الجمعة، 29 مايو 2015
الخميس، 28 مايو 2015
حوار القاص قاسم فنجان، بين انزياح الحضور وحضور الغياب- عايدة الربيعي
حوار
القاص قاسم فنجان، بين انزياح الحضور وحضور الغياب
عايدة الربيعي
((لماذا نكتب القصص ؟ ولماذا يكتب الكتاب قصصهم ؟
هل لان لدينا او لديهم ما نريد أو ما يريدون قوله.
او هو الدافع الموازي للسبب الأول، هو الرغبة في الاكتشاف.
إذن ستكون الكتابة في احد أهم محركاتها هي الرغبة في الاكتشاف فعبر القصص بإمكاننا أن نختبر الأشياء والأفعال، أن نحمل الجمل بأفكارنا وتجاربنا، وفي عملية الكتابة القصصية نبلغ مرحلة فهم أعمق للعالم) للناس ولأنفسنا.))*1
..........................................................
تعودنا أن نصغي بأسم الجراح بلا أصفادـ نصغي بلا خوف ولا اندلاق الرقاب كان يرعبنا لأننا نمتد شخوصا في دراماه وربما في إحدى نصوصه نضع أيدينا فوق قلمه فنصافح روح قاص ماهر يتلاعب باللغة بمهارة ومرونة ليقربنا من الجو العام للقصة عبر الزمان في دهاليز من وجد واشواق في مكان ما. الحداثة اسلوبه او مابعد الحداثة،هي نتاجات بدلا من شكل القص التقليدي المستهلك،ترويك للوصول إلى إحساس قوي معه خلال قراءتك وعليك أن تكون قارئا متميزا، حريصا ودقيقا كي تنادي لمحته وتلك احدى مهاراته. يمشي بك وانت حي تصفق عند انتهاء العرض حتى يهجرك لأنه يعشق الموتى يسمع وقع الموتى وبكاء الام وعشق الحبيبة وكل تلك ذنوب و مشاهد او فكرة لأحساس مباشر او مؤثر في دراما نصوصه، يحب الشعر بل يعشق القصيدة النثرية وان كان مقلا.
استردينا بعض العافية في ذاكرة باتت تتلاشى لأيام الزمالة الدراسية في أكاديمية الفنون الجميلة، كان حوار من فاكهة و دفئ من السرد الجميل فتحنا من خلاله بوابات التذكر والحديث ووضعنا رؤوسنا المتعبة على حافة الفرح والحزن الأبيض وقرأنا سوية هذا الحوارفي دائرة من حلم حاضر تحاصرنا فيه الاسئلة فألتقينا بأنسانيتنا بضمير عراقي، هنا تجلت لغة هذا الحوار بين انزياح الحضور وحضور الغياب .
بين المسرح والقصة اقترن اسمه ولم يضيق بهما قط ،أدمن الكتابة بأسلوب أدبي لم يتأتى من الشكل الوظيفي فقط ،بل تعداه ليفيض شعرا ورسما في حنين الكلمة و بلاغتها مقتربا من نخبة القراء .لايقف عند اختيار الفاظه بل يختزل القارئ ويدمجه مع مفردته المنتقاة من اختزال نصوصه ذات السبغة الشعرية لتنساب الى اذن القارئ ،حقق الكثير من النجاح في المسرح، قبل و بعد 2003 حيث شارك في اغلب المهرجانات المسرحية القطرية ،التي اقامتها مديرية النشاط الرياضي والمدرسي في وزارة التربية، وأحرز المراكز الأولى على مستوى النص والعرض ،انحنى ليكون قريبا جدا من الطلاب في المسرح المدرسي عندما شيد جسورا وطيدة بينه وبين المدارس،كان استاذا تربويا ناجحا ومؤلفا وانسانا مبدعا يمتلك جمالية الصياغة اللغوية، ينتقي مايشاء بخصوصية وحضور واضحين، يتوغل في اعماق نصوصه حتى يدخل اغوارك لتتماهى معه وكأنك احد أبطال دراماه. كتب المسرح واشتهر قاصا في مدينة الحب والتلاقح الثقافي الانساني كركوك ،ولد فيها عام 1961 .
حامل لشهادة البكالوريوس / سينما / كلية الفنون الجميلة / بغداد 1985/1986حاور الزمن والوقائع في زمن اللا حوار قام بتشخيص مكان الوجع العراقي حتى صارت القراءة عنده رغيفه اليومي وعشقه اليومي وحزنه اليومي ،كان ومازال حرا في كتاباته لم يملى عليه احد ولم تؤدلجه سلطة او حزب رغم إن الأحداث كانت تنساب من حولنا في زمن توشّح بالمفاهيم السياسية ادى بالكثيرين للأنجراف في تيارات الطلاسم السياسة لكنه ظل يكتب عن المعنى الحقيقي للوطن، للمرأة، و للكلمة في مفهوم العمل الإبداعي فكان مسرحيا جادا وقاصا بارعا هدوءه و قلقه ينتهيان مع انتهاء نص يشتغل عليه وما ان ينتهي حتى يكاد يبدأ ليتكاثف في وعي حضاري بليغ في معناه لنص اخر. كان الأكثر اقترابا من هموم الناس،والأدق ترجمة في نقل احاسيس الفرد العراقي. نشرت اعماله في معظم الصحف والمجلات الكركوكية وعلى الشبكة العنكبوتية لانراه الا وقد اقتص من الزمن حدثا حتى انتصر عليه، تكاثر كالسنابل بقلقه وطموحه حتى صيّر خارطة لمسرح تمتد من كركوك الى بغداد و مالمو و بروكسل.
له في المسرح
فراديس : فازت بجائزة أفضل عرض ونص في مهرجان منتدى المسرح العراقي عام 2000/ إفتراضات واهية : عرضت على المسرح الوطني ضمن المهرجان العراقي للمسرح عام 1995/ دم البرتقال : عرضت على مسرح المنتدى العراقي عام 1997 /قيامة النار/حكاية الامس الحزين : فازت بجائزة أفضل نص في المسابقة المسرحية لوزارة التربية عام 2006/الآخر/السرير الخامس: فازت بجائزة أفضل عرض في المهرجان المسرحي الطلابي عام 2008 /واطئة تطير النوارس/وداعا ايها الجنرال/ترنيمة الغياب /العرض الاخير/ ماذا لو عاد الحلاج / أخبار عائلية فقط : فازت بجائزة أفضل نص في مهرجان المسرح الشبابي عام 1992/ جثة في الجوار/مملكة الموت والعسل: فازت بجائزة أفضل نص في المهرجان المسرحي للمشرفين والمدرسين والمعلمين عام 2009/موت اليعاسيب عرضت في بلجيكا والسويد
وله أيضاً :
1. (مخطوطة مراثي الغياب ، اثنتا عشر مرثية ) قد رثى فيها مبدعين ماتوا في كركوك ،الكثير من الاصدقاء، ياترى ..هل كان يتهم الموت بموتهم؟ا أم انه يأخذ افادة موتهم؟
2 .قيامة النار ، مخطوطة قصصية تحت الطبع .
3 .الوصية ، مسرحيات للأطفال تحت الطبع.
،(لفّ حبل حزنه المتين على قلب أيامه المهترئة ، شدّه بقسوة فانهار أولاً ومات أخيراً ، مات ولكنّه لم يمت كما يموت الآخرون)*2
بين صدق المطابقة للواقع و صدق الوجدان والإحساس تخرج بنا نصوص قاسم فنجان إلى قيمة إنسانية خاصة تجعلنا نتسائل بصوت يدوي في قلاعه الخاصة الخاصة حد قربنا من خوالجه او قاب قوسين وفي حوار طيب طيبة الجنوب امتد الى تلك الفراديس بين استنزاف الروح واحتضار اليعاسيب في نظام سردي استقرأنا من خلاله ملامح تصيّر الاشياء الخاصة به مابين انزياح الحضور وحضور الغياب وماشطح منهما في افق الكتابة.
يقول أحد الكتاب:
(أن الأمة العربية لا ينافسها غيرها فيما صاغت من قوالب للتعبير عن القص والإشعار به، فالعرب هم الذين قالوا من غابر الدهر: " يحكى أن ... وزعموا أن.... وكان ياما كان.. " إلى آخر هذه الفواتح التي يمهد بها القصاص العربي في مختلف العصور لما يسرد من أقاصيص، لذلك فالأرجح أن فن القصة له جذور عربية أصيلة فلم يكن وافدًا إلينا كله من الغرب دون وجود أية جذور عربية له في بيئتنا) س1- جهدك يتركز على صنع عالمك القصصي الخاص،ذلك العالم الذي ينبض بحقيقة لها ضوء الشمس وظل الشمس،لك طريقة في الكتابة تنساب بذاكرة لها فضائها في افق تشترك فيه الحقيقة والغياب؟ ما الكتابة في رأيك و ما تأثير سحرها على القارئ ؟
وردت في لقاء لي ذات يوم جملة عرضية،استوقفتني بعد ماقلتها ،كانت الجملة :(كلما أصر على شئ تصر علي الأشياء؟)من هذا السؤال استقرأت بتروي طريقتي في الكتابة و أكتشفت انني مكتوب سلفا وما أدونه على الورق من حكايات لادور لي فيها إلا النقل،هذه قناعة قد يرفضها البعض لكنها الحقيقة التي تسمح لي أحيانا بنُتفٍ من الوعي أشركها في غياب الحال الكتابي لأحذف هذا او أضيف ذاك ،الكتابة افق تصوفي عجيب من أعراضه إنزياح الحضور بالغياب في روح الكاتب حيث يستقدم المبدع من جراء ذلك الأنزياح نصه الغريب بعد ان يفك إشتباكه أولاً مع سيل الدفاعات التي تتحصن بها الحكاية المكنونة في الباطن،لذلك يحل الشطح ويأتي البيان بأبهى حلة سردية بعد ان يستنزف الكاتب جسده وروحه في تمرين قاس ومخاض أليم من اجل اجلاء روح النص لتحقيق اللذة للكاتب والمتعة للقارئ.
* لغة الحواروبناء النص؟ (اللغة)ما هو أثرها في نقل الفكرة وهي تعلن عن وجودها؟برأيك الكاتب عليه ان يهتم أكثر بالمعنى أم بالأسلوب؟ونحن نراك قد وفقت بكليهما.
ـ اللغة هي القاسم المشترك بين جميع الاجناس الادبية ،انها العنصر الاهم لما تنطوي عليه من اهمية تمضي بالنص الى ضفاف الأمان ،انها تدخل في كل شئ معلنة عن وجودها تارة لتروي الحدث على لسان الشخوص الناطقين بها وتارة اخرى تتمركز ببلاغتها الرصينة وبياناتها الباهرة في بناء السرد،تهب السلاسة والسحر في المفردات المؤثرة لتقود القارئ الى كمين السرد،هناك حيث تتفتح له المغاليق الثابتة في النص لتدرك الذات القارئة روعة المنجز وسحره الآخاذ، لهذا يجب التعامل معها بروية وحذر ،لأنها الشراع الذي يسيَّر قارب النص في بحر السرد ،وهي السر الذي يوسم النص بسرمدية البقاء ،ولنا في تحف التراث الخالدة خير مثال على قوة بقائها وديمومتها الخالدة.
* يقول جوستاف لوبون: " أتيح لي في إحدى الليالي أن أشاهد جمعا من الحمالين والأجراء ، يستمعون إلى إحدى القصص ، وإني لأشك في أن يصيب أي قاص غربي مثل هذا النجاح، فالجمهور العربي ذو حيوية وتصور، يتمثل ما يسمعه كأنه يراه؟وعالم القصة، رغم انه صغير إلا انه مكتمل فالقصة عند ابن طفيل هي سرد مباشر ولها هدف معين من حيث المبنى لابد ان يكون فيها نوع من الوعي الموضوعي، متى بدأت القصة؟
ـ يصعب علينا تحديد تاريخ دقيق لميلاد القصة الحقيقة الا بأقرار مااجتمع عليه اغلب النقاد حول الكاتب الروسي غوغول برائعته الادبية(المعطف) انها القصة الاولى في التاريخ التي استوفت عناصر القص بالشكل والمضمون حيث تعرضت هذه القصة بشكل واقعي ساخر الى انسحاق الانسان الفقير في الزمن الجديد.
*-القص فن وجنس أدبي يتطلب فلسفة ورؤى خاصة يقدم بأسلوب ممتع، لك فيه صبغة خاصة نرى فيه ملامحنا وسماتنا كيف يصل الكاتب إلى المرحلة السامقة.
ـ الروح التي يبثها الكاتب في جسد الحدث الساكن موظفا لها كل مايتعلق بعالم الروح من مشاعر واحاسيس وعواطف ،يوزعها على التقنيات المتيسرة له من حوار وسرد ومونولوج وحلم ،ليبلغ بها الصياغة التي ترتفع بالنص الى مستواه الجيد،اما الحدث الذي ذكرناه، هو حكاية النص وهيكلها القائم في المتن السردي ،يمتزج بالأسلوب داخل بناء متراص الأبعاد ليصلَ برسالة النص ومرادها الى القارئ ،لذلك يضفي الاسلوب هالة من السحر والجمال على الحدث ،فالأحداث ومواضيعها مطروحة في الطريق حسب الجاحظ ، والمحنة تكمن في الاسلوب الذي يبعث الحكاية من قمقمها ليسبغ عليها شرعية القص.
* هل الحداثة في كتابة القصة جاءت كحتمية لواقع مضطرب ومتغير من اجل الأبتكارلولادة جديدة وخرق لنظام مكرر؟
ـ نعم انها الكتابة الجديدة التي تجاوزت النسخ والشروط والضوابط وقفزت على كل ماهو قديم ومكرر، هي نتاج حتمي لواقع مضطرب ومتغير بشكل مرعب يدفع الكاتب للتماهي مع المهمل من اجل ابتكار حديث، يجري من خلاله فك الشفرات السرية لكل ماهو ملغز ومحير في الحياة الجديدة، لهذا جاءت قصص آلان روب غريبة وناتالي ساروت تحمل في شكلها ومضمونها سرداً قائماً على زلزلة النظام السردي القديم وخرق نواميسهُ المطلقة وهكذا جاءت تلك الولادات الجريئة بذاكرة جديدة للسرد تستدعي لفضاءها الجديد كل العوالم الاخرى، الموسيقى مثلاً بأيقاعاتها الهادئة والصاخبة تراها مجازاً تتسلل في متن( النص من خلال مفردات لها جرس ورنين يتوافق بشكل هرموني مع صخب المشاعر وهدوئها الرتيب لدى الشخوص، اما الشعرية فترى انسيابها الساحر في مهارب الروي بلغة تسعى الى ابتكار لغة ثانية تستوعب فيض العواطف وأنفلاتها المجنون بقوالب سردية ضيقة، انها محنة الكتابة التي لن يتم انفراج ملامحها الواجمة الا للقارئ الجيد!.
* للقصة الغربية صياغة خاصة وإطار مرسوم لها، اتخذ مقياس وميزان ،لكن هذا لا يمنع أن يكون للقصة العربية في الأدب العربي صبغة خاصة بها ، وإطار مرسوم لها أيضا؟كانت الرسوم علي جدران الكهوف في التاريخ السحيق هدفها البوح بنوع ما من (القص)، أن يروي ذلك الكائن إحساسا ما أو فكرة آلا نعتبر ذلك جذورا للقص في حضارة سومر؟
ـ اذا اردنا ان نتكلم عن بدايات القصة فأننا سنصطدم حتماً بالتاريخ لان قوام القصة الحكاية والحكاية شفاهية كانت او مدونة فأنها معروفة منذ الازل، تبلورت مع تقادم العصور لتظهر واضحة في كل الكتب السماوية ومنها القران الكريم. لقد وردت لفظة قصة في اكثر من عشرين موضع في القران وهذا يدلُ بوضوح على ان القصة كانت معروفة لدى الاقوام التي سبقت الاسلام والا لمّ كان الكتاب الكريم يخاطبهم بأكثر من قصة ويخصص لذلك سورة كاملة هي سورة (القصص)، لقد ساهم كلام الله في ترسيخ السرد في الذاكرة العربية بشكلٍ كبير وادى ظهوره الى ظهور إرثُ ادبي حكائي متمثل بالمقامات والرسائل والشطحات الصوفية ولولا قوة الرقيب في الشعور الجمعي الذي حال دون ظهور حضارة ادبية لكان يمكن للعرب ان يستلموا زمام الريادة في اكثر من جنسٍ ادبي.
*(إن الثقافة المسرحية الواسعة تؤدي إلى فن مسرحي عظيم.) وعلى الرغم من اختلاف ملامح المسرح العربي الا انه بقىمنبرا ثقافيا ،هل ارتقى بجمهوره عالياً في كركوك ضمن مسيرته الطويلة والحافلة، ؟ هل تخلف ام مازال بعافية ونشاط ؟والى من ترجع اسباب ذلك؟
ـ كركوك تأريخ حافل بمحاولات لعروض متواضعة ابتدأت في ثلاثينات القرن الماضي ثم تبلورت فيما بعد الى عروض مسرحية مهمة في الخمسينات من نفس القرن. لكن ذلك التألق السريع سرعان ماخبا بعد أن أحاطت ظروف سياسية قاهرة بالمدينة وأثرت سلباٍ على ذلك النشاط الجديد،حيث تلكأ المسرح كثيرا واقتصر نشاطه على تقديم عروض فقيرة لم يؤشر مرورها لأي شئ حتى جاءت السبعينات، تلك الفترة التي تأوج فيها المسرح على باقي الفنون لتشهد ساحة كركوك الفنية عروضا مسرحية ساهم في إبرازها مبدعين من قوميات واديان وطوائف مختلفة،هزت الأوساط الفنية في عموم البلاد وحَدا نجاحها الكبير بأرتحال بعض نجومها المتميزين ليشغلوا حيزاً في المساحة الضيقة لمسرح العاصمة بغداد.هذه الاشارات التي أوردتها كانت بمثابة تنبيه الى ان هذه المدينة الباهرة حاضنة لكل ماهو مبدع ومختلف ولولا الحروب والمحن السياسية العصيبة التي تقادمت عليها لأستطاعت تلك المدينة المعطاء ان ترتقي بالمسرح وبجمهوره عاليا الى مصاف مسرح البلدان المتقدمة.
* حققت كركوك نجاح في المسرح المدرسي،كيف استطعت أن تتعامل معه(المسرح المدرسي) وأنت تسمو بنصوص النخبة؟هل كان صعبا على الطلاب التداول مع مفردات النص ومع جدية النصوص؟
ـ ا لمسرح فضاء يغوي الجميع بحكاياته والوانه واضواءة وهو في نفس الوقت منبرا تقافيا تنبثق من فضائه الطاهر حكايات درامية تساهم في استثارة المخيلة وتغييرها. هنا تكمن أهمية هذا النوع الخالد من الفن وضرورته لأكبر شريحة بشرية في المجتمع و هم الطلاب ،حيث الزمنا هذا الأمر بالتعامل معهم بمنتهى الجد والاخلاص بمخيلة تدعو للأفضل لذلك جاءت عروضا مسرحية حازت على المراتب الاولى في العراق وأخص بالذكر منها حكاية الأمس الحزين والوصية والسرير الخامس، لقد نجحت هذه الاعمال ولم تستند في جذرها الى ممثلين محترفين بل كان الممثلون طلاباً وطالبات لم يتعاملوا سابقا مع خشبة المسرح وكذلك الفنيون لم يكن فيهم المسرحي المختص او الأكاديمي المحترف ،لكن الذي تحقق في النتيجة النجاح الساحق و المتكرر في أغلب المشاركات القطرية،ان هذا النجاح لم يأتي من العدم بل من تظافر جهود كثيرة تركت لها بصمات مؤثرة بلغت تأثيرات تفوقها الى اكثر من مدينة في العراق ،لذلك استطيع القول ان المسرح المدرسي في كركوك ساهم في اضافة شئ جديد الى المسرح المدرسي في عموم العراق على إمتداد سنوات عطائه الطويلة .
* كيف كان المسرح في زمن كان الكلام فيه ممنوعاً،هل صمت المسرح الجاد ، في حين كان المسرح التجاري يصرخ بأعلى صوته ؟
ـ عندما تحيق الحروب والحصارات ببلاد ما وتطبق بمخالبها على انساغ حياته الطرية.فأن كل مافيها سيتردى وينهار ويصبح الوضع اشبه بمخاض عسير تتعرض فيه كل الشرائح للأختبار،من تلك الشرائح المسرحيون فمنهم من كبل تجربة عبوره بنصوص كانت محط افتخار له بعد انجلاء تلك الأيام العصيبة وهم " الأقلية الهائلة " على حد قول أوكتافيو باث ومنهم مَن غاص في الرذيلة وأمعن في ارتكابها عندما حول خشبة المسرح الى وسيلة رزق رخيصة يعرض عليها كل مايسئ الى الفكر والذائقة العراقية و للأسف كانوا هُم الأكثرية المرعبة لذلك صار لزاماً على الكتاب أن ينتبهوا لخطورة الحال الذي كان يجر المسرح الى الوراء بعد طوفان المسرح التجاري ،حيث جاء التصدي بقوة لهذا الغزو اللاأخلاقي من قبل مسرحيون معدودون وأظنني كنت واحداً منهم عندما كتبت في تلك المرحلة الحرجة من تأريخ البلاد اعمالاً جريئة مثل إفتراضات واهية و فراديس و وداعا أيها الجنرال و ماذا لو عاد الحلاج الذي منعته الرقابة لعدم السلامة الفكرية .
*هل يسعفك اوكسجين الحياة اذا ما ماتت من حولك المشاعر أو تحجرت وانثلمت افاق الخفق في عالمك السردي؟
ـ ما يسعفني على العطاء دائماً هيَ الحياة القاسية فلاغرابة وانت تعيش في بلد مستعر حينما تتملكك لغة لألفاظها شواط البارود ولأيقاعاتها دوّي الرصاص،فالحزن والموت والشقاء ثالوث مرعب يشغل بالأكراه الحيز الاكبر من فسحة حياتنا القصيرة، ان الكاتب وليد واقعه وما نتاجاته إلا ترتيبات دفاعية تقوم بها مشاعره القلقة لتدرأ عنه مخاوف الموت، ان نصوصنا بيانات غيبية ،فرضتها الحروب والمحن على امتداد حياتنا، لنبوح بها للأجيال القادمة بالسرد ،عنها وعن كوابيسها التي قفزت من عوالم وهمها
* برز الكثير من الكتاب الذين كتبوا النص المسرحي،مارأيك بآخر التطورات التي طرأت على المسرح؟واين قاسم من بين هؤلاء الكتاب؟
ـ اختلف المسرح كثيرا بعدما عصفت به رياح التجديد في منتصف القرن 19 حيث ظهرت اسماء نزعت عن المسرح الأردية الكلاسيكية وألبسته حلة أخرى تتوائم ومتطلبات العصر الحديث،لقد وجد المتلقي نفسه لأول مرة مشاركاً فاعلاً في تحديد مصائرالشخصيات،يشارك في بداياتها ويخطط لنهاياتها والفضل في هذا التحديث يعود الى المنظرين امثال ستانسلافسكي وبرشت وبيكيت وجروستوفسكي وآخرين غيرهم ،أما فيما يخص المسرح العربي الذي طرأ حديثا على ثقافتنا العربية فقد وجد المسرحيون انفسهم في اشكالية البحث عن ملامح لمسرح عربي خاص بهم ،وكان من جراء هذا البحث والاستقصاء إنبثاق أكثر من نوع كالمسرح الاحتفالي الذي توكأ على التراث والجمهور والمسرح الوثائقي الذي تأثر بمسرح بيتر فايس والمسرح العبثي الذي حاكى تجارب اللامعقول في الغرب وكذلك الذهني والتسجيلي والسياسي، لذلك وجدتني وسط هذا الخليط الملون أبحث في تلك المساحات المضاءة عن وجه مسرحي يمثل تطلعاتي فلم اجد أفضل من المسرح السياسي الممثل الصادق والفاعل لكل ماتجيش به مكنونات المتلقي العربي،فكتبت في التسعينات اخبار عائلية فقط وافتراضات واهية وفراديس وكانت جميعها نصوصاً جادة تحمل في متونها مقاربات لأشكال الأضطهاد الذي يرضخ تحت وطأته انسان الشرق العربي!
* لقطات لأشكال كابوسية تخلق حالة من التوتر،مروعة يتزامن ظهورها مع ظهور نص جديد لقاسم حميد؟مانصوصك والكوابيس التي تزاحم لياليك؟
ـ رؤى مرعبة تتطاحن في عوالم الباطن الاسرة ،تبحث عن قلم يقودها للولوج الى عالم الواقع انها تسعى مثلما يسعى كل شئ في الحياة،لذلك نراها تزاحم الكتاب بعد ان ترفع صواري الارق في لياليهم الهانئة ،تربكهم بحضورها المفزع ولن تغادرهم حتى ينقادوا مكرهين لرغبتها والشروع في توثيقها على هيئة نصوص متميزة.انني اخالها شرط ابداعي لن يحظى به الا المحظوظين من الكتاب،لانها ببساطة شديدة الترصد والتوجس بسخاء كبير ومن دونها سيفتقر الكاتب الى عارض القلق والخوف اللذين يؤديان به حتما الى فسح النص المتوترة.
* هل تناولت الميثولوجيا في كتابتك لأستلهام واقعها الخرافي الأسطوري الساحر، وكيف تنظر الى التراث؟
ـ لوقلنا ان الكوابيس شرطٌ ابداعي من شروط الكتابة فأن الميثولوجيا بسحرها الاسطوري قرينها الحميم، انهما يساعدان المخيلة الخاملة على الانفتاح للتأسيس والخلق، لهذا وجدتني استلهمُ من واقعي الضاج بالخرافة والسحر والكوابيس نصوصاً ساعدتها مخيلتي على الانبعاث والوجود، لقد تجلى هذا الشرط واضحاً في قصتي،(سوأى بنت آرو) التي اصطحبتني في جوفها لألج من خلالها عالم الجن وارى مالم يراه الا الممسوسين بهم، انه فضل الكتابة ونقمتها وقد تجلت في عبد الشط، اسطورة الجنوب القديمة التي حرضت ذاكرتي على بعثها في ضفة النهر الثالثة، ضفة وهمية شيدت عليها من اجل العبد عائلة واصدقاء واعداء كانوا وراء ثورته على المصير وموته على يديه ايضاً، اما الشيطان وابنته في (انثى الشيطان) فقد استفاقت من سباتها الطويل لتحرضني على الانقلاب بعد ان قررت ان تقلب بسحرها الاوضاع رأساً على عقب ليحصل اختلال بايولوجي فيه تبيض النعاج وتلد الدجاج، انها رسائل تمررها كائنات الوهم لتشكل لها وجوداً ساخناً ومدوناً تشترطه خرافاتها الجميلة على ذاكرة السرد!.
* الكاتب المسرحي يكتب وفي باله ظروف مسرحه وإمكاناته وفي حسابه كل صغيرة وكبيرة، مما يمكن تنفيذه لما يدور في ذهنه، ويخطه قلمه،الى أي مدى حققت ذلك؟
ـ المفصل السردي الاهم في متن القصة ودلالته التي تدعوه الى الاقتضاب والادهاش للأمساك منذ البدء بفضول القارئ المشتت،لذلك ترى القاص الجيد يبحث عن شروع يشرك من خلاله القارئ مباشرة في حكاية النص ثم يدفعه لافتراض استننتاج سرعان مايرفضه جسد النص الحديث،انها لعبة التشويق في البداية ،لعبة مشوشة كالحياة تتظافر في تشكيلها انماط مختلفة من السرد مثل تعدد الاصوات والحوار المسرحي والحلم اواتخاذ نهاية الحكاية كبداية لها في النص من اجل اضفاء الشكل المثير على النص الحديث.
* هناك شعور يتفتت بعد الانتهاء من النص،هل تصغي بارتباك لواقع خطى النص لحوار ذكريات ما داخل باحة النص اثناء كتابته؟
ـ جزء مقتضب من عالم مكنوزفي اروقة مخبوءة في مفازات الذاكرة ،انها وخزات لاسعة تقرع بشدة على ابواب الكاتب،تقلقه بدويها وتهزه بصخبها فيفتح لها عوالمه لتخرج مرتكزة الى ثقافة روحية تقوم على رهافة الوجدان .لها يستجيب بعد ان يتدرع بسيل لامحدود من رؤى فلسفية ونفسية ومعارف تأريخية واجتماعية،يصهرها مع ذكرياته في بوتقة الموهبة ليتسامى من خليطها نصا يضوع بصدق الماضي واوجاعه القديمة.
* الفنتازيا قدرة المخيلة تجلت في الأداب والفنون،برأيك على ماذا تبنى أساسات النص ألغرائبي ؟
ـ الفنتازيا ادب دعامته الاساسية الخيال وبدونه لا وجود لأي أدب غرائبي ،إنها المحايثة المجنونة لقلب الخرافة وهي الادب الذي لايقوى عليه صاحب المخيلة الساكنة والوعي المستسلم للظروف. انها اعلان عن القدرات الخارقة للكتابة حيث تتجلى في عوالمها قوة المخيلة وطواعية اللغة ومنهما يتم الحصول على رمزية تمنح هذا السرد الوهمي المؤسطر هوية للقبول وشرعية للوجود،لتندرج شأنها شأن النصوص الواقعية في الإسهام بإيصال رسالة تساهم ولو بشكل غريب في الإشارة إلى متطلبات العصر ومشاكله. ان هذا النوع من الادب ضرورة لبعض الكتاب اللذين تضايقهم سلطة الرقيب أو تكبلهم العادات والتقاليد المستهلكة ليمرروا بطريقة سحرية ورمزية أهدافهم التي تسعى الى التغيير نحو الأفضل.
* -انك رجل يحترم المرأة ،تتجول في اتجاهاتها بأنسانية عالية، للمرأة في عالمك السردي حضورا انسانيا لاتساوم عليه؟
ـ المرأة نقطة الضوء المتوهجة في عتمة النص ودلالته المحرضة على الحياة ،تينع من حضورها بؤراً ملونة يساعد استفزازها المثير كل كاتب على تقديم النص الأحلى ،و يساعده على ذلك سِفرها المدموغ بالمصادرة والانسحاق والظلم ، الذي يسوّغ لها أن تكون مركزاً مشعاً بالوجع والشقاء و العطاء ،لذلك تراها تحل محل الروح في الجسد متمردة تمضي بأكف المخيلة المبدعة ، صوب عالم السرد الساحر لتعوض فيه ما أستلبه الرجل منها عنوة في عالمها الذي لا يحفل إلا بالذكور ،لهذا اتسع حضورها الفاعل في اغلب حكاياتي، فكانت البطلة في مسرحية قيامة النار والأم وحكاية الامس الحزين وترنيمة الغياب ،إنها الحياة التي لاغنى لنا عنها في الحياة!
* لقد جاء كانط بفكرتي (الزمان والمكان) بأعتبارهما فكرتين فطريتين لايمكن معرفة العالم الخارجي الا بأفتراضهما,تسلسل الفكرة وعرض ما يتخللها من صراع مادي أو نفسي يرتبط بزمانكانها،في نصوصك انزياح في بنائها وبرؤى ذكية تمسك بجوهر النص؟
ـ بؤرة النص التي تدور حولها عناصر السرد الاخرى من لغة وبناء واسلوب واحداث، انها الرؤية المتميزة والالتقاط المبدع لكل ماهو عصي على الانقياء وهي الغوص في المجاهل والعوم عميقا في لجج المحظور والمسكوت عنه للأمساك بجواهر السرد المكنونة بغية الوصول الى الروح الحقيقية للنص ومسها بأنامل الابداع،انها الفكرة والرؤية والومضة ،من تنطلق منها دائما فضاءات النص وأعمدته الراسخة.
رغم ما ساد من فوضى الا ان قاسم فنجان حافظ على ان ترقص اصابعه مع الحبر بأيقاع جميل فكان من الذين تفردوا بأناقة الخطوة، لم يكن هجينا قط، اخذت موهبته مكانها الصحيح نمت في تناسق حضاري استوعب الاحداث والتقط فسبق الاخرين وقدم اعماله على شئ من الدهشة في دلالات يحفل بها المسرح في كركوك ضمن قواعد واصول لم ينافيها قط.
يبقى السؤال:هل من الصعب جدا ان نخلق مسرحا في زمن حروب وتناحرات سياسية ،ام هي المعاناة من تخلق حالة الابداع؟وبين هذا كله كان المسرح يتنفس، بين انامل الكاتب ورؤى المخرج، وحركة الممثل، ومصمم الديكور، ومهندس الإضاءة، مهام عمال الأثاث، ومغيرو المناظر الخ من مهام المسرح..ليبقى منبرا ثقافيا حرا .وهل نجح المسرحيون العراقيون ومنهم مَن حاورناه في بقاء دعائم المسرح قائمة في زمن اختلف فيه كل شئ؟؟
في نهاية روعة اللقاء هذا أقول : كانت عودتي مع قاسم فنجان ،فرحة كبيرة ،آملين له حياة طيبة على مسرح الحياة مع ابداعات ونجاحات في المستقبل.
*1 مقولة منقولة.
*2 جملة من نص لقاسم فنجان.
القاص قاسم فنجان، بين انزياح الحضور وحضور الغياب
عايدة الربيعي
((لماذا نكتب القصص ؟ ولماذا يكتب الكتاب قصصهم ؟
هل لان لدينا او لديهم ما نريد أو ما يريدون قوله.
او هو الدافع الموازي للسبب الأول، هو الرغبة في الاكتشاف.
إذن ستكون الكتابة في احد أهم محركاتها هي الرغبة في الاكتشاف فعبر القصص بإمكاننا أن نختبر الأشياء والأفعال، أن نحمل الجمل بأفكارنا وتجاربنا، وفي عملية الكتابة القصصية نبلغ مرحلة فهم أعمق للعالم) للناس ولأنفسنا.))*1
..........................................................
تعودنا أن نصغي بأسم الجراح بلا أصفادـ نصغي بلا خوف ولا اندلاق الرقاب كان يرعبنا لأننا نمتد شخوصا في دراماه وربما في إحدى نصوصه نضع أيدينا فوق قلمه فنصافح روح قاص ماهر يتلاعب باللغة بمهارة ومرونة ليقربنا من الجو العام للقصة عبر الزمان في دهاليز من وجد واشواق في مكان ما. الحداثة اسلوبه او مابعد الحداثة،هي نتاجات بدلا من شكل القص التقليدي المستهلك،ترويك للوصول إلى إحساس قوي معه خلال قراءتك وعليك أن تكون قارئا متميزا، حريصا ودقيقا كي تنادي لمحته وتلك احدى مهاراته. يمشي بك وانت حي تصفق عند انتهاء العرض حتى يهجرك لأنه يعشق الموتى يسمع وقع الموتى وبكاء الام وعشق الحبيبة وكل تلك ذنوب و مشاهد او فكرة لأحساس مباشر او مؤثر في دراما نصوصه، يحب الشعر بل يعشق القصيدة النثرية وان كان مقلا.
استردينا بعض العافية في ذاكرة باتت تتلاشى لأيام الزمالة الدراسية في أكاديمية الفنون الجميلة، كان حوار من فاكهة و دفئ من السرد الجميل فتحنا من خلاله بوابات التذكر والحديث ووضعنا رؤوسنا المتعبة على حافة الفرح والحزن الأبيض وقرأنا سوية هذا الحوارفي دائرة من حلم حاضر تحاصرنا فيه الاسئلة فألتقينا بأنسانيتنا بضمير عراقي، هنا تجلت لغة هذا الحوار بين انزياح الحضور وحضور الغياب .
بين المسرح والقصة اقترن اسمه ولم يضيق بهما قط ،أدمن الكتابة بأسلوب أدبي لم يتأتى من الشكل الوظيفي فقط ،بل تعداه ليفيض شعرا ورسما في حنين الكلمة و بلاغتها مقتربا من نخبة القراء .لايقف عند اختيار الفاظه بل يختزل القارئ ويدمجه مع مفردته المنتقاة من اختزال نصوصه ذات السبغة الشعرية لتنساب الى اذن القارئ ،حقق الكثير من النجاح في المسرح، قبل و بعد 2003 حيث شارك في اغلب المهرجانات المسرحية القطرية ،التي اقامتها مديرية النشاط الرياضي والمدرسي في وزارة التربية، وأحرز المراكز الأولى على مستوى النص والعرض ،انحنى ليكون قريبا جدا من الطلاب في المسرح المدرسي عندما شيد جسورا وطيدة بينه وبين المدارس،كان استاذا تربويا ناجحا ومؤلفا وانسانا مبدعا يمتلك جمالية الصياغة اللغوية، ينتقي مايشاء بخصوصية وحضور واضحين، يتوغل في اعماق نصوصه حتى يدخل اغوارك لتتماهى معه وكأنك احد أبطال دراماه. كتب المسرح واشتهر قاصا في مدينة الحب والتلاقح الثقافي الانساني كركوك ،ولد فيها عام 1961 .
حامل لشهادة البكالوريوس / سينما / كلية الفنون الجميلة / بغداد 1985/1986حاور الزمن والوقائع في زمن اللا حوار قام بتشخيص مكان الوجع العراقي حتى صارت القراءة عنده رغيفه اليومي وعشقه اليومي وحزنه اليومي ،كان ومازال حرا في كتاباته لم يملى عليه احد ولم تؤدلجه سلطة او حزب رغم إن الأحداث كانت تنساب من حولنا في زمن توشّح بالمفاهيم السياسية ادى بالكثيرين للأنجراف في تيارات الطلاسم السياسة لكنه ظل يكتب عن المعنى الحقيقي للوطن، للمرأة، و للكلمة في مفهوم العمل الإبداعي فكان مسرحيا جادا وقاصا بارعا هدوءه و قلقه ينتهيان مع انتهاء نص يشتغل عليه وما ان ينتهي حتى يكاد يبدأ ليتكاثف في وعي حضاري بليغ في معناه لنص اخر. كان الأكثر اقترابا من هموم الناس،والأدق ترجمة في نقل احاسيس الفرد العراقي. نشرت اعماله في معظم الصحف والمجلات الكركوكية وعلى الشبكة العنكبوتية لانراه الا وقد اقتص من الزمن حدثا حتى انتصر عليه، تكاثر كالسنابل بقلقه وطموحه حتى صيّر خارطة لمسرح تمتد من كركوك الى بغداد و مالمو و بروكسل.
له في المسرح
فراديس : فازت بجائزة أفضل عرض ونص في مهرجان منتدى المسرح العراقي عام 2000/ إفتراضات واهية : عرضت على المسرح الوطني ضمن المهرجان العراقي للمسرح عام 1995/ دم البرتقال : عرضت على مسرح المنتدى العراقي عام 1997 /قيامة النار/حكاية الامس الحزين : فازت بجائزة أفضل نص في المسابقة المسرحية لوزارة التربية عام 2006/الآخر/السرير الخامس: فازت بجائزة أفضل عرض في المهرجان المسرحي الطلابي عام 2008 /واطئة تطير النوارس/وداعا ايها الجنرال/ترنيمة الغياب /العرض الاخير/ ماذا لو عاد الحلاج / أخبار عائلية فقط : فازت بجائزة أفضل نص في مهرجان المسرح الشبابي عام 1992/ جثة في الجوار/مملكة الموت والعسل: فازت بجائزة أفضل نص في المهرجان المسرحي للمشرفين والمدرسين والمعلمين عام 2009/موت اليعاسيب عرضت في بلجيكا والسويد
وله أيضاً :
1. (مخطوطة مراثي الغياب ، اثنتا عشر مرثية ) قد رثى فيها مبدعين ماتوا في كركوك ،الكثير من الاصدقاء، ياترى ..هل كان يتهم الموت بموتهم؟ا أم انه يأخذ افادة موتهم؟
2 .قيامة النار ، مخطوطة قصصية تحت الطبع .
3 .الوصية ، مسرحيات للأطفال تحت الطبع.
،(لفّ حبل حزنه المتين على قلب أيامه المهترئة ، شدّه بقسوة فانهار أولاً ومات أخيراً ، مات ولكنّه لم يمت كما يموت الآخرون)*2
بين صدق المطابقة للواقع و صدق الوجدان والإحساس تخرج بنا نصوص قاسم فنجان إلى قيمة إنسانية خاصة تجعلنا نتسائل بصوت يدوي في قلاعه الخاصة الخاصة حد قربنا من خوالجه او قاب قوسين وفي حوار طيب طيبة الجنوب امتد الى تلك الفراديس بين استنزاف الروح واحتضار اليعاسيب في نظام سردي استقرأنا من خلاله ملامح تصيّر الاشياء الخاصة به مابين انزياح الحضور وحضور الغياب وماشطح منهما في افق الكتابة.
يقول أحد الكتاب:
(أن الأمة العربية لا ينافسها غيرها فيما صاغت من قوالب للتعبير عن القص والإشعار به، فالعرب هم الذين قالوا من غابر الدهر: " يحكى أن ... وزعموا أن.... وكان ياما كان.. " إلى آخر هذه الفواتح التي يمهد بها القصاص العربي في مختلف العصور لما يسرد من أقاصيص، لذلك فالأرجح أن فن القصة له جذور عربية أصيلة فلم يكن وافدًا إلينا كله من الغرب دون وجود أية جذور عربية له في بيئتنا) س1- جهدك يتركز على صنع عالمك القصصي الخاص،ذلك العالم الذي ينبض بحقيقة لها ضوء الشمس وظل الشمس،لك طريقة في الكتابة تنساب بذاكرة لها فضائها في افق تشترك فيه الحقيقة والغياب؟ ما الكتابة في رأيك و ما تأثير سحرها على القارئ ؟
وردت في لقاء لي ذات يوم جملة عرضية،استوقفتني بعد ماقلتها ،كانت الجملة :(كلما أصر على شئ تصر علي الأشياء؟)من هذا السؤال استقرأت بتروي طريقتي في الكتابة و أكتشفت انني مكتوب سلفا وما أدونه على الورق من حكايات لادور لي فيها إلا النقل،هذه قناعة قد يرفضها البعض لكنها الحقيقة التي تسمح لي أحيانا بنُتفٍ من الوعي أشركها في غياب الحال الكتابي لأحذف هذا او أضيف ذاك ،الكتابة افق تصوفي عجيب من أعراضه إنزياح الحضور بالغياب في روح الكاتب حيث يستقدم المبدع من جراء ذلك الأنزياح نصه الغريب بعد ان يفك إشتباكه أولاً مع سيل الدفاعات التي تتحصن بها الحكاية المكنونة في الباطن،لذلك يحل الشطح ويأتي البيان بأبهى حلة سردية بعد ان يستنزف الكاتب جسده وروحه في تمرين قاس ومخاض أليم من اجل اجلاء روح النص لتحقيق اللذة للكاتب والمتعة للقارئ.
* لغة الحواروبناء النص؟ (اللغة)ما هو أثرها في نقل الفكرة وهي تعلن عن وجودها؟برأيك الكاتب عليه ان يهتم أكثر بالمعنى أم بالأسلوب؟ونحن نراك قد وفقت بكليهما.
ـ اللغة هي القاسم المشترك بين جميع الاجناس الادبية ،انها العنصر الاهم لما تنطوي عليه من اهمية تمضي بالنص الى ضفاف الأمان ،انها تدخل في كل شئ معلنة عن وجودها تارة لتروي الحدث على لسان الشخوص الناطقين بها وتارة اخرى تتمركز ببلاغتها الرصينة وبياناتها الباهرة في بناء السرد،تهب السلاسة والسحر في المفردات المؤثرة لتقود القارئ الى كمين السرد،هناك حيث تتفتح له المغاليق الثابتة في النص لتدرك الذات القارئة روعة المنجز وسحره الآخاذ، لهذا يجب التعامل معها بروية وحذر ،لأنها الشراع الذي يسيَّر قارب النص في بحر السرد ،وهي السر الذي يوسم النص بسرمدية البقاء ،ولنا في تحف التراث الخالدة خير مثال على قوة بقائها وديمومتها الخالدة.
* يقول جوستاف لوبون: " أتيح لي في إحدى الليالي أن أشاهد جمعا من الحمالين والأجراء ، يستمعون إلى إحدى القصص ، وإني لأشك في أن يصيب أي قاص غربي مثل هذا النجاح، فالجمهور العربي ذو حيوية وتصور، يتمثل ما يسمعه كأنه يراه؟وعالم القصة، رغم انه صغير إلا انه مكتمل فالقصة عند ابن طفيل هي سرد مباشر ولها هدف معين من حيث المبنى لابد ان يكون فيها نوع من الوعي الموضوعي، متى بدأت القصة؟
ـ يصعب علينا تحديد تاريخ دقيق لميلاد القصة الحقيقة الا بأقرار مااجتمع عليه اغلب النقاد حول الكاتب الروسي غوغول برائعته الادبية(المعطف) انها القصة الاولى في التاريخ التي استوفت عناصر القص بالشكل والمضمون حيث تعرضت هذه القصة بشكل واقعي ساخر الى انسحاق الانسان الفقير في الزمن الجديد.
*-القص فن وجنس أدبي يتطلب فلسفة ورؤى خاصة يقدم بأسلوب ممتع، لك فيه صبغة خاصة نرى فيه ملامحنا وسماتنا كيف يصل الكاتب إلى المرحلة السامقة.
ـ الروح التي يبثها الكاتب في جسد الحدث الساكن موظفا لها كل مايتعلق بعالم الروح من مشاعر واحاسيس وعواطف ،يوزعها على التقنيات المتيسرة له من حوار وسرد ومونولوج وحلم ،ليبلغ بها الصياغة التي ترتفع بالنص الى مستواه الجيد،اما الحدث الذي ذكرناه، هو حكاية النص وهيكلها القائم في المتن السردي ،يمتزج بالأسلوب داخل بناء متراص الأبعاد ليصلَ برسالة النص ومرادها الى القارئ ،لذلك يضفي الاسلوب هالة من السحر والجمال على الحدث ،فالأحداث ومواضيعها مطروحة في الطريق حسب الجاحظ ، والمحنة تكمن في الاسلوب الذي يبعث الحكاية من قمقمها ليسبغ عليها شرعية القص.
* هل الحداثة في كتابة القصة جاءت كحتمية لواقع مضطرب ومتغير من اجل الأبتكارلولادة جديدة وخرق لنظام مكرر؟
ـ نعم انها الكتابة الجديدة التي تجاوزت النسخ والشروط والضوابط وقفزت على كل ماهو قديم ومكرر، هي نتاج حتمي لواقع مضطرب ومتغير بشكل مرعب يدفع الكاتب للتماهي مع المهمل من اجل ابتكار حديث، يجري من خلاله فك الشفرات السرية لكل ماهو ملغز ومحير في الحياة الجديدة، لهذا جاءت قصص آلان روب غريبة وناتالي ساروت تحمل في شكلها ومضمونها سرداً قائماً على زلزلة النظام السردي القديم وخرق نواميسهُ المطلقة وهكذا جاءت تلك الولادات الجريئة بذاكرة جديدة للسرد تستدعي لفضاءها الجديد كل العوالم الاخرى، الموسيقى مثلاً بأيقاعاتها الهادئة والصاخبة تراها مجازاً تتسلل في متن( النص من خلال مفردات لها جرس ورنين يتوافق بشكل هرموني مع صخب المشاعر وهدوئها الرتيب لدى الشخوص، اما الشعرية فترى انسيابها الساحر في مهارب الروي بلغة تسعى الى ابتكار لغة ثانية تستوعب فيض العواطف وأنفلاتها المجنون بقوالب سردية ضيقة، انها محنة الكتابة التي لن يتم انفراج ملامحها الواجمة الا للقارئ الجيد!.
* للقصة الغربية صياغة خاصة وإطار مرسوم لها، اتخذ مقياس وميزان ،لكن هذا لا يمنع أن يكون للقصة العربية في الأدب العربي صبغة خاصة بها ، وإطار مرسوم لها أيضا؟كانت الرسوم علي جدران الكهوف في التاريخ السحيق هدفها البوح بنوع ما من (القص)، أن يروي ذلك الكائن إحساسا ما أو فكرة آلا نعتبر ذلك جذورا للقص في حضارة سومر؟
ـ اذا اردنا ان نتكلم عن بدايات القصة فأننا سنصطدم حتماً بالتاريخ لان قوام القصة الحكاية والحكاية شفاهية كانت او مدونة فأنها معروفة منذ الازل، تبلورت مع تقادم العصور لتظهر واضحة في كل الكتب السماوية ومنها القران الكريم. لقد وردت لفظة قصة في اكثر من عشرين موضع في القران وهذا يدلُ بوضوح على ان القصة كانت معروفة لدى الاقوام التي سبقت الاسلام والا لمّ كان الكتاب الكريم يخاطبهم بأكثر من قصة ويخصص لذلك سورة كاملة هي سورة (القصص)، لقد ساهم كلام الله في ترسيخ السرد في الذاكرة العربية بشكلٍ كبير وادى ظهوره الى ظهور إرثُ ادبي حكائي متمثل بالمقامات والرسائل والشطحات الصوفية ولولا قوة الرقيب في الشعور الجمعي الذي حال دون ظهور حضارة ادبية لكان يمكن للعرب ان يستلموا زمام الريادة في اكثر من جنسٍ ادبي.
*(إن الثقافة المسرحية الواسعة تؤدي إلى فن مسرحي عظيم.) وعلى الرغم من اختلاف ملامح المسرح العربي الا انه بقىمنبرا ثقافيا ،هل ارتقى بجمهوره عالياً في كركوك ضمن مسيرته الطويلة والحافلة، ؟ هل تخلف ام مازال بعافية ونشاط ؟والى من ترجع اسباب ذلك؟
ـ كركوك تأريخ حافل بمحاولات لعروض متواضعة ابتدأت في ثلاثينات القرن الماضي ثم تبلورت فيما بعد الى عروض مسرحية مهمة في الخمسينات من نفس القرن. لكن ذلك التألق السريع سرعان ماخبا بعد أن أحاطت ظروف سياسية قاهرة بالمدينة وأثرت سلباٍ على ذلك النشاط الجديد،حيث تلكأ المسرح كثيرا واقتصر نشاطه على تقديم عروض فقيرة لم يؤشر مرورها لأي شئ حتى جاءت السبعينات، تلك الفترة التي تأوج فيها المسرح على باقي الفنون لتشهد ساحة كركوك الفنية عروضا مسرحية ساهم في إبرازها مبدعين من قوميات واديان وطوائف مختلفة،هزت الأوساط الفنية في عموم البلاد وحَدا نجاحها الكبير بأرتحال بعض نجومها المتميزين ليشغلوا حيزاً في المساحة الضيقة لمسرح العاصمة بغداد.هذه الاشارات التي أوردتها كانت بمثابة تنبيه الى ان هذه المدينة الباهرة حاضنة لكل ماهو مبدع ومختلف ولولا الحروب والمحن السياسية العصيبة التي تقادمت عليها لأستطاعت تلك المدينة المعطاء ان ترتقي بالمسرح وبجمهوره عاليا الى مصاف مسرح البلدان المتقدمة.
* حققت كركوك نجاح في المسرح المدرسي،كيف استطعت أن تتعامل معه(المسرح المدرسي) وأنت تسمو بنصوص النخبة؟هل كان صعبا على الطلاب التداول مع مفردات النص ومع جدية النصوص؟
ـ ا لمسرح فضاء يغوي الجميع بحكاياته والوانه واضواءة وهو في نفس الوقت منبرا تقافيا تنبثق من فضائه الطاهر حكايات درامية تساهم في استثارة المخيلة وتغييرها. هنا تكمن أهمية هذا النوع الخالد من الفن وضرورته لأكبر شريحة بشرية في المجتمع و هم الطلاب ،حيث الزمنا هذا الأمر بالتعامل معهم بمنتهى الجد والاخلاص بمخيلة تدعو للأفضل لذلك جاءت عروضا مسرحية حازت على المراتب الاولى في العراق وأخص بالذكر منها حكاية الأمس الحزين والوصية والسرير الخامس، لقد نجحت هذه الاعمال ولم تستند في جذرها الى ممثلين محترفين بل كان الممثلون طلاباً وطالبات لم يتعاملوا سابقا مع خشبة المسرح وكذلك الفنيون لم يكن فيهم المسرحي المختص او الأكاديمي المحترف ،لكن الذي تحقق في النتيجة النجاح الساحق و المتكرر في أغلب المشاركات القطرية،ان هذا النجاح لم يأتي من العدم بل من تظافر جهود كثيرة تركت لها بصمات مؤثرة بلغت تأثيرات تفوقها الى اكثر من مدينة في العراق ،لذلك استطيع القول ان المسرح المدرسي في كركوك ساهم في اضافة شئ جديد الى المسرح المدرسي في عموم العراق على إمتداد سنوات عطائه الطويلة .
* كيف كان المسرح في زمن كان الكلام فيه ممنوعاً،هل صمت المسرح الجاد ، في حين كان المسرح التجاري يصرخ بأعلى صوته ؟
ـ عندما تحيق الحروب والحصارات ببلاد ما وتطبق بمخالبها على انساغ حياته الطرية.فأن كل مافيها سيتردى وينهار ويصبح الوضع اشبه بمخاض عسير تتعرض فيه كل الشرائح للأختبار،من تلك الشرائح المسرحيون فمنهم من كبل تجربة عبوره بنصوص كانت محط افتخار له بعد انجلاء تلك الأيام العصيبة وهم " الأقلية الهائلة " على حد قول أوكتافيو باث ومنهم مَن غاص في الرذيلة وأمعن في ارتكابها عندما حول خشبة المسرح الى وسيلة رزق رخيصة يعرض عليها كل مايسئ الى الفكر والذائقة العراقية و للأسف كانوا هُم الأكثرية المرعبة لذلك صار لزاماً على الكتاب أن ينتبهوا لخطورة الحال الذي كان يجر المسرح الى الوراء بعد طوفان المسرح التجاري ،حيث جاء التصدي بقوة لهذا الغزو اللاأخلاقي من قبل مسرحيون معدودون وأظنني كنت واحداً منهم عندما كتبت في تلك المرحلة الحرجة من تأريخ البلاد اعمالاً جريئة مثل إفتراضات واهية و فراديس و وداعا أيها الجنرال و ماذا لو عاد الحلاج الذي منعته الرقابة لعدم السلامة الفكرية .
*هل يسعفك اوكسجين الحياة اذا ما ماتت من حولك المشاعر أو تحجرت وانثلمت افاق الخفق في عالمك السردي؟
ـ ما يسعفني على العطاء دائماً هيَ الحياة القاسية فلاغرابة وانت تعيش في بلد مستعر حينما تتملكك لغة لألفاظها شواط البارود ولأيقاعاتها دوّي الرصاص،فالحزن والموت والشقاء ثالوث مرعب يشغل بالأكراه الحيز الاكبر من فسحة حياتنا القصيرة، ان الكاتب وليد واقعه وما نتاجاته إلا ترتيبات دفاعية تقوم بها مشاعره القلقة لتدرأ عنه مخاوف الموت، ان نصوصنا بيانات غيبية ،فرضتها الحروب والمحن على امتداد حياتنا، لنبوح بها للأجيال القادمة بالسرد ،عنها وعن كوابيسها التي قفزت من عوالم وهمها
* برز الكثير من الكتاب الذين كتبوا النص المسرحي،مارأيك بآخر التطورات التي طرأت على المسرح؟واين قاسم من بين هؤلاء الكتاب؟
ـ اختلف المسرح كثيرا بعدما عصفت به رياح التجديد في منتصف القرن 19 حيث ظهرت اسماء نزعت عن المسرح الأردية الكلاسيكية وألبسته حلة أخرى تتوائم ومتطلبات العصر الحديث،لقد وجد المتلقي نفسه لأول مرة مشاركاً فاعلاً في تحديد مصائرالشخصيات،يشارك في بداياتها ويخطط لنهاياتها والفضل في هذا التحديث يعود الى المنظرين امثال ستانسلافسكي وبرشت وبيكيت وجروستوفسكي وآخرين غيرهم ،أما فيما يخص المسرح العربي الذي طرأ حديثا على ثقافتنا العربية فقد وجد المسرحيون انفسهم في اشكالية البحث عن ملامح لمسرح عربي خاص بهم ،وكان من جراء هذا البحث والاستقصاء إنبثاق أكثر من نوع كالمسرح الاحتفالي الذي توكأ على التراث والجمهور والمسرح الوثائقي الذي تأثر بمسرح بيتر فايس والمسرح العبثي الذي حاكى تجارب اللامعقول في الغرب وكذلك الذهني والتسجيلي والسياسي، لذلك وجدتني وسط هذا الخليط الملون أبحث في تلك المساحات المضاءة عن وجه مسرحي يمثل تطلعاتي فلم اجد أفضل من المسرح السياسي الممثل الصادق والفاعل لكل ماتجيش به مكنونات المتلقي العربي،فكتبت في التسعينات اخبار عائلية فقط وافتراضات واهية وفراديس وكانت جميعها نصوصاً جادة تحمل في متونها مقاربات لأشكال الأضطهاد الذي يرضخ تحت وطأته انسان الشرق العربي!
* لقطات لأشكال كابوسية تخلق حالة من التوتر،مروعة يتزامن ظهورها مع ظهور نص جديد لقاسم حميد؟مانصوصك والكوابيس التي تزاحم لياليك؟
ـ رؤى مرعبة تتطاحن في عوالم الباطن الاسرة ،تبحث عن قلم يقودها للولوج الى عالم الواقع انها تسعى مثلما يسعى كل شئ في الحياة،لذلك نراها تزاحم الكتاب بعد ان ترفع صواري الارق في لياليهم الهانئة ،تربكهم بحضورها المفزع ولن تغادرهم حتى ينقادوا مكرهين لرغبتها والشروع في توثيقها على هيئة نصوص متميزة.انني اخالها شرط ابداعي لن يحظى به الا المحظوظين من الكتاب،لانها ببساطة شديدة الترصد والتوجس بسخاء كبير ومن دونها سيفتقر الكاتب الى عارض القلق والخوف اللذين يؤديان به حتما الى فسح النص المتوترة.
* هل تناولت الميثولوجيا في كتابتك لأستلهام واقعها الخرافي الأسطوري الساحر، وكيف تنظر الى التراث؟
ـ لوقلنا ان الكوابيس شرطٌ ابداعي من شروط الكتابة فأن الميثولوجيا بسحرها الاسطوري قرينها الحميم، انهما يساعدان المخيلة الخاملة على الانفتاح للتأسيس والخلق، لهذا وجدتني استلهمُ من واقعي الضاج بالخرافة والسحر والكوابيس نصوصاً ساعدتها مخيلتي على الانبعاث والوجود، لقد تجلى هذا الشرط واضحاً في قصتي،(سوأى بنت آرو) التي اصطحبتني في جوفها لألج من خلالها عالم الجن وارى مالم يراه الا الممسوسين بهم، انه فضل الكتابة ونقمتها وقد تجلت في عبد الشط، اسطورة الجنوب القديمة التي حرضت ذاكرتي على بعثها في ضفة النهر الثالثة، ضفة وهمية شيدت عليها من اجل العبد عائلة واصدقاء واعداء كانوا وراء ثورته على المصير وموته على يديه ايضاً، اما الشيطان وابنته في (انثى الشيطان) فقد استفاقت من سباتها الطويل لتحرضني على الانقلاب بعد ان قررت ان تقلب بسحرها الاوضاع رأساً على عقب ليحصل اختلال بايولوجي فيه تبيض النعاج وتلد الدجاج، انها رسائل تمررها كائنات الوهم لتشكل لها وجوداً ساخناً ومدوناً تشترطه خرافاتها الجميلة على ذاكرة السرد!.
* الكاتب المسرحي يكتب وفي باله ظروف مسرحه وإمكاناته وفي حسابه كل صغيرة وكبيرة، مما يمكن تنفيذه لما يدور في ذهنه، ويخطه قلمه،الى أي مدى حققت ذلك؟
ـ المفصل السردي الاهم في متن القصة ودلالته التي تدعوه الى الاقتضاب والادهاش للأمساك منذ البدء بفضول القارئ المشتت،لذلك ترى القاص الجيد يبحث عن شروع يشرك من خلاله القارئ مباشرة في حكاية النص ثم يدفعه لافتراض استننتاج سرعان مايرفضه جسد النص الحديث،انها لعبة التشويق في البداية ،لعبة مشوشة كالحياة تتظافر في تشكيلها انماط مختلفة من السرد مثل تعدد الاصوات والحوار المسرحي والحلم اواتخاذ نهاية الحكاية كبداية لها في النص من اجل اضفاء الشكل المثير على النص الحديث.
* هناك شعور يتفتت بعد الانتهاء من النص،هل تصغي بارتباك لواقع خطى النص لحوار ذكريات ما داخل باحة النص اثناء كتابته؟
ـ جزء مقتضب من عالم مكنوزفي اروقة مخبوءة في مفازات الذاكرة ،انها وخزات لاسعة تقرع بشدة على ابواب الكاتب،تقلقه بدويها وتهزه بصخبها فيفتح لها عوالمه لتخرج مرتكزة الى ثقافة روحية تقوم على رهافة الوجدان .لها يستجيب بعد ان يتدرع بسيل لامحدود من رؤى فلسفية ونفسية ومعارف تأريخية واجتماعية،يصهرها مع ذكرياته في بوتقة الموهبة ليتسامى من خليطها نصا يضوع بصدق الماضي واوجاعه القديمة.
* الفنتازيا قدرة المخيلة تجلت في الأداب والفنون،برأيك على ماذا تبنى أساسات النص ألغرائبي ؟
ـ الفنتازيا ادب دعامته الاساسية الخيال وبدونه لا وجود لأي أدب غرائبي ،إنها المحايثة المجنونة لقلب الخرافة وهي الادب الذي لايقوى عليه صاحب المخيلة الساكنة والوعي المستسلم للظروف. انها اعلان عن القدرات الخارقة للكتابة حيث تتجلى في عوالمها قوة المخيلة وطواعية اللغة ومنهما يتم الحصول على رمزية تمنح هذا السرد الوهمي المؤسطر هوية للقبول وشرعية للوجود،لتندرج شأنها شأن النصوص الواقعية في الإسهام بإيصال رسالة تساهم ولو بشكل غريب في الإشارة إلى متطلبات العصر ومشاكله. ان هذا النوع من الادب ضرورة لبعض الكتاب اللذين تضايقهم سلطة الرقيب أو تكبلهم العادات والتقاليد المستهلكة ليمرروا بطريقة سحرية ورمزية أهدافهم التي تسعى الى التغيير نحو الأفضل.
* -انك رجل يحترم المرأة ،تتجول في اتجاهاتها بأنسانية عالية، للمرأة في عالمك السردي حضورا انسانيا لاتساوم عليه؟
ـ المرأة نقطة الضوء المتوهجة في عتمة النص ودلالته المحرضة على الحياة ،تينع من حضورها بؤراً ملونة يساعد استفزازها المثير كل كاتب على تقديم النص الأحلى ،و يساعده على ذلك سِفرها المدموغ بالمصادرة والانسحاق والظلم ، الذي يسوّغ لها أن تكون مركزاً مشعاً بالوجع والشقاء و العطاء ،لذلك تراها تحل محل الروح في الجسد متمردة تمضي بأكف المخيلة المبدعة ، صوب عالم السرد الساحر لتعوض فيه ما أستلبه الرجل منها عنوة في عالمها الذي لا يحفل إلا بالذكور ،لهذا اتسع حضورها الفاعل في اغلب حكاياتي، فكانت البطلة في مسرحية قيامة النار والأم وحكاية الامس الحزين وترنيمة الغياب ،إنها الحياة التي لاغنى لنا عنها في الحياة!
* لقد جاء كانط بفكرتي (الزمان والمكان) بأعتبارهما فكرتين فطريتين لايمكن معرفة العالم الخارجي الا بأفتراضهما,تسلسل الفكرة وعرض ما يتخللها من صراع مادي أو نفسي يرتبط بزمانكانها،في نصوصك انزياح في بنائها وبرؤى ذكية تمسك بجوهر النص؟
ـ بؤرة النص التي تدور حولها عناصر السرد الاخرى من لغة وبناء واسلوب واحداث، انها الرؤية المتميزة والالتقاط المبدع لكل ماهو عصي على الانقياء وهي الغوص في المجاهل والعوم عميقا في لجج المحظور والمسكوت عنه للأمساك بجواهر السرد المكنونة بغية الوصول الى الروح الحقيقية للنص ومسها بأنامل الابداع،انها الفكرة والرؤية والومضة ،من تنطلق منها دائما فضاءات النص وأعمدته الراسخة.
رغم ما ساد من فوضى الا ان قاسم فنجان حافظ على ان ترقص اصابعه مع الحبر بأيقاع جميل فكان من الذين تفردوا بأناقة الخطوة، لم يكن هجينا قط، اخذت موهبته مكانها الصحيح نمت في تناسق حضاري استوعب الاحداث والتقط فسبق الاخرين وقدم اعماله على شئ من الدهشة في دلالات يحفل بها المسرح في كركوك ضمن قواعد واصول لم ينافيها قط.
يبقى السؤال:هل من الصعب جدا ان نخلق مسرحا في زمن حروب وتناحرات سياسية ،ام هي المعاناة من تخلق حالة الابداع؟وبين هذا كله كان المسرح يتنفس، بين انامل الكاتب ورؤى المخرج، وحركة الممثل، ومصمم الديكور، ومهندس الإضاءة، مهام عمال الأثاث، ومغيرو المناظر الخ من مهام المسرح..ليبقى منبرا ثقافيا حرا .وهل نجح المسرحيون العراقيون ومنهم مَن حاورناه في بقاء دعائم المسرح قائمة في زمن اختلف فيه كل شئ؟؟
في نهاية روعة اللقاء هذا أقول : كانت عودتي مع قاسم فنجان ،فرحة كبيرة ،آملين له حياة طيبة على مسرح الحياة مع ابداعات ونجاحات في المستقبل.
*1 مقولة منقولة.
*2 جملة من نص لقاسم فنجان.
الأربعاء، 27 مايو 2015
مجلة الأدب العربي المعاصر : لوحة العدد الثامن
مجلة الأدب العربي المعاصر : لوحة العدد الثامن: لوحة العدد الثامن للفنان و الاديب العراقي د غالب المسعودي
_الفرزدق شاعر الفخر والهجاء-احمد سردار عارف
_الفرزدق
شاعر الفخر والهجاء
احمد سردار عارف
واسمه همام بن غالب بن صعصعة بن دارم بن تميم وكنيته ابو فراس ولد حوالي سنة 19 هجرية ، كان فصيح اللهجة ملماً باللغة عالماً باخبار العرب وايامها وهو احد الشعراء الكبار ومن شيوخ الأدب العربي وقد هبت القصيدة العربية على يديه ونشطت بعد ان انصرف المسلمون الى ما هو ابهى من الشعر في القرآن الكريم وخاصة في زمن الخلفاء الراشدين.
وقد عاش مع جرير والأخطل انهيار العقيدة الدينية في الناس وتعشش قرائحهم في ذلك الصدع العميق الذي احدثه بني امية بين المسلمين بتركهم الشورى وتحويلهم الخلافة الى ملك قيصرية او كسروية ينتقل ارثاً وعصفت في شهواتهم بهرجة العروش فمالوا عن صدق الايمان ان يكون فيهم ورع كعمر بن الخطاب (رض) يصون اعراض المسلمين بروح الاسلام وعدله أو كعلي بن ابي طالب (رض) بعلمه وحكمته.
غلبت على الفرزدق اخلاق البدوي وهي حب الانتصار والغلب والمباهاة كما كان قوي الذاكرة حافظاً من شعر الجاهلية والاسلام الكثير وجمع من اللغة وتاريخ العرب مالم يبارزه فيه احد من اهل زمانه.
حيث كان فخوراً الى حد الغلو في نفسه واباءه كثير التحدث عنهم في شعره فيقول في هذا:
ابي احد الغيثين صعصعةُ الذي متى تخلف الجوزاء والدَ لو يمطر
اجار بناتِ الوائدين ومن يجرِ على الفقر يعلم انه غير مخفرِ
انا ابن الذي رد المنية فضلهُ فما حسب دافعتُ عنه بمعور
كما كان طويل النفس في الهجاء سليط اللسان لا يبالي بمن يهجوا من العامة او اميراً فقد هجا هشام بن عبد الملك والمهلب ابن ابي صفرة وقد هجا كذلك خالد القصري والي هشام على العراق بقصيدة في مطلعها:
الا قطع الرحمن ظهر مطية اتتنا تخطي من دمشق بخالدِ
وكيف يؤم المسلمين وامه تدين بان الله ليس بواحدِ
بنى بيعة فيها الصليب لامه وهدم من كفر منار المساجدِ
اما في المديح فقد كان قصير النفس قليل الابيات فيها فهو يقول في مديح عمر بن عبد العزيز الخليفة الراشدي الخامس:
أعبد الله انت احق ماشٍ وساعٍ بالجماهير الكبارِ
نمى الفاروق امكَ وابنُ اروى اباك فانت منصدعُ النهارِ
كِلا ابويك عبد الله عالٍ رفيعُ في المنازل بالحيارِ
هما قمراً السماء وانت بدرٌ به بالليل يدلجُ كلُ سارِ
ان الذي يسمع لشعر الفرزدق يرى ان اللفاظه عبارة عن صخور تتلاطم وحجارة يتساقط بعضها فوق بعض فتصيب لدى السامع الصدى الكبير، ويقر له من احب سماع الادب القديم بانه لا احد يجاريه في الهجاء والفخر. كما عرف عنه بانه رجل المتناقضات فانه قد مدح خلفاء بني امية في الكثير من القصائد اما طمعاً في مال او خوفاً من انتقام بعض ان نال منهم الكثير من التشريد والحبس والنفي.
الا انه كان محباً الى اهل بيت رسول الله ولعلى من اروع قصائده واكثرها شهرة هي في مديح علي بن الحسين (رض) والتي يمكن اعتبارها من اقوى الصرخات المدوية ضد حكام بني امية والتي كان لها وقعاً امضى من السيوف بقيت صداها تصدع في اسماع هشام بن عبد الملك اخر الملوك الاقوياء في الدولة الاموية الى اخر يوم في حياته ولهذه القصيدة قصة وهي: ان الفرزدق قد حج بعدما كبر وقد اتت له سبعون سنة وكان هشام بن عبد الملك قد حج في ذلكالعام في خلافة اخيه الوليد ومعه رؤساء اهل الشام، فجهد ان يستلم الحجر الاسود فلم يقدر من ازدحام الناس، فنصب له منبر فجلس عليه ينظر الى الناس فاقبل علي بن الحسين (رض)، وهو احسن الناس وجهاً، وانظفهم ثوباً، واطيبهم رائحة، فطاف بالبيت. فلما بلغ الى الحجر، تنحى الناس كلهم وخلو الحجر ليتسلمه، تعظيماً وهيبةً واجلالاً له. فغاظ ذلك هشام وبلغ منه. فقال رجل لهشام: من هذا، اصلح الله الامير؟ فقال: لا اعرفه. وكان به عارفاً ولكن خاف ان يرغب فيه اهل الشام. عندها قال الفرزدق، وكان حاضراً لذلك كله : انا اعرفه، فسلني يا شامي. فقال: من؟ فقال:
هذا الذي تعرف البطحاءُ وطأته والبيت يعرفه والحل والحرمُ
هذا ابن خير عباد الله كلهم هذا التقي النقي الطاهر العلمُ
هذا ابن فاطمة ان كنت جاهله بجده انبياء الله قد ختموا
ما قال لا الا في تشهده لولا التشهد كانت لاءه نعمُ
وليس قولك من هذا بضائره العرب تعرف من انكرت والعجمُ
اذا رأته قريش قال قائلها الى مكارم هذا ينتهي الكرمُ
من معشر حبهم دين وبغضهم كفر وقربهم منجا ومعتصمُ
ان عد اهل التقى كانوا ائمتهم او قيل من خير اهل الارض قيل همُ
المصادر:
- كمال ابو مصلح، الفرزدق، حياته وشعره، المكتبة الحديثة للطباعة والنشر، بيروت.
- الشيخ احمد الاسكندري، الفرزدق شاعر الفخر والهجاء، المكتبة الحديثة للطباعة والنشر، بيروت.
مواقع الكترونية متعددة
Ahmad_serdar73@yahoo.com
رواية-عبدالله ثابت يصدر روايته الثانية: "وجه النائم"
رواية
عبدالله ثابت صاحب يصدر روايته الثانية: "وجه النائم"
صدرت رواية: "وجه النائم" للشاعر والروائي عبدالله ثابت عن دار الساقي ببيروت ، الرواية تحكي عن رجل سعودي في منتصف الأربعينات من عمره، تعرض لمآسي مبكرة في حياته جعلت منه شخصاً مختلاً ومضطرباً في عيون الآخرين. حياته هذه انتهت به إلى عيشه مع ذاته فقط، ناقماً على كل شيء وعلى كل أحد. له نظرته الخاصة للوجود والحياة. يسافر بشكل دائم إلى جبل لبنان حيث سيجد مكاناً هناك صغيراً لأسراره. تقوم بينه وبين فتاة لبنانية علاقة غيبية في عالم الغيب فقط، دون أن تتحقق على أرض الواقع. الرواية تريد أن تقول أن الغيب ليس له قانون لكن له طباع، والكاتب يحاول أن ترصد بتأمل واسع طباع هذا الغيب، عبر هذه المسارات: المنامات التي يراها النائم، والقصاصات التي يجمعها أو يكتبها ذلك الرجل، ثم يودعها في حفرةٍ ببيتٍ في جبل لبنان، وتشاء الصدفة أن تكتشفها الفتاة اللبنانية، فتقرأ كل قصاصاته فتتابعه وتتأثر به وبأسراره وحياته المؤلمة، دون أن يعلم، حتى تقع في حبه غيبياً.
الرجل من ناحيته يعيش بيقين أن امرأة مجهولة في هذا الوجود تناديه وتراقب حياته، ويعيش كل أيامه وهو يخاطبها ويكاتبها، لكنه لم يخطر بباله أن هذه المرأة المجهولة تعيش في الجبل الذي يخبئ في مكان ما منه أسراره، حيث لم يرها ولم يلتق بها.. وكذلك فالبنت اللبنانية تعرف ولا تعرف أنها هي المرأة المجهولة التي يحلم بها ويكاتبها وترى تفاصيل حياته. الاثنان يعيشان أحداث هذا الضباب الرقيق من الغيب والمجهول.
سبق لثابت من قبل إصدار روايته الشهيرة التي ترجمت للفرنسية بعنوان:" الإرهابي 20" كما أصدر عدة دواوين شعرية، منها: حرام cv و" النوبات" .
عبدالله ثابت صاحب يصدر روايته الثانية: "وجه النائم"
صدرت رواية: "وجه النائم" للشاعر والروائي عبدالله ثابت عن دار الساقي ببيروت ، الرواية تحكي عن رجل سعودي في منتصف الأربعينات من عمره، تعرض لمآسي مبكرة في حياته جعلت منه شخصاً مختلاً ومضطرباً في عيون الآخرين. حياته هذه انتهت به إلى عيشه مع ذاته فقط، ناقماً على كل شيء وعلى كل أحد. له نظرته الخاصة للوجود والحياة. يسافر بشكل دائم إلى جبل لبنان حيث سيجد مكاناً هناك صغيراً لأسراره. تقوم بينه وبين فتاة لبنانية علاقة غيبية في عالم الغيب فقط، دون أن تتحقق على أرض الواقع. الرواية تريد أن تقول أن الغيب ليس له قانون لكن له طباع، والكاتب يحاول أن ترصد بتأمل واسع طباع هذا الغيب، عبر هذه المسارات: المنامات التي يراها النائم، والقصاصات التي يجمعها أو يكتبها ذلك الرجل، ثم يودعها في حفرةٍ ببيتٍ في جبل لبنان، وتشاء الصدفة أن تكتشفها الفتاة اللبنانية، فتقرأ كل قصاصاته فتتابعه وتتأثر به وبأسراره وحياته المؤلمة، دون أن يعلم، حتى تقع في حبه غيبياً.
الرجل من ناحيته يعيش بيقين أن امرأة مجهولة في هذا الوجود تناديه وتراقب حياته، ويعيش كل أيامه وهو يخاطبها ويكاتبها، لكنه لم يخطر بباله أن هذه المرأة المجهولة تعيش في الجبل الذي يخبئ في مكان ما منه أسراره، حيث لم يرها ولم يلتق بها.. وكذلك فالبنت اللبنانية تعرف ولا تعرف أنها هي المرأة المجهولة التي يحلم بها ويكاتبها وترى تفاصيل حياته. الاثنان يعيشان أحداث هذا الضباب الرقيق من الغيب والمجهول.
سبق لثابت من قبل إصدار روايته الشهيرة التي ترجمت للفرنسية بعنوان:" الإرهابي 20" كما أصدر عدة دواوين شعرية، منها: حرام cv و" النوبات" .
جديد محمد لفتح: "المعركة الأخيرة للكابتن نعمت" - عبد الله كرمون
جديد محمد لفتح: "المعركة الأخيرة للكابتن نعمت"
عبد الله كرمون
لن يُصدم الذين اطلعوا على كتابات محمد لفتح السابقة عند فتحهم لروايته المنشورة مؤخرا "المعركة الأخيرة للكابتن نعمت". لا تكتفي المعركة هنا بدلالتها المباشرة لوحدها، بل تمتد إلى حقول رمزية أخرى، سوف نتعرف على بعضها فيما يلي.
لا بد من التذكير بـأن الكاتب قد رحل عن عالمنا منذ ثلاث سنوات تقريبا، وقد تكون روايته الحالية، إذا أخذنا إحدى المصادر مأخذ الجد، هي آخرها على الإطلاق.
يشير التاريخ الذي وقّعت به الرواية إلى مقتبل سنة 2006، قبيل سنتين من رحيله. إنها ثاني رواياته التي توقع بنفس التاريخ من شهر وسنة، بالإضافة إلى أن مجموعة قصصية أخرى له قد أُرخت بالسنة نفسها؛ وهي الكتاب الرابع له على مستوى التفرد بالتأريخ، إذا أضفنا رواية أخرى نشرت سنة 2009 وتم تأريخ التفرغ من كتابتها بسنة 1997، وذلك من أصل عشرة كتب صدرت له حتى الآن إذا شمل تعدادنا الرواية الحالية.
قد يكون مبالغة مني _أو ربما حقيقا بي_ أن أطالب بوضع مقدمات توضيحية لمثل هذه الأعمال التي تصدر بعد رحيل أصحابها، مثلما أشرت إلى ذلك في السنة الماضية بخصوص كاتبنا ذاته، يتم فيها، على الأقل، إخبار القراء والمهتمين بالحالة التي تواجد عليها النص قبل نشره ؛ هل كانت هناك وصية من طرف الكاتب بشأن مخطوطاته؟ هل صحح النص بنفسه أم اضطلع بذلك شخص آخر (وإن وُجد، فمن يكون)؟ هل وقع الكاتب عقودا كثيرة مع دار لاديفيرونس لسنوات؟ إلى غير ذلك من أسئلة محيرة!
لن أتمادى في النبش على هذا المنوال في ال"لماذا" وفي "الكيف"، وإلا استغرق حديثنا في ذلك استغراقا، وأهملنا الرواية التي هي موضوعنا الحالي.
لعل هذه الرواية هي من أكثر روايات لفتح كلاسيكية. أقصد بهذا أن الكاتب عمد فيها عموما إلى سلطة السرد. بل إنه ضحى من أجل الحكاية بالكثير من العناصر التي كانت تميز كتابته عن غيره من كتاب جلدته المبدعين بالفرنسية. صحيح أن سمو اللغة ما يزال ميزتها، غير أن العارف بسابق كتابات الرجل سوف يفطن سريعا إلى فرق ما بينها.
إذا ما تحدثت عن الصدمة في البدء فلأنني أردت بذلك الإشارة إلى مضمون الرواية. ولمحت إلى أن من تعود على الموضوعات القريبة إلى نفس لفتح، ربما لن تصدمه كثيرا رواية خصصت بكاملها إلى موضوع المثلية!
وقد تأرجح لفتح بشأنها في هذا النص بين تفسيرين متناقضين، في الوقت الذي لم يأبه فيه كثيرا وفي رواياته الأخرى بتبرير حديثه عنها.
أولا: اعتباره لمثلية بطل روايته الكابتن نعمت الطارئة متأتية من حرب 67 التي شارك فيها كطيار عسكري، وأن الهزيمة قد صارت بهذا المعنى فقدانا للرجولة.
ثانيا: إن المثلية التي انزلق إليها نعمت في خريف عمره لوثة سيئة، لم يدرك بنفسه كيف ولماذا انقاد إليها، ومن أين جاءته؟ بغض النظر عن التعليل الذي سمعه من كون عضو البروستات يصير حساسا جدا بعد سن الخمسين ؛ ما يبرر نوعا النزوع إلى تلك الميول!
يتعلق الأمر الثالث بتناقض ضمني يوحي به جانب من النص يمكننا أن نستشفه من انتقاد البطل للمجتمع الذي يعيش فيه، والذي يعادي ويرفض بالبات والمطلق كل انحراف جنسي عن العادة. ويعتبر المفعول به (خوالة بالمصري) جيفة ينأى عنها المرء مسيرة أربعين ألف عام!
ثم أنه أفرد نقدا خاصا لفئة سياسية ودينية بعينها، هي الأصولية التي حولت المجتمع، في نظره، أبعد من شأن المثلية، إلى مدى غامق وحزين، كبحت فيه المباهج والمسرات التي تشكل في الواقع صلب الحياة وأحد أجمل مبررات وجودها.
بهذا المعنى إذن يسهل تلخيص رواية لفتح هذه في سطر واحد، ما لم يكن ممكنا أبدا بشأن رواياته السابقة. إنها بهذا المعنى إذن حكاية المعركة الأخيرة للكابتن نعمت، والتي باءت بالفشل الذريع مثل معاركه أو فقط معركته السابقة.
لا يمكن أن ننكر كون الرواية تشد القارئ إليها شدا، في رغبة ملحة منه في التعرف على مجرياتها. غير أن إحساسا معينا، مبهما بالنسبة لي، قد رافقني خلال قراءتها. ليس فقط لأنها لم تعد تشبه تماما رواياته الأخرى، ولكن ربما لأنها ركزت على موضوع واحد، منقطعة به عن مشاغل العالم الأخرى. بالرغم من أن نقد أفكار الظلام، وإحياء ذكرى أبي نواس هما أمران جميلان، غير أنهما لا يكفيان، في نظري، لتبرير إفراد نص روائي بكامله للحديث عن علاقة مثلية، وفوق ذلك اعتبرتْ، في أكثر من مكان في النص، بأنها لوثة تحتاج إلى علاج!
انسابت حياة الكابتن نعمت في روتينيتها، حتى اليوم الذي اضطر فيه فتيان صغار إلى التردد على مسبح الكبار الذي يرتاده نعمت في حي المعادي، خلال الفترة التي يُصلح فيه المسبح المخصص لهم. تأمل حينها أجسادهم الغضة في نضارتها، واستشعر في نفسه ميلا غريبا إليهم، وتغنيا نفسيا مبهما بمحاسنهم. خلال تلك الليلة رأى في منامه رؤيا إيروسية زكت لديه رغبات دفينة.
انتبه حينها لوجود إسلام تحت إمرته، خادمه النوبي الشاب، الذي استدرجه سريعا لأن يحقق له ما فضحت نظراتُه إلى صبيان المسبح، ومجريات الحلم، كبتَه له.
إن أولى انعكاسات انفضاح أمره تراجيدية. طُرد الغلام من الفيلا، ثم غادر بنفسه البيت والزوجة، وقد باءت كل محاولاته لدرء الصدع بالبطلان. وما نفعت شفاعة شيماء صديقة الزوجة في شيء.
سوف يعاود نعمت مع الغلام نفسه أمر رغباتهما في شقة حقيرة بحي "الفجالة" الشعبي حيث استقر. تناهت كلمات خطبة الجمعة إليهما من الجامع القريب، في الوقت الذي كان إسلام يعتلي فيه يوما ظهره، وترددت فيها لفظة الجحيم مرات كثيرة!
إن همّ محمد لفتح هنا هو التعرض مرة أخرى لمحرم فظيع من محرمات المجتمع. بل أكثر من ذلك لحالة نفسية فريدة، أشرنا أعلاه إلى خصوصيتها. فإذا كان انبطاح نعمت جنسيا قدام خادمه النوبي أمرا طارئا، فإن إتيان هذا الأخير لسيده من الدبر أمر حدثٌ أيضا. خاصة وأنه اعترف لنعمت بأنها أول مرة بمارس فيها الجنس مع بشر، لأن إسلام قد نكح البهائم سابقا في بلدته النوبية قبل أن يستبيح ظهر العسكري نعمت!
هل شاء لفتح أن يكتب بهذا رواية مصرية صرفة؟ وأن يوفي أرضا أقام فيها لزمن حقها، مثلما فعل مع باريس والبيضاء؟
سبق له أن تعرض لمصر ولحياته فيها، وبشكل خاطف، في قصص قصيرة سالفة، غير أنها هي المرة الأولى التي يفرد لها كتابا بكامله، بل عن بعض حواريه وأحيائه فقط.
إن نص لفتح هذا يبعث، نوعا، على الاستفهام. ما الداعي حقيقة إلى كتابة قصة رجل استشعر جنوح ذاته إلى المثلية السلبية؟ هل في الأمر شيء من سيرة الرجل؟ أم هل انتشى فقط يوما بخيالات تلك المغامرة أو المغامرات دون أن يخوض فيها؟
ندرت مع ذلك تأملات لفتح في هذا النص، خلافا للنصوص الأخرى، حول أمور مختلفة. إذ ظل يحيط حول واقعة واحدة بعينها. فإذا كان نعمت قد جعل من المثلية لوثة سيئة بنفسه، فكيف يبحث لدى الآخرين عن مواثيق قبولها؟
رصف الكاتب في الرواية أسماء مختلفة لابد أنه يعشق جرسها ومعانيها، غير أن خياله لم يجنح في ذلك كعادته. مثل: ميرفت، شيماء، فيحاء وغيرهن.
كتب على لسان الكابتن نعمت ما يلي، موضحا ما تواضع عليه مع إسلام الذي سماه خلال وقت ما باسم قريته كوم أمبو، بالرغم من كون الغلام قد انتفض يوما لما ناداه بهذا الاسم مشيرا له بأنه ليس بلدة كي يناديه بذلك الاسم:
"أيتها السماء المبهمة، كوني رحيمة، واقبلي اسمينا الجديدين، اسمي حيوانيتنا، اسمينا البريئين، اسمينا المقدسين، إننا كتمساح وصقر، نعيش حبا غريبا ومهولا!"
هكذا إذن تحول نعمت الذي كانت تناديه زوجته ميرفت بالصقر في أولى عهود زواجهما، من صقر إلى تمساح منبطح. لم تكن نزوته عابرة بتاتا. إنها تحول جذري إلى عالم بهيمي، يأخذ فيه اسما حيوانيا.
تبعه الرقيب مرة أخرى إلى مسكنه الجديد، كي يخط تهديداته على خشب الباب. ما اضطر إسلام، على إثرها، إلى أن يغادر، نهائيا، نعمت. ليركن هذا الأخير إلى شجون معركته الأخيرة التي يداريها باليوميات يخطّها، وبسكْر فادح، يؤنس عزلته الفظيعة!
_____________________
عبد الله كرمون
لن يُصدم الذين اطلعوا على كتابات محمد لفتح السابقة عند فتحهم لروايته المنشورة مؤخرا "المعركة الأخيرة للكابتن نعمت". لا تكتفي المعركة هنا بدلالتها المباشرة لوحدها، بل تمتد إلى حقول رمزية أخرى، سوف نتعرف على بعضها فيما يلي.
لا بد من التذكير بـأن الكاتب قد رحل عن عالمنا منذ ثلاث سنوات تقريبا، وقد تكون روايته الحالية، إذا أخذنا إحدى المصادر مأخذ الجد، هي آخرها على الإطلاق.
يشير التاريخ الذي وقّعت به الرواية إلى مقتبل سنة 2006، قبيل سنتين من رحيله. إنها ثاني رواياته التي توقع بنفس التاريخ من شهر وسنة، بالإضافة إلى أن مجموعة قصصية أخرى له قد أُرخت بالسنة نفسها؛ وهي الكتاب الرابع له على مستوى التفرد بالتأريخ، إذا أضفنا رواية أخرى نشرت سنة 2009 وتم تأريخ التفرغ من كتابتها بسنة 1997، وذلك من أصل عشرة كتب صدرت له حتى الآن إذا شمل تعدادنا الرواية الحالية.
قد يكون مبالغة مني _أو ربما حقيقا بي_ أن أطالب بوضع مقدمات توضيحية لمثل هذه الأعمال التي تصدر بعد رحيل أصحابها، مثلما أشرت إلى ذلك في السنة الماضية بخصوص كاتبنا ذاته، يتم فيها، على الأقل، إخبار القراء والمهتمين بالحالة التي تواجد عليها النص قبل نشره ؛ هل كانت هناك وصية من طرف الكاتب بشأن مخطوطاته؟ هل صحح النص بنفسه أم اضطلع بذلك شخص آخر (وإن وُجد، فمن يكون)؟ هل وقع الكاتب عقودا كثيرة مع دار لاديفيرونس لسنوات؟ إلى غير ذلك من أسئلة محيرة!
لن أتمادى في النبش على هذا المنوال في ال"لماذا" وفي "الكيف"، وإلا استغرق حديثنا في ذلك استغراقا، وأهملنا الرواية التي هي موضوعنا الحالي.
لعل هذه الرواية هي من أكثر روايات لفتح كلاسيكية. أقصد بهذا أن الكاتب عمد فيها عموما إلى سلطة السرد. بل إنه ضحى من أجل الحكاية بالكثير من العناصر التي كانت تميز كتابته عن غيره من كتاب جلدته المبدعين بالفرنسية. صحيح أن سمو اللغة ما يزال ميزتها، غير أن العارف بسابق كتابات الرجل سوف يفطن سريعا إلى فرق ما بينها.
إذا ما تحدثت عن الصدمة في البدء فلأنني أردت بذلك الإشارة إلى مضمون الرواية. ولمحت إلى أن من تعود على الموضوعات القريبة إلى نفس لفتح، ربما لن تصدمه كثيرا رواية خصصت بكاملها إلى موضوع المثلية!
وقد تأرجح لفتح بشأنها في هذا النص بين تفسيرين متناقضين، في الوقت الذي لم يأبه فيه كثيرا وفي رواياته الأخرى بتبرير حديثه عنها.
أولا: اعتباره لمثلية بطل روايته الكابتن نعمت الطارئة متأتية من حرب 67 التي شارك فيها كطيار عسكري، وأن الهزيمة قد صارت بهذا المعنى فقدانا للرجولة.
ثانيا: إن المثلية التي انزلق إليها نعمت في خريف عمره لوثة سيئة، لم يدرك بنفسه كيف ولماذا انقاد إليها، ومن أين جاءته؟ بغض النظر عن التعليل الذي سمعه من كون عضو البروستات يصير حساسا جدا بعد سن الخمسين ؛ ما يبرر نوعا النزوع إلى تلك الميول!
يتعلق الأمر الثالث بتناقض ضمني يوحي به جانب من النص يمكننا أن نستشفه من انتقاد البطل للمجتمع الذي يعيش فيه، والذي يعادي ويرفض بالبات والمطلق كل انحراف جنسي عن العادة. ويعتبر المفعول به (خوالة بالمصري) جيفة ينأى عنها المرء مسيرة أربعين ألف عام!
ثم أنه أفرد نقدا خاصا لفئة سياسية ودينية بعينها، هي الأصولية التي حولت المجتمع، في نظره، أبعد من شأن المثلية، إلى مدى غامق وحزين، كبحت فيه المباهج والمسرات التي تشكل في الواقع صلب الحياة وأحد أجمل مبررات وجودها.
بهذا المعنى إذن يسهل تلخيص رواية لفتح هذه في سطر واحد، ما لم يكن ممكنا أبدا بشأن رواياته السابقة. إنها بهذا المعنى إذن حكاية المعركة الأخيرة للكابتن نعمت، والتي باءت بالفشل الذريع مثل معاركه أو فقط معركته السابقة.
لا يمكن أن ننكر كون الرواية تشد القارئ إليها شدا، في رغبة ملحة منه في التعرف على مجرياتها. غير أن إحساسا معينا، مبهما بالنسبة لي، قد رافقني خلال قراءتها. ليس فقط لأنها لم تعد تشبه تماما رواياته الأخرى، ولكن ربما لأنها ركزت على موضوع واحد، منقطعة به عن مشاغل العالم الأخرى. بالرغم من أن نقد أفكار الظلام، وإحياء ذكرى أبي نواس هما أمران جميلان، غير أنهما لا يكفيان، في نظري، لتبرير إفراد نص روائي بكامله للحديث عن علاقة مثلية، وفوق ذلك اعتبرتْ، في أكثر من مكان في النص، بأنها لوثة تحتاج إلى علاج!
انسابت حياة الكابتن نعمت في روتينيتها، حتى اليوم الذي اضطر فيه فتيان صغار إلى التردد على مسبح الكبار الذي يرتاده نعمت في حي المعادي، خلال الفترة التي يُصلح فيه المسبح المخصص لهم. تأمل حينها أجسادهم الغضة في نضارتها، واستشعر في نفسه ميلا غريبا إليهم، وتغنيا نفسيا مبهما بمحاسنهم. خلال تلك الليلة رأى في منامه رؤيا إيروسية زكت لديه رغبات دفينة.
انتبه حينها لوجود إسلام تحت إمرته، خادمه النوبي الشاب، الذي استدرجه سريعا لأن يحقق له ما فضحت نظراتُه إلى صبيان المسبح، ومجريات الحلم، كبتَه له.
إن أولى انعكاسات انفضاح أمره تراجيدية. طُرد الغلام من الفيلا، ثم غادر بنفسه البيت والزوجة، وقد باءت كل محاولاته لدرء الصدع بالبطلان. وما نفعت شفاعة شيماء صديقة الزوجة في شيء.
سوف يعاود نعمت مع الغلام نفسه أمر رغباتهما في شقة حقيرة بحي "الفجالة" الشعبي حيث استقر. تناهت كلمات خطبة الجمعة إليهما من الجامع القريب، في الوقت الذي كان إسلام يعتلي فيه يوما ظهره، وترددت فيها لفظة الجحيم مرات كثيرة!
إن همّ محمد لفتح هنا هو التعرض مرة أخرى لمحرم فظيع من محرمات المجتمع. بل أكثر من ذلك لحالة نفسية فريدة، أشرنا أعلاه إلى خصوصيتها. فإذا كان انبطاح نعمت جنسيا قدام خادمه النوبي أمرا طارئا، فإن إتيان هذا الأخير لسيده من الدبر أمر حدثٌ أيضا. خاصة وأنه اعترف لنعمت بأنها أول مرة بمارس فيها الجنس مع بشر، لأن إسلام قد نكح البهائم سابقا في بلدته النوبية قبل أن يستبيح ظهر العسكري نعمت!
هل شاء لفتح أن يكتب بهذا رواية مصرية صرفة؟ وأن يوفي أرضا أقام فيها لزمن حقها، مثلما فعل مع باريس والبيضاء؟
سبق له أن تعرض لمصر ولحياته فيها، وبشكل خاطف، في قصص قصيرة سالفة، غير أنها هي المرة الأولى التي يفرد لها كتابا بكامله، بل عن بعض حواريه وأحيائه فقط.
إن نص لفتح هذا يبعث، نوعا، على الاستفهام. ما الداعي حقيقة إلى كتابة قصة رجل استشعر جنوح ذاته إلى المثلية السلبية؟ هل في الأمر شيء من سيرة الرجل؟ أم هل انتشى فقط يوما بخيالات تلك المغامرة أو المغامرات دون أن يخوض فيها؟
ندرت مع ذلك تأملات لفتح في هذا النص، خلافا للنصوص الأخرى، حول أمور مختلفة. إذ ظل يحيط حول واقعة واحدة بعينها. فإذا كان نعمت قد جعل من المثلية لوثة سيئة بنفسه، فكيف يبحث لدى الآخرين عن مواثيق قبولها؟
رصف الكاتب في الرواية أسماء مختلفة لابد أنه يعشق جرسها ومعانيها، غير أن خياله لم يجنح في ذلك كعادته. مثل: ميرفت، شيماء، فيحاء وغيرهن.
كتب على لسان الكابتن نعمت ما يلي، موضحا ما تواضع عليه مع إسلام الذي سماه خلال وقت ما باسم قريته كوم أمبو، بالرغم من كون الغلام قد انتفض يوما لما ناداه بهذا الاسم مشيرا له بأنه ليس بلدة كي يناديه بذلك الاسم:
"أيتها السماء المبهمة، كوني رحيمة، واقبلي اسمينا الجديدين، اسمي حيوانيتنا، اسمينا البريئين، اسمينا المقدسين، إننا كتمساح وصقر، نعيش حبا غريبا ومهولا!"
هكذا إذن تحول نعمت الذي كانت تناديه زوجته ميرفت بالصقر في أولى عهود زواجهما، من صقر إلى تمساح منبطح. لم تكن نزوته عابرة بتاتا. إنها تحول جذري إلى عالم بهيمي، يأخذ فيه اسما حيوانيا.
تبعه الرقيب مرة أخرى إلى مسكنه الجديد، كي يخط تهديداته على خشب الباب. ما اضطر إسلام، على إثرها، إلى أن يغادر، نهائيا، نعمت. ليركن هذا الأخير إلى شجون معركته الأخيرة التي يداريها باليوميات يخطّها، وبسكْر فادح، يؤنس عزلته الفظيعة!
_____________________
مبدعات عالميات-الأوديسة كما ترويها بينلوبي على جناح مخيلة مارغريت اتوود
الأوديسة كما ترويها بينلوبي على جناح مخيلة مارغريت اتوود
جاكلين سلام
الشاعرة والروائية الكندية مارغريت أتوود تكتب البينلوبية -نسبة إلى بينلوبي زوجة عوليس- وبعد أكثر من ثلاثة قرون وذلك بنقض وإعادة تركيب أسطورة "الأوديسة" التي ألفها هومر الإغريقي حوالي عام 850 قبل الميلاد، وفق منظورها الفكري وحساسيتها الفنية وذلك ضمن مشروع ثقافي قامت به إحدى دور النشر التي طلبت من بعض الكتّاب اختيار أسطورة ما من تراث الشعوب ونسج نسخة مغايرة-بتصرف- للنسخة الأصلية. " سلسلة أساطير كانونغيت" بدأت مشروعها عام 2005 بتوثيع ثلاثة كتب حققت شهرة واسعة في كندا، امريكا، انكلترا، استراليا ونيوزيلندا. كتاب أتوود الذي حمل عنوان"البينلوبية" كان في عداد هذه السلسلة الشهيرة وتمت ترجمته إلى 28 لغة عالمية من قبل 33 ناشراً حوال العالم. ثم قدمت عروض مسرحية في مدن كندية من صميم هذه الـ"نوفيلا" التي تعيد سرد الأوديسة على لسان بينلوبي وحسب وجهة نظرها المناقضة لما جاء على لسان زوجها عوليس أو أوديسيسوس الذي اختفى بعد حرب طروادة، وبقيت هي في انتظاره تواجه قدرها، نسيجها الشهير، وتتحايل على الخاطبين الكثر الذين تقدموا لطلب يدها لظنهم أن ملكهم قد قضي عليه.
في هذه القصة-الأسطورة المضادة- تحتل بينلوبي المركز وهي "ميتة" تخاطبنا من عالمها السفلي فنرى أوديسيوس كاذباً مخادعاً وما رواه من بطولات لم يكن إلا مبالغات وابتكارات مخيلته. تسرد بلغة امرأة بسيطة من الطبقة الأدنى اجتماعيا وثقافياً. امرأة قد تصادفكم على مصطبة بيت ما في حارة شعبية فقيرة. تبتكر أتوود فصول الرواية مرة على لسان بينلوبي، ومرة على لسان الجوقة المؤلفة من 12 خادمة تعرضن للشنق في النهاية، وتعرضن للاغتصاب وسوء المعاملة أثناء خدمتهن
في القصر الملكي الذي يملكه أوديسيوس، العائد إلى إيثاكا بعد طول تشرد وصراع مع الوحوش والكائنات الخرافية واغواء الفاتنات.
اخترنا هذه المقاطع من بداية القصة حين يطالعنا صوت بينلوبي وهي تستنكر صورتها وما ورد من شائعات بحقها وهي على قيد الحياة. وفي المقطع الثاني تخبرنا عن بعض هذه الفضائح وتقدم النسخة "البنولوبية" عن الحقيقة، وكما تشاء لها مخيلة أتوود الباذخة الآسرة.
فن منحدر
مارغريت أتوود
الآن وأنا ميتة، عرفت كل شيء. هذا ما كنت أتمنى حدوثه، ولكن أغلب أمنياتي فشلت ولم تصبح حقيقة. عرفت فقط بعض الحقائق التي لم أكن أعرفها من قبل. أنه ثمن باهظ جداً ما ندفعه لقاء الفضول، ولا حاجة للقول.
منذ أن متّ، منذ أن حزتُ على هذه الحالة من كوني بلا عظام، بلا شفاه، بلا ثديين، تعلمتُ بعض الأشياء التي لم أكن لأعرفها، كحال شخص ينصت من خلال النافذة أو يفتح رسائل الآخرين. هل تعتقد أنك تحبّ أن تقرأ العقول؟ فكّر ثانية.
هنا في الأسفل، كل شيء يأتي مرفقاً بكيس، كالأكياس التي تستخدم لحفظ الريح، ولكن كلّ من هذه الأكياس يكون ممتلئاً بالكلمات- كلمات أنت قلتها، كلمات سمعتها، كلمات قيلت عنك. بعض الأكياس صغير جدا، وبعضها كبير، كيسي معقول الحجم. رغم أن أغلب الكلمات تتعلق بزوجي الواسع الشهرة. كم جعل مني غبية، يقول بعضهم. لقد كان من اختصاصه أن يستغبي الآخرين. لقد استطاع الفرار من كل شئ، وتلك كانت خاصته الأخرى: الفرار.
كان قابلاً للتصديق دوماً. كثيرون صدّقوا الأحداث كما أوردها هي النسخة الحقيقية، أخذ أو إعطاء بعض القتلة، بعض الحسان المغريات، بعض الأشرار- بعين واحدة. حتى أنا صدّقته من وقت إلى آخر. كنتُ أعرف أّنه مخادع وكاذب. لكنني لم أتوقع أن يمارس خدعه ويجرب أكاذيبه عليّ. ألم أكن مخلصة؟ ألم أنتظر، وأنتظر، وأنتظر، رغم الاغراءات- الرغبة تقريباً- بأن أفعل غير ذلك؟ وما هذا الذي انتهيت إليه بعد أن أخذت النسخة الرسمية مكانها على الواقع؟ أسطورة مفيدة. عصا تضرب بها نساء أخريات. لماذا لا يستطعن أن يكنّ مسؤولات، موضع ثقة، متحملات للعذاب كما كنتُ أنا؟ هذا هو السطر الذي التقطوه. لا تتبعن مثالي، أريد أن أصرخ في آذانكن- نعم، انتنّ. ولكت حين أحاول أن أصرخ، يصبح صوتي كالبومة.
بالطبع كان لدي بعض التوقعات الواهية حول عدم دقته، مكره، حالته الثعلبية، وهذه التي- لا أعرف كيف اسميها؟ عدم التزامه الاخلاقي. لكنني تظاهرتُ بالعماء. أخرست فمي. وإذا حصل وفتحته، ذلك لأغني لمجده. لم أحفر عميقاً. أردت نهاية سعيدة في تلك الأـيام، وأفضل طريقة لتحقيق نهايات سعيدة يكون بإقفال الأبواب الحقيقية والذهاب إلى النوم حين اشتداد العواصف.
ولكن بعد أن انقشعت الأحداث الرئيسية وأصبحت الأشياء أقل أسطورية، توضّح لي كم من الناس كانوا يضحكون عليّ من خلف ظهري- ينعتوني بصفات شتى، يؤلفون نكاتاً عني، بعضها قذرة وأخرى نظيفة. كيف جعلوا مني قصة، أو حكايات، وليست تلك القصص التي أنا أحب أن أسمعها عن نفسي. ماذا بإمكان امرأة أن تفعل حين تسافر الشائعات الفضائحية حول العالم؟ إذا دافعت عن نفسها، ستبدو مذنبة. لذلك انتظرتُ المزيد.
الآن وقد انقطع نفس الآخرين، جاء دوري لأجتهد قليلاً وأحيك-قصة. أدين بها لنفسي. عليّ أن أحضّر نفسي لها...( ص1-4 )
عند هذه النقطة أشعر أنّ عليّ أن أشير إلى النقاط المتعددة من هذه التقولات الفضائحية التي ماتزال تدور منذ أكثر من ثلاثة آلاف عام.
هذه القصص ليست صحيحة على الإطلاق. كثيرون قالوا ليس هناك دخان بلا نار، ولكن هذا جدل غبي. كلنا سمعنا شائعات تبيّن لاحقاً أنها خالية من الصحة كلياً، وهذا هو حال الشائعات حولي.
الاتهامات التي تتعلق بأحوالي الجنسية. انها افترضت مثلاً بأنني نمتُ مع امفينومس، الأكثر تأدباً بين الذين تقدموا لطلب يدي. الأغاني تقول أنني وجدت حديثه مقبولاً، أو أكثر قبولاً من الآخرين.
صحيح أني فتحت الباب للخطّاب وقدّمت وعود سرية لبعضهم، ولكن كانت هذه مسألة تدبير. من الأشياء الأخرى، أنني استخدمت جرأتي المفترضة لتحصيل بعض الهدايا غير الثمينة منهم- نذر يسير مما يأكلوه وينفقوه سدى- وألفتُ النتباهكم بأن أوديسيسوس كان موافقاً على ذلك.
الرواية الأشد غيظاً هي تلك التي تقول بأنني نمتُ مع الخطابين جميعهم، واحداً بعد الآخر- أنهم أكثر من مائة- ومن ثم ولدتُ الإله العظيم "بان". من بمقدوره أن يصدق هذه الخرافة الشيطانية؟ بعض هذه الأغاني كثير عليها النفس الذي وضع فيها. بعض المعلقين شهدوا-حماتي- أمّ زوجي، التي لم تقل كلمة عن الخطّاب عندما تحدث معها اوديسيوس في جزيرة الموت. صمتها أخذ كدليل. بعضهم قال، لو أنها نوهت إلى الخطابين، في هذه الحال عليها أن تشير إلى خيانتي أيضاً. ربما كان قصدها أن تزرع بذرة مسمومة في بدن أوديسيوس. ولكنكم تعرفون حساسيتها اتجاهي. ربما كان ذلك آخر لمسة حادة نحوي.
أخرين سجلوا حقيقة أنني لم اتخلى عن ولم أعاقب الخادمات الوقحات الأثني عشرة، ولم أقفل عليهن داخل مبني ليشتغلن في طحن الذرة، وإلا لكنت منغمسة بنفسي في هذا العهر. لكنني أوضحت كل ذلك.
الاتهام الأكثر جدية هو أن اوديسيسوس لم يكشف لي عن نفسه عندما اجتمعنا للمرة الأولى. قيل أنه لم يثق، وأراد أن يتأكد من أنني لم أجعل القصر مرتعاً لملذاتي. لكن السبب الحقيقي هو أنه كان يخشى أن أغرق في دموع الفرح وأبتعد عنه. بصورة ممائلة، قد أغلق عليّ مع بقية النسوة في ساحة النساء فيما كان يتخلص من الخطاب وبمساعدة " ايريكلينا" وليس بمساعدتي. ولكنه كان يعرف جيداً- قلبي الرقيق، عادة الغرق في الدموع والسقوط في العتبة. ببساطة لم يشأ أن يعرضني للخطر أو لمشهد لن أوافق عليه. بالتأكيد هذا هو التفسير الصريح لتصرفه.
