسنا ً .. لماذا تأتي لنا بالأسماك الصغيرة فقط ؟!
[40]
حوار
ـ لماذا يموت الإنسان ؟
قلت له : لأنه تعِب من الحياة .
قال : لا .. لأنه يريد أن يحلم !
[41]
عذاب
سألني وهو يحدق في الجمر :
ـ هل تتعذب النار عندما تتوهج ؟
ـ لا أعرف .. ولكن لماذا هذا السؤال؟
فكر بعض الوقت ثم قال :
ـ أنا أفكر في الأشجار التي قطعـت..!
[42]
طيور
بعد أن أكملت رسم لوحة جديدة فيها مجموعة من الطيور .. سألني :
ـ لماذا رسمت هذه الطيور داخل هذه اللوحة؟
قلت : لنتأملها..
فقال حالا ً: لا .. بابا ... دعها تعود إلى الغابة !
[43]
غناء
ونحن نتجول بمحاذاة النهر، سألني :
ـ بابا .. ما الذي تسمعه ؟
نظرت في محياه قائلا ً:
ـ اسمع الريح تداعب الأمواج .
فقال :
ـ لا أقصد هذا .. أقصد ماذا تسمع ؟
لم اجب .. فقال :
ـ أنا أسمع الأسماك تغني .. وهي تهرب كلما رأتنا نقترب من النهر !
[44]
صراخ
قال لي : عندما تتكلم يا بابا لا تصرخ ..!
ـ ومتى تكلمت .. ؟
ـ أمس .. وأنت تحلم !
[45]
لماذا؟
سألني : لماذا يذهبون إلى الكواكب البعيدة ..؟
قلت : لدراسة العالم البعيد .
فقال معترضا ً:
ـ لا .. إنهم هاربون من دراسة أرضنا..!
[46]
صوت
ـ بابا لماذا تنظر إلى الصخور كثيرا ً ؟
ـ أصغي لصوتها.
ـ وهل تتكلم الصخور ..؟
ـ نعم .. لكنها لا تؤذي أحدا ً!
[47]
واأسفاه
ذات مرة رفض أن ينام، وذهب إلى الحديقة. فسألته :
ـ ماذا تفعل في هذا الليل ؟
قال بهدوء:
ـ أتعلم من أحلام أشجارنا النائمة..!
سألته:
ـ وهل تحلم الأشجار ؟
قال حالاً:
ـ واأسفاه ..يا والدي .. لقد كبرت مبكراً !
[48]
أسئلة
عندما بلغ ولدي السابعة من عمره، لم يعد يوجه الأسئلة لي .. فسألته:
ـ لماذا لم تعد تسألني ؟
قال:
ـ ألان ..يا بابا.. أفكرّ في الإجابات !
[49]
استمتاع
ذات مرة رآني، على غير عهده بي، مسرورا ً جدا ً، فسألني ك
ـ أراك سعيدا ً جدا ً يا بابا ؟
ـ إنني ..الآن.. تعلمت لغة الغيوم ..!
فقال بأسف :
ـ لكنني يوميا ً استمتع بنشيدها !
[50]
[ بعد عشرين سنة ]
بعد انتصاف الليل، وأنا استعد للنوم، رأيت ولدي يقف أمام النافذة، يتأمل النجوم في السماء .. سألته :
ـ ماذا تفعل .. وماذا اكتشفت ؟
أجاب، وهو مازال يحدق في الفضاء:
ـ أتذكر انك حدثتني، ذات يوم، عن جسيمات الضوء.. وكيف.. كلما اتسعت المسافات، بينها، تبقى الجسيمات تبحث عن ظلام تبدده .. حتى لم اعد أر ظلاما ً في هذه المساحات الشاسعة ..
ـ وآلان ..؟
ـ ها أنا بدأت أرى حبيبات الزمن..أمامي..
