سانت ليغو.. فقاعة إعلامية وضحك
على الذقون 1
صائب خليل
25 آب 2017
لكثرة ما تحدث
الساسة والكتاب عن سانت ليغو، واصنافه 1.9 و 1.7 وغيرها، وهذا يقول انه سينهي
المحاصصة وذاك يحتج أنه سيؤمن للكتل الكبيرة السلطة التامة على البلد من جديد،
وأعلنت الحرب عليه كجزء من "ضرورة التغيير" و "الحرب على الفساد"،
وخرج الكثيرين للتظاهر ضده واتهموا "القوى المهيمنة" بالتآمر لاستمرار
قبضتها على البرلمان، و"الكتل
المستكبرة تصر على منهجها في التفرد والاستحواذ وإقصاء الآخر"، ورسمت
الكاريكاتيرات عن ظلم سانت ليغو وإفهامهم أنه سبب كوارثهم ووسيلة الفاسدين للهيمنة
والبقاء ومنع "الإصلاح" .... وهكذا حتى اضطر النواب إلى مراجعة
قراراتهم بشأنه! ألا يعني هذا ان الناس قد فهمت سانت ليغو وصرت خبيرة به؟
الحقيقة
المهمة هي أن سانت ليغو لا يضيف أو ينقص، في أي من صيغه المختلفة، أكثر من مقعد
واحد لأي كيان في الدائرة الانتخابية، وهو على الأغلب لا يغير أي شيء.
ان
سانت ليغو هو نظام وضعه أحد علماء الرياضيات وتم تطويره لحذف بعض الكتل الصغيرة
جدا التي ليس لها سوى مقعد واحد في مجلس النواب، لتقليل التشتت وتمكين تشكيل
الحكومة بسهولة أكبر، وهو إجراء مفيد قليلاً لأي بلد يعاني من صعوبة في تشكيل
الحكومة، وليس موجها لتثبيت الفساد او أي شيء آخر، وله مزاياه ونواقصه كأي نظام
آخر. والآن الى الحقائق الأساسية التي يجب ان نتذكرها والتي تم طمسها:
1-
لا يوجد نظام لتوزيع المقاعد يحرم كتلة كبيرة من حصتها أو يزيدها بشكل مؤثر! لذلك
فالتهريج حول سانت ليغو في معظمه ليس سوى جهل شديد، أو احتيال غرضه الإلهاء ولعب
على عواطف الناس التي تتمنى التغيير ولا تعرف له طريقا.
2-
الطريقة الوحيدة لإزالة كتلة فاسدة كبيرة، هي كشف فسادها بالأدلة لحرمانها الأصوات،
ومتابعة فضحها ومحاكمتها، وكل شيء لا يصل الى هذه النتيجة ليس سوى تهريج مشبوه لإبعاد
الانتباه عن الحقائق الأخرى التي تجري وراء الستار.
أمثلة
تعطي انطباع خاطئ
في
جميع الأمثلة التي رأيتها، عمد الكاتب إلى استعمال عدد قليل من الكتل وعدد قليل من
المقاعد في امثلتهم لشرح الأمر. وهذا يعطي انطباعا خاطئا عن حجم التغيير المحتمل. لان
تغيير مقعد واحد يعني الكثير عندما يكون العدد قليلا. كذلك عندما يكون عدد
الكيانات في المثال قليلا، وباختيار ارقام مناسبة، فسوف يمكن عرض الامر وكأن سانت
ليغو سوف يزيح نصف الكتل السفلى، ويمنح كل مقاعدها إلى الكتل الكبرى.
لقد وضع
البعض طريقة لحساب المقاعد لثلاثة أنظمة مختلفة على النت، ويمكنك ان تستعملها وتضع
بنفسك عدد المقاعد وعدد الكيانات الانتخابية وعدد الاصوات لكل كيان، لرؤية كيفية
توزيع المقاعد حسب كل طريقة وستكتشف أنها تكاد تكون متطابقة!
في بعض
المقالات في العراق، تم تداول الجداول الثلاثة التالية لتوضيح تأثير الفرق في
استعمال ثلاث صيغ سانت ليغو المختلفة (1، 1.6، 1.9) ولتبيان خطر النوع الأخير على
الكتل الصغيرة ومساعدته على هيمنة الكتل الكبيرة.
الجدول
الأعلى يمثل صيغة (1) والجدول الوسطي يمثل صيغة (1.6) والجدول الأخير ويمثل صيغة
(1.9). ويحاول من وضع الجداول أن يبين كيف ان الصيغة الأخيرة تدفع إلى
"هيمنة" الكتل الكبيرة. فكما نرى من عمود (عدد المقاعد) في يمين الجداول
الثلاثة، أن المقاعد توزعت في الجدول الأعلى بين كتلتين كبيرتين (أ و ب) وثلاث كتل
صغيرة (الكيانات ج، د، هـ، وحصلت كل منها على مقعد واحد).
في الجدول الوسط (صيغة 1.6) نجد أن أدني كتلتين قد فقدت كل منها مقعدها لصالح الكتلتين الأكبر الأولى والثانية، فصارت الأولى 4 مقاعد بدلا من 3، وصارت الثانية 3 مقاعد بدلا من أثنين.
أما في الجدول الأسفل (صيغة 1.9) فخسرت كل
الكتل الصغيرة مقاعدها، لصالح الكتلتين الكبيرتين، واللتان بقيتا وحدهما في البرلمان،
كما تبين الجداول.
لكن هناك خطأ في الحساب، اعطى الانطباع بتغيير
أكبر حجما من حقيقته. ولكي نكتشف الخطأ يجب ان نعرف كيف تم اختيار المقاعد. وبدون
ان ادخلكم في حسابات الأرقام (رغم سهولتها لمن يحب أن يعرف) أقول ان القاعدة هي أن
علينا أن نختار من الأرقام التي ضمن المستطيل البني، أكبر الأرقام لنعطي كل منها
مقعدا ثم نرى كم مقعدا حصل كل كيان. على سبيل المثال من داخل المستطيل البني في الجدول
الأعلى نختار أولا أعلى رقم وهو 27000 ونعطي لصاحبه (الكيان أ) المقعد الأول.. ثم
نعطي المقعد الثاني إلى (الكيان ب) لأنه يملك ثاني اعلى رقم (23000) وهكذا إلى ان
تنتهي المقاعد الثمانية التي لدينا، ونحصل على توزيع المقاعد على الكيانات كما هو
مسجل في العمود الأيمن.
لو طبقنا ههذه القاعدة على الجدولان
الوسطي (صيغة 1.6) والأسفل (صيغة 1.9) لوجدنا خطأين في كل منهما! وفي الحالتين نرى
ان المقعدين 7 و 8 في كل منهما، لم يعطيا لأعلى الأرقام! بل سلما إلى أرقام أصغر
(في المربعات التي أشرتها بالأحمر) بدلا من الأرقام الأعلى (المربعات التي اشرتها
بالأخضر).
لقد قمت بوضع النتائج المصححة في أعمدة
إضافية خارج الجداول على اليمين. ونلاحظ أولا أن الفروق أبسط، وأن عدد المقاعد
التي خسرت اقل مما تم تصويره، وعدد الكيانات لم يقتصر على كتلتين استحوذتا على كل
الأصوات، كما نلاحظ أن احدى الكتل الصغيرة التي كانت تملك مقعداً واحداً صارت تملك
مقعدين! كذلك نلاحظ، وعلى عكس ما تبين الجداول الخطأ، نرى أن الكتلة الأكبر لم
تزدد مقاعدها ولا مقعد واحد!
إذن، حتى لو كانت سانت ليغو غير مناسبة،
فهي مبالغ بها ولا تستحق كل هذه الضجة، فما هو الهدف من ذلك؟ وإن لم تكن سانت ليغو
هي المشكلة المهمة فما هي المشكلة المهمة؟ وما هي اهم نقطة يمكن للشعب أن يبدأ بها
استعادة السلطة على البرلمان وعلى بلاده؟ سنتحدث عن هذا في المقالة القادمة.