الاثنين، 7 فبراير 2011

موضوعة السيد عبد البطاط-ضمير أبيض-بين الحزن والكيف


موضوعة السيد عبد البطاط
(ضمير أبيض)
بين الحزن والكيف
البصرة- عبد البطاط
بادئ ذي بدء لابد من معرفة (الكيف) بالمفهوم الشعبي البصري.. حيث تعني الطرب والسرور والفرح. (فلان مكيف).. اي فلان فرحان.. (في هذا المكان كيف وطرب).. يعني في هذا المكان سرور واغان والحان وتقاليد خاصة لا يجوز تجاوزها سواء من أعضاء الفرقة الفنية التي تؤدي فقرات الطرب او الحضور عرف مفهوم لمن يرتاد هذه الأماكن.
الشعر الشعبي العراقي الآن وفيما هو موجود في دواوين وإصدارات.. كم هائل يفتقر الى النوعية.. يتصفح المتتبع للشعر الشعبي فيجد الأغلب (رغم تنوع المضمون والشكل) على نمط (هاي مدرستك يطالب عينها.. ولا تشخبط بيدك حياطينها) لكن للحقيقة والإنصاف نجد أن في الضفة الأخرى قمما تتميز بروعة المكنون وإبداع ليس له حدود.
كلنا عندما يقرأ احدنا لمظفر النواب ينحني إجلالا لما يقوله.. ومع ذلك فعلينا ألا ننسى (في الوقت نفسه) ما تجود به قريحة الشعراء الإحياء ـ اطال الله في اعمارهم ـ (عريان السيد خلف، رياض النعماني، علي الشباني، كاظم اسماعيل كاطع، اسماعيل محمد اسماعيل، فاضل السعيدي، مهدي السوداني، نوفل الصافي، علي الربيعي، كاظم غيلان، كاظم السيد علي، جمعة الحلفي، عباس الموسوي، حمزه الحلفي، محمد النعماني، عبد السادة العلي واخرين) ، وهؤلاء لاشك قمم في الشعر الشعبي العراقي الحديث ، و(ابو طيف، حامد كعيد الجبوري) واحدا من هؤلاء، فديوانه الأخير (ضمير ابيض) كضميره وضمير من جعل الوطن والتضحية من اجله.. هدفه ومناه.
هذا الديوان الذي يحتوي على 45 لوحة إبداعية رائعة مختلفة التواريخ والإيقاعات وأربع صناعات (للشاعر رياض النعماني وللشاعر والباحث جبار الكواز، والباحث والناقد د.خليل ابراهيم المشايخي والباحث والناقد د.محمد عوده سبتي) وفي محاولة لإلقاء الضوء على بعض قصائد الديوان فإننا نجد في: فرفحتلك، واشتلت روحي على اشفافك أمل....
إي لوحة إبداعية تلك حيث الشفاه هي أمل الروح... بالله عليكم هل هناك شيء أروع من الشفاه للحبيب؟
وفي (امل ميت) نرى كلمات الحب والهيام والعشق لا تتكلم .. فهي خرساء صماء.. لان الكلمات قد ماتت.. وأين..؟ مرة أخرى على الشفاه التي ليس لها مثيل عند ( حامد كعيد ) .
ونشعر بجرحه في عام 1973 وهو في دمشق.. وقد تحدى الزمان وافتخر بألمه وحزنه وتعبه ولم يصاحب سوى الصبر والمروءة وهذا ما سطره في) وديت روحي.(
وفي (روض) ضيع محطته.. إذ لا قطار صاعدا يحمل البشاره ولا قطارا نازلاً يرفع الخسارة.. بالمحطات كثيرة خلعت ثياب الصبر وألبسته ثياب الأمل ولقاء من عنبر وريحه نرجس وورد ورياحين في روض جميل ليس له مثيل.
ويقسم في (أوتار جبهوية) بـ شفة حبيبته التي ذبلت بالعطش، بالصبر، بالشوك، وبأنه سيضوّي دروب الوطن وينذر قلبه (سكة) لسير المناضلين الطيبين عليه لبلوع مناهم ومبتغاهم.
وفي قصيدة اهداها للشاعر الرائع (رياض النعماني) ذلك الشاعر الإنساني الذي يفتخر كل من التقى به والتي كانت بعنوان (ضمير ابيض) هي اصدق تعبير لا تحتاج الى تعليق.. ففيها يسأله الشاعر حامد (شاعر يسأل شاعر(
ما تشتاك..
تنزع ثوب حزنك والنهر خنياب
والحلوات يملن وشلة اخدودك
ويفلّن صبر عمرك كصايب
اعتقد انه تساؤل مشروع .. كل محب لإبداع هذا الشاعر وشخصيته الفذة يتمنى رجوعه واستقراره في (الوطن الأم) .. لكي يساهم في بناء صرحه.
ويهدي قصيدة (ضيف فقره) للشاعر الراحل محمد الغريب.
ياغريب ..
الدار وحشه
ومعدن الفقره.. النقاء
ياغريب ..
المال بالغربه وطن
والفقير يعيش ببلاده غريب..
ونحن نتساءل ومعنا الشاعر .. متى تتغير قوانين هذه المعادلة؟ متى تنعكس هذه النظرية..؟ متى..؟
ونؤيد الشاعر بكل ما نملك من قوة حيث (الفقره طيبه) لان الفقراء لهم صفات لا يعرفها الا من مر بها وعايشها وتسربل بها حتى النخاع.وفي (السكوت من ذهب) ينصح (ابو طيف) القراء والسامعين لصوته المدوي في المهرجانات والاماسي والاخوانيات حيث علامة النجاح لكل محفل شعرٍ شعبي.
اسكت واكتم اسرارك
وأخذهن صوغتك للموت
اشجم ميت صنع تاريخ ‏
وجم يونس ابطن الحوت
وفي (أركب عالصعاب) يحدد لنا الشاعر الوطني مسار الطريق الذي علينا ان نسلكه ويخاطب العراقي الشهم
ازرع بالصبخ نخلات وورود
العينه عالزرع ميموت زرعه.
ويؤكد حقيقة تاريخية واضحة.. ناصعة.. ووضوع الشمس في عز النهار
من تطفح الغيره
وينبض الغيض..
عراقك ما يذل..
محد يركعه
وكانت قصيدة (صوت الحقيقة) التي اهداها للشاعر )عريان السيد خلف) حيث كان كثيرا ما يتساءل.. لماذا سمي عريانا..؟ لكنه اهتدى- كما يقول- أخيرا لذلك فجاءت قصيدة معبرة بصدق عن الوجدان والوطنية لان الشاعر تلذذ بخبز العراق.. الخبز الذي ليس له مثيل في الدنيا كلها.
ضكت خبز العراق
وغززت الملحه
شك ساس الشعر
وتعله بالبنيان..
نعم كان الشاعر عريان صوت الحقيقة الناصعة بكل صدق وأصالة لم تغره كل الأساليب الملتوية من اجل ان يبيع ضميره.. لان هذا الضمير كان يقلق الجلادين هذا الضمير الذي اقسم ان يكون بصف شعبه ل ابصف الطغاة وأطلق الشاعر (ابو طيف) صيحة مدوية..
اذا نام النهار بيوم
هم يغبش..
ويرد نور الشمس
ويضوي كل أمجان.
واهدي قصيدة (اضلوع السجن) الى الشاعر الكبير الرمز (مظفر النواب) وللاحرار الذين حفروا نفق الحرية في سجن الحلة الدكتاتوري حيث كانت صورتان كتبتا عام 2006 م.
على اضلوع السجن
حطت عصافير
وفخاني بطلت من
ياكوكتي.. وين اختي .. بالحلة
ويا سبحان الله.. يخلد الشاعر الطيور ويؤكد بانها قررت أن تحفر نفقاً بزنزانة الشاعر النواب..
الطيور اتحزمت تحفر
بزنزانة (مظفر) للدهر يحدي
أحط ترابك أبحضني ولوليك
ويخاطب الشاعر ابو طيف الشاعر النواب بكل صدق واصالة
يا مهر الأصيل الما يحده اعنان
تسحن صبرك وتلهم
بس يحله السفر وياك..
ولماذا السفر (يحلى) مع الشاعر النواب؟.. فيجيء الجواب سريعا
أنت النوخذه وسكان
ودور (النوخذه) للسفينة معروف.. فهو ربانها وهو المسئول عنها.. اما (السكان) فهو مقود القيادة التي يحركه الربان نحو بر الأمان والاستقرار.
اما في (رسالة متأخرة لابي سرحان )
بالبصرة امس
جوكه عصافير
تتراكص على العشار..
وكفت تنشد السياب..
عن شاعر رقيق وتاه عنوانه...
ويؤكد بان روح الشاعر مهرة لجامها الريح وجدايلها السفر ولكن الى اين..؟
خاصة وان محطات الدنيا كلها خطر ودمار وموت اكيد..
وطال الانتظار لكن (ابو سرحان) لم يأت ليسوق الغيم) بمهرته العزوم وبيده الراية التي ترف بيده و(ام البروم) قد نامت فتاة العشاق وتتساءل باستمرار: ألم يمر بسمائكم طير يرف جناحيه على البصرة وأهلها الطيبين؟
وفجأة يمر طيف بزمان اخرس يتساءل هو الأخر عن هذا الطير وعن ضحكه بزلف مشحوف عشاري.
وفي قصيدة (صبرا يا عراق)
هذا اول وطن
بالكون ما يرتاح..
تعبير صادق عن ما يمر به هذا الوطن الحبيب الذي توحدت لتحطيمه كل قوى الشر والرذيلة.. لاشيء.. سوى لأنه اختار طريقا جديدا هو طريق الحرية طريق الفقراء.. طريق من لا طريق لهم.. وكانت نعمة الذهب الأبيض التي أصبحت نقمة .. لا نعمة.. فالنفط رغم خزينه الهائل وتسويقه يوميا بكميات كبيرة لم يتغير شيئاً من الواقع المعاشي.. فمن سيئ الى اسوء.. مدعاة لتكالب القوى الشريرة طمعا فيه..
اما الشعب فكل فرد فيه عرف طعم الحزن منذ نعومة الأظفار.. لا يعرف البسمة ولا الفرحة.. ففرحته بكاء ونحيب
ويشير الشاعر الى انه والجميع يحلمون بان
ولا صاحب بخت..
ويصيح بيك الله..
ويسرج للخيول
ويبرز ارماحه..
ويسقط الصنم.. لكن أصناما كثيرة تتواجد وتملأ الساحة برقصها وردحها ويصرخ الشاعر .. يا عراق.. يا عراق..
شد صاري العزيمه
وصارع الأمواج..
توصل للشواطي بغير ملاحه
صبرا يا عراق..
الصار كله ايهون
بعد كاعك بجر
بيدين فلاحه
ويمدنا الشاعر بديمومة البقاء من خلال قصائد ديوانه
(كاريكتير، أمنيات ترفض التأجيل، صبر مفطوم، هوه الخمسين، دفيني ابعباتج، ايام المزبن، حمد، ابن الشعب، ابو عمشة، تبا للسياسة، طرطره، وغيرها)
ان على المتتبع للشعر الشعبي العراقي أن يدرس بإمعان وتروي قصائد هذا الديوان ويحلل كل قصيدة منه- لابل كل بيت شعري- ويعرف ظروف نضمها وتاريخها .. واعترف باني عانيت الأمرين في اختيار.. عن اي القصائد أتحدث، وعن اي القصائد اذكر.. فالديوان قصائده درر وصعوبة علي أن اختار درة معينة لأحتضنها.
اعتقد اني رميت حجرا في بركة الشعر الشعبي حركت فيها المياه بعض الشيء وعلى المهتمين بالشعر الشعبي العراقي ان يبادروا هم أيضا كي نساهم في اعلاء الكلمة الصادقة الشريفة وسط ركام من الكلام الذي يطلق عليه أحيانا شعراً شعبياً.

ليست هناك تعليقات: