الجمعة، 26 نوفمبر 2010
التاريخ الشعري وصنعته المعقدة-الشاعر محمد علي النجار- أنموذجا -بقلم حامد كعيد الجبوري
التأريخ الشعري وصنعته المعقدة
الشاعر محمد علي النجار أنموذجا
حامد كعيد الجبوري
عجيبة لغتنا العربية ، عصية على غير ناطقيها ، لذا سميت بلغة الضاد ، بمعنى أن غير العربي يجد صعوبة واضحة بالنطق حين تلفظه حرف الضاد ، ومقابل ذلك فإن لغتنا العربية الجميلة لها أسرارا لا يعرفها إلا المختصون باللغة العربية ، ومن هذه الأسرار القوة الحسابية لكل حرف من حروفنا العربية الثمانية والعشرون ، وقد صنفت حسب أبجديتها لهذه القوة الحسابية ، فمجموعة ( أبجد ) ذات الأربعة حروف تختلف قوتها الحسابية عن مجموعة ( هوز ) بقوتها الحسابية أيضا ، فحرف ( أ) له قوة حسابية تعادل الرقم ( 1 ) ، وحرف ( ب ) يعادل الرقم ( 2 ) ، وحرف ( ج ) يعادل الرقم ( 3 ) ، والحرف ( د ) يعادل الرقم ( 4 ) ، وصولا للرقم عشرة لحرف الياء في مجموعة ( حطي ) ، ومن ثم تتصاعد الحروف الى الرقم ( 10 ) و ( 20 ) ، وصولا للرقم (100) ، لتصبح ( 200) ، و( 300) ، وهكذا الى الرقم ( 1000) لتصبح بعدها ، ( 2000) ، و (3000) ، لنهاية الحروف الثمانية والعشرون ، وقد وجد الشعراء المؤرخون صنعة أتقنوها بتأريخهم الشعري ، وأقول صنعة حيث أنها تعتمد مسألة الحساب ، يضاف لها شاعرية كبيرة مجربة ، لتأتي صياغة أبياتها مسبوكة بشكل ملفت ، فإن جاءت القصيدة كما قلنا مضافا لها تأريخ شعري رائع عدت القصيدة وتاريخها فتحا لذلك الشاعر ، وبالمقابل هناك ناظم يتقن العروض ، ويتقن التأريخ الشعري ، لذا تأتي قصيدته وتأريخه لا تعدو كونها قصيدة وتاريخ ناظم بصياغتها ، وفي بعض الأحيان يأتي ذلك الناظم بتأريخ جميل يشار له ، دون التعرض لقصيدته وقوة سبكها بشئ من النقد ، والسؤال الذي يطرح نفسه ، هل تتقبل الذائقة الجميلة المرهفة شعرا لناظم ما يسمي نفسه شاعرا ؟ .
يعد الشاعر والباحث والمؤرخ الحلي ( محمد علي اليعقوبي ) ، صاحب الموسوعة الكبيرة ( البابليات ) من الشعراء المجيدين للتأريخ الشعري ، وكذلك الشاعر ( مجيد العطار ) ، والشاعر الشيخ ( صالح الكواز ) ، والشاعر السيد ( جعفر الحلي ) وغيرهم الكثير من الشعراء الذين تركوا أثرا واضحا بهذه الصنعة الشعرية ، ويمكن أن نعد الشاعر السيد ( محمد علي النجار ) آخر هؤلاء الشعراء الكبار لصنعة التأريخ الشعري .
وللإجابة عن التساؤل الذي طرحته أقول ، لنأخذ مثلا صغيرا بين أيدينا وهو الشاعر المجيد والمؤرخ الشعري الأروع ( السيد محمد علي النجار ) ، فهذا الرجل صياد ماهر للجواهر الثمينة كاللؤلؤ والمرجان والياقوت ، فالشاعر السيد محمد علي النجار حين ما يؤرخ لكبار الشعراء ، يأخذ بيتا أو شطرا أو جزءا من شطر كتبه الشاعر الذي سيؤرخ له ، ويبدأ التاريخ الشعري بعد هذه المفردات التي يقولها الشاعر ، ( تأريخه ، أرخ ، أرخت ، ) ، وهناك أمثال لحذف أو إضافة مفردة أو حرف سنوردها من خلال الموضوع ، ومثال لذلك ما قاله محمد علي النجار بحق الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري ، مؤرخا تاريخ وفاته ، مستفيدا من قصيدته العصماء فداء لمثواك من مضجع فيقول مؤرخا لتاريخ وفاة الجواهري الكبير فيقول ،
يقولون حل صرف الردى ...بساحة شاعرنا الألمعي
ومن كان في قمة المبدعين ... يحلق في الأفق الأوسع
فقلت جواهره لن تموت ... وتخلد في العالم الأرفع
وجدت لتاريخه ( شاهدا ... فداء لمثواك من مضجع )
311 +86 +597+90+913=1997 م
ومن جميل تواريخه هذه التورية مؤرخا لولادة حفيده علي أبن الدكتور أسعد النجار فيقول مؤرخا ،
حفيد سرنا الرحمن فيه ... وكم أسدى لنا الرحمن لطفا
وقال أبوه سموه ( عليا) ... فهذا الاسم بالتعظيم حفّا
ومن ذكراه في التاريخ ( دين ... علي الدر والذهب المصفى )
1404 هجري
وكما قلنا بحذف حرف أو مفردة – إسم أم فعل - ، فهنا يؤرخ لسقوط طاغية العراق قائلا ، ومنها ،
مضى ظلم صدام الى غير رجعة ... فإن مات لا تؤويه حتى المقابر
ولا يستطيع المرء إحصاء ظلمه ... وإن كثرت أقلامه والدفاتر
ففي كل بيت بالعراق ظلامة ... وآثار ظلم كلهن كبائر
فدع ( دال ) صدام وقد ( دال ) حكمه .. وأرخ ( على الباغي تدور الدوائر )
4 - 2007 = 2003 م
ومثال آخر للإضافة مؤرخا لوفاة الدكتور أحمد الوائلي قائلا ،
أنا إن بكيت خطيب آل محمد ... ومدامعي سالت من الأحداق
كررت ( أحمد ) حين قلت مؤرخا ...( يفنى الزمان وذكر أحمد باقي )
53 + 150+129+260+1483+= 1424 هجري
وأرخ السيد محمد علي النجار شعريا لأغلب مساجد وحسينيات الحلة الفيحاء ، ناهيك عن تواريخه الشعرية التي انتشرت بعموم العراق ، و الحواضر العربية ودولة إيران الإسلامية ، وآخر ما رأيت له من تاريخ شعري ، أرخ وفاة صديقه السيد حسن آل يحيى الموسوي ، ولا أريد أن أقول أي شئ بخصوص عمق العلاقة التي تربط السيد محمد علي النجار بصديقه الراحل السيد حسن الموسوي ، وقد أرخ لوفاته بالتاريخين الهجري والميلادي ، وسأترك للقارئ اللبيب استكشاف مواطن الجمال ، والحبكة الشعرية ، وصدق العاطفة ، والابتعاد عن الصنعة الشعرية ، ليقترب لمكامن القوة الشعرية :
فقدت أخا ساءني فقده ... وكنا رفيقين طول الزمن
تسامت لدينا نقاط اللقاء ... ولم يختلف سرنا والعلن
تقول تواريخنا ( أنها ... بدار الخلود مقر الحسن )
فلو جمعنا ، إنها = 57 ، + بدار = 207 ، + الخلود = 671 ، + مقر = 340 ، + الحسن = 149 ، لأصبح ناتج الأرقام 1424 سنة وفاة صديقه بالتاريخ الهجري ،
ويقول أيضا لصديقه الراحل مؤرخا رحيله بالتقويم الميلادي ،
أرى أيام عمري في صدود .. فهل ملت وجودي في الوجود
شبابي كل يوم في نزول ... وشيبي كل يوم في صعود
فقدت أحبة رحلوا تباعا ... وقد ضمّهم حفر اللحود
وأني لاحق فيهم قريبا ... وأسقامي على قولي شهودي
أضف ( حسنا ) على شعري وأرخ ... ( قضى حسن الى دار الخلود )
وهنا تبرز براعة الشاعر المؤرخ فإنه لم يجد لإكمال تاريخه الشعري إلا إضافة ( حسنا ) وقوتها الحسابية 119 ، وقضى 850 ، وحسن 118 ، الى 41 ، دار 205 ، الخلود 171 ليصبح تاريخ الوفاة عام 2004 م ، ما أجمل هذه اللغة العربية ، وما أبرع من صاغها شعرا ، أو نثرا ، أو تاريخا شعريا .
عام 1922 م ولد السيد محمد علي بن السيد محمد بن حسن ، ينتهي نسبه الى الإمام موسى بن جعفر ( ع ) ، في زقاق ( ليلَه ) من محلة ( المهدية ) من الحلة الفيحاء ، وسمي زقاقهم ب ( عكد ليله ) لأنهم يسرجون كل ليلة جمعة سراجا كبيرا لينير طريق المارة ، وتبركا بليلة الجمعة ، له طيلة العمر ليتحف المكتبة الشعرية التاريخية بجميل ما يكتب
الخميس، 25 نوفمبر 2010
ارحل الى عينيك-نص ولوحة غالب المسعودي
ارحل الى عينيك معتمرا سعي حجيج مسه هبل
وادو رعلى الشفتين سبعا اقبلها
واصرخ من نياط القلب
لبيك يا قبل
واني وتاء اللات لا انكر محبتها
حتى وان ضاقت بي السبل
لكن
دمع العين جمرا يهدهني
ويهوى...... من جاورت زحل
حبيبتي تتنسم عطري॥
عبر المسافات
تعرف أني
ادير النبض كسويداء القلب
وعشاقي كثر و ماناموا
و اني هدف هش
عصفور داهمته ريح عاصف تمطر رعد
يستظل باوراق الورد
يعرف أن، الورد
سيزهر
ويحكي القصة
في الغد........................
دغالب المسعودي
الأربعاء، 24 نوفمبر 2010
صدور كتاب جديد(حانة الشرق السعيدة)للكاتب علي السوداني
اعلان جاد عن صدور كتابي " حانة الشرق السعيدة "
علي السوداني
صدر عند خاصرة هذا الأسبوع المسبّع ، كتاب جديد لي أسمه " حانة الشرق السعيدة ... مختارات قصصية " وهو عبارة عن مصطفيات ومنتخبات من قصار قصصي وطوالها والحكايات ، كنت استللتها من بطون كتبي الخمسة البائدات ، مع تزييد وتمحيص وتصحيح وتهميش وشيل مفردة فائضة من هذه ، وتعديل جملة عرجاء من تلك . الكتاب صدر ونزل وتنزل من فيض بركات دار الأديب العراقية بعمّان وبغداد ، وراعيها وساقيها الفنان والفوتوغرافي هيثم فتح الله عزيزة وبمعونة نبيلة كريمة لا يراد منها جزاء ولا شكورا أتت من خراج مال صاحبي الورّاق الطبّاع ماجد حميد أبو سارة الذي كنت رننت كأسي بكأسه أول مرة ، في مجلس الطباع البغدادي المشهور مريوش أبو رمزي الذي من سكنته وجلاسه وسماره ، كان الطباع والتقاني حامد الجواري وهو من يطرّي ويجمّل ويحلّي خواتيم القعدة بلطائف وطرائف تضحك وتستأنس لها القوم السكرانة بالمحبة وبالمودة وبالراح حتى يكاد واحدهم من قوتها ، يسقط على قفاه ، وتبلغ ذروة المشهد الحميم في اللحظة التي يتفنن بها حامد البديع في تكوير فمه ليموسق ويدوزن وينوّط صوتاَ ظريفاَ تسميه الناس في بلاد الرافدين " العفاط " وواحده عفطة ، وهذه وأخيتها قد جيء بها في غير موضع وموضع من جميل وطريف وحكيم بطون التراث اللذيذ . كانت العفطة التي ينتجها فم حامد ، قوية ومؤثرة وصالحة لتفزيز وانهاض كتيبة جنود كسالى يسورون قصر السلطان النابت في كرخ بغداد العباسية . هذه المختارات المصطفيات ، طاب لنا أن نفتتحها ونرفع فوق بابها ، جملة عذبة رحيمة تدير الرأس وتطرب الروح ، كان أنتجها المبدع الخلاق العظيم صاحب " لعبة الكريات الزجاجية " المغفور له الراحل هيرمان هيسه اذ كتب " سوف أضطجع على أريكة عريضة وأدخّن ، وأكون كسولاَ حسب . أكسل من أن أخلع ملابسي في الليل ، وأكسل من أن أنهض من فراشي في النهار " طباعة الكتاب فخمة . جلده أملس ان سقطت فوقه قطيرة ماء ، سيكون بمقدورك صبّها ثانية في بطن كأس ، أما ورقه فهو من مخففات الأسمر المائل الى صفرة محببة مشتقة من تلك التي جاءت عليها المغنية الكونية فيروز في مرثية ورق أيلول الأصفر . قصص وأقصوصات ومقصوصات وحكايات هذا الكتاب - جلّها - اتخذت من الحانات أمكنة ومن روادها وجلاسها وسمارها ، صوراَ وحكايات وازاحات . الحانات هي ، حانات بغداد وعمّان خاصة ، وان كنا نزلنا وكرعنا مرات ومرات بحانات بباب البحرين وبباب توما الدمشقي المعتق . هذه الأمكنة والكائنات الطيبة التي ترتع وتلعب وتسكر وتغني في بواطنها ، انما هي كنز لا يفنى من صور ولغة وتحفيز وتنشيط وخلق . سأكتفي الآن بهذا القدر من الكلام عني وعن كتابي المنتظر ، اذ أنني - والليل في تمام خاصرته وبدره - أكاد أنصت ، معذباَ حزيناَ منطفئاَ بائداَ خاشعاَ يائساَ مخذولاَ ، الى سكاكين السؤال الحار : بلاد ما بين القهرين - بلادي وبلادكم والأنبياء - ما زالت تحرق وتنهب وتفكك وتهان وتذل وتمرض وينادى عليها من فوق دكة المزاد كما لو أنها جارية مسبية ، وحفلات شواء اللحم الآدمي البلدي الصافي متصلة ، فهل ثمة مجنون مخبول بطران سليل بطر ، يجلد ظهور الناس المعذبين في الأرض ، بسياط الحانة ولغتها الملتبسة ؟ والله العظيم انتم على حق . أنا آسف ونادم . سألقم أذنيّ بقطن ثقيل وأكبس جمجمتي تحت المخدة وأقمط جثتي بلحاف متين وأطفىء ضوء الغرفة ، وأنطر نوماَ أقلّ قسوة.
alialsoudani61@hotmail.com
كاتب عراقي مقيم في عمان حتى الان
انتباه : يمكنك الحصول على نسخة من الكتاب بوساطة مطبعة دار الأديب للنشر ببغداد وعمان التي عنوانها الألكتروني هو :
info@label-world.com
أو من علي السوداني ممهورة بتوقيعه الراسخ ، وهذه تقع مشروطة دفع تكلفة البريد والكتاب ومقدارها الأولي عشرة دولارات أمريكيات خضراوات أقحاح .
الثلاثاء، 23 نوفمبر 2010
قصيدة لو انبأني العراف للشاعرة لميعة عباس عمارة-مرسلة من احمد الحلي
قصيدة( لو أنبأني العرّاف) للشاعرة لميعة عباس عمارة
لو أنبأني العرّاف
أنك يوماً ستكونُ
حبيبي
لم أكتُبْ غزلاً في رجلٍ
خرساء أًصلّي
لتظلَّ حبيبي
لو أنبأني العراف
أني سألامس وجه القمرٍ العالي
لم ألعب بحصى الغدران
ولم أنظم من خرز آمالي
لو أنبأني العراف
أن حبيبي
سيكونُ أميراً فوق حصانٍ من ياقوت
شدَّتني الدنيا بجدائلها الشقرِ
لم أحلُمْ أني سأموت
لو أنبأني العرّاف
أن حبيبي في الليلِ الثلجيِّ
سيأتيني بيديهِ الشمسْ
لم تجمد رئتايَ
ولم تكبُرْ في عينيَّ هموم الأمس
لو أنبأني العراف
إني سألاقيك بهذا التيه
لم أبكِ لشيءٍ في الدينا
وجمعتُ دموعي
كلُّ الدمعٍ
ليوم قد تهجرني فيه
نبذة عنها
لميعة عباس عمارة شاعرة عراقية محدثة. تعد محطة مهمة من محطات الشعر في العراق ولدت الشاعرة لعائلة صابئية مندائية عراقية في منطقةالكريمات وهي منطقة تقع في لب المنطقة القديمة من بغداد.والمحصورة بين جسر الاحرار والسفارة البريطانية على ضفة نهر دجلة في جانب الكرخ سنة 1929م. وجاء لقبها عمارة من مدينة [[العمارة] حيث ولد والدها. أخذت الثانوية العامة في بغداد، وحصلت على إجازة دار المعلمين العالية سنة 1950م، وعينت مدرسة في دار المعلمات. تخرجت في دار المعلمين العالية سنة 1955.وهي ابنة خالة الشاعر العراقي عبد الرزاق عبد الواحد والتي كتب عنها في مذكراته الكثير حيث كانت ذات شخصية قوية ونفس أبية . من قصائدها المعروفة قصيدة أنا عراقية بمطلعها لا حيث كتبت هذه القصيدة عندما حاول احد الشعراء مغازلتها في مهرجان المربد الشعري في العراق حيث قال لها أتدخنين .. لا ... أتشربين ... لا ...أترقصين .... لا ..ما انتِ جمع من الـ لا فقالت انا عراقية عاشت اغلب ايام غربتها في الولايات المتحدة بعد هجرتها من العراق في زمن صدام حسين
كانت عضوة الهيئة الإدارية لاتحاد الأدباء العراقيين في بغداد [ 1975 – 1963]. كذلك عضوة الهيئة الإدارية للمجمع السرياني في بغداد. وهي أيضا نائب الممثل الدائم للعراق في منظمة اليونسكو في باريس (1973-1975). مدير الثقافة والفنون / الجامعة التكنولوجية / بغداد وفي عام 1974 منحت درجة فارس من دولة لبنان.
بدأت الشاعرة كتابة الشعر في وقت مبكر من حياتها منذ أن كانت في الثانية عشرة، وكانت ترسل قصائدها إلى الشاعر المهجري ايليا أبو ماضي الذي كان صديقاً لوالدها، ونشرت لها مجلة السمير أول قصيدة وهي في الرابعة عشر من عمرها وقد عززها ايليا أبو ماضي بنقد وتعليق مع احتلالها الصفحة الأولى من المجلة إذ قال: (ان في العراق مثل هؤلاء الاطفال فعلى اية نهضة شعرية مقبل العراق..)
درست في دار المعلمين العالية – كلية الآداب – وقد صادف أن اجتمع عدد من الشعراء في تلك السنوات في ذلك المعهد، السياب والبياتي والعيسى وعبد الرزاق عبد الواحد وغيرهم، وكان التنافس الفني بينهم شديداً، وتمخض عنه ولادة الشعر الحر. حين كرمتها الحكومة اللبنانية بوسام الإرز تقديراً لمكانتها الادبية لم تتسلم الوسام (لان الحرب الاهلية قائمة) وكتبت تقول
على أي صدر أحط الوسام ولبنان جرح ٌ بقلبي ينام
كتبت الشعر الفصيح فأجادت فيه كما كتبت الشعر العامي وأجادته كذلك، أحبت الشاعرة لغتها العربية وتخصصت بها ومارست تدريسها فتعصبت لها أكثر دون أن تتنكر للهجتها الدارجة فوجدت نفسها في الأثنين معاً. إن لميعة ترى في اللغة العربية الفصيحة وسيلتها للتواصل مع الآخرين الأوسع، لكنها تجد في لهجتها العراقية العامية ما يقربها من جمهورها المحلي الذي استعذب قصائدها فتحول بعضها إلى أغنيات يرددها الناس.
لماذا نكتب.....؟د.غالب المسعودي
لماذا نكتب.................؟
الخلود ليس هو الصعود الى مقر الالهة كما ورد في الاساطير السومرية,بل هو مقاومة الانسان للموت بوصفه النهاية الطبيعية للانا,كما ان الواقع الحي اقوى من اي نظرية لا تستجيب له.ومع تعاظم الدلالة للمتخيل المقدس في ذاكرة اللغة وامتداده الى الحاضر,تنكشف امامنابشكل واضح زفرة الروح الاخذة باليباس لانها تشير الى علاقة غير متكافئة بين الواقع والوهم,وبالتالي تؤثر في منهجيتنا وتبعيتنا,فالموتى عندما يحكمون فان الحضارة يدمرها الايكيكيكي,وبذا يصبح مسارها خط نازل يستمد جذوته من العالم السفلي ومن عذابات القبور ومعاناة عشتار في رحلتها لتنقذ حبيبها تموز.ان الاشارة الى المستقبل توقد العقل وتضعه في مواجهة جدلية مع الحاضر المتردي,والحياة في نظري لحظة بين عدمين ,لذا علينا ان نعيشها بجذوتها وعذوبتها,الا اننا نجد يوميا من يذكرنا بالمستقبل ونعيمه وهو لا زال يعيش عصر الاسطورة وذهنيتها المتآكلة,وهذا يصح للعقل الساكن الذي لا يعي التجربة الانسانية بكل تفاصيلها وحيويتها وبدوغماتية اورثودوكسية لا غبار عليها,فالخلود عندهم يعني مجاورة اوتونبشتم بعد عبور بحر النار الارضي بزورق مطرز باحلام كابوسية ودفات مصنوعة من قير اسود وخشب اخضر ودماء زرقاء. اما العقل الذي يعي تجربة الحضارة والتقدم يحاول اقتحام المجهول من اجل سعادة البشر جميعا بدون تمييز لا في الجنس ولا اللون.ان الكتابة حب والحب مغامرة كبرى وابحار ضد التيار على قولة نزار قباني..................!
د.غالب المسعودي
الأحد، 21 نوفمبر 2010
قراءة في كتاب فاطمة المرنيسي-هل انتم محصنون ضد الحريم؟-احمد الحلي
قراءة في كتاب فاطمة المرنيسي :
هل أنتم محصنون ضد الحريم ؟
أحمد الحلي
لم يتطرق الباحثون المحدثون إلى موضوعة هذا الكتاب ؛ " الحريم " بشيء من الإحاطة أو الإفاضة مثلما فعلوا مع مواضيع أخرى أقل أهمية في التراث ، مع أن عالم الحريم كان على الدوام زاخراً بكل مقومات الإغراء والإثارة ، ولا ندري هل هو الحياء الشرقي المعهود ؟ أم أن هناك اعتبارات أخرى تقف وراء هذا الإعراض أو التردد من لدن هؤلاء الباحثين .
وعلى أية حال فقد طرقت الكاتبة المغربية ( فاطمة المرنيسي ) هذا الباب بكل قوة من خلال كتابها الذين بين أيدينا والذي عنونته بصورة استفهامية : هل أنتم محصنون ضد الحريم ؟ والصادر في طبعته الأولى للعام 2000 عن المركز الثقافي العربي في بيروت مترجماً عن اللغة الفرنسية من قبل ( نهلة بيضون ) .
تبتدئ المؤلفة مقدمتها بطريقة تهكمية لاذعة : " لا أريد أن أسبب الهلع لوزير الصحة المنهمك بجلد الكثير من القطط ذكوراً وإناثاً ، ولكن يبدو لي ، استناداً إلى شائعات لجوجة تتناقلها " إذاعة المدنية " ، ولن تتمكن كل الصحون اللاقطة من إسكاتها ، إنّ وباء ( الحريم ) يعيث فساداً في الدار البيضاء ، ويتعلق الأمر بفيروس خبيث للغاية ، من رواسب داء قديم كان منتشراً في القرون الوسطى ، في زمن الخليفة هارون الرشيد ( القرن الثامن ) ، وساد الاعتقاد بإمكانية القضاء عليه على غرار السل والتيفوئيد " .
وتتحدث عن أصل كلمة ؛ جارية ، جري ، أي هرولة ، حسب لسان العرب لأبن منظور ، والجارية هي التي تلبي نداء سيدها ، وتكون في خدمته ، ويخبرنا ابن منظور ، مؤلف لسان العرب ، إن ّجارية مجرد مرادف لخادم ، وثمة مرادف آخر لكلمة جارية هي ( قينة ) وهو أكثر تخصيصاً ، إذ يدل على الجواري اللواتي كن يجدن العزف والغناء ، وبهذا المعنى تكون القينة هي الترجمة الدقيقة للكلمة اليابانية Geisha ( غيشا ) التي تعني حرفياً فنانة ، فالغيشا هي التي ترفّه عن السادة، أما كلمة ( محظية ) التي ذاعت لدى جيراننا الأوربيين، وألهمت فنانيهم بدءاًً من أنغر ( 1780–1867 )، ودولاكروا ( 1798–1863 )، وصولاً إلى ماتيس ( 1869–1954 )، وبيكاسو ( الذي رسم بدوره حريمه ! ) فأصلها تركي Oda ، أي الحجرة ، وتدل تعميماً على البيت وكذلك المرأة الحبيسة فيه .
وتنقل المؤلفة في أحد هوامش المقدمة المزيد عن أصل كلمة حريم ؛ أنظر في لسان العرب لأبن منظور ، أحد أهم مراجع اللغة العربية ، ويرى ابن منظور أن أصل كلمة حريم هي حرام ، أي الأشياء الممنوعة ، ويبدأ فيقول أن أصل الكلمة حرم وحرام أو نقيض الحلال ، وتدل كلمة حريم على ما يحظر لمسه ( والحريم : ما حرم فلم يمس ) ، والحريم ما كان المحرمون يلقونه من الثياب فلا يلبسونها ، وكان العرب في الجاهلية إذا حجوا البيت يخلعون ثيابهم التي عليهم إذا دخلوا الحرم ولم يلبسوها ما داموا في الحرم ، " وكان أهل الجاهلية يطوفون بالبيت عراة ويقولون ؛ لا نطوف بالبيت في ثياب قد أذنبنا فيها ، وكانت المرأة تطوف عريانة أيضاً ، انتهى " .
وعلى ذات المنحى التهكمي لكتابها ، تتحدث المؤلفة في الفصل الرابع عن الفنان الفرنسي ( ماتيس ) بوصفه باشا طنجة ؛ في عام 1912 ، كان ( ماتيس ) يهزأ من رجال طنجة لأنهم غير نسويين ، وكان يعتبر نفسه بالطبع متحضراً جداً في هذا المجال ، ومواكباً للتقدم في مسألة المساواة بين الجنسين ، ذلك أن هذه المسألة كانت مطروحة على بساط البحث في مجتمعه ، ولكننا سوف نرى أن عزيزنا ( ماتيس ) الذي ورث " الديمقراطية " ، على غرار جميع مواطني الجمهورية الفرنسية التي كانت تثير الحيرة والبلبلة في أذهان أبنائها ، إذ تعلمهم أن الاستعمار رسالة حضارية مشرفة ، لم يكن هذا ( الفنان ) يطيق الفرنسيات المتحررات إلا حين يرسمهن على هيئة المحظيات ، جواري هذا الشرق الذي كان يندد برجعيته ، ولقد أمضى ( ماتيس ) حياته يرسم لأبناء بلده مواطنات ينتمين إلى هذه الجمهورية الفرنسية نفسها . متنكرات بزي ( زهرة ) الطنجاوية الوحيدة التي تسنى له أن يلتقيها لقاءً خاطفاً ، في ظروف استثنائية وبالغة التعقيد " . وبعد قليل ترد معلومات أخرى مفصلة عن هذه المسألة ، كان ( ماتيس ) يصور الأقمشة ذات الرسوم الكثيفة التي رآها في المغرب ، وقد واجه على الفور صعوبة في إيجاد العارضة التي تتوضع أمامه ليرسمها ، لأن مقاربة النساء كان عسيراً لا بل مستحيلاً ؛ وعلى سبيل المثال ، كان من غير الوارد دخول نساء من ( السكان الأصليين ) إلى فندق فيلادو فرانس دون إثارة الفضيحة في كل مكان ، وأخيراً ، عثرت له إحدى صديقاته ، السيدة ( رافان ) على شقة صغيرة كانت تأتي إليها فتاة ليرسمها ، ولكنها كفت عن المجيء تحت تهديد شقيقها ، وكانت هذه الفتاة تدعى ( زهرة ) ، وما أن عاد ماتيس إلى طنجة ، حاول البحث عنها بمساعدة بعض الأصدقاء ، والتقى بها أخيراً في أحد مواخير المدينة ، وكان يحرص عليها كعارضة وملهمة لدرجة أنه لم يتردد في ارتياد الماخور من أجل أن يرسمها ! وبعد مرور سنوات عديدة ، ظلت ذكرى الفتاة الطنجاوية ماثلة في المرسم الباريسي للفنان العظيم ، وإثر العودة إلى فرنسا ، رسم ماتيس صوراً لعارضاته الأثيرات أمثال ( لوريت وأنطوانيت وهنرييت ولولو ) ، ولكنه غالباً ما ألبسهنَّ ثياب " المحظية " ...
وفي الفصل الخامس المعنون " هارون الرشيد أو الحريم العربي " ، نقرأ الجملة الموحية ؛ يسحر الحريم لأنه نقطة التقاء وانصهار لثلاثة من أكثر العوامل المرغوبة في العالم ؛ السلطة والثروة والمتعة . وتبين الكاتبة أن الرجال القلائل الذين يحق لهم دخول الحريم هم الخصيان ، أي الرجال الذين تمّ تعطيل وظائفهم الجنسية بعناية ، الذين كانت مهمتهم الوحيدة هي التحقق من عدم وجود ذكر آخر في عالم الحريم غير السلطان الأوحد الذي لا شريك له ...
وتسرد المؤلفة بعض الحقائق والوقائع المستلة من التاريخ العربي ؛ لا يتوقف المؤرخون العرب عن تعداد الجواري ولاسيما الفخامة التي كانت سائدة في الحريم ، ويشددون على أن ( زبيدة ) كانت الزوجة الأولى في التاريخ العربي التي استعملت أواني من الذهب الخالص ، في حين كان غالبية رعايا الإمبراطورية يعانون الفاقة .
وبعد حديثها في الفصل السادس عن حريم السلطان العثماني محمد الثاني " الفاتح " ، ثم في الفصل السابع عن الحريم الإغريقي والروماني ، نراها تتحدث في الفصل الثامن عن الكاهن الألماني الجريء ( يوهان ليزر ) الذي أقدم في العام 1974 على تأليف رسالة يعدد فيها فضائل تعدد الزوجات ، " وبالرغم من أنه حرص على نشرها تحت اسم مستعار ، فقد افتضح أمره ، وصبّ عليه المجتمع اللوثري في مدينة هامبورغ جام غضبه ، فاضطر بسبب موجة الاستنكار العارمة التي أثارها للهروب إلى الدنمارك ، ثم إلى اسوج ، بعد أن طرده الملك كريستيان الخامس بدوره " .
وينقل لنا الكتاب أن شاعراً فرنسياً معروفاً هو جيراردي نرفال قام باقتناء أَمَة من جزيرة جافا أثناء اقامته في القاهرة عام 1843 ؛ " لقد قيل لي أن النخاس قد خدعني حول مواصفات الأَمَة ، أو أنها تشكو من عيب يستدعي إبطال البيع ، ولم اعتقد قط أن أوربياً قد يلجأ إلى هذا البند المخجل لو أنه تعرض للاحتيال ... ولقد غفت الطفلة المسكينة . وفيما كنت أتأمل شعرها باهتمام المالك الذي يشعر بالقلق من العيوب التي قد تشوب السلعة التي اشتراها " .
وتتطرق المؤلفة إلى رياء المرويات الأوربية عن الشرق ، فمسألة الخصي والإخصاء التي غالباً ما يصم بها هؤلاء التاريخ العربي والإسلامي ، نرى جذورها موجودة لدى الفكر والديانة الغربية على وجه التحديد ، حيث يرى القديس أوغسطين " أن المسيحية لا تعترف بالمتعة " ، بل وتحض على تفادي اللذة حتى في إطار الزواج ؛ ونقرأ لهذا القديس أيضاً ، يجب على الأزواج الامتناع عن المتعة طوال السنة " .
وفي حين يحدد الخيال الغربي الخصي على أنه كائن شرقي أصيل ، متناسياً أنه كان في البداية ، وقبل ظهور الإسلام ، وليد العالم المسيحي المهووس بمثال العفة ، حيث تمادت بعض الفرق الدينية في رغبتها بالامتناع عن الجنس ، فخصى أعضاؤها أنفسهم للفوز بـ " ملكوت السماوات " ، وكان ترتوليان يقول ؛ " إن ملكوت السماوات مفتوح للخصيان " .
وفيما بعد ، ندد المفكرون الأوربيون أمثال ( جان جاك روسو ) بإخصاء المطربين ، وشجب ( روسو ) هذه العادة الهمجية في " موسوعة الموسيقى " التي وضعها قائلاً ؛ " لا تعوض ميزة الصوت لدى المطربين الخصيان خسائر كثيرة أخرى ؛ فهؤلاء الرجال الذين يجيدون الغناء ، إنما دون حرارة أو شغف ، من أسوأ الممثلين على خشبة المسرح ، يفقدون صوتهم سريعاً ويتكون لديهم كرش مقرف ، ويتحدثون ويلفظون بأسوأ مما يفعل الرجال العاديون ، بل ثمة حروف كحرف الراء لا يستطيعون لفظها مطلقاً " .
فهذا الفيلسوف الذي يُعد ملهماً أساسياً من ملهمي الثورة الفرنسية ومبادئ حقوق الإنسان لم يكن بوسعه قط الانتصار لإنسانية هؤلاء بقدر تأسفه على فقدانهم بعض المزايا التي تدخل في إطار الإمتاع ، ومع ذلك ، نراه يعترف بأنه " استمتع سراً ، في البندقية، في مقصورته بمسرح القديس يوحنا بـ( الغناء الرقيق والمنسجم ) و ( الأناشيد الملائكية ) التي كانت حنجرة كاريستيني ( الخصي ) تغدقها على الحاضرين " .
وفي الفصل الحادي عشر ، وخلال حديثها عن " الخصي المسلم " ، تقول المؤلفة ؛ لقد كان الخصي معروفاً في قصور السلاطين العثمانيين ، وعندما تشتت آخر حريم إمبراطوري مسلم رسمياً ، وألغيت هذه المؤسسة نفسها عام 1909 ، إثر خلع السلطان عبد الحميد عام 1908 على يد الشباب الأتراك ، تبين أن هذا السلطان كان يملك في قصره 370 محظية و 127 خصياً لخدمته ، وقد أرغم على العيش في المنفى في سالونيك ، ولكنه حرم من حريمه ، وسمح له بأن يختار بعض المحظيات فحسب ، وأثناء ذلك ، وبعد أن تمّ إقرار وإصدار العديد من القوانين في الدول الأوربية التي تحظر العبودية ، ولاسيما القانون البريطاني الصادر في العام 1833 ، نرى العديد من الزعماء المسلمين يعترضون على ذلك الحظر ويعتبرونه " تدخلاً في الشؤون الداخلية للدول " .
السبت، 20 نوفمبر 2010
حديقة الجبل...معلم حلي يندثر-حامد كعيد الجبوري
حديقة ( الجبل ) ...معلم حلي يندثر
حامد كعيد الجبوري
منتصف ثلاثينات القرن المنصرم وبالتحديد بداية العام 1938 م ، والحلة آنذاك عبارة عن قصبة صغيرة ، بل قل بساتين غناء تتوسطها بيوت شرقية متجاورة ، والحلة يشطرها نهرها – نهر الحلة – المتفرع من الفرات العظيم لشطرين ، يسميان لدى الحليون ، الصوب الكبير ، ويضم سبعة أطراف وهي ، الجامعين ، الطاك ، جبران ، الجباويين ، المهديه ، الأكراد ، التعيس ، والصوب الصغير ويشتمل على ثلاثة أطراف ، أغلب سكانها فلاحون وهي الورديه ، الكلج ، كريطعه ، وأغلب هذه البيوت بنيت بدون وعي آثاري من أنقاض مدينة بابل التاريخية الشهيرة ، ولكل صوب مما ذكرناه من الحلة مكب للنفايات ، وموضوعتي عن مكب نفايات الصوب الكبير حصرا ، بدأ هذا المكب يكبر شيئا فشيئا حتى غدا مرتعا للكلاب السائبة للتنقيب عن قطعة عظم ، أو فضلات القصابون في هذا المكب الكبير الذي أخذ مساحة تقدر بعشرين دونما من الأرض ، وأصبح أيضا مصدرا لنمو الطفيليات كالذباب ، البعوض ، ومرتعا للقوارض والفئران ، ناهيك عما يسببه من تلوث بيئي وريح غير مستساغة للذوق العام ، ولم تكن الخدمات البلدية كما هي عليه الآن من سيارات متخصصة لطرح القمامة بأماكن خصصت لرمي الفضلات فيها ، وكانت البلديات يوم ذاك تستخدم الحمير والبغال لنقل الفضلات لهذا المكب الذي ذكرنا ، وبما أنه أصبح مصدرا خطرا على سكان مدينة الحلة الفيحاء ، كتب متصرف الحلة يوم ذاك كتابا رسميا لمراجعه في بغداد ، طالبا منحة مالية لنقل هذه النفايات لمكان آخر ، لم تحصل موافقة الحكومة المركزية ببغداد العاصمة ، على منح المبلغ القليل للتخلص من هذه القاذورات ، التي ستتسبب لمركز لواء الحلة بآثار لا يحمد عقباها ، لم يستطع متصرف لواء الحلة البقاء على هذا الحال سيما وأنه مسؤول عن حياة وصحة مواطنيه ، إذن عليه أن يجد حلا لهذه المعضلة التي أقضت مضاجع أكثر من أربعة أطراف من الصوب الكبير المتجاورون قرب مكب النفايات ، لذا حزم أمره على أن ينقذهم من هذا المكب بطريقة العمل الشعبي الجماعي ( السخرة ) ، علما أن قسما من هذا المكب – النفايات - أرتفع عن الأرض لأكثر من عشر أمتار ، إبتداءا أحضر من مادة النفط الأسود آلاف اللترات لترمى على هذه القاذورات لحرقها ، ولكن من أين له الأيدي العاملة المجانية ، بتفكير بسيط أرشده عقله لسجن الحلة المركزي ، والذي يجلب له الكثير من مساجين الأحكام الثقيلة ، من الألوية العراقية المجاورة للواء الحلة ، بعث من يدعو له مدير السجن واتفقا معا لإخراج عدد من المحكومين برفقة حراسهم للعمل بهذه المهمة ، ونفذ له مدير السجن ما أراد ، وطبعا فرح العاملون المسجونون لهذه الحرية الوقتية ، تم حرق جميع تلك النفايات وتحولت لركام أسود ، بعد ذلك ماذا سيفعل بهذه المخلفات المحروقة ، ولماذا لا يحولها لمتنزه يؤمه أبناء لواء الحلة ، وبما أن الركام هذا يحتاج لآلات هندسية ( شفلات ، سيارات ) لا يملكها لواء الحلة يوم ذاك ، إذن لتبقى على حالها وارتفاعها ولكن عليه تقسيمها لمسطحات كل حسب ارتفاعها بواسطة المجارف – المسحاة – والمعاول ، وهذا ما حصل ، لقد تحولت هذه العشرون دونما من الأرض لمساحات غير متساوية بالحجم والارتفاع ، وكل ذلك من عمل المساجين ، كان المتصرف – هكذا تسميته سابقا – يحضر بنفسه كل يوم لمراقبة مشروعه هذا ، ولا ينسى أن يحضّر لعماله المسجونين وجبات الطعام التي تعد من قبلهم ، وتوزيع السكائر مجانا للمدخنين ، بعد أن أصبحت الأرض مهيأة للزرع واجه المتصرف مشكلة إيصال ماء السقي لحديقته التي أبتكرها ، وحقا أنها معضلة إن عرفنا أن نهر الحلة يبعد بحوالي الكيلومترين عن هذ المكان المهيأ كحديقة أو متنزه عام ، إستخدم نفس طريقته المثلى وهم المسجونين ، وأوصل الماء العذب لها ، وأستخدم مكائن السقي البسيطة لرفع الماء حيث يريد ، وطبعا بكلفة قليلة من أموال نثرية المصرفية ، في هذه المرحلة المهمة لإنجازه المشروع الحدائقي ، صدرت إرادة ملكية لنقل متصرف لواء الحلة الى لواء العمارة ، وهذه الشخصية الوطنية هي ( سعد صالح جريو ) وهو من أهالي قضاء النجف آنذاك ، حزم الرجل أمتعته وذهب لمقر عمله الجديد ، إستلم متصرف الحلة اللاحق أعماله وهو بهمة ذلك المتصرف السابق ، وبدأ عمله – المتصرف الجديد - لإنجاز مشروع من سبقه ، ويذكر من أرخ للحلة الفيحاء ، أن المغفور له ( سعد صالح جريو ) يمر على الحلة لمتابعة ما وصل له العمل حينما يأتي لزيارة أهله في النجف ، ومن الخلق الرفيع لأبناء ذلك الزمان ، حين أكمل العمل ، وشجرت هذه الحديقة بالأشجار المعمرة ، والورود ، وحان أوان افتتاحها ، بعثت برقية من متصرف لواء الحلة لمتصرف لواء العمارة – الذي بدأ بالعمل - طالبون حضوره لافتتاح الحديقة المنشأة ، حضر الرجل – سعد صالح جريو – ضيفا مع صديقه المتصرف ، وأفتتح بنفسه تلك الحديقة الرائعة التي تشبه الجنائن المعلقة البابلية ، وأصبحت متنفسا للكثير من عشاق الحياة بالحلة الفيحاء ، أستغل الرياضيون تلك الحديقة للتدريب ، فهناك ( جفرة ) للاعبي ( الزورخانه ) ، وهذا مكان لعشاق لعبة المصارعة ، ورفع الأثقال وغيرها ، وهناك حلقة للشعراء الشعبيين بقيادة شاعر الحلة الكبير ، الراحل عبد الصاحب عبيد الحلي ، وهناك متنفسا ليليا لمعاقري الخمرة والغناء بقيادة الشاعر الغنائي الكبير محمد علي القصاب ، وصديقه المطرب المعروف سعدي الحلي ، أخذت أشجار المتنزه بالنمو السريع ، لأن أرضها وكما يقول الفلاحون أرضا ( دمن ) – سماد عضوي - ، نهاية هذا المتنزه – الجبل - أنشأت مستشفى حكومية ليست مقتطعة من المتنزه ، ويتراءى لناظرها وكأنها ملحقة بهذا المتنزه ، وهناك من يقول أن المستشفى أنشأت قبل المتنزه وسميت ( المجيدية ) نسبة لبانيها ( مجيد باشا ) ، ورأيت أشجار الكالبتوس الباسقة ، والنخيل الباسق أيضا يحيط تلك ( المجيدية ) – المستشفى - وكأنها ببلد أوربي .
بعد ثورة 1958 م بقيادة الشهيد عبد الكريم قاسم ، وتعيين المحافظين بعد الثورة ، تسارع الجميع لخدمة هذا المعلم الحلي الكبير ، وأذكر جيدا أن طلاب المدارس للمحافظات المجاورة للحلة الفيحاء يأتون بسفرات مدرسية منظمة ومنتظمة لقضاء يوم ممتع فيها ، وتوثيق تلك السفرات بكاميرات الطلاب الوافدون لها .
بداية نظام البعث المقبور ، أمتدت يد التخريب البعثي جزءا فجزءا لهذا المعلم السياحي الكبير ، مبتدءا من جزأها الجنوبي المجاور للمجيدية والتي أزيلت وأنشا مكانها مستشفى للأطفال ، وخرب جزءا من الحديقة لينشأ عليها مرفق للخدمات البلدية ، وآخر بجنبه ل( الماء والمجاري ) ، وخرب لاحقا جزءا آخر كمرافق صحية ، ولم يتبقى من حديقة الجبل إلا ذلك المرتفع الذي هجر من قبل البلدية لتموت أشجاره النظرة ، وأكثر من ذلك ، أنشأت حوانيت غير نظامية مقتطعة من الجانب الشرقي لحديقة الجبل ، المقابل لسوق الحلة الكبير لتؤجر بأثمان عالية للتجار ، ومعلوم أن هؤلاء التجار يرمون مخلفات حوانيتهم خلف الجدار المتبقي من الحديقة ، لتصبح مكبا كبيرا للنفايات مجددا كما وجدها المرحوم سعد صالح جريو .
بعد التغيير الجديد ، بل قل الاحتلال اليوم ، وتسنم المناصب لمن هب ودب ، ولأن المشروع به ربحية أكيدة لجيوب فلان وفلان ، لذا بدئوا يرسمون للانقضاض على المال العام ، بواسطة المشاريع ، ومنها إعادة حديقة الجبل لهيئتها الجميلة ، وحدث أن زارني صديق مغترب وقال لي لنمر على حديقة الجبل الجميلة كما كان يتصورها ، أمس 19 / 11 / 2010 ، زرتها برفقة صديقي وهالني ما وجدت ، ذلك العمل الربحي كما قلت عبارة عن رصف نوع من ( الكاشي ) غير الثابت بمكانه بواسطة مادة ( السمنت ) ، لسوء صنعته وصنعة الحرفيين ، وليس ( الشتايكر ) الجميل المزخرف ، ناهيك عن الإهمال حيث قلة من الورد والأشجار مع عدم تقديم الخدمة المتواصلة لها ككائن حي ، ووجدتها كما بدأت أيام المتصرف السابق ، أتمنى أن تعود تلك القمامة والنفايات لتكبر ، لعلنا نجد متصرفا – رجعيا - أمينا ، وطنيا ، ينقذها كما فعل سعد صالح جريو رحمه الله
الأربعاء، 17 نوفمبر 2010
ديمقراطية البرشوت-المهندس سليم الربيعي
ديمقراطية ( البرشوت )
المهندس سليم الربيعي
لاجدال في ان الديمقراطية هي حتمية تأريخية تُتوّج انتقال الانسان من مرحلة العبودية والقهر والاستبداد الى مرحلة المدنية واحترام حقوق الاخر.
انها تجربة طريقها شائك وطويل تكتنفه صعوبات ومعوقات وتبرز من فوق سطحه احباطات وتخبطات وتشابكات مخيبة للآمال، سيما انها هبطت بعد خمسين سنة عجاف جثمت على صدور الحالمين وصناع النجاح، بعد ان كادت جموع الامل والحب ان تيأس وتستسلم، وجاء الفرج بعملية قيصرية وسقط الطغاة ولاحت بشائر الديمقراطية (ويا فرحةً ما دامت) فقد كانت ديمقراطية مستوردة هبطت بالبرشوت في غير وقتها ومحلها، فأرضنا بمجملها ولقرون عديدة ظلت تنز جهلاً وتخلفاً وقسوةً فهي غير مستصلحة بما فيه الكفاية لانبات بذرة الديمقراطية الحبيبة الغالية بالطريقة التي نجحت مع الشعوب الحيّة.
سقطت الدكتاتورية سقوطاً مدوياً مثلما تمنينا ولكن هل ان عقلية وطريقة نظر ومنظومة تفكير وسلوك حياة منظومتها المتبقية على ارض الواقع قد تغيرت؟ لا انها لم ولن تتغير او تموت او تتلاشى بإندحار مؤسسها بل انها تناسلت وانتشرت وسادت وسوف تبقى ما لم تحدث قطيعة فكرية مع الماضي واستنباط الدروس والعبر وغرس رغبة التعلّم والتطوّر والتغير بأتجاه فضاءات الحداثة والعلم والثقافة واحترام شريعة الاختلاف وقبول الرأي الاخر واشاعة مُثُلْ وقيم التسامح والاخوة والتضحية والايثار وتلك هي من شروط الحرية والصلاح والتقدم والنجاح.
وعليه فأن الديمقراطية تستمد نجاحها وتألقها من شكل مواطنيها وعلينا ان نعلم بأنه ليس هناك دواء خفي من عقاقير مجهولة تستطيع ان تغيير ثقافة مشوهه بين عشية وضحاها، وان تصحح احوال غارقة في الفوضى... منقوعة بالرغبات التدميرية وحمى التهافت الاستحواذي واستشراء نمط من الحرية والديمقراطية قائم على السلب والقتل والتدمير والسرقة ونهب مؤسسات الدولة من قبل العاطلين ثقافياً، المفرغين معرفياً، الفاشلين، المتشدّقين بديمقراطية اللعب والاستهتار بقيم السماء والأرض.
وهنا فقد اختلطت رؤى ومفاهيم وتفسيرات شتى، وامتزجت الحقوق بالواجبات، والتجاوزات بالالتزامات، والنوايا الطيبة بالخبيثة، والرياح الصفراء بالبيضاء، والثقافة بالجهل، والغباء بالذكاء، والحابل بالنابل، حيث لا فرق بين هذه وتلك.
إن قيم الديمقراطية تُعرفْ على ضوء قدرة هذه الديمقراطية على انتاج حسناتها وفي ظل هكذا ظروف معقدة فأنها يقيناً تحتاج الى عقود وعقود لكي تؤتي ثمارها، وقبل ان تبدأ دجاجاتها بوضع بيضها الذهبي، ليت شعري فماذا عسانا ان نصنع اذا كانت دجاجتنا هذه اما غير موجودة بعد او انها غير قادرة على النمو الطبيعي ووضع البيض؟ ومالذي بقي لنا على ارضنا الساخنة غير ديوك متوحشة متصارعة، قادرة على ان تتهارش وتتناهش ولكنها ليست بقادرة على ان تبيض.
وفوق كل هذا وذاك فأن ما يحدث من خرق وتشويه وايذاء للتجربة الديمقراطية العراقية من قبل اعداء الحياة قد تجاوز المدى ووصل حداً خطيراً اطاح بكل المثل والقيم والشرائع السماوية والدنيوية، حيث وبدلاً من ان يكون الانسان هو الغاية المطلوب ايصالها الى اعلى درجات سلم الرقي والرفاه والحرية والاحترام، راح البعض من المشاركين اصلاً في تأسيس ووضع تجربتنا الديمقراطية موضع التنفيذ... راحو يستهدفون هذا الانسان الطيب ترويعاً وتعذيباً وقتلاً من خلال اساليب وطرق غارقة بالنذالة والحقارة والدناءة والخسة والظلال، خدمة لاجندات طائفية مقيتة او عرقية او حزبية ضيقة او شخصية بحتة.
اننا هنا واكثر من اي وقت مضى ننشد لديمقراطية التربية والتعليم والنجاح والتفوق والتطور والنأي عن اضطهاد المرأة واستغلالها والحط من قدرها ونتجه صوب اسنادها وتشجيعها واكبارها واجلالها واعتبارها، نصف المجتمع الذي يلد ويصنع الحياة وفي الوقت نفسه هو من يثري ويسند ويشجع النصف الآخر.
نريد لاصحاب المواهب والنجاحات رجالاً ونساءاً الفرصة ليعدّوا انفسهم للمهمات الحكومية المعقدة. وبخاصة من اثبتوا افضليتهم وصلابة معدنهم ونجحوا في جميع الامتحانات ببراعة، فهم من يحق لهم ان يقوموا بدور القيادة.
نحن نستدعي طبيباً لمعالجة مرضانا اما ما يخص مرض وطننا، الا يجدر بنا استقدام افضل النساء والرجال واحكمهم واعقلهم.
وعندما لا تحتل الكفاءة والمقدرة المكان الاول في الدولة لا تكون تلك الدولة بالمعنى الحقيقي ناجحة.
ما يؤلمنا اننا وفي عصرنا هذا ومنذ عشرات السنين نجد غياب الثقافة والمثقف عن جميع المشاريع السياسية التي سادت وقادت العراق، وبسبب ذلك التهميش لم نتمكن من صنع مثقفين ستراتيجيين ممن يمتلكون القدرة على اكتشاف وتحليل العوامل الخفية التي تتحكم في مسيرة الوطن ثم القدرة على الاكتشاف والتنبؤ بمتغيرات الوطن، من خلال مبدعين وكاشفين ومنذرين ومبشرين.
فالمهندس على صواب في اختيار شؤون الهندسة، والطيار على حق في امور الطيران لذلك يجب ان لا يترك امر انتخاب القادة والرؤساء او محاسبتهم للعدد الكثير من الشعب. الا اذا كان هذا الشعب مشبعاً بهدى المعرفة والعلم والدراية، فاين نحن من ذلك والامية متفشية والثقافة في حدها الادنى المخيف مما يجعل الغالبية العظمى من الجماهير عرضة للغش والخداع، لانها سهلة التضليل، متقلبة الاهواء، وعليه فأن الانتخابات وفي مثل هذه الاحوال هي ضرب من المجازفة والخداع والتدليس.
وبعكس ذلك فقد يحكم على عمل الفنانين من لا يفهم الفن وعلى الرياضيين من لم يمارس الرياضة او يعشقها... ان ساكن البيت او صاحبه اصدق حكماً على البيت ممن قام ببنائه.
والضيف اصدق في الحكم على الوليمة من الطباخ.
ومثلما يستحيل اجتماع الصيف والشتاء في وقت واحد فلا يمكن ان يكون ديمقراطي من هو قاصر الفكر... مُغيّب ومتمسك بقيم عشائرية او حزبية ضيقة او طائفية مقيتة او عرقية.
وبعد فأنه لا بد من ان يمر تحررنا الروحي والثقافي والاخلاقي ويجري انسيابياً مع التحول الديمقراطي بإنسجام وتلاقح وتلاقي مثالي، خلقاً للتكامل والتفاضل وتحقيقاً للعدالة والمساواة والحرية والفضائل الساندة والسائرة في مجرى التحول.
واحدة من اهم اشراقات الديمقراطية التي تنشدها هو النمو الاقتصادي المضطرد وتوفر الحريات العامة والخدمات الامنية والصحية والتعليمية والبلدية بأوسع نطاق لتشمل جميع المواطنين من دون استثناء.
هي ليست شعارات رنانة تطلق هنا او هناك، انها ثمرات غنية مكتنزه وملموسة، انها حصاد وفير.
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)