الجمعة، 14 فبراير 2014

عندما يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون-

عندما يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون

كاظم فنجان الحمامي
صار واضحاً بما لا يقبل التعليل والتأويل أن الذين يعلمون والذين لا يعلمون لا يتساوون إلا في تطبيقات أحكام قانون التقاعد الموحد الذي أقره البرلمان العراقي قبل بضعة أيام, فقد وردت فيه الإشارات الثلاث التالية:-
·       يتساوى في الراتب التقاعدي الحاصل على شهادة البكالوريوس مع الأمي, الذي لا يقرأ ولا يكتب, مهما كانت عدد سنوات الخدمة وهو 400 ألف دينار.
·       يتساوى في الراتب التقاعدي الحاصل على شهادة الماجستير مع الأمي, الذي لا يقرأ ولا يكتب, حتى 25 سنة من سنوات الخدمة المدنية ثم يبدأ هامش تغيير بسيط.
·       يتساوى في الراتب التقاعدي الحاصل على شهادة الدكتوراه مع الأمي, الذي لا يقرأ ولا يكتب, حتى 22 سنة من سنوات الخدمة المدنية ثم يبدأ هامش تغيير بسيط.

لا ندري حتى الآن هل المقصود تكريم الأميين ورفعهم إلى مصاف المتعلمين ؟, أم مصادرة حقوق المتعلمين والهبوط بها إلى مصاف الأميين؟. أم دمج العناوين الوظيفية كلها في عنوان موحد يتساوى فيه الذين يعلمون والذين لا يعلمون ؟. وهل في قوانين الكون كله مادة تشريعية واحدة يتساوى فيها الاثنان في مضمار التنافس الوظيفي والاجتماعي ؟.
قال تعالى في محكم كتابه: (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ؟), والاستفهام هنا مستعمل في الإبكار, والمقصود: إثبات عدم المساواة بين الفريقين, وتفضيل الذين يعلمون على الذين لا يعلمون, ثم أن وقوع فعل (يستوي) في حيز النفي يكسبه عموم النفي لجميع جهات الاستواء.
فالتفاوت بين المتعلم والأمي, الذي لا يقرأ ولا يكتب, في الصورة التي ذكرناها مشمول لنفي الاستواء في قوله تعالى, وتتشعب من هذا التفاوت فروع جمة, وهي على كثرتها تنضوي تحت معنى هذه الآية, ثم جاء قوله: (إنما يتذكر أولو الألباب) ليقع في موقع التعليل لنفي الاستواء بين المتعلم وغير المتعلم.
وأولو الألباب: هم أهل العقول الصحيحة, وهم أهل العلم, فلما كان أهل العلم هم أهل التذكير دون غيرهم أفاد عدم استواء الذين يعلمون والذين لا يعلمون. فكيف أصبحوا متساوين في منظور أعضاء البرلمان العراقي الموقر ؟, وكيف ذابت الفوارق كلها في تفسيراتهم ؟.

الأربعاء، 12 فبراير 2014

البُسطار الروسي و القبعة الأمريكيه والحاضنة الأسرائيليه : قضايا العرب بين أرجل الآخرين- د. لبيب قمحاوي




البُسطار الروسي و القبعة الأمريكيه والحاضنة الأسرائيليه :  قضايا العرب بين أرجل الآخرين
                                                                      بقلم
                                                                                                                                                                                  د. لبيب قمحاوي
                                                                                         lkamhawi@cessco.com.jo
          من الخطأ التعميم المطلق أو اصدار أحكام عامة على شعب من الشعوب أو أمة من الأمم . ولكن من الواضح أن مسار الأمة العربية وشعوبها لا يبعث على الارتياح ولا يبشر بالخير . إن هذا لا يعني الولوج في أحكام مسبقة الصنع بقدر ما يعني رغبة حقيقية ومخلصة لاستقراء الواقع في محاوله لفهم المستقبل . العالم من حولنا يثب وثباً ويقفز نحو التقدم والبناء من خلال العمل والمثابرة وليس من خلال الأحلام والأوهام وشراء مظاهر التقدم والحضارة عوضاً عن صنعها بنفسه ولنفسه وللأجيال القادمة كما هو عليه الحال لدى الأمم الأخرى الحية .
        من الواضح أن منطقة الشرق الأوسط وقضاياها قد ابتدأت تنحسر في أهميتها بالنسبة للدول الكبرى والدول القادرة . وهذا الانحسار لا يعود إلى فقدان هده المنطقة لأهميتها الجيوبوليتيكية أو لأضمحلال  مواردها خصوصاً الغاز والنفط ، بقدر ما يعود إلى شعور الدول الكبرى والقادرة بأن المقاومة القادمة من تلك الدول لمشاريع إستغلالها اقتصادياً وسياسياً وحتى إعادة تشكيلها تكاد تكون معدومه إن لم تكن معدومه فعلاً . وقد خلق هذا الواقع حالة من الأطمئنان المطلق و الثقة الكاملة لدى تلك الدول ناتج عن شعورها بأنها تستطيع أن تفعل ما تريد في تلك الدول ولتلك الدول دون أي مقاومة تذكر ، مما يعني أن انسحاب اهتمامها من هذه المنطقه لصالح مناطق آخرى لن يؤثر على مصالحها الحيويه في منطقتنا العربيه .
        وهذا الانسحاب لا يعني ترك منطقة الشرق الأوسط سائبة  بقدر ما يعني تسليم مقاليد أمورها بالنيابه إلى قوى إقليميه حليفة أهمها اسرائيل كدولة حاضنه وربما ايران وتركيا اللتان سوف تُُستَعمَلان لتمزيق المنطقة وإعادة تشكيلها على أسس مذهبية بين السنه والشيعه . أما قيادة أمور المنطقة بشكل عام فستبقى دائماً بيد اسرائيل وهي الأقوى عسكرياً في الأقليم .
         إن الضعف شيء والشعور بالضعف شيء آخر . فما بالك إذا كان واقع الحال يعكس الأثنين معاً .  النوايا الأمريكيه بالإنسحاب من منطقة الشرق الأوسط لصالح توجيه اهتمام أكبر ووقت أكثر لمصالحها واستثماراتها  في قارة آسيا وخصوصاً في دول مثل الصين والهند بات أمراً أكثر جدوى للمصالح الأمريكيه . ويقابل هذا القرار الأمريكي قراراً روسياً بالعودة إلى منطقة الشرق الأوسط بقوة وبدور جديد وأهداف وأساليب جديده تعكس المصالح الروسيه وضرورة تكريسها لتعويض الخساره التي أصابتها في أوروبا الشرقيه والشرق الأوسط عقب انهيار الأتحاد السوفياتي . أما الحاضنة الأسرائيليه  " فلا خَوْفٌ عليهم ولا هم يَحْزَنون " . فأمريكا مع اسرائيل كما أن روسيا أيضاً مع اسرائيل ، والعديد من الأنظمة العربية الخائفة والمرعوبة تغازل اسرائيل ،  معظمها في الخفاء ، وبعضها في العلن . ومحاولة بعض الأنظمة العربيه مثل السعودية والسلطه الفلسطينيه ومصر اللعب على أوتار تضارب المصالح بين أمريكا و روسيا لن يجدي نفعاً في معظم الحالات باستثناء بعض الحالات وأهمها حالياً سوريا . فأمركيا و روسيا لا يتصرفان الآن بعقلية الحرب البارده ولكن بعقلية تطابق أو تعارض المصالح . وقد تتعارض المصالح إلى حد الخلاف العلني ولكنها لن تصل إلى حد التناطح بل ستتم معالجتها من خلال التوصل لتسويات تناسب الطرفين وإن كانت تلك التسويات ستكون في المحصلة النهائية على حساب الآخرين ، أي العرب بشكل رئيسي .
          إن ما يجري من اقتتال في سوريا هو مثال حي على ذلك . فمع أن الخلاف على سوريا هو روسي – أمريكي ، إلا أن من يدفع الثمن هم السوريون وسوريا . فالقتلى هم في غالبيتِهِمْ من السوريين ، والدمار يلحق بسوريا ، وانهيار الأقتصاد يصيب سوريا ، والسماح باستمرار ذلك الى حين الوصول الى اتفاق بين روسيا وأمريكا هو أيضاً على حساب سوريا . النظام السوري لعب اللعبة بذكاء ولكن ضمن رؤيا أنانيه بحته . والمعارضه السوريه لعبت اللعبه بغباء يعكس تشتتها وتنوع مرجعياتها . والعرب لعبوا اللعبة بلؤم واضح قل نظيره، وكان دورهم في النهاية محصلة لقصر النظر والتبعية لجهات أو مرجعيات أخرى منها الأسلاميين و الأمريكيين و الروس و الإيرانيين و الأتراك ، ولم يتصرفوا أبداً انطلاقاً من موقف عربي شامل يهدف إلى حماية المصالح العربية من خلال حماية سوريا وشعب سوريا من التفكيك والدمار والقتل والتشريد والتهجير .  
         النظام السوري كان يعلم بالضبط مايريد وكان على استعداد لفعل أي شيء وكل شيء من أجل ذلك . والمعارضه السوريه كانت تعلم ما لا تريد ولكنها لم تتمكن من التوافق على ما تريد ! أما العرب فبعضهم قد إنطلق في مواقفه من عقلية البداوة التي تسعى الى الأنتقام من بشار الأسد ، والبعض الآخر انطلق من فكرة وعقيدة تسعى الى دعم الأسلاميين على حساب الدوله الوطنيه السوريه . وبين هذا وذاك ، قام كل فريق من أولئك بدعم وتمويل فرق ومجموعات أجنبيه غير سوريه بالمال والسلاح ومساعدتها على دخول الأراضي السوريه كي تنشط هناك، مما ساهم بالنتيجه في تدويل الصراع في سوريا من صراع سوري – سوري الى صراع مركب، أطرافه تدين بالولاء لقوى اقليمية ودوليه من خارج سوريا ، بل ومن خارج العالم العربي ، لها مصالحها التي قد لا تنسجم أبداً مع مصالح الدوله السورية أو الأمة العربية .
         تَطَوُر الصراع في سوريا كان يخفي في ثناياه جهود قوى اقليميه رئيسية وقوى دولية لتفكيك النظام الأقليمي العربي وتحوليه الى انظمة طائفيه بقيادة قوى غير عربيه أهمها تركيا وإيران وإسرائيل . وفي هذا السياق ، اخذت معظم المجتمعات العربيه تنجرف نحو الأسلمة سواء عن وعي مقصود او بلا وعي كخطوة أولى نحو خلق نظام سياسي طائفي جديد . وتم تفسير المصلحة الوطنيه من جديد بأعين طائفية وطموحات تتناقض والواقع الوطني والقومي لدول المنطقة.
        وقد ساهم وصول الأسلاميين السنة الى الحكم في مصر في تأجيج هذا التوجه نحو إستبدال الدولة الوطنية بالدولة الدينيه وإبتدأت المسيره البائسه بالعمل على خلق عالم سني وعالم شيعي على أشلاء العالم العربي وإحياء دولة الخلافه سنياً وولاية الفقيه شيعياً . وأصبحت سوريا هي الجوهرة المنشودة من قبل القطب الأقليمي السني في مسعاه لأستكمال المحور السني ، وخط الدفاع الاخير للقطب الأقليمي الشيعي في سعيه لمنع تكامل ذلك المحور . واشتد الصراع وابتدأ التجاذب بين الأطراف المختلفه في سعيها لحسم الصراع في سوريا كل لصالحه . وفي خضم  ذلك فقدت البوصله إتجاهها ولم يعد طرفي الصراع الأساسين وهما النظام السوري والمعارضه الوطنيه السورية قادرين على توجيه الصراع للوصول الى الأهداف المنشوده من قبل السوريين أنفسهم . واستغل النظام السوري هذا الوضع لأخافة المجتمع المدني السوري والمجتمع الدولي من عواقب استلام الأسلاميين للحكم في سوريا . ومن اجل ذلك ، أخذ النظام نفسه في تضخيم قوة الأسلاميين واعتبرهم قطب المعارضة الرئيسي بهدف وضع السوريين والعالم امام خيار واحد من خيارين : إما بقاء النظام أو استلام الأسلاميين للحكم في سوريا . وقد نجح في ذلك نجاحاً باهراً . وهكذا ، إبتدأت معالم خارطة التحالفات الأقليميه في التبلور عشية انفجار الحركة الشعبيه في مصر والتي أدت إلى إسقاط نظام حكم حركة الأخوان المسلميين في مصر .
        لقد كان لسقوط نظام حكم الأخوان المسلمين في مصر أثراً مدوياً على الواقع الجيوبوليتكي في المنطقه،  وأختل توازن الداعين إلى إنشاء دولة الخلافه . وقد إنعكس ذلك على علاقة تركيا بالنظام الجديد في مصر وكذلك على دورها في دعم الجهات المعارضة لنظام الأسد ، في حين أبدت ايران و روسيا ترحيبها بتلك التطورات وانعكاساتها الأيجابية على نظام الأسد .

       وهكذا فإن القرار النهائي لكيفية وطبيعة الحل النهائي للمعضله السوريه قد خرج من أيدي السوريين والعرب والأسلاميين إلى أيدي أمريكا و روسيا ، وأي تغيير على أرض الواقع في جبهات القتال في سوريا لن يكون قادراً على الحسم كونه في الحقيقة لا يهدف إليه بقدر ما يهدف إلى تعزيز موقف أمريكا أو روسيا من قبل هذا الطرف أو ذاك في التفاوض على كيفية حل المعضلة السوريه وعلى اقتسام النفوذ والغنائم المرتبطة بذلك الحل  .
        وهكذا ، فإن الجميع يتقاتلون ، ولكن الحصاد ليس لهم بل لغيرهم . وهذا ، على ما يبدو ، هو واقع الحال العربي . والأطراف العربية الأخرى المرتبطة بهذا الصراع تعبر عن نفسها ومواقفها من خلال الآخرين ، إما أمريكا أو روسيا ، وليس مباشرة أو من خلال موقف عربي واضح المعالم تجاه هذا الصراع . وضع عجيب خصوصاً في ظل وجود مئات الآلاف من الضحايا والمصابين وملايين المهجرين السوريين .
         إن تشابك قضايا المنطقة والتأثير المتبادل لما يجري في مصر على سوريا أو لما يجري في سوريا على فلسطين أو لما يجري في ليبيا على مصر أو لما يجري في سوريا على لبنان أو لما يجري في فلسطين على الأردن أو لما يجري في العراق على الكويت أو لما يجري في مصر على السعودية ..... الخ كل هذا يبدو أنه لم يشكل أرضية كافية في نظر العديد من الأنظمة العربيه للتعامل مع قضايا المنطقة بمنظور تكاملي يهدف إلى إيجاد حلول عربية للقضايا والمشاكل العربية . بل على العكس ، فإن الأستعانة بالأجنبي كان دائماً الخيار المفضل لدى العديد من الحكام العرب مما ساهم في مزيد من التمزيق للمنطقه واحتلال دولها واستباحة سياداتها وثرواتها ووضعها تحت بُسطار النفوذ الأجنبي .

حامد كعيد الجبوري - إضاءة / ( عرب وين طنبوره وين )

الاثنين، 3 فبراير 2014

.... وعلى الشجعان السلام : إعدام القضية الفلسطينية وحركة فتح تتحمل المسوؤلية الأكبر-د. لبيب قمحاوي

.... وعلى الشجعان السلام : إعدام القضية الفلسطينية
 وحركة فتح تتحمل المسوؤلية الأكبر

بقلم                      
د. لبيب قمحاوي

        السوريون يقتلون السوريين وبوحشية ، والعراقيون يقتلون العراقيين وبوحشية ، وكذلك اللبنانيون والليبيون والمصريون واليمنيون والسودانيون ، هذا في الوقت الذي يستقبل فيه العديد من الحكام العرب ، ومنهم الفلسطينيون ، المسوؤلين الأسرائيليين بصدر رحب ، وفي بعض الأحيان بالعناق ! ماذا حصل لهذه الأمة ؟ وما الذي يجري حقيقة ؟ ولماذا ينجح العرب في قتل بعضهم البعض بكفاءة ووحشية ومثابرة منقطعة النظير ، ويفشلون في الدفاع عن أنفسهم ضد مخططات نابعة من رحم أعدائهم وتهدف إلى تدمير مصالحهم ومصادرة حقوقهم كما هو عليه الحال الآن ؟
       يتناسى الكثيرون في سعيهم المحموم نحو معرفة تفاصيل مايجري في جولات جون كيري والأفكار المتداوله بين أطرافها أن المشكلة هي في مبدأ المفاوضات نفسه أكثر منه في التفاصيل. المنطق يفترض أن لا يسعى أحد لصنع السلام وهو محتل ومهزوم ومأزوم ولا يملك قيادة تدافع عن حقوقه بالشراسة المطلوبة ، ناهيك عن استعدادها للأستسلام للباطل والأنحناء لمنطق القوة بسهولة .
       نقطة الأنطلاق إذاً في التعامل مع الهجمة الأمريكيه – الأسرائيليه الجديدة هي في التأكيد على أن لا مصلحه للفلسطينيين والأردن في الدخول في مفاوضات سلام مع اسرائيل بغض النظر عن التفاصيل لأنهم في وضع ضعيف مأزوم ومهلهل وبلا عمق عربي أو إسلامي مؤثر. ولكن هذا المنطق يفترض أمران : الأول ، أن يكون المواطنون الفلسطينيون والأردنيون قادرين على التأثير على من يحكمهم للأنصياع لرغبتهم تلك في الأحجام عن الدخول في مفاوضات نتائجها شبه محسومه ، وهذا أمر غير قائم . والثاني ، أن يتمتع الحكام المعنيين بدرجة من الحس الوطني تردعهم عن تقديم تنازلات في العمق لصالح أمريكا واسرائيل ، وهذا أمر غير قائم أيضاً . وفي كل الأحوال ، على الجميع أن يعي بأن اجترار الموقف التقليدي في معارضة مشاريع التسوية لقضية فلسطين أمر يتوقعه القائمين على تلك المشاريع وهو لن يَضُرﱠهم أو يُزعجَهم أو يثني من عزيمتهم على المضي فيما هم مقدمون عليه ما دامت تلك المعارضة تقليدية ومحصورة بالكلام والمسيرات والأجتماعات والشعارات ويسقط فلان ويعيش علان .
     الخطى الحثيثة نحو التسويات لم تأتِ فجأة أو من فراغ ، بل تعود لعقود مضت . والشاهد الأهم على هذا المسار هو المرحوم هاني الحسن - أحد مؤسسي وقادة حركة فتح البارزين - عندما أعلن في لندن عام 1991 بأن حركة فتح قد عملت لما يزيد عن عشرين عاماً حتى توصل الشعب الفلسطيني إلى مرحلة القناعة الواقعية بالقبول بتسوية سياسية مع اسرائيل!
      لقد كان من المستحيل على أي جهة مهما كانت المضي في المسار المؤدي إلى تسوية سياسية مع اسرائيل الا بعد القضاء على نفوذ التجمعات الفلسطينية الرئيسية في الشتات وكسر ظهرها بحيث لا تعود قادرة على المعارضة الفعلية والمؤثرة لذلك المسار . وهكذا تم كسر ظهر التجمع الفلسطيني في الأردن عقب أحداث عام 1970 ، والتجمع الفلسطيني في لبنان خلال الحرب الأهليه التي ابتدأت عام 1975 وامتدت لمدة خمسة عشره عاماً ، انتهاءاً بالتجمع الفلسطيني في الكويت عندما انحاز ياسر عرفات عملياً تجاه العراق بعد احتلاله الكويت عام 1990 ، بالرغم من مطالبة القيادة الوطنيه الموحده للأنتفاضة  في ذلك الحين السيد عرفات بعدم اتخاذ أي موقف يمكن أن يُفَسَر بأنه انحياز لطرف ضد الأخر ، لأن الفلسطينيين يكافحون ضد الأحتلال وهم غير مُطَاَلبين بدعم أي طرف عربي ضد طرف آخر ، بل على جميع العرب دعم الفلسطينيين في انتفاضتهم . ولكن عرفات إختار أن يتجاهل تلك المطالب وكان ما كان وتم طرد الفلسطينيين من الكويت .
       وهكذا ، وتحت القيادة الحكيمة لحركة فتح ، تم كسر ظهر التجمعات الفلسطينيه الرئيسة الثلاث في الأردن ولبنان والكويت ، وأصبح الطريق ممهداً أمام الولوج في مسارات التسوية التي أدت إلى اتفاقات أوسلو التي أسست السلطة الفلسطينيه .
        من المحزن والمؤسف حقيقة أن حركة فتح التي قادت النضال الفلسطيني المسلح هي نفسها التي اختزلته في أهداف انانية سلطوية متواضعه أدت إلى اختصار منظمة التحرير الفلسطينيه عقب اتفاقات أوسلو في " سلطة فلسطينيه " ، واختزلت هدف التحرير والأستقلال في حكم ذاتي برعاية وإشراف الأحتلال ثم تقهقرت في واقعها إلى الحد الذي تنازل فيه رئيسها ورئيس السلطة الفلسطينيه محمود عباس عن قبر والده في مدينة صفد الفلسطينية طوعاً ودون إكراه من أحد وبكل ما يحمله ذلك التنازل من مدلولات سياسيه كونه صادر عن رئيس السلطة الفلسطينيه .
        إن ثقافة السلام االمبنية على التنازلات هي إختراع فلسطيني فتحاوي تم تطويره مع الوقت ومع تطور الطموحات الأنانية السلطوية والفساد والأفساد ليصبح نهجاً بل وثقافة يؤمن بها معظم القائمين على الأمر الفلسطيني بعد أن تم استبعاد أو تصفية كل من يعارض ذلك النهج. وقد نتج عن هذه الثقافه الأستسلامية اختراعات وأفكار وشعارات تم طرحها وتسويقها بحيث أصبحت جزأ من الثقافة السياسية الفتحاويه الفلسطينيه . ومن أبرز هذه الأفكار ما تم استنباطه بخصوص القدس وذلك من خلال التلاعب بمسميات وحدود المدينه التي تم اختصارها أولاً وفي عهد ياسرعرفات في اصطلاح " القدس الشريف " الذي لا يعرف أحد معناه الحقيقي أو مدلولاته  السياسيه أو حدود ذلك " القدس الشريف " سوى أنه يمكن اختصاره عند الضرورة بالمسجد الأقصى . وفي عهد محمود عباس تم استعمال اصطلاح " القدس الكبرى " التي يمكن تقسيمها كيفما شاءت اسرائيل ويظل اسمها "القدس" حتى ولو كانت عبارة عن أحياء مثل " أبو ديس " مضافاً إليها المسجد الأقصى ، الى غير ذلك أفكار عجيبة غريبة تتشارك فيها أمريكا واسرائيل والسلطة الفلسطينيه والآن الأردن من خلال ولاية دينية غامضة الأهداف على الأماكن المقدسة في القدس .
       الآن وبعد أن إتضحت بعض معالم خيارات الحل الأمريكي – الاسرائيلي لقضية القدس ، تبقى قضية اللاجئين وحق العودة القضية الأكثر وعورة وصعوبة نظراً لأمتداداتها التي تشمل أكثر من دولة ، وأبعادها التي تغطي الشعب الفلسطيني أينما وجد في الشتات .
      يبدو أن الأفكار التي تدور في الرأس الأمريكي والعقل الاسرائيلي تتمحور حول الألتفاف على هذه القضية من خلال تفكيكها قطعة قطعة ومعالجة كل قطعة على إنفراد حتى تذوب من تلقاء نفسها وتفقد زخمها وبعدها السياسي . والوسيلة تكمن في اتباع عدة خطوات ومسالك قد يكون منها طبقاً لما رشح عن الأفكار المتداوله بين أطراف المفاوضات ما يلي :-
أولاً : تجنب التعرض لقضية اللاجئين وحق العودة بشكل مباشر في اتفاق الإطار واعتبارهما لغماً يتطلب التعامل معه تفكيكه أولاً حتى لا ينفجر بمن يقترب منه .      
ثانياً : تفكيك قضية اللاجئين وتحويلها من قضية شعب الى مجموعات بشرية مقيمة في هذه             الدولة أو تلك ، وإفقادها بالتالي صفة الترابط الذي يجمعها كقضية تمثل شعباً فلسطينياً            واحداً فَقَدَ أماكن سكناه وأراضيه نتيجة لإنشاء دولة اسرائيل على جزء من أراضي فلسطين .
ثالثاً : تحويل قضية اللاجئين من قضية سياسية الى قضية إنسانية والعمل على حَلَها بالقطعة          وعلى هذا الأساس .
رابعاً : توطين اللاجئين في أماكن تواجدهم بإعتبار ذلك خطوة انسانية وليس سياسية . وفي هذا         الأطار فقد يتم طرح ترتيب مشابه  للبطاقة الخضراء في أمريكا GREEN CARD )) بحيث يحصل اللاجئون ، كخطوة أولى ، على جميع الحقوق باستثناء السياسية ، وعلى أن يتم إعطاء كافة الحقوق في خطوة لاحقه . أي هضم الحقوق خطوة خطوة منعاً لردات الفعل .
خامساً : تسهيل وفتح باب الهجره الجماعيه لأعداد كبيره من اللاجئين الفلسطينيين الى دول غربيه قد يكون أهمها كندا ، مقابل تنازلهم بالكامل عن صفة اللجوء وما يترتب عنها من حقوق بما في ذلك حق العودة .
سادساً : السماح بعودة عدد محدود من اللاجئين الى الأراضي الخاضعة لأشراف السلطة                  الفلسطينية واعتبار ذلك ممارسة نهائية لحق العودة الى فلسطين حسب القرار 194                الصادر عن الجمعية العامه للأمم المتحدة .
سابعاً : إعادة تفسير حق العودة بأنه يعني التعويض فقط بإعتبار ذلك أكثر واقعية نظراً                    لأستحالة عودة اللاجئين الى المناطق المحتله عام 1948 . وغالباُ أن ذلك سوف يتم               بموافقة السلطة الفلسطينية والأردن مضافاً إليها الدعم العربي المالي للتعويضات .
ثامناً : العمل على دفع التعويض الى حكومات الدول المضيفة للاجئين وليس للأفراد لتسهيل             عملية التنازل عن الحقوق في فلسطين وربط التوطين في ذهن حكومات الدول المضيفة          بقبض أموال التعويضات لجعل الأمر أكثر جاذبية وقبولاً .
تاسعاً : العمل على استصدار قرار جديد من مجلس الأمن لشرعنة ما سيتم الأتفاق علية وبالتالي          إلغاء مضمون القرار 194 الصادر عن الجمعية العامه للأمم المتحده والقاضي بالعودة           أو التعويض .
        ما نحن بصدده هو حل المشكلة الأسرائيليه من خلال تطبيع الوجود الأسرائيلي واعتبار اسرائيل دولة شرعية وليس كياناً غاصباً لأرض فلسطين ، وبالتالي إغلاق ملف القضية الفلسطينية بشكل نهائي .

       وعلى الشجعان السلام .....

غالب المسعودي - إلى طفلتي ألشقية.......

حامد كعيد الجبوري - إضاءة / الزمن الجميل !!!

الجمعة، 24 يناير 2014

(يكولون غني أبفرح )- حامد كعيد الجبوري

(يكولون غني أبفرح )
                                      حامد كعيد الجبوري
        لم أجد أفضل من هذه العنوانة لموضوعتي التي أثارها أكثر من صديق تسائلوا  لماذا لا يزال المثقفون – شعراء وكتاب - لا يجسدوا بنتاجاتهم الأدبية التي يفترض أن تشيع البهجة والسرور لدى المتلقي ؟ ، ولربما أشاطرهم نفس الرأي وأضم صوتي لما يقولون ، ولربما أتقاطع معهم وبنفس درجة التأييد التي آمنت بها بطروحاتهم ، وهذا متأتي من حالة الصراع النفسي الداخلي للإنسان العراقي حصراً ، والسؤال إياه مكرر كثيراً ، وحينما سأل الشاعر الراحل (جبار الغزي) بنفس هذا السؤال أجابهم بهذه الكلمات التي أخذها منه الملحن (محسن فرحان) وأسندها بدءا للفنان ( قحطان العطار ) ومن ثم للفنان (حسين نعمه) ليطلقها لحنا لا تزال الذائقة تردده وباستمرار
                   أيكولون غني أبفرح     وآنه الهموم أغناي
                   أبهيمه أزرعوني ومشو    وعزوا عليّ الماي
                   نوبه أنطفي ونوبه أشب  تايه أبنص الدرب
                   تايه وخذني الهوه        لا رايح ولا جاي
                                         أيكولون غني أبفرح
                                  ******
                   دولاب فرني الوكت    وخميت الولايات
                   والغربه صاروا هلي      وخلاني الشمات
                   مابين شوك وصبر       ضاعن أسنين العمر
                                           أيكولون غني أبفرح
                               *************
      والسؤال الذي يطرح نفسه هنا ، لماذا هذا الحزن المتجذر الذي منفكَ ملازماً للعراقيين إلا ما ندر ، أللهواء الملوث بالحقد والضغينة والاستئثار بكل شئ له علاقة بذلك ؟، وهل أن الماء الذي نشربه وتستقيه جداولنا يحال لحزن وألم دائمين ؟، وهل أن التربة العراقية تنتج الهموم لنحصدها كما الحنطة والشعير ؟،ويروي التاريخ  أن الشاعر (الفرزدق) ذهب حاجاً لبيت الله الحرام ، وهناك التقى الأمام (الصادق ع ) ، فقال له أنشدني يا ( فرزدق ) ما قلته بجدي (الحسين ع) ، فبدأ (الفرزدق) يقرأ أشعاره للأمام ، فستوقفه الأمام قائلاً لا يا ( فرزدق ) بل أتلوها عليّ كما يتلوها العراقيون وبطريقتهم ، وكان له ما أراد وجرت عيونه حزناً لجده (الحسين ع) متأثراً بالطريقة التي تليت به القصيدة إياها كما يزعمون ،ومنهم من يقول أن الحادثة إياها جرت مع الأمام زين العابدين (ع) ، وأخر يقول أنها مع الأمام الرضا (ع) والشاعر دعبل الخزاعي ، ولتكن الحادثة مع أي منهم عليهم السلام فهذا يؤكد ما أذهب أليه من أن الحزن العراقي متأصل فينا حد النخاع ، وأشيع عنا هكذا في كل البلدان العربية ولم نستمع لأغنية تطربنا إلا إذا كانت حزينة
               عاش من شافك يبو حلو العيون      صار مده أمفاركينه وماتجون
             لا خبر والبعد طال ألمن أنودي السؤال كلنه مدري أشلون عشرتنه تهون 
ولو أردتُ السؤال قائلاً لو أنكَ استمعت للفنانة اللبنانية الكبيرة (فيروز ) وهي تردد (دخلك ياطير الوروار ) أو (حبيتك بالصيف حبيتك بالشتي) ترى هل تثير لك هذه الأغنيات هما ووجعا  ؟ أم تترك لك حيزاً من الفرح والنشوة  وهي على النقيض من الأغاني العراقية ؟ ، علما أن الأغاني العربية أكثر رقة وجمالية بالمفردة المستعملة ، ومثلاً متواضعاً لذلك (شتريد) ومعناها واضح ولكن ألا تلاحظ معي قسوة وحدة السؤال مقارنة باللهجة الشامية (شو بتريد سيدي ) التي أجدها أكثر رقة من لهجتنا الدارجة، ولا أعرف لماذا أعتقد أن الآلات المستعملة بالغناء العراقي أكثر إيلاماً وحزناً من الآلات الموسيقية الأخرى ، ومثل ذلك (الناي والربابة) اللتان لهما ذلك الإيحاء الخفي لاختراق شغاف القلوب ، ولا أنكر أن البحبوحة المفتعلة التي أرادها النظام السابق حقبة السبعينات خلقت لنا نصوصاً مميزة دالة على الفرح وأشاعته ( ياطيور الطايره ردي لهلي  ياشمسنه الدايره أبفرحة هلي سلميلي ومري بولاياتنه ) أو ( تانيني ألتمسج تانيني يهنا يم طوك الحياوي ) ، أو (يا خوخ يازردالي بذات مالك تالي ، تانيتك ومن حومرت صار الجني العذالي) والأمثلة كثيرة ، ويضاف سبب لما قلناه غير الصراع السياسي الذي شهده العراق ، وتحوله من احتلال بغيض لآخر أبغض ، ومن ظلم الحكام المتعاقبون ظالم يعقب ظالماً آخر (فالوطن العربي الممتد من البحر الى البحر سجان يمسك سجان) كما أطلقها الرمز العراقي الأبي ( مظفر النواب ) ، والسبب الذي أعنيه هو الفقر وشفيعي لذلك ما قاله سيد البلغاء (علي ع) (لو كان الفقر رجلاً لقتلته) لقناعته التامة ما يؤله الفقر على المجتمع عامة والفقير خاصة ، ولدي أكثر من شاهد لذلك متحدثاً عن نفسي بداية ، أنا من عائلة أقل من معدمة فكل الأطفال بعمري – حينها - ينتظرون عيد الله الذي سيحل عليهم – رمضان وعيد الحج – إلا أنا فماذا سألبس في هذا العيد ووالدي لا يملك من دنياه إلا كرامته ، لذا كنت ألتحف حزني ولا أغادر موضعي أيام الأعياد ، وليس لنا بيت إلا غرفة واحدة مستأجرة لا يستطيع دفع إيجارها البالغ دينار واحد سنوياً ، لم أتناول فطوراً طيلة طفولتي إلا الخبز والشاي ، وبعد أن أشتد عودي وأصبحت بالثالث ابتدائي اصطحبني جاري رحمه الله (رديف البنه) معه للعمل في البناء لقاء أجر مقداره (260) فلساً فقط أيام العطل الصيفية لأنفقها على عائلتي ولأوفر منها ملابسي وملابس أخوتي المدرسية ، طفل في الثالث ابتدائي لا يستطيع حمل ( طاسة ) البناء فأوكلوا لي مهمة حمل ( الطابوق ) على قدر استطاعتي ،ورغم فقر آباؤنا وعدم تمكنهم من إعالة أبنائهم فهم ينجبون التسعة والعشرة من الأبناء متأسين بقول الرسول الأعظم ( ص ) الذي يقول (تناكحوا وتكاثروا لأباهي بكم الأمم) ، ولست على قناعة بأصل هذا الحديث ورواته فبأي أجساد عارية سيباهي (محمد ص) الأمم الأخرى ،وأن صح الحديث فيقع اللوم على الميسورين لأنهم لم يخرجوا من أموالهم الصدقات المفروضة ، ولأني الكبير بين أخوتي فكنت الوحيد الذي لا تصبغ ( دشداشته ) بصبغ النيلي أيام العيد أكثر الأحيان ،لأن والدي أضطر لشراء ( دشداشة ) لي بسب أن ( دشداشتي )  السابقة أصبحت أقل من قياسي ولا أعرف من أين أقترض مالها ،  أما ( دشداشتي )  الحالية ستؤول لأخي الأصغر ، والأوسط من أخوتي للأصغر منه وهكذا ،  وسبب صبغ ( الدشاديش ) بصبغ النيلي لنوهمّ أنفسنا على أنها جديدة ، وبعض العوائل تصبغ ملابسها بالأسود أيام عاشوراء لعدم تمكن تلك العوائل من شراء الملابس السوداء الجديدة ، ولكم أن تتصوروا ما يتركه صبغ النيلي على أجسامنا الغضة الطرية ولقد جسدت ذلك شعراً و أقول
             معاميل الحزن فصل علينه أهدوم      ما ماخذ قياس وراسها أبعبه
           وذا ثوب الحزن يطلع كصير أطويل    تبادل ويّ أخوك وبالك أتذبه
وأن أضفت للفقر اليتم المبكر وفقدان المعيل وترك والدك لك حملاً ثقيلاً (كوم لحم) كما يقول المثل الشعبي وبخاصة أن كن إناث فماذا سيكتب الشاعر عن ذلك ولم أجد لذلك أجمل مما كتبه الشاعر الكبير ( كاظم إسماعيل الكاطع) مصوراً نفسه بحلم تسائل معه (أبو الطيب المتنبي) عن أحواله وأحوال الناس فيقول
     سألني عن جديد الشعر هالأيام   والناس أعله ظيم الصابها أشتكتب
       أشتكتب والجديد البي فرح جذاب   والكلك جديد أيفرحك يجذب
      أمي من الزغر تنكل حطب للنار    ويفوّر جدرها ومدري شتركب
     مصباح اليتم صبتلي بالماعون       ومن ضكت الحزن شفت الحزن طيب
 ملحه أهدومنه مالات عشر أسنين  موسمران بس هنه علينه ألوانهن تكلب
  مبعد يا قطار الشوك وين أتريد  إخذنه أوياك بلجي أبدوستك وياهم أنجلب
   أخذني وياك شاعر كل رصيده أجروح  يفتحلك أحساب أبأي مدينة طب
كيف يكتب (الكاطع) للناس وهذا هو حاله والأكثر من ذلك حينما يكبر ويتزوج وينجب يفقد زوجه وأبنه البكر بعام واحد فكتب قصيدة (بير المنايا) يقول فيها
             تغطيت وبعدني الليلة بردان   لأن مويمي أنت فراشي بارد
             وينك يادفو ياجمر الأحزان   أحس أبدمي بالشريان جامد
             يامهر الصبر ماكضك عنان    نسمع بس صهيلك وين شارد
            كل ساع وتكضني جفوف بطران   وأنا جلد العليه أقماشه بايد
وخير من جسد الحزن والألم والمعانات العراقية الشاعر الكبير (عريان السيد خلف) ، ومعلوم أن (عريان) من عائلة شبه ميسورة ووالده سيد قومه ويملك (علوة) لبيع وشراء الحبوب إلا أن صروف الدهر مجتمعة أفقدته أمه رضيعاً ، فكفلته أخته الكبرى وسرعان ما فقدها أيضاً ، وأخذته زحمة العمل السياسي وتصدعاتها ، فنظر للمآساة العراقية بعين شاعريته الكبيرة مطلقاً قصائد عصماء تجسد الواقع العراقي المتردي بكل مفاصل الحياة ، واضعاً نصب عينيه ألآم العراقيين مبتدءاً من ستينات القرن المنصرم وصولاً للانتفاضة الشعبانية -(الحيطان منخل والدروب أحفور ،..... هنا مصحف جلالة هنا حمامة بيت/ هنا وصلة جديلة أبجف طفل مبتور)- ومابعدها ،ولكني سأورد أبياتاً من قصيدة (صياد الهموم) لعلاقتها بموضوعتي
  ضمني أبليل ثاني وحل حلال الخل شحيحه أفراحنه ودكانها أمعزل
البسمه أنبوكها من الآه والياويل      وصياد الهموم أبدفتره أيسجل
حاطنك ضواري أمهذبات الناب      ولا مخلص يعينك لو ردت تجفل
مصخت والضماير غبراها الغيض     وأمتد الدرب وأم الفرح مثجل
 مدنف فوك وكري إبطارف الصعبات  وصكور الروابي العالية أتزبل
مشكلتي الفرح ماعرف بابه أمنين    وبثوب الحزن من زغر متمشكل
ناورني الدمع بأول مدب عالكاع    وناغمني الحزن وّي رنة الجنجل
ضميت الصداقه أجروح تدمي أجروح وحرزت الوفه ولن مايها أموشل
دحل شعرك حبيبي الليل خل أيطول تره خيط الفجر يستعجل أمن أيهل
        وتساؤلكم المشروع هذا لماذا لا يغادر الشعراء القصائد الحزينه واستعاضتها بقصائد مبهجة ؟ ، أتعلمون أن مثل هذا  الطرح أثار حفيظة الشاعر المرحوم (صاحب الضويري) وشنها حرباً ضروس على شاعر كتب قصيدة ناغى بها ما تريدون فقال له مؤنباً وموجهاً وعاتباً عليه لأنه كتب هذا النص فيقول له
         إي يمسعد تضحك بكل السنون    ومن زمان أحنه الضحج ناسينه
         ومن زمان أمشجل وأبره الضعون     واليكع ماليه مهجه أتعينه
        ياعيوني الماجرت مثلج أعيون        وياجفن يركه الدمع صوبينه
        خاف غصن الشوك ينهيه الهلاج    أحنه منحر للهوه أمخلينه
        أذكر الله وحوبت الوادم وراك      المحمي لابد ما تزل رجلينه
        ومن حقي وحقكم أيضاً أن نتساءل ونقول ، هذا الذي أوردناه كان في عهد نظام شمولي دكتاتوري عسكر كل شئ ، ولكم أن تتصوروا الحروب الرعناء التي أقحم فيها الطاغية المقبور العراق والعراقيين ،وأورثهم الضحايا والفقر والقبور الجماعية ، وما أنتجته من قصائد مجدت الموت والظلاميين حتى وصلت هذه العسكرة لكرة القدم (هاي مو ساحة لعب ساحة قتال) ، وبما أن هذه الشرذمة لفظت أنفاسها ورحلت فلماذا تصرون على البقاء على هذه القصائد المليئة بالدماء والموت والذبح ؟ ،وجواباً لهذا التساؤل أقول ، نعم لقد تغيرت الحالة الاجتماعية والمعاشية للشعب العراقي وأصبحنا نمارس الديمقراطية التي لم نعرفها سابقاً ، ولكن هل أن الديمقراطية إياها يمارسها السياسي وهو مؤمن بها ؟ أم أنها مطيته الجديدة لقيادة البلاد والعباد ؟ وبعض من المسئولين الجدد يقول كنا وقت الطاغية (اليحجي أيموت) والأن (إحجي حتى تموت) وهذه مفارقة عجيبة ، فالنظام السابق كمم الأفواه والقادم الجديد سد أذنيه كي لا يستمع لنا ، فلم يبقى للأديب إلا التنديد المباشر او المبطن لتوعية الجمهور لذلك ، والكل يعرف الشاعر الراحل (رحيم المالكي) الذي رآى القادم الجديد غير مكترث بما يريد الشعب ، مانحاً نفسه المميزات التي لم يحصل عليها أغلب الساسة في دول العالم ،ولم يجد الشاعر إلا (حسنه ملص) وهي أشهر من أن أعرف بها ليخاطبها متخذاً من المثل الشعبي (أياك أعني وأسمعي ياجاره) فيقول
       ياهو المنج أشرف حتى أشكيله    ياحسنه ملص دليني وأمشيله
وشاعر آخر (علي الربيعي) يقول (وين أتروح وعدمن تنزل / الخوف أرحم من أبن آدم / أبروحك يتشظه وما يكتل / كلها أبمنجل عمرك تحصد / محد بين أسنينك يشتل ) ، ومرة أخرى يقول (ها ياوطن يابو المراجيح / كل مره ترسم شمس وبحضنك أتطيح / ذابل وصوتك يصيح / لا تطيح ، لا تــــــطيــــح / خشبه أنت أشورطك صرت المسيح) ، ولأن الشاعر (الربيعي) فقير  ولديه ما يسد قوته فقط لذا خاطبه الآخرون ليحسن من حالته المعاشية ولم يجد إلا الدماء ليبيعها ودلالة الدماء هنا الحياة ولكونه أراد الحياة لمواطنيه ووطنه لذا بدء يبيع الدماء لهم فمنع من ذلك لسبب( كالوا نفحص / ردوا بعد أشويه وضحكوا / رجعوه ما ينفع للناس / هذا الصنف إيهبط السوك / نسبة دمكم كله أحساس ) وهذا الدم الحساس لا ينفع مصالحهم ومآربهم الشيطانية ، وشاعر آخر (عماد المطاريحي) إمام الفقراء يقول (آنه أحس نفسي نبي هذا الزمان / معجزاتي هدومي بيض / أبوسط وادم كلها غيم / وماكو ضير من تطالبني أبكتاب آنه قرآني ضمير ) ، ولم يقل هذا إلا بعد تأكده القاطع من أن جيوب الكثير من  الساسة والقائمون على أمور الدولة ملأت بأموال بطرق أغلبها غير شرعية وعن طريق السرقة والشركات الوهمية التي أبتكروها ، وحتى الغالبية من الأحزاب العلمانية والدينية شيعية أو سنية اتخذت من الدين غطاءاً لمصالحها ولكم أن تتصوروا أن النظام سقط منذ سبعة سنيين أي سبعة حجج لبيت الله الحرام وصاحبنا المسئول في الأحزاب الدينية الإسلامية شيعية أو سنية حج بيت الله ثمان مرات ضارباً عرض الحائط فتاوى من أوصله لهذا المكان الذي لم يصل أليه بشهادة جامعية ، وأن أمتلك تلك الشهادة الجامعية فأغلبهم قد زورها على الطريقة الإسلامية  .
        سأختم موضوعتي بالقول مجدداً أن هذه الأرض العراقية لا تلد إلا الألم والعناء وها هو الشاعر (رياض النعماني) الذي غادر العراق هرباً من الدكتاتورية قال لنا نفس مقولتكم (علينا أن نذبح الظلام بالضياء وعلينا زرع شجرة جديدة بدل البكاء على شجرة ذابلة وعلينا أن ندحر الموت بالحياة وأن نوقظ القلوب بالحب لنبني للأطفال سعادة دائمة) وكان يكتب نصوصه الشعرية وهو بعالم الغربة بعيداً عن المعاناة العراقية فيقول ، (من تكبل القداح كله إيهب علي / وثيابي زفة ألوان / عبرتني الشناشيل وهلال المناير والنخل / للكاظم أتعنيت / وأعبرت الجسر / خبرهم أبات الليلة ويّ أمكحل الشمام / وخيار الشواطي  / صفكه وهلاهل / والفرح طول النهر / يامدلول تانيتك عمر / حنيت باب البيت / وبوستك حدر التراجي من الزغر) بهذه الشفافية كتب الشاعر (النعماني) قصائده بالغربة ، ولكنه عندما عاد للعراق مستقراً به ثانية كتب ما نصه (أتباوع على بغداد تبجي ويبجي ليها البجي / بيها الليل حفره والبيوت أكبور / واحد على واحد ميت ومنتجي / كابوس راكس غارك أبكابوس / ياناس وين الناس / وين الهوى وذاك العمر / جنيت يابغداد أدور بيج عنج / تمشي الكهاوي أتدور أبكل درب / أتريد واحد يكعد ومالكت / وحدج وحيده والأحزاب أشكثر) .