تساءلت مندهشاً :
ـ ماذا ؟
أجاب بصوت خفيض:
ـ الزمن، كالضوء، كلاهما يخفي أسراره ولا يعلن عنها. إنهما ،معا ً، إن مرا ولم نمسك بهما، كأننا كنا بلا وجود !
كأنني كنت لا امتلك إجابة، ولا أسئلة.. وأنا أعيد تحليل عبارته.. ولكنه قال لي بهدوء:
ـ مازلت اكرر كلمتك القديمة: ليس السر هو الذي نجهل ما فيه.. وإنما ـ هو ـ الذي يبقى يجذبنا إليه ..!!
آنذاك كنت اكرر في نفسي : لا اعرف من يدوّن كلمات الآخر. لكنه قال، وكأنه سمعني:
ـ كلانا، يا والدي العزيز، نصنع الكلام، لكي يتكامل حضورنا.. فالكلام، مثل الضوء والزمن: حلقات تتجانس فيها الإقامة : انه عمرنا الجميل!
بغداد ـ الغزالية
1980ــ 2005
[1]
أحلام
كنا نتجول في الغابة، المجاورة لقريتنا، وكان ولدي يغني بصوت خفيض، عندما سألته :
ــ لم أسمعك تغني قبل هذا اليوم ؟
فقال مبتسما ً:
ــ تعلمت ذلك من الأشجار وليس من البلابل !
قلت بتعجب :
ــ ماذا تقول ؟
ــ لقد تعلمت الغناء من الإصغاء إلى أحلام الأشجار النائمة!
[2]
حوار
وأنا أحدثه عن كوكب بعيد تم اكتشافه مؤخرا ً، سألني :
ــ هل توجد في هذا الكوكب الجديد ، كما في الأرض، غابات، وبحارا، وبشرا ؟
ــ لا أحد يعرف .
فسألني :
ــ لماذا لا نذهب إليه ونعرف الحقيقة ؟
قلت :
ــ هو الذي سيأتي إلينا..!
فقال :
ــ لا اعتقد أن هذا هو السبب.. بل لأنك قلت لي : ألا تكفينا غابات وبحار الأرض..!
[3]
مشاركة
قبل أن يذهب إلى النوم، رآني ارسم مجموعة من الطيور .. فطلب مني أن لا أطفأ المصباح، فقلت له ــ لماذا؟
قال :
ــ كي تراني الطيور وتشاركني أحلامي ..!
[4]
هل يتكلم الماء؟
ــ هل يتكلم الماء ؟
سألني ولدي وهو يداعب أمواج النهر.. فقلت :
ــ لا .
فقال :
ــ بل يتكلم عندما يجد من يصغي إليه ..!
الفنان وويسيتش لوربيكي -بولندا-ترجمة د.غالب المسعودي
وويسيتش لوربيكي - لا يوجد شيء أفضل في العالم من ان تستيقظ في الصباح، وتبحث في الطلاء الذي انتهى لتوه ولكنه ما زال رطبا. أنها مثل الهدية التي طال انتظارها من شخص غامض. وأعتقد أن النتيجة النهائية هي المزيد من التعبير والتأثير العاطفي من النموذج. أحب اكتشاف تقنيات جديدة، خلطها معا واستخدامها لبث الحيوية. مع كل عمل، أنا اسعى إلى دفع نفسي الى اقصى حدب من القدرة،والى عبور الكثير من الحواجز الذاتية،وهذا يقودني
لاكتشافات داخل نفسي من الصعب ان تلتقطها الا وانت في اخر درجات الوجد عندما تتامل العالم من حولك.
لاكتشافات داخل نفسي من الصعب ان تلتقطها الا وانت في اخر درجات الوجد عندما تتامل العالم من حولك.
الجمعة، 1 يوليو 2011
الإسلام والنظام العلماني! (३-عماد رسن
الإسلام والنظام العلماني! (3)
لقد كتبت في المقال السابق (الدين في حماية النظام العلماني) بأن وضيفة النظام العلماني ليست حماية الدولة من المؤسسة الدينية فحسب, بل من أجل حماية المؤسسة الدينية من الدولة أيضا ً. فإذا كان الأمر كذلك, فهذا يعني بأن العلمانية مع الديمقراطية مطلب ملح لمجتمعاتنا التي يُستغل بها الدين ويُوضف من قبل الحاكم والحزب والأيدلوجية, حتى لو كانت أيدلوجية إسلامية, لخدمة مصالح فئة معينة, أو حزب واحد, أو فرد واحد. ولكن, هل يتوافق الفكر الإسلامي مع العلمانية كنظام أو إطار قانوني ينظم العلاقة بين الدين والدولة, أذا مافهمنا بأن العلمانية هي ليست فصل الدين عن الدولة فحسب, بل هي نظام يعيد تنظيم العلاقة بين الدين والدولة, كما أوضحت في المقال السابق.
قبل الخوض بموضع التوافق بين الإسلام والنظام العلماني, هناك سؤال لابد من طرحه وهو: هل هناك إسلام واحد موحد في العقيدة والفقه والأخلاق, أم أن هناك أكثر من فهم وتصور للإسلام تبعا ً للزمان والمكان؟ بالتأكيد لايوجد إسلام واحد بل تصورات تختلف وتصتدم فيما بينها أحيانا ً حول حقيقة موضوعية واحدة, كالإختلاف في تحديد أول يوم للعيد أوأول يوم من شهر رمضان. فهناك بالتأكيد الكثير من الفرق والطوائف الإسلامية المختلفة. سوف أختصر تلك التصورات الإسلامية حول العلمانية في ثلاث مجموعات, الأولى وهو التصور السلفي الذي يرفض العلمانية جملة وتفصيلا, والثاني هو التصور المعتدل الذي لايمانع في تطبيق النظام العلماني مالم يصتدم بمبادئ الشريعة الإسلامية, والثالث هو التصور الليبرالي الذي يرى من الواجب تطبيق العلمانية بإعتبارها تحفظ الحقوق والحريات الفردية والتي تنسجم مع التوجه الليبرالي وهي البوابة للدخول في عصر الحداثة. سأناقش في هذا المقال التصورين الأول والثاني بإعتبار أن التصور الثالث قد تجاوز إشكالية العلمانية. أما بالنسبة للشيعة فهم على قسمين, الأول وهو الذي يؤمن بالدور السياسي للدين, كنظرية ولاية الفقيه في ايران, حيث لامكان للعلمانية في هذا القسم, أما القسم الثاني فلايتدخل بالسياسة ولايدعوا لدولة دينية في الوقت الراهن فهو يقبل العلمانية للحد الذي لاتصتدم به مع مبادئ الدين.
أن التصور السلفي يرفض رفضا ً قاطعا ً العلمانية ويعتبرها كفرا ً وإلحادا ً, بل يرفض القيم الغربية الأخرى كالديمقراطية وحرية الإعتقاد والأديان. يعود هذا الرفض وتلك القطيعة, حسب رأي اولفر روي والباحث طلال أسد لسببين رئيسيين, الأول وهو أن القيم الغربية ومنها العلمانية ترتبط إرتباطا ً وثيقا ً بالثقافة المسيحية وبتجربة الإستعمار, أما السبب الثاني وهو أن القيم الغربية ومنها العلمانية طبعا ً ليس لها جذور أو أصول في كتب التراث الإسلامي كالقرآن والسنة. أضف إلى ذلك بأن الإسلام السياسي السلفي له تصوره الخاص به عن مفهوم الدولة التي لابد أن تكون على شكل الخلافة الإسلامية حيث لايوجد فصل بين الدين والدولة.
أما التصور المعتدل فهو يقبل بالقيم الغربية ومنها العلمانية مالم تختلف مع الشريعة الإسلامية. من هنا لابد من الذكر بأن فكرة تطابق الأفكار الغربية, وبالخصوص الليبرالية منها مع الشريعة فيها الشيء الكثير من عدم الوضوح. إن السؤال المهم هو, هل هناك شريعة موحدة لكل الطوائف الإسلامية, وإن كانت كذلك فهل هي ملزمة في كل زمان ومكان؟ الجواب بالتأكيد أنه ليس هناك شريعة موحدة مما يجعلها موضوعا ً مثاليا ً أكثر منه واقعية, على رأي روي. أما التغيير في الشريعة فهو وارد, ولما لا إذا مافهمنا بأن القران غير الكثير من الأحكام النازلة مجاراة للواقع بصيغة الناسخ والمنسوخ. إذن, لابأس من التجديد بالشريعة مادام المبدأ الأساسي هو أن الواقع الذي يفرض التغيير تبعا ً للمصلحة العامة, وقد تجاوزت الكثير من الفرق الإسلامية ذلك من خلال فتح باب الاجتهاد, كالشيعة مثلا.
وعلى هذا الأساس لايوجد مانع من قبول النظام العلماني بالنسبة للإسلاميين المعتدلين إذا ما فهمنا بأن اغلب القيم الغربية تلتقي مع القيم الإسلامية في المبدأ, كحرية الإعتقاد (لا إكراه في الدين), وحرية الأديان (لكم دينكم ولي دين), والتعددية (خلقناكم شعوبا ً وقبائل ), ومبدأ الديمقراطية (إني جاعلك في الأرض خليفة), إذا مافهمنا بأن النبي محمد صار ولي أمر المسلمين ليس بأمر من الله فحسب, بل من خلال قبول الناس به وبيعته في العقبة الأولى والثانية, فهو ليس مسلطا ً على رقاب الناس بل حكم برضاهم, وإلا مالسبب الذي يجعله يطلب بيعتهم, وأخيرا ً في حديث للنبي محمد (أنتم أعلم بشؤون دنياكم) والذي يدعوا لعمل كل فرد في مجال إختصاصه. إذن, لاتوجد أشكالية من الناحية المبدئية في قبول العلمانية من الناحية الإسلامية كنظام ينظم العلاقة بين الدين والدولة, إذا مافهمنا بأن أغلب الدول الإسلامية تحكمها أنظمة علمانية على مدى العصور على حد قول روي. ولكن, كيف يمكن فصل الدين عن الدولة من الناحية العملية, وهل يشبه النموذج الإسلامي المسيحية بإنفصالها عن الدولة بشيء؟ هذا ما سأتناوله في المقال المقبل.
عماد رسن
الخميس، 30 يونيو 2011
تصبحينَ عليَّ / سليمان دغش-اللوحات غالب المسعودي
تصبحينَ عليَّ / سليمان دغش
تُصبحينَ عَليَّ..
وَأَذهَبُ للنومِ وَحْدي
أُقبِِّلُ سَمّاعَةَ التِّلفونِ وَأبعَثُ سِرْبَ فَراشٍ
ليَحْرسَ نَوْمَكِ
لَيْتَ الوِسادةَ نِصْفُ ذِراعي
وَلَيْتَ ذِراعي
عَليْكِ تَنامْ
تُصْبِحينَ عَليَّ
وَأَذهَبُ للنَّومِ وَحْدي
أُلَمْلِمُ ذَيْلَ الحَديثِ الطَّويلَ
وَأجمَْعُ ما يَتَساقَطُ مِنْ شفَتَيْكِ
ويُمطِرُ فِيَّ .. سَحابُ الكَلامْ..!!
تُصْبِحينَ عَليَّ
وَوَحْدي أُسافِرُ في هدأَةِ الليلِ بينَ ستائر روحي
أكادُ أُحسُّكِ ملءَ الحنايا
وبينَ تفاصيلِ جِسمي النَّدِيّ
وأسألُ من أينَ لي كلُّ هذا الغمامْ ؟
فَإِلى أَيِّ أَرْضٍ يَطيرُ الفُؤادُ، أسيرُ يديك
رهينُ الرّخامِ الحرامِ على كَتِفَيْكِ
البَهيَّيْنِ مثلَ مَرايا النَّهارِ الشَّهيِّ
إِلى أَيِّ بَحْرٍ تَهمُّ النَّوارسُ فِيَّ
إِلى أَيِّ لَيْلٍ تُجَرْجِرُني الهَواجِسُ فِيكِ
إِلى أَيِّ رَوْضٍ يَفرُّ ويهمي بروحي الحَمام ْ؟!
كَيْ أَحُطَّ عَلى قدَمَيْكِ قَليلاً
أداعبُ لوحَ البيانو الصغيرَ
وَأُلقي عَلى ناهِدَيْكِ السَّلامْ
أُقبِّلُ عَشْرَ أَصابعِ شَمْعٍ عَلى قدَمَيْكِ
تُضيءُ وتوجِعُ هذا الظَّلامْ..!
وَحْدها الرّوحُ تَنفِشُ طاووسَها وَهَجاً
كُلَّما اندَلَعَ الثَّلجُ في رُكبَتيْكِ
وَعَربَدَ تَحْتَ الرِّداءِ
الرّخامْ...
كانت الرّوح مِن أَمرِ ربي
فكيفَ تجرَّأتِ أنْ تأخُذيها إليكِ بأمرٍ
يُعادِلُ أمر السماءِ
وإني بحبّكِ أَنتِ بلغتُ لَعَمري حُدودَ الحَرامْ
تُُصْبحينَ عَليَّ
وُأُصبحُ فيكِ
فَلَسْنا نفيقُ
وَلَسْنا نَنامْ..!!؟
لا تستفزوا العراق الشقيق -د. محمد صالح المسفر
لا تستفزوا العراق الشقيق
د. محمد صالح المسفر
2011-06-27
(1)
العراق ركن اساسي من اركان الوطن العربي، ومصير العرب مرتبط بمصيره، والشعب العراقي ساهم في تأسيس الحضارة الانسانية عامة والعربية الاسلامية على وجه التحديد من عهد حمورابي (1700 ق. م. ) والى عام 2003 عام النحس على العراق الشقيق والامة العربية عامة. من المؤسف ان الشرور توالت على العراق بفعل بعض من ادعى انه من ابناء الرافدين، وتعاظمت تلك الشرور من جواره العربي، والمحرك لكل هذا وذاك دولة الاستكبار العالمي، لكن قيض الله لها من يجرعها سم الهزيمة في العراق، انهم ابناء الرافدين البواسل.
اريد ان انبه كل الذين يستغلون ضعف العراق بعد احتلاله عام 2003 للنيل منه ومن كرامته ووحدة اراضية ان لا يتمادوا في استفزاز هذا الشعب العظيم تارة بالاصرار على ابقاء قرارات مجلس الامن الصادرة تحت بند الفصل السابع من الميثاق سارية المفعول، وتارة اخرى باستنزاف ثرواته بدون وجه حق وثالثة بتغيير معالم الحدود الجغرافية في جنوب العراق.
حدود العراق الجغرافية معروفة لكل منصف ـــ من حقب ما قبل العهد العثماني مرورا بالاحتلال البريطاني وقيام النظام الملكي وحتى عام 1991 م ـــ لا ينكرها الاظالم أوجاهل بوقائع التاريخ. الشعب العراقي اسد جريح بفعل البعض ممن يدعون الانتساب اليه، وبفعل جواره العربي والاسلامي وبفعل الدول الكبرى المتحكمة في ادارة مجلس الامن الدولي فلا تزيدوا جراحه عمقا بتصرفاتكم اللامسؤولة في جنوبه.
الاسد الجريح يكون اكثر شراسة عندما يستفز او يحاول احد اهانته او المساس بعرينه، وهذا طبع الشعب العراقي الشقيق.
( 2 )
بصرف النظر عمن يحكم العراق فكلهم مجمعون على تثبيت حقوقه الجغرافية في اي جبهة كانت، وبصرف النظر عن رأينا في الحكومة الحالية وشرعيتها الا اننا نقف معها صفا واحدا في وجه كل من يحاول المساس بسيادة العراق والاستقواء على حدوده التاريخية او النيل من مكانته او اهانة هذا الشعب العظيم بطريقة مباشرة او غير مباشرة، انه صانع حضارة انسانية يعتد بها على مستوى العالم كله وهكذا يجب التعامل مع العراق.
في اعقاب الحرب العالمية على العراق (33 دولة حاربت العراق) والتي استمرت من عام 1991 ـ 2003 واخيرا تم احتلاله، استغلت دولة مجاورة هذا الضعف الذي اصاب العراق فراحت تتوسع في الاراضي العراقية بمساعدة الدول المنتصرة في الحرب على العراق وفُعّل دور مجلس الامن لتحقيق تلك المهمة. على اثر ذلك فقد العراق اراضي واسعة غنية بالبترول وفقد ميناء (ام قصر) البحرية التجارية لان هذه المنطقة ضمت الى دولة الكويت بقرارات مجحفة وظالمة، كذلك استيلاء الكويت على ممر الملاحة البحرية في خور عبد الله الحق اضرارا بالغة بالموانىء العراقية مثل ميناء خور الزبير، وميناء البتروكيماويات وغيرها من الموانئ العراقية الصغيرة المتخصصة المطلة على الخليج العربي. ان الخط القاطع للممر الملاحي العراقي الضيق والمحصور بين ميناء ام قصر العراقي المغتصب وجزيرة (حجام) سيجعل الموانئ العراقية محاصرة تماما، ومعزولة عن العالم، وسيكون العراق دولة مغلقة لا صلة لها بالبحر. (عماد علّو 25 /5 /2011) وهذا خنق للعراق يجب عدم القبول به عربيا.
( 3 )
اعتقد ان الكويت لديها من الازمات ما يكفيها طبقا لما تنشره وسائل الاعلام الكويتيه ومع الاسف الشديد ان بعض اصحاب المصالح بوعي او بدون وعي يزيدون من ازمات الكويت بفتح ابواب اخرى للازمات الماحقة على سبيل المثال: اقدام الكويت على بناء ميناء مبارك الكبير الذي سيلحق اضرارا بالغة بالموانئ العراقية.
ان الاستمرار في تنفيذ هذا المشروع سيزيد من كراهية العراقيين للكويت لان هذا المشروع سيلحق الضرر بالاقتصاد العراقي بشكل مباشر وعلى الجرف القاري وممرات الملاحة. ان عمليات الحفر والردم، وانشاء السواتر الخرسانية في خور عبد الله سوف تلحق الضرر بالثروة السمكية في المياه الاقليمية العراقية، والتي تعتبر مصدر الرزق لآلاف العراقيين من سكان جنوب العراق.
ان الكويت لديها عدد من الموانىء هي ميناء الشعيبة، والاحمدي وميناء عبد الله وميناء الشويخ تخدم مساحته البالغة 18 الف كلم2، وسكان لا يزيدون عن 800 الف نسمة غير العابرين من غير الكويتيين ولا حاجة لها للتوسع في بناء موانىء جديدة، بينما ميناء ام قصر العراقي السليب يخدم سكانا يزيدون عن 26 مليون عراقي ومساحة ارض تقدر 437 كلم2 فاي عدالة هذه.
اخر القول: ان خنق العراق بحريا من قبل جيرانه اليوم امر لا يجب السكوت عنه عربيا، ان السكوت والتمادي في الحاق الاضرار بالعراق ستكون له عواقب وخيمة على المنطقة برمتها.
نيكوس كازانتزاكيس -اختيار سوسن سوشان
الأوذيسة
نيكوس كازانتزاكيس
استهلال
يا شمسُ،* يا مشرِقيَّ العظيمَ، وقَلَنْسُوةَ عقلي الذهبيةَ،
يروقُ لي أن ألبسَكَ مائلاً، إذ أتحرَّقُ للَّعبِ،
مادمتَ حيًّا، ومادمتُ أنا أيضًا حيًّا، حتى يفرحَ قلبُنا.
طيبة هي هذي الأرضُ، تلذُّ لنا، مثل عنقودِ العِنَبِ الأجْعَدِ،
في مهبِّ الريح الزرقاء – إلهي – تتدلَّى، تتأرجح،
وتنقرُها الأرواحُ وطيورُ الهواء؛
فلننقرْها نحن أيضًا، حتى يترطَّب عقلُنا!
بين صدغيَّ الاثنين، في الدَّنِّ العظيم،
أدوسُ العنبَ المقرقِشَ، والعصارةُ المتغطرسةُ تغلي،
والرأسُ كلُّه يضحكُ ويتبخَّرُ في النهارِ الصَّلد.
هل شرَّعتِ الأرضُ أشرعةً، أجنحةً، فارتجَّ الدماغ؟
والضرورةُ، أمُّ العيونِ السُّودِ، هل سَكِرَتْ وانطلقَتِ الأغنية؟
ملتهبةٌ السماءُ من فوقي، وبطني، من تحت،
كالنورسِ على صفحةِ اليمِّ يستحمُّ في الزَّبد؛
امتلأ منخراي ملحًا، وكَتِفايَ تلطمُهما
الأمواجُ متلاحقةً، وتمضي، وأمضي أنا الآخرُ معها.
أيا شمسُ، أيها الشمسُ المثلَّثُ الذي يمرُّ في الأعالي ويُبْصِرُ في الأسافل،
أرى قلنسوةً بحريةً، قلنسوةَ هادمِ الحصون؛
فلنركُلْه لهوًا، ونرى إلى أيِّ مدًى سوف يمضي!
للزمنِ – لو تدري – أوْباتٌ، وللمصيرِ دواليب،
والعقلُ البشريُّ، جالسًا في الأعالي، هو الذي يديرُها؛
هيَّا، ولنركُلِ الأرضَ، فتهوي متدحرجة!
يا شمسُ، يا بصري الثاقبَ اللاهي، يا كلبيَ الصيَّادَ المحمومَ،
جِدِ الفريسةَ التي أهوى وطارِدْها؛
خبِّرني بكلِّ ما ترى على الأرض، وافِني بكلِّ ما تسمعُ،
فأُدخِلُه إلى البوتقةِ السرِّيةِ في أحشائي،
ورويدًا رويدًا، ضَحِكًا ولهوًا وملاطفةً متأنية،
تصيرُ الحجارةُ والماءُ والنارُ والأتربةُ كلُّها روحًا؛
والنفسُ الثقيلةُ، الطينيةُ الجناحين، تُفارِقُ الجسمَ بلطفٍ،
فتَصَّاعَدُ كاللَّهبِ الهادئِ وتغيبُ في الشمس!
قد شبعتُم، يا أصحابُ، وارتويتُم عند ساحلِ البهجة:
ضحكٌ، ورقصٌ، وقبلاتٌ خاطفةٌ، وثرثرةٌ لا تنتهي
تُخمِدُ العيدَ فيكم وتُوارِيه الجسدَ؛
لكن الخمرَ فيَّ يفورُ، واللحمَ يُبعَثُ،
وريحٌ بَحْرِيةٌ تَثِبُ حتى توشكَ أن تطوِّحني؛
بي توقٌ إلى إنشاد أغنية، فأفسِحوا لي، يا إخوانُ، المجال!
أوَّاه، ما أوسعَ الحفلَ وما أضيقَ المكان –
أوسِعُوا لي، فيكونَ لي مدًى لأستلقي وريحٌ لكيلا أختنق،
فأقدرَ أن أطرحَ ساقيَّ، وأمدَّ ذراعيَّ،
لئلا أجرحَ في عنفواني نساءَكم وأطفالَكم.
إذ أحسَبُ أنها ستمسكُ بخناقي حين أطلقُ كلماتي
ترتحلُ من ضفةٍ لأخرى مُلاحِقةً البشر؛
وحين يجفُّ حلقي ويبرِّح بي وَجَعي،
سأنهضُ، وأطلبُ فضاءً لأرقصَ على الشاطئ.
جرِّدني من حصافتي، إلهي، لينشقَّ الصدغان،
وتنفتحَ حُفَرُ العقلِ، ويتنفَّسِ العالم!
إيه، أنتم أيها القرويون النَّملُ، يا عتَّالي القمح،
سألقي خشخاشًا أحمرَ، فيشتعلَ السَّهْلُ.
وأنتنَّ أيتها الصَّبايا ذوات الحماماتِ البرِّيةِ على صدوركنَّ الرطيبة،
ويا أيها الفتية الحاملون السكاكينَ سودَ المقابضِ في الزنَّار،
شجرةٌ يابسةٌ بلا زَهْرٍ هي الأرضُ، مهما جاهدتُم؛
أنا – ويحكم – بأغنيتي، سوف أجعلُها تُزهِر!
أيها الحرفيون، دَعْكم من عُدَّتِكم، واطووا مآزرَكم،
تحرَّروا من نيرِ الضَّرورة، فالحرية تستصرخكم.
الحريةُ، ليستْ خمرةً، إخواني، ولا امرأةً حلوةً،
ولا خيراتٍ في بيوتِ مُؤَنِكم، ولا وَلَدًا في المهد،
بل أغنيةٌ متوحدةٌ، أبيَّة، تضيعُ في الريح!
اشربوا من ماء الرفضِ اللاذعِ، فيتطهَّر العقلُ منكم،
انسوا عقاقيرَكم وهمومًا مخزية،
ولتصبحْ قلوبُكم قلوبَ أطفالٍ، عذراءَ، هشَّةً، خليَّةَ الهمِّ؛
ولتُزهري، يا أدمغةُ، ليأتي البلبلُ ويصدح!
وأنتم، يا شيوخُ، فلتَعْلُ صرختُكم، لتنبتَ أسنانُكم من جديد،
ويعودَ شَعرُكم غُرابيَّ السَّوادِ، ويتوثَّبَ العقلُ طليقًا!
وحقِّ أفَنْدِينا شمس وسيِّدتِنا قمر،
ما الشيخوخةُ إلا حلمٌ كاذبٌ وما الموتُ إلا وَهْم؛
كلُّ شيء من صنعِ النَّفْسِ وألاعيبِ الفكر،
كلُّ شيء نسمةٌ تهبُّ فينفتحُ الصَّدغان؛
هو حلمٌ لطيفٌ حُلِمَ به فوُجِدَ هذا العالم؛
فلنمضِ، يا أصحابُ، فاتحين العالمَ بالغناء!
إيه، يا رفاقَ السَّفَرِ، خذوا المجاذيفَ، فالربَّانُ قادم؛
ويا أمَّهاتُ، أرضِعْنَ أطفالكنَّ فيكفُّوا عن البكاء!
هيَّا! – اطردوا همومَكم التافهةَ من البالِ، وشنِّفوا آذانكم؛
فسأحكي لكم مغامراتِ أوذيسيوس الشهيرِ ومكابداتِه.
***
ترجمه عن اليونانية: ديمتري أفييرينوس
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)