السبت، 21 ديسمبر 2019

وشاح المجد-د.اشرف شاكر







حراكٌ ام مخاضٌ ام صمودُ
 يدكُّ به الحديدُ ولا يميدُ
 تاطَّر في سماء المجد زهوا
 وابشر في اراضيها الوليدُ
 واسرج ساحها بشرا
 مصفى حضارات العراق به تعودُ
 تسامح والقنا ضبٌّ عليه
 واخطارُ اللآم لها شهودُ
 فهيهات الخضوع الستَ تدري
على الاوداج اطبقت الاسودُ
 سلامٌ للدماء على النواصي
 وشاحُ المجد تصنعهُ الحشودُ

الجمعة، 23 أغسطس 2019

عرض كتاب حواريات مع المتنبي : حامد كعيد الجبوري



عرض كتاب حواريات مع المتنبي  :
                                                    حامد كعيد الجبوري
       صدر عن دار الفرات للثقافة والإعلام في الحلة كتاب حواريات مع المتنبي لمؤلفه د. عدنان عبد الكريم الظاهر السريراتي، يقع الكتاب ب284 صفحة من الحجم الكبير، قدم للكتاب الشاعر جبار الكواز، ( تداخل الرؤى وانكشاف الواقع سرديا)، يقول الكواز في مقدمته (( تشكل ظاهرة الدكتور (الظاهر) مؤشرا مميزا من خلال الإطلاع على منجزه الإبداعي والبحثي واتجاهات هذا المنجز، بشقيه العلمي والأدبي، فهو عالم في مجال تخصصه وأديب لامع، شكلت آراؤه وبحوثه في هذا المجال مفتتحا للتأويل لأنه أولا يتيح دراسة مجالات رحبة لإقامة رابطة تأويلية في علاقة المنجز العلمي بالمنجز الأدبي، وهو الذي عرف بقوة حافظته، وعمق ذاكرته، ودقة تشخيصاته منذ أيام صباه إلى ما شاء الله له من طول العمر بإذنه تعالى)) ، وتحدثت د. سناء الشعلان عن الدكتور الظاهر بتقريظها لكتاب الظاهر الحواريات ( الحقيقة هو ليس أبا لي فحسب، وليس شاعرا لا أكثر، وكذلك لا يمكن اختزاله في توصيف ينحصر في كاتب أو ناقد أو أستاذ جامعي، أو منظر سياسي، أو مرب أو كائن جمالي يقتات النبل والمحبة والخير والسلام، هو كل ذلك وخليط منه هو باختصار ) .

قسم الدكتور الظاهر كتابه لجزأين ، الأول جدل على ضفاف دجلة والفرات، الجزء الثاني المتنبي في ميونخ، وكلا الجزأين يحاور الكاتب شاعرنا المتنبي بحوارات أدبية مرتكزا على دراسته النقدية لشعر وحياة المتنبي، مستحضرا حوادث ومواقف وأماكن مر بها الشاعر المتنبي شاغل الناس ومالئ الدنيا أو العكس مالئ الدنيا وشاغل الناس ، وهذا لا يتأتى إلا من خلال دراسة واعية لشعر المتنبي وتحليله واستخلاص الرؤية النقدية ، ودراسة واسعة لما كتب عنه عراقيا وعربيا وآراء للمستشرقين، والجميل في حواريات الظاهر مع المتنبي مقارنة ومقاربة شعر المتنبي بمن سبقه من شعراء العرب ، وبشعراء من جيله ، ولشعراء جاءوا بعده ، الجواهري، شوقي، السياب، البياتي، ادونيس، نزار قباني وغيرهم، وفي الكتاب إشارات تاريخية عاشها المتنبي في بلاط الحمداني أو الاخشيدي كافور، الجميل بكتاب الظاهر انه يعكس واقعنا المعاصر على أحداث وشعر قاله المتنبي ( (أكلما اغتال عبد السوء سيده / أو خانه فله في مصر تمهيد) ، سألته بالله عليك أبا الطيب من قصدت بهذا البيت؟، قال والله ما قصدت إلا السيد محمد أنور السادات)).
       في حواريات الظاهر مع شاعره الأحب المتنبي يحاوره ويخبره عن شخوص وأماكن عاشها الظاهر أو عاشها المتنبي، قال للمتنبي ( لذا وصفوك بعد موتك بأنك مالئ الدنيا وشاغل الناس، قال تقصد بعد رحيلي أو غيابي، فأني لم أمت وسوف لن أموت، ولست بحاجة إلى أهرامات فرعونية تقيني من الحر والبرد والمطر، وتكف عني لصوص أقنعة الذهب، أنا لست مومياء محنطة، أنا الحي الدائم، أنا الحق وأنا المتنبي وكفى)، وأجد هنا أن الدكتور الظاهر أعطى رأيه الشخصي المستخلص من دراساته لشعر وحياة المتنبي وتأثير تلك الحياة بقناعة الدكتور الظاهر ، ويحدثه مثلا عن شخصية غرائبية في الحلة مركز محافظة بابل، شخصية عرفها أبناء الحلة ( محمد الهبش) صياد الأفاعي ومفترسها ، يحدثه عن المطرب الحلي المعروف سعدي الحلي، ويسيح مع المتنبي مع مغنين فلكلوريين، وقراء مقام.
      في كتاب الظاهر تجسيد للرؤى السريالية حيث يذهب بالمتنبي إلى ما فوق الواقع والمتخيل اللاشعوري ، ويحاول الدكتور الظاهر أن يتقمص شخص المتنبي تارة، ويجعل من المتنبي عدنان الظاهر الذي هاجر أو هجر من عراقه فترة انقضاض الطاغية المقبور صدام حسين على قوى اليسار الوطنية تارة أخرى ، ويجعل من المتنبي مدرسا في ليبيا، بل ولاجئا في معسكر رفحا السعودي ، الغريب ان الدكتور الظاهر لم يذكر الطاغية المقبور صدام حسين ولم يسمه إلا مرة واحدة وبشكل عرضي ليس أكثر ، وتارة أخرى يحاكيه، وتارة أخرى يجعله شخصا ثالثا بينهما.
     في ألمانيا وفي بريطانيا وهولندا التي زارها الدكتور الظاهر يصحب خياليا الشاعر المتنبي العظيم معه، يدخلان سوية للمكتبات العامة ويلتقيان بمديري تلك المكتبات ويتحاوران معهم، ويدخلان المقاهي والمتاحف والمتنزهات والبحيرات، وما يدور بخلد الدكتور الظاهر ينقله على لسان المتنبي، مؤيد، ومعارض، ومنتقد، وموجه، ومستنكر .

    في الكتاب الكثير من المفاجئات التي لا أريد أن أفسد متعة القارئ بذلك الكتاب التوثيقي السياحي ، الثقافي  المهم كما أرى.

ببلوغرافيا  :
عدنان عبد الكريم الظاهر السريراتي
دكتوراه كيمياء وبروفسور مشارك.
ولد في مدينة الحلة / بابل / ١٩٣٥م.
يقيم حاليا في ميونيخ.
تخرج في دار المعلمين العالية جامعة بغداد ١٩٤٨م وحصل على شهادة الدكتوراه في الكيمياء جامعة موسكو ( متمتعا بإحدى زمالات الوكالة الدولية للطاقة الذرية) سنة ١٩٦٨م.
له أبحاث في حقل كيمياء التحولات النووية جامعة كاليفورنيا الولايات المتحدة الأمريكية.
أكاديمي زائر في قسم الكيمياء جامعة ويلز البريطانية.
باحث علمي مشارك جامعة شفيلد البريطانية
عمل في التعليم الثانوي العراق بابل ١٩٥٨-١٩٦٢.
عمل بجامعة بغداد مدرسا للكيمياء.
أستاذ مشرف لطلبة الدراسات الأولية والعليا وعضو لجنة الدراسات العليا قسم الكيمياء ١٩٧٠-١٩٧٨
صدر له :
ديوان شعر ( إحساس يصيب الهدف) ١٩٦٠.
ديوان شعر باللغة الإنجليزية لندن ١٩٩٨
ديوان ( رمل وبحر) دمشق ٢٠٠٠
كتاب في الشعر باللغة العربية والإنجليزية والألمانية ٢٠٠٠ميونخ.
كتاب (نقد وشعر وقص) ٢٠٠٠ القاهرة
دراسات عن المتنبي والمعري والجواهري والسياب وغيرهم نشرت في صحيفة الزمان التي تصدر في لندن.
كتاب ( العرب وكيمياء الذهب) دار نشر ألمانية

عرض كتاب : (على الجسر العتيق) حامد كعيد الجبوري




عرض كتاب :
(على الجسر العتيق)
حامد كعيد الجبوري
         صدر عن دار ( ماشكي ) للطباعة والنشر والتوزيع / العراق / الموصل كتاب ( على الجسر العتيق) للشاعرة والأديبة السورية ( ليندا إبراهيم)، ويقع الكتاب ب 82 صفحة من الحجم المتوسط وبغلاف جميل صممه الفنان ( محمود بهجت)، يحتوي الكتاب على 12 قصة مستوحاة من الواقع السوري الذي عاشته الكاتبة. قدمت دار ماشكي الناشر للكتاب، (( يتأثث الكتاب السردي على الجسر العتيق) للشاعرة ليندا إبراهيم بالذاكرة والحزن والحنين في لغة شعرية تسعى إليه الجمالي والمعرفي بفاعلية مؤثرة تمنح التكوينات النصية ودلالات أكثر خصوبة في تجسيد الصراع بين ال ( أنا) وال( آخر) عبر الكشف عن المخفي والمستور والمحجوب، تقدم ليندا إبراهيم سردها الذاكراني أحداثاً وشخوصاً يشرقون بالدمع الفائض، ويطلقون العنان لاسترجاعاتهم التي تغادر الحاضر، لتضج بفضاء يمتد من الطفولة وحتى الراهن) ).
       تعترف الكاتبة والشاعرة ليندا في تمهيدها لسردها (على الجسر العتيق) ظهور هذا النوع من الكتابة الأدبية لديها، ( عندما بدأت بكتابة مقالات لزاوية الشؤون الثقافية في إحدى أهم وأعرق الصحف السورية وهي صحيفة الثورة السورية)، وتأتى اهتمامها هذا، ( مع أزمات أوطاننا المتتالية المتعمقة جيلاً إثر جيل، ومع ما شهدناه من تداعيات شردت وفتت وقهرت وهجرت إنساننا وأخانا في الوطن، بات لزاماً على قلم كل كاتب وطني شريف غيور أن يوثق ويكتب ويعالج ويعاين كل ما يمر به وطنه) .
      زارت الشاعرة ليندا إبراهيم العراق مرات متتالية، المربد، بغداد لحصولها على تكريم من وزارة الثقافة العراقية لفوزها بجائزة (نازك الملائكة)  2014، ودعيت للموصل الحدباء للمشاركة بمهرجان أبي تمام بنسخته الأخيرة لعام 2018 م، وهناك وهي تعبر الجسر للذهاب لجامع النوري، ومنارته الحدباء هالها ما شاهدته من خراب لم يطل أي مدينة بالدنيا، كما في الموصل فكانت قصتها التي أخذت اسم الكتاب ( على الجسر العتيق)، وترى الكاتبة ليندا إبراهيم أن العراق، ( نسخة طبق الأصل عن بلدي سورية، الإنسان والتاريخ والحضارة والأرض ورائحة الأرض عطر هذه الأرض، طيبة الإنسان فيه، إبداعه تفوقه واقعه المعيش وهمومه، حتى وجع النخيل عانقه ألم ياسمين بلدي الشام ، رأيت أوغاريت تحاكي سومر وبابل، الجزيرة السورية امتداد لخصب الرافدين، وحلب تناجي الموصل، تماما كما بغداد تضارع دمشق هوىً ومجداً وتاريخاً وأحداثاً)، وترى الكاتبة ليندا كما يرى العقلاء أن الشعر والثقافة والجمال من يقهر الجغرافيا والفلوات الشاسعات، حيث لا حدود ولا حواجز مفتعلة، ( بل كان ما يؤرق "ابن الكوفة"، "المتنبي" فتاةٌ في حلب، وما يؤرق "فتى حمدان" تحرير ثغوره من الروم، فإذا الهم نفسه والأرق نفسه لأن المصير واحد).
         بديهي أن الشاعر حين يسلك القص والسرد والرواية يختلف عن القاص والسارد والراوي الذي ابتدع لنفسه ذلك النمط الثقافي المعرفي ، هذا الاختلاف بطريقة الصياغة لمنجزه الإبداعي الجديد، نلاحظ تقارب ومقاربة الجمل والمقاطع بلغة تكاد تكون مدوزنة عروضياً، وكأن الشاعر القاص يكتب سرده منطلقاً من خلفيته الشعرية، برقتها، وتركيز معانيها، وسبك مفرداتها ، ليشد القارئ دون أن يفقد وحدة الموضوع الذي يكتب فيه.
            12 عنوان سردي يمكن أن نعده مشاهدات عاشتها الكاتبة، ويمكن أن تتقمص في الكثير منها شخصية ما من شخوص القص، وربما تأخذنا الكاتبة ونلج معها سوية لأقاصي الذات المشبعة بحب الناس والوطن الياسميني الدمشقي، ونقرأ في (( أيلول دمشقي)، ( تقول له على شرفة مطلة من قاسيون، حيث دمشق مضاءة بقلوب عشاقها، ونور أوليائها، وشغف نسائها الحسناوات، فيضحك ممازحاً: وبفساتينهن الملونة كعواطفهن، كليل دمشق هذا..) ).
        تتمنى الكاتبة ليندا إبراهيم أن تزال الحدود المفتعلة مصلحياً، والتي رسمتها الأطماع التوسعية المشرذمة لأمة ابتليت بطواغيتها من ساسة جوف ،  وتلتقي بحبيب عمرها ، ( هناك حيث جلسنا على ضفة الشوق، حيث الحديقة، بمقاعد عشاقها، تضيف لحلمنا حلما آخر ببيت جميل يطل على دجلة لا مكان فيه إلا للورود الجورية الحمراء، والياسمين الشامي...).
         لا أريد أن أطيل بعرضي لكتاب (ليندا إبراهيم) لكي لا يفقد لذة القراءة لمن يحصل على كتابها ( على الجسر العتيق).
ببليوغرافيا :
 ليندا سلمان إبراهيم
مواليد دمشق
الشهادة / مهندسة
 العمل : وزارة الثقافة السورية
 عضو اتحاد الكتاب العرب - جمعية الشعر
عضو نقابة المهندسين السوريين
 شاعرة وأديبة مشاركة في العديد من المهرجانات الأدبية والفعاليات الثقافية على مستوى سورية والدول العربية
صدر لها :
 لدمشق هذا الياسمين شعر / 2013 م
 فصول الحب والوحشة شعر / 2013 م
لحضرة الرسولة شعر /2016 م
 أنا امرأة الأرض شعر /2016 م
 لسيدة الضوء شعر / 2018 م
منمنمات دمشقية شعر / 2019 م

الجمعة، 9 أغسطس 2019

موقع اور فن والفنان مؤيد محسن



نشر موقع اور فن على الفيس بوك لوحات للفنان الايطالي الكسندر وردا وفيها شبه كبير من أعمال الفنان العراقي البابلي مؤيد محسن تكاد تصل الى التقليد وطبعا باختلاف تقنية الرسم بحثت على النت لم اجد موقع الفنان الإيطالي اليكم نماذج من اعمال الفنان الايطالي والفنان مؤيد محسن لكم الحكم.







اعمال الفنان العراقي مؤيد محسن



الخميس، 2 مايو 2019

الفنان ماجد السنجري والرؤى التشكيلية المغايرة- للشاعر المبدع عبد الامير خليل مراد














في صحبة زوجتي خلال حفل توقيع كتاب الشاعر المبدع عبد الامير خليل مراد حول تجربة الفنان ماجد السنجري تخللها معرض للفنان الكبير ماجد السنجري حضره ثلة من مبدعي محافظة بابل من فنانين وشعراء , وكتاب زينتها تداخلات الحضور, واغناها الرد الشفاف من قبل المبدعين المؤلف والفنان.

الاثنين، 25 مارس 2019

عبّارة الموصل – أهلا بالعراق في نادي كوارث الخصخصة


عبّارة الموصل – أهلا بالعراق في نادي كوارث الخصخصة
صائب خليل
24  آذار 2019
البعض القى اللوم على دجلة .. والبعض الآخر اخترع قصة قطع "الكيبل"، وآخر تحدث عن "قضاء وقدر"  و "إرادة الله" وآخر القى الذنب على الإهمال وكثيرون تحدثوا عن الجشع والفساد الذي يسيطر على "بعض النفوس"..
لكنها ليست سوى قصة من قصص كوارث الخصخصة والاستثمار الخاص التي عرفها الآخرون قبلنا.
اقرب القصص اليها هو “حادث عبارة السلام” المصرية، قبل 13 عاماً، وكان القطاع الخاص قد اوغل في مصر السادات ثم مبارك. غرقت سفينة لم يعرف بالضبط سبب غرقها ولا سبب مقتل معظم ركابها غرقا – اكثر من 1300 انسان. ما نعرفه ان السفينة كانت مصنوعة لتسع 500 راكب، ثم تم توسيعها لتسع 1300.. أحد الأسباب التي طرحت انها حملت اكثر حتى من حمولتها الموسعة... هربوا الى الخارج، واستلموا التأمينات وأفلت الجميع من العقاب، الا ربان سفينة أخرى تقاعس في انقاذ الغرقى!(1)

المسؤولان المباشران عن الجريمة هما المستثمر في الجزيرة السياحية، والذي بدأ عمله فيها قبل بضعة سنوات، وصاحب العبارة، ولا مفر من معاقبتهما أشد العقاب، ولكن هل حقاً هما  المسؤولان الأهم؟
ينقل ماركس عن أحد النقابيين خبرته في أصحاب العمل بقوله: "رأس المال يتجنب المشاريع غير المربحة او ذات الربح الصغير، كما تكره الطبيعة الفراغ. وبوجود ربح كاف، يصبح رأس المال جريئاً. بربح 10% سيكون رأس المال مستعداً للعمل في أي مكان. 20% تثير فيه الحماس. 50% تجعل منه مغامراً. 100% تجعله مستعداً أن يدوس على كل القوانين الإنسانية. 300% ..عندها لن يكون هناك جريمة إلا وكان مستعداً لارتكابها، أو خطراً يهرب منه، حتى لو كان هناك احتمال ان يشنق بسببه!".(2)
احداث التاريخ تؤكد أن ما نقله ماركس عن النقابي، قد لا يكون مبالغة شديدة.

من وسّع "عبّارة السلام" لتسع 300% من الركاب، سيستطيع بيعها بأكثر من سعرها، حتى لو لم تكن أسسها امينة بما يكفي.. لأنه سيكون تحت تأثير الأرباح الإضافية التي قد تجعله "مستعداً أن يدوس على كل القوانين الإنسانية".

هذا لا يقتصر على شعوبنا وبلداننا طبعا. أنظروا ما يحدث عندما تكون ارباح الرأسمالي تعتمد على إطالة سجن القاصرين. (3)
ولاحظوا كيف يتسبب البحث عن زيادة الأرباح عن طريق التوفير في تكاليف الصيانة في شركة حكومية بعد خصخصتها بكارثة سقوط جسر في إيطاليا، وكيف انهم فكروا بإعادة تأميمها لعدم وجود حل آخر يضمن السلامة.(4)
وانظروا كيف تسبب تخفيض مماثل في كلفة إجراءات الأمان، في تسرب النفط في خليج المكسيك من قبل شركة "برتش بتروليوم" قبل اكثر من 8 سنوات، وما نتج عنه من كارثة بيئية هائلة.(5)

يقال ان الرأسمالية تطور الإنتاج والبلد من خلال التنافس، لكن التنافس ينتهي بكوارث ايضاً. انظروا كيف يتسبب التنافس الشديد بين شركات الطيران، والبحث عن اقصى ربح بأي ثمن، بخفض أجور الطيارين في أميركا إلى حد الجوع! بعضهم اضطروا أن  يبحثوا عن عمل ثان (مثل نادل في مقهى!) وآخرين يستجدون مساعدات الطعام من المؤسسات الخيرية، والبعض يبيع دمه ليأكل! أنه أمر لا يكاد يصدقه العقل، لكن هذا ما حدث ويحدث.. والنتيجة لهذه المعيشة غير الطبيعية، هي كالعادة: الكوارث!(6)

إذا كان ديدن الاستثمار الخاص هو التركيز على الإنتاجية العالية بأقل التكاليف دون النظر إلى العواقب على مستوى العالم، فما هو حقنا في ان نلوم صاحب العبّارة وصاحب الجزيرة؟
نعم، اعرف صديقاً رفض الأرباح وفضل الخسارة الكبيرة، حين علم انها قد تسمم الأطفال، لكن كم هي نسبة ذوي الاخلاق العالية جداً بين الناس في المجتمع؟ لماذا نلقي بالناس في تحد أخلاقي اكبر من طاقة الانسان الاعتيادي، ثم نعاقبهم ان لم يتصرفوا كقديسين؟

المستثمر في الجزيرة أو صاحب العبارة، حين ينقل ما يقارب 250 شخصاً في عبارة مصممة لـ 50، فأنه يرى ارباحاً اكبر بنسبة 500% مما لو التزم بالقانون! إنه يتعرض لحالة نفسية لا يكون عندها "هناك جريمة لن يكون مستعداً لارتكابها، أو خطراً يهرب منه، حتى لو كان هناك احتمال ان يشنق بسببه!". فمن هو المذنب ألأول؟ هل هو المذنب المباشر أم من يدفع به إلى الجريمة؟ أيحق لمن يدفع البلد الى نظام ينمي الجشع والفساد، ان يعاقب الناس إن لم يصمدوا في وجهها، ثم ينجو بنفسه؟
هل يجب ان يحاسب صاحب العبّارة اكثر، أم رئيس الحكومة الذي يهدد ويتوعد، وهو اشد المتحمسين لدفع البلد في اتجاه القروض والاستثمار الخاص والخصخصة ورأس المال ووصايا صندوق النقد الدولي.. وهو على علم تام بما يعني ذلك على أهل بلده؟ نعم يجب انزال العقوبة الأشد بالمجرم المباشر، لكننا سنكون منافقين ان تجاوزنا النظام المسبب للجريمة، والقائمين على ذلك النظام.

لقد قال احدهم: "إن كانت الظروف هي التي تصنع الإنسان.. فلنخلق ظروفاً إنسانية"!
وأقول: إن من يحول الإنسان الى وحش... هو المجرم الحقيقي الأساسي، وهو من يجب ان يحاسب ويوقف عند حده، وإلا فمرحباً بالعراق في نادي الكوارث الرأسمالية، وسنرى المزيد في القادم من الأيام.

رسومات اطغال الفنانة الطفلة حوراء علي

الثلاثاء، 19 مارس 2019

بين الإنسان والكاتربيلار.. تحد لم ينته!


بين الإنسان والكاتربيلار.. تحد لم ينته!
صائب خليل 
في مثل هذا اليوم, 16 آذار، 2003,
تقاطعت ارادتان جبارتان,
نظرتا الى بعضهما البعض بتحد وثبات
وقفت شابة امريكية في الثالثة والعشرين من العمر...
ووقفت أمامها جرافة اسرائيلية تتقدم لهدم بيت عائلة فلسطينية.

زمجرت الـ "كاتربيلار" ضاحكة من هذا الكائن الصغير الذي يقف امامها..
ولم تتراجع الشجاعة الإنسانية التي تسكن قلب تلك المرأة الشابة

لم يكن لها ان تصدق ان الجرافة ستستمر لتسحق جسدها...
فخلف مقود الجرافة انسان, اليس كذلك؟...
لكن الوحشية التي تقود الجرافة لم تتوقف..

فمثلما خجل الإنسان ان لا ينتصر للإنسان,
خجل الوحش ان يتراجع فيخذل الوحشية...

اراد الوحش ان يقول "أنا الأقوى"..
واراد الإنسان ان يقول “أنا الأسمى”...

فأصدم النقيضان اصطداماً تقشعر له الأبدان,
ما زال دويه في الوجدان ...يهدر ويكبر,
ومازال الوقت باكراً لتحديد المنتصر في هذا التحدي الكبير... الطويل
**********

الأحد، 3 فبراير 2019

لماذا يجب ان تهمنا فنزويلا؟


لماذا يجب ان تهمنا فنزويلا؟
صائب خليل
1 شباط 2019

ما يجري على فنزويلا يبدو ظالماً، لكن لماذا يجب ان يهمنا أي ظلم في العالم؟ لماذا لا نكتفي بالاهتمام ببلدنا ونرفع شعارات مثل: "العراق اولاً" أو "مصر أولاً" أو "لبنان أولا"؟.
دعونا ننظر كيف "يعمل" هذا العالم، ولنأخذ فنزويلا نفسها مثالاً أولا.
لنبدأ بالتأكد من أن فنزويلا تتعرض إلى ظلم حقيقي، فالتشويش من الشدة ان يطال أشد الأمور وضوحاً. الغرب يحاول ان يروج أن مادورو ليس رئيساً شرعياً للبلاد، وأن رئيس البرلمان هو الشخص الشرعي لهذا المنصب. لكن هناك بضعة حقائق أساسية لا يمكن لتشويش أن يطمسها، أولها أنه لا يوجد في الدستور الفنزويلي مثل هذه الطريقة لاختيار رئيس الجمهورية، والثانية هي أن الانتخابات التي انتخب فيها مادورو كانت قانونية وشفافة، وحسب وصف الرئيس الأمريكي السابق كارتر: "أفضل انتخابات من بين الـ 92 انتخابات قمت بمراقبتها". أما الثالثة فهي حقيقة ان مادورو قد حصل في تلك الانتخابات على ما يقارب الـ 68% من أصوات الشعب الفنزويلي! وهي نسبة أكبر بكثير من نسبة أي من الرؤساء الغربيين الذين يدعون عدم شرعيته!
إذن ما حدث في فنزويلا أمر غريب على التاريخ وخطير، حين يعلن عميل امريكي، بعد يوم واحد من اتصال احد المسؤولين الامريكان به، رئيسا لبلده، وبدون أية انتخابات، فتقوم الولايات المتحدة ومعظم دول الاتحاد الأوروبي وأميركا الجنوبية بالاعتراف به رئيسا!

تكمن خطورة هذا الحدث في أنه يعني أن العالم دخل مرحلة أنه لا يستطيع الاحتفاظ برئيس انتخبه إن لم تكن أميركا راضية عنه، مهما كانت عملية انتخابه شفافة ومهما كانت نسبة الشعب الذي انتخبه. أي ان ما تريده اميركا للبلاد هو ما يقرر سياسة البلاد وليس ما يريده شعبها. والشعب الفنزويلي يذكر تاريخه ويعلم ما تريده له الولايات المتحدة من حكومات تابعة للشركات الأمريكية. ويذكر الشعب الفنزويلي أن تلك الشركات بقيت تستخرج النفط لأكثر من عقد من الزمان دون ان تعطي البلاد دولاراً واحداً!

يمكننا إذن أن نفهم انه صراع حياة أو موت بين الشركات والشعب الفنزويلي. وهو بلا شك مشابه لصراعات الشعوب الأخرى في القارة الجنوبية تجاه اميركا وشركاتها، لكن موقفاً بمثل هذه الجرأة والوقاحة لم يكن ممكن الحدوث لولا أن سبقه تحول للقارة الامريكية الجنوبية، من اليسار والحكومات الوطنية، إلى دول تابعة لأميركا تحطمها عصابات نازية مثل البرازيل اليوم.

لماذا لم يكن ممكنا؟ لأن البرازيل وغيرها كانت ستقف مع الرئيس الحقيقي وتجعل محاصرته مستحيلة، وسيتحول ذلك الانقلاب إلى مسخرة وفشل امريكي، مثل مؤامرة أميركا في خليج الخنازير في كوبا.
إذن فالشعب الفنزويلي يجب ان يعتبر سقوط البرازيل بيد الأمريكان، خطراً على حرية واستقلال فنزويلا ومثله كل الشعوب في كل دول اميركا الجنوبية! وبالتالي فلو هتف واحد من الفنزويليين، يوم سقوط البرازيل، بأن لا شأن لنا بها، و "فنزويلا أولاً"، فسيكون واهماً. ففي حالة العدوانية الأمريكية الشديدة في كل العالم، فان وجود ما يكفي من الخصوم في أية منطقة، أمر ضروري لاستقلال بلدانها جميعاً وحريتهم في اختيار طريقهم وسياستهم الاقتصادية ومواقفهم السياسية، ولو بشكل نسبي.
إن خلو المنطقة من خصوم اميركا يسهل عليها معاقبة اية دولة تخرج عن الخط الذي ترسمه لها، وبالتالي فهو يهدد سيادة جميع الدول على قرارها السياسي.

إنه يشبه حالة عائلة فيها أخ كبير متسلط. فمن يريد الاحتفاظ باستقلاله من اخوته، سيرى في استسلام أي اخ أو اخت للأخ الكبير، خسارة لقضيته وفرصته في النجاة من ضغط الأخ الكبير.
والحقيقة أن نقص خصوم اميركا في العالم كله، تهديد لاستقلالية العالم كله، وليس في منطقة معينة فقط، ووجود خصوم "أقوياء" لها ضرورة لتحقيق نسبة من الحرية والاستقلالية في العالم! فحتى الدول الأوروبية، تشعر بالضغط الأمريكي اليوم، أكثر بكثير مما كانت تشعر به أيام الوجود السوفيتي. وقد توضح ذلك من خلال اجبار أوروبا على انتهاج سياسات اقتصادية اشد رأسمالية مما يناسب تلك الدول، ومما كانت اميركا تضغط به على حلفائها أيام وجود الاتحاد السوفيتي.

دعونا نأخذ مثالا آخر لنرى تطبيق هذا المبدأ على الاقتصاد. ولنأخذ أسعار النفط لأنها تهمنا وتهم فنزويلا بشكل خاص. ما الذي يحدث لسوق النفط عندما تسقط دولة نفطية جديدة (مثل فنزويلا) تحت سلطة اميركا؟
لكي نعرف ذلك لننظر إلى ما تريده اميركا بالنسبة لأسعار النفط. المسالة ليست صعبة: اميركا تريد أسعار نفط أخفض ما يمكن، كما عبر عنه ترامب اكثر من مرة، بشكل ضغوط على السعودية بشكل خاص لتزيد انتاجها من النفط وتغرق السوق وتخفض الاسعار. وهذا ليس غريباً، خاصة بعد ان ازدادت صادراتها عن وارداتها من النفط في العام الماضي. لكن السبب الرئيسي لهذا الحماس لإغراق الأسواق هو ان اميركا معنية بتحطيم معظم الدول المنتجة للنفط حاليا: روسيا، إيران، فنزويلا، والعراق أيضا.
وبالفعل استجابت السعودية فزادت الإنتاج وانخفضت أسعار النفط بشدة، رغم ان هذا ليس من مصلحة السعودية طبعا.
والسؤال هنا: ماذا سيحدث لو سقطت دولة نفطية أخرى تحت السلطة المباشرة لأميركا؟ المتوقع المزيد من زيادة ما يسمى بالإنتاج، واغراق السوق وانهيار جديد للأسعار! أي أن سقوط دولة أخرى تحت سلطة اميركا هو كارثة لكل الدول المصدرة للنفط! ولنلاحظ هنا، ان هذه الدول لا تحتاج ان تكون اشتراكية لتقف ضد اميركا في هذا، بل يكفي ان يكون لها حكومة تهتم بمصلحة بلدها، حتى لو كانت اشد رأسمالية من اميركا نفسها!
هذا سبب آخر لنقف مع فنزويلا مادورو ضد هذا التسلط الأمريكي الجديد.

