الأربعاء، 7 سبتمبر 2016

خزافون عراقيون* ابتكارات فنية تعيد قراءة ثوابتها- عادل كامل




خزافون عراقيون*
ابتكارات فنية تعيد قراءة ثوابتها




عادل كامل
[1] الافتراضي مستحدثا ً ـ دينامية التواصل
     باستثناء تجارب خزفية متطرفة، أكثر انسياقا ً للعشوائية أو تلبية للمظاهر المتأزمة،  الآنية، فان إعادة قراءة فلسفات الحداثة ـ وما بعدها ـ في الإبداع العالمي ـ الأوربي تحديدا ً ـ  لا تلخص مدى حفرها في الطبقات المندثرة للحضارات القديمة حسب، بل تأكيدها على ضرب من الشك بكل ما ينتمي إلى المستقبل.
   ومع أن (نغمة) التشاؤم، والأسى، والإحساس المرير الذي تركه (سيزيف)، ومظاهر العبث، والعنف، واتساع الفجوات بين النخب الثقافية والمتلقي العام ... الخ، كان لها حضورها الدائم في الثقافات، إلا أن ردود الفعل، لم تكن تعمل إلا على قهر عوامل: القهر. وكأن قانون: كل ما عليها زائل، وما يأتي من المجهول يذهب ابعد منه، لا يمثل الحياة، بل إغواء ً لصياغة برامج تدعم الديمومة، بدل القنوط، واستساغة الاحتماء بالغاز القدر، ميتافيزيقاه، وما يتضمنه من انساق تعمل خارج إمكانيات (الدماغ) والعقل.
    وإذا كنت أتحدث عن فن (الخزف)، وليس عن (الجسد) أو (الوعي) أو (الثقافة)، فان أقدم النماذج كانت قد تأسست وفق مبدأ استحالة فصل الوظائف العملية عن العوامل التي تضافرت على تشكيلها، كعلامة، فان الخزف ـ مع المجسمات والرسومات ـ كان يتضمن مجالا ً سحريا ً/ رمزيا ً سمح للنخب أن تمنح (النوع البشري اختلافا ً عن الأنواع الأخرى، وعن نوعه أيضا ً، مسافة في التأويل، والتحكم، والغايات. فامتياز الأصابع لم يكن متخصصا ً بالبحث عن القوت، والدفاع عن النفس، بل عن بلورة قدرات أعلى في صياغة الأهداف، والمثل.
    وإذا كانت (الغريزة) لاواعية في أداء عملها، فإنها سرعان ما ستعمل باستقلالية تسمح لها أن تطور مهارات ينفرد بها عدد من البشر تذهب ابعد من جمع القوت، والحماية، أو حتى العدوان، نحو مبررات معقولة لبناء دلالات، لا علاقة لها بالنافع، لكن من الصعب القول إنها: جمالية خالصة.
               

     ثمة ـ في هذا النظام المعقد للتخصص في آليات الحفاظ على ديمومة كل ما كان يراه يزول، يغيب، انشغالا ً أنتجه العقل، ببناء العالم الافتراضي، لعدد من الرموز، والتصورات، تؤكد أن التشبث بالديمومة يتجاوز اللا وعي، نحو ديمومة تستدعي التنقيب في طاقاتها الكامنة، تجعل منها، بالدرجة الأولى، معادلا ً للموت ـ والاندثار.
    انه مثال لقاعدة عامة، ولكن الأدوار الحضارية التي نشأت في بلاد وادي الرافدين، تمثل نموذجا ً  يستدعي قراءة أن رواد (الفن) الأوائل، كانوا على معرفة فلسفية ـ وتقنية ـ سمحت لهم بقراءة متقدمة لأكثر العناصر صلة بهذا القانون: العناصر الأساسية: الهواء/التراب/ الماء/ والنار، ولكنهم، بعد تحليل ـ وربما تفكيك ـ  هذه العناصر، والعثور على علاقات تجعل من عملها موحدا ً، لابد أن برز: العدم ـ الكامن في الزمن ـ قهرا ً يتطلب قهره اختراع تمويهات حقيقية، بالأحرى: حقائق اصلب من أن تتعرض للتقويض.

   

     والسؤال الذي لم تجب عنه الفنون، ولم يجب عنه الفنان، بوصفه غدا أكثر رهافة، هل كان العالم الافتراضي قائما ً في القانون، وفي الخامات، أم كان قد تم استحداثه، مع نشوء القشرة العليا للدماغ، بوظيفتها المبكرة في: إعادة إجراء حساب لعمل الوعي، إزاء القهر ـ والتدمير؟ أي التفكير في ماهية التفكير، وهل ثمة وسائل لا تجعل منه لغزا ً عصيا ً على الإدراك..، أم أن الوعي، بما هو عليه، لم يستحدث أدواته من العدم، ولكن العلل، والأسباب المولدة للأسباب، كامنة في انساق البرنامج، وان مهمة (الصانع/الفنان) الأمهر تكمن في تلمس الطريق للاكتشاف، وليس الوقوف عاجزا ً، أو تائها ً في متاهة ما انفكت  تطور وسائل الصراع ـ والمتناقضات ـ ما بين الحدود...؟


       

     إن ما تم اكتشافه من جرار، دمى، أواني، ونماذج خزفية مختلفة الوظائف، في حضارات العراق، لا تشكل إلا نسبة لكنوز أخرى مازالت بانتظار التنقيب، والاكتشاف. إلا أنها نسبة تفصح عن مدى بلورة حداثة ترجعنا إلى مهارته في منح الجمال أثرا ً عمليا ً في بنية (النموذج) الخزفي، بوصفه يمتلك قانون الديمومة...، ضمن قراءة لا تعزل  حاضرها عن ذاكرتها، ولا عن استبصارها بما سيشكل استكمالا ً للسلسلة. فالأصل لا يكمن في (الفن) ـ مثل اللغة لا تفسر بقواعدها بل بصانعها أيضا ً ـ بل في الذي لم يتخل عن استحداث مناعة مقاومة لحقب الخمول، والوهن.
   ومع إن ما بعد الحداثة ـ وقد اندمجت طرقها بعالم تحكمه مراكز الشركات العابرة للقارات ـ غير معنية كثيرا ً بالإجابات التاريخية، أو المنطقية، إلا إنها  ـ وقد أصبحت مظهرا ً عالميا ً شمل أكثر المناطق بدائية إلى جانب أكثرها تقدما ً ـ معنية بما كان يصنعه الخزاف الأول: هل غاب اللا مرئي عن أكثر الأشكال صلة بالنفع، وهل غابت (الميتافيزيقا) عن مكونات العالم الافتراضي، رموزه، ومخفياته..؟

   فثمة قدر لا محدود ـ بنسب تحددها  الرهافات والمهارات والتحديات ـ من المجهول الذي يجد سكنه في أكثر الأشكال تقليدية ـ وأعرافا ً، إلى أكثرها احتواء ً للمشفرات.
    ربما ليست هي (الميتافيزيقا) أو (العدم) أو (المجهول) ـ ما دمنا نعمل بأدوات قديمة لمعالجة مستحدثات آخذة بالعبور نحو مصيرها، واعني بها اللغة ـ ولكن هل باستطاعة (الجمالي) أو كل ما تنتجه الرهافة، والمنبهات الحسية، والحدوس، وما ينتجه الدماغ من عوالم افتراضية، أن تشكل (ميتافيزيقا) تتوخى أن تصبح علما ً، لمنح الفن أن يكون حرية بموازاة ضدها: الضرورة...، أم أن الفن كان ضرورة أنتجتها الحرية التي تتطلبها الحضارة خارج المفاهيم القائمة على العسر، والعنف، وهي تحتفل، أحيانا ً، باندثارها؟
     إن هذا التشبث (العنيد)، بحد ذاته، يمتلك قدرات لا واعية، للسلسلة أو للدورة، وليس لحلقة أو حقبة أو فجوة فيها...، حيث الفن يذهب ابعد من وصفه بالسلعة، وابعد من مشروعه الوظيفي، وأعمق من انشغالاته الشكلانية أيضا ً...، حيث إن لم يستحدث تعديلات تواكب حضارة اقل عشوائية، عنفا ً، وانشغالا ً أحاديا ً بالربح،  فان لغز الزوال سيبقى انشغالا ً، لا يهن، بل يجد منفذا ً له،  شبيها ً بما تفضي إليه الثقوب السوداء، لا تتوارى داخل بنيتها إلى الأبد، كما قال ستيفن هوكينج، بل تنبعث في حياة لها ديناميتها، حتى بوجود حياة مغايرة لحياتنا، في مكان أخر من الكون.
             

[2] النار  والخزف
   لو أهملنا أثر (النار) في تركيب (الوعي)، قبل 400 ألف عام، في الأقل، أي دخول النار كعامل أساسي في بنية (الدماغ)، فهل كان للأدوات أن تأخذ دورها ببناء مجتمعات تتراكم فيها الخبرات لظهور أولى علاماتها المستحدثة، في نشوء الحضارات...؟ أم علينا إعادة القراءة، والتساؤل: هل هي واحدة من المصادفات التي منحت (وعينا) الشروع بإقامة علاقة حميمية مع النار، بعد علاقته مع: الترب/ الماء/ والهواء...؟
    لو لم تكن الطاقة اليوم جزءا ً من مأزق كبير، لأهملنا دور التحدي برمته، في قراءة لغز (النار)...، وموقعها في التقدم، ليس تاريخيا ً أو رمزيا ً، بل حضاريا ً، مادمنا لا نستدل إلا بالأثر الفني، النافع والجمالي معا ً...؟
    منذ سنوات ليست قصيرة، استبدل الخزاف العراقي الطاقة (الكهربائية)، بعد غيابها شبه التام، بمصادر بديلة، أي بعد عجز الحكومات المتعاقبة عن توفيرها ـ في بلد يمتلك خزينا ً هائلا ً منها ـ واستعان ببناء أفران شبيهة بالتي صنعها أسلافه في سومر وأكد وبابل...، ومن قبل: في سامراء والعصور الأقدم.
      ولأن (النار)، في قصة الخليقة، لم تفكك وتُدرس لترتقي للرد على لغز العصيان، حيث المقارنة جرت بين المصنوع من النار والآخر المنحدر من التراب، الأمر الذي احدث شرخا ً في الإجابة، إن كانت تمردا ً أو عصيانا ً، مما يجعل احد مفاتيح فك الشفرة يكمن في الاختلاف ما بين الأعلى ـ والأسفل...، ما بين الشفاف، والمعتم، وما بين الروحي والواقعي، أم لأمر أكثر تعقيدا ً، مما فسرته النصوص المدوّنة، بتأويلاتها المعروفة...، إن كانت أسطورية، أو رمزية، أم إنها جاءت بحدود ما تمتلك، أي بحدود اللغة كأداة لا تمتلك أكثر من آليات الرد...؟
    في الحالات كلها، ومنذ 1990، واجهت الخزاف العراقي أزمة اضطرته للعودة إلى أسلافه، مستعينا ً بمصادر بديلة للحصول على النار.
    ولأن فن (الخزف) ـ عبر الحضارات كافة ـ ليس فنا ً نفعيا ً إلا بوصفه حاملا ً لمشفراته الجمالية، فانه سيشكل وثيقة للحياة، بمرئياتها ومخفياتها معا ً. مؤكدا ً انه لغة عابرة لحدوده، بوصفه شبيها ً بالطاقة الكامنة في المادة.
     إنما الخزف الفني وثيقة نسجتها التقنيات، إلى جانب الثقافة، كي يغدو مضادا ً للنفع ـ والاستهلاك، أي كي يؤدي دور (الختم)، بإضافات مستمدة من الرهافة، ومن التجارب العملية المضنية. فجمالياته ستحافظ على رصيدها المخبأ الخاص بالجهد ـ والتجريب.
    وكي لا تبدو (الحداثة) مستعارة، أو تم السطو عليها، أو إنها ولدت خارج بيئتها العراقية، فان تحديات الخزاف العراقي، باستحداث البدائل، تحفر في الجذور ـ وفي المراجع النائية التي مازالت تجد مأواها في ذاكرة الخزاف.
   فإذا كانت النار قد شكلت تحديا ً، فان (الوعي)، هو الآخر، سيدوّن حضوره: ليس لأن عمل النار أساسيا ً في حرفيات الخزاف، بل في عمل (وعيه) ذاته.
   لكن جماليات (الخزف)، هنا، وعلى خلاف ما ذهب إليه "هربرت ريد" باستبعاده من الدلالات الرمزية، والروحية، سيحافظ على إعادة سرد قصة الخليقة، بأشكال لا متناهية للصراع. فهنا تظهر أهمية القراءة ومغامرتها الخلاقة: الأشكال/ الألوان/ الملامس/ السطوح/ الرموز ...الخ، إلى جانب قراءة: الجسد. قراءة يسهم المتلقي بالذهاب ابعد مما دوّن فوق المجسمات وسطوحها، نحو العمق، في جوهر الخامات، حيث (الخزف) يحافظ على لغز نشأته ـ كالأسباب التي أدت إلى خلق الإنسان نفسه ـ في بلاد الماء/الطين، بدلالة انه لم يتوقف عند المعالجات الأحادية، بل راح يتمثل جوهرها، للمآزق، والتحديات.
   وبالعودة إلى عام 1976، حيث تم التباهي بالعصر (الذهبي) للخزف الحديث في العراق، في لندن، باريس، وعواصم أخرى، فان هذا المنجز، اليوم، مع مراعاة عوامل الإحباط ـ حلقة ذهبية في تاريخ غدا متداولا ً، عبر متاحف العالم، للخزف العراقي، عبر أكثر أزمنته استجابة لردم الفجوات، وللحفاظ على (لغة) صاغتها  الدوافع ذاتها التي صاغت من النار، علاماته المعرفية، المشفرة، والجمالية.

           

[3]  الجسد: مخبآت ومشفرات

   في أكثر العلوم تماسا ً بالحياة اليومية، كالفيزياء والكيمياء، يجد المتلقي العام صعوبات لفهم النصوص النظرية، ومدى تطابقها مع (الحقائق المرئية)، مما يجعلها بعيدة عن التداول، لصعوبتها، في الغالب، أو لجاذبيتها المحدودة أيضا ً.
   وفي مجال فن الخزف، تتكرر هذه الصعوبة، عندما يغفل المتلقي انه إزاء الفن الذي واكب اكتشاف (الإنسان) لجسده، ومنحه أولوية تعنى بجدلية العلاقة بين الجسد، والطبيعة، وبين الجسد والمجتمع، وبين الجسد وتحوله إلى قيمة جمالية/ رمزية، تستدعي تحويرات موازية لمجمعته المعرفي، إبان العصور السحيقة، أو في أكثرها حداثة، وعولمة.
    فالجسد ليس كتلة ساكنة، تتحرك تلقائيا ً، أو لأسباب موضوعية تستدعي التحليل فحسب، بل انه شبيه باللغة  ذاتها التي وجدت للاستعمال، بما تمثله من وسيلة لغاية، هي الأخرى، تستدعي اختراع أدوات قابلة للنمو ـ والتطور ـ والتهذيب، تناسب عمق التأمل، وضروراته.  وحتى لو كان اكتشاف الإنسان لجسده، بوصفه ملقى، وليس حصيلة خطة طويلة الأمد، نشأت منذ نكون بذور الخلق، فانه ـ بوصفه ملقى ـ يبقى مثار أسئلة سرعان ما تجد الإجابات الأكثر استدعاء ً لنشوء أسئلة أخرى، مضافة.  لقد انشغل الإنسان القديم، بأدواته، ليس بوصفها وسيلة حياة حسب، بل لأنها كانت تتضمن ما هو ابعد من ذلك. فمنذ راح ينسج الأشكال النافعة لحفظ غذاءه، ومنذ صنع أقدم دماه، لأكثر الكائنات عناية بصنع الحياة وديناميتها، اعني بها الأم الكبرى، ولدى الشعوب كافة، فقد اكتسبت دلالات رمزية، بوصفها (مصنعا ً) مولدا ً لأسس الحياة وديناميتها. فالجسد الذي لفت انتباه الأسلاف، في حضارات أعالي الفرات، من ثم في الحضارات التي نشأت بعد الطوفان الأعظم، قبل أكثر من سبعة آلاف عام، منحت (الجسد) مكانة اكتنزت فيها الأسرار، ومشفراتها. وبنظرة عامة لفنون (الحداثة) وما بعدها، فان عملية الحفر في الطبقات السحيقة سيظهر مدى الدور الذي مازال يؤديه الجسد، كعلامة غير مرئية، لتأمل مبدأ: التجدد ـ والابتكار.
    على أن الجسد في الفنون ـ الفخار والنحت والرسم ـ لم يولد جسدا ً تاما ً، بل أصبح جسدا ً طالما كانت هناك رؤية جمعية أسهمت بمنحه مكانته في البناء المجتمعي، وضمنا ً، لم يكن الانشغال الجمالي/الفني، بمهامه التنقيبية، يجري بمعزل عن التحولات، من البسيط إلى المركب، ومن المركب إلى اختزاله، وإعادة تركيبه بحسب الإضافات والمحو.
    ففي تجارب هذا المعرض [خزافون عراقيون] لأكثر من ستين خزافا ً، تتم الاستعانة بالجسد موضوعا ً يتكون بحسب مهارات الخزاف، ورؤيته الفلسفية. فهو لم يعد إلا  موضوعا ً ديناميا ً تضمن نقدا ً لاذعا ً لما عاناه (الجسد) من انتهاكات، طوال السنوات التي أعقبت الحرب (2003) والانتهاكات السابقة، منذ العام (1958).
    فثمة مستويات لهذه الرؤية صاغ الخزاف منها هوية عامة ـ لا شعورية ـ جمعت اهتماماته، كي يعيد صياغتها، بأسلوبه، ومدى استجابته لقانون الحياة بوصفها سلاسل من التحديات المتواصلة تسمح له بصياغة حضوره في مواجهة  الهدم ـ والدفن.
    ثمة أجساد خزفية، بالأحرى: ثمة رهافة خزفية في رؤية الجسد، لأنها علاقة جدلية بينهما ولا أسبقية لأحدهما على الأخرى؛ الجسد في الطبيعة، أو الجسد وقد استحال فنا ً خزفيا ً، لأنها شبيهة بالعلاقة بين الدماغ والوعي، كلاهما يعتنيان به، كما في تجارب: أمير حنون/ عبد الأمير طاهر/ علي السعدي/ قاسم محمد/ على قاسم حمزة/ أطياف علي ...الخ، وثمة تحويرات أجرها الخزاف، لكن بتفكيك الجسد، واختزاله، بوصفه علامة دينامية اتخذت من المعالجة الخزفية الجمالية أولوية له. كخزفيات: احمد جعفر/ نبيل مع الله/ سامر احمد/ ابتسام ناجي/ سيف نفل/ عدنان الصافي/ زينب ألركابي/ حيدر صباح/ زينب البياتي/ احمد عبد الرزاق/ رائد احمد/ حيدر مجهول ...الخ، فيما هناك تجارب حافظت على المنحى الاختزالي للجسد، حد التجريد، بالتشذيب، او بالتحوير، لم تلغ الإرث الغاطس للموروث الخزفي العراقي القديم، وللحضارات كافة، كما في تجارب: شنيار عبد الله/ رجاء عباس/ سلام احمد/ خالد جبار/ سعد الجابري/ قاسم نايف/ حسن عبد الأمير/ تراث أمين/ يحيى رشيد/ وجدان الماجد/ حيدر رؤوف/ أكرم ناجي ...الخ
    إن هذه التنويعات، في رؤية الجسد، بوصفه أقدم علاقة مشفرة مولدة لرموز الحياة ـ شبيهة بالمصنع تضافرت فيه عناصر الإنتاج ضمن خطة عامة قائمة على علاقات سببية نائية وغير منظورة ـ منحت فن الخزف لغة تعبيرية ـ جمالية، تباينت بين الذاتي، والجمعي، في رصد الحياة اليومية التي عاشها الخزاف، ووثقها بتقنيات تداخلت فيها التنصيصات، الاستعارات، الدمج والتحوير حد  المنحى التجريدي، لتشكيل أسفار تضمنت زوايا بصرية، وأخرى رقمية، وثالثة اكتفت بالأشكال المألوفة، بغية تحقيق التوازن، بين الروافد والأسس التي اعتمدها الخزاف بمنح البعد الجمالي دافعا ً خاصا ً بعمل الجسد ـ التاريخي، بدل محاكاته أو إهماله.  فالمشترك حث ذاكرة الخزاف لصياغات سمحت لأصابعه أن تمنح المخيال مدى مناسبا ً مجاورا ً للبصريات الواقعية التي عاشها الخزاف، بعنفها، وبصدماتها، والارتقاء بها ـ كما فعل الأسلاف والرواد في مواجهة التحديات ـ  نحو معالجات تعيد للحياة المجتمعية، ذائقة تمنح الخزف (حداثته) في  الخطاب (المعرفي) للمجتمع، بعيدا ً عن العزلة التي يعاني منها الفنان عامة، والخزاف على نحو خاص. فبهذا المنجز، في هذا السياق،  يتوخى فضاء المدينة، ليس لأنه  نشأ فيها، بل لأنه يسعى لمنح الفن موقعه المتقدم، بإرساء حياة لم تخلق فائضة، أو للدفن.

                 

  [4]   الحرف ليس سطحا ً
    حتى النصوص الخزفية التي تبدو قائمة على إخفاء مضامينها، أو محركاتها الفكرية، بل وحتى التي تتخلى عنها أو تنبذها، لا تستطيع، مقارنة بالفنون الأخرى، أن تتبنى الحياد، أو المعالجة الأحادية للأشكال، وعناصرها. فكما تمت، تحويرات الجسد/ البدن، بوصفه علامة مركبة، توليدية، وصياغته بأبعاد ذات صلة بالمعمار والمدينة، بالأنساق المجتمعية، والنفسية، بالتأويل وبالدوافع الرمزية...الخ، فان منحى ظهور الحرف ـ في الخزف ـ التحم بالجسد ذاته، وفي الوقت نفسه، غدا علامة مركبة لمسار فني طويل.
   إن لا شعور الخزاف يفصح عن مبدأ أن خياله الأبعد لا يستنسخ موروثاته، بل ينتقي منها ما سيشكل حاضرا ً لتطبيقاته الفنية.
    فإذا كان الجسد ذاته أقدم مفهوم لجدلية عمل الوعي على صعيد التطبيقات النافعة، فانه غدا أداة مولدة لإضافات تمنحه مدى ابعد في الدلالات، وما تتضمنه من إيحاءات، فنية/ جمالية، فان (الحرف) ـ بوصفه جزءا ً من بنية صورية ـ شكلية ـ رمزية، سيقترن حضوره في المنجزات ذات الصلة بالوسط الاجتماعي ـ والمعرفي. فإذا كانت الكتابة قد نشأت مصاحبة لبرنامجها التطوري، فإنها ستحافظ على ديناميتها، حتى بتجدد أشكالها.
   ولعل النصوص المبكرة للأواني، الجرار، والدمى الفخارية، فضلا ً عن المجسمات والأعمال اليدوية المصاحبة لحياته اليومية، لم تستغن عن استلهام منظومة الكتابة ـ  بوصفها حاملة للمعاني ولجمالياتها المستحدثة ـ بل أكدتها، عبر مختلف العصور، ومنها الأزمنة التي غابت عنها مصادر الإشعاع ـ التوليد، والابتكار.
    فالنص الخزفي القديم، سيغدو مجالا ً لتنفيذ الأفكار، عبر المعالجات الفنية، لأنه سيمنح النفع قناعا ً لا يمكن عزله عن هذا السياق، ولكن الجمالي، أو الجمالي في ذاته، لا يحقق رسالته، عبر القطيعة، بل عبر التحويرات والاختزالات التي تسمح لمفهوم الإنتاج أن يذهب ابعد من السياق الميكانيكي، نحو الرموز، والإيحاءات، المولدة للمعاني الأكثر تقدما ً، بل والأكثر صلة بالحداثة.
   في هذا المجال، ظهر استخدام الحرف باستعادة الخزين، واستثمار مكانة المعرفة في التداول، فضلا ً عن الاختزال الذي سيمنح الخزف هويته، ليس بفعل العلامات، والمعالجات، بل بسبب الانصهار ـ والبنية الجدلية لوحدة عناصر النص الخزفي.
   ففي نصوص: ماهر السامرائي/ هاشم رسمي/ خالد جبار/  سعد العاني/ قاسم حمزة/ ساجدة ألمشايخي/ رعد الدليمي ...الخ، مستويات متنوعة تمنح (الخزف) مكانته كأثر يستحدث حضوره، وليس بوصفه إشارة لعلامات مندرسة.
   فإذا كان بيكاسو وبراك قد ادخلا الحرف (ألطباعي) ضمن سياق التوجه التركيبي ـ التلصيقي/ الكولاج، للدلالة على معالجات مستمدة من الظواهر الصناعية الأوربية، لتوثيقها، فنيا ً، فان تقاليد فن الخزف العراقي، والعربي عامة، وجدت في الكتابة ـ وحروفها ـ مسلمة بيئية وثقافية وشعبية وروحية لبنية الفن، وما يتضمنه من غايات عابرة للاستخدامات، نحو النص المستقل،  بما يتضمنه من دلالات معرفية ـ وجمالية.
   ولقد انشغل الفنان الرائد جميل حمودي، ومديحه عمر، وشاكر حسن آل سعيد، كل برؤيته، بمعالجات على مستوى الرسم، أو البعد الواحد، بحسب المهرجان الذي أسسه آل سعيد، وقصد منه إبعاده الافتراضية، في مواجهة عصر السلع، والأشياء، لمنح الرؤية مداها المضاد للنفع المباشر، بل والمضاد لأحادية الرؤية. ففي هذا المعرض نلمح لوجود مهارات مرهفة للعثور على جسور من (التاريخ) نحو (الحاضر)، ومن المحدود نحو العام، بتركيب  يتوخى المعادل بين الاتجاهات، الأساليب، والمعالجات الفنية أخيرا ً.
   فظهور الحرف لا يمثل بعدا ً واحدا ً، بل أبعادا ً، لأن الروحي، في الأساس،  ليس مضادا ً للواقعي، بل إسهاما ً باستحداث إضافات قد لا تبدو منظورة، ولكنها، بفعل التطبيقات، والتحديات، تؤكد إنها لم تستكمل أزمنتها السابقة، بل تستحدث أزمنة تسكن مخيالها الخلاق.


[5] تداخل الفنون: أبعاد
      كان مفهوم المجسم، منذ البدء، عملا ً تركيبيا ً، ليس لأنه حصيلة روافد، تجّمع أزمنة، بمعنى كتلة، وتضافر خبرات فحسب، بل التمهيد لنمو جدلي يسمح للتطور أن يشكل محركا ً لعلاقات العناصر، وجسيماتها ما تحت الذرية، في تحقيق الهرم ـ من اجل البناء. على أن الشكل الخزفي، في هذا المعرض، سيجعل من مقولة رولان بارت: ما الذئب إلا مهضومات خراف، تنصيصا ً مشروعا ً ـ بل وشرعيا ً ـ لتواري الصانع/الفنان، في نصوصه الخزفية. فالتاريخ بلا أسماء لا يلغي هوية (الأنا) فحسب، بل يحولها إلى أثير أو إلى أطياف.
   فإذا كان المشروع الإنتاجي للخزاف، عمليا ً، يغاير ظاهرة موت الإنتاج الصناعي، والإبداع التصنيعي في البلاد، سلبية أدت إلى ازدهار الاستيراد، فان الخزاف العراقي غير معني بهذه المعضلة. فهو لا ينتج (سلعه لسوق مجهول حسب) بل قد لا يعرف مصير (فنه)، لولا انه أعاد الحفر في تقاليد راسخة لم يدعها تغيب.
    انه ـ كما قال قاسم سبتي: " يبدو لي أن تل حسونة وتل حرمل وباقي التلال لازالت تضخ لنا وفي كل يوم أعدادا ً من فرسانها المبدعين وهم يحملون بين جوانحهم خزفا ً ينبض كما الأفئدة بحب وطن نبيل اسمه العراق" يحقق اعقد معادلة للغز: التجدد.
    لكن ليس لسر الماضي إلا المحفز لمنح (المندثر) مداه، فكما أثبتت مقولة اينشتاين الشهيرة (E =mc2) أن المادة والطاقة مترابطتان صوابها، فان الماضي لا يتوارى تحت التلال، بل يمتد، عبر الوعي الجمعي، نحو أصابع راحت تعيد مخفياتها، في أزمنة مازالت تزداد تعقيدا ً، وصعوبات.
    فالتاريخ بلا أسماء، سمح للخزاف، بالبرهنة على أن السلسلة لم تنقطع، منذ عصورها الأولى. فثمة دوافع للإنتاج، من اجل أكثر المفاهيم بعدا ً عن (النفع) و (الربح)، ألا وهو هذا المشفر لمقاومة الرداءة، الكامن في: قهر عوامل القهر.
   فالجمالي، مبدئيا ً، يدحض التخصص في مجال أخير. ليس لأن (الفنان) غدا خزينا ً لنصوص لا تحصى، بل لتيارات وفلسفات وإبداعات تجاوزت المألوف، والتقليدي أيضا ً.
   فالرؤية (الجمعية) ستمنح كل (اسم) أثره في إنتاج النص الفني ـ المركب ـ من فنون ومعارف وخبر سابقة، وصياغتها بأقل الإمكانيات ـ الخامات مع ندرة الطاقة ـ كي تشكل علامة مغايرة لعقد مضى من تراكمات  الغبار ـ والدخان.
    فالخزاف تمثل المجسم بوصفه مضمونا ً لأكثر من ثلاثة أبعاد، فهو الجسد، وهو اللغة، وهو الأثر، ثم وجد مأواه في النص الفني، بعدا ً لمهرجان مضاد للاحتفالات التمويهية، عبر الألوان، والملامس، والتحكم بالمصادفات.
   فالنحت غدا الأساس العميق للبناء المعماري ـ الافتراضي ـ للمعرض برمته. وإغفال تماثيل الأسس، سيقلل من فهم جدلية النحت بالفخار، وبالخزف الفني الحديث. فتماثيل الأسس ليست تصوّرا ً مثاليا ً (ميتافيزيقيا ً)  للعلاقة بين الأعلى (عالم الآلهة) والأرض (عالم البشر) حسب، بل منح اللا شعور مداه ليعمل بالصيغة البنائية لدى صانعي الزقورات، ومخترعي الكتابة، وواضعي الشرائع، عبر تركيب شمل الزمن، الأبعاد، فضلا ً عن باقي العناصر. فالنموذج الخزفي لا يتكرر ـ من فنان إلى آخر ـ بل يتنوع بمنح التكرار هوية تتضمن الأسلوب، بتداخل مختلف الروافد.
   فالخزاف غدا رساما ً، بعد أن منح النص الخزفي علامة  تستدعي من المتلقي الاحتفاء بالمرئيات، ليس فوق السطح الخزفي، أو في الطبيعة، بل في إعادة العلاقة بينهما، لقراءة مادة البصريات، وهي تمنح الشكل النحتي دلالة الخزف الحديث. فليس ثمة خزف من غير قراءة المخفي ـ وصياغته بهوية كونتها، في الغالب، دوافعها غير القابلة للدحض، أو التقويض.


[6] مقدمات لمقدمات
    قد تكون لرمزية (الطين) أثرها في عدم الانسياق بعيدا ً في محاكاة الحداثة (التصنيعية/ السلعية)، واستخدامها على صعيد المعالجات/ الأشكال، والأبعاد الجمالية، اقصد أن الاستحداث مكث يحافظ على جدلية المخيال بذاكرته، ليس استنساخا ً، وليس قطيعة مع تقنيات الحداثة أيضا ً. ولكن مادامت هذه الرمزية مشتركة على صعيد وعيها الجمعي، فضلا ً عن حضورها المادي/التاريخي، فان التقدم لم يحصل إلا عبر التداخل، التجاوز، والانصهار...ن بعيدا ً عن هيمنة حضارة على أخرى، هيمنة استبدال يوازي عمل المحو.
   وإذا لم تكن هناك تأثيرات تذكر للخزاف البريطاني (أيان أولد)، عندما طاب منه أن يؤسس فرعا ً للخزف في معهد الفنون الجميلة، قبل عام 1955، كما ذكر الخزاف جواد الزبيدي، في كتابه [الخزف الفني المعاصر في العراق] فان تأثيرات (فالنتينوس كارالامبوس)، أستاذ الخزف القبرصي، العراقي الجنسية،  عمل بحضارة البحر المتوسط، ولا يمكن إهمالها، لا على صعيدها الشخصي، ولا على صعيد مفهوم: التنصيص ـ في سياقه الجدلي/ الحضاري.
   فقبل خمسينيات القرن الماضي، لم يكن للفن المكانة التي نالها بعد عودة المبعوثين للدراسة في أوربا، بعقد من الزمن، حيث كان لمفهوم جدلية (الخيال) إزاء (الذاكرة) دافعا ً للجدلية وحدة (الاختلافات)، وليس العكس: الأحادية. فالهوية ستحافظ على صيرورتها بابتكار خصائصها المستحدثة، عبر ما يمثل روح العصر، مع عناصر البيئة، ومنها الموروثات، والأعراف، والتحولات الاجتماعية، والثقافية.
    فكانت جهود الأستاذ الخزاف فالنتينوس مدخلا ً للشروع بتدشين ما يماثل(الطفرة القائمة على أسس جدلية القديم بالحداثات) في عالم الخزف الفني في العراق. كان فالنتينوس معلما ً، حرفيا ً، ورث صناعة الخزف عن عائلته، ثم صقلها بالدراسة في لندن، وأخيرا ً راح يعيد قراءة ما يمثله الخزف في حضارات ما بين الرافدين. انه عمليا ً قوض الأحادية، والانغلاق، بانفتاح اشترط جوهر الخزف، وأعرافه، في عصر ما بعد الحداثة، وتحولات العالم إلى قرية صغيرة.
   كان عمله مركبا ً، لكن ليس تلصيقيا ً. فالهوية خلاصة تضافر عمل صيرورة العناصر، وأسسها الدينامية، فلا يمكن استحداث (الهوية) من العدم، أو استنساخها عن الماضي، أو محاكاتها بأنظمة الحداثة الأوربية، ولا يمكن تأسيسها بقرار، أو تلبية لسوق. فقد اجتمعت في تجربينه روافد الحضارة اليونانية، الأوربية الحديثة، والعراقية...، مما أسهم بظهور مجموعة الخزافين العراقيين يعملون على حل معضلة (الهوية) بما تعنيه من: أصالة ـ وحداثة.
   ولفترات طويلة كنت أراقب عمله، وأصغي إلى آراءه، وأفكاره، وأثرها البناء في صقل مواهب تلامذته، حيث برز الأستاذ سعد شاكر، نموذجا ً سرعان ما رسخ مفهوم التجانس القائم على الاختلافات.
    فإذا كان (السوق)، أو حاجة المجتمع للخزف الفني، واحدا ً من أكثر الأسباب للتطور، فان (الفن) سيدخل في صراعات حادة، بين ما يريد الفنان أن ينجزه، وبين ما يطلب منه، فضلا ً عن مكانة النص الخزفي، على صعيد التاريخ، والزمن، في المنجز الطليعي.
     في هذا المعرض [خزافون عراقيون]، تردم فترة زمنية شبيهة بالسبات، في استعادة الأسس التي منحت الخزف العراقي، في العام 1976، تدشينا ً بلغ الذروة.
   ولعل حرية عمل الخزاف لا تكمن في العودة إلى الأصول، ولا تكمن في استعارة النماذج العالمية، مثلما لا تكمن في الحرفيات المتقدمة، التي أسهمت فيها التكنولوجيا، وروح (العصر)، واضطراباته، حسب، بل في العثور على المعادل الذي يسمح للخزاف أن يشكل علامة تنتمي إليه، وليست مستعارة، أو مستحدثة من العدم.
   وللأسف لا توجد مؤسسة باستطاعتها أن تجعل من هذا المعرض، نواة متحف للخزف العراقي الحديث...، والمعاصر، كي يكون (متحفا ً/ ذاكرة) و (محترفا ً) يلخص تزامن آلاف السنين في نصوص خزفية لم يغب عنها: الموروث الشعبي، السحري، البدائي، مثلما لم يغب مدى التصاقها بغبار الحياة، ودخانها، واستثمارها لخبرات فنون كالمعمار، النحت، الرسم، فنون الطباعة، الزخرفة، والخط بمختلف أنواعه ـ القديمة والعربية والأجنبية ـ والتصميم، ومعالجة النص الخزفي ليس تحديا ً ـ كما ذكر هاوزر كأحد معاني الفن ـ حسب، بل إنشاء ً، يعمل فيه اللا وعي بحرص متوازن مع الوعي، واللا قصد مع القصد، وكل ما سيشكل علامة تنتمي، في نسقها، إلى: المنتج، حيث: الهوية، ليست مستعارة، مثلما لا يأتي الأسلوب بعد الموت، كما قال بيكاسو، بل يلخص دحضا ً للاستعارة ـ بمعنى الاستيراد ـ، على حساب البدء بإنشاء مكونات الخزف بهويته الجمالية، وفي مقدمتها: الطين، أصل بذرة الخلق البكر، كما قالت الميثولوجيات العراقية القديمة، وكما أكدت علوم الحياة ذلك، لبلورة خلاصة (هوية) توازن بين مثلها (غايتها) وقوانينها الوضعية، التاريخية، بل واليومية. لأننا إزاء تجربة خزفية تولد بفعل التحديات، فهي تجربة لم تقترن بالصمت، أو باللامبالاة، أو بالهجرة إلى بلاد أخرى، بل بالحفر في ذاكرة راحت تعمل عمل المخيال، وبأسس توخت الابتكار، والتجديد.


[7]  وأخيرا ً
    إن السؤال عن المهارات الاستثنائية القادرة على ابتكار الأشكال الأكثر طليعية، هي جزء من بنية حضارية (اجتماعية/اقتصادية/ ثقافية ...الخ) عامة. فهل بالإمكان تصوّر وجود (ما يكل أنجلو) و (روفائيل) و (دافنشي) خارج عصر النهضة، أم أن وجود (سيزان) و (مونيه) و (بيسارو) خارج باريس، وهل بالإمكان وجود فنانين أمثال بيكاسو أو هنري مور أو خوان ميرو خارج بيئاتهم الأوربية ...؟
    فإذا لم يكن لدى صانعي الخزف، قبل عصر الطوفان، إلا واقعيتهم السحرية، القائمة على أدواتهم في الفهم، والتأويل، فان عالمنا، المحكوم باليات التطور العلمي / التقني، سلب من (الفن) سحره، ولغزه، فبعد أن تحول الفن إلى (سلعة) صار الإنسان (الميت) ـ بعد موت الإله عند نيتشه ـ يعمل بشرعية تكمل مقدماتها. لأن السؤال: هل ثمة انجازات خزفية باستطاعتها أن تتجاوز التيارات (الطليعية) في عالمنا المعاصر، وقد تجاوز الموجة الثالثة، ما بعد الصناعية، نحو تفكيك أكثر الأجزاء صلابة: من الذرة إلى الإمبراطوريات الكبرى..؟
   أنا هنا لا اثبت مبررات للطمأنة، أو للتمويه، ولكن في بلد غطس في أكثر أزمنته عتمة، وصار يستورد قوته اليومي، حد استيراد (الماء) من دول تعاني من الجفاف، ويستورد الطاقة التي من المفروض أن يصدرها، وقد شهد هجرات مليونية مشتتة في إرجاء العالم باحثة عمن يحميها من الانتهاكات، بل ومن الموت...الخ،  يتمسك عدد غير قليل من خزافيه بلغز: الخليقة، بعمل صريح ضد ظواهر الارتداد، والرداءة...
   لا مجال للمقارنة بين أدوات الخزاف المعاصر، وما يمتلك من خامات، والبيئات المساعدة على بلورة ابتكاراته...، وبلد  بالكاد تظهر فيه تجارب تبرهن عن أهمية الفن، ومكانته في التقدم.
     مع هذا كله فان المآزق اليومية لم تعد محض عقبات، بل أصبحت تعمل للذهاب وراء الأزمات.   فهذا الكم (الفني) ـ بوصفه منتجا ً بحدود الأعراف والتقاليد التي رسخها الرواد ـ تمسك باللغز ذاته بمنح فن الخزف مشفرات جعلها مرئية، بصرية، عبر الحفاظ على توازنات بين الذاكرة وديمومتها المتجددة.  فالحلم بانتظار معجزات (خزفية) يماثل استبدال الهواء بهواء آخر! بل استبدال الإنسان نفسه، بإنسان نجهل ماهيته، ومواصفاته، كي لا  نسرف في مغامرات الاحتفال بمصير مجهول.
   فإذا كان الخزف، في نشأته، قد رافق نشأة تحول الأصوات إلى علامات، والإمساك بالزمن في تحوله إلى حيز للاستقرار، فان اللغة ذاتها لم تعد أداة تمتلك الإجابة عن الأسئلة التي واجهها هؤلاء الرواد. ليس لأن اللغة أصبحت أداة من الماضي، وجزء من الذاكرة، انتهى استخدامها، بل لأنها ـ إن تجددت ـ وابتكرت صيغا ً أخرى، فالأمر متصل بالصانع/المخترع: الإنسان الآخر. وإلا  هل يحق لنا الحديث عن خزف، وهو رهن وسائله التقليدية، وهل يحق لنا أن نرى بغداد، على سبيل المثال، فردوسا ً كما تخيلها الأسلاف، في سومر: جنة لا يهرم فيها الإنسان، ولا يموت، جنة يتنزه فيها الحمل مع الذئب، وجنة تلد فيه المرأة من غير أوجاع الوضع...؟
    لقد أنتج (الخيال) البشري أكثر العلامات واقعية ورسخها عبر أثاره، ومنها فن الخزف والمجسمات، واليوم، بتقدم تقنيات الواقع، لم يعد للخيال إلا أن يحفر في ماضيه، ومندرساته. ليس لأن المستقبل، بحسب خبرة طالب الفيزياء، لا يعدو أن يكون أكثر من حلقة مؤجلة مع مقدماته، بل لأن الحاضر ذاته غدا معضلة إزاء عالم لا ينبني إلا على قانون: الهدم/ والتقويض. فإذا كانت (العقول)، عبر أزمنتها التي وضعت عالمنا في ذروته، قد حولت التأمل إلى برنامج في التغيير، فان عالمنا اليوم، لم يعد يسمح لهذه العقول، بأكثر من استكمال تتابع خطاها، نحو نهايات، لم تعد للفنون، ولا للكلمات، أكثر من أصداء، وأحيانا ً، آثار تتضمن كل ما علينا أن نعيد قراءته، وليس تركه يذهب مع الريح.


* "خزافون عراقيون ـ معرض مشترك" جمعية الفنانين التشكيليين العراقيين ـ 2016
4/9/2016
Az4445363@gmail.com


الأحد، 4 سبتمبر 2016

إلى الأعزاء الفنانين العراقيين في كل مكان-د. إحسان فتحي





 إلى الأعزاء الفنانين العراقيين في كل مكان



تحياتي

   تناولت الأخبار مؤخرا صورة لوزير الخارجية السيد إبراهيم الجعفري وهو يتأمل بإعجاب لوحة كبيرة للفنان الراحل فائق حسن، ويبدو من الصورة إنها معروضة في إحدى غرف دوائر الدولة أو احد الأشخاص وليس متحف الفن الحديث في الكرخ ( أتمنى أن أكون مخطئا).  وأود أن أوكد أن هذه اللوحة هي من ممتلكات المتحف وانه من المعيب حقا أن تكون معلقة في أي مكان آخر. إنها مسروقة  في 2003 ويجب أن ترجع فورا إلى المتحف، وأنا استغرب حقا من سكوت المسؤولين في المتحف أو وزارة الثقافة على جهلهم بالأعمال المسروقة إلى هذه الدرجة العجيبة

د. إحسان فتحي


جحيم وقصص قصيرة أخرى- عادل كامل


جحيم وقصص قصيرة أخرى


عادل كامل
[1] جحيم
ـ  لِم َ لا تريد أن تغلق فمك...، ألا تخاف...؟
ـ بلى..، أخاف، كيف لا أخاف...، حتى إني صرت أخاف من اللا خوف..، فانا أخاف من البرغوث، من البعوض، من الصراصير، صرت أخاف من الكلاب السائبة ومن التي حجزت وراء القضبان،، من عقارب البيت، من أفاعي البرية...، صرت أخاف من الصديق وما يخفيه ، من العدو وما يسقطه علينا من حلوى ونيران وتمويهات، من الصواريخ بعيدة المدى ومن الأحزمة الناسفة والبراميل المتفجرة والمفخخات، صرت أخاف من الجار ومن بائع الطائرات الورقية، من الشحاذ ومن الطبيب، ومن كل من ليس له مخالب ظاهرة، وأنياب معلنة...، صرت أخاف الذين هم على قيد الحياة، وصرت أتجنب الموتى، حتى أني من غير خوف لا اشعر إلا بالخوف الأعظم، كيف لا أخاف من بنات أوى ومن التماسيح ومن الضباع...، من الصامتين ومن الخطباء، من الضعفاء ومن الأكثر ضعفا ً، من الأقوياء الأتقياء والأكثر تقوى، ولكني، اقسم لك، إني لم أجدف، لم اعص، لم اكذب، لم ازن، لم ازور، لم أغش، لم اقتل، لم اعتد، ولم استنشق حتى رائحة الهواء! فانا حفظت وصايا الأولين والآخرين، كأنها سبقت وجودي، فكيف لا أخاف لو شطحت، أو أخطأت، أو زل لساني اللعين هذا...؟
ـ غريب ...، ألا تخاف من الذي يخاف منه الجميع؟
ـ لا!
ـ ها أنت تعترف بالذنب بنفسك الذي يقودك إلى الجحيم، بعد أن يقطع رأسك بالمقصلة، وبعد أن تفترسك ديدان الأرض جسدك، وتنخر روحك ظلمات القبر...!
ـ ولماذا أخاف من الذي أحبه؟
ـ ها، ها، ولكن من أرسلني للقبض عليك، أيها المغفل؟
ـ هو ذا السؤال الذي لم يعد يعنيني....، فانا ذاهب إليه قبل أن يوجه الدعوة للمثول بين يديه. فأرجوك ابتعد عني ...، ولا تركب معصية التمويه!
ـ ولكن من قال انه طلبك؟
ـ  أرجوك، دعني، ولا تشكك باليقين الوحيد الذي  سمح لي باحتمال العيش في هذا الجحيم.


[2] احتفال
   قال الطير الذي وجد جسده الصغير محاصرا ً بمخالب القطط وأنيابها:
ـ الآن فقط علي ّ أن احتفل بنصركم!
   وكان يود لو قال: بهزيمتي، لكنه أضاف:
ـ لأن التاريخ لا يمتلك إلا ذاكرة واحدة عمياء!
فسأله الهر الأكبر زعيم وقائد جحافل القطط:
ـ وهل لنصرنا معنى من غير إنزال الهزيمة فيك...، بعد أن كاد صوتك يصل إلى السماء...؟
   هز الطير رأسه باستسلام:
ـ السماء وحدها لا تسمع...، فهي أعلى من أن تكون عالية، ثم إننا أكثر التصاقا ً بهذا الوحل. فنحن خرجنا من عفن التراب واليه نعود!
فقال الهر بصوت آمر:
ـ أنت حر، حر مثلما ولدتك أمك بذنوب لم ترتكب!
حوّم الطير بجناحين واهنتين، ثم هبط، ووقف أمام زعيم القطط:
ـ أرجوك، اقض علي ّ!
ـ لن افعل بعد أن أمرت بإطلاق سراحك، وغفرت لك ذنوبك!
أجاب الطير بصوت مرتجف، واهن:
ـ أما أنا فسأبحث عن حفرة احتفل فيها وحيدا ً بنصري، لأن بعض الهزائم تبقى عصية على النسيان، والمحو!


[3] وهم
  سأل الابن والدته:
ـ لِم َ يا أمي ولدنا قردة، ولِم َ نعيش قردة، ولِم َ لا نموت إلا قردة أيضا ً...؟
   قالت بمرح:
ـ وهل حال الغزلان أفضل منا، أم حال النعاج، أم حال باقي الزواحف والمواشي والدواب..؟
فقال بصوت حزين:
ـ آ ...، لو كنا ولدنا بشرا ً...؟
قالت إلام بصوت غاضب:
ـ  وهل كنت تفكر أن نولد في الوهم، ونعيش فيه، ولا نموت إلا وقد صار الوهم حقيقة؟!


[4] طلقاء
  سأل الشبل والده السبع:
ـ أحيانا ً اسمعهم يقولون: هذا الشبل من ذاك الأسد..؟
ضحك السبع:
ـ  لو كانوا يقولون الحقيقة لكانوا تركونا في البرية بدل أن يحتجزوننا داخل هذه الأقفاص...؟

[5] الحقيقة
ـ لِم َ يا جدي كلما حاولت الإمساك بالحقيقة أجدها توارت...؟
ضحك الجد:
ـ أما انه لا توجد حقيقة أصلا ً...، وأما إنها ابعد من تكون بحدود الرؤية...، لأن الحقيقة بوسائلها!
ـ وأنت، يا جدي، بعد هذا العمر الطويل، ماذا تقول؟
ـ بعد أن أمضيت عمري كله...، في هذه الحديقة، استطيع أن أقول أما إنها توارت أثناء بحثي عنها، وأما كان بحثي ذاته قد أضاعها!
ـ والله، حتى سقراط لن يفهم ما قلت؟
ـ آ ....، قلت: لو لم تكن هناك حقيقة فلماذا  يتحتم علينا أن نبحث عنها...، أليست الحقيقة مثل الآلهة...، كلما حاولت البرهنة على وجودها أعلنت عن جهلك فيها، بل وعن  سخرتك منها..، فمن أنت كي تبرهن على وجودها..، والآن أسألك: من أنت...؟ فأما أن تكون حمارا ًمهمته حمل الأوزار، أو بشرا ً مهمته أن يجد حميرا ً يحمل فوقها أثقاله.
ـ قسما ً بالآلهة جمعاء حتى مديرنا قد لا يفهم كلمة مما قلت، يا جدي..!
ـ آ ...، المدراء، مدراء هذا الزمن..، يا حفيدي، لا عمل لديهم سوى البحث عنا، نحن الحمير، وليس بحثا ً عن الحقائق، فهل فهمت؟
ـ  المشكلة إن الكلام الواضح  ما أن يتم شرحه حتى يزداد وضوحا ً، فيفقد غايته، أما ما شرحته لي، فقد جعلت الوضوح ابعد من أن يدركه حمار صغير مهمته، كمهمة أسلافه، حمل الأوزار، ولكن ليس بحثا ً عن الحقيقة، بل لتجنبها!


[6] كابوس
  استيقظ السبع فوجد انه تحول إلى بغل، فراح يحدق في الدواب، والبهائم، وهو يراها طليقة، وهو مازال داخل قفصه، فصاح:
ـ أخرجوني... فانا أصبحت واحدا ً منكم!
اقترب المدير منه:
ـ انتظر!
قال السبع:
ـ من أنت؟
ـ أنا المدير.
ـ آ ....، يبدو انك لم تعرفني أيها المحترم...؟
أجاب المدير:
ـ لا ضرورة لمعرفة انك كنت بغلا ً وصرت سبعا ً...، ولا معنى أيضا ً لو عدت إلى أصلك!
ـ ولكني ولدت عن عائلة سباع، وصولا ً إلى جدنا السبع الأعظم!
ـ آه...، أرجوك عد إلى النوم...، لعلك تحلم انك تحولت إلى ديناصور...، فنخاف منك، أو تختار أن تتحول إلى غزال فنذبحك، أو تحلم انك تحولت إلى فأرة لتبحث عن حفرة وتتوارى فيها بعيدا ً عنا..
وأضاف المدير:
 ـ فلولا وجودكم في هذه الأقفاص من كان باستطاعته أن يحلم بطلاقة وشفافية، وكما يشاء ومن غير قيود،   وان يختار أي صنف إلا أن يتحول إلى بغل نجهل من هي أمه الأتان، ومن هو والده بين هذه الخيول؟


[7] الجلاد والضحية
   مكث الضحية، كلما أذاه الجلاد، يزداد ضحكا ً، حتى أوشك أن يحطم سلاسل الحديد المكبل بها، ويسقط أرضا ً. فسأله الجلاد:
ـ ما الذي يضحكك...، وأنا ابتر أصابعك، بعد أن سلخت لك جلدك، وكويتك بالجمر، وجدعت انفك، وكسرت عظامك...، وبعد أن كنت اغتصبت نساءك، وغلمانك، وأنت الآن في الطريق إلى الموت؟
ـ أنا لا امتلك قدرة على منع نفسي من الضحك...، أيها المغفل!
ـ وما اثر كل هذا الألم الذي أنزلته فيك...؟
ـ لا يساوي شيئا ً!
وأضاف بصوت هادئ:
ـ  لأنني أراك تموت!
ـ أموت...، وأنا أرسلك بعد قليل إلى الجحيم؟
ـ نعم، فبعد ستة آلاف عام، ومائة سنة، وتسعة أشهر، وثلاثة أسابيع، وخمسة عشر يوما ً، وسبع ساعات، وثماني دقائق، وأربع ثوان، وجزء من الألف من أجزاء الثانية...، أراك تقطع، واراك تحرق، وارى رمادك يذر في الريح...، فلا أرى سوى فراغا ً لا اثر له حتى بين الفراغات، الآن، فعذاب من منا أشد قسوة؟!


[8] بهدوء تام
  قال الغراب لرفيقه وهما يشاهدان الحرب تجري أمامهما:
ـ غريب أمر هؤلاء البشر...، يقتلون بعضهم البعض...، بدم بارد، ولكن بمشاعر صادقة! فهم يحرصون على إنجاب الملايين من الأبرياء كي يسحقونهم في هذه المجازر..، بهدوء...، بهدوء تام!
ـ رفيقي، هذا ما تفعله الذئاب، النمور، وهذا تفعله باقي المفترسات، وهذا ما يفعله الطير الذي يطير في السماء،  وهذا ما تفعله كائنات البحر، وهذا تفعله باقي الحشرات، والبهائم، والدواب!
ـ كلا! إنها لا تفعل ذلك إلا بحدود سد رمقها كي لا تموت جوعا ً...، فهي تحرص بالحفاظ على عدم الإسراف في العدوان..، إلا أن هؤلاء البشر، أصحاب العقل والمعرفة والحكمة، لا يفعلون ذلك إلا للبرهنة بان الجوع ليس إلا سببا ً هامشيا ً، إن لم يكن وهميا ً!
ـ آ ...، أتقصد أن هؤلاء البشر لم ينحدروا من المكان نفسه، من عفن سواحل المستنقعات والآبار الأسنة...؟
ـ لا تكترث، يا رفيقي، فان كانوا هبطوا من كوكب آخر، أو انحدروا من عفن المياه الضحلة، فانا وأنت لن نسمح لجرثومة القتل أن تصيبنا بداء الغرور، والعظمة، والمجد!
ـ وهل هم عظماء؟
ـ أذهب وأسأل القاتل الذي سيصبح ضحية، اذهب وأسأل الضحية الذي سيصبح قاتلا ً...، لماذا فعلتم ذلك بإسراف، فاق الجور، وتجاوز كل نوع من أنواع الخساسة؟
ـ أتمزح معي...، وهل سأنجو من مكرهم القاتل لو فعلت، كي أضاف إلى ضحاياهم؟
ـ لماذا فكرت إذا ً...، ولماذا أربكت علينا استنشاق هواء الفجر العليل هذا...؟
ـ أنا لم إربك عليك نهارك الجديد، يا رفيقي، بل هؤلاء العقلاء، العظماء، الحكماء، هم من فعل ذلك!

[9] القطيع
   بعد عراك انتهى بالمصالحة، سأل الكلب الذئب:
ـ على م َ كاد احدنا يقضي على الآخر؟
  رد الذئب بصوت خفيض:
ـ للحصول على شاة، أو على حمل!
اقترب الكلب منه وقال:
ـ لا! أنت لم يكن هدفك اقتناص شاة أو حمل..، بل هدفك كان العدوان...، أما أنا فكان عملي أن أردعك، وأدافع عن القطيع.
ضحك الذئب:
ـ بل لأنك كنت تحمي قطيع الراعي...، هذا الذي سيرسلها إلى السوق، لتباع، كي تذبح!
ـ لم افهم!
ـ  كنت طلبت منك أن نتعاون بالقضاء على الراعي!
ـ آ...، أيها اللعين، كي تقضي علي ّ بعد ذلك، وتصبح زعيما ً أوحدا ً تنتقي ما تشاء من النعاج السمينة...
همس الذئب:
ـ  اسمع: إن راعيك يرسل القطيع كله إلى الذبح...، ولا يبقي إلا النعاج كي تلد خرافا ً، هي الأخرى، ستلقى المصير نفسه...، أما أنا وأنت، لو تعاونا، فسنشرف على القطيع، ونكتفي بما يسد جوعنا!
نبح الكلب غاضبا ً:
ـ اسمع، لا أنا، ولا الراعي، ولا أنت...، يتمتع بالبراءة! فاغرب عن وجهي، مادام القطيع ذاته لا يمتلك رغبة بالتمرد!


[10] توق
   نظر الببغاء إلى صاحبة الثري وهو يعد النقود الذهبية، وسأله:
ـ ماذا تفعل بها، فقد أصبحت كثيرة، وأنت عجوز هرم ووحيد لا احد يرثك؟
ـ حتى أنت، أيها البهيمة، تتضامن مع أعدائي!
ـ بل أنا أتضامن معك..!
ـ اخرس...، غدا ً سأبيعك في السوق وأتخلص منك!
    فلم يجد الببغاء إلا أن قال له بصوت حزين:
ـ لتجعل من ثمني، بعد خدمتك الطويلة، قطعة ذهبية تدفنها في قاصتك..، كي يأتي اللصوص ويسرقونها؟
  اقترب العجوز منه:
ـ  آ  ..، أنا اعتذر منك، لأنني الآن فهمت قصدك!
ـ لا اعتقد ذلك...!
ـ لأنك كنت أنت الوحيد الذي يحرسني، ويحرس نقودي من الغرباء ومن اللصوص!
ـ لا..، يا سيدي، بل لأنني كنت اعمل عبدا ً عندك! وأحيانا، يا سيدي، أنا أيضا ً اشعر بالتوق للتحرر من العبودية. فانا لا أريد أن أبقى عبدا ً عندك إلى الأبد، مثلما حلمت ورغبت أن لا تكون أنت عبدا ً لهذه النقود أيضا ً!
25/8/2016
Az4445363@gmail.com

اليوم تم اغتيال تمثال جواد سليم:-د. إحسان فتحي

 اليوم تم اغتيال تمثال جواد سليم:




 





د. إحسان فتحي
اليوم (29/8/2016) وفي تمام الساعة السادسة والنصف مساء تم اغتيال النحات العالمي جواد سليم ومن أمام قاعة كولبنكيان بالبلدوزر حتى قطع رأسه...!





