الأحد، 18 ديسمبر 2011

صناعة الخبر و أساليب التضليل الإعلامي-د. معن الطائي


صناعة الخبر و أساليب التضليل الاعلامي
د. معن الطائي
اكتسبت دراسات التضليل الإعلامي أهمية متزايدة مع انتشار القنوات الإخبارية الفضائية العربية و تنامي الدور الذي تلعبه ليس فقط في نقل الخبر، بل في صياغة و تحديد توجهات الرأي العام العربي تجاه القضايا البارزة ذات الأبعاد السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية.كان لظهور قناة الجزيرة الإخبارية الفضائية عام 1996 ،بالتزامن مع إغلاق القسم العربي لهيئة الإذاعة البريطانية، و بدء العمل في قناة العربية عام 2003 الأثر الحاسم في رفع مستوى الوعي الجماهيري بمسائل و إشكاليات أخلاقية و فنية و تقنية تتعلق بطرائق نقل الخبر و أساليب صياغته و تقديمه و تداوله. لا تعتبر دراسة التضليل الإعلامي من القضايا الحديثة أو الطارئة على حقل البحث الأكاديمي و المنهجي فيما يتعلق بممارسة النشاط الإعلامي بكافة مستوياته المقروء و المسموع و المرئي. فقد اعتبر النشاط الإعلامي من اقدم النشاطات البشرية التي ارتبطت بضرورات التواصل بين الجماعات و طبيعة إدارتها للعلاقات التي تربط بينها سواء على مستوى الصراع أو التعاون الثنائي. كما تم تسخير الإعلام لإدارة العلاقات التي تربط بين القوة الحاكمة و المهيمنة و بقية الأفراد داخل الجماعة الواحدة. و طالما كان هناك نشاط إعلامي فأن عمليات التضليل في أساليب نقل الخبر و تداوله تصبح جزءا من هذا النشاط بطبيعة الحال. و لكن مع تزايد وتيرة الحراك السياسي و الاجتماعي في المنطقة العربية في هذه الفترة بالذات، و تنامي الدور الكبير الذي يلعبه الإعلام في تحديد مسارات الصراع و ترجيح الكفة لصالح قوة أو جهة معينة على حساب الجهة الأخرى، من خلال طريقة نقل و تداول الخبر، يصبح من الأهمية بمكان الالتفات الى توجهات بحثية أكاديمية متخصصة تعنى بدراسة و تحليل ظواهر التضليل الإعلامي.
في هذا السياق يأتي كتاب الباحث و الأكاديمي العراقي المتخصص في شؤون الصحافة و الإعلام، د. ذياب الطائي، الموسوم "التضليل الإعلامي من صناعة الخبر الى صناعة السينما" و الصادر عن دار الينابيع، دمشق 2011. و قد وضع مقدمة الكتاب البروفيسور د. جمال السامرائي و جاء فيها "كتاب التضليل الإعلامي للدكتور ذياب فهد الطائي هو من بواكير العمل الأكاديمي المحض في بيان أسس التضليل و كيفية صياغة الخبر المضلل من خلال أشخاص أو خبراء للوصول الى مغانم حياتية أو إخفاء معالم عواقب النكسات و الحروب في مجتمعنا". (الكتاب، ص 8)
و قد توزع الكتاب على أربعة فصول متكاملة و تم تقسيم كل فصل الى عدد من المباحث. و تناول المبحث الأول في الفصل الأول التطور التاريخي لوسائل الإعلام بدءا من الممارسات البدائية للجماعات البشرية، مثل قرع الطبول أو اصدار أصوات معينة للتحذير أو إشعال النيران أو استخدام الحمام في نقل الرسائل. و تطرق لعمليات نقل الخبر و تداوله و الترويج للمعلومات في الحضارات القديمة مثل الحضارة البابلية و الحضارة الأشورية. و حمل المبحث الثاني عنوان "ماذا نعني بالتضليل؟" و بعد تقديم مجموعة من التعاريف لباحثين سابقين لمفهوم التضليل، يحدد الباحث التضليل بثلاث نقاط:
1- عدم تقديم المعلومات الى المتلقي كما هي.
2- إجراء التعديلات في النص أو في الصورة بشكل مدروس و منهجي مما يؤدي الى تغيير في المفاهيم.
3- إن هذا التعديل يهدف الى خلق واقع جديد لا علاقة له بالواقع المتحقق فعلا، و ذلك بهدف خدمة مصالح أو أغراض خاصة. (الكتاب ص 48)
و يشير الباحث الى أن أقدم عملية من عمليات التضليل الإعلامي استطاع تحديدها بعد الدراسة و البحث هي قيام كهنة معبد الشمس في جنوب العراق بكتابة تاريخ إنشاء المعبد على انه في عهد الملك الأكدي "مانيشا توشو) و الذي كان قد توفي حتى قبل البدء بالبناء و ذلك لتبرير النفقات الباهظة التي تم صرفها و إقناع الناس بذلك. (الكتاب ص 48-49)
أساليب التضليل الإعلامي في صناعة الخبر هي مادة المبحث الثالث من هذا الفصل. يشير الباحث الى مجموعة من الأساليب التي تندرج تحت مسمى التضليل الإعلامي و هي؛ التضخيم، و التعتيم، و التكرار، و إثارة الخوف، و لفت الأنظار، و الكذب، و الإثارة، و الخطاب المزدوج. و يؤكد د. الطائي في بداية هذا المبحث على أن "التضليل وسيلة يتم التحكم بها عبر وسائل الإعلام المختلفة و المتاحة في عمليات المنافسة و الصراع ليس بين الدول وحسب، و إنما بين الشركات و حتى بين الأفراد لتقديم الخبر الذي يخدم أهدافا محددة هي ضد رغبة المتلقي عن طريق الكذب و الخداع بهدف بلبلته و السيطرة على إرادته" (الكتاب ص 55)
يتكون الفصل الثاني من خمسة مباحث تدور حول أبعاد التضليل الإعلامي. يتطرق المبحث الأول الى دوافع عمليات التضليل. و من المثير أن الباحث ينظر الى التضليل بوصفه جزءا "من فن الاتصال في ظل المنافسة. و تتيح التقنيات الحديثة إمكانات متنوعة و هائلة لهذا التضليل الذي تقف وراءه نظريات متنوعة بدراسة السلوك الإنساني و ردود الفعل إزاء ما يقدم له" (الكتاب ص 88-89). و و يظل الدافع الأساسي هو إحداث التأثير بطرقة قصدية و مبرمجة في الطرف المقابل من عملية الاتصال، و هو المتلقي. و يدرس المبحث الثاني العلاقة بين الحرب النفسية و التضليل الإعلامي في صناعة الخبر. و هنا يكون التضليل في خدمة الحرب النفسية، من حيث أنه يهدف الى تحقيق أكبر قدر من التأثير السلبي في الروح المعنوية للخصم و إضعافها. و يقدم الباحث نماذج تطبيقية عملية على التضليل الإعلامي الذي يتم توظيفه في الحرب النفسية من خلال تحليله للخطاب الإعلامي و طبيعة اللغة الإعلامية المهيمنة في الصحف الإسرائيلية و الإعلام الأمريكي في كيفية تغطيته للحرب على الإرهاب و الحرب على العراق. ينتقل المبحث الثالث من المجال العسكري و السياسي الى المجال الاقتصادي و العمليات التضليل الإعلامي التي تشنها الشركات الاحتكارية الكبرى ضد بعضها البعض. و يندرج تحت هذا النمط من التضليل إطلاق أخبار كاذبة أو إشاعات غير صحيحة من أجل التأثير على سوق تداول الأسهم و البورصة أو لرفع أسعار منتج معين، كالنفط أو الذهب. كما يتم تحليل و دراسة أمثلة على عمليات التسويق و الترويج الإعلامي لمنتجات معينة، و منها إعلانات شركة الببسي كولا و تركيزها على ربط منتجها في ذهن المتلقي بالشباب و الحيوية و النشاط. أما المبحث الرابع فيعنى بدراسة التضليل الثقافي. و يوضح المبحث كيف تحولت الثقافة الى سلعة يتم تداولها و الترويج لها و تحقيق معدلات عالية من الربحية من وراء ذلك. فمع نهاية السبعينيات من القرن الماضي تزايد الحديث عن الطرائق الممكنة لتحويل الثقافة الى منتج يتم تسويقه على مستهلكين يسعون لتملكه. يشير الكتاب الى أن "في عام 1978 تبنى الوزراء الأوروبيون المسئولون عن الشؤون الثقافية مفهوم (الصناعات الثقافية)، من هذا التطور في مفهوم الثقافة اصبح الطريق ممهدا لدراسة دور الإعلام و نشاطاته المتنوعة فيما يسمى صناعة المعرفة و الذي دفعته آليات الاتصال المختلفة الى ما يمكن تسميته بمجتمع المعلومات" (الكتاب ص 128). و يسعى التضليل الثقافي الى خلق تأثير إعلامي هائل من أجل التأثير على ثقافة الشعوب و السيطرة عليها أو إحلال ثقافة جديدة مكانها. "أن هذه الإنزياحات مدروسة بعناية و مخطط لها بدقة متناهية" (الكتاب ص 129). و يرتبط التضليل الثقافي بصناعة السينما و خصوصا في أمريكا، من اجل تحقيق غايات معينة. و التضليل في السينما هو موضوع المبحث الخامس و الأخير من الفصل الثاني، و فيه يدرس الباحث الدور الكبير لصناعة السينما في عمليات التضليل الثقافي و العسكري و السياسي.
ينتقل الباحث في الفصل الثالث الى الجانب الفني من دراسة التضليل في صناعة الخبر، و المقصود به هنا هو الخبر بحد ذاته. فيوضح المبحث الأول تعريف الخبر من وجهة النظر الإعلامية، و يشرح المبحث الثاني عناصر الخبر، أما المبحث الثالث فيتناول مصادر الخبر. في هذا الفصل يشدد الباحث على ضرورة التفريق بين الخبر و بين أنواع التحرير الصحفي الأخرى مثل التحقيق و الريبورتاج. ثم يشير الى عدم اتفاق الباحثين بصورة عامة على تحديد مواصفات معينة للخبر. و من الصفات التي يفترض توافرها في الخبر في الإعلام؛ الحداثة، و الموضوعية، و الإثارة، و الأهمية، و المنافسة و الصراع، و التوقيت و التماثل. و تنقسم مصادر الخبر الى مصادر متخصصة، كالمراسلين و وكالات الأنباء المتخصصة و الوثائق، و مصادر غير متخصصة أو طارئة، كالشهود العيان و رسائل و اتصالات الجمهور. و من الجدير بالذكر أن المصادر غير المتخصصة للخبر بدأت تحتل مكانة بارزة و مهمة في العمل الإعلامي، و ذلك من خلا ظهور ما أصبح يعرف "بصحافة المواطن". حيث ساعدت التطورات الهائلة الحاصلة على صعيد وسائل الاتصال و التكنولوجيا على تحويل كل مواطن يحمل هاتفا محمولا أو آلة تصوير و لديه إتصال بشبكة الإنترنت، الى مراسل أو مندوب يقوم بنقل الحدث كما هو على الأرض بالصوت و الصورة و بالسرعة الممكنة.
و يستمر الفصل الرابع و الأخير في إغناء القارئ المتخصص و العادي أيضا من خلا تقديم تفاصيل إضافية تتوزع على أربعة مباحث هي؛ تحرير الخبر، و القوالب الفنية لتحرير الخبر، و أقسام الخبر، و أنواع الخبر حسب الوسيلة الإعلامية. و يؤشر الباحث وجود أربعة نماذج من للأخبار ذات ملامح و سمات متمايزة و هي؛ نموذج المرآة، و النموذج الحرفي، و النموذج المؤسساتي، و النموذج السياسي. بينما ينقسم الخبر من حيث التحرير الى خبر مركب و خبر بسيط. و يتطرق المبحث الأخير الى تقديم سمات و مواصفات الخبر الصحفي، والخبر الإذاعي، و الخبر التلفزيوني.
لقد نجح د. ذياب الطائي في تقديم كتابا يتناول موضوعا هاما و حيويا بإسلوب يبتعد عن التعقيد و التنظير دون التضحية بمتطلبات البحث الأكاديمي و العلمي. و مما زاد في أهمية الكتاب الأمثلة و الإحالات العملية و النماذج المتنوعة من الأخبار المنقولة عن العديد من الصحف و الإذاعات و القنوات الفضائية العربية و الغربية التي قام الباحث بإدراجها و تحليلها و ربط النتائج العملية بالمقدمات النظرية. و أجدني أتفق مع رأي البروفيسور جمال السامرائي و الذي أختتم به مقدمته للكتاب بقوله، "أعتقد على قناعة بأن ما قدمه الكاتب هو كتاب أكاديمي لايستغني عنه أي باحث أو طالب علم، إضافة الى انه كتاب علمي سلس و جميل لايمكن لأي مثقف أن يتغاضى عنه".

الجمعة، 16 ديسمبر 2011

زئبقيون في الوسط الجامعي-كاظم فنجان الحمامي


زئبقيون في الوسط الجامعي


جريدة المستقبل العراقية في 13/12/2011

كاظم فنجان الحمامي

لا تكاد تخلو أية شريحة في مجتمعنا العراقي من أصحاب الوجوه الزئبقية, وذوي المواقف الهلامية, وربما كان الوسط الجامعي بمنأى عن تحركاتهم ونشاطاتهم الأميبية السامة, لما يتمتع به هذا الوسط الراقي من حصانة ذاتية, ومناعة قوية وفرتها له الملاكات التدريسية الملقحة بالمضادات الفولاذية القادرة على التصدي لفيروسات النفاق والثرثرة والتلون, بيد أن المؤشرات الأخيرة توحي بتغلغل دفعات ضئيلة من الانتهازيين والوصوليين والنفعيين, من الذين دأبوا على التفريط بكل ما يمتلكونه من أجل تحقيق مآربهم الأنانية الضيقة. .

فالانتهازي, بغض النظر عن جنسه وعمره ودرجته, متذبذب في سلوكه, يتحين الفرص للحصول على الامتيازات بأسهل الطرق وأيسرها, فتراه يلجأ إلى الوعيد والتهديد لابتزاز من أهم أفضل منه, وقد تدفعه غرائزه الشيطانية إلى التلفيق والكذب لتحقيق مآربه الوصولية, وهو على استعداد دائم لخلع جلدة مؤخرته ليضعها على وجهه, فلا يتورع عن التقلب بين أحضان المسؤول الذي كان, والمسؤول الجديد, ولا يستحي من شتم المسؤول السابق من أجل إرضاء المسؤول اللاحق, فالأرجحية في عرفه تميل دائما مع صاحب المنصب الواقف في موقع المسؤولية, وتعزا مثل هذه الخصال الشاذة إلى عدم تأصل المبادئ في عقيدتهم الانتهازية غير المستقرة, أو بسبب ضعف ولائهم لوطنهم, ما يجعلهم يسهمون في إنعاش ظاهرة التسقيط والإقصاء المهني في ظل غياب العدالة الاجتماعية, وتفشي فوضى الديمقراطية, وضياع معايير الكفاءة والإخلاص. .
تتزامن النشاطات الكيدية وتنتشر بخطوط متوازية ومتوافقة مع تعاظم ظاهرة المخبر السري, وربما تجد ضالتها في انتحال الأسماء الوهمية المتاحة في واجهات الفيس بوك, أو المتوفرة في حقول المنتديات الالكترونية, وما تشتمل عليه من خيارات مفتوحة لاستعارة الأسماء المختصرة, وإضفاء الخصال الشبحية المزيفة, بالقدر الذي يتيح المجالات السهلة والسريعة لإرسال التقارير الدورية الملفقة ضد الكوادر التدريسية الكفوءة, وتشويه صورتهم بكل الأساليب المبتذلة. .

مما يؤسف له أن أصحاب الوجوه الزئبقية (من الجنسين) تحولوا في جامعاتنا إلى معاول هدامة, وفيروسات عدائية ماانفكت تسعى وتواصل سعيها لوأد الكفاءات, وإزعاج الأساتذة, وتخريب البنية العلمية, والقفز فوق واجهاتها وعناوينها, فبدلا من أن ينصرف أمثال هؤلاء إلى البحث العلمي, ويكرسوا جهودهم المهنية والمهارية للارتقاء بالمستوى التدريسي والتربوي نحو الأفضل, تراهم يمضون أوقاتهم كلها في الثرثرة الفارغة, أو في إعداد التقارير التشويهية, من أجل الإطاحة بهذا الأستاذ والنيل منه, أو من أجل إقصاء رئيس القسم أو عميد كليتهم أو جامعتهم انتقاما منه, فيرسلون تقاريرهم في كل الاتجاهات بغية توسيع حملات الشتائم والاتهامات المفبركة, ويوزعونها على أوسع نطاق, وربما تصل تقاريرهم إلى الجهات العليا في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي, أو تصل إلى الإدارات المحلية للمدن التي تقع فيها الجامعات والكليات التخصصية, فتتسبب في خلق حالة غير مرغوب فيها من الإرباك والإزعاج والقلق, وقد تسهم في ضياع وقت الجهات التي وصلتها التقارير الكاذبة, فتضطر إلى فتح أبواب التحقيق والتحري والاستفسار, وتشكل اللجان للتقصي عن الحقائق, والجدير بالذكر أن لجان التحقيق تابعت ميدانيا الكثير من تلك الدعاوى الكيدية, فوجدتها تدور في حلقات مفرغة, وتتحدث عن مواضيع مُختلقة, لا صحة لها على أرض الواقع. . .
الملفت للنظر أن هذه التقارير الكيدية, المذيلة بتواقيع وهمية, والمشفوعة بأسماء منتحلة, وعناوين ضبابية, تشترك كلها في صفات موحدة, وهي أنها مخالفة للتعليمات الإدارية النافدة, ولا تندرج ضمن التقارير المقبولة المعترف بها, ولا تعد من الوثائق المعتمدة في التحقيقات الإدارية والجنائية, لذا يفترض أن تجد طريقها إلى المحرقة, أو إلى سلال المهملات. .
نحمد الله أن جامعاتنا العراقية لا تخلو من العلماء الأعلام, ولا تخلو من التدريسيين الأكفاء, المشهود لهم بالعفة والنزاهة, من الذين افنوا أعمارهم في التعليم العالي والبحث العلمي, ولن تؤثر فيهم مثل هذه الحملات, التي تقودها جوقة القرود والمشاغبين, من الفاشلين والمتملقين والوصوليين والانتهازيين, ممن تفننوا بمهنة التشويه والتلفيق, والتصيد في البرك الآسنة, وتخصصوا بصناعة الأكاذيب, وتعليبها, وتجهيزها للتصدير والاستهلاك. وعلى الرغم من حصانة علمائنا وحصافتهم, فأنهم اليوم في أمس الحاجة إلى من يقف معهم في مواجهة هجمات هؤلاء, ويوفر لهم الدعم والإسناد, ويحميهم من بغض المبغضين, وحسد الحاسدين, وحماقات الفاشلين, ممن لا شغل لهم ولا عمل سوى محاربة أصحاب الكفاءات, والإساءة إليهم, وتدمير سيرتهم العلمية والمهنية. .
وبات من المؤكد ان مجالس الجامعات رصدت هذه التصرفات الغريبة, وأبلغت الوزارة بتفشي هذه الظاهرة المقيتة, التي تعكس مدى تدني أخلاقيات بعض المحسوبين على الوسط التدريسي, وشخصت مساعيهم الكيدية لتشويه صورة مرؤوسيهم, وسيأتي اليوم الذي تصدر فيه الوزارة قراراتها الحاسمة لردع هؤلاء وأمثالهم. .
أن هذه الفيروسات الزئبقية المختبئة خلف الأقنعة الهلامية الملونة, صارت من الآفات الخطيرة, التي أخذت تنخر في قواعد جامعاتنا وهياكلها, ولابد من القيام بحملة لتطهير جامعاتنا من تلك الفيروسات الشيطانية المريبة, والعمل على عدم السماح لها بالنمو في الأوساط التعليمية العليا. .

( ضمير أبيض ) !!! صوت المحبة-عدنان حافظ بابل


( ضمير أبيض ) !!! صوت المحبة
عدنان حافظ بابل
في سرادق الشعر الممتدة في وادي صفي الدين الحلي الزاخرة بالعطاء حظينا بديوان جديد للشعر الشعبي العراقي أنتجه الشاعر ( حامد كعيد الجبوري ) ، ضم بين دفتيه ما يقارب من خمسين نصا شعريا وعلى مائة وثلاثون صفحة من الحجم المتوسط ، وبإخراج فني أنيق ، أستطاع من خلاله هذا الشاعر الحلي أن يقف بثبات بين مجايليه كرائد من رواد الحركة الشعرية البابلية وأكثرهم تميزا سواء بحضوره الدائم لفعاليات المشهد الشعري وبفاعليته الواسعة ، وهو مقدم ومعد لبرنامج ذائع الصيت في إذاعة بابل المحلية الذي يحظى بقبول جماهيري لدى أبناء الفرات الأوسط ، أو من خلال تحريره صفحة الأدب الشعبي في جريدة الفيحاء الحلية الغراء ، وبرنامج آخر في إذاعة الفراتين وراديو إتحاد الشعب ، لذلك أستطاع أن يمتطي صهوة ديوانه البكر المسمى ( ضمير أبيض ) ، وفعلا كان ضميرا أبيضا لعشاق هذا الوطن المتعالي على جراحه وأبناءه ينظرون الى الشمس بأجفان غير مرتعشة ولا وجلة بعد ما نزفوا دما عبيطا على أرضه الطاهرة ، وعانوا من التهميش وحالات الانكسار والاستلاب الفكري بقصدية لئيمة وعلى مر سنين عجاف ، فولادة هذا المنجز بكبريائه جاء مكملا للوهج الوجداني المختزن في قلوب أبناء هذا العراق الناهض ، كفرصة مواتية تتمازج مع المدارك والأحاسيس ببصيرة نيرة تأخذ من مناهل الإبداع مديات واسعة لأفقها المترامي ، فالفطرة الملهمة التي يملكها هذا المنتج ( الجبوري ) استطاعت أن توظف خلق جديد متدفق من ينابيع الثقافة الإنسانية الجديدة وموروثها الشعبي ، وكما أشارت أصابع التاريخ الى معلمنا الكبير ( مظفر النواب ) كشاعر معاصر حركته فطرته وإلهامه الاستثنائي على تحريك القصيدة الشعبية الحديثة بأساليب مبتكرة جديدة أهمها الإيقاع النظمي المفتوح على أكثر من وزن في النص الواحد تؤطره صور رمزية مبتعدة عن النمطية السائدة في القصيدة الكلاسيكية ، وقريبا لهذا النهج الجميل الراقي جاء ديوان ( ضمير أبيض ) بحرفية واقعية لأسلوب القصيدة المتناغمة مع الذوق والإحساس كصناعة شعرية نموذجية ضد المباشرة السطحية والخطابة المترهلة وهي تحمل من القوافي الجميلة الأنيقة مرتكزات لثوابت النص أدرك من خلالها ( الجبوري ) متطلبات القصيدة الحديثة والولوج الى متونها العالية ، فقد أشتغل على أوزان مختلفة ك ( النصاري ، التجليبة ، الموشح ، البحر الطويل ، النايل ) ، وحظيت النصوص العمودية بالقسم الأكبر من نصوص الديوان بمقوماتها الحديثة الخالية مما هو سائد حاليا من تشابه الصورة في التقليد العشوائي لدى بعض الشعراء المهتمون بضبط الوزن والقافية فقط دون الالتفات لمعنى الصورة الجمالية التي تملك الوعي الثقافي والقادرة على التوصيل والتأثير بوهج متدفق يستطيع شاعرها التمسك بعنانها والصعود لرابية الإبداع ، فقد وجدنا هذا الوهج الفني الحديث في كافة نصوص ديوان ( ضمير أبيض ) وبخاصة في النصوص التي كتبت بعد التغيير فقد حملت تقنية شعرية عالية تشير لروح الماضي والحاضر كطائر محلق بإطار ثقافتنا الجديدة ، ففي قصيدة (نسمات حلية ) وهي من وزن الموشح أستطاع هذا الطائر من التحليق حول مدينته ( الحلة ) ويلتقط صورا عديدة للزمان والمكان فاتحا أفاقا جمالية تظل مستمرة في الحفاظ على طيبة أهلها ، مفجرة في الوقت نفسه ينابيع روح المحبة في روح شاعرها ( الجبوري ) المقيمة في مقاهيها وشوارعها ، هذه المدينة التي تغفو على ضفاف الفرات منذ الأزل ، وسنينها تتساقط مهاجرة الى العالم الآخر كضريبة يدفع ثمنها الطيبون .
أما قصيدة ( صبرا يا عراق ) وهي من وزن الهزج فإنها تخرج من وظيفتها الشعرية الى ما هو أكثر تأثيرا للتواصل مع الجرح العراقي النازف دما طهورا ، وتحلق مع أرواح الشهداء من خلال طرحها لحقائق موضوعية جريئة لتعمق فهم الأوضاع لبني جلدتنا وتضحياتهم بأرواحهم دفاعا عن القيم والأخلاق الوطنية والثبات على الحق والعدالة ومعايشة المحرومين والموزعين ، وممارسة النقد الجرئ للمسئول الذي أستغل هؤلاء للصعود لكراسي السلطة .
أما القصائد الشعرية النثرية فقد اختزلت القيم الإنسانية من صميم الذاكرة الشعبية كقناة تمكنت من الوصول الى المتلقي بسهولة وعفوية ، بمهارة عالية لسرد الحدث الموضوعي واستلهام فكرة العمل المبدع المغاير ، وهذه القصائد كانت بالحقيقة مؤجلة وبعيدة عن مواجهة السلطة حينذاك ، وغير خاضعة لرقابة المسئول وأثبتت الآن أنها بخير وتتمتع بلغة محببة عالية تكتسب حضورها اللافت وهي محرك قوي لمدارك الجماهير ، ولم تفقد بريقها السبعيني ولابد القول إن منتجها الشاعر ( حامد كعيد الجبوري ) هو من الشعراء الذين تأثروا بالقصيدة النثرية التي أنتجت نهاية الستينات من القرن الماضي ، شأنه شأن مجايليه من تلك الحقبة المثقفة الواعية التي أثرت وأثرت في واقعنا الأدبي الشعبي ، وإن تعميق معرفتنا بالنصوص وبدايتها ليس من باب التفتيش عن الأخطاء في العروض أو القافية وضعف الإيقاع بقدر بحثنا عن مدى التأثير والتوصيل الإبداعي المنشود ، وهذا ما أنتجه ( الجبوري ) بقصائد تخلو من الهنات الوزنية واهتمامه بجمالية الصورة وتأطيرها بشكل جميل يصل الى المتلقي بسهولة وبقصدية الشاعر ( الجبوري ) ، ومعلوم أن الشاعر ( حامد كعيد الجبوري ) لم يحضر ولم يشارك في أي فعالية شعرية قبل السقوط لأسباب يحتفظ بها لنفسه ، ورغم هذا الانقطاع إلا أن نصوصه شكلت نجاحا ملحوظا ومشارا اليه بعد السقوط ، وللحقيقة أقول أن الشاعر ( الجبوري ) لم يعرف رقصة ( نطنطة ) القرود ( السعادين ) على موائد مسئولي السلطة ورموز النظام السابق ، ولم يرتشي وينتشي بأوسمة وهدايا رخيصة من الأسرة الحاكمة المجتثة ، ويعتبر ( الجبوري ) قصائده بمثابة أفراد عائلته وأشار له الباحث د ( محمد عوده سبتي ) قائلا ( الشعر لدى ( الجبوري ) رسالة إنسانية تعبر عن إرهاصاته وهواجسه المتعلقة بجسد المجتمع ) ، وفعلا كان هكذا وشاهدي لذلك ديوانه البكر ( ضمير أبيض ) ، فضميره الأبيض صوت للإنسانية وصوت للعراق الناهض ، و ( ضمير أبيض ) نهر أبداعي حلي عراقي كبير .
--------------------------------

الثلاثاء، 13 ديسمبر 2011

عراق بلا انهار ولا أشجار-كاظم فنجان الحمامي



عراق بلا انهار ولا أشجار
جريدة المستقبل العراقية في 13/12/2011
كاظم فنجان الحمامي
ليست هذه نبوءة من نبوءات (نوستراداموس), ولا حكاية من حكايات العرّافات لقراءة طالع الميزوبوتاميا, ولا ظاهرة جغرافية طارئة قد تختفي بتغير الفصول والمواسم, أو تتلاشى بتحسن عوامل الطقس وتبدل الظروف المناخية, ولا هي رسالة تحذيرية عابرة من رسائل أصدقاء البيئة, إنما هي كارثة حقيقية مفزعة ستجتاح العراق برمته من شماله إلى جنوبه, وفاجعة مأساوية تهدد ملامح الحياة ومقوماتها في الاهوار والأرياف والسهول والوديان, كارثة محدقة بنا أكدتها المعطيات والاستنتاجات العقلية والمنطقية والسياسية, وأيدتها التقارير الدولية, وعززتها مؤشرات الجفاف والاضمحلال التدريجي, التي لمسناها على ضفاف الأنهار المتصحرة, وسجلتها الجداول والسواقي والترع وسط العراق وجنوبه, بحيث ظهرت جلية للعيان بعد انخفاض مناسيبها إلى المستويات الطينية الوحلة, حتى فقدت الأنهار مياهها بعدما جفت منابعها, وتقطعت شرايينها, وأصبحت في عداد الموتى بشهادات وفاة رسمية كُتبت على نعوش انهار (الوند), و(هوشياري), و(السويب), والكرخة, والكارون, وغيرها, وكانت مسبوقة بنداءات استغاثة أطلقتها الأنهار الأسيرة الواقعة خلف قضبان السدود والنواظم القسرية الجبارة. .

ففي الوقت الذي تلوذ فيه المؤسسات العراقية الاروائية والزراعية والتخطيطية بالصمت المطبق, وتنشغل فيه الكتل السياسية بصراعاتها العقيمة القديمة المستديمة, وتلهث فيه المحافظات خلف سراب التقسيمات الإقليمية (الدستورية), تواصل الحكومة التركية (الصديقة) تنفيذ مشاريع (الغاب) لإقامة أكثر من عشرين سدا منيعا لحجب منابع دجلة والفرات عن العراق, وتواصل الحكومة السورية (الشقيقة) تنفيذ مشروع جر نهر دجلة, لتغيير مساره العراقي, وتحويله بالقوة باتجاه الأراضي السورية, بتمويل مالي من الحكومة الكويتية (الشقيقة), بينما تواصل الحكومة الإيرانية (الصديقة) تنفيذ مشاريع (الأفق الأزرق) لتغيير مسارات الأنهار التي تغذي العراق, وتمنعها من عبور حدودنا الشرقية. .
وسنستيقظ من سباتنا في يوم قريب يخبئه لنا مستقبلنا المتعثر, لنكتشف أننا أصبحنا بلا انهار, ولا أهوار, ولا بحار, ولا أشجار. وربما تكتشف أجيالنا القادمة أن زعماء قبيلتنا هم الذين اختاروا الوقوف على التل, ولم يتصدوا لمخططات القبائل, التي نفذت ضدنا أبشع جرائم التجفيف والتزحيف والتحريف والتجريف, التي استهدفت أنهارنا كلها من (الزاب الأعلى) إلى (السويب الأغلى), وهم الذين شاركوا بكتابة شهادات الوفاة, وحضروا مراسيم التشييع والدفن والعزاء, من دون أن يذرفوا دمعة واحدة على أرواح الجداول الميتة والمفقودة والمطمورة, ومن دون أن يتألموا على الأنهار التي وقعت في الأسر, أو التي تحولت إلى قنوات آسنة لتصريف المجاري الإيرانية, ومن دون أن ينتبهوا للمشاريع التركية الجبارة في هضبة الأناضول, فلم يعترضوا على مخططات السلطان الطيب (أردوغان) حامل لواء الإمبراطورية العثمانية الجديدة, ومساعيه الحثيثة الخبيثة لبناء أكثر من عشرين سداً فوق منابع دجلة والفرات, ولم يحتجوا على محاولات سوريا لجر نهر (دجلة), وتحويل مجراه من الأراضي العراقية إلى صحراء الحسكة, بل أنهم لم يبدوا حتى هذه اللحظة أي اهتمام بهذه الفاجعة الجغرافية المعقدة, التي عصفت ببساتين أرض السواد وحقولها, وقطعت شرايينها الاروائية من الشمال إلى الجنوب, ولم تكن الاحتجاجات الخجولة, التي أطلقتها بعض المنظمات الاجتماعية من باب التكسب السياسي تتناسب مع تاريخ ومستقبل الممرات الملاحية المهددة بالاختناق بعد اكتمال سدود ميناء مبارك, ولا تليق بتاريخ شط العرب, الذي فقد اسمه العربي وصار (أرفند رود), وتحول إلى مثانة عملاقة ممتلئة بفضلات مجاري مدينة عبادان والمحمرة, وهكذا تراوحت المواقف المتأرجحة بين التخاذل المتجدد والإهمال المتعمد.

اعترفت سوريا أكثر من مرة عبر وسائلها الإعلامية بأن ما تحتاجه من مياه الري ستسحبه من حصة العراق في الوقت الذي تفرض فيه سيطرتها الكاملة على الفرات, وأنها ماضية في تنفيذ مشروع جر نهر دجلة, عن طريق تحويل مساره عنوة إلى أراضيها عبر قناة (عين ديوار), وهي قناة صناعية بطول (29) كيلومتراً, ثم تندفع المياه بقوة في نفق طوله (20) كيلومتراً يخترق جبل (كراتشوك), وتواصل تدفقها بسعات تصريفية هائلة في قناة صندوقية بطول (30) كيلومتراً, تتفرع بعدها إلى قناتين مفتوحتين متباعدتين, الأولى بطول (132) كيلومتراً, تنتهي عند سد (الثامن من آذار), والثانية بطول (124) كيلومتراً, تنتهي عند سد (باسل الأسد), وتتوسط المشروع مضخة عملاقة عند سد (السابع من نيسان), وستتراكم الآثار الكارثية لهذا المشروع فوق الآثار التدميرية لمشروع سد (أليصو) الذي أقامته تركيا على نهر دجلة, ضمن سلسة السدود التي باشرت بتنفيذها, في إطار مشاريع (الغاب), وبخطوات هندسية غير مسبوقة, ولا تتماشى أبداً مع أحكام القانون الدولي, وتتعارض مع قواعد العدل والإنصاف, ولا تقبلها الأعراف الحضارية, فجاءت تسميتها متطابقة تماماً مع مبادئ شريعة (الغاب), ما دفع جمعيات (أنصار البيئة), وجمعيات (الدفاع عن حقوق الإنسان) في القارة الأوربية لتبني مواقف شجاعة وحازمة في توجيه الانتقادات اللاذعة للحكومات, التي تنوي تجفيف العراق وحرمانه من موارده المائية, وكان لتلك المواقف الإنسانية أثر واضح في التطورات التي أدت إلى انسحاب الشركات البريطانية والايطالية والسويدية, التي عولت عليها تركيا في تنفيذ السدود العملاقة على دجلة والفرات, في حين لم تنسحب الشركات الإسرائيلية, وواصلت نشاطاتها المعادية للعراق, وقامت حكومة (تل أبيب) بتمويل معظم مشاريع (الغاب), وقدمت لها التسهيلات السخية, وساندتها بالخبرات التقنية, وزجت بأكثر من (75) شركة إسرائيلية, في مشاريع بناء السدود الضخمة لقطع مسارات دجلة والفرات, وتحويلها إلى نهر (مناوغات), الذي تتطلع إسرائيل لشراء مياهه من تركيا لتلبية احتياجات مستوطناتها, وربما تسعى من وراء مشاركتها في (الغاب) إلى تأكيد حلمها الصهيوني القديم, وتوسيع نفوذها على الأرض من النيل إلى الفرات.

