السردية التعبيرية الشعرية
رشا السيد أحمد
( نقد في ولادة المدرسة السردية التعبيرية
الشعرية العربية )
التعبيرية في الفن التشكيلي
التعبيرية في الفن التشكيلي نشأت بعد عدة
مدارس فنية سبقتها كان آخرها المدرسة التأثيرية ,و تلتها التعبيرية مباشرة وهذا
يعني أنها اسّتقتْ منها وكونت نفسها بفكر جديد وتشكيل جديد مختلف عما سبقه من
مدارس . وفكرتها تقوم على محاكاة الواقع
الخارجي وتأثيره في النفس وانعكاس هذا التأثير على العمق الفني , والحسي الشعوري
في أعماق النفس البشرية للفنان لتعيد نفسها للخارج بكل تأثيرها القوي على المتلقي مستقطبا
في العمل , قوة التأثير الداخلي ومساحته على طبقة الشعور بحيث تنعكس بانفعالية قوية .. لا تشبع إلا بألوان جد قوية ومسخ وتحويل
للشكل الأصلي , بشكل يعبر عن قوة التأثر الداخلي , يتضافر فيها اللون الكثيف وتصنيع
الخطوط حسب إحساس الفنان ، على أن تترك الخطوط أحيانا , حرة طليقة كما يشعر بها
الفنان مكونة الشكل العام من تضافر الفكرة العميقة واللون القوي والخطوط المعبرة ,
وبالتالي التشكيل الهادف والحامل لرسالة ما , تقوض كل ما يمكن أن يحطم قيم المجتمع
ومبادئه وسلامه .
نجدها متمثلة بقوة عند " فان غوخ
" van Gogh وهو أشهر ممثليها في الرسم ، في كوكو شكا Kokoschka وفي المسرح
جورج كايزر Kaiser وبرتولت بريشت Bercht ويوجين
أونيل O'neill، في السينما شتراوس Strauss في الموسيقا.
إذا هي نهضة فنية
متمردة على كل ما يحيطها , أثرت بجميع النواحي الثقافية من تشكيلية وأدبية
وموسيقية لتكون اتجاه رائع يبحر في العمق الفكري للإنسان , يتلمس به تأثير العالم
الخارجي , في مستويات الفكر العميق وفي مستويات الحس الإنساني وما أثرت به الحضارة
وتطوراتها الاقتصادية والسياسية والبروجوازية التي نشأت بقوة مع التقدم التكنولوجي
الحديث .
التعبيرية في الأدب
إذا المدرسة
التعبيرية هي تلك المدرسة الخاضعة
للتأثيرات المحيطة والتي تنصب في داخل النفس وانعكاسها بشكل انفعالات فطرية قوية
تحدث تغير في الخطوط والألوان وأشكال التشكيل الواقعي , لتصبّه في قالب يمثل
تواجده ورؤيته التصويرية , والحسية في العمق الشعوري للفنان ، ومنه انتقلت هذه المدرسة من الفن الألماني إلى
الأدب الألماني إلى أوربا كافة , بحيث راحت تشكل القيم والمبادئ المعنوية أكثر من
نقل للواقع بشكل مباشر .. فهي ترفض مبدأ التصوير الواقعي الأرسطي أصلا .. ترى
العالم في اللوحة حرا طليقا بلا قيد أو قاعدة طبيعية تقيده , على اعتبار أن هذا
الحراك الحر للخطوط والألوان وتشكيلها الفطري , يكون أكثر تأثيراً في الفضاء
البصري للمتلقي , وأكثر وقعا في النفس كتلك الصدمة الفنية التي تحدثها رؤية غريبة
, بكل ما فيها داخل النفس البشرية .
إذاً هي عملية
إيقاظ قوية لداخلنا البشري وإبلاغ رسالة ما . امتدت من عام 1910إلى عام 1925 بقوة
لتبقى ممتدة بعد ذلك بدرجات متفاوتة . وقد انطلقت هذه الحركة من ألمانيا إلى باقي
الدول الأوربية . وقد تأثرت الحركة التعبيرية في ألمانيا أسلوبيا بالكاتب السويدى
" أوجوست سترندبرج " والشاعر الأمريكي " والت وايتمان " والذي
يعتبر مبدع قصيدة أمريكا الحديثة والمحدثة ، وامتد تأثيرها خارج ألمانيا ، ففي روسيا مثلا نجد تشابها كبيرا بين التعبيرية
ونظرية " يفيجين فاختانجوف " المعروفة باسم " الواقع الخيالى
"
والتي تنتصر
لمبدأ تشويه الواقع كوسيلة من وسائل الإبداع والخلق، وترى أن هدف الفن الشرعي هو
التعبير عن مشاعر الفنان بدلا من محاكاة الواقع والمحيط الخارجي .
أما في بحث المضمون , فقد استند الأدباء
التعبيريون إلى الأدباء الروس مثل ليو تولستوي ودستوفسكي. كما أثرت الأعمال
الشعرية للشاعر الفرنسي رامبو "الإشراقات" وديوان الشاعر الفرنسي بودلير
"أزهار الشر" بشكل حاسم في الأعمال الشعرية المبكرة لعصر التعبيرية
أهداف التعبيرية المباشرة
من أهم ما تسعى
إليه هذه المدرسة
1 ـ الثورة على
مجتمع تسوده قيم مخاتلة , لا تحقق السوية الاجتماعية للجميع
2 ـ انتقدت بشدة
التطور التكنولوجي والوضعية بالعلوم وما قد ينتج عنها .. حيث انفجرت الحرب
العالمية الأولى نتيجة لكل هذه التطورات التكنولوجيا والسياسية الخطيرة , التي
أرادت الإستيلاء على العالم لتضخيم برجوازيتها وقوتها العسكرية ’ وبالتالي هيمنتها
العالمية
3 ـ ترى أن
الإصلاح العام للمجتمع يبدأ من الخلية الأولى وهي الفرد (إن العالم سيصبح صالحا فقط عندما يصبح الإنسان
صالحا) "ك. بينتوس "
4 ـ أدباء
التعبيرية همهم الأول والأخير هو المضمون والإرادة الشخصية والموقف الأخلاقى للفرد
وللمجتمع ككل
5 ـ الانعكاس
الداخلي للفنان , وللأديب , ما هو إلا صورة قوية جدا تنبثق مستفزة من العمق
الشعوري , الصوري , والمعنوي والأخلاقي في الداخل للخارج مثيرة المتلقي للتغير
الخارجي بعد هزه من الداخل وإيقاظ القيم الجميلة فيه ،بعكس المدرسة التأثيرية ,
والتي كانت نتيجة للتأثيرات الخارجية . إذا هما على النقيض تماماً , منعكسة من
الداخل للخارج وهنا الفرق .
وبينما المدارس
الأخرى قد تهتم بدقائق الأمور كالمدرسة الانطباعية نجد أن التعبيرية , حالة حسية
وعقلية وشعورية تتكون في المراجل الداخلية للحس , وتنصب على الجزء المهم من الحدث
, لتسكبه قويا في بقعة ضوء واضحة , وجلية حسبما تحسه وتراه وتحب أن تراه لتغير
المجتمع للأفضل . وانصب الأدب والفن على مجريات العالم الواقعية , بكل قسوته في
الفن والأدب, لتنعكس رؤى لنهاية العالم , والطوفان ويوم القيامة وما أبقته الحروب
في النفوس والواقع من ألم وخيبات وقنوط .. فقامت بتشويه الواقع , تشويها صوريا
كبيرا حسبما رآه الفنان والأديب حتى يبدي مدى تأثره الداخلي .وقد حاول النازيون
إزالة هذه المدرسة كونها مدرسة مشوهة لما في الواقع .. لكنها ظهرت بقوة بعد عام 1945 .إلى 1950 ،لتمتد
فيما بعد للعالم اجمع وأصدرت الحركة التعبيرية عدة صحف منها: "العاصفة"
نسبة إلى لوحة فان كوخ العاصفة و" الفعل" اللتين صدرتا في برلين، وصحيفة
" الثورة" في ميونخ و" المسرح" و" الأوراق البيضاء"
في لايبزج من أشهر روادها في الأدب أذكر منهم . إرنست بارلاخ ،جوتفريد بن ،جورج
هايم ،جورج كايزر ،إلزا لاسكر شولر ،لتمتد فيما بعد إلى أمريكا بصورة التعبيرية
والتعبيرية التجريدية .....والتي أثرت كثيرا في حركة الشعرالأمريكي , والأدب
الأمريكي بكل مبادئها وتصوراتها وأهدافها وهنا مقال آخر يفرد ذاته .
وهكذا امتدت
التعبيرية بكل فكرها , لتنشأ فيما بعد ذلك التعبيرية الجديدة الحديثة متمثلة بفكر
هادئ في معظم الأحيان وشكل جمالي يصبه الفنان والأديب في لوحات أدبية وفنية وشعرية
فمن " استشراقات رامبو " وقصائد بودلير " أزهار الشر " التي
تأثرت بها أيضا , التعبيرية امتدت هذه المدرسة الأدبية التعبيرية الجديدة لتنبثق
بأشكال حديثة .
وفي الوطن العربي
أجد هذه الحركة قد تأثر بها كثر من الفنانين والأدباء والشعراء حتى امتدت لعصرنا
الحالي لتنبثق لدينا (التعبيرية السردية) في الشعر لتشكل معنا قصيدة نثر بثوب جديد
فيها من مقوامات الفن الصوري والتشكيلي والشعر والرسالة القوية ,
بتمازج هادئ جميل تارة وتارة يتعالى النبض حسب حالة الشاعر الانفعالية
وحديثا نراها
بقوة تنبثق في
1 ـ أشكال
تعبيرية في الشعر
2 ـ سردية شعرية
تعبيرية رشيقة , تكون لوحات شعرية ايحائية مرمزة مكثفة ترمي لهدف داخلي غير ما
تعكسه اللوحة الخارجية , أشبه بشيفرة داخلية للحدث المسرود , على المتلقي أن يبحث
عنه ويستنبطه من اللوحة أمامه :
نجدها في شعر
الناقد د . أنور الموسوي
(في البركة
الجريحة )
" ظلّ أنا و
مرآة شاحبة ، أنثر ألمه المرّ في كلمات غريبة ، ذلك النحيل الذي تدمي الصخور
ركبتيه ، لقد اعتاد السير عليهما نحو البركة الجريحة بحبرها
الأحمر تدوّن
جراحه "
هنا الاستعارة ..
انتقلت من الصورية المعتادة إلى استعارة بانورامية , تحيط بالحدث وتقدمه باستعارة
سردية , بصورة تعبيرية حديثة ، استخدمت الصورة الشعرية , كدلالة بعيدة المدى مكثفة
أشبه بقطعة موسيقية مترامية الأبعاد رغم صغر حجمها , هادئة تعطينا تصور داخلي مكثف
عن الحدث .
فالصورة الشعرية
, تحولت من صورية عادية إلى استعارة منسابة مظغوطة , في وحدة صغيرة كاملة برسالية
محددة وموجهة وهادفة .أحياناً قد تكون كتلة واحدة كما في النص السابق , أو أشطر
منسابة كما سيأتي معنا ....و بتبنى السردية التعبيرية الشعرية , تنبجس أشبه بلوحة
تدفعك للتفكير في مرماها الداخلي المتفجر
ـ و السردية
الشعرية الحديثة لا تتبنى التشويه الخارجي للتصوير , كما كان مفعولا به في بداية
التعبيرية .
ـ هنا مدرسة عربية
حديثة , تنبثق بجمال السردية التعبيرية الشعرية الحديثة لو عدنا لقراءة النص نجده
أشبه بسردية القصة التي ترتب أحداثها المتفجرة من المستوى الأول للعرض لتنتقل بنا
إلى المستويات الباقية للحدث قال د . الموسوي ( ظلّ أنا و مرآة شاحبة ) أبتدأ
الحدث بجملة مظغوطة يتابع السرد نتوقف بالتساؤل عنها علينا النظر إليها من الداخل
وليس فقط من الخارج ففي الداخل الشيفرة المعنية للإرسالية
الحدث الثاني وهو
( أنثر ألمه المرّ في كلمات غريبة ) أجد هنا الانفعل قوي يتشحه الهدوء , يدعوني
للتأمل لما تريد أن توحي إلي به الجملة الثانية , هناك حالة من التفاعل التصاعدي
تتكون لدي المتلقي تتصعد معه مع الخوض بالنص للنهاية
ونجدها أيضا عند
الشاعر العراقي الناقد الأستاذ ناظم ناصر القريشي في معزوفته الجميلة
روح مهجورة تصفق
فيها الذكريات ...
والريح ...
أعشاش من الخوف
والشجر الشاحب
البعيد عن النجوم
يسأل الريح
التي تمارس
متعتها اليومية
تتأرجح بصرير
الأبواب
هل رأيت الروح
المهجورة تصفق فيها الذكريات ؟ّ
أنها لوحة كاملة
متكاملة قدمت موضوع روحي في سردية تعبيرية رشيقة جدا تستوقفك الإستعارة , بين طيات
الحدث السريع وهو يرسم المشاهد واحدا تلو الآخر ولكن بنفاذية عميقة , ومكثفة جدا
لا تجعلك تجيل بصرك هنا أو هناك أنت تركز فقط على ما قدمه الشاعر , من حدث
بإنزيحات حداثوية تستجمع الذات في داخل الجملة , لتعكسها بناء آخر يستفز المتلقي
فبناء الجملة هنا
يختلف عن بقية المدارس الأخرى , هو ذاك التكثيف العميق أن فككنا الشطر الشعري سنرى
ذلك (روح مهجورة تصفق فيها الذكريات ) " روح " .. شخصية الحدث , "
مهجورة " , صفة الحدث ," تصفق " , صفة ثانية , الذكريات .. تكوين
داخلي استمد بعده من المحيط الخارجي لينصب قويا عميقا في الداخل . ليخرج كما رأينه
ـ مكثفة جدا ( مميزات قصيدة النثر الحديثة ) تضعك مباشرة في قلب الحدث ولكن ليس
الظاهري , وإنما تدفعك دفعا للوقوف والتفكير بالمشاهد الظاهرية الموصولة للترميز
الداخلي للقصيدة .. هو لمس دواخلنا بالإيحاء والتشكيل , هنا حراك متبادل "شعر
لا يحركنا ليس بشعر "
لم يعد الشعر
الحديث ذاك المشهد الجمالي فقط , أنما هنا ابتكار آخر بطريقة العرض وتقديم الرمز
والتكوين الداخلي والخارجي وتعانق الشاعر وتفاعله العميق فيما يقدم من قضية محورية
تتمركز في الخارج منصبة للداخل تقول ما تريد بطريقتها حيث ترى النور البعيد و
تحركنا
1ـ للتأمل
2 ـ للبحث
3 ـ للتقصي
4 ـ لإيجاد الحل
وللتغير والتفاعل ( هل رأيت الروح المهجورة تصفق فيها الذكريات
والريح ...
أعشاش من الخوف
والشجر الشاحب
البعيد عن النجوم
يسأل الريح
)
وهنا استقدم جزء
صغير من قصيدتي ( زهرة النرجس ) بحيث يشكل لوحة سردية تعبيرية فيها إسقاط تاريخي
بعيد لصاحب أول ملحمة شعرية في التاريخ كلكامش , لتأتي اللوحة أبلغ بكل مكوناتها
تستقطب في داخلها الحدث مع كل التفاصيل السابقة
" ما زال
كلكامش ينسج الحلم ممزوجا بتشظي التراب
ينهض من صلصال
الجسد .. حلم زهرة
يلتمس وجه الآلهة
القديمة العتيقة .. علها تريح مداه "
هنا معنى خاص
كشيفرة خاصة بالشاعرة ومعنى عام يتطرق , لشخص الفارس العربي الباحث عن زهرة الحياة
رغم كل الأهوال المحيطة به .." ينهض .. من صلصال الجسد .. حلم زهرة "
محاولا إنقاذ الحياة حوله مهما أظناه الأمر أنها رسالة موجهة أنها استفزاز للمتلقي
ليعاني مع الشاعر , ويتلمس محيطه وما ينعكس على ذاته , ما يتفجر داخله ..هذه هي
وظيفة كبيرة جدا لتحريك أعماق المتلقي للوصول لجو من السلام الداخلي والخارجي
وعند د . سجال
الركابي
تقول : حين يشتعل
المطر
يوقد روحي
الغافية
لكنها "
ثمبلينا "*
لا تتوقف
تبحث عن ملجأ
وروحي وسعها
الأشجار والمطر .
ثمبلينا
فتاة الزهور طولها لا يتعدى بضع سنتميرات
من ابتكار مؤلف
قصص الأطفال هانز كريستيان اندرسن .هنا منحى آخر للتعبيرية , بكل ما سبق مع تناص
لشخصية قصصية أدبية معروفة وهي ثمبلينا بكل أبعادها وما تعنيه ،القصيدة لوحة صغيرة , تكاملت بها أبعاد السردية
الشعرية المتأملة ببهاء آخاذ
ونجدها أيضا عند
الشاعر العراقي كريم عبد الله
في قصيدته
مزاميرٌ تناكدُ عذريتها نقتطف منها جزء
( كثيراً ما
تسألُ أزهارُ شرفاتها العالية : هل مازالَ يحبّها ذاكَ المتولّهُ للآنَ ويتراكمُ
في روحهِ عشقٌ حدَّ الجنون ..؟ ولماذا حبّاتُ البَرَدِ كلّما تتساقطُ تكسّرُ
أوراقنا الفتيّة )
أن السردية هنا
اعتمدت التباثق الصوري والفكرة القوية التي تطرق الحدث بقوة منذ البدء فبدأت
بالسؤال
" كثيرا ما
تسأل أزهار شرفاتها العالية "
كثيرا .ما تسأل .
أزهار . شرفاتها . العالية . أنها كلمات توحي منذ البدء وتشكل تلك اللوحة الصورية
التعبيرية بألوانها الزاهية عبر الأزهار , وتنضدها في الشرفات العالية
تثير لدينا
التساؤل لنتتبع الحدث من أول كلمة , في موسيقا هادئة تنساب مع تدافق الخطوط والأفكار
ونبحث عن الشيفرات المحملة مع الكلمت المنسابة .
نلاحظ أن تراكيب
الجمل الشعرية هنا , تتخذ أسلوبا آخر غير
غير الطريقة
الإعتيادية في التعبيرية القديمة والقصيدة النثرية الحديثة .. وهذا ما يعطيها
نسقها الحديث في توالده الطازج
الشعر أن لم يغير
فينا شيئا .. أن لم يجعلنا نتفاعل معه ومع الوجود . فهو لا يتعدى كلمات وصفية ,
أنها مسألة تعمل على التأثير في الحس العميق منا ..
أن التعبيرية هي
مدرسة التأثير المباشر في العمق للتغير .. مدرسة تفتح آفاق المتلقي , ليدخل
القصيدة مع الشاعر لأعمق نقاطها هي ليست مجرد عناية بالصورة واللون الصوري ,
ومداخلة خطوطه والنسق العام وسيمائية التراكيب الخارجية كل على حدا , هي بناء كامل
للشعرية في القصيدة النثرية السردية التعبيرية بناء من الداخل والخارج ورسالة ترسل
للخارج
و هي تكاتف شعري
وصوري ولوني وخطي وتشكيلي شعري لبنى القصيدة وموسيقا تتباثق متبلورة من داخل
التكوين العميق ..فالتأثير التعبيري حسي ومعنوي وروحي , لمسه شعراء التعبيرية وليس
مجرد صور شعرية تقدم .. هنا وظيفة لخلق مجتمع جديد بكل ما فيه من قيم جمالية وحق
وإصلاح . هي ثورة حقيقية أبتدا من تأثرهم باستشراقات رامبو الرائعة وبودلير "
أزهار الشر" .. والتي هي لوحات تهزنا بعنف وتجعلنا نقف أمامها مشدوهين
بكل تكوينها
القريب , والبعيد فالصورة هنا مهمة جدا في التكوين لكنها جزء من العمل المتكامل
فكما أقر علماء
النفس بالمستوى الشمي والسمعي واللمسي والذوقي .. فانهم أشاروا أن التكوين الصوري
لدى الإنسان ولدى الشاعر والفنان والمبدع , ما هو إلا عملية عقلية تتم في العقل
الباطن يفتح فيه أجنحته , ليحلق بعيدا جدا .
لكن هنا تتم
العملية من منطلق موجود , إلى ما هو غير موجود وبشكل موجه وهادف بشكل فطري تعبيري
كثيف , ينطلق بالأرجاء الرحبة ليحقق ذاته رغما عن هرطقة الكون التي ينأ عنها بنفسه
. لقد أضحى الشعر مسألة تقويم للمجتمع , وليس فقط معنى جماليا .
إذا التعبيرية
لوحة كاملة متكاملة يحق لنا دراسة أجزائها كل على حدة لتصل بمفهومها التشكيلي
الشعري الى حيث تريد .