الاثنين، 7 ديسمبر 2015

تداعيات في مقهى-أحمد الحلي

تداعيات في مقهى
أحمد الحلي
اعتدت أن أذهب بين وقتٍ وآخر ولا سيما في فترة الصباح  إلى مقهى يحمل اسم " مقهى أبو سراج" وهو  مقهىً يمتد بشكل طولي بمحاذاة شط الحلة قريباً من أقدم  وأعرق جسر في المدينة والذي اعتاد الحليون أن يطلقوا عليه تسمية " الجسر العتيق" ، هذا الجسر الصغير الذي أصبح عند طرفيه مكباً معلناً لنفايات وقاذورات المدينة  يقتصر دوره الآن على عبور المشاة فقط وهو يعاني على الدوام زحاماً شديداً في الذهاب والإياب ، على جانبيه يحتشد خليطٌ  غير متجانس من الباعة ؛ هناك عند طرفه بائع أو بائعان للسمك يضع  أحدهم  في إناء كبير ثلاث أو أربع سمكات  وهناك بائعو السنارات وخيوط الصيد ومستلزماته وكذلك بائعو مبيدات الحشرات وغيرهم ،  هذا الجسر سيرسّخ ثيمته بشكل نهائي شاعر الحلة موفق محمد بإحدى قصائده حيث قال ؛
جسر الحلة / مكتئباً أسيان/  طالت لحيته وابيضّت/ فتعلّق فيها الصبيان !
علمتُ أيضاً أن عدداً من مثقفي المدينة يرتادون هذه المقهى ، فذهبت إليها وهناك أتيح لي أن أتعرف على المكان الذي اعتاد أن يجلس فيه الناقد ع . ع  بمعية عدد من مثقفي المدينة ، وقد كنت معجباً بكتاباته النقدية التي ينشرها في كبريات الصحف العراقية ، ومع أنه ابتدأ حياته شاعراً وأصدر مجموعة شعرية بعنوان " أشواك الوردة الزرقاء" إلا أنه  شاع في الأوساط الثقافية العراقية أن كتابه عن الشاعر بدر شاكر  السياب يعد من أهم وأفضل الكتب التي صدرت عن هذا الشاعر الذي ترك بصمة لا تُمحى في ميدان الشعر، بيد أن الذي حببني إلى هذا الناقد بصفة خاصة  أن اسلوبه كان واضحاً  محبباً وإن تكن جمله قصيرة ومقتضبة إلا أنها  منغّمة ومحملة بالمعاني العميقة ، بعكس نقاد آخرين اعتادوا أن تأتي  كتاباتهم النقدية  متخمة بمصطلحات واستشهادات فجة  مقحمة مقتبسة من الكتابات النقدية المترجمة ربما ليس للكثير منها علاقة بما يتكلمون عنه ، فهم والحال هذه لا يقدمون نقوداً للنصوص المعنية وإنما يستعرضون أنفسهم وثقافتهم كطواويس ثقافية برّاقة  ليس إلا ، خاصة وأن الناقد الحلي الشهير الدكتور علي جواد الطاهر كان أثنى على ناقدنا واعتبره واحداً من أنبه تلامذته وعقد عليه آمالاً كبارا في استكمال ما كان بدأه هو في مشوار النقد الأدبي ، ملقباً إيّاه بـ" فتى النقد الأدبي" .
بعد مرور وقت ليس بالقصير ، استطعت أن أقترب من عالم الناقد المثير على الرغم مما لاحظته  من تحفظه الشديد تجاه الأشخاص الجدد الذين كانوا يرومون الدخول في حلقته ، لاحظت أنه كان يأتي إلى المقهى صباحاً على دراجته الهوائية التي كان يُطلق عليها تسمية " العراقي" ، الذي كان رفيقه الدائم في تنقلاته داخل المدينة ،  وقد علمت أنه رفض التعيين في دوائر الدولة وهو اختار العزوبية  بمحض إرادته ، لأنها تتواءم وتنسجم مع انطوائه وشخصيته الانعزالية ، وقد مر ناقدنا بأوقات عصيبة جداً بعد أن تم فرض الحصار الاقتصادي على العراق ....
استطعت أن أقتنص عدداً من الحكايات الطريفة حوله وفيما يلي أبرزها ؛
الجماعة ضايجين منّك
أثناء جلوسي بقربه وهو منهمك بتصفح جريدته ، كنت كثيراً ما أستمع إليه وهو يردد وكأنه يحدث نفسه ؛ "الجماعة ضايجين منك " ، لم أشأ أن أسأله عن ذلك ، لأنني لم أكن قريباً منه بما يكفي لكي أسمح لنفسي بمثل هذه الأسئلة  التي ربما سببت نفوره مني ، وكعادتي في مثل هذه الحالات سألت أحد أقرب أصدقائه وهو فنان  تشكيلي يحمل لقب " الصعلوك" والذي صارت تربطني به علاقة وطيدة ، فأخبرني بأن هناك حكاية تقف خلف هذه الجملة  ، وهي كالتالي ؛
في وقت ما أصبح عدي صدام حسين رئيساً للتجمع الثقافي العراقي ، وهو مجلس بصلاحيات أعلى بكثير من إمكانيات اتحاد الأدباء والكتاب  ، وقد حاول بعض الأدباء النافذين الإفادة من وجود ابن الطاغية رئيساً لهذا التجمع فتكلموا معه عن الأوضاع المزرية التي يعاني منها غالبية أدباء العراق ولا سيما الكبار ، فأوعز بتهيئة قوائم بهم وتنظيم أسمائهم ضمن درجات هي أ وب وج من أجل صرف مخصصات نقدية  لهم ، وأرسلوا تبليغاً رسمياً لكل واحد منهم ، وحين وصل المغلف الذي يتضمن التبليغ إلى يد ناقدنا وفتحه بتوجس شديد ، واطلع على ما فيه رده بتحفظ إلى الشخص الذي سلّمه إياه طالباً منه أن يعيده إلى الجهة التي ارسلته له ، وأوصاه  أن يقول لهم إنه غير محتاج وإذا شاءوا فليأخذوا هم هذه المخصصات ، بعد أن خرج هذا الشخص التفت الأستاذ إلى محدثه قائلاً باشمئزاز ؛ عوع ! ولم تمر سوى أيام قلائل  ، وأثناء جلسة ليلية في مقر اتحاد الأدباء  ببغداد  همس أحدهم في أذنه ؛ "الجماعة ضايجين منك " ، فهم الأمر ولكنه تساءل  بحذر محاولاً إخفاء اضطرابه ؛ " منو يا جماعة ؟ ، أخبره محدثه أنهم " جماعة الجماعة " ... فشكلت لديه هذه الجملة هاجساً مزمناً ، وأخذ يرددها  باستمرار بينه وبين نفسه  حين يتاح له أن يكون وحيداً أو يحس أنه بمأمن  من المحيطين به ...
برهوم أنا جبار
أتيح لي أن أحظى معه  بعدد من الجلسات الليلية في مكتبة أحد أصدقائنا ، وكثيراً ما كنت أراه منطلقاً ومنشرحاً كما لم أره من قبل ، وكان مولعاً بشكل خاص بأن يغني بصوته الرخيم عدداً من المقامات الشجية ، من بينهما أغنية تراثية يرد فيها المقطع التالي ؛ تعال وشيل عني هموم ... عنّك وعني ، إلا أنه كان مولعاً بشكل خاص بالترنم بأغنية نجاح سلام الشهيرة ؛ برهوم حاكيني" ، وقد أنه كان يضيف إليها من عندياته ؛
برهوم أنا جبار شغلي نقد أشعار !
همس أحدهم بخبث أنه  في فترة ما من حياته كان يعشق من طرف واحد شاباً اسمه ابراهيم .
ضحوكُ الوجه
في إحدى الليالي وبينما صديقنا الفنان التشكيلي يعزف  على عوده مغنياً بيتين  شعريين رائعين مستلين من قصيدة بعنوان " ليل المُعنّى" كان نظمها  شاعر ضرير اسمه غالب ليلو البزاز من أصدقائنا ومن روّاد المكتبة أيضاً إلا أنه لم يكن من محتسي الخمر  والبيتان هما ؛
لا الصبحُ عندي كصبح الناس
مبتسِماً ولا الليلُ في آفاقِه قمرُ
يا ليت ما كان لي حِسٌّ يُعذّبني
كم كان يُبهِجني لو أنني حجرُ
 لم تمر سوى أيام قلائل حتى جاءنا  ناقدنا بقصيدة خمرية  تتألف من أكثر من ثلاثين بيتاً جادت بها قريحته  ، وقد قالها مثنياً على جودة الخمرة  التي اعتاد صديقنا صاحب المكتبة أن يجلبها لنا ، يحضرني منها  الآن هذه الأبيات ؛
ضحوكُ الوجه وضّاحُ الجبينِ
يسلُّ الشمسَ من فلكِ الظنونِ
ولم أوهبْ سواه فقلتُ مرحى
لما وهبَ الكريمُ إلى الغبينِ
حُبالى يا حُليماتٍ عِتاقاً
ولِدنَ قبل ميلاد القرونِ
وقالوا قد تُجَنُّ به فندّتْ
من الأعماق ؛ بوركَ من جنونِ

أخشى أن يُهشّم هذا الرأسَ الجميل
أثناء جلوسنا في هذه  المقهى ، لاحظت أن بعض المتطفلين من أدعياء الأدب كانوا في بعض الأحيان  يحشرون أنفسهم في مجلسه  ، حضر أحدهم  بهيأته الرثة وكانت تبدو عليه  امارات الثمل على الرغم من أن الوقت ما يزال ضحىً ، لاحظت أن الناقد كان كعادته في كل يوم منشغلاً بقراءة إحدى الجرائد ، وهو وقت مستقطع  شبه مقدس  لم يكن مسموحاً لأحد أن يثير فيه أية مواضيع أخرى ، إلا أن الوافد الجديد اقتحم المكان وجلس بالقرب منه مباشرة  قائلاً له ؛ "أستاذ جبار ، لقد كتبت بالأمس قصيدة جديدة وأرجوا منك أن تستمع إليها وتبدي رأيك فيها " ، أحس الناقد بالمأزق الذي حط على طاولته منتبهاً إلى مدى رعونة وصلف ضيفه بالإضافة إلى رثاثة ملابسه ، فحاول تهدئة الأمور موعزاً له أن يقرأ قصيدته ، فوجد هذا فرصته وأخذ يقرأ ويقرأ بكل حماسة واندفاع ، وحين أوشك على إنهاء قصيدته العمودية الطويلة جداً ، حانت منه التفاتة إلى وجه الناقد ليقف على الانطباع الذي تركته فيه ، فوجده منشغلاً كلية بقراءة جريدته ، فاستشاط غضباً ، قائلاً ؛ ما هذا أستاذ جبار ! أنا أقرأ لك قصيدتي وأنت لا تكف عن قراءة جريدتك ، يبدو أنك لا تحترمني ! فقال له ؛ أقرأ يا أخي أقرأ فأنا أصغي لك ! ، لم يشأ الشاعر إلا أن يقول بغضب ؛ بل أنت تحتقرني ! ثم هجم على الناقد الذي يبدو أنه كان متأهباً ومتوقعاً حدوث ذلك ، فانفلت من مكانه بخفة فهد ، لحقه الشاعر ممسكاً بكنبةً صغيرة  وهو يسبه ويلعنه ، فتدخل عدد من الأصدقاء وحالوا بينهما ثم دفعوا الشاعر إلى خارج المقهى  ، وبعد أن اطمأن الناقد وعاد إلى مجلسه سأله أحد الأصدقاء مازحاً ؛ مؤسف أن نراك أستاذنا  بمثل هذا الجبن ، فرد بأريحية  واضحة  ؛ كيف تريدون مني  أن أرد على هجوم وحش كاسر ، ثم أنني لن أسمح  له بتهشيم  هذا الرأس الجميل !
عبثيات خارج السياق
في يوم ما اتفق ثلاثة أشخاص أو أصدقاء ، سمّهم ما شئتَ  ؛ صاحبنا الناقد وصديقه الحميم الفنان التشكيلي وشخص آخر اسمه ع. أ على الذهاب إلى " الكاولية" ، وعلى الرغم من تحفظ الناقد الشديد  وانطوائه على نفسه إلا أنه وجد نفسه مسوقاً  بصورة قهرية للقيام بهذه المغامرة غير محسوبة العواقب  ، وبطبيعة الحال فإن من قام بترغيبه بذلك هو الشخص الثالث الذي عرف عنه أنه يهوى ويعشق أمكنة كهذه لا سيما وأن بيتهم كان مفتوح الأبواب على زائرين مخصوصين ، وقد ظل لمدة طويلة يتكلم بطريقة ساحرة عن هذا المكان المسمّى بـ " الفوّار" الواقع إلى الجنوب الغربي من مدينة الديوانية ، تكلم بطريقة أخّاذة  ومسهبة عن الأجواء الغرائبية المغرية الموجودة هناك ، عن القوادين  ذوي الشوارب الكثة الغليظة  الذين يلبس أحدهم الكوفية  والعقال  والملابس المكوية النظيفة وعن تبسّطهم بالحديث مع الزائرين الجدد الوجلين ، وعن القوّادات المحترفات اللواتي يبرعن في التعامل  الزبائن وإخفاء بعض الصبايا الهاربات من قسوة أزواجهن وأهلهن ، وأسهب في الحديث عن الصبايا الصغيرات الساحرات اللواتي  ربما وقعت إحداهن في حب أحدهم  فتأخذ هي بالإنفاق عليه  بإسراف وقد يؤدي بها ولعها وهيامها به إلى اعتزالها البغاء والاقتصار عليه بوصفه حبيباً أوحد ، وقد تهرب معه إلى الوجهة التي يختارها ، فيتحول بمرور الزمن وضيق ذات اليد إلى قواد محترف ،  وتكلم أيضاً عن حلقات القمار التي قد يربح أحدهم فيها المال الوفير بضربة حظ مواتية  ، وربما يضطر القائمون على طاولة القمار إلى دفع النقود إلى أحدهم من دون أن يلعب أو من أجل أن لا يلعب  وذلك لأنه ضليع ومتمرّس بأسرار اللعبة بما يكفي لعدم إمكان خسارته ، ومنذ الوهلة الأولى  كان من السهل على الفنان التشكيلي أن يقتنع بمشروع الذهاب  إلى مستعمرة  اللذة هذه ، فأخذ  بدوره يحبب الفكرة إلى الناقد ، الذي اقتنع أخيراً واشترط عليهما أن يكون أمر ذهابه معهما  سرياً  ، وأنهما حين يتحدثان بعد عودتهما عن ذلك فلن يأتيا على ذكره قط  ، فتعهّدا له بذلك .
ربما يستهجن  البعض توريط ناقدنا الحصيف  بخوض مغامرة  غير محسوبة العواقب كهذه  ،  وقد يندهشون من  موافقته  أصلاً على خوضها ولكن  هناك خلف الستار يمكن أن تختبئ بعض الحقائق على غرابتها ، وسنتكلم الآن عن أكثرها حسماً ، فاستناداً إلى حقيقة عزوبيته المديدة وإصراه عليها ، تلك العزوبية التي توفر له عالماً مثالياً  للكتابة النقدية  وممارسة رياضة التأمل وتوفر له أن يتحلل من مسؤوليات عديدة ينفر منها  ، ولكنها بمرور الوقت أضحت وبالاً عليه وأخذت تأكل في جرف صموده وإصراره  مع تقدمه في العمر، فعلى سبيل المثال حين اقتادوه قسراً إلى للانضمام إلى  صفوف الجيش الشعبي إبان فترة الحرب العراقية الإيرانية  والتي لم ينجُ منها أحد ممن لم يكونوا مشمولين  بالخدمة الإجبارية  ، وعلى أية حال تم اقتناصه بوشاية  أحدهم في منطقته  رغم حرصه الشديد على الاختفاء والتواري عن الأنظار ، أعطوه صرة الملابس وباقي التجهيزات  ،  وفي اليوم التالي وحال وصوله إلى المعسكر زوّدوه ببندقية كلاشنكوف روسية ووجد نفسه ذات صباح يتدرب مع المتدربين  ، يهرول ويطلق صيحات الحرب  ، عاد ذات مرة من التدريب الصباحي مجهداً محطماً ، فوجد في حظيرته عدداً كبيراً من القرويين ممن تم اقتناصهم في اليوم السابق ، فعرّفوه إليهم  وعرّفوهم إليه ، وكان الجميع ينادونه بـ الأستاذ ، وبعد أن استراحوا  في القاعة المخصصة  بانتظار وجبة الغداء ، تكوّموا على شكل مجموعات  يتحدثون عن شؤونهم الخاصة ويتحاشون التحدث عن الحزبيين و الوشاة  الذين كانوا السبب الأساس في قدومهم إلى هنا ، وعلى أية حال لم يجد الجميع  مناصاً إلا أن يتأقلموا مع وضعهم الجديد بوصفه واقعاً مفروغاً منه ، أخذ كلٌّ منهم يتحدث عن شؤونه وشجونه  ، يتذكرون زوجاتهم ويسهبون بالحديث عن أبنائهم  ومشاكساتهم  المحببة ، شكل هؤلاء الريفيون الجدد ما يشبه التكتل داخل هذا التجمع الحضري ، ولكنهم وجدوا أنفسهم مرغمين  على التواصل مع باقي أفراد المجموعة ، أراد أحدهم أن يتقرب أكثر من ناقدنا كاسراً حاجز الأستاذية  قائلاً ؛ " شسمه الزغيّر" ؟ هذا السؤال البريء المباغت كان بمثابة لكمة  قوية  مفاجئة يوجهها ملاكم محترف إلى فم ملاكم مبتدئ ، عقدت الحيرة  لسانه  ، حاول أن يتملّص من الإجابة ، إلا أن أحد رفاقه أوضح لهم أن " الأستاذ" غير متزوج  ، فانتبهوا  له  باندهاش  واستنكار؛ " شلون ؟ قال آخر ؛
ــ بهذا العمر وبعدك ما متزوّج  ، شنو السبب ؟
لم يلبث الأمر أن تحوّل إلى المزاح  والطرافة الريفية السمجة ؛ حين همس أحدهم في أذن أصحابه فانفجر الجميع بضمنهم أصحابه  ضاحكين ضحكاً مديداً دمعت له عيون بعضهم  ، فهم الأستاذ أن هذا المارق  قال لهم "أظنه ماعنده سلاح !"
لم يعلم أحدٌ أن ثمة حوارات كانت ثتور وتحتدم بين الفينة والأخرى بينه وبين  كائن آخر ، كائن سري هو جزءٌ منه  ، من جسده ، كان هذا الكائن يحس بالظلم والحيف والغبن الذي يعانيه  جرّاء قرار القدر المجحف الذي قضى بأن يكون جزءاً منه  ، وبالتالي إرغامه على تجرّع سلسلة الحرمانات  المديدة والتي يبدو أن لا نهاية لها ، كان يُحس ببعض الحنو الذي لا طائل من ورائه  ، حين تمتد كفّه إليه وهي تربت عليه مواسية  ...
من بين الحوارات التي جرت بينهما نقتبس الحوار التالي ؛
-  أصدقني القول واخبرني ؛ هل ثمة  ما يلوح في الأفق القريب أو البعيد من شأنه أن يبدد وحشتي ويضع حداً لعطالتي  ؟
-  همممممممم  !
- إذن لا أنتظر حلاً لمعاناتي وأنا في عهدتك  ، تلك العُهدة التي كُتبَ عليَّ أن أدفع فاتورتها الباهظة .
- قليلاً من الصبر يا صاحبي !
-  وهل أنا بارعٌ في شيءٍ سوى الصبر ؟ لو أتيح لي أن أنفلت منك لخرجت بتظاهرة  أجمع فيها حشداً ممن هم على شاكلتي فنجوب الشوارع نهتف بأعلى أصواتنا  ؛ فلتسقط العزوبية وليسقط العزّاب ولا سيّما العاطلون ! ولكنني أوجه إليك سؤالاً ؛ ألم تفكّر لحظة فيما يفعله الأزواج مع زوجاتهم ليلاً  ؟ لماذا لا تتزوّج وتنقذني من هذه الصحراء القاحلة التي أجد نفسي ملقىً فيها وأنت معي بطبيعة الحال ؟
- أنا أعتبر الزواج مسؤولية  قهرية ، وأنا كما يعرف الجميع أتهرّب  دوماً من حملها .
- هذا  يمكن أن ينطبق على الأشياء التي لا تربطك بها صلة  ، أما أنا ، فجزءٌ  أساسيٌّ منك  بل وأخطر جزء شئت أم أبيتَ ، أم أنك تفضل إلغاء دوري مصراً على إعطائي أذنك الطرشاء ؟
اتفق الثلاثة على يوم حددوا فيه موعد انطلاق رحلتهم نحو جزيرة السعادة  ، وبعد أن علم الأستاذ أن الطريق إلى هناك طويل قرر أن يستثمر وقت وجوده في السيارة فاصطحب معه أحد الكتب النقدية  المهمة  .
مضت ساعات طويلة  ملأت فيها الوساوس والقلق قلب الناقد ، فلم يُتح له أن يخوض تجربة شائكة كهذه ، هل هي ورطة وجد نفسه ملقىً فيها ، فكّر بالرجوع وترك صاحبيه لحالهما  ، ولكنه تذكر الحوارات المستديمة بينه وبين عضوه وتقريعه  المستمر له فآثر المضي قدماً في هذه التجربة الجديدة والمثيرة على ما يحوطها  ويكتنفها من تبعات ...
وأخيراً وصلوا إلى المكان المقصود ، وجدوه عاجاً وصاخباً ، فأصوات مكبرات الصوت تطرق أسماعهم بأغنيات غجرية  تقليدية  ، والزبائن الثملون يتطوّحون هنا وهناك ، بعضهم  ممن قضى وطره يتحلّقون حول طاولة يلعبون القمار ، وآخرون يقفون أمام البيوت  الصغيرة على أمل أن تخرج لهم القوادة من أجل أن تتكلم معهم عارضة بضاعتها  ( أي ما لديها) من الفتيات  ثم يتم الاتفاق على السعر ، ولم تكن المتعة متوفقة على ممارسة الجنس فقط ، فقد كان  البعض يهوى  العزف والرقص فحسب ، حيث  يدخلون الزبون إلى إحدى الغرف  ويجلسونه على كرسي وثير وتأخذ إحدى الفتيات بالغناء فيما تقوم أخرى بالرقص ويتمايل جسدها البض أمامه  ومن خلفها عدد من العازفين وأحياناً بعض الضاربات على الطبل وبين الفينة والأخرى تنطق المطربة باسمه ، فيشكل ذلك بالنسبة إليه عالماً اسطورياً ، ويشعر بالاكتفاء ويداهمه إحساس بالأهمية ولو لساعة أو ساعتين حسب الوقت المتفق عليه  ...
 ومن أجل تسهيل المهمة  عليهم وامتلاكم ناصية الجرأة  اقترح الفنان التشكيلي أن يحتسوا كأساً أو كأسين من الخمرة  التي كانت تباع في دكاكين صغيرة يديرها أشخاص مصريون  ، فذهب ع . أ وجلبها إليهم  .
ثم اقتادهما ذو الخبرة إلى بيت سبق له وأن تعامل معه  في وقت سابق ، خرجت امرأة مسنة تبدو على سيماها  بقايا جمال غابر  ، أخبرته أنه لا توجد لديها فتيات الآن  ، وأن الفتاة التي جاء من أجلها تزوجت قبل حوالي شهرين  وانتقلت للعيش في المدينة  مع زوجها ، سألها ؛ من يكون هذا المحظوظ  الذي تزوجته ؟ قالت ؛ إنه أحد أثرياء مدينة الحلة الذي وقع في غرامها وأصر على التزوج بها مهما كلف الأمر .
ذهب بهما إلى بيت آخر ، فسمع صياحاً وصراخاً  يأتي من  الداخل ، فهم أن هناك مشادة كلامية  ، هدأت الأمور قليلاً ، فتقدم وطرق الباب ، خرج له رجل عريض المنكبين بكوفية وشاربين كثين ، اختبأ الأستاذ خلف الفنان التشكيلي ،  وبعد أخذ ورد أدخله إلى البيت وأراه الفتاة ، صاح عليهما  ، وبالكاد استطاع الأستاذ الوقوف على قدميه ، أما عضوه فقد غار في أعماق سحيقة  فشجعه الفنان ممسكاً بيده ودخلا سوية ، وحين وقعت عيناه على الفتاة  استظرفها وأظهرت هي موافقتها  مقابل مبلغ باهض بعض الشئ  ، وخرج الاثنان من البيت حتى يقضي صاحبهما وطره ...
حين عادا بعد نصف ساعة ، لا سيما وأنهما سمعا صراخاً وصياحاً وجدا صاحبهما أشعث الشعر ممزق القميص ، فلما انتحيا به جانباً طلبا منه أن يحكي لهما عما حدث ، قال لهما والغصة والغضب يأكلانه أكلاً ؛ لقد سرقت العاهرة نقودي ولم تسمح لي بممارسة  الجنس معها  ، وحين طالبتها بأن تعيد لي نقودي صرخت وانهال جميع من في البيت عليَّ بالضرب والسب والشتم ، ثم أنهم مزقوا كتابي ...
ابتلعها صاحبنا ، وظل لوقت طويل مختبئاً في بيته  لا يجرؤ على الخروج  ، وبعد حوالي ثلاثة أشهر خرج وذهب كعادته إلى المقهى فوجد هناك في ذات المكان صديقيه  الفنان التشكيلي ومرشدهما  العتيد ع . أ ، بالإضافة إلى أصدقاء آخرين نظر الثلاثة كلٌّ منهم إلى الآخر ، وأخيرا نطق الأستاذ قائلاً بحنق شديد مخاطباً ع . أ  ؛ " هيه كلهه خمس دقايق خليتنه نروح لهناك ونتحمل كل هذه البهذله والرزاله ، ݘان خلّيتنه نفضهه ابيتكم " !

السبت، 5 ديسمبر 2015

الحرية للرفيق عقيل الربيعي

ديوان جديد لغالب المسعودي

عن المركز الثقافي للطباعة والنشر-بابل-دمشق- القاهرة-سيصدر ديواني الرابع بعنوان هكذا تمرد ابن عربي -المركز باشراف المبدع ولاء الصواف لوحة الغلاف من اعمالي

الخميس، 3 ديسمبر 2015

قصص قصيرة جدا ً مستعمرة الديناصورات-عادل كامل






قصص قصيرة جدا ً
 مستعمرة الديناصورات

  عادل كامل



      [ويأخذ مورغان العشيرة عند الايروكوا، وعلى الأخص عند قبيلة "سينيكا" كشكل كلاسيكي لهذه العشيرة البدائية. ففي هذه القبيلة توجد ثماني عشائر مسماة بأسماء حيوانات: 1 ـ الذئب؛2 ـ الدب؛ 3 ـ السلحفاة؛ 4 ـ القندس؛ 5 ـ الأيل؛ 6 ـ دجاجة الأرض؛ 7 ـ مالك الحزين؛ 8 ـ الصقر.]
انجلز. " أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة"


* رسالة من الكاتب عدنان المبارك، بتاريخ 16/10/2015 إلى عادل كامل"
    ["عزيزي عادل.( مستعمرة الديناصورات ) ملحمة سردية . نعم هي سردية  بامتياز ، ولا يهم هنا إذا تحولت إلى قصص قصيرة جدا. السؤال الآن : متى الإصدار ؟ لا أعرف كيف هي مستجدات النشر الورقي وهل ما زال ( ليس في الإمكان أحسن مما كان  )...
اللائق أن أجيب على كل رسالة  منك ، لكن لا أريد أن  أكتب روتينيا خاصة لصديق ورفيق روح مثلك. وهذا هو كل عذري...
 أنام وبمواجهتي صور العراق واستيقظ هكذا أيضا. لا أحد يقنعني بأن سبب كل هذا هو حماقة بعضنا وبعضهم.انه التأريخ الي يكشف عن مثل هذا القدر المرهب من الخبث والدهاء واللا إنسانية أيضا. هؤلاء  ( الحفّاي )  سابقا  يتصورون أن كل الناس صاروا حمقى ولا يفقهون جلية الأمر . ما العمل يا عزيزي، فكل إناء بالذي فيه ينضح...
أكتب وأكتب، وكأن الحياة سرمدية !  انه هوس  الغريق المتشبث بقشّة ، ولربما كل هذا وهم ، ففي الحياة الثانية ، إن وجدت ، مجرد رجوع إلى حديقة الحيوان الكبرى ( صورة مهذبة لمستعمرة الديناصورات ) !]


      [ إلى الصديق الذي سألني، قبل ثلاثين سنة، لماذا تكتب عن الحيوانات، أقول: هناك أشقاء لنا مازالت خطاهم لم تصل هذه العتبة!]


مقدمة [1]

من النبات إلى حدائقنا المعاصرة:
نكوص أم ارتقاء ..؟


عادل كامل


* إشارة:  هناك مثل سومري قديم غدا عابرا ً للزمن والقارات: "لم تلد امرأة ما ابنا ً بريئا ً قط!" ليس لأنه يوهمنا بقبول اشد الحقائق مرارة، أي القبول بالحياة بوصفها تامة البرمجة، ونهاياتها قائمة على مقدماتها، فحسب، بل لأنه يسمح للعقل أن يستأنف إجابات تعيد صياغة الأسئلة بالمضاف من الخبرة، والحكمة، بحسب المصائر، وما آلت إليه المخلوقات ـ بصنوفها وأنواعها ـ من رقي، أو من نكوص...، فالبراءة مكثت شبيهة بالحصول على الخلاص، بعد الاستغفار، وحسابات التسوية...، إزاء عالم الجبر، والضرورة، والقيود....، وانشغالي هذا ـ في مستعمرة الديناصورات أو في (الغزلان في السماء)  أو في (حديقة نوح)، وفي باقي الحكايات، لم يغوني بالركون إلى السكون، ولا إلى السكينة، فثمة جرثومة ـ سابقة في وجودها وجود الجماد والنبات والحيوان وسابقة أيضا ً في وجودها كل ما سيشكل بنية وآليات عمل القشرة الدماغية العليا للبشر فوق الغاطس من عصور الثدييات وعصور الزواحف ـ لا يغدو إلا مجموعة مخلفات وأثار تركها أصحابها، فرحت أعيد نسجها، بالدافع نفسه الذي للأمل وهو يذهب ابعد من الوهم، وابعد من الإثم، وربما ابعد من: البراءة. انه انشغال شبيه بأعراض المرض، إن لم يكن هو المرض نفسه! فهل كان باستطاعتي أن اذهب ابعد من موتي، أم كان لهذا الموت أفعاله البهلوانية، الشبيهة بما يجري داخل أقفاصنا، في حدائق العالم، إن كانت للجماد، أو للنبات، أو للحيوان، أو لنا، بوصفنا لا نمتلك ذريعة إلا للامساك بالبراءة، كالتي حلم بها السومري، عندما اخترع: جنة عدن...؟ معظم النصوص نشرت في: الحوار المتمدن، القصة العراقية، سومريننت، أدب وفن، وغيرها...، وهي ـ في مجموعها ـ تمثل أصل هذا الخطاب الافتراضي، لكن ليس مجردا ً عن واقعيته، بوصفها وحدها غير قابلة للدحض.
13/10/2015

 [1] وثيقة
   نشرت، إلى جانب سلسلة من القصص المستمدة من الحياة اليومية، إبان سنوات الحرب العراقية ـ الإيرانية (1980 ـ 1988)، حكايات شخصياتها شركاء لنا في الوجود: عصفور، فيل، ذئب، حمل، حصان، بغل ..الخ، فلفتت نظر زميلي (احمد هاتف) ليجري معي ـ بدافع الغرابة أو لأي دافع آخر ـ حوارا ً...، كي يضع عنوانا ً له ـ بدافع الاستفزاز أو لأي قصد آخر ـ : عادل كامل في مملكة الحيوانات....، فما الذي تغير...، وأنا أواصل استكمال هذه الحكايات، سوى متابعة السرد.


عادل كامل في مملكة الحيوانات
الواقعية سلاح ابيض ضد القبح!




تصوير: جاسم الزبيدي ـ 1980

بغداد: أحمد هاتف
 آخر ما صدر لعادل كامل، بعد كتابه (الحركة التشكيلية المعاصرة في العراق ـ الستينات) مجموعة قصص تحمل عنوان (ذاكرة البحر) وهي المجموعة الرابعة له.. ويستعد عادل كامل لإنجاز كتاب الرسم المعاصر في العراق.. فضلا ً عن إعداد مجموعة خامسة أبطالها كائنات غريبة: الفيل .. والحصان... والكائنات التي لا تحمل اسما ً.
وكان سؤالنا الأول له: لماذا هذا المنحى الجديد في تجربتك.. لماذا الحيوانات؟
ـ " لست رمزيا ً أولا ً.. فالحيوانات تقاسمني قدري. أنا أحب الفيل والحمار والكلاب مثلما أحب البشر. بل كم اشعر بالأسف لأني لم اعمل في حديقة للحيوان.. بل اشعر، أحيانا ً، بعذاب لأني لم أولد سمكة. هذا لا يعني إني ضد الوعي .. كما إني لست رمزيا ً في هذه الإشارة. كلا .. بل الإنسان يحلم بسعادة تنتمي إليه. وربما لهذا السبب، أصبحت اكتب عن أشياء تنتمي إلى قارات مجهولة: إلى ضحايا بلا أسماء."
انك تريد أن تقول شيئا ً آخر؟
ـ " مشكلة الكاتب العربي انه مزور كبير.. انه كذاب حتى وهو يروي أكثر الحقائق صدقا ً.. انه لا يعرف، مثلا ً، كيف يتحول إلى حصان مكسور.. والى نمر في مستنقع.. والى سمكة للزينة. أقصد إننا مازلنا في مرحلة ما قبل التاريخ."
لغة لم تلوث..

ولكن لماذا الحيوانات؟
ـ " لأنها تتكلم بلغة لم تلوث بعد. هل تفهم لغة الكركدن؟ كلا. إننا لم نكتب روايات أصيلة عن عذاب مليون صنف من حيوانات امة تعيش مجاعة وتخمة في الوقت نفسه! وهذه للحق دعوة للكتابة عن البشر.. أما أنا فدعوني اكتب عن حيواناتي المعذبة."!
لكنك بدأت تكتب عن النبات والأزهار والأشجار أيضا ً؟
ـ " سأكتب عن صخرة مهملة في الطريق. وسأكتب عن الهواء. لم لا .. أنا أحب الأشياء البسيطة التي تعلمنا النبل. احد أصدقائي، وهو بطل قصة، قتلته نباتاته ولقد رفضت هذه القصة لأنها لا إنسانية، كما إنها تخلو من الصراع! لكني سأكتب عن صراع بلا معنى: عن زهور تعيش في الصخر.. وعن اسماك متحجرة تعيش معنا. ان التخمة والمجاعة في امتنا لا تحل بالمؤتمرات الزراعية والصناعية، أما أنا الذي ابحث عن سيكارة أدخنها، ولا اعثر عليها إلا بشق الأنفس، فأعود إلى صمتي. دعونا نحتفل بالصمت ... فلا معنى للحديث عن أشياء كبيرة جدا ً."
بعد روايتيك (رغبات قيد الاستيقاظ) و (أعوام الشمس)هل ستعود الى الرواية؟
ـ " لا أعظم من الرواية إلا الصمت. ومادمت من المخلوقات الناطقة، فالرواية خلاصي الأجمل. إنها سيدة الفنون بلا منازع، بعد السينما .."
هل لديك تجربة جيدة؟
ـ " من الأفضل ان نتعلم .. لا ان نصبح أساتذة! ان الرواية تظهر عندما لا يستورد الشعب، أي شعب، القمح ويوزعه على الفلاحين! أجل ..السومريون كتبوا ملحمة جلجامش .. ومصر القديمة العظيمة شيدت ملحمة الأهرامات.. لكن تلك الشعوب كانت لا تستورد اللحم أو البيض.. ان هذه المفارقة وحدها تدعونا إلى الأسئلة. نحن امة بحاجة إلى أسئلة وإجابات أصيلة. ترى أين نحن من العلم المعاصر؟ من الطب المعاصر؟"
اذا عدنا إلى الفن.. أعرف انك أقمت ستة معارض شخصية.. ودرست الرسم أكثر من عشر سنوات، وبعد أشهر ستعود إلى مقاعد الدراسة أيضا ً.. فماذا عن الرسم؟
ـ " الرسم لؤلؤة.. نجمة..ذكرى عصر ذهبي.. هل تصدق إني أخاف من الرسم! مع ذلك لدي ّ مئات من اللوحات الكرافيكية التي لم تعرض.. وأكاد احسد نفسي عليها! لكني سأعود إلى الرسم.."
من رأى الشمس مرة ..
لديك ستة كتب في النقد.. وأنت عضو رابطة نقاد الفن الدولية التابعة لمنظمة اليونسكو .. فضلا ًعن نشاطك النقدي في الصحافة.. فهل تنوي ترك هذا المجال؟
ـ " لا. ذات مرة قال جدي: من رأى الشمس مرة لا يفكر ان يعود إلى الظلام. النقد الفني جزء من بناء الشخص. والثقافة لا معنى لها إلا  بالنقد.. والجهد المبذول في هذا المجال لا ينفصل عن بناء حضارتنا. ولكن للنقد أسبابا ً وشروطا ً.. مثلما للناقد .. في البدء لا بد من زمن .. ولا من رؤية ثاقبة أصيلة لا علاقة لها بالأهواء .. والرغبات العابرة. نحن اليوم بحاجة إلى مليون ناقد في الشعر والفن والأدب ولسنا بحاجة إلى مليون شاعر يحمل هوية زائفة للشعر. إني أؤمن، واكرر هذا دائما ً: علينا ان نعمل بدل الانتظار. [كودو] لن يعود ... وهؤلاء الذين ذهبوا إلى العالم السفلى، حسب الأساطير السومرية القديمة، يذكرونا باستحالة الرجوع. النقد اليوم يمثل وضع حد للقبح، لا في مجال الفن أو الإبداع عامة، بل على مستوى أخلاقيات البشر.. فإذا كان الفن لا يخدش البشرة الرقيقة لأصحاب الثروات الخانقة، فعلينا ان نقذف بهذا الفن إلى جهنم. الفن الذي نريد، مثل النقد، لا بد ان يدخل معركة بالسلاح الأبيض.."
في هذا السياق.. كيف تنظر إلى ظاهرة استلهام الفنان العربي للحرف؟
ـ " هذه واحدة من مظاهر الترف! فالفنان يرسم في عصر ما بعد الوفرة! بل في عصر الخيال! لكني لا ادعوا إلى أسلوب موحد، ولا إلى مليون أسلوب.. ببساطة علينا ان نبدأ من الشعب.. ومن ضميره الداخلي.. كي نتلافى تقدم العالم علينا، أي علينا ان نتذكر إننا ننتمي إلى أعظم الحضارات في العدل والإبداع والعلوم والشرائع، وان نبدأ، عندما نبدأ، من عمق التاريخ وليس من سطح العالم. عودة إلى السؤال لا اعتقد ان ظاهرة الحرف إلا تجربة لا يبقى منها إلا القليل.. بل والقليل جدا ً.."
هل تدعو إلى واقعية في الفن؟
ـ " أنا أتمسك بأصالة التجربة: الوعي بها، علميا ً، تاريخيا ً..وانظر بإعجاب للإبداع الذاتي الذي يعدل حتى من مسارات النقد.. إلى هذا الإبداع الذي يصنع النقد في الأخير.. ولا أريد ان أتحدث عن مدارس واقعية أو غير واقعية، ولكني لا اعتقد ان هناك إبداعا ً لا ينتمي إلى واقعه الروحي والإنساني. كل الفنون، وحتى منها السوريالية والدادائية واقعية إلى حد بعيد. لا توجد واقعية على الضفاف.. بل هناك واقعية تمثل، أو لابد أن تمثل، حركة أعماق البحر.. الضمير البشري.. وجماله.. ورسم آفاق لا يمكن أن تذهب سدى، وبلا معنى. ان الواقعية تعني، كما أرى، ان نحارب بالسلاح الأبيض القبح، فالواقعية تعني، في البدء، وفي الأخير، ان نبقى عشاقا ً للجمال، والفن الواقعي هنا، هو ديمومتنا، على الرغم من إننا نتحدث عن أزمنة الفناء."
[اليوم السابع ـ باريس. الاثنين10 آب (أغسطس) 1987]
لمتابعة القصص على ارابط التالي:http://www.4shared.com/account/home.jsp#dir=EwCcFc6N

أسئلة وكلمات للتنوير موجَّهة إلى كل شخص منّا.. ما تفاعلك وما إجابتك؟- د. تيسير عبد الجبار الآلوسي

أسئلة وكلمات للتنوير موجَّهة إلى كل شخص منّا.. ما تفاعلك وما إجابتك؟


د. تيسير عبد الجبار الآلوسي
ها أنا ذا أضع من وقتي الضيق والضيق جداً نسبة مهمة للتحدث إلى جمهور الحراك المدني وجمهور التيارات الأخرى جميعا.. ربما بشكل يومي.. جهدي يبقى بتواضعه هامشياً ما لم يجد فعلا جمعيا من الكل يتبنون فكرة التفاعل مع الآخر ويكسرون حواجز التصنيف بين معسكرات وتيارات متقاطعة.. مطلوب انفتاح على الاخر وإيصال الرسالة إليه ألا يتمترس خلف مواقف اتخذها في ضوء معلومات مضللة.. لابد من أن يراجع كل منا قناعاته وينسحب من أطراف سطت عليه واسرته بتضليلها.. وبسبب التحجر والبقاء بفلك التضليل سنتجه لمآسي خطير جديدة وبسبب الانسحاب من المضللين سنتغير ونستطيع التحرر والبدء بالبناء ومسيرة التقدم الاجتماعي.. ها أنا ذا أواصل إيصال نداءاتي لجميع الأطراف
أول طرف، جمهور الحراك المدني للبحث عن تفعيل أدوار كل عضو فيه ولربما من أجل كسر حالات الإحباط التي قد تظهر عند بعضنا وللتوجه إلى طلب الرؤى والنصائح التي يرونها لمزيد فاعلية ولتعزيز المنجز…
ثاني طرف، التيارات الأخرى لأنّ من بين أوساطه، نسبة مهمة ممن نعتقد بأنهم أصحاب حقوق مستلبة وحريات مصادرة.. ذلك أنهم من الفقراء الذين هم بالأساس جمهورنا إلا أننا نجدهم هناك في تلك التيارات التي باتت تستخدم أساليب التضليل والمخادعة والتستر والتحدث باسم المقدسات ودجل اجتذاب الناس البسطاء باللعب على مشاعرهم وطيبتهم وإيمانهم..
هؤلاء جمهور كبير من الذين وضعوا على اعينهم غشاوة، ونحن نريد تنبيههم على الخدعة، التضليل، العبث وعلى كل ما يجري بهم من طرف مَن يمارس بحقهم قشمرياته ودجله، ممن يقتل المرء منهم بدم بارد ويمشي بجنازته!!
هؤلاء جمهور يجب أنْ نصلهم في أماكن أسْرِهم واحتجازهم حيث يوضعون على قوائم التضحية بهم قرابين لمتع الدجالين المضللين
بعضُهم فتية وصبية وأطفال أيضا، يجري استغلال اندفاعهم وعنفوانهم فيتم ضمهم إلى ميليشيات الجريمة ومافياتها بحجة انتصارهم للحق! ولكن أي حق؟ وأين يكمن الحق في حقيقية الأمر؟ إنها مجرد خدعة أسروا بتضليلها وسطوتها عليهم!
بعضهم من الشيوخ والعجائز .. كما يقول أهلنا ، من أهل الله، بسطاء لا يفكون الخط وليس لهم من متابعة لأمر إلا من خلال الحديث الشفاهي ومن خلال مخادعتهم بقضايا معتقداتهم!
بعضهم مأسور كرهاً وقسراً وهو يعرف ويتحين الفرصة للإفلات من آسريه…
بعضهم ينتظر بسلبيته وإحباطه وانكساره، عسى يأتي من يحرره!
ما ينبغي أنْ نقولَهُ لهم: إنَّهم ليسوا قرابين ونعاجا أو أضاحٍ للمجرمين السوقة، ممن يضللهم ويأسرهم في حضائر الذبح والتضحية بهم بحروب يبررها بالدفاع عن الطائفة أو المذهب أو أئمته!؟ وكل ذلك دجل وتضليل إنه يريدهم خدما عبيدا بل قرابين لمتعه ولجرائمه وصراعاته!!
في جولاتي وما أتبناه من وقت ثمين أؤكد على أنني أطرق  أبوابكم يا من تحيون هناك في ضفة الدجالين وتناصرونهم ضد أنفسكم وتضعون رقابكم تحت نيرهم بل على مذابح المجرمين.. لن يدخل في مصلحتي شيئاً سوى انعتاقكم وتحرركم واستعادة حرياتكم وحقوقكم وأنسنه وجودكم..
في جولاتي أولويتي في الانتصار للسلام الأهلي والتقدم الاجتماعي وتلبية مطالبكم للعيش بمدن تليق بكم لا بحضائر حيوانات يكمن هذا الانتصار بانسحابكم من خدمة سادة المافيات والنهب والسلب وبتخليكم عن طوابير الانتظار التي وضعوكم فيها إعدادا للذبح في مسالخ الطائفية السياسية التي استغلت حبكم للمقدس أو إيمانكم به.. ولكن المقدس يقول لكم أنتم أحرار وقد كرمكم الله بالعقل لتبنوا وتعمّروا لا لتقاتلوا وتكون قرابيه ذبح ونحر عند كائن من كان…
أتجول بين مجموعات التواصل وبريد الاتصال بكم، لأضع بعض رسائلي ونداءاتي ومقترحاتي.. إنها ليست سوى صوت التنوير يضيء عسى يكشف الحقيقة في لحظةٍ ما لأحدهم فيكون سببا لتحريره من أسْره وإخراجه من طابور التضحية به في قرابين احتفالات الطائفيين وحروبهم المصطنعة المفتعلة
فلِمَ تستكينوا لقائمة ذبحكم و\أو نحركم في حروب الطائفية و لا تكونوا صوتا لأنفسكم وتحرركم وحصولكم على حقوقكم وحياة حرة كريمة آمنة!؟
أوليس أجدى لكم أن تمارسوا نضالا سلميا من أجل عيش ببلد هو بيتكم تبنونه بـ طاقاتكم وقدراتكم بدل تضييع حيواتكم على مذابح المافيات والميليشيات التي نهبت كل شيء أمام اعينكم وقدمتكم بالتسلسل للنحر!؟
أيتها السيدات لا تقبعن أكياس نفايات لمن يتاجر بكم لمتعته الجسدية الدنيئة! لا تكنّ مجرد عرائس حبيسات بيت تُغتصبْن فيه يوميا عشرات المرات!!!
أيها السادة لا تكونوا حماة المجرم ينهب ويغتصب ويقتل ثم يصفيكم بوضعكم في مواجهة بعضكم بعضا لمصلحة قطبين لا علاقة تربطهما بدين وبلا مذهب ولا منطق إنساني ولا قيمة فيها أية قيمة أخلاقية..
ايتها السيدات والآنسات وأيها السادة
انتصاركم بأن تنسحبوا من تلك الانقسامات المرضية وقشمريات المخادعة والتضليل.. لا تغيير ولا أمن ولا أمان ولا سلما أهليا من دون انسحابكم من ميليشيات الاحتراب
ماذا تنتظرون!؟
حفنة دنانير لا تساوي خرقة تمنع عنكم برداً زمهريراً؟ أم  كسرة خبز يتصدقون عليكم بها بديلا عن مرتباتكم المنهوبة لتوضع في خزائنهم وأسيادهم؟؟
ألم تروا كيف أخرجوا كل العملة لبنوك الخارج عندما لاحظوا مشاركتكم في الاحتجاجات السلمية؟؟
ماذا لو ثبتم في ميادين التظاهر السلمي؟
تكنسوا تلك الزبالة التي  تم تلميعها بدمائكم وبأموالكم فيما تركوا طوفان المدن بمياه الصرف الصحي لكم.. فيما تركوكم بلا مرتبات .. فيما تركوكم منهوبين مسروقين.. فيما تركوكم في طوابير لكل جريمة من جرائمهم.. فيما تركوكم لمآربهم ونزواتهم فلماذا القبول بالانتماء لأحزابهم وقادتهم يرتدون أزياء الدجل علنا وهم عراة في فضائحهم خلف أستار التخفي والتقية الكاذبة..
هيا انتفضوا على أنفسكم وتبعيتكم وخنوعكم وتحرروا فليس ياسركم بائس جاهل دجال وانقلوا رسالتي من أول من يفيق منكم إلى آخر مأسور عند مافيات العهر وميليشيات التضليل..
انزعوا عن الغشاوة عن أعينكم فالدين والمذهب والأئمة لا علاقة لهم بمن يقودكم لحتوفكم ولخسرانكم وإذلالكم
ـما أنتم جمهور الحراك المدني فاتجهوا إلى الأسرى في التيارات الأخرى وحرروهم  بالوعي والتنوير وهناك واجبكم الفعلي الحقيقي وليس التحدث لأنفسكم أو التكاسل وترداد اذهب أنت وربك كل منا له مكان ودور فاعل مؤثر ومن مجموع أفعالنا ننتصر للناس وتحررهم


لوحات مزورة



الأخوة الفنانين ومحبي الفن العراقيين الأعزاء

د.إحسان فتحي

     تحياتي.  استمرارا لنهجي بكشف كل عمل فني مزور أراه، أرفق لكم اليوم 6 لوحات مزورة لكل من حافظ ألدروبي، عطا صبري، كاظم حيدر، عيسى حنا،، وإسماعيل الشيخلي. طبعا هي أعمال بائسة ولكن عملية التزوير متواصلة ويجب الحذر الشديد قبل الشراء ودون التوثيق. تجدون التواقيع المزورة على كل لوحة
 






الأحد، 29 نوفمبر 2015

7 مواقف- عادل كامل

7 مواقف


عادل كامل


[1] نزهة
ـ انه لا يخشى أن يؤذيه البرد، ويمرض، ويموت، فتراه يتنزه وحيدا ً بمحاذاة النهر، في هذا الشتاء القارص..
ـ ربما يكون فقد عقله!
سمع همساتهم، فاقترب منهم وقال بهدوء:
ـ أنا لم افقد عقلي، لأنني ـ في الأصل ـ فقدته منذ زمن بعيد...، أما أن تخافوا علي ّ من البرد، فكان الحري بكم أن تخافوا على البرد مني!


[2] لغز
  قبل أن يتوارى في الغابة، سمع الغراب يقول للبوم:
ـ انه صار يعمل مع الضباع...، هذا الجحش!
  رفع رأسه، وقال للغراب:
ـ قل للبوم، إن الضباع هي التي صارت تعمل معي!


[3] عقم
    بعد سنوات طويلة من الصيام، مكتفيا ً بالعشب، الماء، الهواء، واستنشاق رائحة جذور الأشجار...، شاهدوه يبحث عن شيء ما في الغابة...، فسمعهم يتهامسون:
ـ لم يصبر... لم يصمد ... ولم يتحمل ..
   اقترب منهم وخاطبهم هامسا ً:
ـ مع إنني كنت أشارك الجميع الجوع، خلال صيامي، إلا أن أحدا ً من المتخمين لم يلتفت لي...، فسألت نفسي: فهل سيلفت صيامي ـ حد الموت ـ  ضمائرهم...؟
    آنذاك رجع إلى مغارته، متمتما ً بصوت خفيض:
ـ مع إنها كانت قضية شخصية، بيني وبين نفسي، إلا إنني سأكون اسعد بهائم هذه الأرض، لو مكثت لا الفت إلا انتباه هذا الذي ... صار مثل الأعمى، لا يرى أحدا ً،  لكن الجميع يتهامسون:  يتصور إننا لا نراه!


[4] حمل
 سأله الذئب قبل أن يتم الإجهاز عليه:
ـ أخبرناك أن لا تفكر...، وان لا تتكلم مع نفسك...، وان لا ترفع صوتك، فلماذا فعلت، ولفت نظرنا...؟
رد الحمل بمرح:
ـ كي أشغلكم أن لا تفترسوا أشقائي وأهلي وباقي الأبرياء!
وقال مع نفسه، قبل أن يتوارى في جوف احدهم:
ـ وهل كنت سأنجو لو لم أفكر، وارفه صوتي، ولو لم استغث؟

[5] تحقيق
  سأله المحقق:
ـ هل حقا ً ولدت ولا عمل لديك إلا المكر...؟
أجاب الثعلب بهدوء تام:
ـ أتذكر إنني ولدت طيرا ً فاصطادوني، ثم ولدت فأرا ً فمزقتني مخالب القطط وأنيابها، ثم ولدت حملا ً فأكلتني الذئاب، ومرة أخرى ولدت نملة فلم انج من أقدام الدواب، ثم ذات مرة ولدت سمكة، فمزقت الدببة جسدي...، حتى أخيرا ً، بعد أن شبعت من الموت وارتويت منه، ولدت ثعلبا ً، فلم اقدر أن أتخلى عن المكر، فقلت:لعل ذكائي ينجيني...، وها أنا ـ سيدي القاضي ـ بين يديك...، بانتظار أن تقول كلمة العدل!


[6] كلمة
ـ قل كلمة نافعة وسنعفو عنك...
ـ سأصمت، سأصمت إلى الأبد!
ـ أيها الماكر...، نجوت من عقوبتنا، لكنك ستبقى تكلم نفسك حتى تدرك انك اخترت أشقاها: أن تبقى تسمع صوتك حتى تدرك انك لن تقدر حتى على اختيار الصمت!


[7] خلود
سألت الصخرة سيزيف:
ـ الم تهن، الم ْ تضجر...؟
 ابتسم سيزيف وسألها:
ـ وأنت ِ..؟
أجابت الصخرة:
ـ كنت أقول إن لم تسليني أنت، فانا ساجد آخر يرفعني إلى الأعلى، ثم ـ بعد أن أتدحرج إلى الأسفل ـ يرفعني مرة أخرى...
أجاب بصوت خفيض:
ـ وأنت ِ ستجدين ألف ألف ألف سيزيف...، لكن ما ذنب هؤلاء الذين ولدوا في ارض الرمال...، ينثرونها ثم يعيدون جمعها، فلا هم كفوا وكلوا ووهنوا عن العمل، ولا الرمال كلت، أو أصابها الإعياء!
ضحكت الصخرة:
ـ أما أنا فكنت أفكر في هؤلاء الذين سيولدون وليس لديهم حجارة، أو رمال...، فماذا سيفعلون؟
ضحك سيزيف، ورد:
ـ كم تبدو عقوبتنا سلسة، بل شفافة، إن لم تكن مسلية...، لأننا كنا لا نعرف كيف نمضي الوقت، لو ولدنا في مكان لا صخور فيه ولا رمال...، وماذا كنا فعلنا لو ولدنا في حياة خالية من الزمن...؟
ـ آ ..
تأوهت الصخرة وقالت:
ـ آنذاك تكون البراءة قد حكمت علينا بالخلود!
20/11/2015
Az4445363@gmail.com

مسرحية نجمة أم الذيل (المذنب هالي)-طه سالم

http://www.4shared.com/account/home.jsp#dir=EwCcF *
لتحميل المسرحية انقر على الرابط في الاعلى*
مسرحية
نجمة أم الذيل
(المذنب هالي)

طه سالم

هناك اعتقاد شعبي عندما تظهر ( نجمة أم الذيل ) هي نفس الاسم العالمي ( المذنب هالي ) .......... نذير شؤم .. إذ نعتقد بنزولها
تحمل معها الشياطين ، وهذا بدورها تقتل وتميت كلما هو حي من زرع وضرع وبالأخص الأطفال تصيبهم بأمراض قاتلة ، ولهذا السبب تراهم يضعون حيواناتهم تحت بنايات مسقفة وكذلك تراهم يطلون وجود أطفالهم بأصباغ ذات ألوان غامقة ليدخلوا به شر ما أتت به هذه النجمة ....

                                       طه سالم  

في ذكراه- عبد الستار ناصر .. جهد ابداعي وروح متمردة ... وضياع في متاهات الحياة ...مؤيد داود البصام




في ذكراه


عبد الستار ناصر .. جهد ابداعي وروح متمردة ... وضياع في متاهات الحياة ...
مؤيد داود البصام
مقدمة توضيحية
بغداد مدينة رائعة ، لعلي احبها لانها مني وانا منها ، زرت مدناً كثيرةً ، وعشت وقابلت اشخاصاً اكثر ، لكني احس في بغداد الاشياء تختلف والاشخاص غير الذين قابلت ، مدينة عجيبة كما هي المدن العظيمة ، فيها من التناقضات والتضادات والاشياء الغريبة ما يغجز القلم عن وصفها ، فمهما تحدثت ، ومهما قلت ، فانك ستبقى ضئيلاً امام عظمة هذه المدينة واهلها ، احببت دمشق وشوراعها وعبق ماضيها ، وانتشيت في القاهرة واحتضنت قممها وصعاليكها وتاريخها ، واحسست الدفء والعشق في عمان وروابيها ، إلا ان شخصيتي ووجودي يتكاملان مع نفسي في بغداد ، اشعر بالغربة في كل عواصم العالم ، إلا في بغداد غربتي لها لون آخر ، غربتها عشق ومحبة ، وعبد الستار ناصر واحد من عجائب بغداد وطرقاتها المحفورة بالذاكرة ، كلما امعن في البعد والهرب ، ظهر يلمع ويتلجلج ، وفي زياراتي لمدينة عمان ما بعد احتلال العراق ، حيث ارمي بثقل احزاني في دروبها التي عشقتها ، واحن اليها ، هذه المدينة التي يوازي وشائج التصاقي بها ما في داخلي لبغداد ، منذ ان عاصرتها مدينة لها حدود وازقتها اين ما سرت تحتضنك ، ويشعرك الجالس والسائر من اهلها بالدفيء ، رأيتها اخيراً مترامية الاطراف بلا حدود ، ازقة جامدة خالية والريح والبرد يغزو طرقاتها الجديدة . لكن حميمية اللقاءات في مقهى السنترال ، احد الامكنة التي امتصت شحناتي الكهربائية ايام زمان ، للقاءات نكهة وطعم تعوض عما آالت اليه المدينة الجميلة التي دخلت الحضارة ونست خلفها الاصالة .
في مقهى السنترال التقي عادة الاصدقاء ومنهم صديقي العجيب القاص والروائي عبد الستار ناصر ، وفي كل مرة يخجلني بكرمه ، يسارع لإهدائي آخر إصداراته من الكتب ويرفقها بمجموعة من الكتب والروايات التي صدرت لكتاب اردنيين وعرب ، ويتجشم عناء التوسط لأستحصال خصم مجزي للكتب التي اشتريها من المكتبات في وسط عمان ، ارتبطنا بصداقة متباعدة المكان منذ ستينيات القرن الماضي ، فقد قضيت السنين من نهاية الستينيات لنهاية سبعينيات القرن الماضي في سفر وترحال ، وعندما عاودت الاستقرار في بغداد اواسط الثمانينات ، بدأ غياب عبد الستار يطول ليس كالسابق رحلات قصيرة وعودة ، لتصل الى القطيعة في التسعينيات بعدم العودة ، وفي آخر زيارة لعمان أهداني كتابين ، الاول مجموعة مقالات وآراء (سوق الوراقين) والثاني رواية باسم (على فراش الموز) لا انكر اعجابي الشديد بشهادات عبد الستار ، كنت حريصا على حضور اي جلسة يتناهى الى سمعي او تأتيني دعوة لسماع عبد الستار يلقي بشهادة ، كنت افرغ نفسي حتى في اشد مشاغلي للذهاب ، والاستماع اليه وهو يطربنا بسحر بيانه الذي ينداح وهو هائم بحماس منقطع النظير ، وتسمع نغمات الموسيقى تنبع من الحروف والكلمات وشجى غرناطي ما بعد عهد (الصغير) يلف الكلمات والجمل بغلالة من الحزن المهيب ، هذا هو عبد الستار حينما يلقي بشهادته ، التي ما غبت عن واحدة منها ، وما لا اخفيه ، لم اكن اهتم كثيرا بقراءة قصصه ، فهو في رأيي قصاصاً يتناول موضوعة الجنس من دون ان يوظفه في قضية ، وهو السبب الذي جعلني طيلة هذا الوقت لم اكتب عن اعماله .