لو أن زوجي عرف شيئاً عن تلك الشائعات المهينة ونحن على قيد الحياة لمزق بعض الألسنة. ولكن لا فائدة من الحزن على فرص ضائعة. ص 143-
____________________________________________________________
رواية جديدة مجهولة المؤلف حول رئاسة أوباما -
كلاين صاحب «ألوان أساسية» عن كلينتون متهم بكتابتها
رواية جديدة مجهولة المؤلف حول رئاسة أوباما
«بحق السماء، هل يعتقدون ان هذا المنصب الـ... يجعل مني خصيّا»؟ هكذا يفترض أن يكون البطل قد قال علنًا عندما علم ان كاميرات التلفزيون التقطته وهو «يعرّي» شابة يافعة بعينيه. والبطل الذي يشير اليه المؤلف فقط بحرفه الأول O «او» يفترض ان يكون الرئيس باراك اوباما، لأن عنوان الرواية هو O, A Presidential Novel «او.. رواية رئاسية».
على أن مدى الصدقية التي تحملها الرواية الواقعة في 353 صفحة تعتمد على صدقية المؤلف نفسه. لكن هذا غير متاح لأن هويته (أو هويتها) مجهولة حاليًا. وتبعًا لصحيفة «غارديان» البريطانية، فإن نشاط الصالونات السياسية والأدبية في واشنطن هذا الشتاء هو تخمين لهذه الهوية.
من جهته، اكتفى الناطق باسم الدار الناشرة «سايمون آند شوستر» بالقول إن المؤلف «شخص لا يتوجس الرئيس الأميركي خيفة من وجوده في الغرفة نفسها.. شخص يعلم تمامًا ما يدور في عالمه». لكن الناطق أكّد بتصريحه هذا - عن عمد أو غيره - أن بطل الرواية المعني هو أوباما فعلاً.
وتناولت التكهنات أسماء ساسة وروائيين وكوميديين عديدين. لكن التركيز ينصب الآن على جو كلاين، الذي أجبر في العام 1996 على الاعتراف بأنه مؤلف رواية Primary Colors «ألوان أساسية» عن حملة بيل كلينتون الرئاسية الأولى، وهي رواية نشرت من دون اسم مؤلفها.
وثمة اعتقاد واسع النطاق أن كلاين هو ايضًا مؤلف الرواية الجديدة عن اوباما بسبب بعض المتوازيات الواضحة. ومن هذه ان كلا من الروايتين عن حملة انتخابية رئاسية يخوضها البطل (جاك ستانتون في «ألوان أساسية» 1992، وأو في «او.. رواية رئاسية» 2012).
لكن التشابه يتنهي هنا بسب غياب التشابه بين البطلين. فبينما يعكس جاك ستانتون شخصية كلينتون كعاشق للنساء ومتورط في علاقة غير شرعية مع مصففة شعر السيدة الأولى (هيلاري افتراضا)، لا يتجاوز بطل «او» الحدود الا بتلك النظرات التي تريد التهام الشابة اليافعة وتلتقطتها عدسات التلفزيون. وتعاقبه السيدة الأولى (ميشيل افتراضا) بالامتناع عن الحديث اليه في تلك الليلة.
على أن المؤلف لم يصوّر بطله او - أو اوباما المفترض - تحت ضوء سلبي وإن كان قد أوضح انه زائد الحساسية إزاء معاملة وسائل الإعلام له. ومعلوم أن اوباما، الكاتب المقتدر، نشر كل ما يريد المرء معرفته عنه في كتاب سيرة حياته «أحلام من أبي». ولكن في عالم النشر اليوم، حيث يتعين على أي كتاب جديد أن «يصرخ» لكي يُسمع، فإن «او.. رواية رئاسية» يرقى الى مقام «ضربة معلّم» عندما يتعلق الأمر بفن النشر والتسويق.
فقد أرسلت دار «سايمون آند شوستر» رسائل إلكترونية الى عدد كبير من أبرز الكتاب والروائيين والصحافيين والمستشارين السياسيين ومنظمي الحملات الانتخابية.. وكل من يمكن أن يكون محل تكهنات بأنه مؤلف الرواية الأخيرة. وجاء في هذه الرسائل رجاء الى كل من هؤلاء بأن يمتنع عن التعليق في حال وجه اليه السؤال عما إن كان هو المؤلف. والمقصد واضح بالطبع وهو تأجيج لهب التكهنات نفسها بحيث تصبح علفًا تلوكه وسائل الإعلام فيشد الأنظار الى الرواية التي يتوقع أن تصبح بين الكتب الأكثر مبيعًا بين عشية وضحاها.
رواية جديدة مجهولة المؤلف حول رئاسة أوباما
«بحق السماء، هل يعتقدون ان هذا المنصب الـ... يجعل مني خصيّا»؟ هكذا يفترض أن يكون البطل قد قال علنًا عندما علم ان كاميرات التلفزيون التقطته وهو «يعرّي» شابة يافعة بعينيه. والبطل الذي يشير اليه المؤلف فقط بحرفه الأول O «او» يفترض ان يكون الرئيس باراك اوباما، لأن عنوان الرواية هو O, A Presidential Novel «او.. رواية رئاسية».
على أن مدى الصدقية التي تحملها الرواية الواقعة في 353 صفحة تعتمد على صدقية المؤلف نفسه. لكن هذا غير متاح لأن هويته (أو هويتها) مجهولة حاليًا. وتبعًا لصحيفة «غارديان» البريطانية، فإن نشاط الصالونات السياسية والأدبية في واشنطن هذا الشتاء هو تخمين لهذه الهوية.
من جهته، اكتفى الناطق باسم الدار الناشرة «سايمون آند شوستر» بالقول إن المؤلف «شخص لا يتوجس الرئيس الأميركي خيفة من وجوده في الغرفة نفسها.. شخص يعلم تمامًا ما يدور في عالمه». لكن الناطق أكّد بتصريحه هذا - عن عمد أو غيره - أن بطل الرواية المعني هو أوباما فعلاً.
وتناولت التكهنات أسماء ساسة وروائيين وكوميديين عديدين. لكن التركيز ينصب الآن على جو كلاين، الذي أجبر في العام 1996 على الاعتراف بأنه مؤلف رواية Primary Colors «ألوان أساسية» عن حملة بيل كلينتون الرئاسية الأولى، وهي رواية نشرت من دون اسم مؤلفها.
وثمة اعتقاد واسع النطاق أن كلاين هو ايضًا مؤلف الرواية الجديدة عن اوباما بسبب بعض المتوازيات الواضحة. ومن هذه ان كلا من الروايتين عن حملة انتخابية رئاسية يخوضها البطل (جاك ستانتون في «ألوان أساسية» 1992، وأو في «او.. رواية رئاسية» 2012).
لكن التشابه يتنهي هنا بسب غياب التشابه بين البطلين. فبينما يعكس جاك ستانتون شخصية كلينتون كعاشق للنساء ومتورط في علاقة غير شرعية مع مصففة شعر السيدة الأولى (هيلاري افتراضا)، لا يتجاوز بطل «او» الحدود الا بتلك النظرات التي تريد التهام الشابة اليافعة وتلتقطتها عدسات التلفزيون. وتعاقبه السيدة الأولى (ميشيل افتراضا) بالامتناع عن الحديث اليه في تلك الليلة.
على أن المؤلف لم يصوّر بطله او - أو اوباما المفترض - تحت ضوء سلبي وإن كان قد أوضح انه زائد الحساسية إزاء معاملة وسائل الإعلام له. ومعلوم أن اوباما، الكاتب المقتدر، نشر كل ما يريد المرء معرفته عنه في كتاب سيرة حياته «أحلام من أبي». ولكن في عالم النشر اليوم، حيث يتعين على أي كتاب جديد أن «يصرخ» لكي يُسمع، فإن «او.. رواية رئاسية» يرقى الى مقام «ضربة معلّم» عندما يتعلق الأمر بفن النشر والتسويق.
فقد أرسلت دار «سايمون آند شوستر» رسائل إلكترونية الى عدد كبير من أبرز الكتاب والروائيين والصحافيين والمستشارين السياسيين ومنظمي الحملات الانتخابية.. وكل من يمكن أن يكون محل تكهنات بأنه مؤلف الرواية الأخيرة. وجاء في هذه الرسائل رجاء الى كل من هؤلاء بأن يمتنع عن التعليق في حال وجه اليه السؤال عما إن كان هو المؤلف. والمقصد واضح بالطبع وهو تأجيج لهب التكهنات نفسها بحيث تصبح علفًا تلوكه وسائل الإعلام فيشد الأنظار الى الرواية التي يتوقع أن تصبح بين الكتب الأكثر مبيعًا بين عشية وضحاها.
شعر خيار خاسر-علي محمود خضير
شعر
خيار خاسر
علي محمود خضير
حدّثْتُكَ مرّة:
كلُّ ليلةٍ تصلحُ أنْ تكونَ الأخيرةَ وكلُّ نهارٍ يحملُ بقلبه بذرةَ العدم
أحسبُ أنَّ في رأسي يتجادلُ مَلَكانِ، لا يملاّنِ حساب المرّاتِ التي أدرتُ ظهري فيها لرسائلِ الليلِ والنهار
أحسبُ أَنهما تعبا كثيراً معي فتركاني هائماً في دروبٍ لا تستحي.
أحسبُ أنَّ نهاراتي القادمةَ أقلُّ حظاً.
وأني خسرتُ بياضي بانتظارِ سوادِك.
وأنَّ ذنوبي لا تغفرُها رحمتُك.
حدّثْتُكَ، بعدَها، عن أجنحتي التي لا تخفق؟
عن حقائقَ خذلَتْنا وإشاعاتٍ صادقة
عن ذكرياتٍ تُطلقُ وحوشَها على أيامنا العارية.
أحسبُ أَنكَ مللتَ حديثي لكنكَ تكتم:
مللتَ الحكايا أفرشُها مخافةَ أن تُنسى
وأُطلقُ أنفاسَها لئلا تصدأ
مللتَ السُّبُلَ نبذلُ فيها أعمارَنا المحدَّبة، ولا تَعرِفُنا
مللتَ الصوائح
بلسانها الألثغ وصوتِها الرديء
مللتَ، لكنكَ تكتم.
قلت:
من يعبأُ لأجنحةٍ مسحوقةٍ لا تخفق؟
من يبادل حصىً تغرق بطرقات ملؤُها نشوةٌ مبتورة
من يعاند كلَّ هذه الجماجمِ بأسنانٍ أبديةٍ تضحك
من يضاربُ بأقدارِنا المصقولةِ بعنايةٍ فائقة
من ينادمُ الطمأنينة، يستدرجُها،
متجرعاً وخزَ فظاظتِها ودناءته؟
من يعاقبُ إحباطَنا بشواطئَ لا تمرض؟
حدّثْتُكَ، ذاتَ غَوْر:
لا ملاذ لمن رأى الشمسَ تخفقُ مشنوقةً بحبلِ العاصفة
لا ملاذ لمن أرجأ خَلاَصَهُ برميةِ زهر
لا ملاذ لمن بدَّدَ بأسَهُ في بهتانِ خلوده
لا ملاذ لي وأنا أُعدِّد ملاذاتِهمُ الخاسرة!
قلت:
"إنْ كنتَ خائفاً من المنعطفِ القادم،
فأغمضْ عينيك
وأقبلْ عليه، دونَ اكتراث
هكذا ستغيضُ الريحَ بسخريةٍ بسيطة
وقليلٍ من الشجاعةِ الممكنة".
وقلت أيضاً:
كم ثعباناً في قميصِكَ أيها القدر؟
كم سكيناً خلفَ ظهرك أيها الغد؟
كم قبراً مخبوءاً فيكَ أيها الميت؟
أقوالٌ كثيرةٌ وأحاديث
أحاديثُ ما كانَ لها أن تنتهي
طالما عذبت المَلََكَيْنِ وهما يعدّان رسائل الليلِ والنهارِ التي أدرتُ لها ظهري
تعبِا،
وتركاني هائماً في دروبٍ لا تستحي
فهل سترحلُ أنت أيضاً؟
- ....
خيار خاسر
علي محمود خضير
حدّثْتُكَ مرّة:
كلُّ ليلةٍ تصلحُ أنْ تكونَ الأخيرةَ وكلُّ نهارٍ يحملُ بقلبه بذرةَ العدم
أحسبُ أنَّ في رأسي يتجادلُ مَلَكانِ، لا يملاّنِ حساب المرّاتِ التي أدرتُ ظهري فيها لرسائلِ الليلِ والنهار
أحسبُ أَنهما تعبا كثيراً معي فتركاني هائماً في دروبٍ لا تستحي.
أحسبُ أنَّ نهاراتي القادمةَ أقلُّ حظاً.
وأني خسرتُ بياضي بانتظارِ سوادِك.
وأنَّ ذنوبي لا تغفرُها رحمتُك.
حدّثْتُكَ، بعدَها، عن أجنحتي التي لا تخفق؟
عن حقائقَ خذلَتْنا وإشاعاتٍ صادقة
عن ذكرياتٍ تُطلقُ وحوشَها على أيامنا العارية.
أحسبُ أَنكَ مللتَ حديثي لكنكَ تكتم:
مللتَ الحكايا أفرشُها مخافةَ أن تُنسى
وأُطلقُ أنفاسَها لئلا تصدأ
مللتَ السُّبُلَ نبذلُ فيها أعمارَنا المحدَّبة، ولا تَعرِفُنا
مللتَ الصوائح
بلسانها الألثغ وصوتِها الرديء
مللتَ، لكنكَ تكتم.
قلت:
من يعبأُ لأجنحةٍ مسحوقةٍ لا تخفق؟
من يبادل حصىً تغرق بطرقات ملؤُها نشوةٌ مبتورة
من يعاند كلَّ هذه الجماجمِ بأسنانٍ أبديةٍ تضحك
من يضاربُ بأقدارِنا المصقولةِ بعنايةٍ فائقة
من ينادمُ الطمأنينة، يستدرجُها،
متجرعاً وخزَ فظاظتِها ودناءته؟
من يعاقبُ إحباطَنا بشواطئَ لا تمرض؟
حدّثْتُكَ، ذاتَ غَوْر:
لا ملاذ لمن رأى الشمسَ تخفقُ مشنوقةً بحبلِ العاصفة
لا ملاذ لمن أرجأ خَلاَصَهُ برميةِ زهر
لا ملاذ لمن بدَّدَ بأسَهُ في بهتانِ خلوده
لا ملاذ لي وأنا أُعدِّد ملاذاتِهمُ الخاسرة!
قلت:
"إنْ كنتَ خائفاً من المنعطفِ القادم،
فأغمضْ عينيك
وأقبلْ عليه، دونَ اكتراث
هكذا ستغيضُ الريحَ بسخريةٍ بسيطة
وقليلٍ من الشجاعةِ الممكنة".
وقلت أيضاً:
كم ثعباناً في قميصِكَ أيها القدر؟
كم سكيناً خلفَ ظهرك أيها الغد؟
كم قبراً مخبوءاً فيكَ أيها الميت؟
أقوالٌ كثيرةٌ وأحاديث
أحاديثُ ما كانَ لها أن تنتهي
طالما عذبت المَلََكَيْنِ وهما يعدّان رسائل الليلِ والنهارِ التي أدرتُ لها ظهري
تعبِا،
وتركاني هائماً في دروبٍ لا تستحي
فهل سترحلُ أنت أيضاً؟
- ....
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)