الخميس، 25 يوليو 2013

7 قصص قصيرة-عادل كامل


7 قصص قصيرة







عادل كامل

[1] أحلام ميت
    عندما لم يعد لدي ّ، في الواقع، عندما لم اعد احتمل حياتي، قررت ان أؤدي الدور الذي يقوم به الميت. فها أنا، لا اعرف ان كان الوقت نهارا ً قد اندمج في الظلمات، أم ان الليل تخفى عبر إشعاعات الشمس، ولا أريد ان أدرك ما إذا كانت لي جاذبية، وزمن مرتد، أو سالب، أو أنني أعيش ما بعد الزمن، أو من غير زمن تماما ً. في الواقع لا أريد ان اعرف أنني اعرف هذا الانعتاق من المعرفة، فانا لست كائنا ً كي يكون لي امتداد الكائنات، حتى لو كنت عدما ً. فانا لست بحاجة لقراءة ما إذا كنت ذهبت من الموت إلى مكان ما، أو أنني استيقظت، كي أكون مقيدا ً بالمعادلة ذاتها التي تحتم على البذرة ان تدفن كي تورق، فهل حقا ً خطرت ببالي هذه الأطياف الشاردة عندما سمعت رنين الهاتف، وعندما رأيت أصابعي تمتد وترفع السماعة كي أصغي:
ـ هل أنت السيد عادل كامل..؟
ـ  بالتأكيد لا امتلك إجابة واضحة على مثل هذا السؤال.
ـ ماذا تقول...؟
ـ أنا أتكلم بشفافية، فانا، قبل ...، كنت قررت الانتقال إلى المكان الذي لا عودة منه.
ـ وهل ذهبت..؟
ـ يبدو ان بعض خلايا دماغي لم تتوقف عن العمل بعد، وفي اعتقادي إنها لن تتوقف مادامت خلايا الكون كلها تعمل على النحو الذي يتجاوز إدراكي هذا في ...
ـ أصغ إلي ّ.
ـ وكيف اعرف أنني امتلك قدرة الإصغاء..؟
ـ انك ارتكبت إثما ً كبيرا ً..
ـ هذا يعني إنني لم ارتكب الإثم، حتى الآن!
ـ حتى لو لم ترتكبه، فأنت شرعت بارتكابه..
ـ لا إجابة واضحة لدي ّ..
ـ بل لمجرد انك كنت فكرت فيه، أو نويت...
ـ لكنني لا استطيع ان أتراجع.
ـ اسمع، هل تدرك ما يترتب عليك من عقوبات...؟
ـ بالضبط، لم يعد الآمر يعنيني. فأنا كنت مت يا سيدي.
ـ انك ارتكبت الإثم الأعظم، ومازلت لا تطلب الغفران!
ـ أنا، عندما كنت حيا ً، لم افعل ذلك، فهل استطيع ان افعل ذلك، وأنا بين يديك، جثة صغيرة في طريقها إلى الزوال. فأنت تعرف أنني لم اخبر أحدا ً بالمكان الذي أنا فيه.
ـ كأنك ولدت كي ترتكب ما لم يرتكبه إنسان.
ـ بل ولم يرتكبه حتى النبات، أو الحيوان!
ـ وها أنت تصر، بعناد، كما في حياتك، ولا تطلب الرحمة.
ـ يا سيدي، أنا قلت، قبل نصف قرن، ان ما هو أقسى من الموت، هو الرحمة!
ـ ولا تطلبها..؟
ـ أنا اطلب ان أموت، ان أموت فقط، وان تخلصوني مني، يا سيدي، تاركا ً الرحمة لكم جميعا ً. لأنها وحدها طالما كانت أكثر قسوة من انتظار الموت، ومن الموت الذي يبدو انه غدا يمسك بباب الرحمة، ومفاتيحها.

[2] كلمات
وتابع المحاضر:
ـ "إنها تعيد هدم كل ما أصبح عتيقا ً، وإعادة صياغته من جديد. فهي تدفع بالبحث إلى الجذور، محفزة الطاقات الكامنة، واللا مرئية، للاختراع، والاكتشاف، على صعيد العلوم كلها؛ من الطب إلى الفيزياء، ومن العلوم الخالصة إلى الجماليات، فهي تضع حدا ً للرتابة، والملل، واللامبالاة، ولا تسمح للحياة ان تمضي من غير استنفار الطاقات النائية، والبحث عن مناطق لم يصلها الوعي من قبل. فهي تستحدث، اجل، عظمة النشوة، وذروتها، وتفتتح مجالات نادرة للهيمنة، والسيطرة، والظفر العظيم.."
    لم ينهض ويغادر قاعة المحضرات، مكتفيا ً ـ مع نفسه ـ بتأنيب الضمير، إنما، وهو يخفي ابتسامة كادت تفضحه، شعر انها محض محاضرة غامضة، ومغرضة، ومضيعة للوقت، في نهاية المطاف. لكنه تابع الإصغاء:
ـ " ولو أعدنا تفكيك تاريخ الحقب، وما أنتجته، لكانت هناك أدوات، ومخترعات، وفتوحات ما كانت ستحدث أبدا ً لولا هذا الانشغال بالعبور من عصور الظلمات إلى عصور التنوير، والرفاهية...؛ أدوات، واكتشافات، وتطبيقات، بل ومعجزات ...."  
     إلا ان جسده لم يسعفه، عندما حاول النهوض، فتخلى عنه، بينما كان المحاضر يواصل خطابه:
ـ " فهذا القانون الراسخ، القديم قدم رغباتنا بمقاومة الهزيمة، والخمول، والغياب، عمل على إعادة قراءة كل تاريخنا المدفون، ونبشه، من اجل تعزيز آليات التقدم، وعدم النظر بعيون عمياء، بل سبر المسافات التي مازالت كلما اقتربنا منها تزداد بعدا ً، وغورا ً في المجهول...."
   لا يعرف هل تحول إلى طيف، أو تخلى عن جسده، أو تحول إلى أثير، كي يجد انه أمام النهر. كم ود لو حدث الطوفان، إنما، لأنه لم يعد يمتلك لا رغبة ولا نية ولا قدرة على المقاومة، ود لو غادر مسيرة حياة طالما رآها تتكوم في ماضيها. آنذاك ترك التصوّرات التي تكدست عبر عقود من التراكم، تنحدر، نحو الماء، كعقاب، هو وحده، دار بخلده، جعله ألا يتذكر، انه، في ذات يوم، شارك في: الحرب.
[3] الحكيم والعذراء
    " كثير من التحولات لا تحدث إلا متزامنة، كانتصاب القامة لدى الإنسان استعدادا ً للمشي، وانتقال عمل الحواس من العشوائية إلى التخصص، ودور اليد في الذهاب ابعد من عمل الأرض، بصياغة مفاهيم مستحدثة، كان للفكر ـ بعد الرحم ـ دور المنتج، ومن ثم، الوعي بالسببية، والعبور من الأسطورة ـ حتى بدحضها أو تفكيكها ـ نحو المجال العملي، بما يمتلك من إجابات قائمة على التجربة، وإدراك ان التحول من المصادفة إلى القصد، شبيه بما تؤدي إليه تحولات الكم إلى نوع له موقعه في التقدم. فالتزامن ما هو إلا ترابط المحركات ـ ومنها المخفية واللا مرئية ـ بالمستحدث، والمبتكر، الذي يتلاءم مع الوقائع الجديدة..."
   بعد ان أصغت إليه، شرد ذهن الطالبة، التي طلبت من أستاذها العجوز، ألا يذهب بعيدا ً، فلا احد تعنيه ما تخفيه الأسباب، كي تنتج لا أسبابها، فهي تود  لو لخص لها ليس علامات التحول، بل تحول العلامات.
    فمد يده من غير إرادة، وامسك بأصابعها، وراح يضغط عليها بشدة.
   كادت تصرخ، ذاهلة، وهي تتحسس نبضات قلبه كمسمار اخترق جسدها.
   هو الآخر، شرد ذهنه، فقد كان يود لو اخبرها، ان أصابعها لها لون الغيوم، وملمسها كبرعم يتفتح توا ً، وخصلات شعرها كسرب طيور، وعطرها طالما سمح له ان يستدل على مكانها في العالم، فيما صوتها تدثرت فيه أسرار بذور الخلق، ونظراتها أصبحت مثل شرارة حريق لا يأمل ان يدفن تحت رماده..!
ـ " كثير من التحولات لا تحدث إلا متزامنة..."
    إنما كادت تبكي، وهي تصغي إلى صوت كلماته تارة، والى كلماته من غير صوت، تارة أخرى، مختتما ً الدرس، بسؤال:
ـ " وهل قلت شيئا ً ملتبسا ً...؟"
ـ "أستاذ ..."
   لأنها كانت حدست بماذا كان يحلم، وليس بما كان يفكر، أو يرغب. كلا، صدمها، وهو يحدق في رأسها:
ـ " متى تم التحول...؛ من الأرض إلى الفكر، ومن الفكر إلى عالم راح ينتج مصيره بعيدا ً عنا...؟"
مستدركا ً:
ـ " كنت أريد ان أقول ...، ما هذا الذي يذهب ابعد منا ...؟" قالت:
ـ " تقصد ....، هذا الذي يتحدى نهايته..؟"
   لم يجد ثمة علاقة ما بين فمه ـ وهو يتمتم ـ وبين ما كان يدور داخل خلايا دماغه، قال، انه لم يعد يميز ما إذا كانت الرحمة وحدها تمد بعمر الموت، أم ان الموت استبعد أو أقصى حضورها، إليه.... فهو ـ دار بخاطره ـ لم يعد يرغب ان يفك لغز ما إذا كانت الظلمات وجدت مخبأها في الضوء، أم ان النور راح يمنحها اتساعها، نحوه، وقد أصغى إلى أصوات نائية رآها تتناثر محفزة لديه الاحتفاظ بفجوات ما بين حافات الحلم وحافات الاستيقاظ.
ـ " عدنا إلى الأرض، إلى آلهتنا الأولى، إلى الرحم!"
    كان يود ان يخبرها انه طالما استدل عليها بمحض استنشاق الهواء، أو مراقبة أطياف الشمس، أو سماع الأصوات، لكنه أغلق فمه. فالإنسان، فكر مع نفسه، لا يمتلك إلا ان يتدرب على حمل ما لا تستطيع الأرض حمله. فقالت فجأة:
ـ " أراك تفكر بهذا الذي لا يمكن الاستغناء عنه، لكن الذي يبقى أبدا ً غائبا ً في هذا الحضور..؟"
لم يجد فمه كي تكون ثمة كلمات، وما ان وجد الكلمات حتى لم يجد فمه. كان يراها ترفرف أمامه كحمامة لها مخالب نمر. ومضات تبث نداءات سمحت له ألا يجد في العلقم إلا لغز الغواية، وفي الأخيرة مرارات ما بعد الارتواء من الأسرار.
    بشرود  أصغى إلى صوتها، غير مكترث  ما اذا كان قادما ً من المجهول، أو متجها ً إليه:
ـ " أستاذ ....، أنت معي، منذ ربع قرن، ولم تبح لي...، بهذا الذي كنت أنا ـ تلميذتك ـ في ذات يوم، أود ان أراه وقد غدا لا ينتظر الشرح، أو حتى التأويل، إنما، هذه هي الحكمة، إن حصلت عليها قبل الأوان، لا فائدة منها، وإن جاءت متأخرة، فلا آسف عليها...؟!
25/6/2013
[4] سعادة
   تلصص من خلف النافذة: لا أصوات، بعد ان لم ير أي اثر للضوء في البيت، ولا في غرفتها التي طالما جلس فيها، معها، وقضيا أزمنة مرحة. أتراها رحلت، من غير ان تخبره ...، مع انه، في آخر لقاء معها، قبل أشهر، أخبرته بأنها وزعت ما تمتلكه، فلم يعد لديها، إلا سريرها، وخزانة للملابس...، حتى المرآة لم تعد بحاجة إليها، ولا التلفاز ..
  أتراها ـ سأل نفسه ـ برهنت ان حياتها، لم تعد سوى ذكرى، إن لم تكن قد محت أي اثر دال عليها، بعد عقود كانت فيها محط أنظار الجميع، وعلامة لمدينتها.
    كان منزله يقع على بعد أمتار من بيتها، وكلما مر، ورأى المصابيح أو سمع أصوات خطاها، أو أغنية ما كانت تتمتم بكلماتها، لا ينشغل بأمرها، وكأنها، دار بخاطره، مثله، تعيش حياتها مثل شجرة في غابة نائية.
    إنما ـ خطرت بباله ـ  حكاية ما قديمة لسيدة عجوز لم يبق لديها إلا قفص الطائر الذي مات، فكان القفص هو عزاءها الأخير، في وحدتها، ولكن الذي لا تعرف من حطمه وحوله إلى نفاية.
   لم يخط خطوة واحدة، لا إلى الخلف، ولا إلى الأمام، ولكنه لم يكن مستعدا ً لقرع الباب، أو سؤال الجيران عنها. فقد شعر ان شيئا ً ما من الذعر يدّب فيه حتى جمّد عاطفته، ومنعه من الاختيار. أتراها استغنت عن النور، بعد ان فقدت بصرها، وتخلت عن الغناء، بعد ان فقد قدرتها على سماع الأصوات ...، بعد ان اقتربت حياتها من حافات النهاية..؟
   إنما من يقرر ذلك ..؟ ها هو يستعيد صخب الجلسات،  وشغفها بسماع الموسيقا، وقراءة الكتب، ومتابعة أخبار الفنون، والاكتشافات العلمية، وتلذذها بحياة شفافة بعيدا عن العزلة، فقد كونت حياتها، مثلما تبني الطيور أعشاشها، في أعالي الأشجار، ولكنها، لم يخطر ببالها، إنها ستتعلم كيف تبلغ درجة الاكتفاء بذاتها، بعد ان تقدم العمر بها، وأصبحت تكرر إنها تعيش من غير رغبات، بل حتى من غير أحلام. وأنا ـ سأل نفسه ـ ماذا كنت سأفعل من غير الكتب، ومن غير متابعة مباريات الكرة، والعناية بنباتات الظل، بعد ان ذهب أفراد العائلة كل إلى سبيله...؟
    إنها ـ إذا ً ـ ليست بحاجة لتغني، أو لسماع الأصوات، وإنها ليست بحاجة إلى الضوء أيضا ً، فقد غدا بلا نفع، وربما لم تعد بحاجة إلا للقليل من الماء، والقليل من الطعام، فعندما لا يعرف المرء اهو الذي أصبح زائدا ً على الدنيا أم ان الحياة برمتها هي التي أصبحت فائضة، لا يكترث كثيرا ً بالمسافة بينهما، ولا بمن يكون هو السبب، في اندماجهما، أو في اتساعهما!
   مضى، كما في كل مرة، إلى بيته، بخطوات لا صدى لها، في ظلام الليل. وعندما وجد نفسه في صالة البيت، لم ير ....، إلا الكرسي القديم بجوار طاولة الكتابة، التي طالما شاركته أداء العمل...، فيما تم إخلاء البيت، تماما ً، وليس ثمة ما أهمل إلا صورا ً وإعلانات لم تنتزع من الجدران.  
   خلع ملابسه، وتمدد فوق السرير القديم، تاركا ً الضوء، ومروحة يدوية تعمل، وكأنه، للمرة الأولى، كان يتمتع بلذّة انه لم يعد يمتلك إلا قدرة استثنائية على استعادة حياة دمجت نهايتها بأطياف مرت من غير أصداء، أو رفيف، أو أثر.
30/6/2013




[5] فجوات

   مرة أخرى وجدت مصيري داخل الجدران. فبعد ان أفقت، بدأت أدرك أنني تحولت إلى شكل لا حافات له، مثل مثلث فقد زواياه تارة، ومثل مكعب وهمي لا نهايات له تارة أخرى، وكأنني أصبحت امتلك القدرة ذاتها الأولى التي قادتني إلى هذا المصير: أنني لست أكثر من خلايا غاب مركزها. فقد عدت متحررا ً من الصلابة، لكن المرونة، في الحالات كلها، سمحت لي بمراقبة ما كان يحدث لي، بغياب الضوء، كي اكتشف ـ ومن غير دهشة ـ ان للظلمات أبعادا ً جذابة، وكثافتها لا تقارن حتى بما يحدث في الأحلام. ها أنا طليق ...، من غير حركة، أو مكان.
      وها أنا، ببساطة، أقف أمام الإمبراطور. وكم كنت أود ان اخبره، قبل ان يسألني، ان يرى الأشكال وقد غابت حدودها، وإنها متوازنة مع فراغاتها، وان الأخيرة، هي الأخرى، لها شفافية فائقة السحر.
   انتظرت. فلم يتكلم. انتظرت كي أجد انني أصبحت داخل المكان الذي راح يمتد إلى ما لانهاية. ففي حضرته، فكرت مع نفسي، يحدث هذا من غير حاجة للريبة، او الشك!
     فقال لي:
ـ لم تصفق لي، ولم تهتف بحياتي، ولم تمجدني ...؟
  فلم أفكر، لأنني قلت حالا ً:
ـ لو كنت فعلت ذلك، لكان عليك ان تعاقبني! فأنت، يا جلالة الإمبراطور، بما تمتلك، خارج مدى المدائح، وضرورات الطاعة! فكل ثناء، أو تبجيل، أو حتى الامتنان، لا يتناسب ومقامك الذي هو أعلى من ان يكون عاليا ً! فكيف تطلب مني  ما هو خاص    بالمخلوقات الفانية..؟
      عدت أرى الحدود: فأنا تحولت إلى شكل تداخلت فيه النهايات، مندمجة، ومنفصلة، ومضطربة، حتى لم تعد لي حافات تحدد لي كياني. وعندما سمعت من يطلب مني ان اهتف، واصفق، وامجد، وجدت فمي يتخلى عني، وأصابعي تتراقص، وقلبي يغادرني، آنذاك كانت العاصفة قد بلغت ذروتها، لأنني لم اعد أرى الظلمات كي يخطر ببالي ان القليل من الضوء، وحده كان يكفي لغيابي، وأن ما حدث لم يكن سوى وهم ٍ جاورني قبل موتي، وسوى ومضات سكنت هذه الفجوات.


 [6] ومضات

     لم يرها منذ زمن بعيد، رآها مصادفة في السوق، تتبضع، وكاد لا يعرفها حتى وهي تسد عليه الطريق، وتحدق في عينيه الغائرتين، فمن تكون..؟ سأل نفسه، وتراجع خطوة إلى الخلف، كي يتابع تقدمه، لكنها منعته، بحركة رآها غير عفوية...، فنظر إلى جسدها من الأسفل إلى الأعلى، ومن اليسار إلى اليمين، ومن  قمة رأسها إلى تراب الأرض...، فتراجع خطوة، إلى الوراء، كي يراها بإمعان. إنها ليست هي...، وجال بخاطره انه لم ير الفتاة التي كاد يقترن بها قبل أكثر من نصف قرن. فسمع صوتها مميزا ً وجذبه بنبرته الناعمة، وقد تخللتها بحات، وتوقفات، ورنين خفيض، طالما جذبه بما فيه من الغاز، ليونة غير قابلة للكسر، وصلابة لها طراوة نسيم الفجر، قبل ان يجد انه توارى، هو، وقبل ان يراها توارت، هي، في ذات يوم مغبر، مضطرب، قبل عقود.
   فسمع ما يشبه الصوت، أكان هو صوتها، أم صوته، لا برهان أخير يثبت انه ـ أو أنها ـ فعل ذلك:
ـ انك كنت تبحث عن المصائر ...، والآن، أصبحت لا تجد حتى زاوية تحتمي بها!
   إنما قال لها، أقال لها، أم قال يخاطب نفسه:
ـ كل النهايات، في الأخير، لا تعزل عن مقدماتها..
وأضاف بصوت خفيض، أأضاف، لها، أم لم يفعل:
ـ وما يحدث، في هذه اللحظات، هو الآخر، يمتد...
   عندما آفاق، لم يجد أحدا ً يمنعه من التقدم، أو من التراجع، فتسمر برهة، وكأنه يحلق عاليا ً:
ـ هل تبحث عن احد، هل أضعت شيئا ً...؟
ـ لا ..لا ..
   دار بخاطره انه كان لا يبحث عن احد، متابعا ً، إنما هي التي همست: انك كنت تبحث عن المصائر كي تحتمي بك، لتمد لها يد العون، والآن، والآن ليس حتى زاوية صغيرة تحتمي بها من هذا الغبار، حتى انك أضعت مصيرك، أيها العجوز الظريف، وأنت أصبحت خارج مداك.
[7] الرحمة!
ـ الرحمة .. الرحمة.
ـ الرحمة أم الموت..؟
  ذلك لأن الأخير، كان يحدق في الفرن الحديدي، المسنن من الداخل، ببوابته الزجاجية الشفافة، وهو يستعيد الصوت ذاته الذي طالما كان قد سمعه، لرئيسه، الذي صمم الفرن، كي يلقى خصومه مصائرهم فيه، بعد ان يشعل النار، من الأسفل، مستمتعا ً بالمشهد، حتى يبلغ ذروته.
   أما أنا، دار بخلده، فأريدكم ان تتذكروا ما كان يحدث تماماً.
ـ الرحمة..
مصغيا ً للصوت يرتفع، بعد ان أشعل النار، من تحت، وتركها تسّخن الفرن، فكان رئيسه، يستغيث تارة، ويصرخ تارة أخرى، وقد فقد صوابه.
    كانت وسيلة تعذيب مبتكرة؛ غير تلك التي كان يضع فيها الآخرين في القوارب، وقد ملأها بالزفت، ليشعل النار فيها كي تلتهم النار أجسادهم، وتحولها إلى رماد، يذهب مع الماء، ماء دجلة.
ـ الرحمة...
   فأجابه بصوت خفيض:
ـ الم تكن تستمع إلى استغاثتهم، وتضرعاتهم، وعياطهم، وعويلهم، وأنت توقد نارا ً هادئة، لتسخين الفرن، تاركا ً درجة الحرارة ترتفع، حتى ترى كيف تخترق المسامير أجسادهم، وهم يصطدمون بها، بحثا ً عن الخلاص، ينزفون، طالبين الرحمة! فكنت تقول لهم: الرحمة أم الموت..؟
ورفع صوته:
ـ والآن ما الذي تطلبه، الموت أم الرحمة..؟ فانا طالما قلت لك، عندما عملت معك مساعدا ً، ومثل ابن لك، لا ترحم أحدا ً بالرحمة! فكنت تقول لنا: الضوء القليل وحده يكفي، مثل الرحمة، لسبر أغوار الجحيم.
   لم يكف الآخر عن طلب النجدة، فيما كانت درجة الحرارة ترتفع، قليلا ً قليلا ً، وجسده ينزف:
ـ هل أخبرك بالسر...؟
   ابتعد مساعده عن الفرن قليلا ً ليراه يتلوى. فقال رئيسه متابعا ً:
ـ لقد ارتويت من الرحمة التي لا تعرف أنها ...، لن تفنى! وهي أقسى من أي موت!
فسأله:
ـ وماذا اكتشفت ...؟
ـ ستعرف ذلك بنفسك، عندما تكتشف ان الرحمة وحدها لا تحتمل!
فأجابه بلا مبالاة:
ـ ولكنني ارتويت حتى بلغت الرحمة ذروتها.
ـ لن ادعك تموت...!
    وسحب النار، تاركا ً الفرن يبرد، قليلا ً قليلا ً، كي يقرب النار منه بعد فترة، ولكن الآخر كان قد تكوم، كصرة، بلا حركة.
   قرب رأسه من الباب الزجاجي الشفاف، وسأله:
ـ هل مت...؟!
  لم يجب. نظراته كانت تقول:
ـ لو أطلقت سراحي، فستكون أنت، وأفراد أسرتك، وأبناء عمومتك، وعشيرتك، الواحد بعد الآخر، من أضعهم في ..هذا ... الفرن. والآن، بعد ان أموت، ستبقى تبحث عن مكان تلوذ به من الرحمة!


* من وحي نشاطات بكر صوباشي، مدير شرطة بغداد، لعام 1620 للميلاد. والنهاية حقيقية، حيث أسهم فيها، الابن، بتعذيبه، بقسوة، حتى نفق.



الثلاثاء، 23 يوليو 2013

إكساء سطح القمر بالمقرنص-كاظم فنجان الحمامي

إكساء سطح القمر بالمقرنص
 
 
 
كاظم فنجان الحمامي
 
لا اعتراض لدينا على الطابوق المقرنص, ولا اعتراض على حملات إكساء الأرصفة لكل الطرق والأزقة في عموم المحافظات العراقية بالمقرنص, لكننا نعترض ونرفع أصواتنا بالاحتجاج على مشاريع الإكساء المتكررة, ونعترض على تكرار رصف الأرصفة نفسها لمرات ومرات في متوالية تنفيذية تُستنزف فيها موارد الدولة من دون أن نستقر على حال, فما ان ينجز المقاول عملية الإكساء, حتى يأتي مقاول آخر ليقتلع ما أنجزه المقاول السابق, ويباشر بمد شبكة أنابيب المياه العذبة, أو يحفر خندقا فوق الرصيف لمجاري المياه الثقيلة, أو حفرة لمد قابلوات الضغط الكهربائي, أو لتشجير الأرصفة بنباتات الكينوكابرس التي صارت عندنا ملكة الشوارع والساحات من دون منازع, وهكذا يتكرر إكساء الأرصفة ورصفها, حتى استهلكنا ما أنتجته المصانع المحلية والخليجية من هذه المادة المصنعة أو المستوردة, ولسنا مغالين إذا قلنا ان الكميات المصروفة من الطايوق المقرنص تكفي لإكساء سطح القمر عند اكتمال البدر. .
لقد تفاقمت عندنا ظاهرة الشوارع, التي شوهتها تراكمات مشاريع التوسيع, والصيانة, والتعمير, والتشجير العشوائية, فتشققت شوارعنا وأرصفتنا, ومزقتها المعاول والبلدوزرات, بسبب المشاريع المتخبطة, وغياب التنسيق بين المؤسسات الحكومية المعنية, فما يكاد ينتهي مقاول من أعمال الحفر والدفن, إلا ويباشر مقاول آخر بالحفر والتعميق في المكان نفسه. فيهدم ما أنجزه المقاول السابق. وهنا تحدث الطامة الكبرى, حين يبدأ أحد المقاولين بمشروع, وقد انتهى للتو مقاول آخر من عمليات الدفن والتسوية. وربما تتكرر هذه الفوضى, وتستباح الشوارع نفسها مرات ومرات, وهكذا تواصلت هذه المشاريع العابثة, حتى تشوهت الطرق والأزقة المرتبطة بها, فغدت في حالة مزرية. وكأننا نخوض سباقات محمومة لتشويه وتعطيل المزيد من شوارعنا, بممارسات تنم عن جهل مطبق بألف باء تخطيط المدن. .
أغلب الظن إن هذه السباقات تجري على قدم وساق في ظل غياب الإشراف الحرفي, وعدم الالتزام بتطبيق المعايير الهندسية القياسية الصحيحة, وعدم التقيد بمبادئ وأسس التخطيط العمراني, فبدت الشوارع المنجزة متخرقة بالثقوب, متلطخة بالأصباغ الفاقعة, مكسوة بالمواد الإنشائية الرخيصة, تشوبها المرتفعات والمنخفضات والأنقاض, بعدما كانت ملساء ناعمة مستوية نظيفة. تسير فوقها العربات بكل سهولة ويسر, لا تسمع فيها صوتا, ولا تستوقفك فيها (طسة), وهكذا تحولت شوارع مدننا, التي صرفت عليها الملايين, إلى ميادين مفتوحة لعبث العابثين, وثراء المفسدين. فلا برامج مقننة. ولا جداول زمنية. ولا أسبقيات ولا أولويات, حتى وصل بنا الحال إلى أوضاع مزرية بسبب الانتهاكات الصارخة لحرمة المال العام. .
تعزا أسباب التشوهات, التي أصابت شوارعنا إلى التشرذم المهني, والابتعاد عن تطبيق ابسط القواعد الهندسية المعتمدة في التخطيط العمراني, وربما أدت حالة التشرذم إلى إشاعة أجواء اللامبالاة. والاقتناع بالأداء الشكلي, وتنفيذ المشاريع على الورق من دون ربطها بالنتائج. حتى انسحبت تداعيات هذه الظاهرة, بشكل مباشر وغير مباشر, على جملة الوظائف والأنشطة الاقتصادية والمكانية والاجتماعية لمدننا, وانعكست سلبا على حركة سير العجلات, فأربكت الأنظمة المرورية المحلية, وتسببت في حوادث دهس وتصادم مروعة. .
إنّ من أبجديات أسس تخطيط المدن أن يتخيل المخطط أو المهندس ما سيكون عليه حال المدينة بعد عقود من الزمن, وليس بعد خمس سنوات, لأن شوارع المدن, ومبانيها ليست قطع على لعب الأطفال قابلة للتغيير عند الرغبة أو الحاجة, لذا فان معايير الجودة, وقواعد التوصيف النوعي, وأسس التصاميم الحديثة المعتمدة على الصعيد المحلي والدولي, تستدعي أسلوبا ورؤية جديدة في تنفيذ مشاريع تعبيد الطرق, وتتطلب تنفيذها في إطار قانوني وهندسي ومستقبلي مدروس, وتستدعي أيضا الاستعانة بمشورة أساتذة الكليات والجامعات العراقية من العلماء والمبدعين. الذين يمتلكون خبرات طويلة في المجالات الهندسية التطبيقية, والاستئناس بأفكارهم وآرائهم ومقترحاتهم وملاحظاتهم. وقديما قال أجدادنا: (ذبها براس عالم واطلع منها سالم). .
 

السبت، 20 يوليو 2013

( أحنه صف النجيفي ) !!!!-حامد كعيد الجبوري

إضاءة
( أحنه صف النجيفي )  !!!!
حامد كعيد الجبوري
    حمدا لله أن ساستنا وبرلمانيونا رضي الله عنهم وأرضاهم وجعل الجنة الخضراء في بغداد مأواهم قد أكملوا كل شئ يخص الوطن والمواطن ، و ( خطية ) أنساهم الشيطان ذكر أنفسهم فلم يحصلوا من خيرات العراق شئ ، الكهرباء للمواطن ( النايم للظهر ) ، الرواتب والامتيازات والسفرات والولائم للمواطن ( الخده ) ومعلوم أن ( الخده ) يشبه ( التنبل ) الذي لا يعمل وينتظر من يعمل له ، الأمن ( براحتك ) من الشمال للجنوب للشرق للغرب لا تفجير ولا تفخيخ  ولا تهجير ولا طائفية ، أذا أنت سني روح صلي بمسجد الشيعة ، وأذا شيعي روح صلي بالجامع ومن تخلص ينتظروك ويودوك لأقرب مطعم وميخذون منك فلوس ، ويبيتوك بفراشهم وأذا ما متزوج يزوجوك ، أذا مسيحي وين تريد روح محلل وما هوب ، عيني صار كلشي بالعراق ورده ، الزرع أخضر ، الورد تعال وأشتم ، بقه بس العلم والنشيد الوطني ، العلم الجبور يريدون يخلون ( بيرغهم ) ، الدليم يكولون لا ميصير لازم أنخلي ( رايتنه ) ، المهم أتذابحت العشاير بيناتهم والحكومة تتفرج ، النوب الكرد هم كالوا بويه شنو هذا العلم بيه نجمات وبيه الله واكبر شنو عدنه مذابح ، خطيه التركمان سا كتين كلشي ما حصلوا ،  الحكومة لكت خوش حل كالت خلوا العلم الغير وكت ، النوب صارت وثارت قضية النشيد الوطني ، ( حاتم سليمان ) شيخ مدري أمير الدليم يريد أغنية ساجدة عبيد ( عمت عينج ييمه أنكسرت الشيشه ) ، يا بويه من سمعوا أهل الحلة طلعوا مظاهرات عارمة وكالوا على ركابنه منريد الكاولية تسوي النشيد الوطني نريد أغنية سعدي الحلي ( دنك يا حلو ليلوحك القناص ) ، خو اهل الناصرية حشمت عشايرها وكالو والله غير أغنية ابو كاظم ( داخل حسن ) لو ( خضير مفطورة ) لو ( ناصر حكيم ) ولا نقبل بغيره نشيد ونسوي دمها للرجاب ، النوب كبت العمارة تريد أغنية ( مسعود مدري مسعودة ) العمارتليه ( فوك القصر طياره ) ، وهاشو الكرد ، والتركمان ، واليزيدين وألصابئين وكلمن يريد يخلي النشيد الوطني من تاريخه وتراثه العظيم ، ولكم والله عيب وفشله على لحاياكم ، لنعل أبو لأمريكان ، لابوا المعدان ، لابو السياسة ، لابو المدري شنو ، ولكم والله صرنه مهزلة ، عمي متذكرون يوم طب الفريق العراقي يلعب طوبه مدري وين وما عدهم نشيد الوطني محد يحفظها ، مو وكف المدرب يصيح والفريق يردد وراه ( بلي يبلبول / بلي / ماعدنه عصفور / بلي / يلعب بالطاسه / بلي ) ، عمي انتوا أهل الخضراء المهجومة أذا شفتوا هذا النشيد ميوالمكم ننطيكم غيره وأكو هواي مثله ، وبما انكم جهلة وطلاب أبتدائية أنعلمكم ( أحنه صف النجيفي أحسن الصفوف / والميصدك بينه خل يجي ويشوف ) ، ميعجبكم أخذوا هذا ( يا بط يا بط / أسبح بالشط ) . للإضاءة ..... فقط .

الاثنين، 15 يوليو 2013

( وأد النور )-حامد كعيد الجبوري

إضاءة
( وأد النور )
حامد كعيد الجبوري
     نيفت على الستين ولم أسمع أو أقرأ أو أشاهد أو نُقل لي أن حقا أنتصر، كل الذي نقرأه بتاريخنا القديم والمعاصر نلحظ انتكاسة الحق واضحة جلية ، والشواهد أكثر من أن تحصى ، ولو أحدكم يسعفني بشئ ليؤشر لي على واقعة أو حدث أنتصر الحق فيه سأشكر فضله سلفا ، أمس مرت الذكرى ال55 لثورة تموز 1958 م الخالدة بقيادة الشهيد البطل عبد الكريم قاسم ، والغريب أن لا فضائية حكومية ولا مسئول حكومي أو سياسي أو برلماني أستذكر هذه الثورة التي أُنجبت من رحم معاناة الفقراء ، ولأنها من الفقراء والى الفقراء فقد حوربت هذه الثورة كثيرا ، منذ بدايتها وقفت كل المرجعيات الدينية السنية والشيعية موقفا سلبيا تجاه هذه الثورة ، ومن حقهم ذلك كما يزعمون لأن الثورة خالفت التعاليم السماوية ولذلك جاءت الفتوى الشهيرة ( الشيوعية كفر والحاد ) ، وكأن قائد الثورة وزعيمها قاسم شيوعيا ، ويعرف الجميع أن قاسم لم يكن شيوعيا بل حارب الشيوعيين وأراد تحجيمهم كثيرا ، ورأي الحزب الشيوعي بقاسم أنه شخصية وطنية عراقية يجب مساندته ، وكانت النتيجة أن لا قاسم رحمه الله بقي في السلطة ولا الشيوعيون استلموا زمامها ، ومرت بعد ذلك على العراق حقبة شوفينية أحرقت الأخضر قبل اليابس ، وحوربت الثورة من العروبيين وأتهم قاسم ورفاقه بأنهم شعوبيون لا يحبون القومية العربية ، وحوربت من رجال الإقطاع المتنفذون ، وكل هؤلاء أتحدوا لوأد الثورة ليس بشكل رسمي بل من أجل مصالح مشتركة تجمعهم سوية ، ولو أردنا إحصاء منجزات الثورة الخالدة وبرمجتها مع الحقبة الزمنية الأربع سنوات لكان على المنصف أن يقول أن هذه الثورة عمرها أكثر من هذا بكثير ، قانون الإصلاح الزراعي الرقم 30 لسنة 1958 م، الانسحاب من حلف بغداد ، الانسحاب من منظومة الجنيه الإسترليني ، جلاء القوات البريطانية ،  الانضمام لمنظمة  دول عدم الانحياز ، قانون الأحوال الشخصية رقم 88 لسنة 1959 م ، قانون 80 لسنة 1961 م ، جلب معامل صناعية كبيرة وكثيرة  ، الحديد والصلب  ، البتروكيمياويات / البصرة  ، صناعة الجرارات والسيارات / الأسكندرية ، معامل صناعة السكر / ميسان والموصل ، النسيج / حلة ، ديوانية ، كوت ، صناعة التبوغ / سليمانية ، الصناعات الكهربائية / بغداد وديالى ، صناعة الزجاج / الرمادي ، الصناعات الجلدية / بغداد / كوفة ، الألبسة الجاهزة / النجف ، أنشاء محطات توليد الطاقة ، مشاريع للري وسدود يستفاد منها لتوليد الطاقة الكهربائية ، ومشاريع لا عد لها ولا حصر ،  وأهم ما في حياة الثورة هو توزيع قطع الأراضي على فقراء الناس /  ومشاريع الإسكان بغالبية المحافظات العراقية ، وبناء مدينة عملاقة في بغداد أسميت بعهد الزعيم الشهيد ( مدينة الثورة ) ، ثم غيٍّر أسمها الى ( مدينة صدام ) حقبة الدكتاتورية ، وفي العهد الديمقراطي أملنا أنفسنا بتسميتها مدينة ( قاسم ) ولكنها سميت باسم الشهيد الصدر رحمه الله ، وأنا على يقين قاطع أن لو سئلنا الشهيد قاسم أو الشهيد الصدر عن تسميتها لقالا سوية أعيدوا لها أسمها الثوري الأول ،  ألم أقل لكم أن الثورة وقائدها ظلموا كثيرا منا جميعا ، وأما الساسة الجدد فمن حقهم المنطقي أن يغيبوا الثورة وقائدها لسبب وجيه لا غير ، وهو أن الثورة فجرها وقادها وطنيون  وهؤلاء أتى بهم من قاتلهم الزعيم الشهيد قاسم ، فكيف تتوازن كفتا الميزان الوطني مع موازين العمالة والسحت والدسيسة والخداع ، وأخر ما ظلم به الزعيم الشهيد قاسم أحدى الفضائيات تسأل من هو عبد الكريم قاسم ؟ ، أتعرفون أن الكثير لم يعرف من هو قاسم ، ترانا نعرف أسماء اللصوص والقتلة وأشباه وأنصاف السياسيين ولا نعرف من هو الشهيد البطل الخالد عبد الكريم قاسم ؟ ، للإضاءة .......... فقط .




خجوله أتمر خجوله 14 تموز
لأن كصة شرف مرت خجوله
ما نزعت حياها وفرعوها أجناب
أصيله وبت مجد حفظت أصوله
لذلك خاف منها اليعبد الطاغوت
ماجاب ألها طاري اليتبع ذيوله


السبت، 13 يوليو 2013

قصص قصيرة-بلقيس الدوسكي

3 قصص قصيرة

بلقيس الدوسكي
هي والقمر

    كان ليلا ً بلا نوافذ، والقمر يبحث عن وسادة بين النجوم يضع عليها رأسه المثقل بهموم النيازك التي كانت تنتحر بين حين وآخر وتتحول إلى شظايا على حافة الأرض. وكانت أميرة تقرأ سورة الكرسي بإيمان مطلق لأنها كانت تخشى ان تداهم صومعتها الأرواح الشريرة.
    أعواد البخور تعطر بأريجها أرجاء البيت، ومسبحة أمها لا تفارق صدرها، فهي قلادتها المفضلة. الكتب متناثرة هنا وهناك، وهي زادها اليومي.
   من يراها للوهلة الأولى يظنها عبثية متمردة على كل قيم الحياة، لكنها تحمل في أعماقها إنسانة أخرى. تبحث عن قمر ضائع في متاهات الوجود الذي وعدها برحلة في الفضاء البعيد.
   تجولت كثيرا ً فوق خارطة حياتها. أرهقها اللهاث وراء السراب وكاد الظمأ ان يقتلها. أضرمت النار في ثياب صبرها واغتالت حالة التراجع والخضوع إلى الأمر الواقع.
    ولكن عندما حاول الليل ان يكبح جموحها ويمتص حماستها امتشقت سيف جدها وقطفت رأس المستحيل وأضرمت النار في غابة الأوهام.
   ربما اعتبرها البعض لبوة شرسة لا تقيم وزنا ً حتى لطبيعة الغاب وشريعته، لكن من يقرأ سفرها يتأكد له بأنها الحمل الوديع الذي تعرض لأكثر من جرح من ذئب بشري.
 حاولت ان توصد الأبواب كلها بوجه الريح، لكنه كان يتسلل إليها من خلال الجدران لكي يحرمها من رؤيته القمر الذي توسد الظلام وأبكى نجومه.
    رفضت الاستكانة، وحكمت على الصبر بالإقامة الجبرية في دهليز الغضب وقررت ان تشق طريقها إلى ما وراء حدود المستحيل.
   إنها على موعد مع قمرها الذي فقد ضوءه في محيط الصمت والقلق وأبكى حتى نجمة الصباح التي تودع آخر فرصة للظلام.
     إنها تذرف الدموع السخية، وتحاور القلب بكل لغات يرضخ لمشيئتها.
    الليل مازال يرسم غيمة سوداء فوق أجفانها ليهزم أحلامها الوردية ذلك لأنه عدو النهار ولأن الورود كلها تعشق الشمس، وتمنح للنسيم شذاها. لكن أميرة كانت ولم تزل اصلب عودا ً وأكثر شجاعة من قراصنة الهموم جميعا ً، ومن لصوص الحب بلا استثناء. فهي رغم هذه التيارات المشاكسة ستبقى تبحث عن قمرها. 



وأنا في مهب العواصف


   كان الفجر مازال يرتدي معطف الليل والنجوم مازالت معلقة في عمق الفضاء وهي ترنو من بعيد إلى ما يدور على وجه الأرض. كانت الأبواب كلها مقفلة والمدينة تغط في نوم عميق عندما أيقظتني  هواجسي وأفقدتني لذّة الكرى، شعرت ان قافلة محملة بالصراخ تجوب في أروقة كياني وتنثر الصداع في راسي.
    ألقيت نظرة مضطربة إلى الشارع الطويل الممتد من نقطة الصفر إلى نقطة الفراغ فرأيت نفسي وهي تتسلق أعمدة الكهرباء لتسرق نقاط من الضوء لتبدد بها الزوايا المظلمة في أزقة الروح، إلا أنها تعرضت إلى صعقة كهربائية ألقت بها إلى الرصيف المقابل لرصيف الزمن.
    استطعت ان أسعفها في الوقت المناسب وأعيد لها الحياة لكنها ظلت تعاني من عقدة الخوف، وهي مازالت تخجل من مواجهة الروح التي وعدتها بومضات الضوء، لكن الروح مازالت حزينة على ما حدث للنفس.
   وعندما استيقظ الصباح من غفوته وتلاشت أحلامه الكثيرة راح يهرول على بساط الشمس بكل قواه، ثم رشق الروح بهالة من الضوء غمرت كل جوانبها فعانقته النفس لأنه جلب للروح من الضوء ما يعادل الملايين من ومضات ضوء أعمدة الكهرباء.
     جلس الصباح عند باب صومعتي بعد ان أتعبه الركض الطويل، فطلبت منه ان يدخل إلى صومعتي لكنه اعتذر ورفض بإصرار:
ـ لماذا يا سيدي الصباح الجميل، لماذا ترفض دعوتي..؟
ـ أنا لا ادخل إلى الأماكن الباكية التي تصرخ في أرجائها الهواجس ..
ـ إذا ً، ساعدني على إذابة جليدها بحرارة شمسك.
ـ ابحثي عمن له القدرة على إذابة هذا الجليد المزمن، وهذه المهمة ليست من واجبي، وإنما هي من واجباتكم انتم يا أبناء ادم وحواء، لأن جليد صومعتك ليس من صنع الشتاء وإنما هو من صنع الإنسان، ونادرة هي الوحيدة القادرة على إذابته.
ـ لكن الإنسان الذي تقصده مازال في ظهر الغيب.
ـ هذه مشكلتك أنت.
ـ وأين أجد الحل لهذه المشكلة..؟
ـ لا استطيع التنبؤ.
    ثم نهض الصباح وتلمس قدميه اللتين أخدرهما الجلوس الطويل، ثم التفت نحوي وقال:
ـ لقد انتهى زمني المحدد. وداعا ً والى لقاء آخر، فقد حان زمن المساء.
    ذهب الصباح الجميل، وحل مكانه المساء، مساء الهواجس والقلق والجليد، وبدأت النفس تعاني من جديد. والمسافة شاسعة بين النار والجليد، وأنا في مهب العواصف.





سفينة نوح


    على الجدران الخلفية يرتعش الضباب، والفرشاة أرهقها الصراع مع الألوان، وهناك عيون في زاوية أخرى، ظلت تقرأ سطورا ً مبهمة حتى داهمها النعاس ونامت في معطف الليل.
    تداخلت الأشياء بالأشياء. فامتدت يد من العتمة لتوقظ حصانا ً أعمى افقده اللهاث بصره، لكنه رفس الجدار الأول فانهار جسد الزمن الذي كان يبحث عن نفسه في تلك اللحظة الهاربة منه.
   وبدأ الضجيج، فاستيقظت العيون وبدأ المطر فاحدث طوفانا ً رهيبا ً في غابة الصمت، غرقت أشجار عملاقة ونجت من الغرق براعم صغيرة كانت تحبو في أحضان الغابة، وهناك، على المدى البعيد، كان الصدى لصوت ينطلق من وراء الأفق، يتردد في أعماق الأودية التي لم يغمرها الطوفان بعد..
   ينادي المتدثرون بالجليد، أضرموا النار في قمصانكم لكي تضيء لكم الدرب نحو بر الأمان واخرجوا من جلودكم المتهرئة التي لم تعد فيها مكان لذنوب أخرى، ثم ساد الصمت من جديد.  واقتربت الأعاصير على أجنحة من الطين القديم وهي تنذر بالقضاء على كل من يقف متحديا ً لها..
   رقصتن الأفاعي ظنا ً منها بان قرار الأعاصير لا يشملها. لكن الأعاصير كانت لا تعرف المساومة.
     وارتعش الضباب ثانية على الجدران الثلاثة بعد انهيار الجدار الرابع على جسد الزمن الذي كان يبحث عن اللحظة الهاربة التي كانت وراء هروب نفسه...
   وعلى اثر صرخة هزت الصمت ثانية، حفر البعض خندقا ً لنفسه في أعماقه، لكن هذا البعض لم يهيأ منفذا ً له، فالطوفان غطى كل العيون، وربما ساعدته على ارتفاع مناسيبه.
    كانت وراء الأفق البعيد، وعلى مسافة لا احد يعلم مداها، شجرة مازالت مورقة، ولكن، من أية فصيلة هذه الشجرة ..؟
    الوقت قد فقد مسافته، الليل لا يعرف انه ليل، والنهار لا يشبه نهاره القديم، ترى هل اقتربت النهاية..؟ لا وجود للأرض، فالطوفان يغطي الحياة برمتها. وسقط آخر الجدران بفعل الأمواج العاتية.
ثم جاءت حمامة بيضاء تحمل غصنا ً من شجرة الزيتون، ونزلت ورقة مقدسة من السماء تبشر من تبقى. ستعود الحياة من جديد. لقد غسل الطوفان ذنوب الأرض، وسترتفع الجدران من جديد، وتنمو البشرية..انظروا...انظروا جيدا ً...وابشروا لقد أقبلت سفينة نوح!