الأحد، 15 أكتوبر 2017

الألوان المائية خواصها المميزة جماليتها وصعوباتها-صائب خليل

الألوان المائية خواصها المميزة جماليتها وصعوباتها
صائب خليل
13 ت1 2017
قالت احدى الممثلات الغربيات يوما: "المرأة التي لم تعرف العديد من الرجال، لا تعرف أي رجل". والفكرة من هذه العبارة التي تثير الابتسام بلا شك، هي ان من يعرف نوعا واحداً من أي شيء، فإنه يفتقد فرصة "المقارنة". ومن هنا أريد ان أقول ان الرسام الذي يرسم دائما بنوع واحد من الاصباغ يفتقد المقارنة بينها. وبما ان المقارنة أداة أساسية لمعرفة الشيء، فمن لم يستعمل في حياته إلا نوعاً واحداً من الأصباغ، فسوف يفوته الكثير من ميزات وخواص حتى النوع الذي تخصص به.
لم اعرف هذه الحكمة إلا مؤخراً للأسف، وربما بالصدفة، وبعد سنوات (متقطعة) من استعمال الألوان الزيتية دون غيرها، قررت تجربة الأكريلك، ثم قررت تجربة الألوان المائية، واكتشفت من خلال هذه التجارب العديد من خواص الألوان الزيتية التي لم انتبه لها.

أريد هنا ان اتحدث لكم عن الألوان المائية، ليس كخبير بها، بل كمجرب جديد يتلمس طريقه اليها عن طريق التجربة والخطأ. فما هي الخواص المميزة لهذه الأصباغ؟ على أي شيء يجب ان ينتبه الرسام الذي يستعملها، وعلى أية نقاط يجب ان ينتبه مشاهد اللوحة المائية؟

تتميز الألوان المائية أولا بالشفافية الكبيرة مقارنة بغيرها. وتتميز أيضا بالحساسية الشديدة و "عدم التسامح". لكنها بالمقابل، تقوم بنفسها برسم معظم اللوحة لك! فبمجرد أن تضع فرشاتك على الورق وتسحبها يرسم الماء مساحة ألوان منتظمة الكثافة نسبيا ومحددة بشكل دقيق ما لم تكن انت تريدها غير محددة. كما تمتزج الألوان بشكل جميل (غالبا) سواء بخلطها بالفرشاة، أو حتى على الورق، لتعطي تنوعاً لونيا مدهشا وشفافية تسر العين.
لكن كما قلنا، فالمائية تريد منك مقابل هذا ألا تخطأ! فالألوان المائية هي الأقل تسامحا من بين جميع الأصباغ. وفي الغالب فأنك لا تستطيع تصحيح ضربة فرشاة خاطئة. وهذا على العكس من الزيت والأكريلك، حيث يمكنك ان تخطأ كما تشاء (تقريبا) ثم تصحح خطأك. فالماء في الرسم المائي، يغير من طبيعة الورقة تحته، ولا تعود تتقبل الضربة التالية للفرشاة بنفس الطريقة التي استقبلت بها أول ضربة. ومن هنا أيضا حساسية واهمية نوع الورق المستعمل في الرسم المائي. ويجب على من يريد ان يبدأ تجربة الألوان المائية أن يبحث في الانترنت عن الورق المناسب والطريقة المناسبة للتعامل معه لكيلا يتموج بتأثير الماء وتضيع اللوحة.
ضربة الفرشاة في المائية، ضربة واحدة غالباً، خاصة إن اردت رسم شيء محدد. الأوراق في هذا الرسم، رسمت، او يفترض ان ترسم بضربة فرشاة واحدة لكل ورقة! ولتحقيق ذلك يجب ان تستخدم فرشاة سميكة ذات رأس مدبب. توضع الفرشاة على الورقة ليرسم الجزء المدبب من الفرشاة، راس الورقة، ثم تضغط الفرشاة وتسحب ليزداد سمك الورقة تدريجيا، ثم ترفع الفرشاة تدريجيا أيضا لتتقلص الورقة إلى شكلها المميز!
في هذه اللوحة الصغيرة جربت أكثر من نوع من الفرش، أحداها كانت مقصوصة بشكل مائل، واعطت نتائج مرضية جدا، لكنها كانت حساسة جدا أيضا لأي خطأ.
ولأن المائية "ضربة واحدة" فيجب ان تكون متأكداً ليس فقط من اللون المناسب، وإنما أيضا كمية الصبغ التي ستكون في الفرشة والتي ستحدد قوة صبغة الضربة، وكذلك كمية الماء التي تسحبها في فرشاتك. كمية الماء لا تحدد فقط كثافة الصبغة، وإنما ايضاً شكل الحافة ومدى حدتها وتعرجها، وإن كانت هناك مساحات مجاورة لم تجف بعد، فسيكون هناك امتزاج للألوان يجب ان تكون راغبا به.. الخ.
أما بالنسبة للوردة نفسها، فالإشكاليات مختلفة قليلا، وأكثر صعوبة. فهنا، إضافة إلى الحافات الحادة الضرورية، من المهم ان تترك الألوان تمتزج بشكل جميل ومنسق، باستخدام كمية أكبر من الماء، وببعض الحرية، ولكن دون ان تخرج عن سيطرتك!

يجب ان لا يستنتج من هذا ان رسم اللوحة المائية "فلم مرعب" لوحش يتربص الأخطاء، بل يجب، وبعد كسب بعض الخبرة، أن نصل في النهاية الى الاستفادة من إمكانيات الألوان المائية لرسم لوحاتها بنفسها، ليصبح الأمر أقرب الى اللعب مما هو إلى العمل الدقيق الحريص والقلق. وفي كل الأحوال، لا مفر من ان تزخر كل لوحة ألوان مائية بالعديد من المفاجآت السارة وغير السارة، والخبرة وحدها هي من سيزيد إمكانية الرسام من رسم المفاجآت الجميلة وتقليل الأخطاء المزعجة.

من الطبيعي ان هناك طرقاً مختلفة ومتباينة للرسم بالألوان المائية مثلما في بقية الألوان، لكن الرسم الجيد في رأيي هو الرسم الذي يستفيد من الخواص المميزة للأصباغ التي يستعملها الرسام، وأن تكون تلك الاصباغ هي الأنسب والأكثر ملاءمة وسهولة لتنفيذ طريقته في الرسم، وليس لأنه لا يستعمل سوى نوع واحد من الأصباغ، او أنه تكاسل عن استبدالها أو أي سبب اعتباطي آخر. فاللوحة المائية يجب ان تكون "مائية" حقاً، لا يمكن رسمها بألوان أخرى دون ان تفقد الكثير من جمالها.

أترككم مع هذا الرسم المائي التجريبي مع دعوة لاكتشاف الأخطاء التي حصلت، وبشكل خاص، أين كان الرسام مضطرا إلى إعادة الضربة أكثر من مرة، وكيف تركت تلك المحاولة آثارها السلبية على الرسم... وقتا ممتعا.



ليست هناك تعليقات: