بحث هذه المدونة الإلكترونية

مرات مشاهدة الصفحة في الشهر الماضي

السبت، 13 مارس 2010

فصة قصيرة بقلم د.علي عبد الامير صالح- الفسم الاول-تخطيطات غالب المسعودي


(( يمامة الرسام ))

قصة قصيرة
د . علي عبد الأمير صالح
( قاص ومترجم من العراق )
هل يستطيع هذا الزمن الرهيب أن يمنحنا موتاً جميلاً بعد أن عجز عن إهدائنا حياةً جميلة ؟
كم كان بودي أن أخلد لحظة مجيئها .. وليت الزمن توقف بنا في تلك الدقائق النادرة .. هي في ارتباكها وحيائها وأنا في افتتاني وعجزي .
كم كان بودي أن اصرخ كالملسوع : توقفي .. توقفي أيتها الدقائق الجميلة .. أيتها العقارب اللعينة لا تتحركي .. دعيني لعيش أسطورتي .. دعيني أعيش كمي أرى العالم بعيني طفل .. طفل بريء تكتحل عيناه برؤية العالم أول مرة .. هو لا يرى العالم حسب , بل يكتشفه..
أرجوكم , لا تتعجبوا من حكايتي التي سأرويها لكم كونها مضادة للأحداث المروعة التي تتناقلها وكالات الأنباء عن بلادنا .. ذلك أن قصتي رفضت وما زالت ترفض أن تكون عادية .. هي بالأحرى كافحت كي تكون شرعيةً , وصادقة .. مع إنها تبدو غير حقيقية ومحض أوهام خطرت ببال ساردها . والآن أضيف قائلاً أن كل شيء في بلادي أمسى لا معقولاً وسوريالياً وحتى عبثياً ايضاً ..
ولكن , متى كان الواقع في بلادنا معقولاً ومنطقياً ؟ وفي أي حقبة زمنية كان العقل والمنطق هو سيد الموقف ؟ ومتى كان الحكماء هم الذين يسيرون أمور البلد ويقودون دفته ويحددون وجهته ومستقبله ؟
ربما يعترض أحدكم فيقول : إن حياة البشر , على مر الدهور , لا بل حتى منذ فجر التاريخ , كانت دوماً لا معقولة وسوريالية وعبثية ..
اذاً , واقعنا الذي لم يعد واقعياً , وكما هو دائماً , أحرق كل الثوابت . حطم كل القناعات الجاهزة , وكل الأكاذيب التي توارثناها جيلاً بعد جيل .. ولم تعد الحياة تذهلنا بمنطقها غير المتوقع , وفوضاها غريبة الأطوار .. حتى يخال لنا , في بعض الأحيان , إننا نحيا في متاهةٍ لا سبيل إلى الخروج منها .. إلا لنقع في متاهةٍ أخرى , متاهةٍ عويصةٍ أكثر تعقيداً من الأولى .

نعم , إن حياتنا اليوم أكثر غرائبية من القصص التي نكتبها .. وان متاهاتها وأنفاقها السرية أكثر غموضاً وتمرداً من متاهات قصصنا ودهاليزها .
ومع إن مدينتنا شرعت تجرد أبناءها من أحلامهم وتحكم عليهم بالبؤس والحرمان والفاقة واليأس الا إن ثمة أناساً منهم ما زالوا يحلمون ويتوقون الى الفرح والحياة المشتهاة .. وأنا , بطبيعة الحال , واحد من هؤلاء .. وان قصتي التي سأسردها على مسامعكم اليوم واحدة من هذه الحكايات التي ربما تقولون عنها انها شديدة الغرابة , وربما يعدها بعضكم ضرباً من خيال الكاتب , او حلماً من أحلام يقظته , أو حتى وهماً من أوهام حاملي الأقلام ممن يبذولون قصارى جهودهم كي يقنعوننا ان ماسطروه على الورق هو محض تجارب حقيقية جرت لهم في زمان ومكان معينيين .. وأن بطليها ( ولا أقوى ابطالها ) هما شخصان حقيقيان , من دم ولحم, يعيشان على مقربة منا .. وهما ليسا كائنان حبريان إبتدعتهما مخيلة الكاتب – الراوي .
هل يجدر بي أن أنفي ما قاله جان جينيه مرةً حين ذكر انه كذب كي يقول الحقيقة .. هل ينبغي لي أن أنفي التهمة القائلة اننا معشر الكتاب نزوّر الحقائق , ونخترع الأوهام , ونصطنع الأكاذيب , كي نقنع القراء بصدق وواقعية ما يقرأونه ؟
وعلى أية حال , لا أريد ان أخوض في إجابة مستفيضة عن هذه المسألة التي مع أنها تشغل بال أعداد غفيرة من قراء الأب والدارسين , الا أنها في الواقع لا تحظى بأدنى إهتمام بالنسبة لي .. يكفيني أن أقول , أنني هنا لا أضلل قرائي , ولا أخدعهم , كما انني لا أريد أن أخفي الحقائق الجميلة والمروعة التي طالما تعرضت للتشويه .. ولا أريد أن أوقعكم , الآن , في سوء فهم , لأن ثمة حقائق جميلة وأخرى مروعة .. الا أن معظم وسائل الإعلام , وللأسف الشديد , لا تتطرق الا إلى الحقائق التي تنطوي على قدرٍ من الإثارة .. ومنها في سبيل المثال فضائح سجن أبي غريب , وسرقة آثار المتحف العراقي , إحراق المخطوطات النادرة في المكتبة الوطنية .. وما الى ذلك .
ها نحن , الآن نتعاطى الحب بينما يحف بنا الموت من حدب وصوب نغادر منازلنا كل صباح ولا ندري ما إذا سنصل الى غايتنا أم لا .. وننام في أسرتنا كل مساء ولا ندري ما إذا سننهض منها أحياءً , سالمين .. أم لا .
انه شيء مثبر للأسف حقاً أن تتكدس الجثث والأشلاء فوق أديم الأرض , وأن لا نسمع غير إنفجارات القنابل , وأزيز الرصاص , والصراخ والعويل والنواح والخوف من الموت وشبح الموت ..

ليست هناك تعليقات: