الخميس، 20 يوليو 2017

خيانة النقد- يحيى القيسي *


خيانة النقد

يحيى القيسي *

لم يعد النقد على العموم سواءً الأدبي أو الفني يشكّل مصدراً للاعتماد عليه “لتمييز جيد الأدب من رديئه” حسب تعبير الجاحظ، ولا حتى لإضاءة النص من الداخل، وبيان جمالياته، وإخفاقاته، فسلطة النقد تهاوت بسبب ما تسرّب للنقاد من تهافت واستسهال، إلا من رحم ربي، أي أصابتهم عدوى الأدباء الذين اختلط فيهم الحابل بالنابل، وصار عندهم كلّ من يدبج مجموعة من الجمل التي تشبه “الكلمات المتقاطعة” أديباً، وصار كلّ من يخربش بالألوان بشكل مجاني ودون أي انسجام أو إبداع تشكيلياً، وهنا يمكن أن نشير أيضا إلى فنون وإبداعات أخرى تسرب إليها الوهن، وضمت المبدع والمدعي معاً في سلم واحد دون تمييز، فكم رأينا من “الكومبارس” في التمثيل أصبح يشار إليه بالفنان القدير، وكم رأينا من كاتب خواطر وموضوعات إنشاء تصلح للمدارس ينافس الراسخين في الأدب، ويوقع الغثاء الذي يكتبه في المحافل الثقافية ويشارك في المهرجانات، وكم سمعنا لأصوات مشروخة لا تصلح حتى للنداء على بيع البطاطا في الأسواق تفرض علينا على أساس أنها طرب أصيل .


أقول كلّ ذلك وأنا أشاهد يوماً بعد آخر كيف يتم التضحية بالمبدعين الحقيقيين على مذبح الزيف والتضليل، فمن يوقف مثل هذا الهذر، ومن يشير إلى مثل هذا الابتذال، والنقاد أكثرهم نيام، أو منتفع على موائد اللئام، قد أدمن بعضهم التدليس والتضليل كي يكتب عن فلان ويعلي من شأنه، ويقصي آخر ولا يأتي على ذكره، وهذا الأمر يبدأ من نقاد الملاحق الثقافية مروراً بالمجلات الرزينة، وصولاً إلى المشاركات الأدبية والفنية في هذا المحفل أو ذاك، أو المهرجانات والملتقيات، حتى ينتهي الأمر إلى لجان التحكيم في الجوائز، أما النتيجة التي تحصل من كل هذه التنازلات والمحاصصات فهي منتج ضعيف يعاني “الأنيميا” الإبداعية، يروج له على أساس أنه فتح عظيم في الأدب أو الفن، وبالتالي يقع ضرر ذلك على المتلقي المسكين الذي يصدق ما وصل إليه، وما تم الترويج له من الناقد فلان والباحث علان .
أما المصيبة الكبرى برأيي فهي تتعلق بالنقد الأكاديمي الذي من المفترض أن يكون محايداً وعميقاً في التحليل والأمثلة ودرساً نقدياً لدارسي الأدب، ولكن للأسف وصل “الفساد الثقافي” والعمى النقدي أيضا إلى كثير من هذه المؤسسات، فكثير من “دكاترة” الأدب الحديث في الجامعات العربية وخصوصاً في كليات الدراسات العليا يوجهون طلابهم نحو أعمال هذا الكاتب أو ذاك ليس على أساس إبداعي بل لأسباب تتعلق كما أشرت بالمحاصصة، أو مدى علاقة المشرف على رسالة الطالب بالكاتب نفسه، وأحياناً يفضل بعض المشرفين توجيه الطلبة إلى كتاب راحلين أو اشبعوا بحثا من قبل لسهولة المراجع والكسل الأكاديمي المعتاد من أجل الحصول في النهاية على “الشهادة” .
النقد في خلاصة الأمر إبداع، والناقد الحقيقي يؤشر للكاتب على مواطن القوة والضعف في عمله الإبداعي من أجل أن يمضي قدماً في عمله المقبل، ويسعى الناقد أيضا إلى تعريف القراء بهذا الكتاب أو ذاك، بكل حيادية وبشرف مهني يجب ألا يتم المساس به، ولكن المتتبع للحياة الثقافية العربية لا يكاد يجد شيئاً من ذلك، فقد تسرب للنقد أيضاً من هم من غير أهله، ويحسب كلّ من درس مواد في النقد الحديث أو القديم وتخرج في جامعة معينة في تخصص اللغة العربية والنقد أنه أصبح جاهزاً لرفع هذا والحط من ذاك خبط عشواء .

_______
* مؤسس ورئيس تحرير “ثقافات”


الجمعة، 7 يوليو 2017

اصدارات جديدة



عن المركز الثقافي للطباعة والنشر-بابل-دمشق- القاهرة صدر كتاب جديد للشاعر والباحث احمد الحلي بعنوان قريبا من النبع-قراءاتي في الرواية-قراءات اخرى -

الاثنين، 3 يوليو 2017

ثقافة الأطفال في عصر السيولة الرقمية=*لطفية الدليمي




ثقافة الأطفال في عصر السيولة الرقمية

*لطفية الدليمي
الأطفال كائنات بيولوجية فريدة في نوعها وعلى درجة عظمى من الخصوصية والتميّز، ويُجمِع علماء نفس الطفولة والتطور البشري أنّ مصدر تلك الفرادة المقترنة بالطفولة يعود في معظمه إلى اللدونة الدماغية* الفائقة لدماغ الطفل، ومن الطبيعي أن تترتّب على هذه الخصيصة الفريدة مترتبات يمكن عدّها مزايا حصرية للأطفال دون سواهم، وأهمّ تلك المزايا هي: القدرة الفائقة والسريعة للطفل في تشكيل أنماط دماغية جديدة قادرة على التكيف مع الخبرات غير المجرّبة وتمثلها والتعامل معها بمرونة وصبر وشغف، وهذه المزية الفريدة لا تُتاح في العادة لغير الأطفال، أو قد تكون متاحة لهم ولكن بثمن باهظ يخلو من عوامل الإثارة والشغف ويغلب عليه القسر وتأدية الفروض والواجبات في سياقات بيروقراطية شديدة الوطأة.

ثمة خصيصة أخرى مرتبطة باللدونة الدماغية الفائقة للطفل، وأعني بها انفتاح الفضاء التخييلي لدى الطفل وعدم تقيّده بمحددات فيزيائية أو اجتماعية ضاغطة، ويمكن فهم هذه القدرة الفريدة لدى الطفل من الطواعية الدماغية لديه في خلق تشبيكات عصبية يتعذّر عدّ احتمالاتها الممكنة، وكل احتمال من تلك الاحتمالات هو بمثابة فرصة لتخليق عالم تخييلي جديد.

تأسيساً على الملاحظات السابقة، أودّ في الملاحظات المحددة التالية إلقاء ضوء على بعض الموضوعات التي أراها ذات أهمية حاسمة في ثقافة الطفل الذي يعيش عصر السيولة الرقمية والمستحدثات الحاسوبية والتطبيقات المتعاظمة للذكاء الاصطناعي :

– أهمية الحكايات الشفاهية للأطفال: تبقى الحكايات الشفاهية المتواترة (سندباد، حكايات الأخوين غريم، أليس في بلاد العجائب..) ذات أهمية عظمى لمخيال الطفل وذائقته التصويرية وجهازه اللغوي الغض، ومن الضرورة الفائقة أن تُروى هذه الحكايات على مسامع الأطفال حتّى لو كانت مطبوعة في كتب ورقية ذات ألوان براقة جاذبة. يمكن للأب أو الأم أو المعلمة القيام بدور الراوي في هذه الحكايات؛ غير أن الأم تبقى هي الراوية الأفضل وبخاصة في وقت ما قبل النوم. إن تجربة سرد الحكايات الشفاهية على الأطفال فريدة للغاية وذات دور عظيم في تثوير خيال الطفل وإثارة مكامن شغفه بالكلمات والصور المتخيلة؛ الأمر الذي ينعكس بالضرورة في ارتقائه البيولوجي والوجداني، وينبغي دوماً مقاومة الميل المتعاظم لجعل الأطفال قارئين رقميين لهذه الحكايات اللذيذة على وسائطهم الرقمية.

– ضرورة تجنب السرديات ذات المحمولات الارتكاسية والموغلة في النزعة القومية والشوفينية: يُلاحَظ في ثقافة الأطفال (وأدب الأطفال بخاصة) إعلاؤه شأن الحكايات المتوارثة التي تؤكّد السمات القومية لكل جغرافية بشرية، ويمكن عدّ هذه الظاهرة انعكاسا لنزعة تأكيد السيادة القومية وإعلاء شأن الأمة-الدولة؛ غير أن عصرنا الحالي تفاقمت معضلاته وتغوّلت حتى شملت الكوكب الأرضي برمّته ولم يعُد مقبولاً -أو حتى ممكناً- الانكفاء على الخصائص المميزة لكل جغرافية بشرية بعينها وتأكيد علويتها بالقياس إلى سواها من الأجناس البشرية؛ بل صارت الضرورة البراغماتية تفرض ترويج نمط من الثقافة الجمعية التشاركية التي تعمل في إطارها كل الكائنات البشرية للحفاظ على الموروث الإنساني ومعالجة آثار المشاكل المهددة للجنس البشري بأجمعه.

– ثقافة الطفل والأخلاقيات العملية: ثمّة ميل عالمي متعاظم لإحلال نوع من الأخلاقيات العملية منذ وقت مبكر في ثقافة الطفل واعتبارها أمراً أجلّ شأناً وأكثر جدوى من الخطابات الوعظية ذات المحمولات الدينية أو اللاهوتية التي تختصّ بجماعة بشرية دون غيرها، ويراد من هذا الأمر تخليق نوع من الأخلاقيات الجمعية التي لا تتحدد بمؤثرات الزمان والمكان والبيئة وتكون فاعلة في الوقت ذاته في التعامل المجدي مع المعضلات العالمية.

يمكن في هذا المضمار إيراد أمثلة كثيرة على هذه الأخلاقيات العملية الجمعية: إشاعة ثقافة الاحترام والتسامح والمساواة الجندرية، احترام الثقافات البدائية ونزع المسلكية الشوفينية إزاءها، تأكيد حق الحياة والتعليم والصحة لكل أفراد الأرض، المشاركة الفاعلة في الحملات الإنسانية لدعم أطفال المناطق الموبوءة أو التي تعاني ويلات الحروب أو الهجرة الناتجة عنها، دعم المعرفة البيئية والسياسات اللازمة للتعامل مع المعضلات الكارثية التي تواجه كوكب الأرض…

– ضرورة الموازنة الدقيقة بين القدرة التحليلية والقدرة الرقمية في ثقافة الأطفال: من المعلوم أننا نعيش اليوم وسط بيئة صارت محكومة -بالضرورة- بهيمنة الوسائط الرقمية الشائعة، ومعروف أيضاً أن تلك الوسائط محكومة هي الأخرى بقيود النظم الرقمية التي تعمل وفق خوارزميات محددة، وقد أدى هذا الأمر إلى خفوت القدرات التحليلية والفلسفية والاستعاضة عنها بنوع من القدرة الخوارزمية الأقرب إلى متطلبات التنميط الجمعي التي يستلزمها الارتقاء بمنظومات الذكاء الاصطناعي.

ولا يغيب عنا أن خفوت الشغف التحليلي والفلسفي ينطوي على مخاطر عدة من بينها تراخي النزعة الإنسانية وفقدان التواصل الحيّ مع الإرث الإنساني في شتى حقوله المعرفية وشيوع نوع مستحدث من العبودية الرقمية التي يسهل توظيفها من قبل الحكومات لخلق نوع من دكتاتوريات رقمية شديدة الوطأة، وفي مواجهة ذلك ستحافظ الثقافة غير المنمّطة رقمياً على التراث الإنساني وتعمل على الارتقاء المتواصل في المناطق الدماغية الخاصة بالقدرات التحليلية وتجنب الانكفاء في لجّة الخبرات المنمّطة.

– يمكن لثقافة الطفل أن تكون أداة من الأدوات الفاعلة في تحقيق السلام العالميّ وتخفيف حدّة النزاعات الدولية: من المعروف أن الإرهاب الدوليّ وغياب فرص التسامح والتعايش الحقيقية يتغذّيان من حالة سوء فهم الآخر وعدم الانفتاح على ثقافته الخاصة، وقد أثبتت الجهود العالمية (الأمم المتحدة مثالاً) وهناً كبيراً في إشاعة قدر مقبول من التسامح الدولي والانفتاح الثقافي تجاه الثقافات المهمّشة (حسب نموذج نظرية المركز-الهوامش) بسبب بيروقراطيتها وشيوع الفساد فيها؛ وهنا يمكن لثقافة الطفل المبكرة أن تكون ترياقاً مضاداً لكل النزعات التهميشية والإقصائية للآخرين وبخاصة إذا ما اعتمدت نمطاً من الحس الإنساني الجمعي المتناغم مع تطلعات الشعوب في كافة أقاصي الأرض.

– دعم ثقافة الأطفال وتطويرها هو استثمار ناجح في المستقبل: ثمة جانب براغماتي ملحّ يتطلّب الارتقاء بثقافة الأطفال وبخاصة في عصر شيوع الثقافة الرقمية وقرب سيادة منظومات الذكاء الاصطناعي التي ستغزو جميع مرافق الحياة الإنسانية. يمكن لثقافة توازِنُ بين الجانبين التحليلي والرقمي ينشأ عليها الطفل أن تساهم في إمداده بالعدّة اللازمة للتعامل الناجح مع المستقبل وطرد الشعور بالضياع وعدم القدرة والتمكّن من التعامل الكفء مع المستحدثات الرقمية، كما أن الثقافة المبكرة المتوازنة للطفل -مثلما يرى خبراء ثقاة- يمكن أن تبعده عن مخاطر الاعتلالات المرضية (مثل مرض الزهايمر) وتملأ حياته شغفاً وبهجة.

– ثقافة الطفل وتعلّم اللغات الأجنبية: تنبّهت السياسات التعليمية العالمية (بل حتى على مستوى العائلة) إلى الضرورة الفائقة لاستثمار اللدونة الدماغية الهائلة لدى الطفل في ميادين محددة، ومن أهم تلك الميادين هو التعلّم المبكر لبضع لغات عالمية؛ إذ تبدو قدرة الأطفال غير محدودة تقريباً في تعلّم وإتقان اللغات الأجنبية، وهو الأمر الخليق بتعزيز قدرات الأطفال ومنحهم مزايا تنافسية مشروعة من جهة، كما يساهم في الكشف عن إطلالات مشروعة على الثقافات العالمية الشائعة خارج فضاء الثقافة المحلية للطفل. إن التعددية اللغوية للطفل ستقود حتماً إلى شيوع ثقافة تقبل الآخر والتسامح واحترام الخصوصيات القائمة على التمايز والاختلاف في إطار من التلاقح الثقافي والحضاري المتبادل.

* اللدونة الدماغية (Cerebral Plasticity): مفردة تقنية تشير إلى قدرة الدماغ على تخليق اشتباكات عصبية دماغيّة جديدة؛ الأمر الذي يؤدي إلى تخليق قدرات إبداعية جديدة.
_________
*المصدر: مجلة الجديد

محاكمة برودسكي-اول محاكمة لشاعر

أسم المؤلف: ترجمة وتقديم : شاكر نوري
عدد الصفحات: 181
سنة الطبع: 2017
رقم الطبعة:الاولى
ISBN:978-1-7732215-8-8

نبذة عن الكتاب : هذا الكتاب:محاكمة سريالية تراجيكوميدية .. إن من يركض وراء نشر كتبه لا يمكن أن يكتب وينتج نحن جئنا إلى هنا لا لكي نعيش بل لكي نكمّل ما تبقى لنا من أيام العمر   عندما نفقد قدرتنا على كتابة الشعر، يعني  ذلك  أن الحياة أوشكت على الانتهاء ". برودسكي لم تكن محاكمة الشاعر جوزيف برودسكي من نسج الخيال بل هي حقيقة واقعة موجودة في الوثائق والأرشيف إذ تجسّد أول محاكمة لشاعر، العلاقة المأساوية بين السلطة والإبداع، وهذه القضية ما زالت تتفاعل في مجتمعنا العربي ولم تجد بعد الحلول اللازمة رغم سقوط الإمبراطوريات والدكتاتوريات والأنظمة الشمولية هنا وهناك. لقد تعرضّ الشاعر إلى المنع من الكتابة لأنه لم يكن منتميا إلى اتحاد الكتاب والأدباء السوفيات آنذاك، فالابداع الأدبي كان عليه أن يمر بسلسلة من القنوات الحزبية قبل أن  يرى النور وإلا يعتبر منشورا سريا يُحاسب عليه صاحبه. وهذا ما حصل مع الشاعر برودسكي.يعود الفضل في تدوين وحفظ جلسات محاكمة الشاعر برودسكي في عام 1964 الصحافية  الشجاعة  فريدا فيغدوروفا التي لولاها  لذهبت وقائعها أدراج الرياح. لذلك أصبحت وثيقة هامة وفريدة من نوعها، في تاريخ الأدب، علق عليها ايفيم ايتكند، عضو اتحاد الكتاب والأدباء، وصديق برودسكي وأحد الذين شهدوا محاكمته. وقد وصفها الكثيرون بأنها رائعة سريالية تراجيكوميدية، أنبثقت من لجتها البيروسترويكا التي غيّرت وجه روسيا نحو الديمقراطية.وقد صُدمت سلطات بلده أن حاز مواطنها الشاعر على جائزة نوبل للآداب من مقر إقامته في الولايات المتحدة، الذي أعتبر أكثر من شاعر، فهو مفكرٌ، خرج على تقاليد الأدب المألوف ليذهب بتجربته  إلى أقصى مداها في عالم كتابة الشعر.