وفي الوقت الذي يتعرض فيه العراق لأبشع أزمات المياه العذبة, التي تجلت صورها المؤلمة بجفاف العشرات من الروافد والجداول والسواقي والأنهار بقرارات جائرة ومشاريع متعمدة تبنتها الحكومات الإيرانية والتركية والسورية, جاءت الكويت لتشترك معهم في الحرب المائية المعلنة ضد العراق, وتستخدم ثقلها المالي كله لتزيد الطين بلة, وتشغل الفراغ الذي تركته الشركات الأوربية, التي استحت من نفسها, وأعلنت الانسحاب من المشاريع التركية المكرسة لتعطيش العراق وتجويعه, فهل صارت الشركات الأوربية أرحم من جيراننا وأشقائنا وأبناء عمومتنا ؟, أم أن دول الجوار تخطط لإيذاء الشعب العراقي المنكوب ؟, ثم ما الذي ستجنيه الكويت من وراء تمويلها لمشاريع تستهدف إصابة العراق بأضرار كارثية ؟. وما الفائدة التي ستحققها سوريا باستحواذها على حصة العراق المائية وتبذيرها في الكهوف والوديان الوعرة ؟. ترى هل سيكون العراق بهذا الحال, وتحت ضغط هذه الأوضاع التآمرية المتواصلة لو كان جيرانه من الهنود والمكسيكيين والفيتناميين واليابانيين والسريلانكيين والأرجنتينيين ؟. وهل سيتعاملون معنا من دون رحمة, ويقطعوا علينا الأنهار والروافد, ويفرضوا علينا الحصار المائي بعشرات السدود والنواظم, ويحرمونا من مياه الشرب والري ؟, وهل سيستمر الحال على ما هو عليه, وتمضي دول الجوار في تنفيذ مخططاتها وبرامجها المائية العدائية, من دون رادع ولا وازع ؟, وهل ستتحقق نبوءة المنظمات الاروائية العالمية بزوال دجلة والفرات بحلول عام 2040, وهذا ما توقعته منظمة المياه الأوربية, التي تنفرد بدقتها ومصداقيتها في تشخيص تداعيات الكوارث المائية, وهي أول من توقعت جفاف الفرات, وأول من حذر من اضمحلال نهر دجلة, وأول من حذر من حدوث انقلابات خطيرة في خارطة العراق المائية, وحددت المنظمة العام 2040 موعدا نهائيا لهذه الكارثة, وهو العام الذي سيصبح فيه تعداد نفوس العراق في حدود (75) مليون نسمة, ونترك لرجال التخطيط وعباقرة السياسة في العراق مهمة رسم التداعيات, التي سيفرزها هذا المشهد المأساوي بعد ربع قرن من الزمان. .
نحن يا جماعة الخير أمام كارثة حقيقية تكلمت عنها المنظمات العالمية بإسهاب, واتخذت على خلفيتها قرارات, تبناها الاتحاد الأوربي في تعامله مع الحكومة التركية, بحيث منع الشركات البريطانية والايطالية والفرنسية من المشاركة في تنفيذ عقود المقاولات المنوطة بها في مشروع (الغاب), حتى لا تكون طرفا مساهما في تعطيش العراق بإنشاء أكثر من عشرين سداً عملاقا لمنع تدفق مياه دجلة والفرات باتجاه العراق, في الوقت الذي نمعن فيه بتعميق علاقتنا مع تركيا, وكأننا لا نعلم بما ستؤول إليه أحوالنا بعد اكتمال المشاريع التركية لتعطيش العراق كله, وحرمانه من الماء. .
الإيرانيون يجففون منابع الأنهار والروافد على هواهم من دون رادع, والأتراك يقيمون السدود العملاقة لتجفيف دجلة والفرات على كيف كيفهم, وسوريا تتعمد سحب ما تبقى من نهر دجلة على راحتها, وتسعى لجره إلى أراضيها من دون أن يحتج عليها أحد. وتمضي دول الجوار في ارتكاب الانتهاكات الصارخة لأحكام وقواعد القانون الدولي, من دون أن يتقدم ضدها العراق بشكوى رسمية في المحافل الدولية, ومن دون أن يظهر اهتماما حقيقيا بملفاته المائية المرمية على الرفوف, والانكى من ذلك أن مؤسساتنا العلمية تقيم المؤتمرات, وتعقد الندوات داخل العراق لتشخيص تداعيات موجات التسونامي في اليابان, وتتعمق في دراسة الأعاصير والزلازل التي رافقت التغيرات البيئية المفاجئة في فلوريدا, لكنها لم تبد اهتماما بفاجعة أنهارنا المجففة, وجداولنا المتصحرة, وكأن الأمر لا يعنيها لا من بعيد ولا من قريب, والمصيبة الكبرى أن بعض مراكزنا العلمية والسياسية هي التي صارت تعطي الضوء الأخضر لدول الجوار لكي تشجعها على تنفيذ مشاريعها العدوانية ضدنا, وهي التي أعطت الضوء الأخضر للكويت لكي تدفعها لتنفيذ مشروع ميناء (مبارك), الذي سيقطع شرايين ممراتنا الملاحية المؤدية إلى موانئنا, وعبرت أكثر من مرة عن مباركتها لمشروع (مبارك) في بياناتها التي قالت فيها: أن الميناء لا يؤثر على سير الملاحة في خور عبد الله. .
فالملف المائي هو الذي يفترض أن يحظى بالأولوية والأهمية, وهو الذي يفترض أن يتصدر عناوين الأخبار في الصحف والفضائيات, ويتصدر مفردات التطلعات المستقبلية في أجندات الكتل السياسية, وهو الذي يفترض أن يكون في مقدمة الخطب والمحاضرات التوعوية في المساجد ودور العبادة, ولا نغالي إذا قلنا انه ينبغي أن يكون من ضمن مفردات المقررات الدراسية لكل المراحل من الابتدائية إلى الجامعة, فالمسألة مسألة مصيرية, مسألة حياة أو موت. خصوصا بعد أن أصبح العراق من الأقطار المهددة بالجفاف, وها نحن اليوم نقف موقف المتفرج الحائر على مسافة ربع قرن من فقداننا لدجلة والفرات, من دون أن نطلق صيحة احتجاج واحدة بوجه الأقطار المجاورة, التي سعت, ومازالت تسعى لتنفيذ مشاريع تعطيش العراق وأهله, ولم نستفد حتى الآن من مواقف المنظمات الدولية, التي فتحت آذانها لسماع الاحتجاجات العراقية. .
فمتى تتقدم الحكومة العراقية بشكوى رسمية في المحافل الدولية ضد الأقطار, التي حرمتنا من مياه الشرب, وقطعت عنا الجداول والسواقي من منابعها, وجففت الأنهار والروافد, وستتسبب في تعطيشنا وتدميرنا وتجويعنا وتشريدنا ؟؟.
ختاما نقول: أن من يحب وطنه ينبغي أن لا يتأخر في الذود عن أشجاره وأنهاره وبحاره وأهواره, ومن يحب شعبه ينبغي أن يصون ممتلكاته ويحمي موجوداته بكل الوسائل والأساليب والطرق المتاحة وغير المتاحة, فالذي يولد زاحفا لا يمكنه التحليق والطيران, والنجاح في المهمات الصعبة جبلاً وعراً لا يمكننا تسلقه نحو القمة وأيدينا في جيوبنا. . .
والله يستر من الجايات. . .

الثقافة أخلاق !!!,أم الأخلاق ثقافة ؟-حامد كعيد الجبوري


الثقافة أخلاق !!!
أم الأخلاق ثقافة ؟
حامد كعيد الجبوري
ربما نتساءل ما هو فحوى هذه العنونة لهذه الموضوعة ؟ ، وهو سؤال قد يثير الدهشة للكثير وأنا منهم ، يفترض للمثقف أن يحمل الأخلاق قبل حمله للثقافة ، وبخاصة أن أردت أن تتخذ من ذلك المثقف صديقا ، والكثير من حملة الثقافات لا تجد فيهم هذه الميزة لنتخذهم أصدقاء ، وهنا يبرز سؤال لابد منه وهو من المثقف ؟ ، وهل الذي يبحر بزورق ثقافي واحد هو المثقف ؟ ، أم الذي يبحر بسفينة الثقافة هو المثقف ؟ ، وأعني بسفينة الثقافة كل فروعها الثقافية من أدب ،وعلوم ، ومسرح ، والدراسات الاجتماعية ، والسياسية ، والتجارية ، والصناعية ، والزراعية ، وما الى ذلك ، ومثل هذا المثقف الذي يعي أغلب هذه الفجاج يمكن أن نسميه بالمثقف الشمولي ، ومن يتخصص لوجه واحد نطلق عليه المثقف المختص ، ومجموع هذه الثقافات أن لا تؤطر بالخلق الرفيع فيعني أن ذلك المثقف غير مستكمل لشروط الثقافة كما أراه ، ولابد للثقافة من دفة تسيرها ، وأعني بذلك وزارة الثقافة ، وكل هذه المقدمة بسبب أن وزارة الثقافة تتعامل مع الشريحة المثقفة العراقية ، وهي أخطر شريحة مجتمعية بسبب سطوتها وحضورها الفاعل إعلاميا وأعني المثقفون ، قسم من المثقفين يرون أن مكانهم الطبيعي هو ذلك الكرسي الذي يجلس عليه وزير الثقافة أو وكلائه أو مدرائه العامون ، وقد يكن مصيبا بما يطرح إلا أن الواقع السياسي العراقي غير ما يحلم به المثقف بسبب المحاصصة الحزبية والعرقية والدينية والمذهبية ، وفي كثير من الأحيان يجد المثقف نفسه أفضل بكثير من صاحب الموقع الذي شغل ، وأكرر ربما هو مصيب بذلك أيضا ، وقسم آخر من المثقفين يجدون أن وزارة الثقافة هي وزارة هامشية ليس لها إلا الإيفاد والسفرات غير المجدية نفعا لثقافته التي يراها ، متناسيا ان الوزارة لها علاقات ثقافية يجب أن تمتد خيوطها لتلتحم بالثقافة العربية والعالمية من خلال هذا التواصل المعرفي ، وقد يكن المثقف مصيبا نوعا ما بما يراه أيضا ، ويعترف الكثير من كبار موظفي الوزارة بهذا الطرح ، وهنا يبرز تسائل آخر ممن يقرأ هذه الموضوعة ويقول لم تريد أن تكتب عن وزارة الثقافة ؟ ، وهل كتابتك تعتبر تزلفا وتقربا نحو هذه المؤسسة الحكومية الثقافية الكبيرة ؟ ، وهنا علي أن أرد على مثل هذا التساؤل وأحيل لمن يتهمني هكذا أن يقرأ مواضيعي وقصائدي من خلال الصحف العراقية ومنابر الأعلام الألكترونية كالحوار المتمدن وموقع الناس وغيرها ومثلها الكثير ، ولست باغيا من وزارة الثقافة العراقية أي شئ فأنا موظف عسكري متقاعد ، ولي نشاطاتي الكثيرة ولست بحاجة لوزارة الثقافة أن تسوقني إعلاميا أو ماديا ، ويعرف الجميع السمة التي عرفت بها منكرا لكل ممارسات الدكتاتورية المقبورة ، وحتى أن أسمي لم يكن يتداول بين مجاميع الشعراء أو الكتاب الذين طبلوا وزمروا لنظام أعتبر امتداحه سبة وسيئة أتحاشى لنفسي ولقلمي أن أدنسه بمثل هكذا أنظمة متهرئة ، بعد سقوط الدكتاتورية وصنمها لمزبلة التواريخ أيقنت أن علي أن أكرس جهدي وقلمي وصوتي للقادم الجديد سواء أحسن أم أساء ، بمعنى أدق أني مؤمن بالنظام الديمقراطي الجديد الذي يفرز الجيد من خلال صناديق الاقتراع ، مع قناعتي أن هذا الصندوق قد تصل له أياد خفية لتعبث به ، وواجبي وواجب كل ضمير حي أن يحاول بناء المجتمع الجديد ضمن الأطر الديمقراطية التي يجب أن تفرز الصالح عن غيره ، وليس حديثي عن وزارة الثقافة العراقية لكسب ودها لأضيف أسمي أو أسم من ينتمي الى إتحادي ( إتحاد الشعراء الشعبيين ) - وأنا أمين سره - لما يسمونه منحة الإبداع ، فوقت التسجيل انتهى وظهرت الأسماء جلية ومعرفة للجميع ، بمعنى أكثر دقة أن المبالغ محددة والأعداد حددت بموجبها فلا يستطع الوزير أو الوكيل أن يضيف أسما عليها ، وهذا جواب من يريد أن يتهمني بالتزلف والتسويق الإعلامي لوزارة الثقافة ، وأجد نفسي قد كتبت الكثير عن التجاوز والاستحواذ والقرصنة المشرعنة وغير المشرعنة للمال العام من قبل الكثير من الرموز الحكومية الكبيرة والصغيرة ، ووضعت أصبعي متحدثا عن الفساد الإداري والأخلاقي ، ولكني لم أتحدث عن إيجابية واحدة لمصلحة الحكومة الجديدة ، وهذا تقصير أجده غير مبرر مني ، وعلي واجب أخلاقي أن أشير للجيد ونشد أيدينا بيده لنرتقي صوب ما نطمح له جميعا ، لذا سأكتب عن الخلق العالي الذي يحمله الموظف الثقافي لتكتمل عندي وعنده الصورة المشرقة للمثقف الذي يحمل الثقافة ويحمل الأخلاق ، ومن هذا الطرح أتيت بعنوان الموضوعة ( الثقافة أخلاق أم الأخلاق ثقافة ) ، ومن الجميل جدا أن يجتمعا سوية الأخلاق والثقافة ليكونا شخصية تحمل كل الميزات الإنسانية الرفيعة ، وهذا ما وجدته بالسيد ( طاهر حمود الموسوي ) ، ولست راغبا بنعته وكيلا لوزير الثقافة ، بل جردته من سمته الوظيفية لأنها تزول وأسم الثقافة والخلق يخلدان ، استقبلنا برحابته المعهودة وأمتص زخم ثورتنا ضد وزارة الثقافة ، وأثبت بجهوده الشخصية بقاء إتحادنا الفتي ( إتحاد الشعراء الشعبيين ) مرفوع الرأس أمام التكتلات الكثيرة التي تحاول طمس مجهودنا الوطني ، بل أصر على وجود هذا الإتحاد بصفته المعنوية لأنه على علم بتطلعات هذا الإتحاد ، وأسجل شكري لمدير مكتبه السيد ( حيدر الشوكي ) والسيد ( باقر الشوكي ) ولحسن خلقهما وأخلاقهما النبيلة ، ولمن يعملون بمعية مكتبه ، ولا أغفل ما قدمه السيد ( رعد علاوي الدليمي ) مدير الإدارية والمالية بوزارة الثقافة الذي فتح لنا داره ومضيفه العشائري وأبواب دائرته لتقبل طروحاتنا التي تخص تشكيلتنا الثقافية ، والست الفاضلة ( ليلي خزعل ) معاونة المدير العام للإدارية والمالية هذه المثابرة الدءوب والتي يطلقون عليها موظفوها ( عمة ) فتصورتها طاعنة بالسن ولكنهم كنوها ب ( عمة ) حبا وتكريما لها ، وأسجل شكري للأستاذ ( قيصر سهيل ) ذلك الخلق العالي والاستقبال المكرم لمن يطرق باب دائرته فلا يكل من سؤال ولا يتردد عن فعل خير يقدمه ما أستطاع ، ولا أنسى الصديق الأستاذ ( عقيل المندلاوي ) مدير العلاقات الثقافية الذي هيأ لنا وبجهوده المثمرة لننجز لوزارة الثقافة أربعة مهرجانات وطنية بدعم وتمويل من وزارة الثقافة ، ومعاونه السيد ( مظفر ) لما يبديه من تفهم عملي لواقع المشهد الثقافي .
أتمنى أن نجد أشخاصا هكذا بوزاراتنا العراقية الأخرى ، وأعتذر ربما هم موجودون ولكن بحكم علاقتنا مع وزارة الثقافة لا نحتك مع الوزارات الأخرى .

الجمعة، 9 ديسمبر 2011

مقاهي بغداد..سمــر ومــواعيد وثقــافــة -د. سعدي شرشاب




مقاهي بغداد..سمر ومـواعيد وثقــافـة
نتشر في العراق المقاهي الشعبية التي تركت لها اسما وأثرا في الحياة العامة.
وقد يتذكر الكثير من العراقيين بعض هذه المقاهي وأثرها في المجتمع العراقي، كما ان معظم العراقيين ان لم يكن جميعهم قد اتخذوا من المقهى مكانا لقضاء أوقاتهم، أو للسمر فيه، أو اللعب، أو لقاء صديق فالمقهى جزء من الحياة اليومية.أثرت المقاهي، والشاي ايضا في الشعر العراقي بشقيه العامي والفصيح. في بعض ما ذكره الشاعر الفيلسوف عبود الكرخي دليل على هذا التأثر:

كون أنگلب فنجان
بيدْ الگهْوجي
وأوصل لحگك هواي
أنتحب وأبجي

أو قول الرصافي بعد موجة من تحويل بعض المقاهي الى ملاهٍ عام 1909:
أرى بغداد تسبح بالملاهي
وتعبث بالأوامر والنواهي
أو ما نسمعه من أغان فولكلورية تمتد لمئات السنين تتغنى بالشاي وتتغزل بالحبيب الذي يعد الشاي، ولعل أشهر هذه الاغاني:
خدري الچاي خدري
عيوني لمن أخدره
مالچ يا بعد الروح
دومچ مِجْدَره
Dim lights


أما أول مقهى فتح في بغداد كما يذكر الشاعر معروف الرصافي في مذكراته التي نشر بعضها وفقد بعضها الآخر فتم افتتاحه عام 1590م اسمه "خان جغان" في زمن الوالي العثماني "جغالة زادة سنان باشا" ايطالي الأصل وعينه السلطان "مراد الثالث" وحكم بغداد من 1586م وحتى 1590م.وقبل ان نذكر اسماء هذه المقاهي الشهيرة ومواقعها واسماء روادها لا بد ان نذكر الادوار التي لعبتها هذه المقاهي في الحياة الاجتماعية والسياسية في العراق، حتى اخضعتها السلطات المتتالية على حكم العراق للمراقبة الأمنية وارتبطت اسماء هذه المقاهي بأحداث العراق بشكل عام، بل أصبحت جزءاً من حياة العراقي.

1-ان هذه المقاهي كانت بمثابة ملتقى يومي لكبار العلماء والساسة وأصحاب الأعمال والمصالح، وللفنانين والأدباء والشعراء والمفكرين مثلما هي نادٍ للعراقيين من سكان المنطقة القريبة من المقهى، وبالتالي فالمقهى نادٍ ثقافي لعب دوراً أساسياً في الابداع في العراق..
2-لبعض هذه المقاهي صفات التجمع المهني مثل مقاهي التجار حيث يجتمع التجار ليمارسوا البيع والشراء وعقد الصفقات أو الالتقاء ببعضهم، ولعلها كانت تقوم بدور البورصة الحالية.
3-المقهى مكان استقبال بعض الضيوف واكرامهم حينما يتعذر استقبالهم في البيوت لأسباب مختلفة تفرضها الظروف المحيطة بالشخص.

4-وهو ملتقى الغرباء، اذ تجد عند كل محطة سيارات لنقل الركاب الى محافظات اخرى مقهى معظم ر
واده من تلك المحافظة التي تسير إليها الشاحنات والسيارات. مثل مقهى الناصرية في البصرة، وكذلك مقهى العمارة.
5-والمقهى مكان تسلية وقضاء وقت، أو تتحول بعضها الى ملاعب قمار، أما في رمضان من كل عام فتصبح المقاهي ساحات لعب خاصة بالشهر الفضيل اذ تنتشر لعبة "المحيبس" الشهيرة في العراق، ويؤم هذه المقاهي كل ليلة بعد صلاة التراويح العشرات بل المئات يتمتعون بلعبة المحيبس الجماعية، التي تمتد الى الفجر اذ تنتهي بفوز احد الفريقين ويتناول الجميع "البقلاوة" التي يدفع ثمنها الفريق الخاسر لتعاد اللعبة في اليوم التالي بفريقين آخرين جديدين.

6-ولعل المقهى مكان تجمع وطني وقومي سياسي، وكثيرا ما انطلقت التظاهرات والاحتجاجات من المقاهي التي تعتبر بؤرا وطنية، ينمو فيها الوعي السياسي وتتخذ مكانا لتجمع القوى السياسية والوطنية التي أسهمت في تاريخ العراق السياسي عبر اكثر من قرن من الزمن.

أما اشهر المقاهي وأهمها فهي:
مقهى فاضل في الصالحية.

مقهى علي النهر في الفضل.
مقهى الجمالي في باب الشيخ.
مقهى ياسين في شارع أبونواس.
مقهى المواصلة في شارع الرشيد.
مقهى أبوصفو في شارع السموأل.
مقهى سيد بكر قرب وزارة الدفاع.
مقهى وهب في الميدان.
مقهى القراءة خانة في باب المعظم.مقهى العبد في الباب الشرقي.
مقهى التبانة في محلة الفضل.
مقهى السوامرة في الكرخ.
مقهى النقيب في محلة قنبر علي.
مقهى بيت هيش في الكرخ.
مقهى حتروش في المشاهدة.
مقهى ماجستيك في الميدان.
مقهى عارف آغا في الحيدرخانة.
مقهى سبع في الميدان.
مقهى عزاوي في باب المعظم.مقهى البلابل في محلة البارودية.
مقهى ملاحمادي في محلة المربعة.
مقهى البهرزاوي
مقهى الخفافين سوق الساعجية.
مقهى الوقف مقابل وزارة الدفاع.
مقهى العكامة جسر الشهداء الكرخ.
مقاهي عكيل تقع قرب جامع عطا بالكرخ وهي ثلاثة مقاهٍ (مقهى حمادي) (مقهى رشيد النجفي) و(مقهى ياسين).


مقهى الشابندر شارع المتنبي.
مقهى المميز جسر الشهداء الرصافة.
مقهى ابو القاسم في الكرخ.
مقهى حضيري ابوعزيز الكرخ.
مقهى ابراهيم عرب شارع الرشيد.
مقهى البرلمان شارع الرشيد.
مقهى فتاح شارع الرشيد.
مقهى القيانجي شارع الرشيد.
مقهى السويسرية شارع الرشيد.

مقهى حسن عجمي
مقهى عبود بالمستنصرية.
مقهى ابو رزوفي الكرخ.
مقهى ناصر حكيم الكرخ.
مقهى البلدية شارع الرشيد.
مقهى خليل القيسي شارع الرشيد.
مقهى أم كلثوم شارع الرشيد.
مقهى اكسبريس فلسطين شارع الرشيد.
البرازيلية شارع الرشيد.

مقهى الزهاوي
مقهى النعمان في الاعظمية.
هذا عدد من مقاهي بغداد التي عرفت خلال اكثر من قرن من الزمن، وشكلت خريطة مكتملة لمعظم أرجاء بغداد القديمة، التي امتدت اتساعا في الخمسينات والستينات، وبلا شك فإن عددا من هذه المقاهي قد اعدمت بعد ان اتسعت بغداد. ما افقد العراقيين بعض ثراث مهم لأن هذه المقاهي كانت مراكز لشعراء وأدباء وتجار واعلام بغداد، وفيها من الذكريات والاحداث ما يؤرخ له في الحياة العامة
وهي شواهد لأحداث اكثر من قرن مرت على العراق. كما أرجو ان اكون قدمت رصدا من دون ان انسى بعض هذه المقاهي. ولعلي اقول لا بد وقد غاب عن ذهني بعضها خاصة وأنني اشعر ان بعض الثقوب قد ابتليت بها ذاكرة لم تزر الوطن خلال ربع قرن، إلا من خلال حلم ظل يعانقني طيلة الربع قرن التي انسلخت من عمري. ان بعض الاعلام من الشعراء والأدباء والمفكرين والعلماء والتجار والشخصيات الاعتبارية الاخرى ارتبط بواحد من هذه المقاهي، بل ان كرسيا معينا في المقهى يظل شاغرا الى ان يجلس عليه صاحبه من هؤلاء الاعلام.


مقهى قديم.. لاحظوا ملابسهم ..

*مقهى ابن صفو: يقع في شريعة المصبغة بجانب الرصانة، وهذا المقهى من اقدم مقاهي بغداد، ومن اسماء هذا المقهى "مقهى الشط" أو "مقهى التجار" كان صاحبها حسن صفو، وله اخ اسمه احمد صفو من اشهر قراء المقام العراقي وكان يغني في المقهى، في عام 1909 تحول المقهى الى ملهى ليلي غنت فيه "طيرة المصرية"، وطيرة جاءت من مصر قبل الحرب العالمية الاولى،
وغنت اشهر الاغاني العراقية "عبودي جا من النجف شايل مكنزية".
* مقهى عارف آغا: يقع في الحيدر خانة، بجانب المسجد المسمى بالاسم نفسه كان يلتقي في هذا المقهى كبار التجار وكبار الساسة والوجهاء والنواب والاعيان. وقد اتخذه معروف الرصافي مجلسا له يحيط به محبوه ومريدوه، وارتاده من الساسة ياسين الهاشمي، وحكمت سليمان. تحول المقهى بمرور الزمن الى دكاكين عامة.


مقهى سيد بكر: يقع بجوار وزارة الدفاع بين الميدان وباب المعظم، وقد اشتهر هذا المقهى بسباقات "الديكة" وكذلك "نطاح الكباش".
مقهى كلوزير: ذكره الرصافي في مذكراته، ملتقى الطبقة البرجوازية في بغداد، يقع بجانب باب وزارة الدفاع وبالق
رب من معمل احذية الكاهجي، هدم عام 1915 بعد توسعات شارع الرشيد.
مقهى سبع: صاحبه سبع اشهر قهوجي في بغداد، يقع المقهى في الميدان.

وكان يستقدم عددا من المغنيات ومنهن "رحلو الملعية جرادة" و"شفيقة الحلبية" وقد ذكرها الشاعر ملا عبود الكرخي في قصائده الظريفة:
هذي "رحلو" رحلة الصيف وشتاء
ما اظن يوجد مثلها بالنساء
ب "كهوة سبع" انظر الى الحورية
شفيقة بالأصل يمكن "حلبية"
ومما يذكر عن هذا المقهى ان الشاعر ابراهيم الباججي اطلق النار على فتى سوري "حلبي" جميل، ومات الحلبي في مستشفى الغرباء بالكرخ. وقد رثاه الشاعر عبود الكرخي مثلما رثاه معروف الرصافي عام ،1907 ولأن هذه القصائد تؤرخ مقتله وهي جميلة تعبر عن روح أهل بغداد، فإنني اذكرها هنا مع الاشارة الى ديواني الرصافي والكرخي.

يقول معروف الرصافي:
فأطلق من مسدسه رصاصاً
به في الرمي تنحرف الجسوم
فخر الى الجبين به "نعيم"
كما انفضت من الشهب الرجوم
سأبكيه ولم أعبأ بلاح
وأندبه وان سخط العموم
ولما ان ثوى ناديت أرخ
ثوى قتلاً بلا مهل "نعيم"
اما الملا عبود الكرخي فيقول في قصيدة رثائه:
يا دگة الما تنحچي
سواها ابن الباچچي
خلو عليه التوبچي
وتضحك عليه الصبيان
اللطم لنعيم وجب
والدمع عالخد انسجب
كظه ويانه بس رجب
وصارت كتلته بشعبان
Dim lights

مقهى عزاوي: وهو من اشهر مقاهي بغداد، وكان يعرض مسرحيات خيال الظل "عيواظ وكركوز"، كما مثل في هذا المقهى اشهر الكوميديان القطري "جعفر آغا لقلق زادة" وكذلك مثلت فيه الفنانة عفيفة اسكندر، وهو يقع في باب المعظم قرب جامع الاحمدي، وقد غنى فيه ايضا اشهر مطربي ذلك العصر امثال نجم الشيخلي، واحمد زيدان، وقد ورد اسم المقهى في اشهر أغنية فولكلورية "فراگهم بچاني" والتي هي ايضا "يا لگهوتك عزاوي بيها المدلل زعلان".
مقهى البلابل: للبلبل اثر في حياة البيوت العراقية، ويندر ان تجد بيتا عراقيا من دون اقفاص البلابل "أنا العبد الفقير لم اترك هذه العادة، واستوردت البلابل من البصرة لتعيش معي في البيت، واستيقظ فجراً كل يوم على غنائها، والبلابل تفهم، وتتحاور لمن يعرف لغتها المهم ان هذا المقهى مخصص لمحبي البلابل في بغداد، يقع في محلة البارودية، ويحتفظ اصحاب البلابل بالأنسال من البلابل.

* مقهى التبانة: يقع في محلة الفضل بجانب الرصافة، كان يمثل فيه الممثل الكوميدي (ابن الحجامة) ويتبارى في النهار "الخرفان" وقد ذكر العديد من الشعراء الشعبيين في قصائدهم وهو من أقدم مقاهي بغداد.
مقهى الشابندر: يقع في شارع المتنبي، كانت مكاتب جريدتي "الكرخ"، و"جنزبوز" تقع في الطابق العلوي منه، وقد
غنى في هذا المقهى بشكل مستمر قارئ المقام المعروف "رشيد القندرجي".
مقهى العكامة: والعكامة مصطلح بالعامية العراقية يشير الى الذين يهتمون بقوافل الجمال، وكان من رواده العلامة محمد بهجت الاثري وكذلك الشاعر ملا عبود الكرخي، وقد هدم المقهى وأنشئ مكانه الجسر الحديدي.

مقهى حضيري أبو عزيز: يقع في منطقة الصالحية، صاحبه الفنان الخالد حضيري أبوعزيز أشهر فنان في مجال الاغنية الشعبية العراقية، وهو صاحب الاغنية الخالدة:
عمي يا بياع الورد
گلي الورد بيش

الخميس، 8 ديسمبر 2011

هل ستندلع حرب طائفية ؟- حسن الخفاجي

هل ستندلع حرب طائفية ؟

بقلم: حسن الخفاجي - 04-12-2011 | (صوت العراق) |
أليس غريبا ان تشكل خارطة الدول التي سقطت أنظمة الحكم فيها بفعل الثورات العربية ؟هلالا يحتضن البحر الأبيض المتوسط , طرفه في تونس وطرفه الآخر في تركيا . الكل يعرف ما للهلال من رمزية؟
من يعود لتاريخ ومسار الثورات العربية , يجد ان أول الداعين لمراقبة هلال الثورات العربية , كان السلطان العثماني اوردغان حين دعا من مقر السلطنة العثمانية , من بابها العالي في اسطنبول إلى تثبيت الرؤية الشرعية لهلال الثورة التونسية .
شجعت أحداث الثورات العربية السلطان اوردغان مدفوعا بمواقف عربية رسمية وشعبية مدعومة بتخاذل عربي , اعتبر مسار السفينة التركية , التي أبحرت لكسر الحصار عن غزة انتصارا عمد بدم الأبرياء الأتراك. شجعت كل تلك الأحداث نزعات الزعامة والوجاهة والحنين للعودة لماضي أجداده السلاطين العثمانيين . لقد تشجع الحفيد لان يمضي في مشواره نحو القمة .كانت إنذاراته للحكام العرب مترددة بين صعود ونزول , كأنها مؤشر بورصة تتحكم بقوة مؤشرها الأحداث على الأرض .لقد نجحت إنذاراته ونصائحه لحاكم مصر , غادر مبارك على عجل . لقد كان موقف اوردغان مرتبكا من ثورة ليبيا في أول الأمر , حسمه الدعم الغربي , وتوسل الثوار الليبيين واستجدائهم لمواقفه , ومظاهرات لبعض الليبيين , الذين نددوا بتصريحاته المتخاذلة من ثورتهم .هكذا فرضت الأحداث ان يكون باب السلطنة القديم في اسطنبول مقر الوافدين والطامحين للوجاهة والأضواء , كأن التاريخ عاد مئات السنين إلى الوراء , عندما كان أذلاء العرب يستجدون ويتوسلون رضا السلاطين العثمانيين عنهم حتى ان تركيا استضافة مؤتمرا للمنظمات الإرهابية والأحزاب والجماعات العراقية , التي تعمل بالضد من تجربة العراق الديمقراطية !.
لقد انهار نظام القذافي واكتمل رسم الهلال , لكن شرخا سوريا عند الحافة الشمالية يقطع الهلال في دائرته الأخيرة , هو ما يؤرق اوردغان . بسقوط النظام السوري سيكتمل رسم الهلال , الذي يحتضن البحر الأبيض ,ويبعد الثورات العربية من التمدد نحو دول الخليج !!.تركيا وقطر تلعب لعبة خطرة ستتضح نتائجها لاحقا
من يريد فك الشفرة الوراثية للتدخلات وانتقائية المواقف التركية وتدخلهم بشؤون المنطقة العربية , ما عليه إلا ان يرقب تحركات وزير خارجية تركيا دوود اوغلو , الذي استعاد دور مبعوث السلاطين العثمانيين , ل(مخاتير واختيارية) المناطق ورؤساء القبائل العربية, حضوره اجتماعا وزاريا لوزراء الخارجية العرب , اثبت دون أدنى شك ان السلطنة العثمانية تريد العودة إلى للحياة من خلال هلال أسلامي متحزب (اخوان مسلمين وسلفيين), حتى ان مسميات الأحزاب العربية الإسلامية الفائزة في الانتخابات التونسية والمصرية تشبه اسم حزب اوردغان. ظهرت بوضوح ملامح الهلال الاخواني , الذي يطمح اوردغان قيادته بعد نتائج الانتخابات في المغرب وتونس ومصر , التي فاز الإسلاميون فيها , تساندهم سيطرة الإسلاميين المتشددين في ليبيا
هل للشعوب العربية الثائرة مصلحة في عودة عقارب الساعة والعودة لزمن السلطنة وحكم الطرابيش !؟.
هبت شعوب البحرين وعمان واليمن والأردن معتمدة على قواها الذاتية طامحة بتغير واقعها السياسي المزري وحكامهم الطغاة . كانت شعوب تلك الدول تعتقد , ان ساسة الغرب واوردغان سيساندونهم مثلما ساندوا الليبيين والمصريين والتونسيين , لقد كانت التصريحات الرسمية الغربية خجولة وبلعت الشعوب المقلب الغربي مثلما بلعه العراقيون من قبل في انتفاضة العام 91 , حينما وعدهم الرئيس بوش الأب بالقيام بثورة ضد نظام صدام وتخلى عنهم .امتدت ثورات الشعوب المظلومة إلى العمق , الذي لا يرغب الغرب ان تثار فيه سحب الأتربة وعواصف التغيير, بعدما امتدت بعيدا عن هلال البحر المتوسط , وتمددت نحو الخليج والبحر الأحمر .حينها نامت عيون السلطان اوردغان والساسة الغربيين , عن القمع الذي تعرض له ثوار البحرين , فاستفرد حمد البحرين بمساعدة وتدخل سعودي عسكري بالشعب البحراني , واستفردت دبابات وطائرات وقناصة على عبد الله صالح بالشعب اليمني وهو يلاقي الدعم والرعاية من ملك السعودية , وخنقت ثورات وانتفاضات الأردنيين والعمانيين بمهدها !.
خط الثورات العربية يراد له ان يبقى يحتضن البحر المتوسط بعيدا عن منابع النفط !.
زعماء الخليج واوردغان يغذون المخدرين بهوس الطائفية ويبشرون بسطوع نجم خلافة إسلامية جديدة , يقودها سلطان عثماني عصري يلبس الملابس الغربية , لذلك يطمح الجهلة والمتخلفين لعودة هلال الخلافة!.عودة الخلافة وان كانت غير معلنة وغير رسمية وان كانت على شكل أحلاف وتكتلات ذات صبغة طائفية ستؤدي لاحقا الى إشعال فتيل حرب طائفية لا مصلحة للمسلمين فيها , الرابح الأكبر من يغذي هذه الصراعات عن بعد وعن سابق إصرار. الفائز من هذا الصراع -ان حدث- من يبقى على التل ينتظر ان يحسم احد الطرفين الصراع لصالحة . بعدها سيخرج هذا الفائز من الصراع منهكا وسيقبل بشروط الطرف القوي , الذي خطط وأوعز لهم بالتنفيذ حينها سيسلم "المنتصر المنهك"كل ما غنمه وما عنده ويكتفي بتنفيذ الأوامر الخارجية
السيناريو القادم يراد له ان يكون: أفول دور الأمراء والسلاطين وملوك النفط , وعودة الأضواء لحكم دولة الخلافة العثمانية ولو بشكل غير رسمي .عندها سيتحقق طموح اوردغان , في ان يكون أميرا للمؤمنين وسلطانا في ان واحد !!.
إذا تحقق هذا السيناريو- لاسمح الله - سيكون الصدام القادم عثمانينا إيرانينا مثلما خطط له بعناية وبمباركة غربية, عندها سيخسر الجميع وسيخر العرب كرامتهم ودولهم واستقلالهم .
وقتها ينطبق عليهم المثل العراقي (اليجي من أيده الله يزيده)
(عندما تخلو الجبال من النمور يكون القرد ملكا)
4-12-2011
Hassan_alkhafaji_54@yahoo.com

المواكب الحسينية الحلية-حامد كعيد الجبوري

المواكب الحسينية الحلية
موكب عزاء ( طرف الوردية )
حامد كعيد الجبوري
من المعروف ان للحلة الفيحاء مواكبها الحسينية العشر ، سبعة في الصوب الكبير ، وثلاثة في الصوب الصغير ، ( الطاك ، الجامعين ، جبران ، المهديه ، الجباويين ، التعيس ، الكراد ) وهذه هي مواكب الصوب الكبير ، و ( الوردية ، الكلج ، وكريطعه ) وهي مواكب الصوب الصغير ، كتبتُ في العام الماضي عن أغلب مواكب الصوب الكبير ووثقتها ونشرت ذلك على صفحات جريدة الفيحاء الحلية ، ووجدت أن محلة ( الكراد ) أكثر توثيقا بالصور والدلائل والوقائع من بقية أطراف ومواكب أهالي الحلة الكرام ، موكب محلة ( الكراد ) تأسس عام ( 1917 م ) ، ولديهم ما يثبت تاريخ تأسيس موكبهم وهي مخطوطة من القماش أكلتها دابة الأرض ( الأرضة ) فكتبوا غيرها مع احتفاظهم بمخطوطتهم القديمة وهذا دليل واضح على صدق إدعائهم .
يقول شيبةُ أهل محلة ( الوردية ) نقلا عن أبنائهم الأحياء ، أن محلتهم ( الوردية ) أقدم من تاريخ تأسيس موكب عزاء ( الكراد ) وغيره من المواكب الحلية ، ونقل لي قول أحد وجهاء محلة الوردية المرحوم الحاج ( علي حسون هجول ) تولد 1895 م قوله ، يقول لمحلة الوردية مسجدان ، الكبير يقع بمنتصف المحلة ، والآخر الصغير يقع في سوق العمار ، يقول ( علي هجول ) وعيت على المسجد الكبير ووجدت أن عالم الدين الذي يؤم المصلين فيه من بغداد وأستوطن محلة ( الوردية ) لهذا السبب ، وعند وفاته بقيت المحلة بلا أمام يؤم المصلين ، لذا أنتقل لمحلة ( الوردية ) قادما من صوبها الكبير ( الجامعين ) سماحة حجة الإسلام والمسلمين الشيخ المرحوم ( محمود سماكه ) وأشترى له دارا وأستوطن محلة ( الوردية ، وفي هذه المحلة أنجب أولاده آية الله الشيخ ( محمد سماكه ) رحمه الله ، وآية الله الشيخ ( علي سماكه ) رحمه الله ، وبقية أولاده وبناته ، ويقول المرحوم ( علي هجول ) كنت صبيا حين وفاة المرحوم الشيخ ( محمود سماكه ) ، وعند سماعنا بوفاته أخرجنا ( بيرغ ) المحلة ، وكل عائلة ممن تمتلك ( البيرغ ) أخرجته وأعددنا موكب عزاء لتشييع شيخنا الجليل ، وهذا الحديث يدل على أن محلة الوردية لها موكبها الحسيني الخاص بها ، ولو حسبنا عمر المتحدث الصبي ( علي هجول ) تولد 1895 م لخلصنا الى أن موكب عزاء الوردية الحسيني يرجع تأسيسه لبدايات العام 1900 م أو ما بعده بقليل ، وبذلك يكون أقدم موكب حلي كما يزعم أهالي محلة ( الوردية ) ، والمنطق يقول أن كل محلات الوردية بأطرافها العشر بدأت متواكبة بمواكبها الحسينية .
محلة ( الوردية ) مزيج متجانس من الكسبة والفلاحين وصغار التجار وكبارهم ، قلة من كبار السن يعرفون القراءة والكتابة وتعلموها من خلال الكتاتيب ، كل هؤلاء أدخلوا أبناءهم المدارس الحكومية فخرجت الأطباء والصيادلة والقضاة والمدرسين والمعلمين والموظفين بدوائر الدولة المختلفة ، وهي كباقي محلات الحلة الفيحاء فيها الغني الموسر ، والفقير المعسر ، وبين هذا وهذا الطبقة المتوسطة ، وفيها أزقة ( عكد ) كثيرة تسمى باسم أحد أفراد ذلك الزقاق ، ( عكد الشيخ ، عكد هجول ، عكد حسان ، عكد بشبوش ، عكد العلاك ) وغيرها ، وفي ( الوردية ) مجموعة أزقة صغيرة مجتمعة اصطلحوا على تسميتها ( البيات ) بسبب سكن عوائل من ( البياتيين ) – عشيرة البياتي – فيها ، ومنطقة ( السرحه ) ، وأختلف المحققون بمن مصر محلة ( الوردية ) وسبب تسميتها ، وأغلبهم يرى أن تسميتها جاءت من أنها مجموعة من البساتين التي تنبت الورد ، وكل عائلات الوردية ترجع لأصولها العشائرية ، وفيهم من عشائر خفاجة والجبور والبياتيين والجيلاويين وآل سلطان والسعديين والجصانيين وشمر والعزاويين والطائيين والربيعيين والفلوجي والمعامرة وبربن وآل السرحان وآل غلام وآل البراك وآل عبكه وآل الشوك والحروب والسامرائيين النازحين من سامراء واستوطنوا الحلة الفيحاء ، وبمرور السنين غادر السامرائيون مذهبهم الذي أتوا به واعتنقوا مذهب آل البيت الأطهار ، ومن عشائر السادة العلويين آل العلاك وآل وتوت والعميديين والحسينيين والصالحيين ، وعذرا أن خانتني ذاكرتي للآخرين .
تبدأ مراسيم العزاء الحسيني منذ الليلة الأولى لمحرم الحرام ، وبعد أن يستحصل مختار المحلة على الإجازة من دوائر الأمن المعنية ، ويعطي تعهده الشخصي بعدم المساس والتنديد بالدولة وتصرفها تنطلق مسيرة الموكب الحسيني ، يتجمع أهل المحلة مقابل بيوت آل البراك المعروفة ببنائها الحديث ومسقفاتها الجميلة ( الطوارم ) وهذا ما حدثني به الأستاذ ( قيس علي السماعيل السامرائي )، تتوزع المجاميع ( الجوكات ) فتصل لأكثر من عشرة مجاميع ، كبار السن تكون مجاميعهم مرددة للشعارات الحسينية فقط ، ومجاميع الشباب يتخللها الأطفال مجاميع ( لطم ) ، وبما أن أغلب الرجال من الأميين لذا يحتاجون لشاب أو أكثر ممن يجيد القراءة ليحفظهم ما يرددون ، بعد أن تتكامل المجاميع ينطلق موكب العزاء بالمسير ، كل هذه المراسيم تمارس بعد صلاة العشاء ، وكل محلة من محلات الحلة لها موعد للانطلاق صوب التجمع الأخير الذي يقام به ترتيل القصائد الحسينية ، وهناك لجنة منظمة لانطلاق المواكب الحسينية الحلية كي لا تزدحم بمحطتها الأخيرة .
أنا لم أعي تلك الفترة التي تحدث عنها السيد ( قيس علي إسماعيل ) وقوله عن مكان تجمع وانطلاق ( موكب عزاء الوردية ) بل وعيت على ( موكب عزاء الوردية ) ومكان تجمعه قرب مقهى ( رضا عبكه ) ، والمقهى تقع مدخل سوق العمار مقابل الجسر القديم ، تتجمع المجاميع ( المرددة ) للأشعار الحسينية ومجاميع ( اللطم ) من بداية الجسر على ضفاف شط الحلة ، وبعكس تيار الماء متجهة صوب الشمال وصولا لمقهى ( محمد الحايج ) ، يحمل ( بيرغ ) الطرف ذوو اللون الأبيض والمصنوع من القماش ( الحبر ) وهو قريب الى قماش الحرير ، يحمله الحاج ( عبد الأمير حمادي الطائي ) ومن بعده حمله أخوه ( محمد علي ) ، وأغلب عوائل الوردية لها ( بيرغها ) الخاص بها يحمله أحد أبناء تلك العائلة ، ولأن جارنا بنفس زقاقنا المرحوم ( محمد حسين الشهيب المعموري ) أذكر ( بيرقه - ( بيرغه ) – يحمله ولده الكبير ( كاظم ) ، ولآل ( هجول ) ( بيرغان ) أحمر يحمله ( جاسم ) وأسود يحمله ( جعفر ) ، و( بيرغ ) لآل ( جريدي ) ، وآخر لآل ( الجمل ) ، وآخر للسيد ( عبد الرضا العلاك ) ، و( بيرغ ) أخضر كبير يحمله السيد ( عباس العميدي ) بوقاره وشيبته البيضاء وعمته السوداء باسطا ( غترته الخضراء ) على كتفيه ووجهه يتصبب عرقا ، وأعتذر لأهلي من ( الوردية ) أن خانتني ذاكرتي بهذا الباب ، ويفرح كثيرا صاحب ( البيرغ ) الذي يعلقون فيه الناس من عملتهم الورقية او الحديدية شيئا من المال للتبرك وطلبا للنذر أن أنجزت له مهمة يوكلها الى الله سبحانه وتعالى بشفاعة الحسين ( ع ) وجده محمد ( ص ) وأبيه علي ( ع ) ، أما العملة الحديدية فتطوى بأطراف قماش ( البيرغ ) ، وهذا المال المتحصل بهذه الطريقة يستبدلون به قماش ( البيرغ ) أو يضيفون له من مالهم الخاص أن لا يكفي المبلغ لعمل وليمة أوما نسميه ( عاشور ) ويوزع ببركات الحسين ( ع ) وآل البيت الأطهار ، بالموعد المحدد ينطلق الموكب صوب حسينية ( أبن طاووس ) التي تقع في محلة ( السنية ) ، يعبر الموكب الحسيني نهر الحلي ( الجسر القديم ) الذي لا يزال قائما متحديا السنين ، وهو يقابل سوق الحلة الكبير في الصوب الكبير ، وينار طريق المعزون بواسطة الفوانيس و ( اللوكسات ) والمشاعل النفطية ، بعد عبور الموكب الجسر يتجه يمينا مخترقا الشارع و ( فلكة ) مديرية شرطة الحلة ، ومكانها الحالي هي ساحة ( الصدرين ) مقابل ( أورزدي الحلة ) ، ثم يسلك الموكب شارع المكتبات وصولا لساحة ( سعيد الأمين ) ، ثم ينحرف يمينا الى شارع الأمام علي حاليا ليصل الى ( حسينية بن طاووس ) ، يدخل الموكب الى الحسينية ويعتلي خطيب المحلة ( الرادود ) ليرتل قصيدته الحسينية على الموكب الحسيني ، ولمستمعي العزاء من الرجال والنساء الذين يقفون خارج الحسينية ، إضافة للرجال الذين يأتون من بقية المواكب من المحلات الأخرى للاستماع ( لرادود المحلة ) داخل الحسينية ، ووعيت أن مواكب الحلة كانت تنهي مراسيمها بديوان السادة ( القزاونه ) في محلة الجامعين ، ولأسباب سياسية سنأتي عليها لاحقا حين توثيق موكب محلة ( الجامعين ) أنتقل المعزون الحسينيون بنهاية مراسيم طقوسهم في حسينية ( أبن طاووس ) ، في ليلة ( القاسم ) تخرج كل مواكب الحلة وهي تحمل الشموع والورود والرياحين مرددين شعاراتهم الحسينية ، وكل موكب حسب توقيته المرسوم ، كل مجالس العزاء والمواكب الحسينية الحلية تقام في المساء ، ومواكب ( الزنجيل ) تقام عصرا ، أما صبيحة العاشر من المحرم تنطلق ( مواكب التطبير ) فجرا ، وبدءا من الساعة التاسعة تنطلق مواكب العزاء صوب ( أبن طاووس ) وكل حسب توقيته كما أسلفنا ، وبهذا اليوم يسير موكب عزاء ( الوردية ) مسافة أطول من مسير الموكب ليلا ، فيجتاز الشارع المحاذي لدائرة البريد الحالية ( بدالة الحلة ) وقبل بيت ( المتصرف ) يستدير الشارع نحو شارع المكتبات الحالي استمرارا ( لحسينية أبن طاووس ) ، وفي هذا اليوم يكن موكب عزاء ( الوردية ) أكبر مواكب الحلة تقريبا بسبب دخول أبناء القرى المجاورة الى المدينة للمشاركة بعزاء سيد الشهداء ، يروي لنا ممن هم أكبر سنا أن شجارات تحدث أحيانا بين المواكب في ما بينها لأسباب كثيرة أهمها أن المحلة ( الفلانية ) تتجاوز الوقت المحدد لها في البقاء في الحسينية ، مما يضطر الموكب الآخر البقاء في الشارع طويلا لينتظر انتهاء مراسيم المحلة التي تسبقه ، وربما هناك أسبابا أخرى لا ندخل بتفاصيلها ، وفي هذه الحالة فأن كل موكب يحتاج من الرجال الشجعان ليسير الموكب تحت ظلهم ، وفي محلة الوردية من هؤلاء الرجال المرحوم ( عبد الحسين أبو حميّد الجبوري ) ، يسير هذا الرجل متنقلا بين ( الجوكه ) الأولى والأخيرة وهو يحمل بكمه خنجره أو ( قامته ) ، ومنهم من يخرج معه أمه أو أخته لتحمل له تحت عباءتها سيفا أو ( مسدسا ) ، وسبب خروجهن لأبعاد الشبهة ومتابعة رجال الشرطة له بسبب منع حمل الأسلحة النارية والجارحة دون أجازة ، وبعد وفاة ( عبد الحسين ) نهض بهذه المهمة كثير من أبناء المحلة لسنا بصدد ذكرهم ، أعتلى المنبر الحسيني أكثر من ( رداود ) لترتيل القصائد الحسينية ، منهم المرحوم الحاج ( إسماعيل الجيلاوي ) الذي يقول عنه المرحوم السيد ( حسيني العلاك ) بأن للحاج إسماعيل رحمه الله صوتا شجيا وقويا جدا بحيث أنه كان يعتلي المنبر ويسمع صوته لمن هو خارج الحسينية دون استخدام مكبرات الصوت لعدم وجودها آنذاك ، وأعتلى المنبر أيضا المرحوم ( فاضل الخياط ) ، والسيد ( فتحي العميدي ) ، وأخيرا أستقر رأي وجهاء محلة الوردية على ( الرادود الحاج صبري جابر ) ولحين منع المواكب الحسينية من قبل النظام السابق ، والحاج صبري شاعر حسيني أيضا ولكنه كان يقرأ أكثر مجالسه الحسينية مرددا لقصائد قريبه المرحوم الشاعر الحسيني الكبير ( عبد الحسين صبره الحلي ) ، وأنجبت محلة ( الوردية ) أكثر من شاعر تقرأ له أشعاره أغلب ( أطراف ) الحلة ، ومنهم المرحوم الشاعر ( محمد علي بنيان الجبوري ) ، والمرحوم الشاعر ( صاحب الجمل ) ، والشاعر ( ملا عباس الربيعي ) .
توالى على ( مختارية ) محلة الوردية أكثر من وجيه من أهلها الكرام ، ولم تخرج هذه ( المختارية ) عن ( آل الحساني ) إلا بإرادتهم شخصيا ، بعد وفاة المرحوم ( جبار الحساني ) انتقلت ( المختارية ) لولده المرحوم ( هاتف الجبار الحساني ) الذي أستطاع أن يؤلف بين قلوب أهل الوردية وكأنه أب روحي لها ، وبعد وفاته رحمه الله لم ينهض أحد من ولده أو أبناء أخوته بهذه المهمة بسبب مشاغلهم الوظيفية ، وتناوبها الكثير من وجهاء محلة ( الوردية ) الكرام .
أعتذار
----------
أكرر اعتذاري لكل أهلي من محلة ( الوردية ) الذين لم أستذكرهم ، وهو مشروع بدأت به ولابد لي من أن أنهيه وهو تناول مواكب الحلة الفيحاء العشرة ، وأتمنى على كل من يملك معلومة خلاف ما ذكرته أن يصححها لي مع ذكر مصدرها لتكون وثيقة حية للتاريخ ، وليتعرف

السبت، 3 ديسمبر 2011

نزيف الكرامة-حامد كعيد الجبوري


نزيف الكرامة
حامد كعيد الجبوري

التاريخ أعله بابك منذهل حيران
أبيا صفحة إباء أيسطر أحروفه
وكف خاشع جلاله وإنحنالك راس
مدرستك فتحها وغلّك أصفوفه
أبدمائك خضب التاريخ للتاريخ
وبنالك كعبتك كل ثائر ايطوفه
( فداء لمثواك ) رتل مفخرة أجيال
ودموع المجد صفحاته مذروفه
دمعات النصر مو دمعة المهزوم
ولا معذور يختل حجِّته ظروفه
مدرستك رجوله وأنجبت أبطال
ثائر عكب ثائر يقره بطفوفه
رسم دربك (محمد) للزمن قنديل
كل كطرة شرف للدين ملهوفه
نبراسك (علي) جيد الزمن يلويه
وتسجدله الركاب أتهاب مرهوفه
رفّت رايتك من كبّرت لله
وخلدت (كربلاء) وخلّد أضيوفه
نزف دم الكرامة وقدمت قربان
طعمت الدين أهلك وأرتوى الجوفه
أنت (حسين) غيرك ما يصير (حسين)
ولا كبلك وبعدك معتني أحتوفه
نعم نهضت رجال أتلذذت بالموت
وركبوها الصعاب أبنيه مكشوفه
لو موقف أمكرر ما خلد ذكراك
ولا يندب الكون وشمسه مكسوفه
أسست الشهادة التضحية الإيثار
وعلّمت اليثور أيقدس سيوفه
مو قصة عطش ونعاتب النهران
ونلوم الفرات الما أجه زحوفه
شحيح (العلكمي) الما ضاك شفة (حسين)
لو واصل إشفافه خلدت أجروفه
****
من بحر الوفاء أشياخذ التاريخ
ويروّي للزمان أصدقها سالوفه
أبن (زينب) وأخوها ونخوة (الكرار)
وعصّابة (الحره) أبغيره ملفوفه
نزل ساحة مجد و(أم البنين) عيون
تشوف المرجله ويشرِّف الحوفه
مشه بيهم منيه وللمنايا أسرار
تمشي أبلا وجل بعيون مكفوفه
عاليها كلبها واليسار يمين
وجتاف النهر بجدامه منسوفه
أبجود (الجود) من نهر (الكمر) مليان
من صدر الأخوه وتحضنه أجفوفه
عطشان وكلب ( عباس ) يمطر طيب
مملي أبغيرته ومن زود معروفه
وصل لو ما وصل يحجيلك التاريخ
رغما جابه زندَه وطشَّر أصفوفه
ولا يحجي أبحرم و أعيال عطشانيين
ولا أطفال شردت بالفزع خوفه
ولا جثة صحابه أترض صدرها الخيل
بوحشية (الوحشي) وتقرع دفوفه
ولا النيران تحرك بالخيم وكلوب
ولا الحرات آسارى أمقيده مجتوفه
معسكر للرذيله وباللؤم مزروع
وأحقاد وضغينه وسيره موصوفه
سنوا للذبح والأسر والتمثيل
وتسليب وغدر وأخلاق محروفه
خناجر جاهلية والغدر مألوف
بس تذبح طفل ما عدها مألوفه
*****
خشوع الهيبتج تسموا القصايد شوك
بصدرج أنبياء الله محفوفه
أقارن وكفتج ويّه الرسُل وأحتار
رسالية الموقف نقرَه ونشوفه
نهضتي بالحمل مثل أنبياء الله
وموقف كربلاء أقدسها معزوفه
محد شاف دمعج يجذب البجاج
وكلبج ما تصدع عزمج يروفه
من خطبت أسيوفج نكست الرايات
أبديوان (الخلافه) ومسجد (الكوفه)
*******

غالب المسعودي - الوجودية الثقافية... والوعي التاريخي

غالب المسعودي - الوجودية الثقافية... والوعي التاريخي