محمد أركون من الغربة إلى الاغتراب-*إبراهيم مشارة
محمد أركون من الغربة إلى الاغتراب
خاص- ثقافات
وأنا أمر في شارع موفوتار في الدائرة الخامسة بباريس،وهو شارع جميل ضيق يفضي بك إلى البلاص دي تالي لفت بصري اسم مكتبة الدائرة الخامسة لقد صارت تحمل اسم محمد أركون وهوشيئ يدعو حقا إلى التساؤل مالذي يدعو سلطات بلدية باريس إلى تسمية مكتبة لحي باسم محمد أركون ؟ كثيرون مروا على باريس وعاشوا فيها وكتبوا بالفرنسية كاتب ياسين، طه حسين، ألبير قصيري، مولود معمري، جمال الدين بن شيخ، وغيرهم كثير لكن مالسر في إطلاق اسم محمد أركون على هذه المكتبة الباريسية الرسمية؟
عانى محمد أركون من الإجحاف والظلم الذي لحقه من وطنه الأم الجزائر فقد أفرده النظام إفراد البعير الأجرب وهمشه طيلة حياته فلم يكن مرحبا به أبدا في بلده لاعتبارات سياسية بحتة فالفكر الذي يتبناه محمد أركون ويدعو إليه محاضرا وكاتبا يرفضه النظام وجميع فئات الشعب باستثناء قلة قليلة تدعو إلى قراءة الإسلام قراءة حديثة على ضوء المناهج الغربية الحديثة وهي هي قراءة تفضي إلى وضع الإسلام في نفس الزاوية مع المسيحية تراكما معرفيا وتجارب معيشية وفكرية واجتماعية لا يني الإنسان يحسنها ويسعى بها إلى مزيد من التقدم والرفاه والمرونة والقابلية للتعايش مع منجزات العصر، نظرية تبناها محمد أكون ونصر حامد أبو زيد ومحمود أمين العالم ولفيف من الكتاب العرب اليوم منهم برهان غليون، عبد المجيد الشرفي، محمد الطالبي وغيرهم.
في أحد ملتقيات الفكر الإسلامي في أوائل الثمانينات حدثت خصومة بين محمد أركون والشيخ الغزالي والقرضاوي وانتظر أركون دعما من الحاضرين لكنه كان وحيدا وانسحبت عليه تهمة الانحراف العقيدي ومن يومها قاطع البلد ولم يزره أبدا ،حاضر في المغرب ومصر ولبنان لكن وطنه الأم لم يزره كرة أخرى أبدا حتى التلفزيون كان محرما عليه ولولا الوسائل الإعلامية الحديثة لظل نكرة مجهولا – إلا في دوائر أكاديمية ضيقة- بالرغم من سمعته العالمية في الجامعات الغربية.
حين أشرف محمد أركون على الموت أوصى بدفنه في المغرب لا في الجزائر حيث تنتسب زوجته المغربية، وتم تنفيذ وصيته فدفن بالمغرب، حيث يرقد كاتب جزائري آخر هو محند تازروت مترجم الفيلسوف الألماني اشبنجلر من الألمانية إلى الفرنسية والذي يعترف الفرنسيون أنهم عرفوا كتاب انهيار الغرب عبر ترجمة محند تازروت ابن منطقة فريحة بولاية تيزي وزو.
الخدمة التي أسداها أركون للواقع الغربي والفرنسي خاصة هي إقحام الرؤية الحداثوية للإسلام في المنظومة الفكرية الغربية والتي تنتهي إلى اعتبار الممارسات الدينية شأنا فرديا لا علاقة له بالفضاء الاجتماعي الخاضع للرؤية البشرية البحتة.
تتفق مع أركون أو تختلف معه لا يعني أبدا حرمانه من حقه في التعبير وفي الظهور عبر وسائل الإعلام الوطنية وفي دعوته ليحاضر في جامعات وطنه الهزيلة فكريا والفقيرة معرفيا، وفي استشارته في بناء المناهج التعليمية والخطط الاجتماعاية والثقافية وحتى السياسية كغيره من مثقفي بلده فالضوء الأبيض سبعة ألوان.
التهريج الذي يمارسه نظام فاقد للشرعية والعذرية السياسية والشعبوية التي ينتهجها لضرب الفكر الناقد والحر والخصيب والتهميش المتعمد للنخبة المثقفة هو الذي جعل البلد في ذيل الجامعات العالمية، فالمغرب فقير اقتصاديا لكنه غني معرفيا بدليل ترتيب جامعاته وعدد دور النشر به والإنجازات الأكاديمية السنوية حتى إنه لمن دواعي الأذى للبلد الجار مقارنة الجزائر بالمغرب ثقافيا.
عانى مالك بن نبي من التهمميش ولم تؤسس حلقة فلسفية لمناقشة ومراجعة أعماله وإخراج بعض أفكاره من الفضاء النظري إلى الفضاء العملي ومات صديقه حمودة بن ساعي نكرة في باتنة،وظهرت جمعية من الأدعياء تتكلم باسم مالك بن نبي والرجل منها براء فلولا عبد الصبور شاهين وعمر مسقاوي مات مالك نكرة كمحند تازروت.
حكى طه حسين أنه كان تلميذا لكارلو نيلينو في الجامعة المصرية وأراد الطلبة الاحتجاج على بريطانيا فقرروا مقاطعة دروس الأجانب فلما تقدم الأستاذ كارلو إلى المدرج امتنع الطلبة عن الدخول فقال لهم بعربية صافية:أراد أن يغيظ زوجته فخصى نفسه.
ما يعمله النظام الحاكم من تهريج وشعبوية وإقصاء وتزوير ونهب وفساد هو عملية إخصاء فكري وسياسي، ثقافي وديني للوطن الذاهب إلى مستقبل يتردى فيه في دركات الله وحده أعلم بها.
أقول هذا وأنا اتذكر مزحة الدكتور عثمان أمين فقد كان جالسا على رصيف في مقهى باريسي بالحي اللاتيني ولعله بولفار سان جرمان وكان محبطا من واقع بلده الأم مصر فأخذ ورقة وكتب هذه الأبيات:
إذا كنت في دولة النفاق
فاعدل بساق ومل بساق
ولا تحقق ولا تدقق
وانسب الشام للعراق
ولا تخاصم ولا تجادل
وقابل الكل بالعناق
فأي شيئ كأي شيئ
بلا اختلاف ولا اتفاق
إذا أراد الله بك خيرا حرمك من العقل وأسبغ عليك نعم الغريزة ،فتستريح من نكد الفكر وجحيم المبادئ وجهنم الالتزام يارب خذ العقل وأعطنا غرائز، واجعل بلدنا جنة الشهوات لا جحيم القيم والقناعات. آمين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق