الأربعاء، 12 فبراير 2014

البُسطار الروسي و القبعة الأمريكيه والحاضنة الأسرائيليه : قضايا العرب بين أرجل الآخرين- د. لبيب قمحاوي




البُسطار الروسي و القبعة الأمريكيه والحاضنة الأسرائيليه :  قضايا العرب بين أرجل الآخرين
                                                                      بقلم
                                                                                                                                                                                  د. لبيب قمحاوي
                                                                                         lkamhawi@cessco.com.jo
          من الخطأ التعميم المطلق أو اصدار أحكام عامة على شعب من الشعوب أو أمة من الأمم . ولكن من الواضح أن مسار الأمة العربية وشعوبها لا يبعث على الارتياح ولا يبشر بالخير . إن هذا لا يعني الولوج في أحكام مسبقة الصنع بقدر ما يعني رغبة حقيقية ومخلصة لاستقراء الواقع في محاوله لفهم المستقبل . العالم من حولنا يثب وثباً ويقفز نحو التقدم والبناء من خلال العمل والمثابرة وليس من خلال الأحلام والأوهام وشراء مظاهر التقدم والحضارة عوضاً عن صنعها بنفسه ولنفسه وللأجيال القادمة كما هو عليه الحال لدى الأمم الأخرى الحية .
        من الواضح أن منطقة الشرق الأوسط وقضاياها قد ابتدأت تنحسر في أهميتها بالنسبة للدول الكبرى والدول القادرة . وهذا الانحسار لا يعود إلى فقدان هده المنطقة لأهميتها الجيوبوليتيكية أو لأضمحلال  مواردها خصوصاً الغاز والنفط ، بقدر ما يعود إلى شعور الدول الكبرى والقادرة بأن المقاومة القادمة من تلك الدول لمشاريع إستغلالها اقتصادياً وسياسياً وحتى إعادة تشكيلها تكاد تكون معدومه إن لم تكن معدومه فعلاً . وقد خلق هذا الواقع حالة من الأطمئنان المطلق و الثقة الكاملة لدى تلك الدول ناتج عن شعورها بأنها تستطيع أن تفعل ما تريد في تلك الدول ولتلك الدول دون أي مقاومة تذكر ، مما يعني أن انسحاب اهتمامها من هذه المنطقه لصالح مناطق آخرى لن يؤثر على مصالحها الحيويه في منطقتنا العربيه .
        وهذا الانسحاب لا يعني ترك منطقة الشرق الأوسط سائبة  بقدر ما يعني تسليم مقاليد أمورها بالنيابه إلى قوى إقليميه حليفة أهمها اسرائيل كدولة حاضنه وربما ايران وتركيا اللتان سوف تُُستَعمَلان لتمزيق المنطقة وإعادة تشكيلها على أسس مذهبية بين السنه والشيعه . أما قيادة أمور المنطقة بشكل عام فستبقى دائماً بيد اسرائيل وهي الأقوى عسكرياً في الأقليم .
         إن الضعف شيء والشعور بالضعف شيء آخر . فما بالك إذا كان واقع الحال يعكس الأثنين معاً .  النوايا الأمريكيه بالإنسحاب من منطقة الشرق الأوسط لصالح توجيه اهتمام أكبر ووقت أكثر لمصالحها واستثماراتها  في قارة آسيا وخصوصاً في دول مثل الصين والهند بات أمراً أكثر جدوى للمصالح الأمريكيه . ويقابل هذا القرار الأمريكي قراراً روسياً بالعودة إلى منطقة الشرق الأوسط بقوة وبدور جديد وأهداف وأساليب جديده تعكس المصالح الروسيه وضرورة تكريسها لتعويض الخساره التي أصابتها في أوروبا الشرقيه والشرق الأوسط عقب انهيار الأتحاد السوفياتي . أما الحاضنة الأسرائيليه  " فلا خَوْفٌ عليهم ولا هم يَحْزَنون " . فأمريكا مع اسرائيل كما أن روسيا أيضاً مع اسرائيل ، والعديد من الأنظمة العربية الخائفة والمرعوبة تغازل اسرائيل ،  معظمها في الخفاء ، وبعضها في العلن . ومحاولة بعض الأنظمة العربيه مثل السعودية والسلطه الفلسطينيه ومصر اللعب على أوتار تضارب المصالح بين أمريكا و روسيا لن يجدي نفعاً في معظم الحالات باستثناء بعض الحالات وأهمها حالياً سوريا . فأمركيا و روسيا لا يتصرفان الآن بعقلية الحرب البارده ولكن بعقلية تطابق أو تعارض المصالح . وقد تتعارض المصالح إلى حد الخلاف العلني ولكنها لن تصل إلى حد التناطح بل ستتم معالجتها من خلال التوصل لتسويات تناسب الطرفين وإن كانت تلك التسويات ستكون في المحصلة النهائية على حساب الآخرين ، أي العرب بشكل رئيسي .
          إن ما يجري من اقتتال في سوريا هو مثال حي على ذلك . فمع أن الخلاف على سوريا هو روسي – أمريكي ، إلا أن من يدفع الثمن هم السوريون وسوريا . فالقتلى هم في غالبيتِهِمْ من السوريين ، والدمار يلحق بسوريا ، وانهيار الأقتصاد يصيب سوريا ، والسماح باستمرار ذلك الى حين الوصول الى اتفاق بين روسيا وأمريكا هو أيضاً على حساب سوريا . النظام السوري لعب اللعبة بذكاء ولكن ضمن رؤيا أنانيه بحته . والمعارضه السوريه لعبت اللعبه بغباء يعكس تشتتها وتنوع مرجعياتها . والعرب لعبوا اللعبة بلؤم واضح قل نظيره، وكان دورهم في النهاية محصلة لقصر النظر والتبعية لجهات أو مرجعيات أخرى منها الأسلاميين و الأمريكيين و الروس و الإيرانيين و الأتراك ، ولم يتصرفوا أبداً انطلاقاً من موقف عربي شامل يهدف إلى حماية المصالح العربية من خلال حماية سوريا وشعب سوريا من التفكيك والدمار والقتل والتشريد والتهجير .  
         النظام السوري كان يعلم بالضبط مايريد وكان على استعداد لفعل أي شيء وكل شيء من أجل ذلك . والمعارضه السوريه كانت تعلم ما لا تريد ولكنها لم تتمكن من التوافق على ما تريد ! أما العرب فبعضهم قد إنطلق في مواقفه من عقلية البداوة التي تسعى الى الأنتقام من بشار الأسد ، والبعض الآخر انطلق من فكرة وعقيدة تسعى الى دعم الأسلاميين على حساب الدوله الوطنيه السوريه . وبين هذا وذاك ، قام كل فريق من أولئك بدعم وتمويل فرق ومجموعات أجنبيه غير سوريه بالمال والسلاح ومساعدتها على دخول الأراضي السوريه كي تنشط هناك، مما ساهم بالنتيجه في تدويل الصراع في سوريا من صراع سوري – سوري الى صراع مركب، أطرافه تدين بالولاء لقوى اقليمية ودوليه من خارج سوريا ، بل ومن خارج العالم العربي ، لها مصالحها التي قد لا تنسجم أبداً مع مصالح الدوله السورية أو الأمة العربية .
         تَطَوُر الصراع في سوريا كان يخفي في ثناياه جهود قوى اقليميه رئيسية وقوى دولية لتفكيك النظام الأقليمي العربي وتحوليه الى انظمة طائفيه بقيادة قوى غير عربيه أهمها تركيا وإيران وإسرائيل . وفي هذا السياق ، اخذت معظم المجتمعات العربيه تنجرف نحو الأسلمة سواء عن وعي مقصود او بلا وعي كخطوة أولى نحو خلق نظام سياسي طائفي جديد . وتم تفسير المصلحة الوطنيه من جديد بأعين طائفية وطموحات تتناقض والواقع الوطني والقومي لدول المنطقة.
        وقد ساهم وصول الأسلاميين السنة الى الحكم في مصر في تأجيج هذا التوجه نحو إستبدال الدولة الوطنية بالدولة الدينيه وإبتدأت المسيره البائسه بالعمل على خلق عالم سني وعالم شيعي على أشلاء العالم العربي وإحياء دولة الخلافه سنياً وولاية الفقيه شيعياً . وأصبحت سوريا هي الجوهرة المنشودة من قبل القطب الأقليمي السني في مسعاه لأستكمال المحور السني ، وخط الدفاع الاخير للقطب الأقليمي الشيعي في سعيه لمنع تكامل ذلك المحور . واشتد الصراع وابتدأ التجاذب بين الأطراف المختلفه في سعيها لحسم الصراع في سوريا كل لصالحه . وفي خضم  ذلك فقدت البوصله إتجاهها ولم يعد طرفي الصراع الأساسين وهما النظام السوري والمعارضه الوطنيه السورية قادرين على توجيه الصراع للوصول الى الأهداف المنشوده من قبل السوريين أنفسهم . واستغل النظام السوري هذا الوضع لأخافة المجتمع المدني السوري والمجتمع الدولي من عواقب استلام الأسلاميين للحكم في سوريا . ومن اجل ذلك ، أخذ النظام نفسه في تضخيم قوة الأسلاميين واعتبرهم قطب المعارضة الرئيسي بهدف وضع السوريين والعالم امام خيار واحد من خيارين : إما بقاء النظام أو استلام الأسلاميين للحكم في سوريا . وقد نجح في ذلك نجاحاً باهراً . وهكذا ، إبتدأت معالم خارطة التحالفات الأقليميه في التبلور عشية انفجار الحركة الشعبيه في مصر والتي أدت إلى إسقاط نظام حكم حركة الأخوان المسلميين في مصر .
        لقد كان لسقوط نظام حكم الأخوان المسلمين في مصر أثراً مدوياً على الواقع الجيوبوليتكي في المنطقه،  وأختل توازن الداعين إلى إنشاء دولة الخلافه . وقد إنعكس ذلك على علاقة تركيا بالنظام الجديد في مصر وكذلك على دورها في دعم الجهات المعارضة لنظام الأسد ، في حين أبدت ايران و روسيا ترحيبها بتلك التطورات وانعكاساتها الأيجابية على نظام الأسد .

       وهكذا فإن القرار النهائي لكيفية وطبيعة الحل النهائي للمعضله السوريه قد خرج من أيدي السوريين والعرب والأسلاميين إلى أيدي أمريكا و روسيا ، وأي تغيير على أرض الواقع في جبهات القتال في سوريا لن يكون قادراً على الحسم كونه في الحقيقة لا يهدف إليه بقدر ما يهدف إلى تعزيز موقف أمريكا أو روسيا من قبل هذا الطرف أو ذاك في التفاوض على كيفية حل المعضلة السوريه وعلى اقتسام النفوذ والغنائم المرتبطة بذلك الحل  .
        وهكذا ، فإن الجميع يتقاتلون ، ولكن الحصاد ليس لهم بل لغيرهم . وهذا ، على ما يبدو ، هو واقع الحال العربي . والأطراف العربية الأخرى المرتبطة بهذا الصراع تعبر عن نفسها ومواقفها من خلال الآخرين ، إما أمريكا أو روسيا ، وليس مباشرة أو من خلال موقف عربي واضح المعالم تجاه هذا الصراع . وضع عجيب خصوصاً في ظل وجود مئات الآلاف من الضحايا والمصابين وملايين المهجرين السوريين .
         إن تشابك قضايا المنطقة والتأثير المتبادل لما يجري في مصر على سوريا أو لما يجري في سوريا على فلسطين أو لما يجري في ليبيا على مصر أو لما يجري في سوريا على لبنان أو لما يجري في فلسطين على الأردن أو لما يجري في العراق على الكويت أو لما يجري في مصر على السعودية ..... الخ كل هذا يبدو أنه لم يشكل أرضية كافية في نظر العديد من الأنظمة العربيه للتعامل مع قضايا المنطقة بمنظور تكاملي يهدف إلى إيجاد حلول عربية للقضايا والمشاكل العربية . بل على العكس ، فإن الأستعانة بالأجنبي كان دائماً الخيار المفضل لدى العديد من الحكام العرب مما ساهم في مزيد من التمزيق للمنطقه واحتلال دولها واستباحة سياداتها وثرواتها ووضعها تحت بُسطار النفوذ الأجنبي .

ليست هناك تعليقات: