الجمعة، 29 يوليو 2016
عزلة الكاتب.. الأجر المرّ للمجد-*باتريك دروفيه
*باتريك دروفيه
ليس من الضّروريّ أن نكتب كيما نتعرّف على العزلة، ولكن الحركة التي تحفز على الكتابة تأتي دائماً كامتداد لتجربة قوامها العزلة؛ والكتابة تقود، لا محالة وفي كلّ الأحوال، إلى تلك العزلة، ولأنّها بيّنة وتجسّد توقاً مشتركاً، فإنّ عزلة الكاتب تغدو رمزاً استعاريّاً في خيالنا، فكلّ منّا يمضي حالماً بغابة، بأرض تيهاء، بصحراء، أو ببرج عاجيّ ينحشر فيه ليكتشف جرحه السريّ الذي هو حياته.
الرغبة في العزلة يرافقها إحساس بالنّفي، بالألم و بعجز أمام العالم، يشير إليه «مارو» في الكلمات التّالية:
«كلّ شيء عدا أنفسنا يدفع إلى الحزن والاكتئاب، ويلقي بنا بعيداً عن تلك الأماكن التي نريد أن نتعاطى فيها الغناء والرّقص والضّحك: وحيداً في حجرته يُسلم الكاتب نفسه للبكـاء والكتابة، وليس بإمكانه أن يكون في حال غير تلك الحال».
عزلة مجسدة ومرعبة في آن، ترجّ سكينة وسعادة الأزواج والبيوت الهانئة، وعامّة ما تغدو من أكثر أشكال المعاناة إيلاماً ووجعاً، والكتّاب أنفسهم لا يُخفون ذلك، وكأنّهم يستعذبون الحفاظ على تلك الصّورة المريعة، التي تدمغ صنعتهم بما يشبه الختم المقدّس.
ويضفي ذلك على عزلة الكاتب بُعداً شبه أسطوريّ، مردّه أولاً إلى رهافة حسّه في الإنصات لذاته ( وسواء أكان ذلك الحسّ موهوباً أو مكتسباً، فإنّ الكاتب يغذيه بشكل مفرط). ويذهب الكاتب في إنصاته ذاك إلى الحدود القصوى، وهو يبحث عن كلّ كائن يواجه فرادته، فلا يختلجه شغف أكثر إلحاحـاً من أن يجد أو يُعطي معنى ما للأحداث والمشاعر التي تخترقه.
و كذا الشّأن بالنّسبة إلى طموحه الذي لا يختلف عن حلم للتــــرقّي إلى ذرى مجد أبدي: والانغمار في الجماعة لا يكفي لاستنفاد الطاقة الكامنة فيه، والتي تطلب الإشعاع متخطّية كلّ الحدود، وتستبعد من ثمّ أيّما استثناء. ويشاطر الكاتب المصير الانفرادي والغامض لتلك الكائنات العاجزة عن إثبات وجودها خارج دائرة النظرات المسلّطة عليها، وبعيداً عن مجال التّواصل الكونيّ. ويحتاج هؤلاء إلى اعتراف عامّة النّاس، لا في المكان فحسب، و لكن أيضاً في الزّمان، كيما يكونوا متأكّدين من مبرّر وجودهم. وإنّي لأذكر في هذا الصّدد الشريط الفيفالدي لرونوار «العربة الذّهبيّة»، الذي كانت فيه «كولمبين» عاجزة عن صدّ أيّ من الرّجال الذين كانوا يغازلونها، فغدا من المتعذّر عليها منح نفسها لأيّ منهم على وجه الخصوص، ولم يعد أمامها لإلهاب شغفها واندفاعها سوى التّفاني للجمهور، المتجدّد كلّ يوم، في قاعات الفرجة.
الضّريبة المحتومة
عزلة الفنّان، سواء أكان هذا الفنّان مهرّجاً أو رسّاماً، متنبئاً أو شّاعراً، والتي يمكن اعتبارها الضّريبة المحتومة للشّهرة، والأجر المرّ للمجد، تستجيب أيضاً إلى ضرورة باطنيّة، وتنطوي على الحرص بعدم التملّص والتّواري: ينشر الكاتب البهجة من حوله ولكنّه ممنوع من الاستمتاع بها. اللّقاءات، النّزهة، الحفلات.. لا تروق له. وكلّ شيء يحمله على الابتعاد عن عزلته؛ وبراهين بروست عن المزايا المزعومة للصّداقة معروفة لدى الجميع، وهو الذي رفض تصوّر «أنّ الحقيقة يمكن أن تتحقّق بذاك الأسلوب من التّعبير الذي هو بطبيعته مرجوج ومتنافر (...)، كأن نرى معنى ما لمغادرتنا العمل، ملاقاة صديق، والتّباكي معه حين سماع الخبر الزّائف لحريق اللّوفر».
العزلة لا تهجر الكاتب وهو يجوب العالم، فوسط معاصريه، وبين النّاس الأقرب والأحبّ إليه، ليس بإمكانه أن يشعر بالتّناغم. مزاجه الخاصّ يضعه خارج دائرة التّواطؤ الذي يكتشفه الآخرون بخبرتهم المشتركة وبما يتبادلونه، ما يشعر الكاتب أنّه مدعوّ إلى تقديمه لكلّ واحد منهم، والحنوّ الذي يحاول أن يغمرهم به، والإحساس الذي يريد نقله إليهم.. كل ذلك يتطلّب اجتهاداً يصعب بلوغه برفقة الآخرين، وليس من المؤكّد أن ذلك يمكن أن ينقل عن طريق الكلام: وحتّى وإن وجد في ظروف مريحة للغاية، لن يجرؤ على الإفصاح، إذ لن يسعفه الوقت بذلك كيما يمحو ويشطب ظافراً بالمفردات السّليمة، جريئاً في استخدام الصّور الأكثر بلاغة وإيحاء، فإنّ ذلك قد يتطلّب بسطاً من الوقت لا تتيحه اللّغة المتداولة، وأجزاء كاملة من حساسيّته لن يكون بوسع صوته ترجمتها، بل إنّها قد تبدو متنافرة، متخبّطة وجارحة للمشاعر. فالعزلة هي الحالة الوحيدة التي تزعج الكاتب لقول كلّ شيء، بما في ذلك ما كان يعتقد أنّه ليس مطالباً بقوله.
إحساس فوق الوصف
كانت العزلة دوماً عنصر الكاتب ومعدنه الصّميم؛ فهو يتعاطى الكتابة وكأنّه، وهو أقرب ما يكون من الحقيقة، ينبض على إيقاع العالم المحيط به، على نحو يجعله يشعر أنّه يعيش هذا الوجود بدرجة من النّقاء دانية من زمن الطّفولة: شعور يغشاه الانبهار، براءة ساكنة، إحساس برخاوة كيانه أمام فتور الأشياء من حوله، ودهشة لا متناهية أمام تجلّيات الخلق؛ ولا يقترن إحساس الكاتب بالعزلة بحدث محدّد، أو بصدمة ولا بأيّما اختيار، والظّروف التي تكتنفه وهو يكبر، لا تقدّم أيّ تفسير لذلك. إنّها تمتزج في الكاتب وكأنّ الواقع المباشر يتماسك فوق جلدته بوساطة حواسّه. فالعزلة تغشى نظرته التّائهة فوق المادّة المتغيرة، وتوقظ في ذاكرته لحظات حميمة دافئة، لحظات ترصّد ساكنة، وتغذّي فيه، وهو المتجاهل بين النّاس، الإحساس بمحيط مترع بالرّوائح وبالأشكال، وبألوان، من فرط نصاعتها، مرهقة؛ إنّها تمتزج بافتتانه بكميّة النّور، بتورم أوراق الشّجر وبتجعّدات الماء.
العزلة هي ما لا يمكن الإفصاح عنه؛ إنّها كامنة في جوهر الصّمت؛ كاسحة هي، ولكنّها أساسيّة كيما يدوّي العالم الرّحيب في نبض دمي السّاري، وحتّى أستشعر اللذّة المفردة، الحزينة والنّاعمة، بأنّني أظلّ على قيد الحياة، وأنّني أتنفّس، وأنّه بوسعي البقاء وحيداً، رغماً عن ذلك الإحساس وعن ذلك الاغتراب.. أن أشعر أنّني أعيش. إنّه إحساس فوق الوصف، ولكن الكاتب الذي بداخلي، وبجنوح ملحاح، يشعر بضرورة عرضها وترجمتها.
أن نكتب فإنّ ذلك يعني أن ننقل رؤيتنا للعزلة المطلقة التي تتشكّل لدينا، عن العزلة المطلقة للآخرين. إنّها محاولة التّعبير عن تلك العلاقة الخاصّة التي تربطنا بالعالم، من حيث إنّه انخطافيّ، بلا مثال، وعصيّ على الوصف. وغاية مثل تلك المهمّة لا يمكن أن تقود إلاّ إلى العزلة؛ ولكنّ هذه المهمّة ذاتها تعمّق الإحساس بالعزلة باستخدام غير مباشر، والذي قد يكون مضللاً، للمقول. إنّها تلوذ بالكلمات لتجعلها تنطق عنوة، وتقول ما لم تكن منذورة لقوله؛ إنّها تستعمل مادّة تلك الكلمات وأجراسها، لتحدث حالة من التّماسك والاتساق خارج نطاق الاصطلاحات، التي وجدت من أجل إثباتها، فتقوم بتدبّرها وتنظيمها على نحو يجعلها تنقل حالة تفرّد، لا يتحقّق حولها إجماع، حين يكون كلّ غرضها هو شدّ الأفئدة والقلوب إلى نفس الإحساس بالقلق. إنّه لقدر الكاتب أن يكون دوماً غير مفهوم، وهو المنذور لعزلة تحبط الأعراف التي لا تنفكّ تترسّخ، وتستدرجه لقول ما لم يقله؛ إنّها تجعله ينشد مثلاً أعلى لا ينفك يتغيّر، فيمضي تائهاً في صحراء.. هي ليست دوماً بالصّحراء. فما أشبه قدره بقدر «الانطوائيّ» في لوحة بيتر بروغل..
«انطوائي بروغل» (1568)
هذه اللّوحة التي تمثّل شيخاً وطفلاً، والتي نجدها في متحف «كابوديمونتي» في مدينة نابولي الإيطاليّة، تحملنا على التّفكير عميقاً في رؤيتنا للحياة؛ ولو تأمّلنا هذا الشّيخ من قريب، للاحظنا أنّه متّشح بالسّواد و قلنسوته تحجب عينيه، ومن فمه ينبعث إحساس واضح بالمرارة، فيما يبدو ملمح وجهه قاسياً وصارماً. وعلى العكس من ذلك، يبدو الطّفل مبتهجاً، وهو يحاول سلب هذا الرّجل العجوز.
وأسفل اللّوحة نجد هذه الكتابة: «لأنّ العالم بلغ الحدّ في الغدر والمخاتلة، أجدني أمضي على طريق الحزن والحداد». فالعجوز إذن في حالة حداد، واختار الانسحاب من عالم الأحياء (الذي يمثّله الطّفل هنا). ولكن، وكما هي الحال في لوحات بروغل، ينبغي التوقّف عند تفاصيل اللّوحة لملامسة أدقّ معانيها.
فماذا تراه يفعل هذا الطّفل الماثل في اللّوحة؟ إنّه بصدد سرقة الرّجل العجوز، وتحديداً حافظة نقوده. وكم تبدو غريبة تلك الحافظة.. أليس من الجليّ أنها تشبه القلب؟ فكأنّما بروغل يريد أن يقول لنا إنّ هذا «الانطوائيّ» يفقد بمغادرته هذا العالم قلبه ونفسه، ويحمل في رحيله حداد انتمائه إلى العنصر البشري، ولسان حاله يقول: «لا يكون القلب إلاّ حيث يكون المال». ولو عدنا قليلاً إلى ذلك الطّفل الغريب، للاحظنا أنّه يحمل طوقاً به صليب.. إنّه العالم الحيّ، الفاعل والمؤثّر ( والذي يجعل الطّفل يضحك)، ففي تخلّصه من هذا «الانطوائيّ» يزداد هذا العالم نفعاً وتشفّياً. ولنا أن نتصوّر الإحساس الفاجع الذي ينتاب هذا العجوز وهو يهمّ بالرّحيل. ولو دقّقنا النّظر أكثر في اللّوحة، لاسترعى انتباهنا على يمين العجوز وجود شجرة ميّتة ومجوّفة، حفر ومسامير متناثرة؛ إنّه الفراغ والسقوط والوجع. يبدو الانسحاب من العالم هنا بداية لرحلة عذاب نحو المجهول. كما يبدو التّعارض شديداً بين هذا المشهد الأمامي والمشهد الخلفي للّوحة، حيث المشهد الرّيفيّ الهادئ: راع يراقب قطيعاً من الخرفان، طاحونة هوائيّة ونار في البعيد.. أي الحياة ( التي لا يلتفت إليها الرّجل العجوز ).
_________
*الاتحاد الثقافي
التاريخ : 2016/07/22 04:06:01
الخميس، 21 يوليو 2016
انتصار وقصص قصيرة أخرى-عادل كامل
انتصار وقصص قصيرة أخرى
" وقد أشار لورينتس إلى أن العدوان عند الذئاب مثلا ً لا يدوم ما يدوم العدوان عند الإنسان. فالذئاب تتقاتل بكل شراسة، ولكن إذا تقاتل ذئبان ورأى احدهما انه مغلوب ولا محالة فانه يقوم في الحال بإجراء حركات استرضائية وينتهي القتال. وليس من العادة أن يستمر القتال حتى الموت، ولا أن يعدو الذئب المظفر على أنثى الذئب المغلوب وجرائه. ولعل السبب في ذلك أن الذئب إنما يقاتل فحسب، ولا يتحدث عن قتاله فيما بعد للذئاب الأخرى ولا لنفسه، وليس لديه لغة مشحونة بالانفعالات يستطيع بواسطتها أن يبقي دوافعه العدوانية ناشطة فعالة حتى بعد أن يكون السبب المباشر للعدوان قد انقضى."
روبرت هـ. ثاولس
عادل كامل
[1] انتصار
نصف الأرانب البيضاء اشتبك في صراع ضد نصف الأرانب السوداء، فانتصر نصف الأرانب السوداء على نصف الأرانب البيضاء، من ثم، اشتبك نصف الأرانب السوداء ضد النصف الآخر للقضاء عليه، حتى انتهى الاشتباك إلى خسارة الجميع المنازلة. آنذاك قال زعيم الأرانب البيضاء يخاطب عدوه:
ـ لِم َ اعتديتم علينا؟
فرد الآخر بغضب:
ـ بل انتم من بدأ العدوان علينا.
فراح كل منهما يهاجم الآخر بكل ما كان يمتلك من كلمات لاذعة!
ـ فانتم السود أصل البلية..
ـ بل انتم البيض سببها...
ليدوم النزال فترة غير قصيرة من الوقت، أفضت بكليهما إلى التعب، حد الإعياء، فاقترح الزعيم الأول المصالحة، ليجد الآخر يقول متمتما ً بصوت مسموع:
ـ الآن كسبنا الحرب!
[2] مستقبل
سألت الحمامة الحمل الذي وضعته أمه توا ً:
ـ ها أنت خرجت من الظلمات إلى النور...، فما الذي تحلم أن تكون عليه في المستقبل..؟
ابتسم الحمل وأجابك
ـ وهل يحق لي أن اختار مستقبلي، كي احلم به...، وأنا لم أبصر النور إلا كي أرى كم الظلمات هي بلا حدود؟
ـ آه ...، ما هذا الإسراف في التشاؤم...؟
ضحك الحمل:
ـ وهل كان علي ّ أن أقول لك: إن كل ظلمات المستقبل لن تقدر على إطفاء هذا القليل من النور؟
ـ ولكني لم اطلب منك الإسراف في التفاؤل.
ـ حرت معك يا أيتها الحمامة....!
فقالت بحزن:
ـ لأنني شخصيا ً كلما عثرت جواب، وجدت نفيا ً له...، وها أنت تجعلني أغادر هذه الدنيا بجهل تام! فقلت لنفسي: لعل هذا الحمل البريء يرشدني إلى الدرب...، وقد ظهر لي انك لست بحاجة إلى أن تدفن معرفتك معك!
[3] كابوس
بعد ساعات قضاها الحمل مذعورا ً، نجح أخيرا ً في النوم لثوان معدودات، آفاق بعدها أكثر ذعرا ً، إنما ليجد انه تحول إلى ذئب. فلم يصدق ما جرى له لولا انه شاهد فرار الجميع من الزريبة...، الخراف والنعاج وحتى الكلب الذي طالما حماه من هجمات الذئاب توارى أيضا ً.
فسأل نفسه:
ـ هل حقا ً يمكن أن يصبح الحمل ذئبا ً، بعد أن شاهدت بعض الذئاب استحالت إلى نعاج، والى أرانب، بل والى ضفادع وديعة لا تنق ولا تستغيث!
اقتربت منه ضفدعة كان يعرفها، فسألته:
ـ أراك حائرا ً أيها الصديق العزيز؟
ـ سيدتي...، أنا لا اعرف أكنت حملا ً حقا ً وأصبحت ذئبا ً، أم أنني استعدت حقي المغتصب؟
ضحكت الضفدعة حتى كادت تفطس من الضحك:
ـ سيدي الذئب...، لا تكترث...، فعندما تستيقظ صباحا ً ستدرك الحقيقة بلا تمويه أو زيف...، هذا إذا لم يرسلوك إلى المسلخ، في هذا الليل ...، وأنت لم تفق من هذا الكابوس بعد!
[4] مصير
نظر الحمار إلى القطيع وتمتم مع نفسه: عشرة آلاف خروف...، عشرة آلاف ثور...، عشرة آلاف عنزة...، عشرة آلاف كبش...، عشرة آلاف بقرة... ليسأل نفسه: وأنا لم آت إلى هذه الدنيا إلا بنجاتي وحدي من أصل ثلاثة ملايين حيمن...قذفتها الذكور في أرحام الإناث، وكم ـ هو ـ عدد الحيامن التي نفقت، ولم تر النور، ولم تصبح واحدا ً من هذا القطيع؟
سمع الحمار حمامة تهمس في آذنه:
ـ الحيامن التي فكرت في مصيرها، أيها الحمار، هي الآن في السماء! لأنها لم ترتكب إثما ً، ولم تدنس ضميرها بخطيئة، لم تسرق، لم تزور، ولم تقم بأفعال شنيعة!
ـ آ .....
وراح يبكي بحرقة حمار كانت مهمته حمل الأوزار.
اقتربت الحمامة منه وسألته:
ـ أراك تبكي؟
ـ وكيف لا ابكي، حيث لست أنا من اختار النجاة، من أصل ثلاثة ملايين حيمن نجو وصعدوا إلى الأعالي، بعد أن وجدت نفسي فوق الأرض، كي ادفن فيها، ولا أمل لي بالصعود إلى السماء مع أشقائي الأبرياء، وقد أمضيت حياتي لا احمل إلا هذه الأثقال الجسام؟
ولكنها قالت له تطمئنه:
ـ لا تكترث..، إنها مسألة وقت، فالكل في الفضاء!
[5] هزيمة
بعد انتهاء النزال، في المصارعة الحرة، شعرت الضفدعة بالزهو...، بعد انتصارها على كبير الثيران.
فاقتربت منها نعجة وسألتها:
ـ كيف حصلت هذه المعجزة؟
ـ اخرسي! لا معجزة في الأمر...، الثور راح يصارع ظله، في محاولة للبطش به، وانتزاع النصر منه...، بينما أنا كنت جالسة فوق رأسه، بين قرنيه، حتى خارت قواه، واستسلم، فوجدت الحكم يرفع كلتا يدي، والثور لا يصدق انه خسر الرهان! فقلت للثور: في المرة القادمة لن ادعك تفلت مني، وستلقى ما هو أبشع من الهزيمة!
فقالت النعجة مذعورة:
ـ ابن كلب من يدخل حربا ً يجهل أن النصر فيها اشد مرارة من خسارتها!
[6] سؤال
سأل الحمار نفسه:
ـ ماذا لو استيقظت ووجدت نفسي تحولت إلى حصان...؟
سمعت الأتان كلماته فهمست في آذنه:
ـ سيكون ابننا بغلا ً!
[7] لا غرابة
راحت الحمامة تنوح، وتستغيث، وتصرخ:
ـ يا معشر الغربان...، يا معشر التماسيح، يا معشر الجرذان، لقد رأيت أني تحولت إلى أفعى!
اقترب كركدن منها وطمأنها:
ـ لا تفزعي ...، ولا تخافي، فأنا نفسي حلمت أني أصبحت سمكة! وجاري حلم انه تحول إلى نبات!
ـ عجيب أمر هذه الحديقة...، الصرصار تحول إلى سبع، النمر صار يرقص فوق الحبال، والجرذ يقود الذئاب، الصقر يحرس جحور الأرانب..، والبوم قدوة للنسور...، ما اغرب ما يحدث في هذه الحديقة...
ـ وما الغريب في الأمر...، سيدتي، عندما أصبحت السماء تمطر علينا حلوى بيضاء مراراتها اشد نعومة من الشهد، وقد استحالت الأشجار، والحجارة، والممرات إلى رماد!
[8] حروب
سألت الحمامة جارتها، وهما يشاهدان أعمدة الدخان ترتفع عاليا ً وتغطي سماء المدينة:
ـ ما الذي يجعل هؤلاء البشر لا يكفون عن الاقتتال، وشن الحروب، وتدمير مدنهم... وكأن كل طرف أوكلت له مهمة سحق الآخر، ومحوه من الوجود....، بينما نحن معشر الحمام لا نكف عن الهديل.
أجابت الحمامة جارتها:
ـ آ ...، أصبحت لديك ذاكرة...، وصار لك عقل، وتتكلمين أيضا ...؟!
فلم تجد إلا ردا ً واحدا ً:
ـ هذه هي إذا ً أسباب حروب البشر بعضهم مع البعض الآخر؟
ـ وتستطيعين إضافة سبب آخر ربما هو من أكثرها غرابة: فالكل لا يرغب إلا بمحو الكل، ولكن بذريعة الانتصار، والمجد، والخلود!
[9] هدية
وقف الحمل بجوار قفص الذئب، وقال له:
ـ الآلهة أرسلتني إليك!
ضحك الذئب وقال له:
ـ اذهب واخبر الهتك، أيها الحمل، أن تطلق سراحي من هذا القفص أولا ً...، فانا ـ بعد ذلك ـ سأرسلك هدية إليها!
[10] حبال
خاطب النمر الذي كان يمشي فوق الحبل، في السيرك، زميله النمر:
ـ تخيّل ...، لقد أصبحنا نجيد المشي فوق الحبال، والرقص عليها، أفضل من البشر!
ـ هذا يدل إننا أيضا ً ننحدر عن أسلافنا القرود!
ـ ولكني لم اقصد الإساءة إلى أسلافنا!
ـ ولا أنا فكرت بشتم بني البشر! لأننا، جميعا ً، حتى لو نجد حبالا ً نمشي فوقها، أو نرقص، فان حبال هذه الحديقة لن تدعنا نعيش بسلام!
17/7/2016
المثقف المومس-*تحسين الخطيب
المثقف المومس
ذات ليلة، في العام 1880، حلّ جون سوينتون ضيفًا على مأدبة أقامها على شرفه نادي الصحافة في نيويورك، بمناسبة تقاعده. فجأة، قام أحد الحاضرين، برفع نخب في “صحّة” الصحافة الحرة. لم يرق ذلك إلى سوينتون، فانفجر غاضبًا، قائلًا لزملائه الحاضرين: “إنهم يعرفون جيدًا، مثلما يعرف هو، بأن لا وجود لصحافة حرة في أميركا، على الأقلّ في تلك اللحظة من التاريخ”.
ثم أكمل الصحفي العريق (والذي عمل في صحيفة النيويورك تايمز، رئيسًا لهيئة محرّريها، وفي صحف عريقة أخرى، منذ ستينات القرن التاسع عشر وحتى مطلع القرن العشرين) خطابه قائلًا: “إنهم لا يجرؤون على كتابة آرائهم الصادقة، لأنهم يعرفون مسبقًا، بأنّ آراءهم تلك لن تنشر”. ثم ذكّرهم بأنهم يتقاضون رواتبهم لإبقاء آرائهم الصادقة بعيدًا عن الصحافة، وإلّا وجدوا أنفسهم في الشارع، باحثين عن وظائف أخرى. إنّ عمل الصحفي، يكمل سوينتون خطابه، هو: “أن يخرّب الحقيقة، وأن يكذب تمامًا، وأن يُحرّف، وأن يفتري، وأن يتزلّف عند قدميْ عجل الذهب (سلطان الجشع)، وأن يبيع بلده وأبناء جلدته لقاء خبزه اليومي”.
ثم يختم خطابه، بمقولة صارخة: “إننا أدوات الرجال الأغنياء الذين خلف الكواليس، وعبيدهم. إننا كراكوزات، فحين يشدّون الخيوط، نرقص. كل مواهبنا، وإمكانيّاتنا، وحيواتنا، هي ملك رجال آخرين. إننا مومسات مثقّفات”.
نعم، إنه زمن "المثقف المومس". زمن الذين يسجدون، ليلا ونهارا، عند قدميْ “عجل الذهب”.
وليس ثمة بالغ اختلاف بين تلك اللحظة التاريخية التي قال فيها سوينتون خطابه الشهير ذاك، وبين اللحظة التاريخية الفارقة، والحاسمة، التي نعيشها الآن في العالم العربيّ. وهي لحظة لم تكن أشدّ وضوحًا، تاريخيًّا ومعرفيًّا، ممّا هي عليه الآن. ولا أقصد بالوضوح، وضوح الرؤية والقدرة على قراءة الأحداث واستنباط مقدّماتها، واستشراف مآلاتها، فحسب، وإنما، أيضًا، على صعيد وضوح “صورة” المثقف العربي على نحو لا تأويلات فيه مختلف عليها كثيرًا. فهو إمّا في صفّ الشعوب وتوقها إلى الحرية، أو في صف الطغاة والمستبدين، منافحًا عنهم، ومبرّرًا جرائمهم بكل ما أوتي من قوّة وعزم.
لقد أسقطت ثورات الربيع العربي جميع الأقنعة، وأماطت اللثام، على نحو واضح وجليّ، ولا لبس فيه (وإن اختلفت مفردات القراءة الواحدة) عن كثير من مثقفين عرب كنا نعتقد، لبرهة مديدة، بأنهم من أشدّ الحالمين بالحرية. فما إن اندلعت الثورات، حتى عاد هؤلاء المتلوّنون المزعومون إلى كهوفهم الإثنيّة الضيقة، وراحوا يقتاتون على كلّ ما تدّخره تلك النزعة الضيّقة من حقد وكراهية تجاه الآخر، كلّ الآخر.
فلا يمكن لأيّ شخص يدافع عن الجرائم الوحشيّة الفظيعة التي يرتكبها طغاة العرب ومستبدّوهم ضد الأطفال والنساء، أن يكون “موضوعيًّا” في دفاعه ذاك، حتى ولو بلغت الحجج والذرائع التي يسوّقها عنان السماء؛ كما لا يمكن أن يكون ذلك الشخص، بالنسبة إليّ على الأقلّ، إلاّ واحدًا من اثنين: إمّا مرتبطًا، أساسًا، ومنذ أن قذفته أقداره الحمقاء في أتون الثقافة، بأجهزة تلك الدول، أو هو قابض مالًا (أو منصبًا) لقاء خدماته المعرفية/التبشيريّة تلك. وما يفضح هؤلاء، شر فضيحة، هو عندما نراهم يتألّمون، إنسانيًّا، ويتلوّون كالأفاعي، على شاشات التلفزة، وعلى صفحات المجلات والجرائد، وفي فضاء الإنترنت والمواقع الإلكترونية، وهم يبكون على دماء ضحايا هذا الطرف، دون سواه. فأيّ إنسانية ملطخة بالدماء هي هذه. وأيّ بشر هم بحق الجحيم هؤلاء!
يذكرنا الشاعر الأميركي تشارلز سيميك، في كتاب يوميّاته، “المسخ يعشق متاهته”، بأن الطاغية الذي يتلذذ بقتل بشر كثيرين، يحتاج إلى المثقفين من أجل “تقسيم القتلة إلى أخيار وأشرار”، ولتفسير أن شرّ هؤلاء الطغاة وبطشهم هو من أجل مصلحة الناس. ثم يذكّرنا، أيضًا، بأننا حين “نعجب كثيرًا بالقتلة الجماعيّين، المتعطّشين للدماء، الذين بين ظهرانينا… فمن الواضح بأنّ الأمّة تشعر، بشدّة، بأنّ البؤس الذي في العالم لم يكن كافيًا، وأنّ المزيد مرغوب فيه، لذا، بالطّبع، فإنّ المزيد هو ما سوف نحصل عليه”.
إنه زمن "المثقف المومس" في أقصى تجليّاته. زمن الكذب والعنف، حيث تصبح فيه “الضرورة الملحّة لجنون المرء، مسألة كرامة لا أتوقّع أن يفهمها أحد”..
____
*العرب
التاريخ : 2016/07/15 05:06:30
الثلاثاء، 19 يوليو 2016
السومريون وارتباطاتهم الفضائية المذهلة-كاظم فنجان الحمامي
كاظم فنجان الحمامي
كبرنا ولم نعرف أن الحضارة السومرية هي أولى الحضارات في كوكب الأرض، وهي أقدمها وأكثرها تطورا، فقد درسنا في مقرراتنا المدرسية تحولات التاريخ الأوربي بكل تفاصيلها المملة، ابتداء من طغيان محاكم التفتيش، إلى عصر الإقطاع، والثورة الفرنسية، وعصر النهضة. نعرف نابليون وعشيقته جوزفين، ونعرف ماري انطوانيت، وهنري الثامن، ومارتن لوثر كنغ، وبسمارك، وروبسبير، وكليمنصو، وراسبوتين، وماجلان، وفاسكو دي غاما.
نعرف عنهم أكثر مما نعرفه عن إنليل، وتموز، وأنكيدو، وأتونابشتم، وسرجون، وآشور بانيبال، وأورنمو، وسنحاريب، وأسرحدون، وجلجامش، ونسروخ، وشبعاد، ولوكال زاكيزي، في حين كرست أوربا جهودها التنقيبية في البحث عن بقايا آثارنا السومرية والبابلية، والآشورية، والكلدانية، والأكدية. ذلك لأنها كانت تدرك تماما عظمة الميزوبوتاميا (بلاد ما بين النهرين)، وربما يعود لها الفضل في فك رموز كتاباتنا المسمارية القديمة، ولسنا مغالين إذا قلنا أنهم انتشلوا بوابة عشتار من الضياع والتلف عندما نقلوها قطعة بعد قطعة إلى برلين، ولو لم يقدموا على هذه الخطوة لكان مصيرها كمصير آلاف المواقع الأثرية، التي صارت الآن عرضة للنهب والعبث، ثم جاءت أمريكا بأسلحتها التخريبية الفتاكة لتجهز على ما تبقى من حضارتنا السومرية، وتفعل فعلتها الخسيسة في كنوز متحفنا الوطني.
أول الحضارات البشرية وأقدمها
مما لا خلاف فيه أن تاريخ الإنسانية مزور ومبني على أكاذيب، هذا ما أكدته الكتابات المسمارية المنقوشة على الألواح الطينية المدفونة في تجاويف المواقع السومرية المبعثرة حول زقورة (أور)، فما أن أطلع عليها كبار علماء الآثار في شتى أنحاء العالم حتى بدءوا يشككون بنظريات العلم الحديث، ويرون أن ما تقدمه الجامعات وكلياتها بخصوص المراحل التاريخية لتطور الإنسان، هو عبارة عن مجموعة من الأكاذيب والأوهام المنافية للحقيقة.
لقد وجد العلماء في غابر تاريخ بلاد ما بين النهرين حضارة متقدمة جدا، اكتسبت تقنيات متشعبة سمحت للسومريين من التحليق في الفضاء، وبناء هياكل شاهقة ومعابد شامخة، بينما يصور لنا تاريخ العلوم المتداول بيننا أن ما وجد في كوكب الأرض قبل خمسة آلاف سنة كان غارقا في العصور الحجرية المتخلفة، ومجتمعاتها البدائية، التي كان فيها الإنسان لا يزيد ارتقائه الثقافي عن الحيوان إلا بدرجات ضئيلة ومتفاوتة، في حين تكشف لنا الآثار والحفريات أن السومريين عرفوا الأنواع الأولى للسيارة لما اخترعوا العجلة، ولبسوا ثيابا جميلة، لها أزرار ونقوش مطرزة بخيوط الحرير، ومطهمة بالذهب واليواقيت، وشقوا الترع والسواقي، وأقاموا عليها الجسور والقناطر، وشيدوا السدود والخزانات المائية الضخمة، التي يعجز عن تفسيرها العلم الحديث، وجربوا الأدوية المختلفة، وعرفوا فوائد التحكم بالسيول وتياراتها، واخترعوا الكهرباء وأناروا الأبراج العالية بالمصابيح الملونة.
لقد أظهرت الأدلة على أن سكان جنوب العراق قد أحرزوا تقدما علمياً مذهلا يفوق في بعض مظاهره التقدم الذي نعيشه اليوم، لعلهم عرفوا استعمال الطائرات والمركبات الفضائية، وربما عرفوا الحواسيب والرادارات وأجهزة الاتصالات اللاسلكية والأسلحة الفتاكة، وعرفوا الهندسة الجينية، والهندسة المعمارية، لكنها طمست كلها تحت تراكمات الأطيان والأوحال والرسوبيات، التي طمرتها تحت الأنقاض، ودفنتها في أعماق الأرض، بينما تكفلت الفيضانات العارمة بتجريف المدن الكبيرة، والتلاعب بملامح الخارطة الجيولوجية على مدى القرون السحيقة، ولم نعد نعرف عنها شيئاً، بيد أن الأيام تفاجئنا بين الفينة والأخرى، بإشارة قوية تكشف عن جهلنا بتاريخ كوكب الأرض، وأننا لا نعرف إلا النزر اليسير عن التقدم الذي أحرزه أجدادنا في الحقبة السومرية.
هكذا تكلم زكريا ستشين
اكتشف المنقبون آلاف الألواح المكتوبة بالخط المسماري، وتخصص علماء اللسانيات بفك شفرتها اللغوية، ومن هؤلاء العلماء (زكريا سيتشن)، وهو عالم أمريكي من أصول روسية، كشف عن لوحات فيها رسوم متقدمة جدا عن نظام شمسي يتألف من (12) كوكباً، وبعد سنوات من الدراسة والتحليل، خلص به المطاف أن عمالقة هبطوا من الفضاء فوق سطح الأرض في زمن قدر بأكثر من (5000) سنة قبل الميلاد، وعلموا سكان جنوب العراق ما لم يكونوا يعلمون، وتقول النصوص السومرية القديمة في وصف العمالقة، أنهم قوم جاءوا من الفضاء الخارجي. من هنا يتعين علينا الكشف عن فحوى ما تم التوصل إليه قبل بضعة أعوام، وكان مصنفا على أنه سري، وغير مسموح بتداوله.
الأنوناكي هم الملائكة ولهم تسميات أخرى
يقول الباحث الكبير (زكريا سيتشن): أن في ماضينا القديم كائنات متقدمة، عرفت باسم (أنوناكي)، وترجمتها غير الدقيقة، تعني: الذين أتوا من السماء إلى الأرض، وفي هذا نقول: أن المؤرخين قد يكونوا ضحايا لأخطاء الترجمة، وربما تقودهم تلك الأخطاء إلى ارتكاب المزيد من الاستنتاجات الخاطئة، فالترجمة الأولى لمفردة (أنوناكي Anunnaki) كانت تعني (آلهة)، ثم قالوا أنها تعني: (الذين هبطوا من الفضاء)، وتعني: (رُسل السماء)، وتعني أيضاً: (الملائكة)، الذين لا يوصفون بالذكورة أو الأنوثة.
جاءت مفردة (أنوناكي) بالجمع، ومفردها (أنكى) بالسومرية، وتعني: (أنقى) و(نقي)، فعالمهم كله طهر ونقاء وصفاء، وهم كرام أتقياء. خلقهم الله على صور جميلة. متفاوتون في الخلق والمقدار، ولهم مقامات متفاوتة ومعلومة.
مما لا جدال فيه أن فكرة وجود جنس من الكائنات أذكى وأقدم منا، هي التي اضطرتنا لإعادة التفكير في العديد من المسائل، بما فيها مسألة أصل البشرية، من أين أتينا ؟، هل يمكن أن نكون نتاجاً لهندسة جينية وقعت في الماضي السحيق ؟، آخذين بنظر الاعتبار أن فرضية (العلوم الحديثة بدأت لتوها) قد تكون غير صحيحة، وربما تضطرنا لتكثيف جهودنا من أجل إعادة اكتشاف ما أضاعه الزمن، فبفضل علم الآثار عرف العلماء الآن، أن أولى الحضارات الكبرى قامت منذ حوالي ستة آلاف سنة قبل الميلاد. أقدم من الإغريق ومن حضارة المايا، وأقدم من حضارة الإنكا. بناة تلك الحضارة عرفوا بالسومريين تيمناً ببلادهم (سومر)، التي بسطت نفوذها على السهل الرسوبي في بلاد ما بين النهرين، ووردت في سفر التكوين باسم (شنيار). أجيال متتالية من المفكرين إما تجاهلوا ورود أسماء الحضارات القديمة، أو صنفوها من ضمن الأساطير البالية، لكن الباحثين وبعد مراجعتهم الألواح القديمة، أصبح الكثير منهم على دراية تامة بأهمية النصوص القديمة الضاربة في أعماق التاريخ، باعتبارها تمثل السجلات الرصينة لحضارات كانت مزدهرة ومتفوقة.
أقدم تقنيات الهندسة الوراثية
لو راجعنا الكتب السماوية المقدسة لوجدناها تختصر نشأة الخليقة بعبارات موجزة ومُختزلة، وتتفق على أن الله جل شأنه خلق آدم وحواء من الطين. قال تعالى في سورة السجدة: ((وبدأ خلق الإنسان من طين ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين))، بيد أننا عندما نراجع النصوص السومرية، نجدها أكثر تعقيداً في شرح دور الملائكة (الأنوناكي)، الذين كانوا على علم بمراحل تطور التعديلات الجينية في خلايا الأجيال البشرية المتعاقبة، وربما واكبوها خطوة بخطوة. وتتضح هذه الحقيقة على جدران معبد سومري، زاره (زكريا سيتشن) في مدينة (أوروك Uruk) القديمة، فقبل اكتشافها منذ حوالي (150) سنة، لم تعرف (أوروك) إلا من خلال فقرات في (الانجيل)، وقد شيد المعبد لملكة اسمها (إنانا)، والتي عرفناها فيما بعد باسم (عشتار)، والتي تظهر في النقوش السومرية حاملة إبريقا من ماء الحياة، ومحاطة بزخارف لثعبانين مجدولين، يرمزان للعلوم البيولوجية، التي كانت سائدة وقتذاك، ويجد البعض فيها نذيرا لـ (عنخ) الفرعوني، أو رمزا للحياة والخلق، لكن (زكريا سيتشن) نفسه، اكتشف فيما بعد أن الثعبانين المجدولين يرمزان إلى تراكيب الحمض النووي (DNA) لدى الجنس البشري، ظلت منقوشة على تلك الجدران منذ أكثر من ستة آلاف سنة، وظهرت (عشتار) في نقوش أخرى وهي تحلق في السماء، وتغادر الغلاف الجوي للأرض، لتعبر مدارات المجموعة الشمسية نحو الكواكب البعيدة.
لقد أحاط السومريون علومهم الفلكية بسرية تامة، وكانت علومهم تُدرس خلف الأبواب الموصدة. يتناقلها الكهنة من جيل إلى آخر، وكانت أختامهم الأسطوانية الحجرية هي الخيوط المتسربة من خزاناتهم الحصينة، لو نظرنا لبعض تلك الأختام لرأينا (إنليل) وهو يهب المحراث لسكان جنوب العراق، ويعلن عن افتتاح عصر الإنتاج الزراعي، وبمعاينة أدق يمكن مشاهدة بعض الرسوم المتكاملة عن نظامنا الشمسي، فتظهر الشمس في المركز، بينما تدور حولها الكواكب في مداراتها الصحيحة، وحسب أحجامها وترتيبها المتعارف عليه في علومنا المعاصرة، وربما يلفت انتباهك كوكب إضافي في المدار الخارجي الأبعد، يدور هناك من دون أن تكشفه المراصد الفلكية الحديثة، لكنه يظهر بوضوح تام. فعلى الرغم من تنامي الأدلة الحسية على وجوده، ظل العلماء في حيرة من أمرهم. أيعقل أن يراه السومريون قبل مئات القرون، ولا يراه الفلكيون في وكالة ناسا للفضاء ؟.
البحث عن الكوكب الغامض
لقد اكتشف العالم (كلايد تامبو) كوكب (بلوتو) في الثامن عشر من فبراير (شباط) 1930، ويظهر هذا الكوكب في بعض الأختام السومرية، بينما يظهر الكوكب الإضافي الأبعد، والذي يطلق عليه العلماء في الوقت الراهن: الكوكب (X) الغامض. وهو أبعد كواكب نظامنا الشمسي، لكنهم لم يتعرفوا عليه عن كثب حتى الآن.
لم يتعرف الإنسان على طبيعة الكواكب وتفاصيلها إلا بعد اختراع أجهز الرصد الفلكي، وكانت علومهم مقتصرة حتى القرن السابع عشر على كوكب (المشتري)، لكنهم لا يعرفوا شيئا آنذاك عن الكواكب الأبعد منه، والتي يتعذر عليهم رؤيتها بالعين المجردة.
لقد جمع العلماء منذ أيام (غاليلو) بيانات قيمة، ومتعددة المصادر عن الكواكب البعيدة، لكنها ظلت دون مستوى المعلومات الهائلة، التي وفرها لنا التلسكوب الفضائي (هابل)، والمعلومات المؤكدة التي وفرتها أيضاً المسابر الفضائية في رحلاتها الاستطلاعية خارج الغلاف الجوي، والتي استطاعت سبر أغوار الأطراف النائية لمجموعتنا الشمسية، ففي التاسع عشر من أغسطس (آب) 1977، أنطلق المسبر الفضائي (فويجر - 2) من قاعدة (كيب كنافيرال) في رحلة طويلة الأمد إلى تخوم نظامنا الشمسي، فنسفت الكثير من الاستنتاجات الفلكية الاكاديمية، لكنها أكدت على رصانة العلوم في سجلات السومريين، ونقلت لنا (فويجر - 2) صورا واضحة نشاهدها لأول مرة لكوكب (أورانوس)، وكانت مطابقة تماما لتصورات السومريين، فعلى الرغم من افتقارهم للمراصد والتلسكوبات إلا أنهم عرفوا (أورانوس)، وكانوا يسمونه (آنو)، ويسمونه أيضاً (ماش سيغ)، أي المخضوضر الزاهي، وفسروا الانحناءة الفريدة لأورانوس، بأنها جاءت نتيجة تعرضه لضربة عنيفة، بسبب ارتطامه بجسم فضائي، ويؤكد علماء الناسا هذا التفسير، بقولهم: (أن ذلك الجسم الفضائي كان بحجم الأرض، وكان يسير بسرعة (40) ألف ميل بالساعة، وهو السبب الرئيس لاعوجاج الكوكب، والتشوهات الظاهرة على سطحه، ووصف السومريون جاره كوكب (نبتون) بالكوكب الأزرق الأخضر منذ آلاف السنين، لكن أفضل علماء الفلك لم يؤكدوا هذه الحقيقة إلا في العقود القليلة الماضية.
لقد قام السومريون بتسجيل وتسمية كواكب نظامنا الشمسي، وشملت معارفهم القديمة (أورانوس) و(نبتون)، فوثقوها في جداول ثابتة، ولوحات بارزة، في حين تسعى مراصدنا الفلكية المتطورة الآن لإعادة اكتشاف ما اكتشفه السومريون قبل آلاف السنين، بينما توصل العلماء لاكتشاف أورانوس عام 1781، واكتشاف نبتون عام ، وحتى (بلوتو) لم يكتشفوه إلا في عام 1930.
دهشة علماء الناسا
كان السومريون يسمون الشمس (آبسو)، ويسمون القمر (كنكو)، ويسمون الزهرة (لاهامو)، ويسمون عطارد (مومو)، ويسمون نبتون (نوديمود)، ويسمون زحل (أنشار)، ويسمون المشتري (كيشار) وتعني: (أول اليابسة)، ويسمون حزام الكويكبات (راكيش)، وتعني (السوار المضروب)، ويسمون المريخ (لامو)، وتعني (ملك الحرب)، ويسمون الأرض (تي)، وهي عندهم الكوكب السابع، أما لماذا جاءت في الترتيب السابع، وليس الثالث ؟، فذلك لأنهم لم يبدءوا العد من الشمس، وإنما بدءوه من كوكب يقع خارج تخوم نظامنا الشمسي، يسمونه (نيبيرو)، وسنأتي على ذكره لاحقاً.
لقد شكل إطلاق المركبة (بايونير - 10) عام 1972 بداية لحقبة استطلاع أعماق الفضاء، في رحلات إلى ما وراء الكواكب المعروفة، لكي ترسل لنا ما نحتاجه م معلومات تفيد في البحث عن كوكب عاشر محتمل، فاكتشفوا أن لبلوتو قمراً، وبالتالي يمكن تحديد وزنه، وتبين فيما بعد أن بلوتو أصغر وأخف وزناً مما كنا نتصور، وليس له صلة بحركة كوكب أورانوس، أو بحركة كوكب نبتون، عندئذ استنتجوا وجود كوكب واحد على الأقل على حافة نظامنا الشمسي، فانضم علماء الفيزياء على مدى العقدين الماضيين، واشتركوا مع الفلكيين في البحث عن كوكب (X) الغامض.
ففي عام 1978 وبعد التنبؤ بوجود كوكب إضافي، راهن العلماء على فرضياتهم، وراحوا يبحثون عنه في منطقة (سنتوروس) إلى الجنوب من مجموعة الميزان، وتوقعوا حجمه أكبر من الأرض بأربع أو خمس مرات، وبالتالي فأنه سيتوسط بين الكواكب الغازية (أورانوس ونبتون)، وبين الكواكب الصلبة (المشتري والمريخ وزحل والأرض)، وتوقعوا أن تكون المدة التخمينية لدورته حول مداره في حدود (3600) سنة، عندئذ سيكون حجمه أكبر مما توقعوا.
تجدر الإشارة إلى أن السومريين اعتمدوا في جداولهم الزمنية على قياسات يصعب تصديقها، وذلك حين قاموا بتقسيم الوحدات الزمنية إلى وحدات أصغر، يطلقون عليها (سار sar)، وتساوي (3600) سنة، وهي المدة التي يستغرقها كوكب (نيبيرو) في دورانه حول الأرض.
الكوكب السابع والكوكب الثاني عشر
لو عدنا إلى الأرض (الكوكب السابع) لوجدنا أن الرقم (7) له مكانته الخاصة في حساباتنا، فقد ربطه العراقيون القدماء بالأجرام السماوية، التي لها تأثير مباشر في حياتهم، فحظي بأهمية كبيرة في بناء معابدهم، وفي تصاميم مدرجات (الزقورة)، التي كانت تتألف من سبع طبقات. كل طبقة بلون معين كألوان الطيف الشمسي، وكل طبقة مرتبطة بكوكب خاص، وصمموا تميمتهم السومرية (أم سبع عيون) على هذا الأساس، فالرقم (7) له دلالات كثيرة في أساطيرهم، فقصة هذا الكون مثبتة في ذاكرة الألواح السومرية السبعة، وتبدأ حكايتها منذ أربعة مليارات سنة، حين كان نظامنا الشمسي أصغر سناً، ولم تكن أرضنا موجودة، وتكشف لنا السجلات الناجية للسومريين قصة كوكب دخيل، اسمه (نيبيرو) جاء من أقاصي الفضاء، واقتحم نظامنا الشمسي بفعل قوة جاذبية الكواكب (نبتون وأورانوس والمشتري وزحل)، وسار بمسار مداري موجه نحو الكوكب السابع، الذي كان اسمه (تياما)، فأصبحا في وضع تصادمي. وبهذا فأن نظرية النشأة السومرية تكشف لنا عن أسرار الألغاز الغامضة، التي ظلت حتى وقت قريب تشغل بال المراكز العلمية المتطورة.
تتمحور النظرية السومرية حول اصطدام كوكبين، وحول تشكيلة مجموعتنا التي يقولون أنها تتألف من (12) كوكباً، ويقولون: أن ارتطام أحد أقمار (نيبيرو) بالكوكب (تياما)، أدى إلى انفلاقه، وتبعثر نصف مكوناته في الفضاء، فتناثرت شظاياه لتشكل حزام الكويكبات، التي شكلت نواة القبة الزرقاء (أي السماء)، بينما صار النصف المتبقي من كوكب (تياما) هو كوكب الأرض، الذي أندفع إلى مدار جديد بصحبة قمر (تياما) الرئيس (أي قمرنا الحالي)، في حين اندفع كوكب (نيبيرو) إلى مدار دائم باتجاه عقارب الساعة، وظل يدور حول الشمس، ليعود ثانية إلى جوار كوكب الأرض كل (3600) سنة، وليصبح الكوكب الثاني عشر في مجموعتنا الشمسية. وقد اعترف المشاركون في المؤتمر الفلكي المنعقد في (براغ) عام 2008 بأن نظامنا الشمسي يتألف من (12) كوكبا، وليس من تسعة كواكب، بانتظار أن يعترفوا بما دونه السومريون في ألواحهم الطينية وأختامهم الحجرية.
سر البناء الكوني
تتردد أصداء رواية التكوين في كل الثقافات، لتصبح بمرور الأيام جزءا من المعرفة العلمية المدونة في الكتب السماوية المقدسة، وبخاصة في سفر التكوين، فإن كانت الأرض من بقايا ارتطام كوكبين، فأن العلماء يعتقدون أن المكان المرجح للبحث عن تشوهات الاصطدام، يقع على عمق سبعة أميال داخل أغوار المحيط الأطلسي.
جاء في العهد القديم (التكوين 1:1-31): ((في البدء خلق الله السماوات والأرض، وكانت الأرض خاوية خالية، وعلى وجه الغمر ظلام، وكانت روح الخالق العظيم ترفرف فوق سطح الماء، وقال الله: ليكن نور، فكان النور))، وقد تناول القرآن الكريم خلق الكون ونشأته، فقال سبحانه: ((قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ)) {العنكبوت 20}، وقوله: ((وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ)) {قّ: 38}، وقوله: ((وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ)) {هود:7}، وقوله )) :أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا)) {الأنبياء: 30}، وقوله: ((وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ)) {الذاريات:47}.
فإذا طابقنا بين نصوص الكتب المقدس، وبين النصوص السومرية، سنتوصل إلى التقارب الوصفي، وبخاصة في المشهد الذي وصفه القرآن في سورة القمر: ((ففتحنا أبواب السماء بماءٍ منهمر، وفجّرنا الأرض عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر)). ففي الكون مياه عليا ومياه سفلى.
وجعلنا من الماء كل شيء حي
يصف السومريون أورانوس ونبتون بالكوكبين المائيين، ولم يتعرف العلماء على هذه الحقيقة إلا في السنوات القريبة الماضية، ففي الفترة الممتدة من عام 1979 إلى عام 1981 زارت المركبات الفضائية (بايونير) و(فويجر) كواكب المشتري وزحل وأقمارهما العديدة، فاكتشفتا المياه في كل مكان، وظهر الجليد على السطح والمياه تجري تحته.
بينما كان السومريون القدامى على علم مسبق بوجود المياه على قمري المشتري (آيو) و (يوروبا)، وتشير سجلاتهم إلى وجود المياه على قمرين من أقمار كوكب زحل، هما: (انسليدوس)، و(تيتيس)، إضافة إلى وجودها في حلقات زحل نفسه، وجاءت اكتشافات وكالة (ناسا) لتقدم لنا الأدلة القاطعة على مصداقية المعلومات الفلكية السومرية، المتوافقة تماماً مع ما جاء في سورة الأنبياء، بقوله تعالى: ((وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ)).
ففي القرن التاسع عشر، عندما أعلن الفلكي الايطالي (شيباريلي) أنه شاهد قنوات مائية تجري على سطح المريخ، تعرض للسخرية، وعندما أعلن الفلكي الأمريكي (لويل) عام 1916 أنه شاهد تلك القنوات، قابله الناس بالسخرية، لكن مركبات (ناسا) غير المأهولة، التي زارت المريخ في السبعينيات والتسعينيات، اكتشفت أدلة وافية على أن المياه كانت موجودة على سطح المريخ، وعرضت الكثير من الصور لأنهار وبحيرات جافة فوق سطح كوكب (عطارد)، مع وجود آثار لقطبين جليديين في أقطاب هذا الكوكب القريب من الشمس، وأكدت تقارير (ناسا) على وجود المياه فوق سطح المريخ بكميات كانت تكفي لتغمره بالكامل بارتفاع عدة أمتار، فالكواكب التي نراها جافة هذه الأيام، كانت غزيرة المياه في الماضي البعيد، وهكذا ينضم المريخ وزحل والأرض وكذلك القمر لتأكيد المفهوم السومري عن وجود المياه في كواكب المجموعة الشمسية، فمع اكتشاف المياه فوق سطح قمرنا والكواكب البعيدة، أضحت فكرة الاستيطان قابلة للتنفيذ، آخذين في الاعتبار إمكانية استخراج الأوكسجين من الماء، ثم أن المياه من أهم مكونات وقود المركبات الفضائية، وقد زاد هذا الاكتشاف من احتمالات القيام برحلات عبر النجوم.
هل أتاك حديث ضيف إبراهيم ؟
لو عدنا ثانية إلى الرواية السومرية التي تناولت موضوع (أصل الخليقة)، لوجدنا أن (الأنوناكي) كانوا يمثلون الملائكة المرسلين إلى الأرض لمساعدة الناس بأمر من خالق الأكوان ومكورها، وتشير تفاسيرهم إلى قيام الأنوناكي بإرسال كائنات لاستكشاف الأرض قبل حوالي (450) ألف سنة، ثم قام الأنوناكي أنفسهم بزيارة الأرض بعد (150) ألف سنة، ليجروا تجاربهم الجينية على الجنس البشري، ويجروا عمليات التلقيح الصناعي، وعمليات الإخصاب بأنابيب الاختبار، وتظهر الألواح السومرية صوراً لحفظ الحيامن الذكرية والبويضات الأنثوية، ونقلها بأوعية زجاجية، ومن ثم إخضاعها لتقنيات الهندسة الجينية.
يشير المعني الشامل لمفردة (أنوناكي) إلى الملائكة (الخمسون)، الذين هبطوا من السماء، وكانوا وراء التقدم الفريد الذي أحرزته الحضارة السومرية، ولسنا مغالين إذا قلنا: أن مجموع ما اخترعوه وابتكروه لا يصل إليه مجتمعنا المعاصر، فقد وضعوا أول نظام سياسي برلماني، وأول نظام تعليمي، وأشياء أخرى، الأمر الذي دفع العلماء إلى التساؤل: من أين جاء السومريين بكل هذه الأفكار ؟، ولكي نجيب على تساؤلاتهم لابد من الرجوع إلى السومريين أنفسهم، ولابد من الاستماع لما يريدون أن يقولونه لنا، فنعرف منهم أنهم كانوا على ارتباط مباشر بالكواكب الأخرى، وكانت لهم علاقات مثمرة مع المخلوقات الفضائية (الملائكة)، أو الذين يسمونهم (أنوناكي). وربما تتجسد لنا أحدى صور هذه العلاقة بين الملائكة والبشر في سورة (آل عمران)، بقوله سبحانه: ((أَلَن يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُنزَلِينَ بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَـذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُسَوِّمِينَ))، فالكتابات السومرية تؤكد أن سكان الميزوبوتاميا كانوا يرون الملائكة ويسمعونهم، ولم يكن هذا الأمر حكرا على الأنبياء فقط، والدليل على ذلك قوله تعالى: ((كذبت قوم نوح المرسلين)) {الشعراء:105}، وقوله تعالى: ((كذبت عاد المرسلين)) {الشعراء: 123}، وقوله تعالى: ((كذبت قوم لوط المرسلين)) {الشعراء:160}، ولما كنا نعلم أن سيدنا (نوح) هو الرسول الوحيد من البشر إلى قومه، وأن سيدنا (هود) هو الرسول الوحيد من البشر إلى قومه، وأن سيدنا (لوط) هو الرسول الوحيد من البشر إلى قومه، فمن هم الرسل المذكورين في الآيات السابقة ؟؟، والدليل قوله تعالى: ((ولَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَٰذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ)) {هود:77}، بمعنى أن الله كان يبعث الرسل في مهمات خاصة إلى الأنبياء، وربما تتضح لنا العلاقة الوطيدة بين سيدنا (إبراهيم) المولود في قلب العاصمة السومرية (أور)، في مواقف كثيرة تظهر لنا بشكل صريح في سورة (هود)، بقوله تعالى: ((ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا سلاما قال سلام فما لبث أن جاء بعجل حنيذ فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط وامرأته قائمة فضحكت فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب قالت يا ويلتا أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا إن هذا لشيء عجيب قالوا أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد))، لكن علاقة سيدنا إبراهيم تتضح أكثر في هذه الآيات من سورة الذاريات، بقوله تعالى: ((هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ فَراغَ إِلى أَهْلِهِ فَجاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قالَ أَلا تَأْكُلُونَ فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قالُوا لا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَها وَقالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ قالُوا كَذلِكَ قالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيم))، فكيف علموا أنه سيرزق بغلام ذكر وليس بأنثى ؟، وكيف علموا أن المولود الجديد سيكون من العلماء الأذكياء العباقرة ؟، بل كيف ستلد زوجته (سارة) الطاعنة في السن، والتي لم تلد في شبابها ؟، فكيف ستلد في هذه السن المتأخرة وهي عقيم ؟، ألا يعني هذا أن هؤلاء الملائكة أو (الأنوناكي) على دراية تامة بتفاصيل الهندسة الوراثية التي أشار السومريون إليها في ألواحهم المسمارية ؟.
ما هذا إلا بشرٌ مثلكم
المثير للدهشة أن السومريين ذكروا أن الأنوناكي أو (المرسلين) يملكون علما خارقا وقوة هائلة، ولديهم القدرة على تدمير مدن بكاملها، وهذا ما أشار إليه القرآن بقوله تعالى: ((فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ)) {هود: 82}، فعبارة: (عاليها سافلها) جاءت لتؤكد أن قوم لوط كان عذابهم عن طريق التفجير بأدوات متطورة تسمح بالانشطار النووي لذلك التفجير.
من المسلم به أن الانوناكي جاءوا من الفضاء، وأن الناس كانوا يرونهم ويتعاملون مهم، ويعلمون أنهم الأذكى والأقوى، أنظر قوله تعالى: ((فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا هَٰذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً مَا سَمِعْنَا بِهَٰذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ)) {المؤمنون: 24}، بمعنى أنهم سمعوا عن الملائكة كرسل، ولكن أن يكون الرسول بشري فهذا شيء جديد عليهم، لم يسمعوا به من قبل. وأنظر أيضاً كيف اعترض الناس على الأنبياء من الجنس البشري، بقوله تعالى في سورة (يس - الآية 14): ((إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث فقالوا إنا إليكم مرسلون قالوا ما أنتم إلا بشر مثلنا وما أنزل الرحمن من شيء إن أنتم إلا تكذبون))، بمعنى أنهم اعترضوا عليهم لأنهم كانوا من البشر، بقولهم: (ما أنتم إلا بشر مثلنا)، وتتكرر هذه الحقيقة في سورة (فصلت - الآية 14)، بقوله تعالى: ((إذ جاءتهم الرسل من بين أيديهم ومن خلفهم ألا تعبدوا إلا الله قالوا لو شاء ربنا لأنزل ملائكة))، لكن الله جل شأنه تعامل مباشرة مع السلالات البشرية المتطورة، فأرسل إليهم رسلا من جنسهم، أي من الجنس البشري، وأخبرنا أنه لو كان الملائكة مكان البشر، ووصلوا إلى هذه المراحل المتطورة لأرسل إليهم رسول من جنسهم، أنظر قوله تعالى في سورة (الإسراء - الآية 95): ((قُل لَّوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَّسُولًا))، لذلك نرى سيدنا نوح يخبر السومريين، أنه ليس من الملائكة، الذين اعتادوا رؤيتهم، واعتادوا الإنصات إليهم كرسل من عند الله، فقد تغيرت الأمور وتبدلت، وأصبح لزاماً عليهم أن يؤمنوا بما يقوله لهم الرسل من الجنس البشري، أنظروا قوله تعالى في سورة (هود - الآية 50): ((قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ)).
كان السومريون يرون الملائكة ويتعاملون معهم من دون حواجز، فظهرت رسوماتهم في الألواح الطينية بأطوال فارعة، وأجساد ضخمة، وأجنحة طويلة، وهذا ما يؤكده القرآن في الآية الأولى من سورة (فاطر)، بقوله تعالى: ((الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)).
بينت لنا الألواح السومرية أن الانوناكي أو الملائكة كانوا على قدر كبير من الوسامة والجمال، وهذا ما ينطبق أيضاً مع ما جاء به القرآن الكريم في الآية (31) من سورة (يوسف)، بقوله تعالى: (( وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلا مَلَكٌ كَرِيمٌ)). فكيف عرفت النسوة بجمال الملائكة، ذلك لأن الملائكة كانوا يتمثلون للناس بأشكال ساحرة الجمال.
من ناحية أخرى نجد أن الأنوناكي في الألواح السومرية كانوا من جنس واحد، أي أنهم كانوا ذكورا، وهذا ما أكد عليه القرآن الكريم في الآية (27) من سورة النجم، بقوله تعالى: ((إن الذين لا يؤمنون بالآخرة ليسمون الملائكة تسمية الأنثى)).
حملات تخريبية مقصودة
كتب السومريون تاريخهم على ألواح طينية، كالتي ظلت مدفونة تحت تراكمات الأحجار المبعثرة حول زقورة (أور)، فكانت هدفاً لتنقيبات المعسكرات التخصصية، التي نشرتها أمريكا بعد غزوها للعراق عام 2003، حيث نبشوا الأرض حول الزقورة بالطول والعرض، وقلبوا عاليها سافلها، بحثا عن الألواح الطينية المدفونة في باطن الأرض، وما أن انتهت مهمتهم حتى نهبوها كلها، ونقلوها إلى بلادهم في خزانات حصينة، ونهبوا معهم كنز الملك السومري (النمرود)، ونهبوا المتحف الوطني في اليوم الأول الذي وصلوا فيه إلى بغداد، ثم أمروا كلابهم (الدواعش) بتدمير ما وقع بين أيديهم من الآثار الآشورية والكلدانية والأكدية والبابلية.
ربما كان (زكريا سيتشن) من أكثر الذين أطلقوا نداءات الاستغاثة لحماية آثارنا وإنقاذها من مخالب القوات الأمريكية الغازية، وربما كان من أقوى الذين طالبوا بتخليصها من معاول المنظمات الإرهابية المدمرة، فالكتابات السومرية التي تعود إلى 6000 سنة قبل الميلاد، هي الكتابات الوحيدة التي تحدثت عن أسرار الكون بأسلوب مبسط يذهل العقول، ويتجاوز توقعات العلماء وتنبؤاتهم. ثم أن السرد التفصيلي الذي قدمه لنا سكان العراق القدامى عن الكائنات الفضائية، أحرج المراكز العلمية المعاصرة، ووضعها في موضع لا تُحسد عليها، بينما ظلت مؤسساتنا الوطنية بمنأى عن ذلك، وكأن الأمر لا يعنيها جملة وتفصيلا، ولم تكلف نفسها مشقة تعديل مناهجنا الدراسية، بما يجعل تلاميذنا يتفاخرون بأجدادهم الذين شيدوا أرقى الحضارات الإنسانية في كوكب الأرض.
إصلاحات أورنمو
وأخيرا وليس آخراً، وبمناسبة الظروف القاهرة التي يمر بها أحفاد السومريين في المرحلة الراهنة، لابد لنا من التذكير بإصلاحات الملك السومري (أورنمو) التي نجح في تطبيقها عام 2100 قبل الميلاد، والتي تضمنت الوقوف بوجه فساد الطبقات السياسية المتنفذة، فمنع بموجبها الكهنة وكبار الموظفين من استثمار نفوذهم الديني في توسيع سلطاتهم الخاصة، ومنعهم من تحقيق الثراء الفاحش على حساب الشعب، فهل سيكون بمقدور أحفادنا تفعيل إصلاحات أورنمو عام 2100 بعد الميلاد ؟؟.
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)