الخميس، 1 سبتمبر 2016

في هزيمة اللغة العربية في هزيمة الاجتماع العربي*مرزوق الحلبي



الرئيسية / مقالات / في هزيمة اللغة العربية في هزيمة الاجتماع العربي

مرزوق الحلبي

في هزيمة اللغة العربية في هزيمة الاجتماع العربي

 ثقافات

*مرزوق الحلبي

العلاقة بين اللغة وبين ناطقها ليست علاقة واضحة دائما ولا هي عادية ومفروغ منها، ولا هي أحادية الاتجاه. فالناطق لغة ما يختار الكلمات ويصيغها بما يخدم غرضه من النُطق بالكلام. وفي اللحظة ذاتها تقوم اللغة بصياغته وتشكيله. فاللغة التي يصنعها ناطقها على قياسه تصممه لغته وترسم صورته في عيون المتلقّين. بمعنى، أن اللغة والناطق يسيران معا في ظلّ بعضيهما. فلا حياة بغير لغة ولا لغة بغير ناطق. ومن هنا فإن اللغة كيان حيوي قابل للتحول كما هو ناطقها كذلك. للغة أثرها وتأثيرها ليس فقط في سامعها أو قارئها بل في ناطقها، أيضا.

أمر آخر تجدر الإشارة إليه في سياق الحديث عن اللغة هو الوظائف التي تضطلع بها اللغة في الاجتماع. هناك مَن يسارع إلى حصر وظيفتها في أشكال الاتصال. بمعنى، أنه يخصّ اللغة بوظيفة واحدة موسّعة علما بأن للغة جملة وظائف تجتمع إلى بعضها فتصير لغة جماعة وحياتها! فإذا قلتَ لي ما هي لغتك أقلّ لك مَن أنت! أو كما قال القوميون الألمان (وليم هيردر) “كل أمة تفكّر كما تتكلّم وتتكلّم كما تفكّر”. وإذا كانت الثقافة العربية قد أنتجت “أن في البيان لسحر” فإن الثقافة الأوروبية لا سيما الفرنسية أنتجت “سُلطة اللغة والإنشاء”. و”السحر” عند العرب لا يُمكن فهمه إلا مجازا على أنه “سطوة” اللغة على سامعها. وقد كان الشاعر العربي أو الراوية يسحر الناس بقصصه وحديثه الذي شجون كما سحرت شهرزاد أميرها لأكثر من ألف ليلة!

في الثقافة المسموعة ـ قبل شيوع القراءة والكتابة وبعد محو الأمية ـ كان وقع الكلام على سامعيه معيارا من معايير الشعر الجيد والشاعر الفَحل. وكانت إيقاعات الشعر جزءا من تداوله وحفظه ومنابره. وهي ظاهرة غير محصورة في الثقافة العربية بل طالت مختلف الثقافات (اللغات) في فترتها المسموعة. فالإنجليز، أيضا ـ على سبيل المثال ـ لهم عاداتهم في نظم الشعر الموقّع أو السجال الشعري. وفي الثقافة اليهودية ظاهرة مماثلة. للغة أكثر من وظيفة واحدة في الاجتماع. فقد يتم استعمالها لإحداث أثر. بل كلما تعقّدت منظومة الاجتماع كلما تعددت وظائف اللغة. ففن الخطابة مثلا ـ يُعطي للغة وظيفة يُقصد بها التأثير على الآراء وعلى السياسة! كما أن اللغة أداة المعرفة وحاويتها واللغة هي أداة سيطرة وإدارة الاجتماع والدولة والحيز العام. ومن هنا ذاك الفصل في التأريخ بين حِقَب قلّ فيها العارفين بالقراءة والكتابة ـ في أي ثقافة ـ وبين غالبية ساحقة لا تعرف هذه ولا تلك. وكذلك تلك الإشارات الواضحة إلى دور الطبقة المتعلّمة اللغوية في باحة القصر وأروقته مقابل “الغوغاء” أو “العامة”.

ويُشير هوبسباوم مرارا (وغيره ـ أندرسن مثلا) إلى الدور الذي لعبته اللغة في تشكيل الجماعات القومية أو في إدامة سيطرة الطبقة الإدارية في مركز مديني بفضل لغتها. مثل هذه التنظيرات تلتقي مع تلك التي أتى بها غرامشي وفوكو وسعيد بخصوص بسط أنظمة الحكم سطوتها وسيطرتها بواسطة اللغة ومفاعيلها. واللغة هنا بمعنى الخطاب (discourse). والفرضية هنا أن النُخب تفرض خطابها/لغتها ومفرداتها التي تعني في نهاية المطاف مفاهيمها ورؤيتها وتصوراتها للعالم ومجمل أحكامها. أما في العمق فهي تعني، أيضا، عقيدتها السياسية والفكرية ومُجمل أنماطها الفكرية والعملية وسياساتها في المجالات المختلفة.

أما اللغة كمعرفة فهي نظرية تقول بوضوح أن لا وجود للمعرفة إلا ضمن اللغة. ولأن المعرفة ليست نهائية أو مُطلقة في أي لحظة خاصة إذا مضت، بل متراكمة متغيرة نتوقّع من اللغة أن “تتراكم” وتتغيّر وتتحرك وفق المعارف المتولّدة على الأقلّ بفعل العلم ومُنجزاته لا سيما التكنولوجية. لكن لا يُمكننا أن نغفل ذاك الكم الهائل من المعرفة في علوم الاجتماع والسياسة الذي تراكم في زمن الحداثة أو الحداثة الفائقة أو السائلة.

وماذا مع اللغة العربية في هذا المضمار ـ سؤال يطرح نفسه للمرة المليون في ضوء ما نلمسه من محافظة وانغلاق لدى سَدَنة اللغة العربية بوصفها مفردات وتمثيلات وثقافة ومعرفة. نشير بداية إلى أن أمام نهوض العربية جملة من المعيقات. الأول ـ تلك النزعة المحافظة ومصدرها أوساط دينية تعتبر اللغة العربية لغة نهائية في القرآن لا يعتريها نُقصان ولا تعوزها زيادة. بمعنى، أن اللغة العربية مقدّسة لا يجوز الاعتداء على قدسيتها بفرضيات من العالم الأرضي وبنظريات علمانية. يشترك مع هذه الأوساط نُخب ذات نزعة قومية تخلع على اللغة العربية قداسة هويتية عربية. إلا أن المحصّلة واحدة ـ مُعارضة شديدة لتحديث اللغة وتطويرها بفعل إرادي. الثاني ـ نزعة رومانسية تعتبر اللغة العربية واسعة في منتهى الاتساع والكبر قادرة على احتواء كل شيء. ويُضيف هؤلاء إلى ادعائهم الإشارة إلى كثرة المترادفات وأن اللغة العربية “بحر في أحشائه الدرّ كامن”! هذا علما بأن لا اللغة العربية واسعة ولا المترادفات تعني الغِنى لأن عدد الجذور التي يُشتق منها قليل جدا قياسا بلغات أخرى! الثالث ـ سياسات لغوية معطوبة أو فجّة لم ترقَ لفهم مُجمل الوظائف التي تؤديها. صحيح أن الفترة القومية وفترة التحرر من الاستعمار ترافقت مع تنظيرات لغوية هامة لكن سرعان ما غرقت في تأصيلات وشوفينية عربية مغالية. فالعربية في الجزائر مثلا قمعت الأمازيغية. والتعريب خلق أزمة العلاقة مع اللغات العربية المحكية علما بأنها كان يُمكن أن يكون “المنجم” الذي تأتي اللغة العربية منه بثروتها واغتنائها. زجّت العروبة العربية في حرب مع ذاتها ومع اللغات الأخرى المحايثة. فانغلقت بدل أن تنفتح وتقلّصت بدل أن تتسع على الأقلّ في السياسات الرسمية للدول على مذاهب أنظمتها. أما المجامع اللغوية التي نشأت في كل عاصمة عربية فبدل أن تتنافس في فتح أبواب اللغة تنافست وتناحرت في السعي إلى تكريس مغاليقها وتعزيز تحصيناتها. لقد ضاعت الأصوات الداعية إلى الإصلاح اللغوي في حمأة حروب المجامع التي تراجع دورها إلى أن اضمحلّت.

لعلّ أكثر ما يجسّد قصور اللغة العربية هي تلك الظاهرة المضحكة المُبكية التي شهدتها في حقبة التدوين وتلازمها إلى اليوم. ففي فترة التدوين ساد الاعتقاد عند اللغويين أن الأعرابي “صانع اللغة العربية” فاشتروا منه ألفاظا اتضح أنه اختلقها سعيا إلى الربح الرخيص خاصة وأنهم كانوا ينقدون الأعرابي الوافد من عُمق الصحراء درهما أو أكثر لقاء كل لفظة يقول لهم أنها جديدة وأنها تعني كذا وكذا في منطقته! وهكذا، سنجد في كل مُنجد كلاسيكي في كل صفحة تقريبا جذرا أو أكثر لا اشتقاق منه ولا تصريف. لفظة ومعنى جامد ميّت لا أكثر! وفي القواميس نفسها ستجد أن اللغة الحديثة كلها ـ لغة التداول الإعلامية والحياتية موجودة هناك في ملاحق خاصة وكأنها ابنة غير شرعية للغة العربية أو أنها مهموزة النسب لا تصلح لتُحسب على اللغة العربية الأصل ولا أن تثبّت في متن مناجدها وقواميسها! ولا تزال الألفاظ الميتة هناك معززة مكرّمة ترمز إلى الموت في اللغة العربي المعجمية أو تلك المستندة كليا إلى “لسان العرب” لابن منظور.

المراكز الأكاديمية فسحة لحيوية لغوية

أما المراكز الأكاديمية العربية فقد شكّلت نقطة الضوء في هذه المسيرة اللغوية المعتمة للعربية. فإذا اعتبرنا أن علماء حقبة التدوين هم بمثابة المركز الأكاديمي لتلك الحقبة سنرى أنهم طوّروا اللغة وأغنوها بترجمات وتحويلات من لغات العلوم ومن أمهات الكتب (من الفارسية واليونانية واللغات الهندية والصينية وغيرها)  التي اعتبرتها النُخبة العربية في حينه معرفة لا بدّ منها في اللغة العربية. بل أن الترجمة في تلك الفترة هي الفعل اللغوي الذي وسّع العربية في مفرداتها ومعارفها. ولا ننسى أن فقه الكلام العربي تطور من خلال السجال مع تلك الثقافات وطروحاتها وأن “الفلسفة العربية” نهلت من هذه الحقبة و”لغاتها”. بمعنى أن اللغة العربية عاشت أفضل بانفتاحها على اللغات الأخرى والتفاعل معها ومع علومها. وأعتقد أن بعض المراكز الأكاديمية العربية، وإن بتفاوت، فعلت الأمر ذاته في العقود الأخيرة حين ترجمت واقتبست وتفاعلت مع النتاج المعرفي العالمي في اللغات الأخرى لاسيما المؤثّرة منها. يكفي مثلا أن نرى إلى ترجمات الفلسفة الفرنسية الحديثة في المغرب العربي لنُدرك حجم الغنى والثراء الذي اكتسبته العربية لغة وثقافةً. هكذا فعل باحثون ومفكرون ومستنيرون عرب أفراد عندما خرجوا من ثقافتهم واكتسبوا من ثقافات أخرى وأدخلوها ضمن أبحاث أو كتابات أو تنظيرات فأضافوا للغة كنزين، كنزا من المفردات ولدت في حالة الترجمة والتحويل وكنز الفكر عندما تمّ دمج معارف جديدة ضمن إطار اللغة العربية ومساحتها (مثال على ذلك ما يُنشر هنا في موقع الأوان من نصوص وأبحاث وترجمات قيمة تُضيف ليس إلى اللغة العربية بل إلى العربي فردا وجماعة، أيضا).

على خط موازٍ، عمد الإعلام العربي في كل مراحله تقريبا لا سيما الفضائي وذاك الإلكتروني إلى التجديد والتطوير اللغوي خاصة وأن الميديا كانت على خط المواجهة الأول مع الحدث ومع المتغيرات ومع الخبر ومع تغطية العالم على ما فيه من تجديد ومتغيرات.

إن في صلب مثل هذا العمل الثقافي اللغوي المعرفي فرضية تقول بأن اللغة كيان حي وظاهرة تاريخية إنسانية يُمكن أن تتطور وتتحول بكل اتجاه. وهذا نقيض رؤيتها كمقدسة أو نهائية أو مسألة سماوية يُحذر المسّ بها من خلال التطوير أو الإضافة أو الحذف! عمل يفترض أن مصلحة العربية والناطقين بها تستدعي فتح مغاليقها وتحويلها إلى ميناء مفتوح لا إغلاقها في حدودها، لا خارج منها ولا داخل.

شيء يُشبه الخاتمة

لاحظت من تتبعي لأنشطة المجتمع المدني العربي لا سيما في العقدين الأخيرين أن هذا القطاع الاجتماعي أو هذا الحقل الاجتماعي ـ حسب بورديه ـ عدا كونه فاعلا جديدا في الاجتماع العربي، فقد كانت له إسهاماته اللغوية في المستوى المعرفي واللغوي الصرف. هنا، أيضا، حصلت عمليات تحويل وترجمة للمعارف المتصلة بهذا الحقل من لغات أخرى. وهي دون شكّ، أغنت اللغة العربية ووسّعتها وأدخلت للتداول عشرات المُفردات والتراكيب الجديدة ومصطلحات وخطابا كاملا جديدا. وهذا ما حصل مع كل حقل اجتماعي جديد خاضه عرب وأنتجوه بلغتهم. وهذا يعني أن اللغة وإن أهملتها الأنظمة واللغة بهذا المستوى أخذها أصحابها اليوميين إلى أماكن لم تصلها من قبل لا من حيث المفردات ولا من المعرفة الخالصة والكشف المعرفي. ومن هنا رأينا ظهور المعاجم المتخصصة ـ وإن لا تزال قليلة ـ التي تغني اللغة وتضيف إليها وتفتحها على الحياة والدنيا كما هي اليوم. أي أن هناك حركة تجديد في اللغة تتم بفعل أفراد ـ وأقلّ مؤسسات ـ ومبادرات داخل الأكاديميا العربية ومؤسسات البحث ومراكزه. لكنها ظلّت في الأطراف ولم تتحوّل إلى التيار المركزي أو النافذ وإن كنتُ لا أقلل من دورها ولا من إسهامها في عملية النهوض اللغوية الفكرية.

تجمعت في مكتبتي ربما مئات الكتب العربية التي تُعنى باللغة والنهضة والتنمية والحداثة وما إلى ذلك. وفي الكثير منها إشارة واضحة إلى العلاقة بين نهضة في الاجتماع ونهضة في اللغة. وأعتقد أن هذا الطرح صحيح في مجمله ينبغي أن يظلّ ماثلا أمام اللغة العربية وأصحابها. فالنقاشات الحاصلة في حقل اللغة هي في العادة متقادمة، بين مناصر للغة المحكية مثلا ومناهض لها، أو بين عشرة نُحاة حول تشكيل جمع المؤنّث السالم. كنتُ أحبّ رؤية نقاش سنوي حول الترجمات إلى العربية وأثرها في ثراء اللغة واتساعها أو حول عدد الكلمات الجديدة التي طورتها اللغة العربية وأدرجتها ضمن معاجمها في نهاية العام 2016 مثلا! أو أن نناقش قرار دولة عربية أو مجمع لغة مرموق إزالة الألفاظ الميتة من متن القواميس وإدراج ملاحق اللغة المتداولة في صلب هذه المعاجم.

اللغة العربية بحاجة إلى عمليتين سريعتين الأولى ـ الإقرار بأن آلاف الألفاظ فيها وُلدت ميتة وأن آلافا مثلها ماتت في حوادث وحروب ونتيجة هرم وخرَف وأن هناك ضرورة لدفنها في أسرع وقت ممكن. والثانية ـ العزوف عن الاعتقاد بقداسة اللغة والمكوث أسرى في رومنسيتها وإنشاء شرفة على كل حرف من المفردات العربية لتطلّ على اللغات الأخرى وتتفاعل معها بوصفها معارف وثقافات وتصورات وأحكام وأنماط. ساعتها، ستكبر العربية وتتسع وتغتني في عقد ما تأخّرت عنه قرونا. بمعنى، أن عملية النهوض بالجماعة العربية تمرّ عبر لغتها، النهضة في اللغة بروح ما تقدّم من لزوم الانفتاح والاقتباس والتفاعل والنقد الذاتي بعد الهزيمة اللغوية (الثقافية الفكرية) المدوّية للغة العربية.

_______
*شاعر وكاتب فلسطيني

غالا… عبقرية دالي وشِعرية إيلوار-*محمد حجيري


غالا… عبقرية دالي وشِعرية إيلوار

*محمد حجيري


يقال إن الرسام الاسباني سالفادور دالي كان مجنون”الشهرة والمال، حتى انهما كانا يأخذان كل تفكيره. إلى أن ظهرت غالا التي أحبها وتعلق بشخصيتها، وقال: أحب غالا أكثر من أبي، أكثر من بيكاسو، حتى أكثر من المال”… و”غالا وحدها استطاعت أن تستمع الى عالمي واستطاعت أن تشفيني من قلقي ومن أحزاني. كما انها وحدها تغلّبت على ضياعي الذي تجسّد من قبلها في أسفار مبهمة في ربوع الكلاسيكية فجعلتني أفهم ما أريده من الكلاسيكية ومن هذياني معاً… من السادسة من عمري أردت أن أكون طباخاً، في السابعة أردت أن أكون نابليون، ولكن شيئاً فشيئاً فهمت أنني أريد أن أكون دالي…”. فمن هي هذه المرأة التي استطاعت أن تقلب حياة الرسام العالمي، “العبقري الفضيحة” كما سُميّ، رأساً على عقب؟
في ربيع 1929 جاءت مجموعة من البوهيميين إلى بيت دالي، بينهم الشاعر الفرنسي بول إيلوار بصحبة زوجته، غالا، واسمها الحقيقي يلينا دايكونوف، وهي ابنة محامٍ روسي. وكان كل ما يقال عنها أنها “مضطربة”، وعولجت في مصحّ، ثم استقرت في باريس تحت اسم جديد هو غالا، وكانت ذات شخصية عنيدة وغامضة، إلى أن أصبحت زوجة ايلوار الذي أهداها جل قصائده، ويعترف لها بأنه ما كان ليكتب ما كتب لولاها: “أنتِ التي أمليتِ عليّ كل قصائدي.” قال لها في احدى رسائله.

435
وحين رأها دالي في السهرة، توقف لسانه في الأوقات الأولى عن الحركة… يقول دالي: “كل شيء ابتدأ من الباب، في أحد الأيام دخلت الغرفة وكان الباب مفتوحاً ورأيتها: تفجر الحب في داخلي، ومنذ تلك اللحظة قررت أن تكون لي”. حلق شعره، ولوّن جسمه بالأزرق والأحمر، ووضع حلق أخته آنا ماريا ـ التي كانت، إلى جانب غالا والنادرات من الموديلات اللواتي رسمهن، الوحيدة التي أدخلها إلى مرسمه، كما ووضع قرنفلة حمراء وراء أذنه، ووقف أمامها، ففوجئت مستغربة، معجبة بعينيه، خائفة من منظر الجنون الذي احتواه، وهو يضحك بصورة هستيرية بلا توقف. من هنا بدأت أشهر قصة حب بين دالي وغالا التي كانت الخط الفاصل بين عبقريته وجنونه.
الغرام الهذياني بين عبقري الرسم والمرأة الروسية الآسرة، لم يعجب والد دالي الذي هدده بالطرد من البيت إن هي بقيت معه، وأجبرها على العودة إلى باريس، وبقي دالي وحيداً غارقاً في دموعه وأحزانه، يقول: “النساء عطاء رائع قادر على تحويل الرجل إلى معتوه، وأنا لا أفكر بأي شيء سيء حينما أقول ذلك، أنا أحب المعتوهين خصوصاً عندما يكونون في حالة الهذيان لأنهم وقتها أشبه بالملائكة، وهكذا بفضل النساء، فإن رجالاً مثل دانتي يصبحون معتوهين، ويكونون في وضع يؤهلهم ليكتبوا الكوميديا الإلهية”. ذهب دالي إلى باريس وتزوجها، هدية الزواج، قطعة مجوهرات كبيرة، بجعة منحوتة من الحجر الروسي الكساندريت، وفيه بيضة كبيرة الحجم من الزمرد حينما تقلبها تصبح فيلاً، وبعد شهر عسل في اسبانيا استقرا في بورليكاتو عند كوستابرافا، وعاشا في بيت متواضع لصياد سمك، ليدرك دالي لاحقاً أن غالا ليست حبيبة فحسب، بل هي موضوع لعشق عارم من شأنه أن يعالجه من مرض سيكولوجي مزمن… وهذا الحب سيظهر في لوحاته… إلى درجة أنه كان يوقع على بعض لوحاته باسمه واسم غالا معاً. وفي تلك السنة الحاسمة في حياة دالي، أي 1929، اعتمد دالي على غالا في إنقاذه من نوبات “الشلل الضاحك” الذي كان ينتابه من آن إلى آخر، والذي كاد يمنعه من إنجاز أعماله السريالية العظيمة، وقال: “علّمتني حقائق الكثير من الأشياء.. وعرفت منها أيضاً كيف أرتدي ملابسي بشكل لائق.. إنها الملاك المتوازن للاتساق والانسجام.. وهي التي أعلنت كلاسيكيتي”.

435
سيرسم لوحة “ملاءمة الرغبات”، حيث ستتمثل تلك الرغبات في رؤوس لأسود رهيبة، وكأنها رغبات متفجرة تصبح، من خلال حب غالا، مقبولة في إطارها العلاجي: “اختفت عوارض الهستيريا في نفسي، الواحد تلو الآخر، وصرت قادراً على كبح جماح ضحكتي”… ويرسم لوحة بورتريه لغالا حاملة لحماً مشويّاً على كتفيها… هذه اللّوحة تجمع بين المرأة والأكل والبُعد الديني الإبراهيمي… هذه اللّوحة تعني كما أوّلها صاحبها: أنّ دالي كان يرغب في أن يأكل غالا حبيبته… وبدلاً من أكل غالا، رسم لحماً مشويّاً معلّقاً على كتفيها… لقد قرّر أن يأكل لحم الخروف بدلاً من لحم المرأة غالا… إنّ هذا الرّسم يذكّر، بحسب تأويله هو نفسه، بواقعة إبراهيم الذي استبدل ذبح ابنه بذبح خروف…

لقد قدّم دالي هذا التّأويل الذّاتي لبورتريه غالا في سياق مثير لنا اليوم، كما تقول الباحثة أمّ الزّين بن شيخة،في مقال بعنوان “الفن الذاكرة في لوحات سالفادور”: هو سياق إحالته على علاقة مخصوصة بالعرب، ويقول في ذلك الصّيف (أي صيف 1933 ): “كنت أرغب في أكل كلّ شيء… لكنّي كنت أيضاً على عطش شديد… لقد شعرت فجأة بسلالتي الشّمال افريقيّة، إنّ عطش العرب هذا هو الذي جعلهم يتهافتون على إسبانيا ويخترعون الظلال وفوّارات الماء… متعطّش أنا إذن مثل العرب، ولقد كنت أيضاً مقاتلاً مثلهم”…
غالا، بحسب العارفين بسيرة دالي، كانت الوجه الآخر لوالدته التي توفيت العام 1921، وكان عمره 16 سنة. وقد علّق على موتها في ما بعد بأنه “الصدمة الأعظم” التي تعرض لها في حياته وأنه كان يعبدها. ووجد المحللون أن ارتباطه بغالا وحبه لها، قد يكون تعويضاً عن فقدانه أمه.. وأنها تمثل له الزوجة-الأم بشكل واضح. وتحولت غالا مع الوقت إلى مديرة علاقاته العامة والمسؤولة عن تسويق “منتجات دالي”، وتقود سيارته، وهي موديل لوحاته. وبدوره فقد كان دالي يتعلّم كيفية استغلال فضائحه واستفزازاته في مشاريع تجارية مربحة. المهم أن غالا التي تكبر دالي بأحد عشر عاماً، ظفرت باهتمامه، وكان خيالها يتألق في كل رسومه، كما هو متألق في حياته اليومية. وقد ذكر تأثير غالا فيه، بقوله: “لقد أغلقت بذراعيها باب جنوني”. كما كانت ببساطة المهتمة بكل أعماله ومقابلاته، وبتوقيع تلك العقود الغالية مع تجار اللوحات وجامعيها، تقرأ له الكتب وتلخص له ما يجب، وأصبح كل معرض من معارضه رمزاً وتجديداً للزوجة المعشوقة، والتصقت به عبارة: دالي الكبير هو غالا. وقد كان يردد دائماً: “أرغب في شيئين: أن أحب غالا وألا أموت نهائياً”. وعندما ماتت غالا في حزيران1982 بعد حياة زوجية دامت 47 عاماً، وقف سالفادور دالي وسط المقبرة ليقول بلهجة الذئب المحطم: “حصل ما كنت أخشاه لقد متّ قبلها إذاً”…

435 (2)
بمَوت غالا، مات دالي. هذه هي المعادلة التي راهن عليها أولئك الذين يعرفون قبلة النار “الطويلة بين هذا الرجل وتلك المرأة”. كان يقول: “أنا وغالا نملك معاً خمس حواس فقط، أصابعها هي أصابعي، وكلامها هو كلامي، أما الحاسة السادسة التي لا تجمعنا إلى أي كائن آخر من الكائنات البشرية فهي.. الحب”. عاش دالي حزيناً مكسوراً دامع العين مع ذكرياته، وهو يلبس عباءة وثياباً بيضاء تعبيراً عن حزنه الأبدي على غالا. وبعدما استعاد هدوءه وتآلف مع فكرة الغياب، أخذ يبحث عن النصف الآخر، فرسمها للمرة الأولى وهي غير موجودة. من هنا ارتدت لوحاته، بعد موت غالا، شكلاً جديداً، ولا أحد يدري لماذا راح يرسمها محاطة أو مسكونة بقرون الكركدن (وحيد القرن)، كما لو أنه كان يخاف عليها من الموت، فكان يستعمل القرون كطلاسم لحمايتها من النهاية. وفي أحيان أخرى أخذت غالا شكل العذراء التي تحمل الطفل، ولم يكن هذا الطفل إلا دالي نفسه.
ساحرة الفنانينوأبعد من قصة غالا مع دالي، فرغم أنها لم تكن فائقة الجمال، لكنها سحرت العديد من الفنانين والشعراء السورياليين، لدرجة أن نجاح أعمالهم الفنية وقصائدهم الشعرية، كانت تعزى إلى إلهامها لهم. وقد وصفها “بابا السريالية”، اندريه بروتون، في اهداء كتابه المشترك مع ايلوار “الحبل بلا دنس”، بأنها “المرأة الخالدة”، وهجس بها الشاعر كريفيل قبل موته. واهدى اليها رينيه شار بعض قصائده. وقبلهم جميعاً، كان ايلوار الزوج والعشيق، وبدأت قصة العشق هذه عندما تعرف شاب اسمه بول اوجين غريندل، والذي عُرف في ما بعد ببول إيلوار، الى فتاة روسية هي “غالا”…
أين كان مكان اللقاء بالضبط؟ المعلومات متضاربة. فهناك من يقول في مستشفى للامراض الصدرية في مدينة كلافاديل في فرنسا 1912، أو في مصحّ في سويسرا. ليس هذا المهم، لكنهما قطعاً تعارفا في مستشفى، وكانا يتلقيان العلاج من مرض السل الرئوي. وتقول إحدى الروايات إنهما كانا في عمر واحد آنذاك: في السابعة عشرة تقريباً.
وبعدما شفيا، عادت غالا الى روسيا، والتحق ايلوار بالجيش مع بداية الحرب العالمية الأولى. وقبل نهاية الحرب، التقيا مرة أخرى، وأقامت هي في بيت أهله، وتزوجا بعد نهاية الحرب في 1917 وأنجبا في العام التالي ابنتهما الوحيدة سيسيل. أيضاً عاش ماكس إرنست مع إيلوار وغالا. إيلوار أحب الرسم مع الشعر، وشارك إرنست في تركيب الكولاج. عاشوا بطريقة يعبّر عنها المصطلح الفرنسي (menage a trois)، الذي يعني رفقة ثلاثية. وبدأت علاقة سرية خفيفة بين إرنست وغالا. في العام 1924 حدث ما حدث بين إرنست وغالا، وبسببها ضرب ماكس إرنست، صديقه ايلوار، على عينه، فأدماه…
كان إيلوار مخلصاً لغالا، يعشقها. هذا هو الظاهر في الرسائل المتبادلة بينهما والتي ترجَم أجزاء منها، المسرحي الراحل عصام محفوظ في كتابه “بول إيلوار: قصائد حب يليها رسائل إلى غالا” – نراه يترجاها ويكتب لها: “يا صغيرتي غالا أحبك بلا حد. لا أؤمن بالحياة، لا لا أؤمن إلا بك. هذا العالم الذي هو عالمي والممزوج بالموت، لا أستطيع أن أدخله إلا برفقتك. أن للا أكون إلا بين يديك، بين عينيك، بين نهديك، بين ساقيك، أنا مدعو حيث لا أرتوي أبداً”. أرسل لها من ميونيخ ومن أولشتادت، من ستراسبورغ يقول: “أنا لا أنساك لحظة واحدة”. ومرة كتب لها: “أنتِ الينبوع العجائبي لخيالي وحريتي، إنني أعبدك”. لكن غالا كانت امرأة مراوغة، كانت تحب إيلوار وتعشقه، لكن خيالاتها أكبر، واستمر حبهما حتى قطعه الموت، وقد يبدو غريباً في هذه الاسطورة أن نرى غالا (حين كانت تتهيأ للاقتران بآخر هو سالفادور دالي) تسأل إيلوار: لماذا خف حبه لها وقلّ اهتمامه بها؟ فأجاب إيلوار (الذي كان يتهيأ للزواج بأخرى هي نوش) بأنها ستبقي الوحيدة في حياته وإلى الابد. كانت تناديه بـ”يا زوجي مدى الدهر”، قبل الزواج، وخلاله، وبعد الطلاق.
إنها اسطورة حب لم يكن في الإمكان اكتشاف تفاصيلها بعد رسائل غالا الى إيلوار، إلا باكتشاف رسائل إيلوار الى غالا بعد وفاتها العام 1982، وكانت قد خبأتها ثلاثين عاماً، أي منذ وفاة الشاعر العام 1952 عند ابنتهما سيسيل…
هي 272 رسالة أرسلها إيلوار، في مقابل 15 رسالة من غالا، وهي كل ما تبقى من رسائلها إليه، بعدما أحرق معظم الرسائل اثناء الحرب. في إحدى رسائلها تقول غالا إنها امرأة فريدة بين النساء، وكذلك ايلوار، فهو فريد بين الرجال، وكانت تقول أيضاً إنهما من طينة واحدة.. في الرسالة 105، يكتب لها:
أيتها المرأة التي عشت معها
المرأة التي سأعيش معها
أيتها المرأة نفسها
يلزمك معطف أحمر
وكلسات سوداء
وإثباتات
لرؤيتك عارية
العري النقي يا لزينة المظهر.
في الرسالة 111:
قوة عينيك تحميني من الانهيار.
يا صغيرتي الحلوة العزيزة غالا.
غالا المراوغة التي لا يهدأ خيالها الجامح، تعبت من تقلبات إيلوار وجنونه السوريالي، وانتهت علاقتها به بعد سنوات عديدة من الحب. وراحت تبحث في أعماقها عن علاقة جديدة، ووقعت على شخص آخر لا يقل جنوناً وعبقرية عن إيلوار، إن لم يزد أضعافاً مضاعفة، هو الرسام دالي. ويقول المحيطون بدالي إنه، لولا غالا، لرأينا دالي يتجول في الشوارع بحثاً عن قوت يومه، ويرسم لوحات لا يراها أحد، لكن غالا وظّفت جنونه بالشكل الذي استخلصت منه عبقرية.
______
*المدن

الأربعاء، 24 أغسطس 2016

فيلم يجسد قصة حب أوباما وميشيل


فيلم يجسد قصة حب أوباما وميشيل

لوس انجلوس- يمكن للأميركيين اليوم مشاهدة تفاصيل المواعدة الأولى بين باراك وميشيل أوباما في فيلميرصد تصرفات الرجل الذي أصبح فيما بعد رئيسا للولايات المتحدة وهو يغازل زوجته المقبلة طوال يوم.

2-159
يتناول فيلم «ساوث سايد ويز يو» تفاصيل أول مواعدة بين أوباما وميشيل في صيف عام 1989، وفيه تظهر ميشيل روبنسون (25 عاما) المحامية القادمة من شيكاغو مع تخرج مع باراك أوباما طالب القانون الذي جاء للتدريب في الشركة التي تعمل بها. وطوال الساعات التي قضياها معا، والتي تصر ميشيل على أنها لم تكن مواعدة، يحضر الاثنان معرضا فنيا ومناسبة عامة، ويشاهدان فيلم «دو ذا رايت ثينغ» (افعل ما تراه صحيحا) للمخرج سبايك لي، ويتناولان المشروبات والبوظة خلال مناقشتهما لحياتهما وتطلعاتهما ومخاوفهما.

2_1-6
وقالت الممثلة تيكا سمتر التي تلعب دور ميشيل «ترى في الفيلم أنهما تحديا بعضهما بعضا.. وتحدثا عن أسرتيهما، واعتقد أن كل هذه الأمور واقعية جدا وفي متناول الناس»، فيما قال باركر سورز الممثل الذي جسد شخصية باراك أوباما في الفيلم إنه بدأ «بتقليد قوي» للرئيس، لكنه بعد ذلك ترك التمثيل وأدى الدور بتلقائية.

وتزوج باراك أوباما الذي بلغ عامه الثامن والعشرين في ذلك الصيف ميشيل في عام 1992.

______
*القبس الكويتية

الأحد، 21 أغسطس 2016

أضواء على العولمة في الأدب.. البروفسورة شميم بلاك-*إعداد وترجمة: لطفية الدليمي

أضواء على العولمة في الأدب.. البروفسورة شميم بلاك

*إعداد وترجمة: لطفية الدليمي

” موسيقى البوب الأمريكية تنبعث من مكبّرات الصوت في شمال إفريقيا، والروايات الهندية صارت تقرأ على أرصفة الطرق الخلفية في مدينة نيويورك العملاقة، فهل صار النتاج الثقافي معولماً كما هي حال سلاسل مطاعم البيتزا والهمبرغر؟”.

بهذه العبارات الاستهلالية يفتتح موقع ( Yale Insights ) الحوار مع البروفسورة ( شميم بلاك Shameem Black ) التي تعمل حالياً أستاذة في الجامعة الوطنيّة الاسترالية ANU حيث قدمت إليها بعد خبرة تدريسية حقّقتها في تدريس مادة الأدب مابعد الكولونيالي Post-Colonial Literature في جامعة ييل الأمريكية المرموقة.
حصلت البروفسورة بلاك على شهادة الدكتوراه من جامعة ستانفورد الأمريكيّة وتتنوّع اهتماماتها البحثية والتدريسية في ميادين : العولمة والأخلاقيّات في الرواية المعاصرة، التنوّعات الثقافية في الأدب المعاصر، الأدب مابعد الكولونيالي في القرنين العشرين والحادي والعشرين، الأدب واليوغا، العدالة والمصالحة الانتقالية في المجتمعات التي خاضت حروباً أهلية، السرديّات الرقميّة وسرديات الأزمات الإنسانية.

نشرت البروفسورة بلاك كتابها المعنون ( الرواية عبر التخوم : تخيّل حيوات الآخرين في روايات نهاية القرن العشرين Fiction Across Borders: Imagining the Lives of Others in Late Twentieth-Century Novels) عن جامعة كولومبيا عام 2010 وتحاول المؤلّفة في هذا الكتاب توكيد فكرة أن الروايات من مختلف بقاع كوكبنا الأرضي في نهايات القرن العشرين كانت تسعى لتصوير شخصيات إنسانية وجغرافيات متباينة اجتماعيّاً دون تنميط جاهز أو مثالية زائفة أو محاولة خلع صفات خارجية قسريّة عليها.

لطفية الدليمي
____________