الخميس، 26 مارس 2020

ست الحبايب-حامد كعيد الجبوري


 ست الحبايب
تعمدت أن لا أكتب أو انشر اي شئ لعيد الأم يوم ذكراه ، ليس لغاية ما ولكن لا أريد أن يضيع المنشور بزحمة وجمال ما كتبوا الصديقات والأصدقاء ، وكثيرون نشروا صورا لامهاتهم رحمهن الله جميعا ، وكتب الصديق الشاعر المبدع عماد المطاريحي لأمه ،
(
ومن نغيب..
توگف عله الباب صفصافه حزينه
تظل تدعي ..
وتظل تدعي ..
ربي يرجع بالسلام
مره رديت ولگيت مبيّض بچفها الحمام !!! ) ، سألت الشاعر عن هذه القصيدة وظروف كتابتها ، قال كل حرف فيها كتبته لواقع عشته مع الراحلة امي ، ومرة جلست قبالة امي وقرأت لها ما كتبته أنا ، ( يا نسمة فجر والدنيه كيظ الكيظ / يا مچمن ترافه تفيض بالحنه / تمنيت الشفاف تصير بالرجلين / أبوس تراب بيتچ والكحل منه) ، حينها نظرت لي رحمها الله بفرح شديد ، وكانت قصيدتي تقع ب ١٦ بيتا فقط ، قالت لي اسعدتني كثيرا واتمنى على الله أن يديم لك صحتك وسعادتك ، وقرأت على صفحة الشاعرة المبدعة ليندا إبراهيم قصيدة لأخيها الشاعر المفوه يزدشير إبراهيم ، كتبها بعد مضي ست سنوات من رحيل والدته رحمها الله ، والشاعر هنا يتذكر وصايا أمه والتزامه بتنفيذها ،
(
في كلِّ زاويةٍ من البيتِ الذي
شَيَّدْتِهِ أثرٌ يصيحُ الآنا
لاتُهمِلُوا... لاتكسَلُوا... لاتبخلوا...
لاتكرهُوا حَجَراً ولا إنسانا
كُونُوا كما ربَّيتُكُم وغَذَوْتُكُمْ
نبعاً يفوحُ عطاؤه إحسانا
ترتاحُ نفسي في حِمَى الخَلَّاقِ إن
أرضَيْتُمُ المعبودَ والوِجْدانا
هذي وصاياها تُدَغدغُ مسمعي
ربَّاهُ فارحَمْها ولن تنسانا) ،
كل من ذكرتهم وما سأذكر شعراء تركوا لنا عواطفهم بشعرهم الصادق المؤثر، ولكن لم نقرأ، أو بالدقة لم أقرأ انا شخصيا قصائد لشواعر قصائد للأم ، ولا اختلف أن الشواعر الكثيرات كتبن لامهاتهن ، ووجدت الكثير من تلك القصائد عبارة عن نظم يفتقر للكثير من العواطف الإنسانية ، ووجدت في قصيدة الشاعرة السورية المبدعة الأستاذة ليندا إبراهيم نصا للأم عنوانته ( المنيره)، اعتقد ان امها اسمها (منيره) ، في قصيدة المنيرة تستعر عواطف البنت التي غاب عنها سندها، وموضع سرها، وحضن ملاذها، ومنديل دمعها، وموسيقى ضحكتها، وبراعم شجرتها، وووو، وبهذا تميزت قصيدة البنت على قصائد الولد، أنثى تخاطب امها وهي العارفة بأسرار الأمهات، ولا أقدر أن أختار لكم من القصيدة الا ان أوردها بكاملها ، والقصيدة عقد أن انفرط ضاع وضاع معه الجمال ، كُتبت القصيدة لضروف خاصة لا أزعم معرفتها ، ويمكننا أن نستخلص ذلك الضرف من خلال القصيدة،
( "
المُنيرة .. "
وهيَ التي مُذْ أذَّنَ الملكُوتُ في بالِ الزَّمانِ باِسْمِهَا، سَجَدَتْ لحَضْرَتِهَا المَواسِمُ والكُرُومْ..
وهي التي مُذْ عرَّشَ الظِّلُّ اللَّطيفُ السِّرِّ في دوحاتها، انبثقَتْ بكَامِلِ وَردِهَا، وَتَلَألأتْ كَزَبَرْجَدِ الإصباحِ، وامتلأ النَّسيمُ بِطَلعِهَا، زيتونةً قُدسِيَّةَ الإثمَارِ، والأسرَارِ.. والنُّورِ العظيمْ..
وهيَ التي ألقت لعرَّافِ الجمالِ بأبجديَّاتِ البنفسجِ عند بالِ الرِّيحِ، فازدحمَ القرنفُلُ قربَ ماءِ عُيُونها..
وهي التي مُذْ كَوَّنَ الرَّبُّ العليُّ ممالكَ التَّكوين، صَلَّى لانبثَاقِ أريجِهَا لوزٌ وتينْ...
وهي التي لِغِنَائِها قربَ الحُقُول مَوَاسِمُ الرُّمَّانِ، غزلانٌ تَهَادَى في السُّهوبِ السُّمرِ، أحزانُ المواويلِ الشَّجِيَّةِ، عُتِّقَتْ باليَاسَمين...
مُذ عَلَّمَتْنِي رَسْمَ وجهِ الخُبزِ في الأعيادِ، ميقاتَ اليَتَامَى في الدُّرُوبِ، وأنشَدَتْ قُربي نشيدَ الخِصبِ والجُوعِ المُعلَّلِ بالأماني...
كانتْ تقُومُ العمرَ لي مهدَيْ أراجيحٍ، وقامةَ راهبٍ من أخضَرِ التَّكوين، عَيْنَيْنِ ائْتَمَنْتُهُما على أسرارِ رُوحي...
أبداً أُحاولُ قمحَها العالي، وأدَّخرُ القوافي سُنْبُلاتٍ يانعاتٍ أخصَبَتْ منْ ماء عينَيْهَا، وأستبِقُ الشَّذا لفَرَاشِ كفَّيها، أهيلُ مواكبَ النُّورِ الخضيلةَ فوق مِصْطَبَةِ التَّرَقُّبِ، قربَها، فلعلَّ قافلةَ الزَّمانِ تعيدُ أبناءَ الحياة الراحلين..
كمْ رتَّبَتْ في بالها كُلَّ المَواعيدِ الشَّذيَّةِ بانتظارِ هُطُولِهِمْ، نَطَرَتْ مَكَاتيبَ الدُّمُوعِ على دُرُوبِ إيابِهِمْ، ومضَتْ لتَحْرُثَ ذلكَ القلقَ المُسافرَ قربَ أدْيِرَةِ الحَنينِ، تبُثُّ أعشاشَ العصافيرِ اليتيمة شجوَ شجوِ حنينِها...
يا صَدْرَها مَأوَى قُلُوبِ الخَائِفِين...
يا كفَّها كم بِتَّ تعجن خيرَ أيَّامي، وتُطْعِمُني رغيفَ النَّاجِحِين...
أو دَمْعُهَا ؟ ياااااااا دَمْعَهَا... كنزُ الفقيرِ...
وراحتاها: سهلُ قمحِ الجائعين...
وهي التي صَلْصَالُهَا نورٌ..
وفَائِضُ رُوحِهَا ضَوءٌ..
وسَلْسَلُ دَمعها حِبرُ اليَقينْ..
وهي العليَّة، والسَّمِيَّةُ، والأمينةُ، والرَّؤُومْ...
وهي "المُنِيرَةُ "...
شمسُ دربِ التَّائهين...
٢٥ آذار ٢٠١٤ ).
هل من باب المصادفة أن تنجز عربيا ٣ اغاني للأم خلال بداية ومنتصف ونهاية خمسينيات القرن الماضي، لا أعتقد إلا أنها مباركة السماء للأمهات .
1 :
صدر للشاعر اللبناني رشيد معلوف عام ١٩٤٤م ديوان شعري ضمنه قصيدة للأم ، ربي سألتك ، وكعادة الرحابنة تم انتقاء تلك القصيدة وتم تلحينها ، وغنتها الفنانة اللبنانية الأسطورة فيروز عام ١٩٥٤ أو ١٩٥٥،
تقول كلماتها :
(
ربي سألتك باسمهن ان تفرش الدنيا لهن
بالورد ان سمحت يداك وبالبنفسج بعدهن
حب الحياة بمنّتين وحبهن بغير مِنّة
نمشي على اجفانهن ونهتدي بقلوبهن
فردوسهن وبؤسهن ببسمة منا وأنه
سمارنا في غربة الدنيا وصفوة كل جنه
ربي سألتك رحمة وجه السماء ووجههن
فامسح بانملك الجراح وردّ أطراف الأسنة
لتطل شمسك في الصباح وكل أم مطمئنه).
2 : (
غريبة من بعد عينج ييمه) :
يقول الملحن العراقي الكبير الراحل عباس جميل، التقيت الشاعر الراحل عباس العزاوي منتصف خمسينيات القرن الماضي ، وبالتحديد عام ١٩٥٦م، وقرأ لي قصيدة معنونة للأم، يقول عباس جميل كانت القصيدة جميلة ولكنها حزينة ولا أجد لها صوتا ليغنيها فاحتفظت بها ، يقول عباس جميل توفيت ام المطربة العراقية الكبيرة الراحلة زهور حسين، وبعد نهاية الدفن، ومضي اسبوع او اكثر ذهبت لدارها لتعزيتها لفقدان والدتها ، قالت لي هل لديك اغنية للأم ، قلت لها نعم وهي عندي ما يقارب الثلاث سنين ولم أجد من يغنيها، قالت له انا أغنيها، يقول قلت لها غدا اتيك لتحفظي النص واللحن ، ويشاع أن الراحل عباس جميل كان يحب الراحلة زهور حسين ، وفعلا في اليوم الثاني وحسب الموعد المقرر بدأ الملحن على تدريب المغنية ، ويقول كانت بكل كلمة تبكي ، وقبل اربعينية والدتها غنتها بأداء مميز لا يقدر عليه إلا زهور حسين رحمهم الله جميعا ، المغنية والملحن والشاعر ، وغنتها الراحلة عام ١٩٥٨ أو ١٩٥٩ م، تقول كلماتها،
(
غريبة من بعد عينج يايمه محتاره بزماني
ياهو الليرحم بحالي يايمه لو دهري رماني
حاجيني يايمه فهميني يايمه
غريبه من بعد عينج يايمه
يمه محتاره بزماني
,,,,,,,,,,,,
كلبي لو فرح انت فرحتي كبلي ياحبيبه
ترد الروح لو يمي كعدتي يالريحتج طيبه
حاجيني يايمه فهميني يايمه
غريبه من بعد عينج يايمه
محتاره بزماني
,,,,,,,,,,,,,,,
اريدج دوم لا تغيبين عني ياروحي يايمه
عذابي لو كثر ويزيد وني من يسمع الجلمه
حاجيني يايمه فهميني يايمه
غريبه من بعد عينج يايمه
محتاره بزماني
,,,,,,,,,,,,
كضيتي لاجلي ايام وليالي سهرانه عليه
لو شفتي الالم اثر بحالي رضيتي بالمنيه
حاجيني يايمه فهميني يايمه
غريبه من بعد عينج يايمه
محتاره بزماني)
3: (
ست الحبايب) :
يقول الشاعر الكبير المصري حسين السيد يوم ٢٠ آذار ١٩٥٩ ذهبت للمباركة لأمي بعيدها، ووصلت شقتها الذي يقع بالطابق الخامس، وكان المصعد الكهربائي عاطلا، وفوجئت اني نسيت اجلب هدية امي، ولا قدرة لي على الرجوع ونزول ٥ طوابق، يقول وقفت على باب شقتها وكتبت هديتها كلمات اغنية ست الحبايب، ويقول اخذ موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب تلك الكلمات وشرع بتلحينها ، وكانت من أجمل ما لحن، وغناها بصوته الجميل، وثم قرر أن يعطيها للفنانة السورية المصرية فائزة أحمد ، وسمعت بلقاء متلفز مع الفنان محمد عبد الوهاب تحدث فيه عن ست الحبايب، فقال أفضل من أداها هي الفنانة فائزة، وتقول كلمات الأغنية:
(
ست الحبايب ياحبيبه يا اغلى من روحي ودمي
ياحنينة وكلك طيبة يارب يخليكي يا أمي
زمان سهرتي وتعبتي وشلتي من عمري ليالي
ولسه برضه دلوقتي بتحملي الهم بدالي
انام وتسهري وتباتي تفكري
وتصحي من الآدان وتيجي تشقري
تعيشي لي ياحبيبتي يا أمي ويدوم لي رضاكي
أنا روحي من روحك أنت وعايشه من سر دعاكي
بتحسي بفرحتي قبل الهنا بسنة
وتحسي بشكوتي من قبل ماأحس أنا
يارب يخليكي ياأمي…).
الكثير من الشعراء كتبوا للأم واحسنوا ، والكثير تغنوا بالأم وبحبها وعطفها وحنانها، ولكن ما كتبته هنا يعبر عن وجهة نظر شخصية، ولولا اختلاف الأذواق لبارت السلع.
حامد كعيد الجبوري

ليست هناك تعليقات: