الثلاثاء، 30 ديسمبر 2014

فنون «انفجار» أفضل فيلم يوناني في 2014-


فنون

«انفجار» أفضل فيلم يوناني في 2014



«سيدة يونانية شابة تكافح من أجل العيش، في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعيشها بلادها، الأمر الذي يضعها على حافة الانفجار»، يشكل هذا التعبير اختصاراً لجملة الأحداث التي تدور حولها قصة الفيلم اليوناني «انفجار» (ABlast) للمخرج الشاب سيلاس تزوميركاس.

حيث صنف الفيلم بحسب النقاد على أنه أفضل فيلم يوناني هذا العام، لا سيما أنه تمكن من الاستحواذ على ثناء النقاد بعد عرضه الأول، ضمن المسابقة الرسمية لمهرجان لوكارنو السينمائي الذي عقد في أغسطس الماضي.

المخرج سيلاس تزوميركاس، الذي ينتمي إلى جيل جديد من صناع السينما اليونانية، الذين يطرحون في أفلامهم الوضع الاجتماعي و السياسي في البلاد، قال في تعليق له على الفيلم: «إنها قصة امرأة تقرر تغيير حياتها جذرياً فتحارب كل الناس الذين تحبهم حتى عائلتها.. لماذا تفعل ذلك؟

لأنها تستيقظ في يوم من الأيام وفي خضم الأزمة الاقتصادية التي تشهدها اليونان فلا تتعرف على نفسها فتبحث عن طريقة تستعيد من خلالها احترامها لذاتها». وأضاف تزوميركاس: «الفيلم لا يستند إلى قصة حقيقية لشخص يعيش بيننا، ويمكن القول إنه نابع من تجارب جيل كامل، هذا الجيل الذي تضرر كثيراً جراء الأزمة المالية التي تعصف باليونان في السنوات الأخيرة».

النقاد أشادوا في قراءتهم للفيلم بأداء الممثلة اليونانية الشابة أنجيليكي بابولينا، وقالوا إنها أبدعت في تقمص دور البطلة ماريا، وهي المرأة التي تتحمل جميع أعباء عائلتها، ولكنها تنهار في نهاية الأمر فتدمر كل شيء حولها.

وحول هذه الممثلة قال تزوميركاس: «أنجيليكي بابولينا ممثلة رائعة، وبتقديري أنها الأفضل والأكثر روعة بين بنات جيلها من الممثلات، وشعرت أنها شجاعة جداً في كل شيء تفعله. وهذا أمر نادر، وشخصيتها مشابهة تماما لشخصية ماريا».
_______
*البيان

الأحد، 28 ديسمبر 2014

حكايات ولدي الشاطر- عادل كامل










حكايات ولدي الشاطر


عادل كامل

إشارة

     [ كتبت هذه القصص عندما كان (بطلها) صغيرا ً، في الخامسة من عمره، وهو ولدي سيف. ولم اكتبها إلا اثر رؤيتي له، ذات صباح ـ وقد صنع جنازة صغيرة، كي يدفن، في قبر صغير، عصفورا ً فشل في انتشاله من الموت. كانت الحرب في ذروتها، وكان ولدي، في مساء احد تلك الأيام، في حي (الضباط) بالقاهرة، نائما ً بمحاذاة النافذة الكبيرة المطلة على الشارع...ولكني، بدافع ما، ناديته، كي ينهض..وفي اللحظة تلك، حدث الانفجار الذي هشم زجاج تلك النافذة! ولقد نجا ولدي من الموت بأعجوبة...
     بعد سنوات قليلة، غادر ولدي عصره الذهبي، وغادر طفولته، فتوقفت عن كتابة هذه الحكايات! بانتظار سنوات لم تختلف، إلا في الشدة. فقد غدا العنف، وحرب الجميع ضد الجميع، بغياب الهواء والأمل، أن ذلك الصغير الذي مازال يرثي عصفورا ً شيّد له، في الحديقة، قبرا ً زينه بالورد والأغصان، إلا أن يجد حديقة ما، يحلم فيها الناس، تاركا لي... الفراغ الذي راح يزداد اتساعا ً، بالكلمات، والتجّلد المستحيل!
     هذه الحكايات، وحدها، مثال لحكايات لملاين آخرين من الأطفال الحالمين بعالم اقل قسوة، واقل جورا ً..
 2014




[1] غناء  








كان ينظر إلى الغيوم البيض، عندما سألني:
ـ سأغني .. بابا .. أتسمح لي بذلك ؟
سألته :
ـ لمنْ تُغني ؟
ـ لتلك الغيمة البيضاء ..
ـ لماذا ؟
أجاب بهدوء :
ـ في كل يوم ٍ، عندما تمرُ، تغني لي ..!

[2] نزهة



 



 ـ " هيا " وقال ولدي:
ـ " لنذهب إلى النهر "
فذهبنا معا ً. وجلسنا نتأمل الأمواج، وأشعة الشمس الذهبية.. أنا كنت اصطاد وهو ينظر إلى ماء النهر الجاري .. سألني:
ـ ماذا تفعل ؟
ـ أصطاد .
فقال بحزن :
ـ لا .. لا يا والدي .. دع أصدقائي يتنزهون في النهر!


   
[3] صداقة




كان يسقي شجرة صغيرة، خضراء، ويحدق فيها بحنان. سألته:
ـ لماذا تفعل ذلك ؟
ـ أريدها أن تكبر، لتصبح صديقتي!

[4] برد .. وجليد


لماذا يلوثون البرد ؟ تساءل ولدي، وهو يستمع إلى أخبار اعتداء جديد على أرضنا. لكني قلت له:
ـ إلا ترى ان الجليد يغطي ارض قريتنا ؟
ـ نعم .. ماذا تقصد ؟
ـ ان الجليد يحمي أرضنا من قذائف الأعداء.
لكنه تساءل، مرة ثانية:
ـ لماذا يلوثون الجليد ؟

[5] حب



 


كان ينظر إلى السماء الملبدة بالغيوم عندما سألته:
ـ أي شيء تحب : السماء أم الغيوم ؟
أجاب حالا ً :
ـ الغيوم !
ـ لماذا ؟
ـ لأنها تأتي بالمطر!

[6] ضجر





كنا نتنزه بمحاذاة النهر، عندما قفز إلى الماء، واختفى تحت الأمواج الزرق.. ثم عاد إلي ّ ومعه سمكة جميلة:
ـ أين كنت ؟
ـ في النهر!
ـ وماذا كنت تنفعل ؟
ـ ضجرت !
ـ وهذه السمكة ؟
ـ ضجرت من النهر !
ـ والآن ؟
     في تلك اللحظة رأيته يودع سمكته وهو يحدثها :
ـ عودي إلى وطنك .. فكل منا له وطنه الجميل!

[7 ] نجوم حزينة




كان ينظر إلى النجوم المتناثرة في سماء الشتاء، عندما سألني:
ـ بابا ..أرى النجوم حزينة ..!
ـ كيف عرفت ذلك ؟
ـ إنها متناثرة مثل جثث قتلى في ميدان الحرب ..!
     قلت له :
ـ لكنها تضيء السماء .. والأرض ..؟
     قال : من شدة حزنها تفعل ذلك ..!
[8] مستقبل







     بعد ان عدت متعبا ً من العمل، إلى البيت، كنت أحوّم فوق فضاء القرية حالما ً بغفوة بين بساتين النخيل .. لكن ولدي جعلني أفيق.. حدقت فيه طويلا ً .. ثم سألته :
ـ عندما تكبر.. هل ستصبح طيارا ً ..؟
  أجاب :
ـ كلا.
ـ هل تصبح بحارا ً ..؟
ـ كلا ً .
ـ ستكون مقاتلا.. ؟
ـ كلا .. كلا .. كلا .
     فسألته وأنا مازلت في الحلم:
ـ ماذا ستصبح إذا ً ؟
ـ شمسا ً تنير السماء والبحر والأرض !

[9] غناء


ـ يا والدي .. ماذا تفعل عندما تتعب ؟
ـ أرقد .
     بعد صمت قصير سألته:
ـ وأنت ماذا تفعل ؟
ـ قبل ان اتعب .. أغني للشهداء !

[10] سعادة




صحت مندهشا، وأنا انظر سعيدا ً إلى أشعة الشمس.. قائلا لولدي :
ـ الآن .. سأكتب قصيدة جميلة..
ـ لماذا ؟
ـ لأنني لم أرْ، منذ زمان، أشعة الشمس الذهبية تملأ القلب نشوة سعيدة ..
     فأجابني بهدوء:
ـ لكني يوميا ً أراها !


الخطأ يؤدي إلى خطأ أكبر!-د.إحسان فتحي/ معماري عراقي ومتخصص بالحفاظ على التراث




الخطأ يؤدي إلى خطأ أكبر!



      الزملاء المعماريون العراقيون والأصدقاء  تحيات وسلامات لم أستغرب أبدا عندما سمعت قبل أيام بأن الجهات المسؤولة عن الحضرة الحسينية الشريفة قد قررت وضع قبة جديدة فوق القبة القديمة. هذا بعد ان شعرت بخطأ ما عملته قبل سنوات قليلة بتسقيف الصحن التاريخي الكبير الذي كان يمثل الفضاء الأرحب في المدينة العتيقة التي كانت تتميز بأزقتها المتعرجة والضيقة، فكان هذا الصحن المفتوح يمثل المفاجأة الكبرى للزوار وصدمة حسية لا تنسى مفعمة بالمشاعر الجميلة والمؤثرة. كان هذا القرار الكارثي بالنسبة للتراث المعماري للعتبات المقدسة قد سبب في إخفاء شبه كامل ومحزن لهذه القبة الذهبية الرائعة والتي يرجع تاريخها إلى بدايات القرن التاسع عشر( بعد ان مرت بسلسلة طويلة من إعادة التعمير). أصبحت القبة لا ترى إلا من مسافات بعيدة جدا. ان هذا القرار الخطير كان قد اتخذ بكل بساطة من قبل عدد قليل من الأفراد غير المتخصصين ودون استشارة دائرة الآثار والتراث ونفذته شركة إيرانية. أتذكر انه في زيارة توثيقية لي لمدينة كربلاء قبل 3 سنوات، وبالتنسيق مع مكتب (ديوان) للأخ الصديق محمد الاعسم، كان قد سألني المهندس المسؤول عن الحضرة وتطويرها عن مشكلة اختفاء القبة الحسينية عن الأنظار وكيفية معالجتها؟ وكانت إجابتي بكل بساطة ان عليكم جديا التفكير بإزالة السقف الجديد ووضع (شمسيات كهربائي ) كتلك التي وضعت في صحن المجد النبوي الشريف في المدينة المنورة. لكن اقتراحي هذا لم يؤخذ به، لأنه كان سيمثل اعترافا واضحا بالخطأ الفادح المرتكب.  أما الآن فهم يفكرون ببناء قبة جديدة اكبر ترتفع بأكثر من القديمة بحوالي 8 أمتار (فوق القديمة الذي يبلغ ارتفاعها 27 مترا) ومن الحديد طبعا وليس الطابوق، إضافة إلى إنهم سيضطرون إلى هدم المئذنتين التاريخيتين واستبدالهما بأخريين جديدتين!ما هذا الذي يحصل؟  انه الكابوس بعينه.  هل يمكن ان يدمر تراثنا بهذا الشكل الساذج والجاهل والمتعمد؟  لقد سجلت احتجاجا شديد اللهجة ضد ما عمله المسؤولين عن إعادة بناء قبة الإمامين العسكريين في سامراء وبالتعاون مع منظمة (اليونسكو- العراق) المهادنة، عندما علمت بان القبة الجديدة ستكون من هيكل حديدي!  كانت هذه القبة التاريخية الرائعة اكبر قبة من الآجر في العراق والآن أصبحت مجرد هيكل حديدي مزيف. بالله عليكم يا اثاريون هل هذا هو الأسلوب العلمي الصحيح في الترميم؟  ان اليونسكو مدان كليا وتاريخيا لسماحه أو بالتواطؤ مع الجهات العراقية المسؤولة عن هذه العملية الزائفة والتي كلفت أكثر من 80 مليون دولار! كم يا ترى ستكون كلفة مشروع القبة الحسينية الجديدة مع مأذنها في كربلاء؟  ومن هو المسؤول وصاحب هذه الفكرة الرهيبة؟  ان الخطأ قد جرهم الى التفكير بارتكاب خطأ افدح.  أرجو من المرجعية الحكيمة، ومن كل أهل كربلاء الكرام، ومن وزارة السياحة والاثار، ومن كل عراقي يهمه تراثنا المعماري، ان يوقفوا هذه المهزلة، وان لا  يسمح أبدا لأي شخص كان ان يتلاعب بالتراث الحضاري العراقي من زاخو الى البصرة.

د.إحسان فتحي/ معماري عراقي ومتخصص بالحفاظ على التراث

الاثنين، 22 ديسمبر 2014

فضفضات شروﮜية تحت خيمة السيرك السياسي-كاظم فنجان الحمامي


فضفضات شروﮜية تحت خيمة السيرك السياسي
(الحلقة السادسة)

لماذا نبكي في الجنوب ؟

كاظم فنجان الحمامي

نحن في الجنوب لا نبكي على فقداننا الأمن والأمان، ولا نبكي على أبنائنا الذين مزقت أجسادهم العبوات الناسفة في الأسواق والمساجد والمدارس والمستشفيات، ولا على نقص الخدمات، وتفشي الأمراض، وتفاقم معدلات البطالة، ولا على انقطاع التيار الكهربائي، ولا على ارتفاع ملوحة مياه الشرب، ولا على أموالنا المهدورة، وثرواتنا المسروقة، وآثارنا المهربة، ولا على تبوئنا المراتب المتدنية في أسبقيات العفة والنزاهة بمقياس منظمة الشفافية العالمية، لكننا نبكي وبحرقة منذ زمن بعيد على حظوظنا العاثرة وتعرضنا للظلم والتنكيل من الحكام والسياسيين الذي قذفتهم علينا الأقدار، وماانفكوا يستخفون بنا نحن أبناء الجنوب، ويتهكمون علينا. نبكي على أعمارنا الضائعة في بلد لا يهتم بنا، ولا يعبأ بمآسينا، ولا يكترث بما آلت إليه أحوالنا البائسة نحو الأسوأ.
نبكي منذ زمن بعيد على خيبتنا في بلد تصدر نشرات الأخبار في المصائب والويلات والكوارث والنكبات والفواجع والأحزان والأزمات، وعلى كبواتنا المتكررة ووقوفنا عاجزين مخذولين خلف مواكب الشعوب الناهضة، والأمم التي انتقلت نحو الأفضل وتسلقت ناصية المجد والتفوق.
نبكي لأننا مللنا من الشعور في الغربة في وطن عصفت به المهاترات السياسية إلى الحدود الدنيا التي صار فيها مصيرنا بيد السياسيين الذين ظلوا يتبطرون علينا ويتكبرون علينا. تارة يتهموننا بالفرس والهنود والمجوس وتارة يزعمون أننا لا نفقه ولا نفهم، وتارة أخرى يحرموننا من ابسط استحقاقاتنا الإنسانية والوظيفية والتعليمية والاجتماعية. لم نعد نسمع سوى التصريحات الاستفزازية، والكلمات الهجينة المملة المحرضة على العنف ضد أبناء الجنوب، والخطابات المزعجة الداعية للتمزق والتشرذم، والبيانات الطائفية المقيتة.
نبكي لأنهم ظلوا ينظرون إلينا نظرة دونية، ويتعاملون معنا بفوقية مفتعلة وكأننا تركة ثقيلة يفكرون بالتخلص منها بكل الطرق. نبكي لأننا نشعر أن الذين انتخبناهم لم يحققوا طموحنا. نبكي علينا لأننا اكتشفنا أنهم خدعونا وسرقوا أصواتنا وتاجروا بآلامنا. نبكي لأننا مللنا سماع قصص الفساد ونهب المال العام من دون أن ينال السارق عقابه. نبكي لأن أصحاب المناصب العليا والمراتب الرفيعة قفزوا في العراق نحو طبقة الأثرياء والأمراء، وتركونا (نحن أولاد الخايبة) نرزح تحت سقوف الفقر والتخلف. صاروا كلهم من أصحاب السعادة والمعالي والسمو، وصرنا في الحضيض فلم نعد نراهم إلا في المناسبات النادرة أثناء مرورهم علينا كالبرق الخاطف بسياراتهم المصفحة ومواكبهم الباذخة المتباهية بعنجهيتها. بات من الصعب علينا رؤيتهم بسبب عتمة نوافذ سياراتهم الحديثة، وكثافة عناصر الحماية حولهم وخلفهم وأمامهم وفوقهم.
لا احد يشعر بنا في غربتنا المفروضة علينا في أوساطنا الفقيرة القابعة في أقصى الجنوب، في الوقت الذي أحاطوا فيه قلاعهم الحصينة بجدران خراسانية عالية، تحرسها الكلاب البوليسية، وتحيط بها الكاميرات الالكترونية وتغلق منافذها الأسلاك الشائكة. نبكي لأنهم ظلوا يستخفون بنا حتى يومنا هذا. نبكي لأنهم لا يتذكروننا إلى عند اقتراب مواعيد الانتخابات. نبكي لأن (اليسوه والما يسوه) صار يتطاول علينا ويستفزنا دونما سبب. حتى صرنا مكفخة للرايح والجاي.
https://www.youtube.com/watch?v=fxZEZZY5VOo

الجمعة، 19 ديسمبر 2014

غالب المسعودي - (مو بيدينة) قصة سريالية

تجارب دراسيةلعادل كامل






7 قصص قصيرة جدا ً- عادل كامل

7  قصص قصيرة جدا ً

 


عادل كامل


[1] المرة الألف
ـ إنها المرة الألف...، التي تتذوق فيها صدمة عدم التقدم خطوة واحدة إلى الأمام...، وأنت تعرف ذلك، انك، للمرة الألف، لم تحرز تقدما ً...
وأضاف زميله يسأله:
ـ وها أنت، للمرة الألف، تخفق، فهل لديك ما تود ان تخبرني به...؟
أجاب بصوت هاديء:
ـ كلا! فانا، للمرة الألف، لم اكف عن محاولة الخروج من هنا، والتقدم خطوة، نحو الجانب الآخر...، فانا لم افشل، ولم اهزم، ولم اصب بالإعياء...، بالرغم من هذا العدد الكبير من التجارب...، ولكنني لا استطيع القول انني حققت درجة ما في التقدم، أو في النجاح، كي افشل، واهزم، إلا انني لم اخفق في التراجع، والاستسلام، إلى الأبد!
  ثم صمت، برهة، ليسأل زميله:
ـ ولكن اخبرني يا صديقي، هل جربت ان تغادر موقعك، هذا الذي لم تغادره، بل ولم تفكر حتى في الذهاب ابعد منه، حتى لو خطوة واحدة...، تسمح لك بتذوق درجات الهزيمة، ودرجات الإخفاق؟!

[2] غريب
غريب...
   قال مع نفسه، غريب، وهو يشاهد استعراض الفصائل، الواحد بعد الآخر، تدك الأرض، تهتف، تزعق، وتنشد ... ولم يتفوه بكلمة، نهض وأغلق التلفاز، وغادر غرفته، وجلس في الحديقة محدقا ً في  السماء، مخاطبا ً نفسه: إذا كانوا هؤلاء جميعا ً يحملون اسمك، ويهتفون من أجلك، يا الهي، فمن ينصرني؟
   ذلك لأنه استعاد مشاهد مماثلة، لم يقدر على محوها من ذاكرته، كان يرى فيها الفصائل، والجحافل، والحشود، تهتف، تزعق، تنشد، وهي تدك الأرض، بحياة الجنرال....، كان يراقبها عبر التلفاز، وحيدا ً داخل الجدران أيضا ً، ثم لم يعد هناك الجنرال، ولم تعد هناك جدران..!

[3] علاقة
   في الزريبة، سأل الثور البقرة:
ـ لِم َ أنت حزينة، عابسة، مكفهرة....، وكأنك بانتظار سكين سيدنا القصاب...؟
وأضاف مخاطبا ً نفسه:
ـ فماذا أقول أنا...، بعد ان أرسل سيدنا القصاب الثيران جميعا ً إلى الذبح...؟
    لم تجب البقرة إلا بعد ان داعبها الثور، بقرنه، وذيله، فقالت:
ـ هل يكفينا ثور واحد؟!
[4] حرية
      عندما نجح السيد س بالهرب من السجن، لم يجد أمامه ملاذا ً آمنا ً له أفضل من الاختباء في حديقة حيوانات المدينة. كان متعبا ً جدا ً، فنام، وعندما استيقظ، نهض، وراح يتجول في الحديقة، وهو يخاطب نفسه:
ـ هذا هو الأسد...، وهذا هو النمر، وهذا هو الفيل، وهذا هو التمساح، وهذا هو الكركدن، وهذا هو الذئب، وهذا هو الدب.....، وجميعها ً ساكنة، هادئة، وهي تبادلني نظراتها بصمت...
    ابتسم وقال مع نفسه:
ـ إذا ً أنا هو الوحيد الذي استطاع الهرب من سجنه!
    إنما شرد ذهنه لقهقهات آتية من وراء الأشجار، فالتفت إلى صاحبها:
ـ آ ...، أيها الثعلب، آسف انني لم أرك...، ولم أذكرك ...، وأنا استعرضكم وانتم داخل أقفاصكم الجميلة ...، فما الذي يدعوك إلى الضحك..؟
أجاب الثعلب ساخرا ً:
ـ قلت انك نجوت من قفصك، لكنك نسيت انك الآن داخل القفص الأكبر: قفصنا!

[5] خراف
       بعد ان ترك البيت، في طريقه إلى عمله، كما يفعل في كل يوم، لا حظ اختفاء النباتات التي زرعها أمام البيت، وانشغل بها طوال سنوات. فلم تعد ثمة ورود، ولا وجود للأزهار البرية النادرة التي حرص ان يراها تتفتح في كل صباح، كما اختفت النباتات المتسلقة ذات الأوراق المدورة، والمستطيلة، والابرية منها أيضا ً، ولم يبق من الشتلات الأفريقية إلا أغصانها الجرداء....
   لم يقدر على المشي، وهو يشاهد عددا ً من الخرافات تغادر الزقاق، تاركة خلفها رائحة قاومها، بالامتناع عن التنفس، حتى فقد وعيه، ومات.
[6] رجل وامرأة
  طلب من السيدة التي استجابت للقائه، ان تتقدم أمامه، في السير، كي يتبعها، فقالت له:
ـ سأفعل شرط ألا تنظر إلي ّ من الخلف!
  تقدمها، وطلب منها ان تلحق به، فقالت:
ـ لم لابد ان يسبق احدنا الآخر، أو يجري خلفه؟
ـ آ .....، هذه حكاية عمرها ملايين السنين!
     عندما جلسا بعيدا ً عن الأنظار، في زاوية نصف مضاءة، تردد في النظر في عينيها، ولم يتكلم، ولم يخبرها ان قوة ما تمنعه من ذلك، مع انه ـ كرر بصوت خفيض ـ قد اختارها لنداء يجهل أسبابه، فقالت:
ـ تمشي خلفي...، أو امشي خلفك...، ولكنك لا تستطيع ان تبادلني قبلة واحدة .....!
   لم يخبرها انه سيفعل، بعد ان يعالج إحساسه بالخجل، والاضطراب، شرط ألا تحدق في عينيه، إلا بعد ان يتدرب على استنشاق رائحة ما لا تدعه يبحث عن سواها. إنها حكاية عمرها سيمتد إلى ملايين السنين!
[7] وقت
ـ هل عدت من الموت...؟
ـ نعم!
ـ ما الذي فهمته..؟
ـ سيدي، وهل كنت فهمت الحياة، كي افهم الموت!
ـ إذا ً....، عد ...، من حيث أتيت، فلم يحن وقت رحيلنا بعد!
18/12/2014

الثلاثاء، 16 ديسمبر 2014

13 قصة قصيرة جدا ً- عادل كامل


13   قصة قصيرة جدا ً






عادل كامل
[1] ضد مجهول
    قال المحقق للموظف الشاب الذي سيؤدي دوره، بعد انتهاء خدمته، وهو يشير إلى خزانات حفظ المعلومات:
ـ لقد حرصت ان اخزن الملفات، والأضابير، والتقارير، والمعلومات المختلة، في هذه الخزانات، فهي الوثائق الرسمية الخاصة بالقضايا التي حصلت...
نظر الموظف الشاب بشرود إلى الخزانات، وهو يصغي إلى الموظف المحال على التقاعد:
ـ وبجوار هذه الخزانات، هناك خزانات أخرى...، تضم المعلومات والقرارات الموجه ضد مجهولين.
ـ وتلك..؟
ـ الثالثة، والرابعة، والخامسة،  هي أيضا ً تضم القضايا التي تم التحقيق فيها، وأنجزت، وأغلقت، وانتهى العمل بها.
ـ ضد مجهول؟
ـ نعم.
ـ يا له من عمل شاق، ومضن، أنجزته أيها السيد الموقر، خلال عملك الطويل، في هذه الدائرة، والذي يستحق الإعجاب، والثناء!
   ابتسم الموظف العجوز، وقال هامسا ً:
ـ لا تكترث، يا ولدي، لأنك ستدرك، بعد ان تغادر عملك ـ بعد سنوات طويلة ـ انك كنت احد هؤلاء المجهولين!

[2] احتفال!
     قال الزوج لزوجته، بعد نصف قرن من الحياة المشتركة:
ـ في الأصل ...، لم تكن هناك مشكلة...، أنا وأنت كنا السبب، أنا قلت لك: واحد يكفي، أما أنت ِ فقلت لي: اثنان...، ثم لم نعد نكترث لمجيء الثالث، والرابع...، والآن، بعد مضي هذه السنين الطويلة، فانا لا اعرف أأنا كنت السبب، أم أنت ِ، أم كلانا...، أم لا احد...!  فهذا العدد الكبير من المشاكل لم يحصل من تلقاء نفسها، فها أنت تشاهدين ما حصل، فهنا نحن نحتفل بهذا العدد الكبير من الأولاد، ومن البنات، وهم يحتفلون بأبنائهن، ونحن نحتفي بأحفادنا، وهم يحتفلون بأولادهم أيضا ً...
    قالت الزوجة لزوجها:
ـ هذه هي الحياة...، لِم َ تغضب، أيها العجوز الطيب...، فانا لم أكن السب، بمفردي، ولا أنت أيضا ً، فعندما لم تكن قادرا ً على الحياة وحيدا ً، فلماذا تؤنب ضميرك وقد أصبحت زعيما ً لهذه القبيلة..؟
   تمتم مع نفسه بصوت خفيض:
ـ عندما لا توجد فواصل بين السبب والنتائج، وعندما يصعب إرجاعها إلى عامل وحيد، ومباشر، وعندما تنعدم الحدود بين المذنب والبريء...، فالدورة تخفي نهاياتها بمقدماتها، والمقدمات تمضي ابعد من نهاياتها أيضا ً، آنذاك تكتسب الخطيئة شرعيتها!
فقالت الزوجة بصوت مرح:
 ـ والآن دعنا نحتفي بنهاية العمر، بعيدا ً عن الخطيئة والغفران!
لم يرفع صوته، ولكنه ردد مع نفسه: وهذا وحده كان فهمه مستحيلا ً!

[3] اعتراض
  وهما ينظران إلى مشهد الأسرى، قال لصديقه:
ـ انظر ...، إنهم يذهبون إلى الموت، طواعية، بهدوء، الواحد بعد الآخر....، ها أنت تراهم ـ وبإمكانك ان تعيد المشهد متى تشاء ـ يهرولون، فالمشهد غدا مزدوجا ً بين ان يكون واقعة حدثت، وبين ان يكون تمثيلا ً لها، فلا فوارق تذكر بينهما، بين الجوهر وبين الصورة، فهم يهرولون، عبر الشاشة، مرة بعد أخرى، وأنت تستطيع تخيل سماع أصداء خطاهم كأنها لا تضرب الأرض، وكأنهم يهرولون في مجال لا جاذبية فيه، لا من الأعلى ولا من الأسفل، ولا من اليمين ولا من اليسار...، مع انك تستطيع ان تعرف أنهم كانوا يحملون أسماء ً، ولديهم آباء وأمهات، واسر، وبيوت، وأحلام ...، ولكنك الآن لا تعرف هل هم أحياء، أم هم أتون من الموت إلى الحياة، أم عائدون من الحياة إلى ما بعدها، وقد توارت وجوههم خلف خرق، ومناديل، وعصبت عيونهم، وكبلت أيدهم بالحبال، يهرولون...، وسيهرولون إلى الأبد...، ولكنك تستطيع ان تحدق في عيونهم، بعملية فنية بسيطة، وتعيد قراءة ما حدث لوجوههم، وملامحها، وتعيد قراءة ما توارى خلفها، لتدرك إنها كفت عن حاجتها للنظر، في الطريق، وإنها كفت حتى عن الاستغاثة، بل وحتى عن طلب النجدة، والرغبة بالنجاة......، فهم يهرولون، كالأعمى يتتبع اثر الأعمى، رغم إننا نظن كنا نرى الدرب، ونرى السماء كم كانت زرقاء، وثمة غيوم رمادية، وأخرى بيضاء، وهناك غبار شفاف ليس له مذاق، وليس له لون...، انك تستطيع ان ترى المشهد، كأنه جرى قبل عصر الطوفان، أو بعد هذا العصر، بهدوء، وأنت تدخن، وأصابعك مازالت تمسك برماد جسدك البارد.
   سكت، وسأل جاره:
ـ وأنت...، يا صديقي، لم ترفع رأسك، لم تتوقف عن متابعة المشهد، لم تغضب، لم تصرخ، لم تستغث....!
رفع رأسه قليلا ً ونظر في عينيه:
ـ وهل كنت ولدت....، كي اعترض على موتي؟ّ

[4] شراكة
    في زنزانته الانفرادية، خاطب نفسه:
ـ آ ....، كم أنا وحيد، من غير شريك لي في هذه العزلة، فلا الجدران، ولا الهواء، ولا حتى الظلمات تشاطرني هذه الوحدة.
   لكنه أصغى إلى صوت أنين أتاه من الأرض:
ـ يا شريكي ...، كنت  أظن إنني مثلك، بلا شريك، ولكن مادمت لم تقدر على رفقتي لك، فانا ـ مع ذلك ـ لن أتخلى عن حملك....، فانا فعلت هذا معك منذ ولدت، وحتى هذه اللحظات، فهل أنت وحيد داخل هذه الجدران ...؟
وراح يصغي بشرود:
ـ فانا تعلمت ان الحياة ما هي إلا بحدود صبرنا على تحمل أوزارها، فهل أنت وحيد حقا ً وأنا سأكون معك حتى بعد الموت!

[5] محبة!
   عندما أتم قراءة حكاية الأمير الذي أمر ـ في حالة غضبه ـ بقطع رقبة زوجته الأميرة، التي دست  له السم في طعامه، أمر ـ عندما استعاد هدوءه ـ بالعفو عنها، لكنه اخبرها إنها قد تعود إلى دس السم، مرة ثانية، عندما لا تستطيع تحمل ان ترى أولادها يذبحون أمامها، لو لم تضع السم في طعامه..
  فقد قال الآخر لزوجته ـ بعد الانتهاء من قراءة حكاية الأمير ـ :
ـ أنا أيضا ً استطيع ان أعفو ...، لكنك لا تقدرين إلا على ارتكاب الإثم...، فاذهبي، ولا تدعيني أراك، فانا عندما استطيع ان أعفوا عنك، اطلب منك ان لا تدعيني اجري خلفك، فكما كاد حبك ان يقتلني، لا تدعي غيابك يكون خاتمة لحياتي!

[6] الحكاية لم تنته
وراح يروي:
ـ لم تبق من الأراضي الشاسعة  لم تطأها قدمه ...،فقال الاسكندر لجنده: أين هي بوابات السماء؟
  تابع الراوي يخاطب حفيده الصغير:
ـ انه ـ في الواقع ـ لم يكن يعرف ان الأرض، ومجموعتنا الشمسية، ومجرتنا، ليس أكثر من حبيبات رمل متناثرة عبر سواحل لا نهاية لحدودها...، مع ذلك يقال ان جسد الإمبراطور الأكبر، لم يقدر على مقاومة الحمى، فمات من شدة البرد!
فسأل الحفيد جده:
ـ وماذا كان عليه ان يفعل...؟
ـ الإمبراطور ترك السؤال بلا جواب، وأنا ـ يا حفيدي العزيز ـ لا فائدة من جوابي أيضا ً!
     ثم مد الجد أصابعه وناول حفيده بعضا ً من الأدوات، وطلب منه يعمل، ثم ناوله حزمة من الكتب، واخبره ان ما فيها من العلوم، تتضمن فوائد لن تقارن بما فيها من مضار!
فقال الحفيد مندهشا ً:
ـ أنا فهمت من حكايتك لي، يا جدي، ان الحياة هي بما نقدر ان نعمله، وبمقدر ما نفهمه فيها، أليس كذلك؟
أجاب الجد بصوت حزين لم يدعه يرتسم على ملامح وجهه:
ـ وربما بحدود ما لا نستطيع معرفته يا حفيدي!

[ 7] وصية
   بعد ان دوّن وصيته، طلب من أفراد عائلته، عدم الاطلاع على ما فيها، إلا عندما يتأكدون من رحيله، لأنه قرر ـ قال لهم ـ الذهاب إلى السلطان، ومقابلته.
    مرت الأيام، والأسابيع، والسنين، ولم يعد. آنذاك قرروا الاطلاع على ما كتبه فيها، بحسب ما قاله لهم.
قرأ الابن الأكبر:
ـ عندما ذهبت وقابلت السلطان الأعظم، سألته: يا سلطان الجهات الأربع، ألا ترى انك وحدك تستطيع ان تضع نهاية للشر، في عالمنا، وانك وحدك تستطيع ان تحقق العدل....، فلماذا لم تفعل هذا...، مع انك تعرف مدى حب شعبك لك، بلا حدود، فهو لم يعصك، ولم يتذمر، ولم يحدث فتنة، ولم يخرج على سلطانك...؟
  خاطبني السلطان بصوت لم يخل من الأسى، والحزن العميق:
ـ وما الفائدة من وجودي، أيها الحكيم الطيب، لو حققت العدل، ومحوت الشر من الحياة ...؟
    لم أجد الجواب، لكن السلطان سمح لي ان اختار قرية نائية، لا احد يراني فيها، ولا أنا أرى فيها أحدا ً، كي امضي فيها ما تبقى لي من العمر، فلا تبحثوا عني، وكفوا عن انتظار اليوم الذي سيزول فيه الشر!

[8] مشاعر
   وقال للطبيب:
ـ هذه هي مشكلتي....
    ذلك لأنه اخبره  انه لا يشعر بالألم، ولا بالأرق، ولا بالوسواس، ولا بالدوار، ولا بالشرود...، وانه لم يصعب بأية حالة من حالات الذهان...، وان ذهنه غير مصدع، وغير مضطرب، ولا يعاني من الفصام ....
فتساءل الطبيب بحيرة:
ـ ما الذي يعذبك إذا ً...؟
ـ للمرة الأخيرة سأخبرك، أيها الطبيب، إنني لم اعد أعاني من الألم...، ولا من الخوف، ولا من الأسى، ولا من التردد، ولا من القلق، ولا من الذهول...
ـ حسنا ً، حسنا ً، اخبرني ..
 قاطعه غاضبا ً:
ـ ستعود وتسألني: لماذا تشعر ...؟ سأخبرك: الناس أما يجرجرون إلى الحرب..، وأما ان تهدم البيوت فوق رؤوسهم...، الناس أما تأتيهم الشيخوخة مبكرا ً وأما ان تأتي في وقت متأخر...، الناس أما يذهبوا من الموت إلى الحياة، وأما من الحياة إلى الموت، فالمستقبل ليس أكثر من ماض ٍ مؤجل، وليس النصر إلا هزيمة مؤجلة ...، ذلك لأن النتيجة واحدة، فما شأني أنا بهذا كله طالما كان هذا كله لا يحدث بأمر مني!
   آنذاك قال الطبيب للحارس:
ـ أعده إلى زنزانته!

[9] شهادة
   بعد ان القوا القبض علينا، أمرونا ان نقف الواحد بعد الآخر، في طابور.....، ولم يمض وقت طويل إلا وراحوا ينادون علينا، كي نمتثل أمام رجل كان يطلب  منا، ان نشتم شخصية من الشخصيات، فلم يستجب الأول، ومكث صامتا ً، فجرجروه إلى مكان معزول، لنسمع صوت رصاصة، تدوي في الفضاء، من ثم طلبوا من الثاني، ان  يلعن، فلم يفعل، فسحبوه، ليمتثل الثالث، والرابع، والخامس....، حتى جاء دوري.  أنا لا أتذكر أبدا ً ان أحدا ً استجاب لهم، فكان مصيرهم غير مجهول، أما أنا فقلت:
ـ أنا اشتم، بل والعن، بل وأدين، وأشهر، نيابة عن الجميع، كافة من ذكرتموهم ...، من هؤلاء الفلاسفة، والشعراء، والحكماء، و....، ولكن تمهل، أرجوك تمهل، أنا اشتمهم لأنهم سمحوا لكم....، ان تتحكموا بمصائرنا.

[10] حرية
ـ تستطيع ان تفعل ما تريد؛ ترقص، تصرخ، تلعب، تمرح...
   للمرة الأولى وجد انه غير مقيد، داخل فضاء، بلا حدود:
ـ فلا احد يسألك من هو أنت...، من أين أتيت، والى أين تريد الذهاب، ما هي لغتك، وما هو دينك، وبماذا تحلم، وما هي فلسفتك، وبماذا تفكر...
   ود، في تلك اللحظة، لو رجع إلى قريته، واعترف أمام الجميع:
ـ لم أكن احلم بأكثر من هذا ...، انظروا ...
  لم يجد أحدا ً يخبره ان الذي كان يريده، ويحلم به، ليس هذا أبدا ً...
  وسمع من يهمس في آذنه:
ـ سنعيدك إلى قريتك، والى بلدك...، إلى الجدران التي لم تغادرها بعد!
فقال بشرود:
ـ كي امضي حياتي احلم ان احلم!
ـ لن يدعوك تفعل حتى ذلك.
ـ اعرف....، إنهم لا يعرفون، ولا يريدون ان يعرفوا إنهم لا يعرفون، ولكن ما جدوى ان اعرف، ولا احد يعرف إنني اعرف!  ماذا افعل بحريتي وأنا وحيد معها؟
    غاب الحلم، وأفاق، ليجد أصابعه تحفر في التراب.


[11] شفافية
ـ انظر ...، الم ْ تقل إننا سنبلغ الزمن الذي نرى فيه الذئب يتنزه برفقة الحمل...، كي ترى الآن الجلاد، أمامك، في المقهى، يلعب النرد مع ضحيته:
ـ آ .....، ربما اعرف ماذا يدور بخلد الحمل، وهو يتبختر رافعا ً رأسه بيننا، ولكنني شغوف لمعرفة ما يدور بين الضحية وجلاده.
ـ دعنا نقترب.
  قالت الضحية:
ـ أنا اعتقد ان تراكم، وتكرار المصادفات هو الذي يمنح القانون صيغته المتداولة .
ـ ربما لأن القانون لا يغدو قانونا ً إلا لأنه من غير المصادفات سيغدو مصادفة محض! وهذا ما يدحض المنطق...!
ـ آ ....، لكن دعنا نسمع ماذا يقول الذئب للحمل:
ـ مع ان أسلافي، وأسلافهم، لم يعرفوا الرحمة، فأسرفوا في سفك دمائكم، إلا إننا أحرزنا تقدما ً، نحن الذئاب، بتحولنا إلى خراف! فقال الحمل:
ـ لا، يا سيدي، لأنني لا اعتقد إنكم ستسمحون لنا بالكثير من الوقت...، فأنت اصطحبتني للدعاية! وأنا اضطررت لتنفيذ أوامرك لأسباب غير مجهولة.
ـ لا تثر غضبي، أيها الحمل الوديع.
ـ أنا قلت للدعاية، فدعني أخبرك بأنها كانت لصالحكم، يا معشر الذئاب!
ـ لم افهم قصدك؟
ـ قصدي، يا سيدي، إننا ولدنا معكم، في البرية، وفي الغابة، وفي الوديان، منذ أول الزمن ....، فلا الذئاب انتصرت وقضت علينا، ولا الخراف فنيت!
  قال للآخر:
ـ أما أنا فلم اعد ضحية كي أشاطر الجلاد غريزته، ولم اعد حملا ً كي امجد الذئاب، لأن الموت ذاته لو كان طاغية أو ذئبا ً لكانت اللعبة قد انتهت بانتصار احدهما على الآخر...، أما الآن فأنت تدرك انك لست مصادفة إلا كي يأخذ القانون حضوره، ويوحدنا.
ـ وهل هناك أكثر من مصادفة لها قوة هذا القانون..؟
ـ نعم، الذي جعلك تعرف كل هذا الذي تراه يتوارى، أمامنا، ويغيب!

[12] حكمة
    وقال العجوز لزميله:
ـ هل تتذكر الحكمة القديمة التي سمعناها في أول العمر...
ـ أي حكمة، فهن كثيرات...
ـ التي تقول: لا تفعل شيئا ً مع الجاهل، ولا تدعه يفعل شيئا ً لك!
ـ آ .....، لكن، 9999999999% من سكان قريتنا لم يسمعوا بها، ولا يعرفونها..، فأنت تعرف ان الشعوب ضعيفة الذاكرة، كما قال نابليون!
ـ لا، يا صديقي العجوز، الذئاب تعرفها، مثلما يعرفها أصحاب الشأن، فلو كان الجهلة علماء، لكانت الفضيحة قد بلغت نهايتها!
ـ ولكنني لم اعتد عليك، ولم اسمح لك ان تعتدي علي ّ!
ـ ها، ها، ها اخبرني كيف إذا ً امتد الزمن، من غير علماء يحرصون على ديمومة  الجهل، ومن غير جهلة لا يكفون الهتاف وتمجيد حياة العلماء!

[13] نصيحة
    جمعت جدة الطيور أحفادها، في ذات صباح، وخاطبتهم:
ـ يا صغاري، لا تغادروا، عند الطيران، حدود غابتنا، فالطيور الجارحة، ذات المخالب الحادة، لن ترحمكم، فهي تراقبكم، فلا ترموا أنفسكم إلى التهلكة!
فخاطبها احد أحفادها:
ـ ولكننا لم نعتد عليهم، فلماذا يعتدون علينا؟
   نظرت الجدة إلى حفيدها بشفقة:
ـ وأنا لا اعرف أيضا ً!
فقال لها:
ـ سأذهب واسألهم: لماذا تعتدون علينا...؟
قالت الجدة بصوت غاضب:
ـ لا تفعل...، فانا اعتقد أنهم لا يمتلكون إجابة!
   طار، وغادر الغابة، ولم يعد.
فسألها آخر، بعد أيام من غيابه:
ـ ألا يحق لنا ان نبحث عنه، يا جدتنا الحكيمة؟
قالت بصوت حزين:
ـ كل من غادرنا، أيها الأعزاء، يا مستقبلنا، لم يعد، فما الجدوى من الذهاب إلى المكان الذي لا عودة منه؟
فهتف الطير الصغير:
ـ حقا ً، يا جدتي الحكيمة، الذين ذهبوا لم يرجعوا...، والذين لم يذهبوا لا يعرفون الإجابة، وعلينا، لهذا السبب، ان نختار...
فقالت الجدة:
ـ أحسنت!، لأنك إن لم تذهب تعرف انك تعرف الإجابة...، وإن غادرت الغابة فإننا نعرف انك لن تخبرنا بها...!
12/12/2014

الأحد، 14 ديسمبر 2014

قبائل عربية احترفت الجنون-كاظم فنجان الحمامي


قبائل عربية احترفت الجنون

كاظم فنجان الحمامي

ما أكثر القبائل العربية التي امتهنت الجنون، وأصرت على العودة إلى العصور البدائية، واختارت العيش في عزلة تامة بين الكهوف والجبال والصحاري أو في أعماق المستنقعات النائية. وما أكثر القبائل التي ظلت تتصرف بهمجية مطلقة، وتتباهى بجهلها وتخلفها، معلنة رفضها لنداءات التحضر والتمدن.
في اليمن قبيلة (حميرية) قرر أبناؤها خلع ثيابهم والاحتفاظ بما يستر عوراتهم، والتجوال نصف عراة لأسباب لا تخطر على بال الهنود الحمر ولا على بال قبائل التوتسي والهوتو وقبائل البالوبا. لكنك ما أن تعرف السبب حتى تُصاب بالذهول، وربما تصاب بصدمة عنيفة تسقطك بالضربة الحضارية القاضية، فالناس هناك وعلى وجه التحديد في مدينة (تُلُّبْ) قرروا خلع ثيابهم لأن رئيس قبيلتهم أُصيب بمس من الجنون أفقده عقلة، ثم عاد إلى قريته بعد سنوات طويلة أمضاها هائماً على وجهه في الوديان والبراري وهو حاسر الرأس، حافي القدمين، عاري الجسد، وقد أطلق العنان للحيته وشعره الكثيف على طريقة الأقوام الأسترالية البدائية، وما أن رأوه حتى خلعوا ثيابهم مثله، لأنه مثلهم الأعلى في كل شيء حتى في الجنون، وهكذا أصبح الجنون من خصالهم القبلية المتوارثة، التي ظلوا يتفاخرون بها ويتمسكون بها حتى يومنا هذا.
ثم يأتي دور شعراء القبائل ومغالاتهم في التلاعب بأعصاب المجانين والمخابيل فيمجدونهم ويعظمونهم ويرفعونهم إلى العلياء، عندئذ ينتفخ المجانين فيقفون على حافة الانتحار، وتصبح الرعونة رجولة، والتهور حكمة، والمجازفة شجاعة، فتضيع الحقوق، وتذوب الأعراف، ويتهشم العدل والإنصاف تحت أقدام القطعان البشرية الزاحفة على غير هدى نحو ارتكاب المزيد من الحماقات الموروثة. فتتوسع دوائر الشر وتتعمق جراحها يوم لا ينفع النصح ولا تجدي الموعظة، ويصبح التبجح بالجهل سمة المجانين، الذين ظلوا يتغنون بهذه الأبيات حتى يومنا هذا:-
لَئِنْ كُنْتُ مُحْتَاجًا إِلَى الْحِلْمِ إِنَّنِي إِلَى الْجَهْلِ فِي بَعْضِ الْأَحَايِينِ أَحْوَجُ
وَلِي فَرَسٌ لِلْحِلْمِ بِالْحِلْمِ مُلْجَمٌ وَلِي فَرَسٌ لِلْجَهْلِ بِالْجَهْلِ مُسْرَجُ
فَمَنْ شَاءَ تَقْوِيمِي فَإِنِّي مُقَوَّمٌ وَمَنْ شَاءَ تَعْوِيجِي فَإِنِّي مُعَوَّجُ
وَمَا كُنْتُ أَرْضَى الْجَهْلَ خِدْنًا وَلَا أَخًا ولَكِنَّنِي أَرْضَى بِهِ حِينَ أُحْوَجُ
أَلَا رُبَّمَا ضَاقَ الْفَضَاءُ بِأَهْلِهِ وَأَمْكَنَ مِنْ بَيْنِ الْأَسِنَّةِ مَخْرَجُ
فَإِنْ قَالَ بَعْضُ النَّاسِ فِيهِ سَمَاجَةٌ فَقَدْ صَدَقُوا وَالذُّلُّ بِالْحُرِّ أَسْمَجُ
نتمنى أن نرى حداً لهذا الانزلاق الحضاري والسقوط الاجتماعي الذي أحدث شرخاً كبيراً في اللحمة الوطنية لمعظم البلدان العربية، ومزقها أشلاءً بين القبائل المستهترة. من هنا يتعين على الحكومات أن لا تكون طرفاً في تأصيل القبلية والعنصرية، وأن تقف وقفة صادقة في مواجهة دعاة الجنون القبلي. آملين أن تكون لمؤسساتنا الثقافية إسهامات تليق بنا كـأمة عريقة تتباهى بإنسانيتها وعدالتها ووعيها وعبقريتها، وتتفاخر بثقافتها وشموخها بين الشعوب والأمم، وأن لا نعود القهقرى نحو التعصب والجنون، وإلا فأن مصيرنا سيكون كمصير الديناصورات العظيمة التي قتلها طيشها وتهورها.

--