لقد أوضحت في مقالة سابقة كيف ان وجود الاتحاد السوفيتي هو ما كان وراء منح أوروبا مساعدات مشروع مارشال الذي ساعد في إعادة بناء أوروبا بعد الحرب الثانية، ووجود الشيوعية هو ما كان وراء تأسيس دولة الرفاه الاقتصادي الديمقراطية التي تعتمد الاقتصاد الكينزي، الذي سارع الرأسماليون بإزاحته واعتباره اشتراكيا، بمجرد انخفاض مستوى التهديد السوفيتي. فوجود خصم قوي للرأسمالية الامريكية يهدد بتحويل العالم إلى اشتراكي، اجبر أميركا على انتهاج سياسة الطف بكثير مما ترغب فيه لو كانت مطلقة الحرية في العالم، ليس فقط تجاه اعدائها وليس فقط تجاه خصومها، بل تجاه كل شعوب العالم، حتى شعوب الدول الحليفة وحتى تلك التي يحكمها عملاؤها، بل وحتى الشعب الأمريكي نفسه! فلا يمكن مقارنة قوة الشعب الأمريكي أيام ما سمي بـ "العقد الجديد" مع حاله اليوم وهو يصارع بشدة من أجل تحقيق التأمين الصحي الذي يتمتع بأفضل منه بكثير، كل الدول المتقدمة بلا استثناء، وبعض الدول الفقيرة أيضا.

من عالمنا العربي، عندما تم اغتيال عبد الناصر وسقطت مصر بيد اميركا وإسرائيل، استغلت إسرائيل الفرصة واجتاحت لبنان! ولم يكن ذلك بهذه البساطة لو لم تكن مصر قد سقطت. إذن من الطبيعي ان يقلق اللبناني عندما تسقط مصر في يد أميركا، ويكون احمقاً إن قال: وما لي انا ومصر؟ "لبنان أولاً". فمصلحة لبنان تقتضي وجود مصر كما اثبت التاريخ، ومن يرى بالفعل "لبنان اولاً" عليه ان يهتم بحالة بقية الدول. أما حين يستخدم البعض ذلك الشعار كدعوة انعزالية، فإن دولته ستكون أول الضحايا.
إن انتصار الثورة الإسلامية في ايران بالمقابل، هو ما جعل تحرير لبنان ممكناً، كما يقول محرروها انفسهم! وبالتالي فاللبناني يجب ان يشعر بالخطر إن تمكنت أميركا من إزالة الحكومة الإيرانية والإتيان بعملائها مكانهم. ومن يقول: مالنا نحن وايران.. "لبنان أولا"، هو مغفل في افضل الأحوال وبفرض حسن النية. ولهذا السبب بالذات نجد الضغط الإعلامي الأمريكي والإسرائيلي للترويج لهذه الشعارات ولتقديم ايران كعدو بديل للعرب، كما سبق ان قدمت لهم الشيوعية ليحاربوها بدل محاربة من يهدد مصالحهم وحياتهم.

التأثير المذكور عابر للقارات. فعندما كانت فنزويلا والبرازيل والعديد من الدول الأمريكية الجنوبية الأخرى يسارية، كان بإمكان احمدي نجاد أن يتحرك ويعقد الصفقات والاتفاقات معهم ويشعر بالأمان أن من الصعب ان يحاصر أو يهاجم. كانت لديه فسحة اكبر ليختار بنفسه كممثل لشعبه، القرارات السيادية التي يراها مناسبة. لكنه لو عاد اليوم، لوجد الوضع اصعب، بسقوط معظم تلك الدول تحت القبضة الامريكية من جديد.
وجود الاتحاد السوفيتي أتاح للعراق ان يقوم بثورته في 1958 ولا يخشى الجيوش الغربية. ووجود منظومة اشتراكية أتاح له لاحقاً ان يتخذ قراراته بتأميم أراضيه غير المستغلة أولاً، وتأميم كل ثرواته النفطية لاحقاً، بمخاطرة أقل كثيراً مما لو جاءت تلك القرارات في عالم تسيطر عليه اميركا تماما. لذلك فوجود الاتحاد السوفيتي والمنظومة الاشتراكية، كان امراً مهما للسيادة العراقية، ومغفل من يقول: وما لي أنا والدول الاشتراكية؟ "العراق أولا"!
لكن الأمور تحسنت كثيراً بالنسبة لأميركا في العالم، وهي تريد إعادة الوضع على ما كان عليه، وتكلف رجالها الذين يبدون أكثر جرأة في التصريح بنواياهم، مثل تصريح رئيس الحكومة المنصب بشكل غير دستوري على العراق، عادل عبد المهدي، باستهجانه القرارات الاقتصادية "الجائرة" (كما وصفها) لثورة العراق تلك، وهو ما يشي بأنه مكلف بإعادتها الى ما كانت عليه. ولم يكن قانون "شركة النفط الوطنية" الذي لعب عبد المهدي دور مهندسه، إلا خطوة كبيرة في هذا الاتجاه، لولا ان تمكن عدد من الشرفاء من التصدي له في آخر لحظة.

إن انفراد أميركا في العالم، يغير موازين الأمور فينعكس ذلك بتأثير سلبي حتى على عملائها وتوابعها واصدقائها، الذين تصوروا في غفلة منهم أن قوتها تعني قوة لهم بالضرورة. لقد كان صدام حسين أحد هؤلاء المغفلين، لأنه كان يعتبر الشيوعية عدواً وجودياً له، وأميركا حليفاً ثابتاً. لقد احتفل رسمياً بسقوط الاتحاد السوفيتي وزواله من خارطة العالم. لكنه ادرك كم كان مغفلا حين هجمت جيوش اميركا عليه في الكويت، ثم في عقر داره، وهو ما لم يكن ممكناً في الماضي. وشملت هذه الغفلة ليس فقط كل من احتفل بسقوط السوفييت في العالم، بل حتى من قال: مالي وللشيوعيين. بلادي أولاً.
واشد غفلة من هؤلاء من يقول اليوم في العالم العربي، وخاصة العراق: لا علي بإيران، أو لا علي بسوريا، "العراق أولاً". فمع تناقص الدول المستقلة عن القرار الأمريكي، واحساس البقية بالضعف تجاهها، أصبحت اية دولة باقية خارج تلك السلطة، ولو بدرجة نسبية، دولة مستهدفة بالنسبة لأميركا، وشيئا ثميناً لبقية الدول والشعوب التي تريد المحافظة على استقلال قرارها أو بعضه. فحتى لو لم تكن إيران أو سوريا مستعدة للمساعدة، فوجودها في المنطقة يمثل نوعا من الحماية بوجه تعاظم الابتزاز الأمريكي. وقد يستغرب الكثيرون من هذا القول، إلى ان يأتي اليوم الذي تسقط فيه ايران، ويلتفت الى العراق، ذلك الوحش المهول قائلا: ها قد صرتم وحيدين! النفط لي.. الآن! .. افتحوا سفارة إسرائيل.. الآن!
وقد يستغرب البعض حين أقول أن حتى السعودية وحتى حكامها، سوف يشعرون بحماقتهم لو سقطت الدولة الباقية في المنطقة بيد أميركا، رغم انهم يبذلون الأموال الهائلة لإسقاطها! فكل ما سيحدث هو انهم سيكونون أكثر عرضة للابتزاز الأمريكي الذي لم يوفرهم، كما يعلمون. فعندها لن يكون لرضاهم أو رأيهم أية أهمية، وسيلتحقون بالضحايا غير القادرة على التسبب بأي خدش مهما كان صغيراً لمن يمتص دمها، ولن يجد الامريكان والإسرائيليون أي سبب لإبقاء قطرة دم او نفط واحدة لهؤلاء.

نقطة أخيرة في قائمة الاضرار المتأتية عن انهيار فنزويلا للضغط الأمريكي، هي "تطبيع التسلط الأبشع" للقوة المهيمنة على العالم، وتعود قبول اعتداءاتها على الدول الأخرى دون ان يثير ذلك الاشمئزاز. إن الهجوم على فنزويلا اليوم يثير الكثير من الاستهجان والرفض والخوف، لأنه الأول من نوعه. لكن مروره بسلام، سيكون له تأثير "تطبيعي" لهذه العلاقة الخطرة بين اميركا ودول العالم، ولن يحتج أحد حين تهاجم الضحية الثانية كما يحتج الآن على الهجوم على فنزويلا. أي ان العالم سيكون في منظومة أخلاقية أكثر خطورة على الدول الأضعف، إضافة إلى ما ذكرنا سابقا.

لقد كان المرحوم كاسترو على خلافات كثيرة مع الاتحاد السوفيتي، لكنه كان يدرك الحقائق جيداً، فكان يقول: يكفي الاتحاد السوفيتي ان يكون موجودا لنكون له شاكرين! لذلك، فحتى لو لم ننظر للأمر من وجهة نظر إنسانية تأمل بالحق والكرامة للبشرية وتكره الظلم في كل مكان كما يفعل جيفارا، وحتى لو لم يهمنا سوى بلدنا وحياتنا، فيجب أن تهمنا إيران وتهمنا سوريا وتهمنا روسيا وتهمنا الصين وتهمنا كوبا.. وتهمنا فنزويلا، تهمنا حتى لو لم تكن لها وقفاتها المشرفة من فلسطين وكل القضايا العربية!
إنها ليست شعارات فقط، بل حقيقة واضحة: أن كل انتصار لمقاوم في هذا العالم، يعطي قضيتنا فرصة أكبر، وكل هزيمة له في أي مكان، يضيق علينا فرصتنا نحن. وكلما ازدادت الهزائم وازداد عدد الدول التي تسقط، ازدادت بالنسبة لنا، قيمة من بقي منها صامدا، وفنزويلا جزيرة للصامدين في بحر هائج يحيط بها.