السبت، 30 يناير 2016

القلاع الأبوية. الرأسمالية تتهاوى-نوال السعداوي


القلاع الأبوية. الرأسمالية تتهاوى

 
لم أتخيل أنني سأعيش لأسمع شعوب العالم والشعب المصري يهتفون: الشعب يريد إسقاط النظام، في طفولتي حلمت بسقوط الملك وشيخ الأزهر الأكبر، الذى كان يدعو في صلاة الجمعة، أن يحفظ الله الملك الصالح زخرا للبلاد، والصحفيون والأدباء والمطربون يغنون للملك صاحب الجلالة المعظم، حتى سقط عن العرش فانقلب عليه، كل من مدحوه وأصبح مخلوعا فاسدا زيرا للنساء.
عالم مجنون تديره القوى الخفية وأرواح الجن، وإن كنت مسئولا عن كشف الفساد وكشفت عنه فأنت المخطئ وليس الفساد، وإن لبيت النداء لخدمة الوطن وكنت من المجددين للفكر الدينى فأنت الذى تعاقب وليس المتجمدون بالأزهر، وإن كنت امرأة وأفنيت عمرك فى خدمة الأسرة المقدسة ثم أقسم زوجك بالطلاق فى البرلمان فأنت الضحية. وإذا كنت رجل أعمال امتلكت المليارات من الثقوب السوداء فى قوانين الانفتاح، ثم دخلت البرلمان بأموالك واعوانك فأنت وطنى ليبرالى محترم. سمعت فى طفولتى عن قريبة لنا يسمونها المجنونة التقى بها أحيانا فى الطريق تبتسم لى يعينيها العسليتين يكسوهما بريق حنون، أكاد اتحدث معها لولا أن كلمة "جنون" كانت مفزعة، وقد ماتت هذه السيدة قبل أن ادرك انها كانت أعقل النساء والرجال فى عائلتنا، وصموها بالجنون لهروبها من زوجها (كان أكبر منها بنصف قرن) وعاشت معزولة وحيدة دون أسرة ولا أطفال حتى نهاية عمرها.
فى بداية حياتى الطبية، كانت السلطات تعاقب الطبيب غير الخاضع للنظام، بتعيينه فى مستشفيات الأمراض الصدرية أو الجلدية أو العقلية، بأمل أن تنتقل إليه جرثومة الدرن الرئوى أو مرض الجذام أو عدوى الجنون، وقد قضيت فترة من ربيع عمرى محاطة بهذه المخاطر دون أن تنال مني، بل أكسبتنى مناعة أكبر.
لحسن حظى اشتغلت فترة فى مستشفى المجانين، أحدهم كان ينهض فى الليل ليهتف: الشعب يريد اسقاط النظام، سألته يوما: ماذا تقصد بالشعب؟ قال: أنا الشعب أنا مصر، وحملق فى وجهى بعينيه البراقتين يسألني: هل أنا مجنون؟ قلت له، أنت لست أقل عقلا من رؤساء الدول الكبري، منهم ديجول الذى قال أنا فرنسا، والسادات، الذى اعتبر نفسه جمهورية مصر الكبري.
وكتبت رواية بعنوان "جنات وإبليس" دارت أحداثها بالمستشفي، تصور أحد المرضى أنه الرب الأعلى والرجال عبيده والنساء جواريه وملك يمينه، يتعارك فى الليل مع مريض آخر تصور نفسه ابليس، كان الرب يوقظ ابليس ويقول له: اصح يا ابليس عندك شغل، يرد ابليس: شغل ايه يا مولانا عاوز أنام، يزعق الإله: تنام ازاى يا ابليس ومين يوسوس للناس؟ ويرد ابليس: الناس نايمة يعنى ضرورى أوسوس لهم يا مولانا؟ ويرد الإله: أيوه ضرورى توسوس لهم، يعنى أنا عامل النار لمين يا حمار؟ يتغطى ابليس باللحاف ويقول: اشوى عليها الخرفان يا مولانا.
ومسرحية أخرى كتبتها من وحى الخيال عن فساد النظام بالمستشفى وخارجه، لم توافق أجهزة الرقابة على نشرها بالطبع، فلا يكشف الحقيقة إلا الخيال، وما إن علمت السلطات بأثر المجانين الايجابي على أعمالي حتى أمرت بنقلي إلى حيث العقلاء وحيث توقف الالهام.
أحد النواب العقلاء فى البرلمان أقسم بالطلاق، ما علاقة زوجته بفساد الدستور؟ لكن المشكلة هي جنون قانون الأسرة منذ العصر العبودى حتى يومنا هذا، إذ يعطى الرجل الحق في تطليق زوجته أو ضربها، لمجرد أنه عاجز عن ضرب رئيسه، أو لأنه مصاب بتصلب الشرايين أو ضغط الدم وغازات في الأمعاء.
وإحدى النائبات في البرلمان قالت: نالت المرأة المصرية جميع حقوقها ولم تعد لها قضية بعد نجاحى فى الانتخابات، كأنها تقول: أنا كل النساء، أنا مصر، أنا فرنسا. لو قرأت النائبة التاريخ منذ نشوء الانتخابات لأدركت أن البرلمانات لم تحقق الديمقراطية ولا العدالة للنساء، لم يتحرر شعب فى التاريخ بالانتخابات أو بالبرلمان، بل بالثورات الشعبية خارج البرلمان.
ويرتج العالم اليوم بالملايين يهتفون: الشعب يريد إسقاط النظام، يطلق رجال البوليس الرصاص على الشعوب، وتسقط أعتى الإمبراطوريات والشعوب باقية، فشل النظام الرأسمالي الأبوي الديني في تحقيق الحرية والعدالة والكرامة للشعوب، بل أنتج الحروب والتجسس والنهب والأزمات والكوارث والأمراض والفقر والهجرة 99%، لا يملكون شيئا و1% يملكون كل شيء وأصبح الرجل بعد التسعين يشترى فى السوق طفلة تحت اسم الشرع والقانون، تتهاوى دعائم النظام بثورات النساء والشباب والأطفال، وينكشف الفساد المستتر في الدول ألكبري، والقلاع المقدسة، بما فيها الفاتيكان فى روما والبيت الأبيض فى واشنطن والأزهر الشريف فى مصر والدولة اليهودية فى إسرائيل، وأصبح الأطفال والبنات فى فلسطين يحاربون بسكاكين المطبخ، والنساء يقتحمن الكنيسة والفاتيكان لتصعد المرأة الأوروبية إلى منصب البابا، وكان منصبا أبويا ذكوريا منذ تأثيم حواء، وسوف نسمع قريبا عن "الماما" تحت قبة الفاتيكان، وشيخة الأزهر الكبرى فى القاهرة، وسقوط الدولة اليهودية فى تل أبيب. 

وداعا معمار مصر الواعد احمد ميتو-ا.د.احسان فتحي



مسرحية الرسالة تحمل أكثر من رسالة رموز تتحرك بحرية علي الخشبة - مؤيد داود البصام



شايش النعيمي ممثل ومؤلف المسرحية
 

مسرحية الرسالة تحمل أكثر من رسالة
رموز تتحرك بحرية علي الخشبة 

 
       مؤيد داود البصام

قدم المخرج محمد خير الرفاعي مسرحية ( الرسالة ) من تأليف وتمثيل الفنان شايش النعيمي، علي المسرح الدائري في المركز الثقافي الملكي الأردني، ضمن ( موسم الربيع المسرحي الأول )، وهي من مسرحيات الشخص الواحد ( المنودراما )، إذا لم نضف عازف الموسيقي الفنان محمد البلعاوي، الذي جلس في الزاوية أليسري القصية من المسرح ليعزف موسيقي حية مع إيقاع حركة الممثل، وتمثل الديكور برسم علي الجدار الأمامي المواجه للجمهور، لمجموعة صخور ومعلقة فوقها ملابس جندي، وفي الطرف الآخر المقابل للعازف علي المسرح بئر وجديلة متدلية من السقف في داخل البئر، وثمة كتب وجرائد وأوراق مرمية علي الأرض في مقدمة المسرح، وقنينة شراب ، الديكور أقرب للتجريد منه لواقعية المنهج الذي جاء به النص، لتعميم الفكرة.
اقتصرت الإنارة علي البقع الضوئية التي كانت تلاحق الممثل، أو للإيضاح بالتفريق بين الحالات واللحظات المأزومة للبطل، وبين داخله الذي يفترسه الألم لأنه لم يطبق أو ينفذ وصية والده بالاستشهاد، وبين العالم الخارجي الذي يضغط عليه ويحدد مساراته، في حين استخدم المخرج الإضاءة في مقدمة المسرح في الجزء الثاني من المسرحية عندما يتقدم الممثل إلى إمام خشبة المسرح بمواجهة الجمهور، لإظهار إن الأمور التي كانت مخفية ومضمرة، بانت مكشوفة.

النص
عالج النص الذي كتبه شايش النعيمي وهو الممثل الوحيد في العمل ، مسالة أو محورا ظل نقطة غير مقروءة في السابق بإبعادها الحقيقية، مسألة تضحية ونضال المواطن العربي والأردني بالذات في الصراع العربي الصهيوني، فقد لازمت فكرة النضال بما اختصرت فيه، بسلب الصهاينة لأرض فلسطين، وتركت الإبعاد الأخرى ما وراء قضية الاستيلاء والاستلاب الرأسمالي العالمي، علي ثروات وتراث وتاريخ المنطقة وحضارتها وبناء إنسانها الثقافي والحضاري مهملة أو لم تناقش بصورة جدية، ولهذا انصبت أغلب الإعمال لتتحدث عن جزء من الصراع، ولو كان أهم الأجزاء، وهو احتلال الأراضي الفلسطينية، لوضع موطئ قدم للصهاينة، وبعدها التوسع في فرض الإرادة والهيمنة علي عموم المنطقة، فجاءت معظم النصوص لتتحدث عن ما بعد نهر الأردن حتى تخوم البحر، وفي هذا النص يعالج النعيمي، مسألة غاية في الأهمية، تأخذ بعدين، الأول مشاعر الإنسان العربي إجمالا تجاه القضية الفلسطينية والوجود الصهيوني، وثانيا: تأثير القضية الفلسطينية وإبعادها المحلية والدولية علي الإنسان العربي والأردني خصوصا، ووجه نظر المواطن الأردني ومشاعره وكيف ينظر إلى الأرض وقدسيتها، وقد نجح المؤلف في معالجة المسالة من دون أن يقع في التقريرية والمباشرة، إذ أعطي بعدها الدرامي بالامتداد التاريخي من خلال معانات الفرد، وهو ما يمنحه مسرح المنودراما، كونه عرضا يمثل مجموعة حوادث ووحدات صورية حياتية ، يشكل فيها المنولوج الداخلي والمناجاة الذاتية، وجه الصراع الداخلي للبطل وآثار الضغوط الخارجية عليه، وقدرته علي الرفض لهذه الضغوط، ويتيح المجال للصعود والهبوط من دون النظر إلى المذهب الارسطوي لتحقيق البداية والذروة والنهاية في البناء الدرامي.
المسرحية قصة جندي يرفض بيع بيته، أو المساومة عليه، والمقصود رمزيا (الوطن)، وهي اللحظة التي يتذكر فيها وصية والده التي ضمنها في رسالة له قبل استشهاده في أرض المعركة في (معركة الكرامة)، ولم يستطع الابن من تنفيذ وصية والده، ليس تخاذلا منه وإنما لان القيادات هي التي فرضت رأيها، منذ لحظة إيقاف إطلاق النار عام 1973 وكان وقتها الابن جنديا في ارض المعركة، يحمل حماس وروح التضحية التي زرعها الأب فيه، وما تبع وقف إطلاق النار من اتفاقيات مع العدو، بزيارة السادات ومؤتمر أسلو والمؤتمرات اللاحقة، وصولا ليومنا الحاضر، وما آل إليه حاله وحال المجتمع، إي أنه يقراها مجددا علي ضوء الإحداث، عام 2010.
انقسم النص إلى جزأين ( تقسيم افتراضي)، الجزء الأول الذي قدم لنا وصية الأب لأبنه، ولماذا لم يتمكن الابن من تنفيذها، وهنا مكمن أزمته التي هي ليس ذنبه، وإنما ما جاءت  إليه من الخارج، لان الحلول جاءت بغير أرادته من القيادات التي فرضت رأيها بالموافقة، وارتضت المساومة، وذهبت تضحيات ونضال وكفاح الأجيال في مهب الريح من اجل مكاسب آنية تحققها هذه القيادات لنفسها وليس لشعبها، وفي الجزء الثاني (الافتراضي)، يروي الابن ما حل به وبالمجتمع بعد الاتفاقيات والحلول الاستسلامية، وينتهي إلى أن الحل الحقيقي هو ما سار عليه الإباء من أجل استرداد الحقوق.

التمثيل وعناصر العرض
استطاع الممثل شايش النعيمي إن يقدم عرضا أخاذا، ملئ فيه ساحة العرض المسرحي، بقدرة الممثل المحترف، إضافة لكون العمل جاء مواكبا لأحاسيسه ومشاعره، كونه مؤلف النص، فاستطاع إن يقول كلمته نصا وحركة، مجسدا الأدوار الأخرى التي يتطلب وجودها، ببراعة وإمكانية ممثل يعرف ما يريد، فكانت الحركة والصوت تجسيدا حقيقيا لمعاناة الإنسان المهشم والضائع بين الأوامر التي تصوغ حياته، من دون إرادته، وبين مشاعره ومدركاته وإيمانه، ونجح في تجسيد مختلف الأدوار التي تطلبها النص للشخصيات الموازية، الفنانة أو الجدة.. الخ، في خفة الحركة والانتقالات السريعة والمباشرة، واحتواء صالة العرض، إضافة إلي التنوع الصوتي وتغير التون حسب متطلبات الدور، أو عند تمثيل الشخصيات الأخرى.
وكان لبساطة الديكور الذي عمق الإيحاء بين قدرات الممثل وصراحة الفكرة، وما جسدته الإضاءة في عمق المسرح، وبساطة الملابس والإكسسوارات، إبعادا إيحائية مع مصاحبة العرض بالموسيقي الحية، التي واكبت حركة الممثل بدقة، ومنحت العرض روحا إيقاعيا يتواصل مع اللحظات المأزومة في حياة البطل، والنهاية التي اوحاها العازف، في نهاية المسرحية عندما ترك الآلة واخذ يتصفح كتابا، دلالة علي عدم الاهتمام، وان ما يحدث لا يمت له بصلة، والإيحاء الرائع الآخر هو جديلة الجدة المتدلية من السماء، في أشارة لتواصل الجذور عبر العمق الدلالي الذي يمثله البئر، وعملية الفصل بين الخلفية في عمق المسرح المتمثلة بملابس الشهيد مع الإيحاءات الدلالية للإنارة، وبين الفوضى للكتب والجرائد المنثورة علي الأرض في مقدمة المسرح التي يمثلها الزمن الحاضر.

الرؤية الإخراجية
استطاع الفنان محمد خير الرفاعي إن يحتوي المسرح ويقدم عملا شد المتفرجين خلال ساعة من الزمن، بالعناصر التي ولفها لخدمة النص في العملية الإخراجية، ببناء معماري استفاد من إمكانيات الممثل، فصب جهده علي الرموز والدلالات التي صاغها بدقة ليمنح النص قدرة الترابط بين الممثل والجمهور، خصوصا إذا عرفنا إن المخرج جمع أكثر من أسلوب في تنفيذ العمل، فقد استفاد من الطريقة البرختية في استغلال الإمكانيات الصوتية والحركية للمثل، وجعله يبدو كحقيقة واقعية وليس تمثيلا، حتى لا يضيع التأثير العقلي للمتفرج، وعمل علي خلق روح المراقبة لما بعد الفعل، وابعد المسرحية عن التسلسل المنطقي، لكسر إيهام المتفرج انه يشاهد عملا خارج وجوده وعقليته، بل مندمجا في الفعل ضمن انعكاسا مماثلا، لهذا جاء توظيف المخرج لفصل المشاهد المسرحية بعضها عن بعض، لتظهر ما يشبه حياة الإنسان في حركته وشعوره ونفسيته، وفي الجزء الأخير دفع بالممثل لكسر البعد الرابع وانزله إلى الجمهور، وجر المسرحية نحو مسرح ارتور (مسرح المضطهدين) أو مسرح الجماهير أو المسرح الثوري، ضمن فهم أن مهمة المسرح ليس الاتكاء علي الواقع وتقديمه كما هو، بل تعريته وتفجير تاريخه وكشف المطمور والمسكوت عنه، وإعلان ما يراد إن لا يرى، مركزا بناءه المعماري علي الإيحاءات التي خلقها في أجزاء بسيطة، ولكنها تمثل أهمية في البناء العام، قدسية النهر والماء والبئر والجديلة للجدة، تقسيم حركة الممثل علي المسرح، العمق للتضحية والاستبسال والرؤية النضالية للإحداث والتاريخ، و حرك الممثل في مقدمة المسرح للإحداث الراهنة والتالية، ولما حل بعد الاستسلام لاتفاقيات الأعداء، وهو ما ركز عليه في الإنارة المسطحة لمقدمة المسرح، بينما استخدم إضاءة السبوت والبقع الضوئية للجزء الأول في عمق المسرح، واحتوي المسرح بحركة الممثل بتوازن عام للوحة، التي هي أصلا كانت متوازنة بوجود البئر والجديلة من الجهة اليمني للمسرح، والعازف علي الجهة أليسري، فكان تحرك الممثل يبقي العرض متوازنا في تشكيله، ولاشك أنه علي الرغم من استعانته بالسينوغرافيا، لتجسيد صورة المعركة بلقطات حية، إلا انه لم يتكأ عليها ليحلها مكان الأداء المسرحي، واستطاع إن يسيطر علي عدم اتساع فكرة الاتكاء على السينوغرافيا كبديل عن الأداء المسرحي ومنح الأداء علي المسرح الأهمية، وهي الفكرة التي دأب محمد خير علي أدائها في أعماله السابقة، إن تجربة الفنان محمد خير الإخراجية في هذا العمل، قدمت بعدا متناميا في قدراته التي سبق أن وضبها لبناء المسرح النقدي، والذي يشكل التعاطف بين الجمهور والممثلين الركن الأساس، وجعل الوعي مهمة في أداء المسرح لجر المتفرج إلى التأمل والتفكير، وان يكون الجمهور جزء من متطلبات العمل المسرحي، حتى تكتمل السلسة بين الإنتاج والتلقي، التي تهمل في إنتاج الإعمال الحداثوية، وفي مسرحية الرسالة التي يرمز العنوان إلى جانبين متلازمين يفسران بعضهما، الأولي: رسالة بأهمية تواصل الأجيال مع بعضها البعض، والثانية: للمجتمع والواقع الذي نعيشه، أن ما بني علي خطأ فهو باطل، قدم الرفاعي عملا يشكل رقما في الإبداع المسرحي العربي والأردني.




الذات والآخر في السرد: قراءة تحليلية لمعضلة الهوية في الرواية العراقية 1/3 -سعد محمد رحيم


الذات والآخر في السرد: قراءة تحليلية لمعضلة الهوية في الرواية العراقية 1/3


سعد محمد رحيم
مدخل؛ سؤال الهوية
الرواية خطاب جمالي؛ سردي ـ ثقافي، يُحيل إلى الواقع والتاريخ حتى وإن توسّل بالمخيلة. وهي خطابُ ذاتٍ فردية وجماعية، وخطابُ هوية وزمن وحياة. فالرواية فضاء سردي، الحفر في طبقاتها التحتية يوصل إلى منابع ثقافة، ويكشف عن إيحاءات هوية..
إن مبتدأ علاقة السرد بالهوية هو انشباك السرد بكينونة الإنسان ووجود العالم لحظة وعي الإنسان بهما.. فالهوية هي ماهية نمط وجود وكيفيته ومقاصده، وتمثلات ذلك في الوعي والوجدان.
البحث في الهوية هو من منظور فلسفي؛ بحث في الوجود، في كينونة الإنسان والمجتمعات والعالم.. هذه الكينونة بتاريخها وذاكرتها وأقدارها وحاضرها والأشكال المحتملة لمصيرها قائمة في السرد، في الفنون السردية التي ابتكرها الإنسان منذ أزمان طويلة ليفهم موقعه في الوجود، ويزيح شيئاً من الغموض الذي يجلل هذا الوجود، وهو قائم فيه..
"إن جذور العلاقة بين السرد والكينونة تمتد إلى العلاقة بين السرد والكون في طفولة الفكر البشري. وإذا كانت الكينونة بمعنى عام، تفيد ( الانوجاد ) الحضاري للإنسان في التاريخ، فإن هذا ( الانوجاد ) ذاته يرتد للرؤية التي صاغها الإنسان للكون من حوله، وهي رؤية تقوم على أنساق حكائية تمثّلَ الإنسانُ فيها الكون، وترجمها تخييلياً في أساطيره وخرافاته منذ عصور سحيقة"(1)
يصبح البحث عن الهوية معضلة وجودية حين تتحول الهوية إلى مصدر إعاقة للحياة، وحين تحول عقابيلها دون تفتح الذات وانطلاقها في أفق حر. وفي ظني؛ هذه ثيمة مقترحة دائماً لروايات جيدة.
كل رواية جيدة لابد لها، في لحظة ما، من أن تطرح سؤال الهوية.. وهو سؤال مركّب يأخذ في البدء أبعاداً ثلاثة:
ـ هوية الذات الكاتبة في مواجهتها لنفسها وآخرها، والعالم.
ـ هوية الخطاب السردي بوصفه متناً مثقلاً بالدلالات والمعاني.
ـ هوية النص المكتوب بوصفه شكلاً فنياً مائزاً، أي إبداعاً يفرض نفسه بين نصوص أخرى لا تعد.
والأبعاد الثلاثة للهوية هذه منشبكة في علاقات اتصال مرآوية وتفاعلية، مولِّدة للدلالات.
فالرواية تحكي عن شخصيات تسعى لإثبات ذواتها في العالم.. أن تقول للآخرين، من أنا، وإلى مَ أرمي؟. فينفتح السرد على المغامرة الإنسانية، على تلك التجارب التي تركِّب الإنسان، وتعيد تركيبه في خضم حركة العالم وعلاقاته. ذلك أن الشخصية الروائية تخرج على قيم انتمائها المعطى/ الموروث، رافضةً التماثل مع أعضاء جماعتها، وباحثةً عن الفرادة. فالصفة الغالبة عليها هي التمرد.. إن الممتثل والمتماثل لا يمكن أن يكون شخصية جذابة في رواية.
منذ البدء علينا أن نفترض أن الهوية تأسيس مستمر، ولذا لا يمكن منحها حدوداً صارمة أو مضموناً جوهرانياً.. معضلة الهوية أنها تتخطى نفسها دوماً باتجاه أفق لا يُدرك كأنه السراب، فهي تحفِّز الأسئلة والشكوك.. هذا لا يعني أن لا هوية ثمة.. فقط نحن نتكلم عن شيء زلق حرباوي أحياناً، ولعوب.
إن صوغ عالم روائي هو في فحواه إعادة لصوغ موقع الإنسان والمجتمع في العالم، والتعريف بماهيتيهما.
وإذن تتحدد تمثلات الهوية بـ؛
ـ ما الذي يريد أن يقوله الروائي عن نفسه خفيةً عبر السرد، وعبر ما يرويه الرواة؟.
ـ ما الذي يقوله الرواة عن أنفسهم، في خضم صراعاتهم وعلاقاتهم مع بعضهم بعضاً؟.
ـ ما الرؤية التي تنطوي عليها الرواية إزاء الوجود والعالم؟.
ها هنا لا نقرأ الرواية بعدِّها نصاً أدبياً له شكله الأستطيقي، بأنساق سردية متعينة، بقدر ما نقرأها خطاباً ثقافياً مترعاً بالدلالات التي تحيل إلى خارج النص المكتوب، والذي يرتبط بسياق اجتماعي ـ تاريخي.. فلا نسعى إلى تعيين هوية النص الأدبية. فما يهمنا، في هذا المقام، هو البحث عن تجليات الهوية التي هي موضوعة إنسانية بأبعادها الذاتية والاجتماعية والسياسية والوجودية، في الرواية العراقية المكتوبة باللغة العربية تحديداً.
الذات في السرد
السرد يخترق الذات، يحتلها ويعيد صياغتها.. الذات بعد ذلك هي غيرها قبل ذلك.. الذات السادرة في الحياة، هي الذات الساردة وقد أنسنت الطبيعة وأجرت عليها تحوّلاً، حتى وإن كان طفيفاً لا يكاد يُرى أو يُحس. وتلك هي الثقافة.. الذات الساردة هي الذات بعدما تثقفت. هنا نتكلم في الأنثربولوجيا، ولم ندخل بعد محفل الأدب، وما زلنا لم نتكلم في التاريخ.. الفضاء المشترك الذي يجعل تنقلنا بين هذه الحقول يسيراً، سلساً، هو التخييل. وقد يعترض معترض؛ أفي التاريخ الذي هو علم في الإنسانيات والاجتماعيات، فسحة للتخييل؟. وأقول؛ حتى هذه اللحظة، نعم.. ورثنا بعض حقائق عما جرى، وورثنا كثيراً مما جادت به المخيلة.. لكن هذا لا يمنحنا، ونحن مطمئنون على حكمنا، حق الجزم بأن التاريخ محض أكاذيب. إنه سرديات، كما الأدب، كما الأنثربولوجيا.
وفقط حين نقرأ التاريخ كما نقرأ الأدب، بروح تتسلى، وعقل يتعلم، من غير أثقال الإيديولوجيا، من غير عُقد جذورها في الصحارى البعيدة وفي الأزمنة السحيقة، من غير أن نسحب أدران التاريخ وسوءاته إلى راهننا، سنقلل احتمالات النزاعات، وسننعم بفرص سلام أكبر.
وإذن، الذات هي موضع التقاء جريان التاريخ ودفقات التخييل منظوراً إليها من زاوية موضوعية ـ تاريخية. وهي موضع التقاء تيار العقل والإرادة المحرِّضة على الفعل منظوراً إليها من زاوية ذاتية ـ تاريخية. أي أننا لا نستطيع أن نفصل التاريخ أبداُ عن كينونة الذات.
وعلى الرغم من أننا نعيش في عصر تعولم فيه كل شيء تقريباً، وأصبح التواصل بين البشر، مع توافر التقنيات الحديثة، أكثر يسراً، فإن هذا لم يحل دون تعميق النزعات الذاتية. ولا محل مثالي لاختبار هذه الحقيقة أكثر من ميدان الكتابة الروائية. فالانفتاح المفرط على الخارج يحفِّز في الإنسان الرغبة في العودة إلى الذات والتعرف على مكنوناتها وخلجاتها العميقة، وصراعاتها الخفية، والأهم موقعها ومكانتها، إزاء الآخر.
"إن الرواية العربية في بداية الألفية الثالثة يسكنها توجه جمالي مختلف، قوامها إنصات مرهف للذات، وسبر لأغوارها، ومساءلة تشظياتها، وآثار ذلك على الهوية في عالم مفتوح، لا يكف عن التغير والتبدل بوتيرة متسارعة"(2).
في الرواية العراقية بقيت الشخصيات غالباً، ولمدة ليست بالقصيرة، مغتربة عن ذاتها، لا تجرؤ على الإفصاح عن هويتها الذاتية كما تعيها حقاً وتشعر بها.. بقيت توارب وتناور عبر اللعب البلاغية وتتخفى خلف إنشاء فضفاض وخلف رموز مستغلقة أحياناً خوفاً من أن تكشف عن كينونتها الحقيقية.. كان السرد هرباً من ضرورة الإمساك بحقيقة الذات إلى سردية أخرى مموهة ضبابية، ومقنّعة. ففي كثر من الروايات العراقية لن تستطيع تحديد الهوية المذهبية، والعرقية ـ الاثنية لمعظم الشخصيات، وحتى الهوية السياسية كانت تبقى ملتبسة إلى حد بعيد. وما برحت الرواية العراقية لعقود طويلة تُكتب في ظل رقابة صارمة مؤسسية، وحتى ذاتية.. كان الروائي نفسه يمارس تلك الرقابة، وأحياناً بوسواس وحسابات تتعدى محددات ومعايير المؤسسة نفسها.. ولأن لا رواية جيدة يمكن أن تُنتج في مناخ من القلق والخوف والحذر المَرَضي ظلت الرواية العراقية متأخرة بخطوة أو خطوات عن مثيلاتها المنتجة في العالم، وحتى في دول عربية كمصر ولبنان والمغرب.
كما بقيت ثمة منطقة شبه مجهولة، مضببة، هلامية، خشي الروائي العراقي لمدة طويلة من انتهاكها، وإضاءتها.. كانت تلك منطقة الهوية السياسية الصريحة.. كان ذلك موقعاً مراقَباً، خطراً، ومثيراً للريبة.. أما الذات الساردة فما برحت تلجأ إلى التعمية، إلى الإنشاء الفضفاض.. إلى التداعيات التي لا تفضي إلى قرار.. كانت ثمة إشارات عابرة خجولة خائفة قابلة لتأويل مغاير.. لم تكن المخيلة محرَّرة، واللغة كانت شبه محتلة ببكتريا الخوف.. والرواية المكتوبة، في النهاية، كانت مبتغى هرب لا اعتراف.
غالباً ما نلتقي بشخصيات مأزومة، في روايتنا العراقية، وحتى أولئك المتبنين منهم لأفكار اجتماعية ـ سياسية، والمدافعين عن إيديولوجيات أو قيم عليا نجدهم مصابين بالإحباط، وقريبين من اليأس بهذه المسافة او تلك، وبذا يطغي على لغتهم التذمر والقلق والسوداوية والخيبة، فتراهم غير متوافقين مع بيئاتهم الاجتماعية، ولهم خلافاتهم الحادة، إنْ كان لهم مثل هذا الارتباط، مع مؤسساتهم أو أحزابهم.
هذا ما جرى لكريم الناصري في رواية ( الوشم ) لعبد الرحمن مجيد الربيعي، ولتوفيق في رواية ( المسرات والأوجاع ) لفؤاد التكرلي، و لـ ( كاتب القصص والروايات) هكذا سمي في رواية ( الحلم الجميل ) لأحمد خلف.
يغدو الواقع أقوى من إرادة الشخصية الساعية للتغيير. وبالتالي ينتقم الواقع من المسعى، ويكون الثمن رضوضاً نفسية، وإحباطاً معنوياً، وحيرة عقلية، وانكفاءً على الذات.
وثمة شخصيات تحاول الهرب إلى ملاذات لا تعرف عنها شيئاً. وفي أحايين كثيرة هي لا تعرف على وجه التحديد ماذا تريد.. هنا يمكننا التكلم عن فقدان الاتجاه والتيه.
ولأن أرضيتنا الاجتماعية والسياسية دائمة التعرض لزلازل وانهيارات يصبح خلق شخصية تجد خلاصها في نهاية المطاف، وتنعم بالاستقرار والسلام، ضرباً من التضليل والتلفيق.
وجهة النظر الواحدة المتسيدة على مسار السرد تكاد تطبع الرواية العراقية بميسمها.. وغالباً ما تتداخل في مثل هذه الروايات السيرة الذاتية مع المتخيل السردي، ويرفد التاريخ المتن الحكائي للنص.. في رواية ( الحلم العظيم ) لأحمد خلف يتشكل السرد في إطار واقعي يحيل إلى مرجعية تاريخية معروفة، لذا يمكن قراءتها بوصفها شهادة رجل مثقف عن حقبة مضطربة موّارة بالأحداث الدراماتيكية من تاريخنا الوطني، وعن حياة جيل عانى في خضم تلكم الأحداث. على الرغم من أن المؤلف استخدم ضمير الغائب وهو يقدِّم وجهة نظر شخصيته الرئيسة، وهو شاب يجد نفسه إزاء احتدامات واقع سياسي صاخب، فيتأسس تبعاً لذلك وعيه السياسي ـ الاجتماعي المغذي لموهبته المتفتحة في مجال الأدب.. إنه ( مؤلف القصص والروايات ) الذي لم يكتب شيئاً لافتاً بعد، لكنه يحلم بمستقبل زاهٍ لبلاده، يتساوق مع ارتقائه في عالم الشهرة الأدبية.
نقرأ الجملة الاستهلالية للرواية: "ذات ليلة باردة، اكتشف الولد، أن همس المتزوجين في غرف النوم يُسمع بعد الحادية عشرة..". وهي جملة ذات إيحاء جنسي لا يُخفى، سيمتد كشعاع منفلت ليجلل مساحات واسعة من السرد فيما بعد.. فالشخصية لم تكد تغادر مرحلة مراهقته، ويحيا في بيئة محافظة شحيحة، لا تشبع الرغبات الجنسية الطبيعية، فيعيش عالم استيهامات، عاداً إياه المكان الذي فيه مصرعه ومثواه. هنا يتناظر الحرمان العاطفي والجنسي مع ممارسات سلطة سياسية قمعية، ليعكسا أزمة الشخصية الاجتماعية والوجودية.
في واقع مترع بالتناقضات والمحبطات والكوابيس يستحيل الحلم إلى عبء، وتغدو محاولات تحقيق الذات والبحث عن هويتها فيه إشكالية كبرى.
روايات عراقية كثيرة حاولت خلال السنوات العشر الأخيرة توظيف التاريخ بوقائعه التي شهدها كتّابها، والذين خلقوا شخصيات مناظرة لشخصياتهم، أو بعثروا شخصياتهم في أكثر من شخصية واحدة داخل النص الواحد..
تنقل رواية ( المحرقة ) لقاسم محمد عباس حكاية طالب جامعي ( مروان ) يطلب منه والده، في لحظة عصيبة التخلي عن دراسته والالتحاق بوحدة عسكرية في البصرة هرب منها أخوه ( غسان ).. أي أن عليه أداء دور غسان في الجيش خشية انتقام السلطة من العائلة. فيذهب إلى هناك؛ يموّه شخصيته ويخدع الضباط، يساعده الشبه الكبير في ملامح الوجه بينه وبين أخيه.. وبخسارته لمستقبله الجامعي سيخسر حبيبته ( ياسمين ) أيضاً، وهي ابنة عمه التي تنصحه برفض هذه الصفقة غير العادلة، لكنه لن يحرِّك ساكناً، فتتزوج من رجل آخر..
سيتقمص مروان شخصية أخيه حتى لن يعود مروان مرة أخرى، ولن يغدو غسان بطبيعة الحال. ولن يكون في مكانه الذي تخلى عنه بضغط من ظروف قاهرة، بل لن يجد ذاته ثانية في أي مكان. وإذا كانت الحرب قد شطرت ذاته في ذاتين ظاهرياً فإن الشرخ سينتقل حتماً إلى ذاته الداخلية. وسيحاول من طريق الكتابة أن يمضي بالحوار حتى نهايته علّه يستوعب ما يجري، ويفهم ذاته، من أجل أن يتصالح معها ويعيد لها وحدتها، بعدما كان يقول؛ "وكأنني أتحدث إلى شخص آخر، لا علاقة له بي". فهل سيفلح؟!.
يكتب قاسم محمد عباس روايته بضمير المتكلم. وفي أية رواية مكتوبة بهذه الطريقة ثمة اقتران سري بجنس السيرة الذاتية، لا من حيث الشكل فحسب، بل من حيث التورط بالاعتراف.. إن روايات ضمير المتكلم، كما أزعم، تعد مخزون اللاوعي لكتّابها، لإنهم يُستدرجون، بحكم إغراءات الطريقة نفسها، إلى البوح الذاتي، واستعارة تفاصيل من التجربة الشخصية يستثمرونها في تعزيز عالمهم المتخيل.

المعرض السنوي لجمعية الفنانين التشكيليين .. وذكرى رحيل جواد =

-

المعرض السنوي لجمعية الفنانين التشكيليين .. وذكرى رحيل جواد سليم



تزامنا مع المعرض السنوي لجمعية الفنانين التشكيليين العراقيين، ومرور الذكرى الخامسة والخمسين لرحيل الفنان  الرائد جواد سليم تقيم اللجنة الثقافية للجمعية الفنانين التشكيليين العراقيين، عرضا ً لفلم ( صانع الحرية ) عن الفنان جواد سليم ، إعداد وسيناريو توفيق التميمي ومونتاج محمد النجار ومدير التصوير زمان فالح وإخراج طالب السيد، مع حوار عن الفن العراقي والمرحلة الحالية ومعرض الجمعية. يوم الثلاثاء الموافق 2/2/ 2016 . الساعة الحادية عشرة قبل الظهر، في مقر الجمعية الكائن قرب معرض بغداد الدولي ومعهد الفنون الجميلة مقابل حديقة الزوراء.
 

   

الخميس، 28 يناير 2016

حينما اجترحت الالهة-غالب المسعودي

حينما اجترحت الالهة
الحب..............
وصفته بانه داء لا يرجى شفاء منه...!
تخاصمت في العلى
سلطت كيوبيد بسهامه
على شغاف القلب...........؟
الحب شمس وقمر
تعكسه الاضواء في ليل
سهر..............
اسيرو ظلي وجعي
يعصف بي لهب حارق
لعل من طارق..............!
ارشف آهاتي  من عطشي.........؟
اخبو كخيمة
 تجاذبها الصحراء من دون عمد..........
ابتسامة من عينيها
تشعل صمتي
هل انت حب بلا حدود.....؟
احلم
اداعب وجنتيها
امسك
يديها
تمنحني السلام واغفو.....................!
في احضاني تولدين
من تراب الى انثى
واي انثى
(مهر لا وكس ولا شطط)
حب اداره الله
في كور
ان طابقتها الاقدار
لن تصغي لاحد
كسيوف غادرت اغمادها
في ظل نازلة ولم تحد
والقنا تلعب
بإياديين صمد لن ترد
لأجل شفاه ان اجرست
تحدس الاخبار في ارض ثمد
اسكب في رحى الساجور اشرعتي
لا ابتغي الود من ألس جحد
نار وماء وجسد
وكشح ضمه كفلان
من فرط الحسد
بت اشكو من هواها
فتنادي
ذات حبل من مسد...............!
تضرم النار بقلبي
واجثو ضارعا

بين نهد..........ونهد.............؟

الثلاثاء، 26 يناير 2016

أختام*-عادل كامل












أختام*


عادل كامل


[2] النائي
   عندما لم تعد هناك فئة (مثقفة) نادرة التخصص، وذات كيان يتمتع بحفريات نائية، منفصلة عن مجتمعها، وقد أصبحت منشغلة للبقاء على قيد الحياة، وقد أصبحت معنية، بالدرجة الأولى، أن لا تندثر، وتغيب، فان هذا الخط الفاصل ـ هذه الفجوة/ بله الفجوات والمسافات غير القابلة للردم إلا في حدود الاستثناء ـ ستزداد اتساعا ً نحو كائنات ستنفصل عن (النخبة) ذاتها، بوصفها قد ذهبت ابعد من: الولادة ـ الموت، ولكنها ليست ابعد من تمسكها بهذا الذي هو ابعد من الغايات/ الأهداف، إن كانت قد حددت، أو لم تحدد. إنها ليست إشكالية، بل ستوضح إن تفكيك (الإشكاليات) يتطلب هذا الحفر، أحيانا ً، خارج البرمجة.
   لنأخذ مثال: اللغة. إنها وجدت ـ ككل أداة ـ ضمن عوامل يمكن الإشارة إلى عدد منها، مثلما سيكون الباقي مشروعا ً للامتداد. فهي لا تنغلق عند حدود، الوظيفة وجمالياتها، لكن (لغتنا) منذ دوّنت أقدم النصوص فيها، لم تتخل عن العوامل التي تسري في مجالات البرمجة كاملة، من الأثير إلى النص.  فعندما يغفل المتابع، أو يغيب عنه، أن كل يوم، في لغة مثل الانكليزية، وفي سبعينيات القرن الماضي، تندثر20 كلمة، لتحل 20 جديدة، فان برنامج الحياة برمته يتعرض للتآكل، والتعفن، أي: ديمومة التصادم.
   وقد برهنت الحياة ذاتها إنها لا تعمل بإمرة فيلسوف، أو طاغية، وحيد، وفي الوقت نفسه، ستعمل بديالكتيك: اللا ـ كل، إزاء الكل، ومن ثم: الانتقال إلى المجموعات، ومنها: النوع البشري.
    فعندما نجد أن هناك من توقفت ديناميته عند: حدود، لا يمكن تجاوزها، فانه يكون قد وضع الديمومة في مأزق. والمفارقة وحدها تفصح عن أمثلة تذهب ضحيتها كائنات لا تحصى. وقد يكون الرد ـ بمعنى الدحض ـ هنا، هو المثال على إبقاء مقولات كالترتيب الهرمي، إزاء أي تحرر يتوخى الارتقاء بالنوع نحو هذا الذي لا خاتمة له.
   فتلك الفئة التي دوّنت النصوص التي مازالت متداولة، في الحقول كافة، والرمزية منها تحديدا ً، ليست (متقدمة) إلا قياسا ً بما سبقها، لأنها، في الصيرورة، لن تغدو (مستقبلا ً)، بل عثرات.
   والسؤال: إلى أين يتجه الإنسان، إن لم يذهب: أما إلى الفردوس، وأما إلى الجحيم، من ناحية، أو يرجع إلى العناصر التي تكّون منها، من ناحية ثانية، عندما يكون زمن (الوجود) محصوراً بينهما. وهذه عملية اختزال لكنها ليست بلا فائدة، في الأقل، لأنها التاريخ ممسرحا ً ـ ومرئيا ً، بتصادماته، كي يجري  بعجلات المنقرضات.
    فما الذي تريد تلك النخبة أن تلفت النظر إليه، غير (العدم)، مقارنة بما تسعى إليه الحياة برمتها؟ انه ليس هدفا ً يستعاد وتتم الإشارة إليه بمعزل عن مصيره: الاندثار....، أم هناك هذا السابق على (العناصر) والمندمج معها، والمتقدم على ـ حضورها/ وغيابها؟
     لكن هذه الإشارة لن تثمر جدلها ـ بوصفها جدلية وهي تذهب ابعد منه ـ إلا بوصفها تتمسك بالعقلانية، منهجا ً، نحو هذا: اللا ـ شكل، في آليات عمله، أو في غائيته. فالمنجز ـ علما ً أو فنا ً ـ أو صهرا ً لهما ـ يحافظ على تنبؤاته في مواجهة أشكال الثابت، والأبدي.
    فهل الكتابة حقبة لها زمنها التاريخي، أم إنها تؤدي دور الجسور نحو (غائية)، بلا غاية، للحفاظ على (الدينامية) أم أن إرادة (الحياة) ما هي إلا احد أشكال المحركات النائية، وخارج حدود الوعي ـ واللغة؟
   هنا تبلغ المغامرة ذروتها: التقدم في المجهول. وهي مغامرة لن تترك (الحياة) بلا غاية، من ناحية، وتدفع بها نحو (مجهولها) من ناحية ثانية.
    بدءا ً، ليس التطور وهما ً، بل جزءا ً من العنصر غير المسمى، المشترك، مع ما لا يحصى من العناصر، في ديمومة هذا الذي لن يترك أثرا ً له، عدا ـ في لحظة المراقبة ـ ومضاته وكأنها مستمدة من التاريخ، وليس من تلك التي سكنت الذات الحية، ونخبها، على مر الزمن. فالتاريخي يغدو أبديا ً، ولكنه، وبالتاريخ، يغدو منطقه، على أن توظيف (المجهول) إلى مشخص أو إلى تأويلات رمزية، سيعزز النظام الهرمي، ولا يعدله، مما يجعل: الولادة، في هذه الحالات، وكأنها وحدها تعمل بمعزل عن موتها ـ وفنائها.
   إنها شبيهة بالأنظمة التي درست، منذ الاقتصاد البري، في الزراعة، ومن ثم إلى التفكير المجرد، حيث الأشكال وحدها تحذف، لتجد أشكالا ً توازي تطور (الذكاء/ الأدوات/ الخبرة)، إنما المعركة ذاتها ـ منذ تشكل خلايا الحياة الأولى ـ لم تحتفل بنصرها، مثلما لم تهن لهزائمها. فهل باستطاعة الفن أن يقول ـ أو أن يخفي ـ شيئا ً غير: دورات الولادة ـ الموت، وهي دورة التحولات، أم أن هناك، شيئا ً ما من (اللا ـ شكل) والذي هو (اللا زمن) لديه ما لم يعلن عنه، ليس استحال، بل بوصفه برنامجا ً، إن تمت معرفته، فانه لن يقارن إلا بما أخبرتنا الحواس ـ والحدوس به، ويكون قد تشّكل كما الحاضر ـ غائبا ً، وكالميت الذي يفند (الموت) بغياب اكتسب لغز حضوره؟




[3]  اللا ـ شخصي
بعبارة لا ينطقها أحمق، كما في خاتمة مسرحية غاليلو لبرشت، فان الأرض: تدور، حتى لو نطقها من غير صوت، أو بكتمانه. ولو كان قد رفع صوته، غاليلو، وليس برشت، فان الشخصي لا يعنيني كثيرا ً. ذلك لأن لذّة المعاقبة التي لها ليست مرضية، ولهذا فهي لذّة ليست خالصة، مع إنها لا تخفي انتصار كوبرنيكس، بالذهاب ابعد من دوران الأرض حول الشمس.
   ثمة لذّات شخصية استثنائية، كالإدمان بمختلف أنواعه، كالإدمان على الفساد، أو تناول الكحول، أو إشباع الرغبات الأكثر سادية من القتل، وأخرى، كتنفس الهواء الأنقى، أو تناول الطعام بشراهة، يمارسها حشد بلا عدد، لكن لذّة أن يقول سقراط، في واحدة من ومضاته، إن المحادثة إلى رجل يفهم، لا تختلف كثيرا ً عن التحدث إلى رجل صفر. فالأول يفهم، والآخر لا يفهم، وهكذا  يغدو الكلام بلا لذّة.
   والأمثلة، مع زيادة السكان ـ من ادم الذي ينتسب إلى الواحد الأحد، إلى سبعة مليارات مخلوق يبحثون عن الخلاص ـ ليست نادرة، ذلك لأن الحقيقة ستبقى قائمة، بمعزل عنا! فأين هو فن تلك الومضة، وهي تنتقل من حد إلى حد آخر، ومن زمن إلى زمن ابعد، أم كما دوّن أفلاطون، بحكمة بلغت ذروتها: إن الأعمى الذي يسير من الليل إلى النهار، خير من الأعمى الذي يتجه من النهار إلى الظلمات!
    الإنسان أعمى! تلك هي كلمة والدي، استخلصها، بتأثيرات المعري، وشوبنهاور، واليوت، فلم اعترض، ولكني كنت أتساءل: هل الحقيقة عمياء؟ قال: لا! ولأنني كنت منشغلا ً بما تصنعه الألوان في مصيري، لم يشرد ذهني إلى منطق اللغة كي أراقب الزمن، كعبارة برخت: إن الحقيقة بنت الزمن، وليست بنت الأشخاص..؟ لكنني، بإحساس لا علاقة له بالتقدم، أو بلفت النظر، أو استبعاد الهزيمة، كنت أدركت في وقت مبكر جدا ً ـ أن هناك كائنات ارتقت بتجاربها نحو هذا الذي لا يقبل الانغلاق، ليغدو لذّة نادرة. إن (نرسس) لم يكتشف كم هو جميل، فهذا لا يعنيني كثيرا ً، لكن (المرآة) كانت مرحلة متقدمة في مصير النوع: إن الحقيقة تعدلنا، مع إنها، إزاء المطلق، لا تترك شيئا ً للتقدم ـ أي حتى لقول كلمات لا تعني أكثر من كونها كلمات! وها أنا ـ من غير شعور، ولكن بوعي تلقائي ـ أقع في الفخ: إن الفنون اللا شخصية ـ من الهرم والزقورات إلى ناطحات السحاب ـ ترغمنا أن نحدق في الطريدة التي لا وجود لها، إنما علينا أن لا نتركها تتوارى أو تغيب.
    فهل الحقيقة مبصرة، مثل العلاقة بين ما لا يحصى من العناصر في بناء منظومة الحياة/ المجتمع/ وزواله، كي يمتد حتى بحدود قرون، أو آلاف السنين، لتخبرنا، إنها عبرت، مثل ذرات بحجم مجرات، أدت عملها، في معبدها، أو في مختبرها الكوني، أو في لا مكانها، بوجودنا أو من غير هذا الوجود، على حد سواء؟
   سيقال أن موت المؤلف/ الفنان/ وانتفاء الذاتي، ترجع إلى (هيغل)، عندما لا حظ أن الموسيقا لا تعزف إلا من اجل الرب، بل للحصول على ثمن. ماركس، لم يعدل هيغل، بل توغل في تفكيك العلاقة، بين المثالي والضرورة، ولم يصدم (كانسان)، كما صدم بوجود آليات بشرية، تسمح للرأسمالي/ الصياد/ الجلاد، أن لا يبالي بضحاياه. فالنمل البشري، إزاء المركز، منظومة عمل قائمة على التدمير. لأن المركز، في الأخير، سيجد نفسه مدمرا ً. فثمة مركز آخر، كنجم كبير، بمروره، يلتهم الكواكب والكويكبات، من غير مشاعر زائدة، أو زائفة، لأن آلية العمل تصبح شبيهة بعمل اللغة التي لا تصدر أصواتا ً.
    لا شخصي...، تماما ً، هي الأبنية التي سمحت الفنان( سيزان) أن يخبرنا بها، لكن هل ثمة لذّة صفر، أو مشذبة، أو جمالية، أو عقلية، كالتي سمحت لـ (نيوتن) أن يكتشف قوانين الجاذبية...، وسمحت لدارون، مع سبنسر، أن يعزلا الحقائق عن التصوّرات، ويرتقيا ـ بالتفكير ـ نحو الحقيقة؟
     ها هي الحقيقة، تقودني إلى ديناميتها، وليس إلى موتها. ففي الفن، لذّة تتحقق فيها، إن كانت الحياة فيها بعضا ً من الشعر أو ما لا يحصى منه. فالفن يعرف كيف يجتاز عثراته، وعقباته، مثلما بالإمكان تخيل فيل يمشي تحت المطر وكأنه وحده اكتشف ذلك الممر الذي ينقذه من البلل. ولدي المهووسين بكرة القدم، كعشاق (مسي) أو (رونالدو)، إنهما يمتازان بمهارة ذلك الفيل، فـ (مسي) يخفي الكرة ولكنه يمضي بها من خلال أرجل المدافعين حتى ابعد من المرمى!
    فمن غاليلو إلى سيزان، ومن دارون إلى مسي، ومن نيوتن إلى ماركس...الخ، يعبر ذلك العنصر اللا مرئي للبرهنة بان الابتكار ـ وهو معنى الحياة بعيدا ً عن نظامها الهرمي ـ يؤدي دور مرور الأطياف حتى لو كانت منظومات المراقبة (المركزية) قادرة على الاعتراض، مع إنها، ستستثمر مصائرهم لصالحها، وتحتفظ بما اكتنزت، إنما الحقيقة، والحقيقة بحسب المختبرات، تذهب ابعد من ذلك.
   هل قلت إن اللا شخصي، ليس ما هو ما قصدته الألسنية/ البنيوية، منذ بواكير علم الانثروبولوجيا، وصولا ً إلى التفكيك، وإنني لم اقصد ـ أيضا ً ـ الحديث عن نظام يعمل بمعزل عن العاملين فيه، مع انه، لا علاقة له بموت الفن أو موت الإنسان؟ إلا إنني حاولت لفت النظر، ضمنا ً، للقبول بالقهر، من قبل (النمل) البشري، والعمل ضد الحقيقة: ضد الفن ـ ضد الإنسانية التي قرأت لحكماء سومر، ولسقراط، أو لتولستوي، وللآخرين أصحاب النزعات المرهفة، مثلا ً، لأنها ناصعة، كالنجوم التي أثارت دهشة (كانت)، لكن ليس من اجل لذّة خالصة قائمة على (الشيء في ذاته)، لأنها في الأصل عبرت مخيال قهري ـ بل أداء ً شبيها ً بعمل الدماغ ـ وما كان عاملا ً لهذا الوعي في رصد مرور هذا الذي ستكون (علامته) غائبة، بحضورها المحصور بين مجهولين، وليس بين غائبين. فالأشياء التي تفنى، مقارنة باللا ـ شكل، تعمل بمعزل عن هذا الزوال ـ الفناء. فالعقل سيتتبع مساره عبر علاماته في الزوال، فيما الفناء، يلحق، رمزيا ً في الأقل، باللا كل.
    فهل (الهرم) علامة اكتنزت بلغز ديمومة مكوناتها، أم للنظام الهرمي ـ من الرأس إلى الرمل ـ لغزه كي يبلغ تاريخنا ذروته...، أي نهاية الدورة، كي تعمل الحقيقة ـ بعيدا ً عنا أو بنوع يماثلنا أيضا ً؟
   إن الإجابات، في الغالب، تترتب بقيود لغتها، وليس بما يتمتع به الدماغ من مديات ابعد، لأن الأخير، بحسب العلماء، ليس مجموعة أجزاء، لكنه ليس (كلا ً)، بل مركبا ً تضمن، عبر الزمن، تلك الأطياف التي سمحت لغاليلو  أن لا يقول بصوت مسموع، بل أن يتمتم مع نفسه: تعيس هو البلد الذي يحتاج إلى أبطال!. فهو لم يخترع، ولم يكتشف، شيئا ً شخصيا ً، بل تتبع الظل وهو مأخوذ بلذّات لا شخصية: لذات لا علاقة لها بالحروف، والصوّر، والرموز، والحدوس. ليس لأنها تعمل بمعزل عن المراقبة، بل لأنها، كما هو المنطق الجدلي وهو يتوغل في تفكيك الجدل، في تفكيك ذاته، لا يتباهى بالنصر: أي بمحو الآخر. فالفردوس، طوال الحقب المظلمة، لا يسكنه إلا أقل الناس رهافة، لأن انتصاراتهم برمتها شيّدت على إقامة نيران مستعرة للآخرين. ويا لهو من خلاص...، مثل هذا (المثلث) في مقدمة السهم، أو في الرؤوس النووية، بشارة لأعياد لا وجود لها، عندما تستحيل المراكز إلى أثير.!



[4] استبصار
    على إن تحديد جوهر الوجود، لن يفضي بأكثر من إنسان يحدق في: كل ما يقع خارج وعيه. على أن الوعي ليس حاسوبا ً متقدما ً، ومنفصلا ً عن معنى (ما) في هذه العلاقة ـ المعادلة. فانا لا اخترع هذا الذي غدا خارج أدواتي في المراقبة ـ والحكم، الأمر الذي لا يسمح لي بأكثر مما ذهب إليه حكماء ـ العقلاء والمجانين ـ بتلخيص رأس مالهم حول (الحياة) بوصفها ليست فائضة ـ أو خالية من المعنى، أو: إرادة عمياء. حكماء تركوا الفجوات تسكن حكمتهم، وتسكن اللا محدود، لإعادة التحكم بمصائرنا، من غير النظام (التراتبي) الذي كان (الهرم) نموذجه على مر الزمن.
     ما الذي يشغل رأس فنان يستطيع، مثل شجرة، أن لا يصدع رأسه بما هو أعظم من الصدمات: الحماقات البشرية، التي لا يمتلك ـ لا الفنان ولا تمتلك الشجرة ـ في نهاية المطاف، إلا الدفاع عن كينونة ـ وجود مهدد بالمحو ـ أو، في الأقل: بالاستلاب؟
      ففي التعرف على ما هو خارج المعرفة، وحدودها، وعمل أدواتها، يستعيد الكائن ـ الذي توهم حريته في عالم محكم، قليلا ً من أندر الومضات التي لا تضعه فوق البشر ـ بوصفه استثناء ً، بل علامة صاغتها التحولات، وقد راح يجد خطاه فيها الدرب الذي لا يجعل نظره (تقدميا ً) ويده باحثة عن طريدة، لا يجعل صمته حرا ً وكلامه مغامرة، لا يجعل أحلامه ملاذا ً، وأفعاله سلسلة من المناورات...، فهو لا يسعى لمغادرة أوهامه ـ وأخطاؤه، كي يجاور عالما ً لم يترك أملا ً إلا بالعثور على كل ما يدفعه أما إلى السكينة، وأما إلى: اللامبالاة!
   هذا الكائن، كلما ازدادت عزلته، ازداد استبصارا ً بكل ما لا يلمحه البصر، أو يتتبع علل العقل. فهو سيعيش من غير أمل، ولكن من غير قنوط، فهو لا يعمل كما يعمل (النمل) أو تعمل الأشجار، أو (الأشياء)، واقصد من غير أمل، أي من غير وهم، مهما كان متقدما ً، ويتمتع بقليل أو بكثير من اليقين، فالأمل، ليس السراب، وليس هو استبدال (المنفى بمنفى أكثر اتساعا ً)، وليس هو الارتداد، وترك الكسيح يصبح قدوة ـ كما في النص السومري عند معالجة معضلة العدالة الإلهية ـ وقد دوّنت قبل ظهور إبراهيم بألفي عام ـ ولكن لأن السبعة مليارات (كائن/فرد/ رقم/ شفرة/ كلمة/ حرف ..الخ) تؤدي دورا ً شبيها ً بمعركة يكون النصر فيها وهما ً بنيويا ً، فان هذا الأمل، لديه، كمن يعمل عمل المستغفر للمستغفرين، كما كانت رابعة العدوية تفعل، أو كقولنا للباحثين عن خلاصهم عن قصر في الفردوس، وعن غلمان، أو عن حواري، أن لا يسرفوا في الأحادية، والتحكم بالمصائر بوصفها غنائم حرب، فالأمل ليس أن اعثر على ديمومة لا تكون جزءا ً من وجود لا يتوقف عند(حد) أو ينتهي بخاتمة.
      وبمعنى ما مماثل: كيف يتأتى لنا أن نمسك بأمل إزاء وجود لا يبوح بأكثر من ومضات: ذرات أو لا مرئيات تعمل بما يدحض أي حكم، بعد أن كانت مسيرة الأنواع قائمة على إحراز نصر لا وجود له في النهاية، إلا بحدود تحولات العفن إلى عطر، والعطر إلى عفن، لأسباب لا علاقة لها إلا بحدود (الوهم) الذي غدا (أملا ً) لديمومة تصادمات لن تترك لنا إلا احتمالات تقسيم البشر، بحسب تاريخهم، إلى: قاتل ـ وضحية، كي يستعيد الأخير، دور الأول، عبر البرنامج ذاته، ومن غير تعديلات تذكر!
 فماذا يريد الفن أن يؤديه، إذا استبعدنا التشخيص، التعبير، الرمز، واحتمالات التأويل، وما يبدو راسخا ً، أو منزلا ً، أو خاليا ً من الغبار...؟

[5]
   في الغالب لا اشعر بالندم، ولا بالإثم، لأنني لا امتلك إجابة أخيرة ما إذا كان الفراغ، أو العادة، أو الحوار مع النفس، سببا ً ابرر به انشغالاتي بالفن. ولا استبعد أن لفت النظر، حتى وأنا أتوارى بعيدا ً عن الآخرين، له تأويله.
    ففي عالم السلع ـ البضائع، ينوع الصانع إنتاجه، بعلامة ما، للترويج، إنها منافسة  للديمومة، إن كانت على مستوى  الغرائز، أو على صعيد الاستحداث.
    ومادمت اجهل تماما ً لماذا (الديمومة) لديها ما لا يرد، كي تكون موازية للقدر، والحتميات، فانا اجهل لماذا ـ بعد تذوق مرارات الإخفاق في الحسم ـ علي ّ أن أرى ما لا يحتمل، من رداءة ونذالة، من قسوة وعدم حياء في ديمومة المطالبة: بالتغيير، الإصلاح، والثورات؟
    فلا الفن، ولا الطب، ولا المواعظ باستطاعتها أن تذهب ابعد من حدود عملها: فالمريض سيلقى حتفه، في نهاية المطاف، لأن برمجة (الديمومة) قائمة على كل ما لا علاقة له بحرية الاختيار، فالأدوات مقيدة بوظائفها، مثل السلع: الاستهلاك.
    ولا أكثر إثارة للقهر أن تنتهي الحكمة باعتراف: هذا هو الواقع! لأن الأحلام ـ بمشفراتها ـ تعمل في هذه الحدود.
   وهكذا دأبت، في كل صباح، قبل الشروع بالكتابة، أو الانشغال بالفن، أو أن أعيد قراءة كتب، تبعدني قليلا ً عن حافات القفز وراء الجنون: العقل، لأن الأخير، كما تؤكد البراهين، ذروة آليات عمل المفتاح في القفل. فانا إذا ً في حال المتورط. فانا أصبحت ورطة نفسي! فالجنون، كالعقل، كلاهما شبيهان بشرود المتيم، لا ينظر إلا للذي يرغب في النظر إليه.
    وللدقة، أنا لست أسير قيود المكان الذي ولدت فيه، وزمنه، ولكنني ـ حياء ً ودقة ـ لا اذهب ابعد منهما. فقد تكون الإجابات، في كوكب آخر، ككوكب أنطوان اكزوبري في الأمير الصغير، خالية من الأسئلة. إنما أنا أرى عرضا ً مسرحيا ً شبيها ً بنظرية المؤامرة، مهما استبدل العرض، فانا لن أغادر نسق استحالة دحضه، أو حتى تعديله. فالدماغ يعمل بالغاز شبيهة بعمل شجرة تقاوم البرد أو أي عدوان، وشبيهة بالحرباء تستبدل لونها تكيفا ً بزمن قياسي، ومثل من يجهد كيف يكون بصره تقدميا ً ويده تصفق للرداءة، قلبه ينحاز للطهر وفمه ينشد للموبقات، أو مثل قديسة وحدها تدرك إنها غير مسؤولة عن عفن العالم..!
     ثمة  قيود لن نغادرها إلا بالتوحد معها، حتى بعد الموت، فإنها ستمتد، كإرث، للذين سيولدون بعدنا. فإذا كنت لا استطيع استبعاد رائحة تفسخ جسدي، أو حتى رائحة رمادي لو اخترت النار بديلا ً عن الدفن تحت التراب، فما معنى الحديث عن عطور أزهار البرية، أو ورود بساتين بغداد...؟
    ويا له من اكتشاف، شبيه بالجاذبية، أو من اكتشف إن سرعة الضوء لا تقربه من معرفة لغز: اللا ـ كل، واعني بأننا أسرى النسبية. فاينشتاين الذي لم يستطع أن يفهم شيئا ً من الصفحات الأولى التي قراءها من رواية القصر، وقال إنها بحاجة إلى دماغ يوازيها، فانا اجهل تماما ً فك مسيرة تاريخ لو لم أكن مكبلا ً به لكنت غادرته، فأرحت الآخرين ونفسي أولا ً منه ...
    فهل نطق كافكا بلسان الرب أم عمل على استبعاد بديهة المشهد ذاته الذي عاشه سيزيف وصولا ً إلى بشاعات العولمة، وعالمنا المعاصر، وما تؤديه الأسلحة المحرمة من تسليات موجعة لضحاياها، ماذا قال كافكا أكثر من رصد الإجابات على أسئلة غائبة، لكن اختيار الموت، لم يعد ممكنا ً، وفي حالات نادرة، كالأمير الايطالي الذي اضرب عن الطعام احتجاجا ً على الموجودات وعلى الوجود، ورحل بهدوء، أو كغرق فرجينا وولف، فانا لعلماء النفس شطارتهم في العثور على أعراض للإدانة!
    إنها برمجة تحتم على المبرمج، مهما تحرر من آليات عملها، أن يجد نفسه قد أتقنها، وأدى دور من يقف في أعلى الهرم: الصياد، أو الأمير، أو مدير الشركة، الأكثر مكرا ً ودهاء ً وجورا ً وقوة وفتنة وثراء ً وبرمجة يجادل بها للإبقاء على القاعدة شرطا ً للحفاظ على وجوده في الذروة: فوق الصليب أو الموت كمدا ً أو التمتع بعقارات كالمورفين أو الشعر أو الفن أو المشعوذات أو مرتلا ً في حضرة الرب، والكل يعرف، إن (الرب) يقع بعيدا ً عن ذرى التصوّرات، والكلمات. فالصياد وحده لا يفرط بلذّة إنزال اشد درجات الألم، والذل، بالآخر الذي لن تنتهي أسطورته بموته، بل سيأخذ بثأره عبر برمجة تمتد إلى ما لا نهاية، أو عند حدود برمجتها.
     فهل ـ في الفن ـ استطيع أن أجد سلوى غير تجاهل هذا العرض المروّع للقانون السابق على كلمات مالتوس: حرب الجميع ضد الجميع، حيث العناصر، في تشكلها، لا تكف عن دورها في إثبات أن: النهار يكمن في الليل، مثلما العتمة قد وجدت سكنها في أشعة الشمس!
    قوانين....، لا تجد إجابة إلا ورأسك بين يدي ّ جلاد أما أن يرسلك إلى جهنم، أو لا يمتلك أن يرسلك إلى أي مكان آخر...! ففمك إن نطق أغلق، وإن لم ينطق فلا معنى لوجوده...، فأية برمجة عنيدة هذه التي حولت حياتنا إلى مسرحية تجري في القاع، لكن بمرأى  من يمرحون تحت الضوء...! قوانين تدفع بالمفارقة للحفاظ على (المثلث): رأس... وقاعدة لا إرادة لديها  إلا التنفيذ، والطاعة. وأيا ً كان الرأس، فالمنفى يحتم شكل منفييه، مثلما المنفيين، في محاولات الخلاص، يعززون دور المركز: المنفى. وكأنها لعبة إن لم تلعبها أرغمت أن تطرد منها، أو تلعبها بحرية وحدها لا إرادة لديك إلا على أخيارها. إنها كحرية الطريدة، أينما ولت، فالمخالب غرست في أقاصي لا مرئيات جيناتها!  فهل  استطيع، بهدوء، أن اغوي أصابعي/ بصري/ دماغي، بالتحايل على نهاية وضعت، قبل أن يكون هناك نهار، وقبل أن تكون هناك دابات تدب بهذا الدبيب الذي غدا مشهدا ً مألوفا ً، بأدواته، وبتقنياته، مادمت أدرك إن موتي مدوّن في سلسلة تحولات العناصر، قبل أن يكون ثمة دماغ ـ وحواس، أم إن هذا كله نتيجة حتمية لوجود  المقدمات، ونهايتها، وهي جديرة بالملاحظة؟
تأملات أثناء العمل ـ وقد سبق أن نشرت حلقات من التجربة تحت عنوان: اختما معاصرة.

الأحد، 24 يناير 2016

يـــــا باسل الحزن-مؤيد داود البصام


 كتاب

يـــــا باسل الحزن

مؤيد داود البصام
لتحميل الكتاب يرجى النقر على الرابط التالي
http://www.4shared.com/account/home.jsp#dir=EwCcFc6N

الجمعة، 22 يناير 2016

كتاب "عشر سنوات هزّت العالم: -

يضم كتاب "عشر سنوات هزّت العالم: عقد على احتلال العراق 2003-2013" (784 صفحةً من القطع الكبير) الصادر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، خلاصة الأوراق والشهادات التي قُدّمت للمؤتمر الذي عقده المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات على مدى يومين في العاشر والحادي عشر من نيسان/ أبريل 2013، وقد تضمن جدول أعماله شهادات شخصيات ساهمت، على نحو أو آخر، في الحدَث من مواقعها المختلفة، منها ستّ شهادات يقدّمها هذا الكتاب في القسم الرابع، علاوةً على رؤًى أكاديمية بحثية قدّمها أربعة وعشرون باحثًا بحثوا في الخلفيات والتداعيات الداخلية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تمخّض عنها الغزو والاحتلال اللذان انطلقَا لينفِّذا سياسات تمَّ التخطيط لها في وقت مبكر، كما سنلاحظ عند تناولنا الأوراق البحثية.

ماذا حصل في العراق منذ تلك الحقبة؟ وما هي التغيرات السياسية والاجتماعية والبشرية التي ‏أحدثها الاحتلال؟ وكيف يمكن رصد آثار ذلك كلّه في المحيط العربي، ولا سيما في سورية؟ هذا ما يُعنى به هذا ‏الكتاب الذي يضم بين دفتيه أربعةً وعشرين بحثًا وستّ شهادات تتناول كلّها ما وقع للعراق من كوارث خلال ‏عشر سنوات أعقبت الاحتلال، وخصوصًا تفكيك الدولة والجيش، وتفاقم مشكلة الهوية والنزاعات المذهبية ‏والقومية، علاوةً على صعود الدور التركي، وتوسّع السيطرة الإيرانية، وتضاؤل الدور العراقي في الوقت نفسه. ‏والكتاب، بهذه الصيغة، هو خلاصة بحوث ومناقشات مستفيضة قُدّمت في مؤتمر علمي عقده المركز العربي ‏للأبحاث ودراسة السياسات عام 2013، محاولةً لفهم مقدّمات الحرب على العراق ومجرياتها وتفصيلاتها ‏وعقابيلها المستمرة حتى اليوم، وهو ما جعل العراق ساحة تصادمٍ إقليمية، وحوّله من بلد مرغوب فيه ‏بذاته إلى بلد يلعب اللاعبون فيه ألعابهم المتنافرة والمتعاكسة. ‏

ورَد هذا الكتاب الذي قدّم له الدكتور عزمي بشارة في أربعة أقسام. فالقسم الأول منها هو "العراق من الداخل: الدوافع الخارجية والتغيرات السياسية والمجتمعية من جراء الاحتلال"، وهو مُكوَّن من عشرة فصول رئيسية عن أطاريح تفكيك الدولة العراقية في أجندات المحافظين الجدد، ملقيًا الضوء خصوصًا على تصريحات مساعد وزير الدفاع الأميركي بول وولفويتز، والكيفية التي تمّ عدّ العراق من خلالها دولةً راعيةً للإرهاب، موضحًا أبعاد اللعبة السياسية التي أدخلها الاحتلال بهدف صنع دولة عراقية جديدة لا تمتُّ إلى جذورها الماضية بصلة، وأُدخِل عليها الكثير من الأفكار النيوليبرالية في الممارسة الاقتصادية التي أضرت بالاقتصاد العراقي كثيرًا، إضافةً إلى توضيح دوافع ما قبل الغزو وبعده، ودور كل من المليشيات المدعومة من الخارج والشركات الأمنية الخاصة في الأحداث التي عرفها العراق في مراحل الغزو وما بعده.

أمّا القسم الثاني من الكتاب "تداعيات الغزو على الوطن العربي"، فهو مُكوَّن من سبعة فصول تحدثت عن تداعيات الغزو على الخليج العربي، وعلى سورية، وعلى القضية الفلسطينية، وعلى منطقة الشرق الأوسط بأسرها، كما أشارت بعض فصول هذ القسم إلى أثر الغزو في صورة العرب في الغرب. وأمّا القسم الثالث من الكتاب "التداعيات الإقليمية والدولية للغزو"، المُكوَّن من سبعة فصول أيضًا، فهو يستعرض عدة قضايا، محورها الرئيس تداعيات الغزو على عدد من الدول من بينها إيران، ويقرأ الموقف الروسي من الغزو، كما يبحث مشاركة اليابان في التحالف، ويدرس تأثير الانسحاب الأميركي من العراق في أولويات الاهتمام الأميركي في العالم.


وأمّا القسم الرابع، فقد خصّص شهادات ورؤًى متعلّقةً بحرب العراق، وهو يتضمن شهادات مطّلعين على أوضاع الغزو وتداعياته فكانت شهادة ناجي صبري الحديثي وزير خارجية العراق حين الغزو، وشهادة هانز كريستوف غراف فون سبونيك، مساعد الأمين العامّ للأمم المتحدة المشرف على البرنامج الإنساني قبل الغزو، وهو الذي استقال من منصبه احتجاجًا على الاستهداف غير الإنساني للعراق قبل الغزو. إضافةً إلى شهادات كلّ من مؤيد الونداوي، الأكاديمي العراقي وأحد الناشطين في المسألة الإنسانية للعراق، ورعد الحمداني قائد فيلق الحرس الجمهوري الثاني، وكلير شورت وزيرة الدولة البريطانية السابقة في حكومة توني بلير، وجوناثان ستيل كبير مراسلي الغارديان إبان الغزو.