حكايات ولدي الشاطر
عادل كامل
إشارة
[ كتبت هذه القصص عندما كان (بطلها) صغيرا ً، في الخامسة من عمره، وهو ولدي سيف. ولم اكتبها إلا اثر رؤيتي له، ذات صباح ـ وقد صنع جنازة صغيرة، كي يدفن، في قبر صغير، عصفورا ً فشل في انتشاله من الموت. كانت الحرب في ذروتها، وكان ولدي، في مساء احد تلك الأيام، في حي (الضباط) بالقاهرة، نائما ً بمحاذاة النافذة الكبيرة المطلة على الشارع...ولكني، بدافع ما، ناديته، كي ينهض..وفي اللحظة تلك، حدث الانفجار الذي هشم زجاج تلك النافذة! ولقد نجا ولدي من الموت بأعجوبة...
بعد سنوات قليلة، غادر ولدي عصره الذهبي، وغادر طفولته، فتوقفت عن كتابة هذه الحكايات! بانتظار سنوات لم تختلف، إلا في الشدة. فقد غدا العنف، وحرب الجميع ضد الجميع، بغياب الهواء والأمل، أن ذلك الصغير الذي مازال يرثي عصفورا ً شيّد له، في الحديقة، قبرا ً زينه بالورد والأغصان، إلا أن يجد حديقة ما، يحلم فيها الناس، تاركا لي... الفراغ الذي راح يزداد اتساعا ً، بالكلمات، والتجّلد المستحيل!
هذه الحكايات، وحدها، مثال لحكايات لملاين آخرين من الأطفال الحالمين بعالم اقل قسوة، واقل جورا ً..
2014
[1] غناء
كان ينظر إلى الغيوم البيض، عندما سألني:
ـ سأغني .. بابا .. أتسمح لي بذلك ؟
سألته :
ـ لمنْ تُغني ؟
ـ لتلك الغيمة البيضاء ..
ـ لماذا ؟
أجاب بهدوء :
ـ في كل يوم ٍ، عندما تمرُ، تغني لي ..!
[2] نزهة
ـ " هيا " وقال ولدي:
ـ " لنذهب إلى النهر "
فذهبنا معا ً. وجلسنا نتأمل الأمواج، وأشعة الشمس الذهبية.. أنا كنت اصطاد وهو ينظر إلى ماء النهر الجاري .. سألني:
ـ ماذا تفعل ؟
ـ أصطاد .
فقال بحزن :
ـ لا .. لا يا والدي .. دع أصدقائي يتنزهون في النهر!
[3] صداقة
كان يسقي شجرة صغيرة، خضراء، ويحدق فيها بحنان. سألته:
ـ لماذا تفعل ذلك ؟
ـ أريدها أن تكبر، لتصبح صديقتي!
[4] برد .. وجليد
لماذا يلوثون البرد ؟ تساءل ولدي، وهو يستمع إلى أخبار اعتداء جديد على أرضنا. لكني قلت له:
ـ إلا ترى ان الجليد يغطي ارض قريتنا ؟
ـ نعم .. ماذا تقصد ؟
ـ ان الجليد يحمي أرضنا من قذائف الأعداء.
لكنه تساءل، مرة ثانية:
ـ لماذا يلوثون الجليد ؟
[5] حب
كان ينظر إلى السماء الملبدة بالغيوم عندما سألته:
ـ أي شيء تحب : السماء أم الغيوم ؟
أجاب حالا ً :
ـ الغيوم !
ـ لماذا ؟
ـ لأنها تأتي بالمطر!
[6] ضجر
كنا نتنزه بمحاذاة النهر، عندما قفز إلى الماء، واختفى تحت الأمواج الزرق.. ثم عاد إلي ّ ومعه سمكة جميلة:
ـ أين كنت ؟
ـ في النهر!
ـ وماذا كنت تنفعل ؟
ـ ضجرت !
ـ وهذه السمكة ؟
ـ ضجرت من النهر !
ـ والآن ؟
في تلك اللحظة رأيته يودع سمكته وهو يحدثها :
ـ عودي إلى وطنك .. فكل منا له وطنه الجميل!
[7 ] نجوم حزينة
كان ينظر إلى النجوم المتناثرة في سماء الشتاء، عندما سألني:
ـ بابا ..أرى النجوم حزينة ..!
ـ كيف عرفت ذلك ؟
ـ إنها متناثرة مثل جثث قتلى في ميدان الحرب ..!
قلت له :
ـ لكنها تضيء السماء .. والأرض ..؟
قال : من شدة حزنها تفعل ذلك ..!
[8] مستقبل
بعد ان عدت متعبا ً من العمل، إلى البيت، كنت أحوّم فوق فضاء القرية حالما ً بغفوة بين بساتين النخيل .. لكن ولدي جعلني أفيق.. حدقت فيه طويلا ً .. ثم سألته :
ـ عندما تكبر.. هل ستصبح طيارا ً ..؟
أجاب :
ـ كلا.
ـ هل تصبح بحارا ً ..؟
ـ كلا ً .
ـ ستكون مقاتلا.. ؟
ـ كلا .. كلا .. كلا .
فسألته وأنا مازلت في الحلم:
ـ ماذا ستصبح إذا ً ؟
ـ شمسا ً تنير السماء والبحر والأرض !
[9] غناء
ـ يا والدي .. ماذا تفعل عندما تتعب ؟
ـ أرقد .
بعد صمت قصير سألته:
ـ وأنت ماذا تفعل ؟
ـ قبل ان اتعب .. أغني للشهداء !
[10] سعادة
صحت مندهشا، وأنا انظر سعيدا ً إلى أشعة الشمس.. قائلا لولدي :
ـ الآن .. سأكتب قصيدة جميلة..
ـ لماذا ؟
ـ لأنني لم أرْ، منذ زمان، أشعة الشمس الذهبية تملأ القلب نشوة سعيدة ..
فأجابني بهدوء:
ـ لكني يوميا ً أراها !