بحث هذه المدونة الإلكترونية

مرات مشاهدة الصفحة في الشهر الماضي

الجمعة، 26 نوفمبر 2010

التاريخ الشعري وصنعته المعقدة-الشاعر محمد علي النجار- أنموذجا -بقلم حامد كعيد الجبوري


التأريخ الشعري وصنعته المعقدة
الشاعر محمد علي النجار أنموذجا
حامد كعيد الجبوري
عجيبة لغتنا العربية ، عصية على غير ناطقيها ، لذا سميت بلغة الضاد ، بمعنى أن غير العربي يجد صعوبة واضحة بالنطق حين تلفظه حرف الضاد ، ومقابل ذلك فإن لغتنا العربية الجميلة لها أسرارا لا يعرفها إلا المختصون باللغة العربية ، ومن هذه الأسرار القوة الحسابية لكل حرف من حروفنا العربية الثمانية والعشرون ، وقد صنفت حسب أبجديتها لهذه القوة الحسابية ، فمجموعة ( أبجد ) ذات الأربعة حروف تختلف قوتها الحسابية عن مجموعة ( هوز ) بقوتها الحسابية أيضا ، فحرف ( أ) له قوة حسابية تعادل الرقم ( 1 ) ، وحرف ( ب ) يعادل الرقم ( 2 ) ، وحرف ( ج ) يعادل الرقم ( 3 ) ، والحرف ( د ) يعادل الرقم ( 4 ) ، وصولا للرقم عشرة لحرف الياء في مجموعة ( حطي ) ، ومن ثم تتصاعد الحروف الى الرقم ( 10 ) و ( 20 ) ، وصولا للرقم (100) ، لتصبح ( 200) ، و( 300) ، وهكذا الى الرقم ( 1000) لتصبح بعدها ، ( 2000) ، و (3000) ، لنهاية الحروف الثمانية والعشرون ، وقد وجد الشعراء المؤرخون صنعة أتقنوها بتأريخهم الشعري ، وأقول صنعة حيث أنها تعتمد مسألة الحساب ، يضاف لها شاعرية كبيرة مجربة ، لتأتي صياغة أبياتها مسبوكة بشكل ملفت ، فإن جاءت القصيدة كما قلنا مضافا لها تأريخ شعري رائع عدت القصيدة وتاريخها فتحا لذلك الشاعر ، وبالمقابل هناك ناظم يتقن العروض ، ويتقن التأريخ الشعري ، لذا تأتي قصيدته وتأريخه لا تعدو كونها قصيدة وتاريخ ناظم بصياغتها ، وفي بعض الأحيان يأتي ذلك الناظم بتأريخ جميل يشار له ، دون التعرض لقصيدته وقوة سبكها بشئ من النقد ، والسؤال الذي يطرح نفسه ، هل تتقبل الذائقة الجميلة المرهفة شعرا لناظم ما يسمي نفسه شاعرا ؟ .
يعد الشاعر والباحث والمؤرخ الحلي ( محمد علي اليعقوبي ) ، صاحب الموسوعة الكبيرة ( البابليات ) من الشعراء المجيدين للتأريخ الشعري ، وكذلك الشاعر ( مجيد العطار ) ، والشاعر الشيخ ( صالح الكواز ) ، والشاعر السيد ( جعفر الحلي ) وغيرهم الكثير من الشعراء الذين تركوا أثرا واضحا بهذه الصنعة الشعرية ، ويمكن أن نعد الشاعر السيد ( محمد علي النجار ) آخر هؤلاء الشعراء الكبار لصنعة التأريخ الشعري .
وللإجابة عن التساؤل الذي طرحته أقول ، لنأخذ مثلا صغيرا بين أيدينا وهو الشاعر المجيد والمؤرخ الشعري الأروع ( السيد محمد علي النجار ) ، فهذا الرجل صياد ماهر للجواهر الثمينة كاللؤلؤ والمرجان والياقوت ، فالشاعر السيد محمد علي النجار حين ما يؤرخ لكبار الشعراء ، يأخذ بيتا أو شطرا أو جزءا من شطر كتبه الشاعر الذي سيؤرخ له ، ويبدأ التاريخ الشعري بعد هذه المفردات التي يقولها الشاعر ، ( تأريخه ، أرخ ، أرخت ، ) ، وهناك أمثال لحذف أو إضافة مفردة أو حرف سنوردها من خلال الموضوع ، ومثال لذلك ما قاله محمد علي النجار بحق الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري ، مؤرخا تاريخ وفاته ، مستفيدا من قصيدته العصماء فداء لمثواك من مضجع فيقول مؤرخا لتاريخ وفاة الجواهري الكبير فيقول ،
يقولون حل صرف الردى ...بساحة شاعرنا الألمعي
ومن كان في قمة المبدعين ... يحلق في الأفق الأوسع
فقلت جواهره لن تموت ... وتخلد في العالم الأرفع
وجدت لتاريخه ( شاهدا ... فداء لمثواك من مضجع )
311 +86 +597+90+913=1997 م
ومن جميل تواريخه هذه التورية مؤرخا لولادة حفيده علي أبن الدكتور أسعد النجار فيقول مؤرخا ،
حفيد سرنا الرحمن فيه ... وكم أسدى لنا الرحمن لطفا
وقال أبوه سموه ( عليا) ... فهذا الاسم بالتعظيم حفّا
ومن ذكراه في التاريخ ( دين ... علي الدر والذهب المصفى )
1404 هجري
وكما قلنا بحذف حرف أو مفردة – إسم أم فعل - ، فهنا يؤرخ لسقوط طاغية العراق قائلا ، ومنها ،
مضى ظلم صدام الى غير رجعة ... فإن مات لا تؤويه حتى المقابر
ولا يستطيع المرء إحصاء ظلمه ... وإن كثرت أقلامه والدفاتر
ففي كل بيت بالعراق ظلامة ... وآثار ظلم كلهن كبائر
فدع ( دال ) صدام وقد ( دال ) حكمه .. وأرخ ( على الباغي تدور الدوائر )
4 - 2007 = 2003 م
ومثال آخر للإضافة مؤرخا لوفاة الدكتور أحمد الوائلي قائلا ،
أنا إن بكيت خطيب آل محمد ... ومدامعي سالت من الأحداق
كررت ( أحمد ) حين قلت مؤرخا ...( يفنى الزمان وذكر أحمد باقي )
53 + 150+129+260+1483+= 1424 هجري
وأرخ السيد محمد علي النجار شعريا لأغلب مساجد وحسينيات الحلة الفيحاء ، ناهيك عن تواريخه الشعرية التي انتشرت بعموم العراق ، و الحواضر العربية ودولة إيران الإسلامية ، وآخر ما رأيت له من تاريخ شعري ، أرخ وفاة صديقه السيد حسن آل يحيى الموسوي ، ولا أريد أن أقول أي شئ بخصوص عمق العلاقة التي تربط السيد محمد علي النجار بصديقه الراحل السيد حسن الموسوي ، وقد أرخ لوفاته بالتاريخين الهجري والميلادي ، وسأترك للقارئ اللبيب استكشاف مواطن الجمال ، والحبكة الشعرية ، وصدق العاطفة ، والابتعاد عن الصنعة الشعرية ، ليقترب لمكامن القوة الشعرية :
فقدت أخا ساءني فقده ... وكنا رفيقين طول الزمن
تسامت لدينا نقاط اللقاء ... ولم يختلف سرنا والعلن
تقول تواريخنا ( أنها ... بدار الخلود مقر الحسن )
فلو جمعنا ، إنها = 57 ، + بدار = 207 ، + الخلود = 671 ، + مقر = 340 ، + الحسن = 149 ، لأصبح ناتج الأرقام 1424 سنة وفاة صديقه بالتاريخ الهجري ،
ويقول أيضا لصديقه الراحل مؤرخا رحيله بالتقويم الميلادي ،
أرى أيام عمري في صدود .. فهل ملت وجودي في الوجود
شبابي كل يوم في نزول ... وشيبي كل يوم في صعود
فقدت أحبة رحلوا تباعا ... وقد ضمّهم حفر اللحود
وأني لاحق فيهم قريبا ... وأسقامي على قولي شهودي
أضف ( حسنا ) على شعري وأرخ ... ( قضى حسن الى دار الخلود )
وهنا تبرز براعة الشاعر المؤرخ فإنه لم يجد لإكمال تاريخه الشعري إلا إضافة ( حسنا ) وقوتها الحسابية 119 ، وقضى 850 ، وحسن 118 ، الى 41 ، دار 205 ، الخلود 171 ليصبح تاريخ الوفاة عام 2004 م ، ما أجمل هذه اللغة العربية ، وما أبرع من صاغها شعرا ، أو نثرا ، أو تاريخا شعريا .
عام 1922 م ولد السيد محمد علي بن السيد محمد بن حسن ، ينتهي نسبه الى الإمام موسى بن جعفر ( ع ) ، في زقاق ( ليلَه ) من محلة ( المهدية ) من الحلة الفيحاء ، وسمي زقاقهم ب ( عكد ليله ) لأنهم يسرجون كل ليلة جمعة سراجا كبيرا لينير طريق المارة ، وتبركا بليلة الجمعة ، له طيلة العمر ليتحف المكتبة الشعرية التاريخية بجميل ما يكتب

ليست هناك تعليقات: