الخميس، 3 يوليو 2014

همنجواي في الحلة-الجزء الاول- كتابة احمد الحلي

مقتربات أولى
1
تعرف مدينة الحلة ، وعلى الأقل الوسط الثقافي ومرتادو بعض المقاهي الشعبية أبا رياض جيداً ، بوصفه سمياً وشبيها لأرنست همنجواي ، ذلك الروائي الشهير ، صاحب المغامرات التي لا يجرؤ أديبٌ على الخوض فيها ، كما انه صاحب الروايات التي شكلت منعطفاً في الأدب الانكليزي والعالمي ولاسيما لمرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية .
(أبو رياض) واسمه الكامل كما هو مدون في بطاقة أحواله المدنية ؛ صباح شكر محمود ، وتشير البطاقة أيضاً إلى انه مولود في مدينة بغداد عام 1941 بمنطقة الكرادة الشرقية ، أحس منذ نعومة أظفاره بان لديه ميلا فطرياً نحو الفنون والموسيقى التي جرفته باتجاه عوالمها الخلابة ،
وبدأت تباشير الرحلة الثقافية لديه مع كتاب (ألف ليلة وليلة) بطبعته المصرية المذهبة المتكونة من مجلدين كبيرين ، ثم وبفضل أساتذته في المدرسة المتوسطة يتعرف على الروايات العالمية المترجمة ليقرأ بشغف كل ما كان يقع في يده منها ،
شكلت الموسيقى ، كما قلنا هاجساً للفتى الصغير الحالم ، فحاولت أصابع خياله ، أن تتلمس سحرها، وتقف عند منابعها ، فشرع هو وابن عمته سعيد بادخار (اليومية) التي يحصلان عليها من أبويهما، وبالتالي اشتريا آلة العود الخاصة بالملحن محمد نوشي الذي كان يعمل خياطاً بالقرب من منزلهما ، غير أن نشوة الفتى بامتلاك العود العائد إلى محمد نوشي سرعان ما تبددت وتلاشت أمام هجمة الأب الشرسة محطماً الباب الذي كانا يتواريان خلفه هو وابن عمته ليتدربا على العزف، وليحطم بالتالي العود على رأسيهما ، وقد بكيا بحرقة وألم ، كما يذكر ، ليس لآلام الضرب المبرحة التي عانياها وإنما لأنهما وجدا عودهما الأثير محطماً وأوتاره مقطعة بغير رحمة ..
إلا انهما ، الفتى وابن عمته ، قررا مواصلة السير على هذا الطريق الوعر الذي سلكته قبلهما أجيال وأجيال من المبدعين الذين لم تنثني همتهم أمام عواصف الجهل والتخلف التي تحكم مجتمعنا، ما زال بوسعه أن يتذكر ، كيف أن جذوة الأمل قد تم إحياؤها في نفسه من جديد على يد الفنان القدير منير بشير وأخيه الموسيقار جميل بشير ، لاسيما بعد ان تعرفا على المخاض المؤلم الذي مر به ، فرحبا به في معهد الفنون الجميلة الأهلي الذي كانا يديرانه أبان فترة الخمسينيات ، غير ان الفتى ما لبث ان ترك الدراسة في المعهد لسوء الأوضاع الاقتصادية التي كانت تمر بها عائلته واستيقظ في نفسه إحساس آخر بالانتماء إلى الأدب والشعر بصفة خاصة ، وقد تفتحت هذه الجذوة لديه منذ بداية سبعينيات القرن الماضي ، مع انه ظل محتفظاً ومتوائما مع خطه السياسي  حيث قدم من كلماته وألحانه وأدائه وباللغة الدارجة أغنية ؛ (يا مصر يا أهرام بابل بتقولك حرام) وكانت موجهة آنذاك ضد زيارة الرئيس المصري أنور السادات لإسرائيل، وتمت إذاعة هذه الأغنية عبر إذاعة (صوت مصر) التي كانت تبث برامجها من بغداد .


شبيه همنجواي
بشأن كيفية اكتشاف الشبه الخلقي بينه وبين الروائي العالمي ارنست همنجواي  يشير إلى أن الناس والمحيطين به هم الذين انتبهوا أولا إلى هذا الأمر لاسيما بعد ان ترك ذقنه تنمو كأحد مظاهر إعلان الحزن التي اعتاد الناس عليها ، ويتذكر حادثة غريبة وقعت له في أعوام الستينيات (لا يتذكر بالضبط متى) ، حين وجد نفسه يشهر مسدسه نحو رأسه محاولا الانتحار ، بسبب تعرضه لوضع اجتماعي قاهر ، حيث تمت الوشاية بأبيه معيل العائلة الوحيد آنذاك وكانت التهمة الجاهزة الموجهة إليه انه ساعد في تهريب احد كبار تجار اليهود الأثرياء إلى خارج العراق ، إلا ان لم ينفذ ما اعتزم عليه ، إذ وجد ابنه ذا العامين فقط وهو يحبو إليه في ظلمة الليل ، فوضع المسدس جانبا وقرر مواصلة الحياة ، على العكس من قرينه همنجواي الذي مضى بالمهمة قدماً في  2 يوليو عام ١٩٦١.
ويوما بعد يوم أحس انه يتواشج مع شخصية هذا الروائي الأمريكي ، لاسيما في مزاياه الإنسانية وعلى صعيد المغامرات أيضا وان لم يصل إلى سوى الحدود الدنيا من تخومها ، كما يعترف ، فقد احترف مهنة صيد الأسماك على نهر دجلة ومن ثم على نهر الحلة ، وفيما إذا كان يعتقد انه تجسيدٌ ما لشخصية الشيخ في رواية هيمنجواي الشهيرة (الشيخ والبحر) قال  بتواضع جم ؛ كلا ، فانا أجد نفسي الصياد في النهر ، إذ ان البحر بعيد عنا ، ولم نتعرف في حياتنا سوى على النهر
وقد عرف عن الروائي ، بأنه كان لديه ولع خاص بالصيد والمغامرات وركوب المخاطر ، وقد بات معروفاً لدى الجميع ان حبكة روايته (الشيخ والبحر) استقاها بناءً على تجربة شخصية له في صيد الأسماك على الرغم من الرمزية التي غلّفت هذا العمل المهم الذي أهله للفوز بجائزة نوبل للآداب أبان فترة الخمسينيات .
وهو إذا استطاع توظيف حيثيات تجاربه الشخصية ومغامراته في كتاباته الروائية والقصصية ، فان بطل حكايتنا هذه لم يتح له ان يفعل ذلك ، على الرغم من ان عملية استنطاقه الآن لم تكن بالمهمة الشاقة أو العسيرة ، فحديثه أشبه ما يكون بالمائدة العامرة التي تتوفر على شتى صنوف الأطعمة والاشربة والمقبلات ، وان احتوى بعضها على توابل كثيرة إلا ان محدثه يستطيع ان يختار وينتقي منها ما يشاء ..
* وبالنسبة للقوة البدنية التي عرف بها الروائي الأمريكي ، والتي أهلته لان يقوم برحلاته الشهيرة في مجاهل الغابات في أمريكا وأفريقيا  بغية اصطياد الحيوانات المتوحشة ، بالإضافة إلى كونه ملاكما محترفا ، فان أبا رياض أصبح سباحا ماهرا في وقت مبكر من حياته ، وعرفه نهر دجلة بمحاذاة منطقة الكرادة حيث ولد وعاش سني حياته الأولى ،  وكذلك شط الحلة ونهر الفرات في منطقة سدة الهندية ، وحصل على بعض بطولات السباحة واحترف الملاكمة أيضا متدربا على يد الملاكم محمد سلبي بطل العراق بالملاكمة في أعوام الخمسينيات كما برز في عدد من الألعاب الرياضية التي تتطلب القوة والجهد ، وقد حدثنا احد أصدقائه من الأدباء انهم كانوا قد خرجوا للتو منتشين من سهرة في مقر اتحاد أدباء الحلة ، فانتبهوا إلى جذع ميت لإحدى الأشجار يقف منتصبا بتحدٍ على مقربة منهم أثناء خروجهم فما كان من صاحبنا المنتشي إلا ان أحاطه بساعديه القويين وسط صياح الأصدقاء وتشجيعهم له بعبارة ؛ همنجواي .. همنجواي  ! وبعد قليل من الجهد استطاع ان يقتلعه من جذوره !


الجمعة، 27 يونيو 2014

همنجواي في الحلة--نجمة في راحة اليد-أحمد الحلي


همنجواي في الحلة


أحمد الحلي

 

(مقدمة الكتاب ودراسة)

نجمة في راحة اليد

يعد الأدب الشفهي المكتوب احد أهم مصادر المعرفة الإنسانية ، وتاريخ البشرية حافل وزاخر بالمنجزات على هذا الصعيد ، منذ الفيلسوف الإغريقي سقراط الذي لم يدون شيئاً من أفكاره وفلسفته ، والذي اضطلع بذلك هو تلميذه ومريده أفلاطون ، مروراً بالحكيم الصيني كونفشيوس، ووصولا الى العديد من الأسماء التي خلدها التاريخ وأصبحت نجوماً لامعة في سفر الإنسانية الخالد .

وفي عصرنا الراهن ، وجدنا كيف ان عدداً من الروائيين والكتّاب يستمدون رؤاهم من شخصيات لها وجودها على ارض الواقع ، فيعكسون أفكارها ورؤاها ويقدمونها طازجة الى قرائهم ، ولعل ابرز مثال على ذلك ما فعله الروائي اليوناني الشهير نيكوس كازانزاكي في روايته ( زوربا اليوناني ) .

الذي نريد ان نقوله هنا ، ان مثل هذه الشخصيات موجودة دوماً وفي أيما مكان ، إنها موجودة وحاضرة حوالينا وبيننا ، وان كل الذي يتوجب علينا ان نفعله هو ان نكسر ولو جزئياً من حدة الهالة الأرجوانية التي نحوط بها أنفسنا ، وان نتقرب بما يكفي من هذه الشخصيات ، ننفض عنها الغبار الذي علق بها بمرور الزمن ونحاورها ونستنطقها بحنو وصبر حتى نصل الى العمق المطلوب من القاع الذي سيمنحنا بالتالي ماساته الأثيرة ، وأحسب ان صديقي صباح شكر محمود أو ( أبا رياض ) بطل هذا النص هو واحد من هؤلاء الذين عاشوا ردحاً طويلاً من الزمن دون ان يكلف احدٌ نفسه عناء الالتفات الى هذه الخامة الظاهرة للعيان أو المنجم القابل للعطاء .

إنها دعوة إذن ، الى ان يقوم الأدباء والكتّاب بحملة استقصاء وتنقيب ، ليس في أمكنة الآثار القديمة لعلهم يعثرون على لقية أو كسرة حجر أو رقيم يتضمن كتابات مسمارية ، وإنما بين الناس الأحياء أو الذين انطوت صفحة حياتهم منذ عهدٍ قريب ممن تحمل تجاربهم الحياتية وذواتهم معاني وآفاق تستحق ان تدوّن وتقدم الى القراء الذين هم في نهم الى قراءة هكذا مدونات تنطلق من الواقع وان رفرفت بأجنحة الخيال في بعض الأحيان .

أحمد الحلي


الاحتفاء بـ (همنجواي الحلي )

لا تقتصر الحفاوة على إقامة الندوات البروتوكولية التي تزخر بالثناء والشهادات والمديح لشخص المحتفى به بل إنني أرى إن الخروج من هذا النفق التقليدي الذي تتلاشى آثاره وفعله الإعلاني والإعلامي بمجرد أن تنتهي جلسة الاحتفال والاحتفاء إلى فضاء الكتابة والتحليل والمداولة ومن ثم النشر في وسائل الإعلام الثقافية إجراء يخلف أثرا تدوينياً يمكن أن يولد إضافة وتراكما كميا ونوعيا إلى المعرفة والثقافة والأدب ، ذلك لان تلك الوسيلة الثانية تـُـعــدّ الأكثر نفعا لكونها الأسهل للأرشفة والحفظ من الطريقة الأولى  .. فقد يتيسر للبعض من الأدباء في الساحة الثقافية أن ينتشروا ويصبحوا وجوها تلفزيونية أو نجوما محلية على الأقل يتمتعوا برذاذ الكاريزما ولمعان الفضائيات والصحف التي تحولت إلى منابر سهلة المنال لقربهم من تلك المنابع الإعلامية أولا  ولكثرتها ثانيا رغم حداثة عهدهم وتواضع منجزهم الإبداعي  ،وربما مر وقت طويل ولم يشعر المتلقي بوجود تجارب لها أهميتها وحجمها وهي الأكثر أهمية من سابقاتها لكنها بعيدة عن اذرع الإعلام وربما كان لعامل الجغرافيا واحد من تلك الأسباب ونرى في الكتاب الصادر من المركز الثقافي للطباعة والنشر في بابل في نهاية 2009 ( همنجواي الحلي) لمؤلفيه الشاعرين احمد الحلي وصباح شكر محمود مثالا يكتسب أهمية واضحة لما ينطوي عليه من تجربة إنسانية تتوفر على الجمال والنفع والمتعة واحسب إن تلك العناصر الثلاث إذا ما اجتمعت في إي عمل أدبي أو إبداعي فإنها سوف تضعه موضع اهتمام المتلقي وحفاوته وباعتقادي أن الكتاب الذي أشرتُ إليه ربما حمل إلى المتلقي من جانب أخر رسالة مفادها انتشار حرية النشر والممارسات الثقافية التي لم تعد تأبه لسلطة الرقيب وأوامر المركز وحسابات المؤسسة المهيمنة التي كانت تمارس دوري الأب والراعي لكل شاردة وواردة  وان كانت تلك الممارسات تصل في بعض الأحايين إلى درجة الانفلات في أنحاء البلاد ،  وبالعودة إلى الكتاب موضوع المداخلة فإننا نجد بين شاطئيه وفرة الفائدة التي تضمنتها سرود الشاعر احمد الحلي الذي قدّم  للكتاب ودوّن سيرة الشاعر الشفاهية كما نوّه في مقدمته ونستطيع أن نتلمس في تلافيف هذا الجزء الذي شغل نصف الكتاب الأول والذي يمكن أن نطلق عليه شعرية السيرة والمفارقة والمواقف الإنسانية التي حفلت بها حياة شاعر وفنان امتدت منذ بدايات الأربعينات في القرن الماضي ولغاية الآن  ولا يقتصر الأمر على الفائدة لوحدها بل إننا سوف نحصد الكثير من المتع والطرائف من خلال شخصية (همنجواي الحلي) تلك الشخصية الواقعية الحلية الرائعة التي تعلقت بالفنون والآداب والشعر الذي كان على رأس قائمة تلك  الفنون ، إنها شخصية الشاعر صباح شكر محمود والذي يعرفه الوسط الحلي عموما بابي رياض للعلامة الفارقة التي ميزته في ذلك المحيط ألا وهي لحيته البيضاء التي أطلقها تيمنا وتشبـّها بالروائي الأمريكي ارنست همنغواي ، ونرى إن الكتاب الذي لم تتجاوز عدد صفحاته ثمانين صفحة والذي ينقسم إلى قسمين كما ذكرنا إضافة إلى انه يحمل عتبتين للعنونة ، الأولى المذكورة في مكان سابق من هذه القراءة والتي تخص  لمحات من حياة الشاعر شبيه همنجواي والثانية العتبة التي تتوسط الكتاب وتتقدم النصوص الشعرية  ( أحلام صياد ) والتي كتبها صباح شكر محمود ، نرى إن مدونة كهذه قد يسرت باحة من الاسترخاء والتجربة التي اعتمدت على المنابع الفطرية التي لم تخضع لمهيمنات الشروط الأكاديمية وقيود المدارس والضوابط المحسوبة على أجناس الكتابة وربما كانت جماليات السرد الذي يهتم بآداب السيرة قد امتصت الكثير من الاحتقان والتشنج الذي يتسرب إلى دواخل المتلقي إزاء السيــّر المروية والمكتوبة بتعالٍ وفوقية والذي حققه احمد الحلي في تدوينه لمواقف وطرائف السنوات السبعين التي عاشها المبدع صباح شكر محمود بدء من ولادته في الكرادة الشرقية ببغداد عام 1941  مرورا بميله إلى الموسيقى والشعر والرياضة ونزوحه إلى مدينة الحلة في أيام الصبا والشباب كدريئة وتقيــّـةٍ من بطش الآخر المتغابي والناقم لأسباب متعددة ومن ثم عمله لاحقا سائقا في مصلحة نقل الركاب في الحلة وبأسلوب مبسط وتلقائي ، وحين نتعرض للنصوص التي كتبها صباح شكر في الجزء الثاني من هذا الكتاب تحت عنونة ( أحلام صياد ) فسوف نجد نصوصا خالية من الانزياحات والمجازات إلى حد كبير لكنها تحقق شعريتها بصدق ودهشة واستفزاز من خلال المفارقة والمغالاة والمواقف الشاجبة والرافضة لامتهان الإنسان وانتهاك إنسانيته وحقوقه أينما كان فهي نصوص موقف قبل كل شئ  بعيدا عن قوالب الشعر وتقنياته وبحوره وشروطه اللاحقة .. هي نصوص ملتصقة بالحياة رغم الإجراءات والتغيرات والدراسات التي أُخضع لها الشعر وتحولاته واجبر على أن يكون فنا مصنوعا أو مصنعا على طرق الحداثة أو كائنا من ضمن فنون الحاضنة التي تنتمي إلى هندسة اللغة والمعمار الصارم .. و لنذهب إلى نص المشانق ؛

إنها تعشق الرقاب الضعيفة .. وتمقت الرقاب الغليظة ..هل للفجر رائحة الحياة  ..؟ لماذا  إذن تـُـنــَـفـَـذ في ساعاتهِ أحكام الموت  ..؟

بعد ملامسةٍ قصيرةٍ تــَـلـدُ المشنقةُ رقبة طويلة .. !

مـمّ تـُــصـْــنـع المشانق ...؟

من خشب الصاج أو الزان .. ..؟

ليس الأمر بذي أهمية  ..

الأهم أنها تقوى على حمل الجسد ..

عند ولادته قطعوا حبله السري  ..

وعند بلوغه أعادوا  له الحبل بصيغة أخرى

إن الفطرة التي جعلت من محمد الماغوط نجما شعريا كبيرا في فضاء الشعرية العربية ومعها ظروف وعوامل أخرى ساهمت في تألق هذا الشاعر الكبير ربما لم يحظ بها صباح شكر محمود ورهط كبير من هؤلاء المبدعين  الذين ينتمون بقوة الحياة إلى منابع الفن وروافده الخلاقة فبقوا تحت دثار السنوات العجاف بانتظار سراج يشع على سنواتهم المهدورة



أحمد الحلي


الخميس، 26 يونيو 2014

منحوتات من السكراب للفنان جون لوبيز-عن بورد باندا

استخدم الفنان مواد مهملة من سكراب الحديد ومواد اخرى ليصنع منها منحوتات بالحجم الطبيعي لحيوانات المنطقة جنوب داكوتا وهنا حقق التخلص من المخلفات الصناعية وخلق اشكال فنية تعجب المشاهد...........




السبت، 21 يونيو 2014

محاضرة للفنان الدكتور غالب المسعودي بعنوان المثقفون العرب ....مكارثية جديدة ام قلق وجودي في البيت الثقافي بابل





شيء عن تجربتي التشكيلية
د.غالب المسعودي
أن يتحدث الفنان عن تجربته فيه شيء من الصعوبة لأن التجربة هي التي تتحدث عنه و ما من شك أن الفن من أولى الوسائل التي أفصح بها الانسان عن نفسه ،و يأخذ العمل الفني من المبدع بعد أن يمتليء خياله و وجدانه و تفيض نفسه بمشاعر و أحاسيس لا يملك الا أن يكشفها و يكون أسيرها و بهذا ينتزع من وجوده كنه ما يحس ، و منذ عصر الاسطورة ظل الفن يستلهم بيئته الموضوعية و المعرفية و تتحدث تجربتي عن استلهامي التراث الاسطوري لحضارة وادي الرافدين حيث أن الاسطورة تأريخ يصلح لكل زمان ومكان من حيث انها عالمية الابعاد محلية التكوين وكون الاسطورة شكل فهي قابلة لأن تكون شكلا آخر ،انا أرحل مع السومريين في عمق التأريخ البعيد و لا أنسى اني في القرن الواحد و العشرين منحازا لهاجس الحاضر و المستقبل متنقلا من خلال الغوص في الذات راكبا صهوة الروح امارس أحلامي و أوهامي على المساحة المتاحه لي _فضاء اللوحة _و يشكل التهميش الذي فرضته قوى الظلام عائقا امام الابداع العراقي ناسية أن العراقيين في كل تأريخهم هم كالنخيل شامخين في وجه البائسين لذا لجأت الى استخدام خامات و الوان أصنعها لنفسي معتمدا على ما متاح في السوق المحلية و ملبيا متطلبات الديمومة و المقاومة العالية للظروف المناخية و عوامل الزمن ،لم أستعمل الريشة في أعمالي كي أكون أكثر قربا في عملي ..وكي لاننسى أن التسطيح وصل الى كافة مرافق الحياة الثقافية حتى الى ريشة الفنان ،و المطلع على تأريخ الحضارات الكبيرة يرى انها استثمرت ما متاح في بيئتها لتصنع اسطورتها و ليس أدل من ذلك استخدام الطين لتدوين روائع الاعمال لحضارة وادي الرافدين و التي ظلت منارا ينير الدرب لحضارات العالم كافة و أننا وريثي هذه الحضارة الرائعة العريقة .. اذ أن الجمال يشرق في النفس كشعاع ضوء بين الآكام.

عضو نقابة الفنانين
عضو جمعية التشكيليين العراقيين
عضو اتحاد أدباء وكتاب العراق
مشارك في جميع المعارض الوطنية منذ عام 1999
أقام ثلاثة معارض شخصية خلال الفترة المنصرمة
أصدر مجموعتين شعريتين
ترجمت مختارات من أعماله الشعرية الى اللغة الانكليزية قام بترجمتها الشاعر حامد الشمري
له كتابات تنظيرية في مجال الفن التشكيلي منشورة في الصحافة العراقية
معرض مشترك في قاعة أفـق - آيار 2003بغداد .
معرض مشترك في جمعية الفنانين التشكيليين العراقيين - تموز2004سوريا.
معرض الحرية الاول نقابة الفنانين - بابل 2003
معرض في ذكرى شهداء الحركة الوطنية العراقية 2004- نقابة فناني بابل .
معرض الربيع الاول 2004 نقابة الفنانين - بابل .
مالثقافة في مفهومها العام تعني الفعالية في آليتها الوظيفية ,وبالتالي نجد أن هناك تغيرا ما سيطرأ على المشهد إما إلى الأمام, أوالى الوراء اعتمادا على من يقع عليه الفعل,والتقدم هو فعالية الثقافة الحقيقي باتجاه التغيير نحو الأفضل ,وكلما كان المثقفون واعين لاتجاهات التغيير, محصنون بوعي اخفاقات الماضي, ومدركون الآني والمستقبلي, كانت المحصلة أكثر فعالية في الحفاظ على الطبع الثقافي الانساني.لكن إن درسنا سلطة الثقافة وفق هذا المنظار نجد أن هذه الفعالية غائبة ومغيبة الآن, باعتبار أن الثقافة سلوك بقدر ما يبتعد به الإنسان عن أصله ألبدئي , وهذا التغييب نجده لصالح ثقافة السلطة ,كونها أيضا سلوك متجذر ولكنه تسلطي متخندق في أحافير اللاوعي الجمعي ويمتد لا شعوريا إلى زمن البدايات, وهنا نجد أن الأسطورة قد انجزت نضجه ,وهي في المتخيل حقيقة واقعة في زمن ما, وهي الحاضنة ومفتاح لكل الأحداث التي جرت والتي ستجري على المستوى الواقعي, وبهذا تمارس دورها المهيمن والمرشد وتمتلك العصا السحرية لتبرير كل التغييرات بما يتوافق وطبيعة الفهم الخاص للكوزمولوجيا, وهذا لا ينبع من فراغ فالواقع الراهن مليء بالأسئلة والإجابات شحيحة. وكون التيار الارثودوكسي هو الوريث كما يعي هو للكوزمولوجيا وألاسكاتولوجيا ,لزمن البدايات نجده يمارس دورة طوباوية لموائمة الاحداث مع منهجيته الأساسية في التفسيرو البناء, يستغل غياب الوعي المتجذر في مجتمعاتنا التي لا تزال تعيش بدائيتها الأولى, وهكذا تمارس السلطة المتشدقة بالمطلق ,وتكون هي المنبع الأساسي لكل فعل على المستوى الفردي أو الجمعي ,لأنها مستمدة من المثال, والذي كما يدعون هو أنقى أشكال الخلق وهو المكتمل ذاتيا بلا فعل, والواقع الراهن هو مثال بيولوجي, والوعي هو فعالية بيولوجية, ومثل هذا المثال لا يرتقي إلى وعي الواقع كونه تحت سلطة الاسطورة,وبذا ينحدر الكائن حتى يصل إلى الحضيض, لكن الواقع المعاش ينبئنا أن النشوء والارتقاء هو ديدن تطور الحياة ,وهذا يسير بخط معاكس تماما لما تطرحه اسطورة الخلق ,كون الكائنات تحاول الوصول إلى مثالها المكتمل الذي يؤهلها للبقاء وكل حسب نوعه, وهذا بالتالي يعني ارتقاء في مستوى وعي الذات والموضوع ,وكذلك هو مفهوم السلطة أو ما اعني هنا ثقافة السلطة, والتي مصدرها المثال فهي غير قابلة إلا للتنفيذ والمساومة والنقاش وهي مضيعة للوقت ,وهي كوعي للمطلق ,كمنجز مكتمل النضوج, لكن الواقع الحي ينفي هذه النتيجة ,إذ لم تمارس هذه السلطة بكل فعاليتها المجتمعية ولم تساهم في دفع الوعي الجمعي إلى إنتاج كيانات اجتماعية أو حضارية فاعلة ومكتفية ذاتيا طيلة قرون, ولو أن الاكتفاء الذاتي أمر صعب المنال, لكن هذه المجتمعات لم تقترب من هذا المؤشر.
إن نظرية النشوء والارتقاء يمتد تأثيرها إلى الكيانات الاقتصادية باعتبار أن الاقتصاد المحرك الأساسي للتاريخ, و إن استمرار الأنواع وتطورها هي عملية اقتصادية بامتياز, والعالم اليوم يهتم بالحفاظ على الأنواع لأنه يجد هناك نوع من الانسجام بين الذاتي والموضوعي في الطبيعة ,و في النهاية كل الجهود التي تبذل في هذا الاتجاه لها مردود اقتصادي والعملية سائرة إلى أمام, لكن في مجتمعاتنا تجدها تصب في صالح ثقافة السلطة ,كون سلطة الثقافة ودورها لازال هلاميا ,أما ثقافة السلطة متجذرة منذ العصور الأولى أي من عصر المشاعية البدائية ,ووسيلتها المكر والخداع, وتبدو قوة فاعلة بشكلها الفردي أو الجمعي تمارس الابعاد والتهميش بمكارثية جديدة تستهدف الوجود المثقف .
هناك علاقة لوغاريتمية بين انحسار سلطة الثقافة وتنامي ثقافة السلطة وقد يبدو هذا نوع من الاشتباك, إلا ان هذا الاشتباك يصب في مصلحة الرأسمال النقدي وكذلك الرأسمال الرمزي والذي له تحالفات مشتركة في نطاق الفعالية و في استغلال الانسان امتدت لآلاف السنين, ولازال يفعل فعلته في المجتمعات المتغيبة والمغيبة حضاريا ,لأنه هو خيارها وهي المغيبة بفعل الافيون الثقافي, التاريخي, لكني أرى أن الإنسان سيكون حاضرا ولاعبا رغم ازدراءه للمشهد وستكون آلية الصراع وجودية بامتياز .


منذ أسبوعين تقريباً، أرسل أحد الأصدقاء تعريفاً للمكارثية ووضع نقطة في نهاية التعريف الذي استغرق بعض السطور، وكأنه يستقرئ اتساع رقعة المكارثية هنا خصوصاً هذه الأيام.
فخلال عشر سنوات من الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي، هي تلك الواقعة ما بين 1947 و1957، كان فيها السيناتور الجمهوري جوزف مكارثي، نجماً بلا منازع، أسس خطاً لم تعرفه السياسة الأميركية من قبل ربما، وأسمي باسمه “المكارثية”، وذلك تحت ذريعة مكافحة الشيوعية لئلا تتغلغل في المجتمع الأميركي. وتحت هذا الباب، صارت الشائعات والدسائس وكتابة التقارير والأخذ بالظنة، تحت تهمة التجسس لصالح الاتحاد السوفييتي، أو حتى التعاطف مع أفكاره، من التهم التي يمكن أن تودي بصحابها إلى السجن، وإن كان محظوظاً، فإنه سيكون معزولاً اجتماعياً ومهنياً وسياسياً، حتى يكون الانتحار الطريق الأسلم بالنسبة له للخروج من هذه “الزنقة” التي وُضع فيها، عندما عبّر عن رأي لم يكن مرضياً للجمهوريين الذين كانوا آنذاك أجداداً للمحافظين الجدد اليوم، وقد عرفناهم منذ مطلع الثمانينات وحتى الأمس القريب من جورج بوش الابن.
لم ينجح مكارثي في بث أفكاره في مجتمع منفتح ومتسامح إلى حد بعيد، ومتعدد الأعراق والأديان والألسنة والصبغات والثقافات؛ إلا من خلال التخويف والتهويل، وصنع أعداء حقيقيين أحياناً، ووهميين أحايين أخرى، فانطلق سُعار المكارثيين في تتبع ما تنطوي عليه سرائر البشر، والتخلص من أي من يُشك في حمله أفكاراً غير متسقة 100 % مع أفكارهم إذا كانوا في الأجهزة الحكومية خشية التجسس لصالح العدو، وكان الولاء والبراء– بالطريقة الأميركية طبعاً – واحداً مما قامت عليه المكارثية، وصار الشره للمزيد من الضحايا يتقدم، ولم يعد المكارثيون يكتفون بأناس اعتياديين، فلم يتوقفوا عند هذا الحد، بل ذهب بعضهم لاتهام مواطنين حازوا صفة العالمية، كوزير الدفاع الأميركي جورج مارشال الذي يٌنسب إليه “مشروع مارشال” لإعادة بناء أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، وحائز على جائزة نوبل للسلام، بأنه مساند للشيوعية. وكان مكارثي قد ادّعى في العام 1950 أن “205 أشخاص من موظفي وزارة الخارجية الأميريكية هم من المتعاطفين مع الشيوعية وأن 57 آخرين أعضاء في الحزب الشيوعي” [1].
“القائمة السوداء”، هي واحدة من نتاجات المكارثية، إذ قيّد فيها كل من يشك – لمجرد الشك وعدم الراحة – في انتمائهم أو تعاطفهم أو ميلهم للأفكار الشيوعية، ولم يكتف بهذا في الولايات المتحدة وحدها، ولكن اليد الأميركية التي كانت – ولا تزال طبعاً – طويلة حتى في أوروبا، وخصوصاً أوروبا التي تدين لها في تلك الحقبة بالفضل الكبير لحسمها الحرب العالمية الثانية، فأرسل أزلامه إلى هناك ليضعوا “القائمة السوداء الأوروبية”، لمن تنطبق عليه شروطه تلك، فاتسعت دائرة نفوذه، الذي نتج عنه رئيسان تاليان هما ريتشارد نيكسون الذي تعقّب شيوعيين في الخارجية الأميركية حتى أودى بهما إلى السجن، قبل أن يصبح رئيساً ويخرج مكللاً بالخزي والعار بفضيحة هي الأشهر سياسياً على مستوى العالم (ووترغيت)، وكذلك “رونالد ريغان، الذي كان رئيسا لنقابة الممثلين والممثلات. لكنه تجسس على زملائه لصالح مكتب التحقيقات الفدرالي (اف بي آي). وكان رقمه “العميل عشرة”. واعتذر، بعد أربعين سنة، في كتاب مذكراته. وأشار الى عذر يبدو غير غريب في اميركا اليوم، وهو انه خلط بين الخطر الحقيقي (الشيوعية)، وبين اليساريين والليبراليين والنقابيين” [2] واعترف أن أبرياء أصيبوا بالأذى في تلك الفترة!
وربما لم يكن ريغان صنيع المكارثية، ولكنه صنيع ما هو أقل شهرة، والمعروف بـ “التوماسية”، نسبة إلى بارنيل توماس، الذي سبق مكارثي بقليل فقط، وأصبح ينقب عن الشيوعيين في المجال الفني، وأقنع وولت ديزني (مؤسس شركة ديزني للملاهي)، ولويس ماير (مؤسس شركة متروغولدين ماير للسينما)، وجاك وارنر (مؤسس شركة وارنر للسينما)، بأن يشهدوا ضد زملاء لهم، وسُجن عشرة ممثلين، فقط لأنهم رفضوا الإجابة على أسئلة في التحقيق يتناقض جوهرها والدستور الأميركي [3].
بعد ثلاثة عقود، ترنّحت الشيوعية وتهاوت، وانحلّ الاتحاد السوفييتي وتفتت، في الوقت الذي صعد فيه نجم المحافظين الجدد، وخصوصاً في عهد الرئيس الأميركي السابق. وعقيدتهم تشي أنه لا بد من صنع عدو، والذهاب لحربه، فكان أن ضخّموا “الإرهاب”، ودوّلوه، وشغلوا العالم به، ووزعوا فيه التهم، وغزوا العالم بزعمه، ومنعوا، ومنحوا على هذا الأساس، وساد الشك في منافذ العالم الغربي بكل من اكتسى بسحنة أقرب ما تكون إلى العربية، والقصة معروفة التفاصيل.

اليوم نجد بين ظهرانينا مكارثية بحرينية من نوع شبيه إلى حد ما. فهناك قوائم توزع، تهم توزع، خوف وشك كبيران من أن يقول البعض رأيهم فيما جرى بحرية، إقصاء اجتماعي لكل من يقول أن له وجهة نظر مستقلة، فالمسطرة موجودة لمعرفة مدى انحرافك وانجرافك. هناك من لا يتوروعون عن إيراد أسماء في مواقع عمل، ونسب جملة من التهم إليها من دون لحظة تأمل في الحديث النبوي الشريف “كفى بالمرء كذبآ أن يحدث بما يسمع”،ولكي يبرئ البعض ذمته، يتوج القائمة بكلمة “كما وصلني”، ويختمها بثلاثية “انشر انشر انشر”، ونراها منتشرة، بل ومنشورة في اليوم التالي، بلا تثبت ولا يقين. ففي زمن المكارثية، من لا تناله مخالبها، لا أقل من أن تنال من سمعته.سيرة ذاتيةعرض مهرجان متحف الشارقه الاول2005.