التشكيلي العراقي غالب المسعودي:طوّعت المقطع المسماري كي يشكّل حرفاً عربيا جديدا!!
حاوره في مدينة الحلة / ناظم السعود
التاريخ : 2010 / 04 / 28
كلما احضر زائرا او عابرا لمدينة الحلة احرص على رؤية الفنان والناقد التشكيلي المعروف د. غالب المسعودي في بيته او عيادته الطبية ( فهو فنان وناقد وطبيب أسنان) ، ومغزى حرصي هذا إنني أجد ما اسمّيه (بيئة ثقافية) موسومة باسم المسعودي ولها ملامحها ودلالتها الفكرية والجمالية التي لاشك إنها تجذرت باجتهادات المسعودي ومغامراته المعرفية طوال أكثر من ثلاثين عاما. في محترفه الفني في بيته أقف مندهشا أمام السمات الفكرية التي يوزعها بنظام دقيق في الزوايا وعلى الرفوف وحتى على السقف المضاء بعناية، تختلط أمامي صور التاريخ بالواقع والحروف باللوحات والتماعات الماضي بإرهاصات الحاضر وبين كل شيء تنتشر العدد والألوان وأوراق الرسم وأفلام الفوتوغراف ضمن سطوح جغرافية مقننة تماما لتدل على رهافة الفنان وصرامة آفاقه وانشغالاته . اما في عيادته فهناك تجمع عفوي لحشد من الأدباء وفناني المدينة في ندوات ولقاءات حرة عابقة بالجدل والعافية الثقافية ، وفي آخر زيارة لي الى محترفة الحلي ( حيث يتراسل المسعودي مع العالم انطلاقا من تلك البقعة الحلية ) عقدت معه حوارا ضمنته خلاصة التجربة الفنية لدى غالب المسعودي، ولأول مرة احرص على ان يأتي حواري معه موثقا بالصوت بواسطة جهاز التسجيل ذلك لعلمي ان مثل هذا الحوار سيكون ممتدا في حاضنة الزمن ولتنوع وسائل توثيقه وهذا ما سيبقيه أطول : ثمة اتجاه فني وفكري تسعى لتجذ يره في حياتنا الثقافية هذا هو الجمع بين الحرفين العربي والسومري في لوحاتك ودراساتك .. فهل كان هذا الاتجاه استمرارا لجهود من سبقك .. ام انه واعز ذاتي محض؟ - الاتجاه الذي أشرت إليه هو الذي يميزني عن الحروفيين العرب لأنني اتخذت الحرف شكلا جديدا غير المشاع في الكتابة العربية ،حاولت ان ابتكر حالة اسقاطية للحرف المسماري على الحرف العربي لأنهما من زاوية تراتبية ارث حضاري متواصل . ما هي جهودك تحديدا؟ _ أخذت الحروفية العربية بأساساتها كمرجعية تاريخية ، ونحن نعرف ان الأبجديات هي سابقة او موازية للأشكال الكتابية ثم جاء الشكل المسماري وتتطور الى الحروف العربية . وقد وجدت ان الحرف المسماري كان يملك قيما تعبيرية (أسمّيها قيما تشكيلية) وحاولت إسقاط هذه القيم على الحرف العربي لغرض بناء شكل جديد للحرف يعنى بالقيم التعبيرية والتشكيلية فضلا عن الدلالية . * أتعني انك طوعّت الحرف العربي الى الحرف المسماري؟ بالعكس أني طوعّت المسماري الى العربي بصوره عامة لأن الكتابة المسمارية هي كتابة مقطعية وليست حروفية ولكنها تنتهي بالرمز الذي ينتهي الى التورية في حضارة وادي الرافدين كل هذا يشكل قيما صوتية وإذا أضفنا إليها قيما صوتية أخرى ستعطينا الكلمة في الكتابة المسمارية في الوقت الذي تتكون العربية من حروف منفصلة والتي تشكل لنا الكلمة ولا حظت ان لكل حرف عربي صوتا معينا .. * ما هو الخلاف تحديدا بين الكتابتين العربية والمسمارية ؟ - الخلاف كبير بينهما لأن السومرية مقطعية والعربية حروفية أبجدية إلا ان هذا لا يمنع من القول:ان الخطوط العربية تمتلك نوعا من التقارب مع الخط المسماري( كالخط الكوفي الذي يتميز بزواياه الحادة والقريبة من المقاطع المسمارية) وأنا إزاء هذا الإرث الكبير طوعت المقطع المسماري كي يشكل حرفا عربيا جديدا. " أنت كثيرا ما تعود للحضارات الرافدينية فكيف جاء تعاملك مع الموروث الحضاري ؟. _ التعامل مع الموروث تعامل عبر الماضي غير ان أية قراءة متعمقة تجعلنا نأخذ ما هو ايجابي وما هو ممكن ان يفيدنا مستقبلا . انا لا أتعامل مع التراث تعاملا سلفيا بل تعاملا بقدر ما يمكن ان ينير المستقبل . ان حضارة وادي الرافدين حضارة تأسيسية بنيت عليها ومن خلالها حضارات أخرى ونحن أولى بتمّثل حضارتنا للحصول على منجزات جديدة. * هل ان تجاربك الجديدة امتدت لتجارب قديمة ( لك او لسواك) ام أنها تمثل قطيعة لما سبقها؟ _ هي امتداد لتجارب سابقة ولكن بشكل أكثر عمقا وأكثر تطوراً من ناحية الرؤى الفكرية والتقنيات الفنية ولا استطيع ان أقول: إنها شكلت قطيعة غير مؤسّسة بل هي مؤسسة فكريا وفلسفيا ورؤيويا من خلال معالجتي التشكيلية والنقدية. وجدت في لوحاتك الحروفية الجديدة مضامين فكرية مكتظة بحمامات الدم وبشكل ملفت للنظر..ما السبب؟ __ ان ما يتميز به تاريخنا الحاضر هو هذا التراكم الكمي والنوعي من الوحشية والتنكيل اليومي غير المسبوق ، وما نسمعه ونشاهده من المشاهد الواخزة والصادمة لوجداننا وضمائرنا كل هذا جعلني ادخل ما تسمّيه ( حمامات الدم) في لوحاتي الجديدة ، وعلى الفنان ان يعمل على هذه الدلالة وليس على منطق البكائيات ولقد سعيت الى دمج الحروفية الجديدة بالراهن الدموي كي أطلق صرخة تاريخية تمتد من الحاضر الى القادم الموعود!!.
هذا الخبر من : جريدة العهد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق