الأربعاء، 19 فبراير 2014

الثلاثاء، 18 فبراير 2014

لغة الرصاص بلسان الجندي براين -كاظم فنجان الحمامي

لغة الرصاص بلسان الجندي براين


كاظم فنجان الحمامي

يعود الفضل الكبير في قراءتنا لقصائد الجندي الشاعر (براين ترنر) إلى الأستاذ حيدر الكعبي, الذي أبدع أيما إبداع في ترجمتها إلى العربية, فنقل لنا تفاصيل المشاهد الدموية, التي رسمها (براين) بلغة الرصاص.
كان (براين) شاعراً مغامراً يعتمر خوذة جندي, ويقود حضيرة أمريكية في العراق ضمن تشكيلات القوات المتحالفة ضدنا. باشر بكتابة أولى قصائده (1), منذ اليوم الذي انطلقت فيه كتيبته من مخيم (ولفراين) في الكويت, من الوكر الذي تسللت منه جرذان الصحراء, وحتى اليوم الذي غادر فيه العراق من الوكر نفسه, فجمع قصائده عام 2005 تحت عنوان (هنا أيتها الرصاصة) (2), ليحكي للناس مأساة المدن العراقية المنكوبة, التي لم يبق فيها سوى الوجع, وسوى الرصاص والألم, وسوى النزف حتى الموت, وسوى لعنات الجرحى, وشتائمهم وتأوهاتهم (3).
يقف في (الشلامجة) حيث الهياكل العظمية تستريح في صناديقها, ومازالت, بعد عشرين عاماً, مرخيَّة الفكين, كأنها مندهشة لموتها (4).



يصور لنا مقبرة السلام في ضواحي مدينة النجف, حيث الغيوم مصنوعة من البارود والمطر, والأرض حبلى بالموتى, وأكوام القبور تمتد أرتالاً وأرتالاً, وثمة متسع للمزيد مما ستجود به السنوات المقبلة, وما على الحفارين سوى أن يدقوا المجرفة بعد المجرفة, ويحفروا (5).
صور مروعة من المعركة الخاسرة, صورة أبشع من الأخرى, في صورة من الصور, ثمة قمر من الدم معلق فوق دجلة, وثمة طلب بإخلاء الجرحى ينقله المذياع مشوشاً, وتفاصيل عن انزلاق شاحنة أسلحة, وسقوطها في مياه الصيف الداكنة السريعة الجريان, وعن رجلين لم يتمكنا من الخروج (6).
ثم يكمل ما تبقى من تفاصيل الصورة بعدسة يحجبها البريق, فيقول: حتى أن الجنود لم يعودوا يرون شيئاً, لا شيء سوى الخراب في الشوارع, وسوى أجساد مغطاة بالملاءات, وسوى الشمس, سيتعين على صانعي التوابيت أن ينفقوا الكثير من المسامير (7).
ما يميز الشاعر (براين تيرنر) أنه قرأ تاريخ الميزوبوتاميا من الألف إلى الياء, وتعمق في دراسة تراثنا الشعبي, وتعرَّف على عاداتنا وتقاليدنا, فترك بصماته المعرفية على معظم صوره الشعرية, وربما يتضح أثر تلك البصمات في قصيدة (النجف عام 1820), التي يتحدث فيها عن قوافل الجمال وهي تنقل الموتى في الربع الأول من القرن التاسع عشر, ويصور لنا الحسن بن الهيثم وهو يقيس زوايا الظل والضوء, والانعكاس والانكسار (8), ثم يذهب بعيداً ليصور لنا جلجامش وأحافيره السومرية في مدينة (أوروك) (9), ويمر على جسد عشتار ليرسم لها صورة شفافة بدخان البنادق. فيرتقي بها إلى القمة المصنوعة من الشظايا المتطايرة في كل الاتجاهات, حيث تحلق الهليكوبترات لإخلاء الجرحى في التجاويف المظلمة, فتلف حول نفسها مثل زوبعة مراوح من الألم والضماد (10).
الشاعر من مواليد كاليفورنيا 1967, والمترجم من مواليد البصرة عام 1954. يقيم المترجم في الولايات المتحدة منذ عام 1994.
طبعت دار تموز في دمشق النسخة العربية لهذه المجموعة الشعرية المغلفة بلوحة معبرة رسمها الأستاذ هاشم تايه. .
حظيت قصائد (براين) باهتمام الأوساط الأدبية العالمية, ومُنح بسببها جوائز وزمالات عديدة. صدرت مجموعته الثانية عام 2010, وحملت عنوان (ضجيج الفانتوم). وهي الأخرى تحوي قصائد مستوحاة من تجربته الحربية في العراق.
(1)     قصيدة (تشريح) ص 65.
(2)     Here, Bullet
(3)     قصيدة (خزانة الوجع) ص 37.
(4)     قصيدة (يوم العودة إلى الوطن) ص 68.
(5)     قصيدة (لنجف عام 1820) ص 70.
(6)     قصيدة (أغنية حزينة لدجلة) ص 123.
(7)     قصيدة (ما أشد هذا البريق) ص 87.
(8)     قصيدة (الحسن بن الهيثم) ص 91.
(9)     قصيدة (جلجامش في الأحافير) ص 120.
(10)  قصيدة (حلم البارحة) ص 132.

الجمعة، 14 فبراير 2014

عندما يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون-

عندما يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون

كاظم فنجان الحمامي
صار واضحاً بما لا يقبل التعليل والتأويل أن الذين يعلمون والذين لا يعلمون لا يتساوون إلا في تطبيقات أحكام قانون التقاعد الموحد الذي أقره البرلمان العراقي قبل بضعة أيام, فقد وردت فيه الإشارات الثلاث التالية:-
·       يتساوى في الراتب التقاعدي الحاصل على شهادة البكالوريوس مع الأمي, الذي لا يقرأ ولا يكتب, مهما كانت عدد سنوات الخدمة وهو 400 ألف دينار.
·       يتساوى في الراتب التقاعدي الحاصل على شهادة الماجستير مع الأمي, الذي لا يقرأ ولا يكتب, حتى 25 سنة من سنوات الخدمة المدنية ثم يبدأ هامش تغيير بسيط.
·       يتساوى في الراتب التقاعدي الحاصل على شهادة الدكتوراه مع الأمي, الذي لا يقرأ ولا يكتب, حتى 22 سنة من سنوات الخدمة المدنية ثم يبدأ هامش تغيير بسيط.

لا ندري حتى الآن هل المقصود تكريم الأميين ورفعهم إلى مصاف المتعلمين ؟, أم مصادرة حقوق المتعلمين والهبوط بها إلى مصاف الأميين؟. أم دمج العناوين الوظيفية كلها في عنوان موحد يتساوى فيه الذين يعلمون والذين لا يعلمون ؟. وهل في قوانين الكون كله مادة تشريعية واحدة يتساوى فيها الاثنان في مضمار التنافس الوظيفي والاجتماعي ؟.
قال تعالى في محكم كتابه: (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ؟), والاستفهام هنا مستعمل في الإبكار, والمقصود: إثبات عدم المساواة بين الفريقين, وتفضيل الذين يعلمون على الذين لا يعلمون, ثم أن وقوع فعل (يستوي) في حيز النفي يكسبه عموم النفي لجميع جهات الاستواء.
فالتفاوت بين المتعلم والأمي, الذي لا يقرأ ولا يكتب, في الصورة التي ذكرناها مشمول لنفي الاستواء في قوله تعالى, وتتشعب من هذا التفاوت فروع جمة, وهي على كثرتها تنضوي تحت معنى هذه الآية, ثم جاء قوله: (إنما يتذكر أولو الألباب) ليقع في موقع التعليل لنفي الاستواء بين المتعلم وغير المتعلم.
وأولو الألباب: هم أهل العقول الصحيحة, وهم أهل العلم, فلما كان أهل العلم هم أهل التذكير دون غيرهم أفاد عدم استواء الذين يعلمون والذين لا يعلمون. فكيف أصبحوا متساوين في منظور أعضاء البرلمان العراقي الموقر ؟, وكيف ذابت الفوارق كلها في تفسيراتهم ؟.

الأربعاء، 12 فبراير 2014

البُسطار الروسي و القبعة الأمريكيه والحاضنة الأسرائيليه : قضايا العرب بين أرجل الآخرين- د. لبيب قمحاوي




البُسطار الروسي و القبعة الأمريكيه والحاضنة الأسرائيليه :  قضايا العرب بين أرجل الآخرين
                                                                      بقلم
                                                                                                                                                                                  د. لبيب قمحاوي
                                                                                         lkamhawi@cessco.com.jo
          من الخطأ التعميم المطلق أو اصدار أحكام عامة على شعب من الشعوب أو أمة من الأمم . ولكن من الواضح أن مسار الأمة العربية وشعوبها لا يبعث على الارتياح ولا يبشر بالخير . إن هذا لا يعني الولوج في أحكام مسبقة الصنع بقدر ما يعني رغبة حقيقية ومخلصة لاستقراء الواقع في محاوله لفهم المستقبل . العالم من حولنا يثب وثباً ويقفز نحو التقدم والبناء من خلال العمل والمثابرة وليس من خلال الأحلام والأوهام وشراء مظاهر التقدم والحضارة عوضاً عن صنعها بنفسه ولنفسه وللأجيال القادمة كما هو عليه الحال لدى الأمم الأخرى الحية .
        من الواضح أن منطقة الشرق الأوسط وقضاياها قد ابتدأت تنحسر في أهميتها بالنسبة للدول الكبرى والدول القادرة . وهذا الانحسار لا يعود إلى فقدان هده المنطقة لأهميتها الجيوبوليتيكية أو لأضمحلال  مواردها خصوصاً الغاز والنفط ، بقدر ما يعود إلى شعور الدول الكبرى والقادرة بأن المقاومة القادمة من تلك الدول لمشاريع إستغلالها اقتصادياً وسياسياً وحتى إعادة تشكيلها تكاد تكون معدومه إن لم تكن معدومه فعلاً . وقد خلق هذا الواقع حالة من الأطمئنان المطلق و الثقة الكاملة لدى تلك الدول ناتج عن شعورها بأنها تستطيع أن تفعل ما تريد في تلك الدول ولتلك الدول دون أي مقاومة تذكر ، مما يعني أن انسحاب اهتمامها من هذه المنطقه لصالح مناطق آخرى لن يؤثر على مصالحها الحيويه في منطقتنا العربيه .
        وهذا الانسحاب لا يعني ترك منطقة الشرق الأوسط سائبة  بقدر ما يعني تسليم مقاليد أمورها بالنيابه إلى قوى إقليميه حليفة أهمها اسرائيل كدولة حاضنه وربما ايران وتركيا اللتان سوف تُُستَعمَلان لتمزيق المنطقة وإعادة تشكيلها على أسس مذهبية بين السنه والشيعه . أما قيادة أمور المنطقة بشكل عام فستبقى دائماً بيد اسرائيل وهي الأقوى عسكرياً في الأقليم .
         إن الضعف شيء والشعور بالضعف شيء آخر . فما بالك إذا كان واقع الحال يعكس الأثنين معاً .  النوايا الأمريكيه بالإنسحاب من منطقة الشرق الأوسط لصالح توجيه اهتمام أكبر ووقت أكثر لمصالحها واستثماراتها  في قارة آسيا وخصوصاً في دول مثل الصين والهند بات أمراً أكثر جدوى للمصالح الأمريكيه . ويقابل هذا القرار الأمريكي قراراً روسياً بالعودة إلى منطقة الشرق الأوسط بقوة وبدور جديد وأهداف وأساليب جديده تعكس المصالح الروسيه وضرورة تكريسها لتعويض الخساره التي أصابتها في أوروبا الشرقيه والشرق الأوسط عقب انهيار الأتحاد السوفياتي . أما الحاضنة الأسرائيليه  " فلا خَوْفٌ عليهم ولا هم يَحْزَنون " . فأمريكا مع اسرائيل كما أن روسيا أيضاً مع اسرائيل ، والعديد من الأنظمة العربية الخائفة والمرعوبة تغازل اسرائيل ،  معظمها في الخفاء ، وبعضها في العلن . ومحاولة بعض الأنظمة العربيه مثل السعودية والسلطه الفلسطينيه ومصر اللعب على أوتار تضارب المصالح بين أمريكا و روسيا لن يجدي نفعاً في معظم الحالات باستثناء بعض الحالات وأهمها حالياً سوريا . فأمركيا و روسيا لا يتصرفان الآن بعقلية الحرب البارده ولكن بعقلية تطابق أو تعارض المصالح . وقد تتعارض المصالح إلى حد الخلاف العلني ولكنها لن تصل إلى حد التناطح بل ستتم معالجتها من خلال التوصل لتسويات تناسب الطرفين وإن كانت تلك التسويات ستكون في المحصلة النهائية على حساب الآخرين ، أي العرب بشكل رئيسي .
          إن ما يجري من اقتتال في سوريا هو مثال حي على ذلك . فمع أن الخلاف على سوريا هو روسي – أمريكي ، إلا أن من يدفع الثمن هم السوريون وسوريا . فالقتلى هم في غالبيتِهِمْ من السوريين ، والدمار يلحق بسوريا ، وانهيار الأقتصاد يصيب سوريا ، والسماح باستمرار ذلك الى حين الوصول الى اتفاق بين روسيا وأمريكا هو أيضاً على حساب سوريا . النظام السوري لعب اللعبة بذكاء ولكن ضمن رؤيا أنانيه بحته . والمعارضه السوريه لعبت اللعبه بغباء يعكس تشتتها وتنوع مرجعياتها . والعرب لعبوا اللعبة بلؤم واضح قل نظيره، وكان دورهم في النهاية محصلة لقصر النظر والتبعية لجهات أو مرجعيات أخرى منها الأسلاميين و الأمريكيين و الروس و الإيرانيين و الأتراك ، ولم يتصرفوا أبداً انطلاقاً من موقف عربي شامل يهدف إلى حماية المصالح العربية من خلال حماية سوريا وشعب سوريا من التفكيك والدمار والقتل والتشريد والتهجير .  
         النظام السوري كان يعلم بالضبط مايريد وكان على استعداد لفعل أي شيء وكل شيء من أجل ذلك . والمعارضه السوريه كانت تعلم ما لا تريد ولكنها لم تتمكن من التوافق على ما تريد ! أما العرب فبعضهم قد إنطلق في مواقفه من عقلية البداوة التي تسعى الى الأنتقام من بشار الأسد ، والبعض الآخر انطلق من فكرة وعقيدة تسعى الى دعم الأسلاميين على حساب الدوله الوطنيه السوريه . وبين هذا وذاك ، قام كل فريق من أولئك بدعم وتمويل فرق ومجموعات أجنبيه غير سوريه بالمال والسلاح ومساعدتها على دخول الأراضي السوريه كي تنشط هناك، مما ساهم بالنتيجه في تدويل الصراع في سوريا من صراع سوري – سوري الى صراع مركب، أطرافه تدين بالولاء لقوى اقليمية ودوليه من خارج سوريا ، بل ومن خارج العالم العربي ، لها مصالحها التي قد لا تنسجم أبداً مع مصالح الدوله السورية أو الأمة العربية .
         تَطَوُر الصراع في سوريا كان يخفي في ثناياه جهود قوى اقليميه رئيسية وقوى دولية لتفكيك النظام الأقليمي العربي وتحوليه الى انظمة طائفيه بقيادة قوى غير عربيه أهمها تركيا وإيران وإسرائيل . وفي هذا السياق ، اخذت معظم المجتمعات العربيه تنجرف نحو الأسلمة سواء عن وعي مقصود او بلا وعي كخطوة أولى نحو خلق نظام سياسي طائفي جديد . وتم تفسير المصلحة الوطنيه من جديد بأعين طائفية وطموحات تتناقض والواقع الوطني والقومي لدول المنطقة.
        وقد ساهم وصول الأسلاميين السنة الى الحكم في مصر في تأجيج هذا التوجه نحو إستبدال الدولة الوطنية بالدولة الدينيه وإبتدأت المسيره البائسه بالعمل على خلق عالم سني وعالم شيعي على أشلاء العالم العربي وإحياء دولة الخلافه سنياً وولاية الفقيه شيعياً . وأصبحت سوريا هي الجوهرة المنشودة من قبل القطب الأقليمي السني في مسعاه لأستكمال المحور السني ، وخط الدفاع الاخير للقطب الأقليمي الشيعي في سعيه لمنع تكامل ذلك المحور . واشتد الصراع وابتدأ التجاذب بين الأطراف المختلفه في سعيها لحسم الصراع في سوريا كل لصالحه . وفي خضم  ذلك فقدت البوصله إتجاهها ولم يعد طرفي الصراع الأساسين وهما النظام السوري والمعارضه الوطنيه السورية قادرين على توجيه الصراع للوصول الى الأهداف المنشوده من قبل السوريين أنفسهم . واستغل النظام السوري هذا الوضع لأخافة المجتمع المدني السوري والمجتمع الدولي من عواقب استلام الأسلاميين للحكم في سوريا . ومن اجل ذلك ، أخذ النظام نفسه في تضخيم قوة الأسلاميين واعتبرهم قطب المعارضة الرئيسي بهدف وضع السوريين والعالم امام خيار واحد من خيارين : إما بقاء النظام أو استلام الأسلاميين للحكم في سوريا . وقد نجح في ذلك نجاحاً باهراً . وهكذا ، إبتدأت معالم خارطة التحالفات الأقليميه في التبلور عشية انفجار الحركة الشعبيه في مصر والتي أدت إلى إسقاط نظام حكم حركة الأخوان المسلميين في مصر .
        لقد كان لسقوط نظام حكم الأخوان المسلمين في مصر أثراً مدوياً على الواقع الجيوبوليتكي في المنطقه،  وأختل توازن الداعين إلى إنشاء دولة الخلافه . وقد إنعكس ذلك على علاقة تركيا بالنظام الجديد في مصر وكذلك على دورها في دعم الجهات المعارضة لنظام الأسد ، في حين أبدت ايران و روسيا ترحيبها بتلك التطورات وانعكاساتها الأيجابية على نظام الأسد .

       وهكذا فإن القرار النهائي لكيفية وطبيعة الحل النهائي للمعضله السوريه قد خرج من أيدي السوريين والعرب والأسلاميين إلى أيدي أمريكا و روسيا ، وأي تغيير على أرض الواقع في جبهات القتال في سوريا لن يكون قادراً على الحسم كونه في الحقيقة لا يهدف إليه بقدر ما يهدف إلى تعزيز موقف أمريكا أو روسيا من قبل هذا الطرف أو ذاك في التفاوض على كيفية حل المعضلة السوريه وعلى اقتسام النفوذ والغنائم المرتبطة بذلك الحل  .
        وهكذا ، فإن الجميع يتقاتلون ، ولكن الحصاد ليس لهم بل لغيرهم . وهذا ، على ما يبدو ، هو واقع الحال العربي . والأطراف العربية الأخرى المرتبطة بهذا الصراع تعبر عن نفسها ومواقفها من خلال الآخرين ، إما أمريكا أو روسيا ، وليس مباشرة أو من خلال موقف عربي واضح المعالم تجاه هذا الصراع . وضع عجيب خصوصاً في ظل وجود مئات الآلاف من الضحايا والمصابين وملايين المهجرين السوريين .
         إن تشابك قضايا المنطقة والتأثير المتبادل لما يجري في مصر على سوريا أو لما يجري في سوريا على فلسطين أو لما يجري في ليبيا على مصر أو لما يجري في سوريا على لبنان أو لما يجري في فلسطين على الأردن أو لما يجري في العراق على الكويت أو لما يجري في مصر على السعودية ..... الخ كل هذا يبدو أنه لم يشكل أرضية كافية في نظر العديد من الأنظمة العربيه للتعامل مع قضايا المنطقة بمنظور تكاملي يهدف إلى إيجاد حلول عربية للقضايا والمشاكل العربية . بل على العكس ، فإن الأستعانة بالأجنبي كان دائماً الخيار المفضل لدى العديد من الحكام العرب مما ساهم في مزيد من التمزيق للمنطقه واحتلال دولها واستباحة سياداتها وثرواتها ووضعها تحت بُسطار النفوذ الأجنبي .

حامد كعيد الجبوري - إضاءة / ( عرب وين طنبوره وين )

الاثنين، 3 فبراير 2014

.... وعلى الشجعان السلام : إعدام القضية الفلسطينية وحركة فتح تتحمل المسوؤلية الأكبر-د. لبيب قمحاوي

.... وعلى الشجعان السلام : إعدام القضية الفلسطينية
 وحركة فتح تتحمل المسوؤلية الأكبر

بقلم                      
د. لبيب قمحاوي

        السوريون يقتلون السوريين وبوحشية ، والعراقيون يقتلون العراقيين وبوحشية ، وكذلك اللبنانيون والليبيون والمصريون واليمنيون والسودانيون ، هذا في الوقت الذي يستقبل فيه العديد من الحكام العرب ، ومنهم الفلسطينيون ، المسوؤلين الأسرائيليين بصدر رحب ، وفي بعض الأحيان بالعناق ! ماذا حصل لهذه الأمة ؟ وما الذي يجري حقيقة ؟ ولماذا ينجح العرب في قتل بعضهم البعض بكفاءة ووحشية ومثابرة منقطعة النظير ، ويفشلون في الدفاع عن أنفسهم ضد مخططات نابعة من رحم أعدائهم وتهدف إلى تدمير مصالحهم ومصادرة حقوقهم كما هو عليه الحال الآن ؟
       يتناسى الكثيرون في سعيهم المحموم نحو معرفة تفاصيل مايجري في جولات جون كيري والأفكار المتداوله بين أطرافها أن المشكلة هي في مبدأ المفاوضات نفسه أكثر منه في التفاصيل. المنطق يفترض أن لا يسعى أحد لصنع السلام وهو محتل ومهزوم ومأزوم ولا يملك قيادة تدافع عن حقوقه بالشراسة المطلوبة ، ناهيك عن استعدادها للأستسلام للباطل والأنحناء لمنطق القوة بسهولة .
       نقطة الأنطلاق إذاً في التعامل مع الهجمة الأمريكيه – الأسرائيليه الجديدة هي في التأكيد على أن لا مصلحه للفلسطينيين والأردن في الدخول في مفاوضات سلام مع اسرائيل بغض النظر عن التفاصيل لأنهم في وضع ضعيف مأزوم ومهلهل وبلا عمق عربي أو إسلامي مؤثر. ولكن هذا المنطق يفترض أمران : الأول ، أن يكون المواطنون الفلسطينيون والأردنيون قادرين على التأثير على من يحكمهم للأنصياع لرغبتهم تلك في الأحجام عن الدخول في مفاوضات نتائجها شبه محسومه ، وهذا أمر غير قائم . والثاني ، أن يتمتع الحكام المعنيين بدرجة من الحس الوطني تردعهم عن تقديم تنازلات في العمق لصالح أمريكا واسرائيل ، وهذا أمر غير قائم أيضاً . وفي كل الأحوال ، على الجميع أن يعي بأن اجترار الموقف التقليدي في معارضة مشاريع التسوية لقضية فلسطين أمر يتوقعه القائمين على تلك المشاريع وهو لن يَضُرﱠهم أو يُزعجَهم أو يثني من عزيمتهم على المضي فيما هم مقدمون عليه ما دامت تلك المعارضة تقليدية ومحصورة بالكلام والمسيرات والأجتماعات والشعارات ويسقط فلان ويعيش علان .
     الخطى الحثيثة نحو التسويات لم تأتِ فجأة أو من فراغ ، بل تعود لعقود مضت . والشاهد الأهم على هذا المسار هو المرحوم هاني الحسن - أحد مؤسسي وقادة حركة فتح البارزين - عندما أعلن في لندن عام 1991 بأن حركة فتح قد عملت لما يزيد عن عشرين عاماً حتى توصل الشعب الفلسطيني إلى مرحلة القناعة الواقعية بالقبول بتسوية سياسية مع اسرائيل!
      لقد كان من المستحيل على أي جهة مهما كانت المضي في المسار المؤدي إلى تسوية سياسية مع اسرائيل الا بعد القضاء على نفوذ التجمعات الفلسطينية الرئيسية في الشتات وكسر ظهرها بحيث لا تعود قادرة على المعارضة الفعلية والمؤثرة لذلك المسار . وهكذا تم كسر ظهر التجمع الفلسطيني في الأردن عقب أحداث عام 1970 ، والتجمع الفلسطيني في لبنان خلال الحرب الأهليه التي ابتدأت عام 1975 وامتدت لمدة خمسة عشره عاماً ، انتهاءاً بالتجمع الفلسطيني في الكويت عندما انحاز ياسر عرفات عملياً تجاه العراق بعد احتلاله الكويت عام 1990 ، بالرغم من مطالبة القيادة الوطنيه الموحده للأنتفاضة  في ذلك الحين السيد عرفات بعدم اتخاذ أي موقف يمكن أن يُفَسَر بأنه انحياز لطرف ضد الأخر ، لأن الفلسطينيين يكافحون ضد الأحتلال وهم غير مُطَاَلبين بدعم أي طرف عربي ضد طرف آخر ، بل على جميع العرب دعم الفلسطينيين في انتفاضتهم . ولكن عرفات إختار أن يتجاهل تلك المطالب وكان ما كان وتم طرد الفلسطينيين من الكويت .
       وهكذا ، وتحت القيادة الحكيمة لحركة فتح ، تم كسر ظهر التجمعات الفلسطينيه الرئيسة الثلاث في الأردن ولبنان والكويت ، وأصبح الطريق ممهداً أمام الولوج في مسارات التسوية التي أدت إلى اتفاقات أوسلو التي أسست السلطة الفلسطينيه .
        من المحزن والمؤسف حقيقة أن حركة فتح التي قادت النضال الفلسطيني المسلح هي نفسها التي اختزلته في أهداف انانية سلطوية متواضعه أدت إلى اختصار منظمة التحرير الفلسطينيه عقب اتفاقات أوسلو في " سلطة فلسطينيه " ، واختزلت هدف التحرير والأستقلال في حكم ذاتي برعاية وإشراف الأحتلال ثم تقهقرت في واقعها إلى الحد الذي تنازل فيه رئيسها ورئيس السلطة الفلسطينيه محمود عباس عن قبر والده في مدينة صفد الفلسطينية طوعاً ودون إكراه من أحد وبكل ما يحمله ذلك التنازل من مدلولات سياسيه كونه صادر عن رئيس السلطة الفلسطينيه .
        إن ثقافة السلام االمبنية على التنازلات هي إختراع فلسطيني فتحاوي تم تطويره مع الوقت ومع تطور الطموحات الأنانية السلطوية والفساد والأفساد ليصبح نهجاً بل وثقافة يؤمن بها معظم القائمين على الأمر الفلسطيني بعد أن تم استبعاد أو تصفية كل من يعارض ذلك النهج. وقد نتج عن هذه الثقافه الأستسلامية اختراعات وأفكار وشعارات تم طرحها وتسويقها بحيث أصبحت جزأ من الثقافة السياسية الفتحاويه الفلسطينيه . ومن أبرز هذه الأفكار ما تم استنباطه بخصوص القدس وذلك من خلال التلاعب بمسميات وحدود المدينه التي تم اختصارها أولاً وفي عهد ياسرعرفات في اصطلاح " القدس الشريف " الذي لا يعرف أحد معناه الحقيقي أو مدلولاته  السياسيه أو حدود ذلك " القدس الشريف " سوى أنه يمكن اختصاره عند الضرورة بالمسجد الأقصى . وفي عهد محمود عباس تم استعمال اصطلاح " القدس الكبرى " التي يمكن تقسيمها كيفما شاءت اسرائيل ويظل اسمها "القدس" حتى ولو كانت عبارة عن أحياء مثل " أبو ديس " مضافاً إليها المسجد الأقصى ، الى غير ذلك أفكار عجيبة غريبة تتشارك فيها أمريكا واسرائيل والسلطة الفلسطينيه والآن الأردن من خلال ولاية دينية غامضة الأهداف على الأماكن المقدسة في القدس .
       الآن وبعد أن إتضحت بعض معالم خيارات الحل الأمريكي – الاسرائيلي لقضية القدس ، تبقى قضية اللاجئين وحق العودة القضية الأكثر وعورة وصعوبة نظراً لأمتداداتها التي تشمل أكثر من دولة ، وأبعادها التي تغطي الشعب الفلسطيني أينما وجد في الشتات .
      يبدو أن الأفكار التي تدور في الرأس الأمريكي والعقل الاسرائيلي تتمحور حول الألتفاف على هذه القضية من خلال تفكيكها قطعة قطعة ومعالجة كل قطعة على إنفراد حتى تذوب من تلقاء نفسها وتفقد زخمها وبعدها السياسي . والوسيلة تكمن في اتباع عدة خطوات ومسالك قد يكون منها طبقاً لما رشح عن الأفكار المتداوله بين أطراف المفاوضات ما يلي :-
أولاً : تجنب التعرض لقضية اللاجئين وحق العودة بشكل مباشر في اتفاق الإطار واعتبارهما لغماً يتطلب التعامل معه تفكيكه أولاً حتى لا ينفجر بمن يقترب منه .      
ثانياً : تفكيك قضية اللاجئين وتحويلها من قضية شعب الى مجموعات بشرية مقيمة في هذه             الدولة أو تلك ، وإفقادها بالتالي صفة الترابط الذي يجمعها كقضية تمثل شعباً فلسطينياً            واحداً فَقَدَ أماكن سكناه وأراضيه نتيجة لإنشاء دولة اسرائيل على جزء من أراضي فلسطين .
ثالثاً : تحويل قضية اللاجئين من قضية سياسية الى قضية إنسانية والعمل على حَلَها بالقطعة          وعلى هذا الأساس .
رابعاً : توطين اللاجئين في أماكن تواجدهم بإعتبار ذلك خطوة انسانية وليس سياسية . وفي هذا         الأطار فقد يتم طرح ترتيب مشابه  للبطاقة الخضراء في أمريكا GREEN CARD )) بحيث يحصل اللاجئون ، كخطوة أولى ، على جميع الحقوق باستثناء السياسية ، وعلى أن يتم إعطاء كافة الحقوق في خطوة لاحقه . أي هضم الحقوق خطوة خطوة منعاً لردات الفعل .
خامساً : تسهيل وفتح باب الهجره الجماعيه لأعداد كبيره من اللاجئين الفلسطينيين الى دول غربيه قد يكون أهمها كندا ، مقابل تنازلهم بالكامل عن صفة اللجوء وما يترتب عنها من حقوق بما في ذلك حق العودة .
سادساً : السماح بعودة عدد محدود من اللاجئين الى الأراضي الخاضعة لأشراف السلطة                  الفلسطينية واعتبار ذلك ممارسة نهائية لحق العودة الى فلسطين حسب القرار 194                الصادر عن الجمعية العامه للأمم المتحدة .
سابعاً : إعادة تفسير حق العودة بأنه يعني التعويض فقط بإعتبار ذلك أكثر واقعية نظراً                    لأستحالة عودة اللاجئين الى المناطق المحتله عام 1948 . وغالباُ أن ذلك سوف يتم               بموافقة السلطة الفلسطينية والأردن مضافاً إليها الدعم العربي المالي للتعويضات .
ثامناً : العمل على دفع التعويض الى حكومات الدول المضيفة للاجئين وليس للأفراد لتسهيل             عملية التنازل عن الحقوق في فلسطين وربط التوطين في ذهن حكومات الدول المضيفة          بقبض أموال التعويضات لجعل الأمر أكثر جاذبية وقبولاً .
تاسعاً : العمل على استصدار قرار جديد من مجلس الأمن لشرعنة ما سيتم الأتفاق علية وبالتالي          إلغاء مضمون القرار 194 الصادر عن الجمعية العامه للأمم المتحده والقاضي بالعودة           أو التعويض .
        ما نحن بصدده هو حل المشكلة الأسرائيليه من خلال تطبيع الوجود الأسرائيلي واعتبار اسرائيل دولة شرعية وليس كياناً غاصباً لأرض فلسطين ، وبالتالي إغلاق ملف القضية الفلسطينية بشكل نهائي .

       وعلى الشجعان السلام .....

غالب المسعودي - إلى طفلتي ألشقية.......

حامد كعيد الجبوري - إضاءة / الزمن الجميل !!!